الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84013
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84013 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

بالشرط الجزائي وهو جائز عندنا اذا كان في الاجارة او في البيع، ومستند هذا رواية قد تقدمت، مضمونها أن الشرط جائزما لم يحط بجميع الكراء. وقد افتى بعض العلماء بصحة هذه العملية.

وهذه الحيلة وافية بسهولة بكل اهداف المرابي، وهي تامة ان لم نقل أن أدلة حرمة البيع الربوي في المكيل والموزون تشمل مطلق المثليات(١) (المعدودات وغيرها) نسيئة.

هذا وقد ذكر في البنك اللاربوي عن استاذه الامام الخوئي ص١٧٥ (أن بيع ثمانية دنانير بعشرة في الذمة لايجوز... لانه في الحقيقة وبحسب الارتكاز العرفي قرض قد البس ثوب البيع فيكون من القرض الربوي المحرم) لدعوى صدق القرض على هذه المعاملة وان انشئت بعنوان البيع استنادا الى الارتكاز العرفي أي تشخيص المراد الجدي للمتعاملين والانشاء بالبيع من باب تغيير اللفظ او استنادا الى توسعة دائرة القرض بحسب الارتكاز العرفي بحيث يشمل هذه المعاملة وان اريد بها البيع جدا(٢) . وبما أن القرض بمقتضى أصله هو تبديل المال المثلي الخارجي بمثله في الذمة فينطبق على هذه المعاملة عرفا وان كان بعنوان البيع وتلحقه احكام القرض التي منها حرمة الزيادة.

ولكن ينقض على هذا الرأي فيما لو باع شخص شيئا قيميا بسعر أغلى منه مؤجلا فيلزمنا القول بحرمة ذلك لانه يفيد فائدة القرض. ولكن لاقائل به، على أنه لادليل على أن كل معاملة أفادت فائدة القرض تحرم فيه الزيادة. نعم قد يدعى

____________________

(١) اما اذا اثبتنا ان المكيل والموزون يشمل مطلق المثليات كما يشهد لذلك التعريف القديم للمثلي والقيمي بالمكيل والموزون، فتبطل الحيلة لان النقود مهما كان شكلها فهي مثلية، على أن التعبير بالمثلي والقيمي لم يكن موجودا في زمان الائمةعليهم‌السلام ، وكذلك تبطل الحيلة اذا قلنا ان الربا يجري في المعدود نسيئة كما تقدم ذلك في بحث الربا عند الامامية.

(٢) راجع البنك اللاربوي ص١٧٦ ومابعدها.

٣٦١

هنا أن الربا المحرم في باب القرض هو من أجل الالزام بالزيادة بلامبرر شرعي والعرف لايرى فرقا بين القرض وبين بيع مائة دينار بمائة وعشرين دينارا من ناحية الالزام بالزيادة فتشمل موردنا ادلة الحرمة.

وتوضيح ذلك: اذا نهى الشارع عن استئجار المرأة للعمل الجنسي، فالنهي يكون عن الغرض النوعي الخارجي، فلايكون الفساد في مجرد ايقاع العقد او الغرض العقدي، وانما يكون الفساد في العمل الخارجي، ولكن لانتعدى من الاستئجار الى الزواج، لان النهي كان بلحاظ كرامة المرأة وشرفها العالي الذي لايمكن ان يتملك بعضها بالاستئجار، وانما يجب أن يكون الاستمتاع بها في اطار خاص محترم وهو الزوجية. ومرة يكون النهي عن شيء كالزيادة في القرض بلامبرر شرعي، فهنا أيضا النهي بلحاظ الغرض النوعي وهو الالزام بالزيادة من دون مبرر شرعي، ولكن هنا يوجد ارتكاز عدم الفرق بين الالزام بالزيادة في القرض او في بيع عشرة دنانير باثني عشر نسيئة(١) .

٩ - النظرية التاسعة:

اذا أقرض البنك المال المودع عنده فهو يعتبر نفسه وكيلا عن اصحاب الاموال في الاقراض من اموالهم، فيكون الدائن هو المودع والبنك وكيلا عن المقرض في اقراض ماله، وفي هذه الصورة يمكن للبنك ان يشترط على المقترض في ضمن العقد أن يدفع زيادة على المبلغ المقترض لدى الوفاء

____________________

(١) لقد تعرضنا لرد هذه الحيلة «في الربا عند الامامية» من الناحية الفقهية الاستدلالية بصورة مفصلة، ولكن هنا قد نذكر بعض الامور التي تكون اقناعية اكثر من كونها استدلالية فهي تنسجم مع فكر الانسان المثقف اليوم الذي يرى في الادلة الاقناعية يقينه ويرتفع منه الشك.

٣٦٢

للبنك نفسه، وهذا الفرض الذي لم يجعل للمقرض أي حق في الزيادة وانما فرض على المقترض ان يدفع الزيادة الى البنك.

واجيب عن هذه النظرية بأنها تجوز اذا قلنا ان الربا هو اشتراط المنفعة للمالك واما اذا استفدنا من مثل قوله (ع) في بعض الروايات: فلايشترط الا مثلها ونحوه، أن أي شرط لايجوز الاشرط استرجاع مثل المال المقترض فلايصح اشتراط المنفعة لغير المالك في عقد القرض ايضا.

على ان هذه النظرية تختلف عن صورة اشتراط المالك المنفعة للغير، اذ ان البنك الذي هو وكيل هو الذي يشترط المنفعة له، وليس للدائن وهو المودع حسب الفرض أي شرط هنا، اذا كان الشرط من قبل الوكيل بلااجازة الموكل، واما اذا كان باجازته فيكون من قبيل شرط المالك فهو ربا.

النظرية العاشرة:

ملخصها: أن الذي يحرمه الاسلام هو (الربا) لا (الفائدة).

ولاجل التأكد من ذلك نورد هنا تعريف معجم (اوكسفورد) للربا: فيقول «هو مزاولة اقراض المال بمعدلات فائدة فادحة، وخاصة بفائدة أعلىمن المسموح بها قانونا»(١) فالفائدة المسموح بها قانونا هي محللة لايحرمها الاسلام ولكن الفائدة التي تجاوز القانون هي الربا الذي نهى عنه الاسلام.

وبعد التنازل عن كون الربا والفائدة لفظتان لمعنى واحد وعدم اعتبار تعريف معجم (اوكسفورد) للربا لأنه فهم خاص له، نتسائل عن معدل الفائدة الفادح فهل يوجد ميزان واضح له حتى نأخذ به ويكون محرما؟ ونعرف حينئذ معدل الفائدة المسموح به. نقول ان الفائدة التي تكون اليوم منخفضة ومسموح

____________________

(١) الاسلام والربا د. انور اقبال قرشي ص١٤٠.

٣٦٣

بها ومعقولة جدا قد تعتبر فيما يأتي فائدة فاحشة وفادحة، ونورد هنا بعض معدلات الفائدة التي كانت مسموحا بها وتعتبر قانونية الا أنها اصبحت معدلات فادحة وليست قانونية فيما بعد:

١ - ان الجمعيات التعاونية كانت تتقاضى فوائد تتراوح بين ١٢ في المائة الى ١٥ في المائة وكانت تعتبر معدلات للفائدة معقولة ولكنها الان تعتبر معدلات فادحة.

٢ - ان الحكومة الاميركية تقترض بفائدة مقدارها(١) في المائة كل سنة في حين أن القروض منذ أقل من عشرين سنة كانت تقدمها عصبة الامم بمعدل فائدة مرتفع٥/٨ في المائة١ فأي الفائدتين معقولة؟ وأي الفائدتين محرمة؟ وأي منهما فائدة والثانية ربا في حين ان كلا منهما كان في وقته مسموحا به ويعتبر غير فادح؟.

٣ - وفي انجلترا يسمح للمرابين بفرض فائدةتبلغ ٤٨ في المائة وفي الولايات المتحدة يتراوح المعدل من ولاية الى اخرى من ٣٠ في المائة و٦٠ في المائة(٢) ، وهذا المقدار من الفائدة كان مسموحا به ويعتبرغير فادح، اما الان فهو فائدة فادحة غير مشروعة يعد المرتكب لها مرتكبا لجريمة الربا الفادح، فأي منهما هو الربا واي منهما هو الفائدة؟.

ومن هذه الارقام المتقدمة نستدل على أنه لايوجد ميزان و اضح لمعدل الفائدة الفادح فان مايكون مسموحا بالقانون يصبح فادحا وغير مسموح به قانونا في وقت آخر، وهذا يدل على أنه لافرق بين الفائدة والربا، فان المعدلات المرتفعة للفائدة التي كانت تعتبر معقولة تعتبر الان معدلا ربويا فادحا يعاقب

____________________

(١) الاسلام والربا د. انور اقبال قرشي ص١٤١.

(٢) الاسلام والربا د. اقبال قرشي ص٢٠٢ عن لائحة مقرضي المال البريطانيين سنة ١٩٢٧ فقرة (١٠).

٣٦٤

القانون عليها.

على أن الاسلام رأيه في معدل الفائدة واضح لايفرق بين الفائدة الفادحة وغير الفادحة في أصل الحرمة. وقد حدد الاسلام الصفر معدلا للفائدة وقرر ان أي معدل فوق الصفر هو معدل ربوي للفائدة.

١١ - النظرية الحادية عشرة:

وملخصها: لماذا يختلف الاجر الذي يحصل عليه اصحاب العقارات وادوات الانتاج عن الاجر الذي يأخذه الرأسمالي لقاء رأس ماله النقدي الذي يسلفه الرأسمالي للمشاريع التجارية؟ أي أن الفائدة هي اجرة رأس المال النقدي كما أن لادوات الانتاج وللعقارات اجرة، فكما يمكنك ان تستأجر دارا برهة من الوقت لاجل السكنى ثم تدفع الدار مع الاجرة الى صاحبها فهنا كذلك يسمح عند العرف أن تقترض كمية من النقد لاستخدامها في مشاريع تجارية او استهلاكية ثم تدفع كمية مماثلة مع الاجرة المحددة الى الشخص المقترض منه.

ويمكن أن يجاب: بأن الاسلام فرق بين رأس المال النقدي وبين ادوات الانتاج والعقارت، وجدير بنا أن نعرف ماهو السبب الذي دعا المذهب الاقتصادي الى الغاء اجرة رأس المال، بينما سمح بأجرة ادوات الانتاج.

والجواب: أن ادوات الانتاج مختزنة لعمل سابق، سوف يكون لصاحبه الحق في استهلاك بعضه خلال استخدام الاداة في العمل، فالاجرة هي أجرة على عمل سابق وتقوم على اساس عمل منفق.

أما الكسب او الاجرة الناتجة عن ملكية رأس المال النقدي وهي (الفائدة) فان التاجر المقترض الف دينار فأنه يدفع الف دينار في الوقت المحدد الى الدائن دون أن يستهلك منها شيئا، فلا تنقص نتيجة الاستعمال، فالفائدة حينئذ لاتكون

٣٦٥

كسبا مشروعا لانه لايقوم على اساس العمل.

والى هنا تم الكلام عن الفصل الاول من الربا من الناحية الاقتصادية ولولا أننا في مقام التماس الادلة الى احكام الله عزوجل، وهو يقتضينا أن لانترك مانحتمل مدخليته في حلية الربا. وان لانترك حتى التخريجات الاقتصادية المشروعة لكنا في غنى عن عرض بعض هذه الاراء والتحدث عنها.

الفصل الثاني : مضار الربا

وقد تعرضنا في هذا الفصل الى كل مايتصل بالربا من مضار فكان كمايلي:

١ - مضار الربا من الناحية الاقتصادية:

من المؤسف جدا أن (مهنة المرابي) وهي الآفة العالمية التي تقدم القرض بسهولة عند الشدائد الى الفقراء والمتوسطين تعتبره الحكومة غير الاسلامية، خارجا من دائرة واجباتها. ولكنا نقول ان من الواجب أن يكون من اول اعمال الحكومات العناية بهذه الافة العالمية والنظر فيها، ولاتترك العمل للمرابين في سلب اموال الفقراء والمعوزين. ولكننا نرى - من المؤسف - أن الدول تكون كعامل نشط في جلب اموال الفقراء الى هذا المرابي الصغير او المرابي الكبير (البنك).

ومضار الربا من الناحية الاقتصادية تجسد في القروض الاستهلاكية والقروض الانتاجية والقروض الحكومية من الداخل:

أ - القروض الاستهلاكية: وهي قروض يطلبها الفقراء المتوسطون نتيجة

٣٦٦

لوقوعهم في مصيبة او شدة لقضاء حاجاتهم الضرورية. ومن المعلوم فداحة السعر الربوي في هذا النوع من القروض، لان المتصدي لهذا النوع هو المرابي الذي لارقيب عليه في تقرير الفائدة، فالذي يقع في شرك هذا المرابي مرة لايتخلص منه طول حياته، بل يكون العبء على ابنائه واحفاده في سداد دينه.

ويكون هذا واضحا اذا نظرنا الى الربا المسموح به في انكلترا للمرابي وهو ٤٨ في المائة سنويا على الاقل، والسعر العام الذي تجري عليه المعاملات الاقتصادية فهو يتراوح بين٢٥٠ في المائة و٤٠٠ في المائة سنويا وقد تمت فيها بعض المعاملات الربوية بسعر ١٢٠٠ في المائة او ١٣٠٠ في المائة سنويا.

والربا المسموح به رسميا للمرابي في اميركا هو بين ٣٠ في المائة و٦٠ في المائة سنويا والمعاملات العامة الربوية تجري بسعر ١٠٠ في المائة و٢٦٠ في المائة سنويا ويرتفع أحيانا الى ٤٨٠ في المائة(١) .

وهذه العملية هي التي تمكن الراسمالي من دخل العمال وتجعله مستبدا به دونهم. ونتيجة لذلك تفسد اخلاقهم، ويقترفون الجرائم والدنايا، وهو يحط من مستوى المعيشة، ويقلل من كفاءاتهم ونشاطهم الذهني والبدني، وهذا ليس ظلما فحسب بل انه ضرر على الاقتصاد الاجتماعي.

على أن المرابي يسلب قوة الشراء من الفقير، واذا فترت قوة الشراء تكدست البضائع في الاسواق ونتيجة لهذا التكدس تتوقف بعض المعامل من الانتاج او تقلله على الاقل، وبهذه العملية تنشا البطالة لمئات من البشر، وهذه البطالة تعرقل نمو التجارة والصناعة. بالاضافة الى أن التأكيدات من قبل الاقتصاديين الى الادخار وعدم الاستهلاك لتقديم قروض بفائدة ليجلب الربا الى خزانته تؤدي الى ظهور البطالة بالتقريب المتقدم.

____________________

(١) الربا ابو الاعلى المودودي ص٤٦.

٣٦٧

ب - القروض الانتاجية: وهذه القروض يأخذها التجار واصحاب الصناعة والحرف لاستغلالها في الانتاج المثمر.

ان هذه العملية التي يأخذ المرابي الربا من دون أن يتعرض لشيء اذا خسر المعمل أو التاجر تؤدي الى تحرك الميزان الاقتصادي من جانب واحد دائما وهو جانب المرابي فهو رابح دائما، اما صاحب المعمل او التاجر فليس كذلك وهذه العملية غير فطرية لتاديتها ضرر جميع العمال وصاحب العمل الا المرابي فانه لايتضرر بذلك حيث أن ربحه مضمون.

بالاضافة الى أن معظم رأس المال مدخر عند الرأسماليين، لأنهم يرجون ارتفاع سعر الربا، فلايعطي ماله للتجارة او الصناعة لانتظاره ارتفاع سعر الربا. على أن السعر المرتفع يجعل المرابي ممسكا لماله الاّ وفق مصلحته الشخصية لاوفق حاجة الناس أو البلاد، وقد يكون السعر المرتفع مانعا هم الاعمال النافعة المفيدة للمصلحة العامة مادام ربحها لايسدد سعر الربا، في حين أن المال يتدفق نحو الاعمال البعيدة عن المصلحة العامة لانها تعود بربح كثير.

وقد يستعمل التجار الذين هم مطالبون بالربا الطرق المشروعة وغير المشروعة المؤدية الىاضطراب

المجتمع الانساني والحط من الاخلاق الانسانية ومايترتب عليها من جرائم في سبيل كسب سعر الربا.

ج - القروض الحكومية من الداخل: وهي القروض التي تأخذها الحكومة من أهالي البلاد، فهناك القروض المأخوذة لاغراض غير مثمرة كالحرب لاجل الاغراض الشخصية العدوانية الجاهلية، وهناك القروض المأخوذة لاغراض انسانية اجتماعية كالتجارة مثلا، وهذان النوعان يشابهان القروض الاستهلاكية والقروض الانتاجية.

والملاحظ هنا ان الحكومة تلقي ضغطا على عامة اهل البلاد - لاجل أن

٣٦٨

تجلب من معاش الافراد - بجعل الضرائب والمكوس حتى تستطيع أن تؤدي الى الرأسماليين (اصحاب القروض) الربا. والتجار أيضا لايؤدون هذه الضرائب والمكوس من عندهم وانما يرفعون قيمة الحاصل او السلع فيؤخذ الربا علىوجه غير مباشر من كل من يشتري من السوق وهو الفقير والمتوسط الحال. اذن الذي يتضرر تضررا كاملا هو الفقير فحسب، لان صاحب الغلة واصحاب المصانع والتجار يرفعون من سعر نتاجهم.

فالخلاصة: ان الربا ثروة من الفقراء الى الاغنياء والحكومة هي الموظفة المخلصة للمرابي مع أن مصلحة الامة علىالعكس. على أن قروض الدولة من الخارج فيها مفاسد اشد واكثر خطرا على الانسانية من غيرها، لانه يغرس بذور العداوة بين امم الارض، والدولة التي فرضت عليها الربا تزيد من مصائب بلادها بفرضها الضرائب الفادحة على رؤوس السكان والاقلال من النفقات(١) . وقد توصل (مستر هارولدج.ماولتون) مع زميله (مستر ليريا ستولكي) الى النتائج التالية(٢) :

١ - «ان الاعفاء الكامل من دين تعويضات الحرب كله سوف يعمل على ازدهار الاقتصاد العالمي بدلا من أن يعوقه».

٢ - «ان تحصيل الديون التي علىالحكومات سوف يكون من الوجهة الاقتصادية ضارا بالدول الدائنة اكثر مما يفيدها».

وهذه الديون بعد الحرب العالمية الاولى تسمى (مدفوعات دين الحرب) كانت على (٢٨) دولة أن تفي بها سنة ١٩٣١ أي بعد ١٣ سنة من انهاء الحرب تبلغ (٠٠٠/٥٤٧/ ٧٤١/٥٧) دولارا. وقد أحدثت ديون الحرب هذه

____________________

(١) الربا للمودودي ص٥٧ ومابعدها.

(٢) الاسلام والربا/ قرشي ص٢٢٠ - ٢٢١.

٣٦٩

آثارا مثبطة في اقتصاد العالم كله، وأطالت الكساد الاقتصادي العالمي ذلك الكساد يعتقد أنه أحد وأطول كساد فيما أعرف من تاريخ العالم»(١) .

هذا وقد ذكر السنهوري وغيره مضارا أخرى في ربا المعاوضة وهي:

١ - احتكار أقوات الناس في المكيل والموزون.

٢ - التلاعب في العملة لتقلب اسعارها لانها هي سلعة من السلع اذا جوزنا الربا.

٣ - وجود الغبن والاستغلال عند التعامل بالربا في الجنس الواحد، فان التفاضل في الكم لايواجه التفاضل في الكيف بدقة لو فرضنا وجود التفاضل في الكيف(٢) . فيمكن أن يمنع الربا اقتصاديا لهذه المضار، فلايحصل الاحتكار لاقوات الناس ويمنع التلاعب في العملة ويمنع الغبن والاستغلال عند التعامل في الجنس الواحد.

٢ - مضار الربا من الناحية الاجتماعية:

ان مصلحة الطبقة الغنية الموسرة مناقضة لمصلحة الطبقات الفقيرة، فالمجتمع الذي يؤيده الرأسمالي هو ذلك المجتمع الذي يتعامل افراده بالأثرة ولايساعد من في المجتمع غيره الا بفائدة مادية لنفسه، على أن ضيق الافراد الفقراء فرصة يرحب بها المرابون، ولكن المجتمع الذي يؤيد الفقير هو على العكس من هذا المجتمع، ولكن يجب أن لايتطرف الفقراء في اعمالهم كرد فعل منهم بحيث تنشأ مشاكل اخرى نتيجة التطرف، بل يجب أن نجعل الدواء للداء الموجود لا أن نحول الداء الى داء آخر كما عن الماركسية حيث اوجدت الصراع بينهم. فالمجتمع الذي فيه الربا والمرابون لايمكن أن يرسو على

____________________

(١) الاسلام والربا/ قرشي ص٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) مصادر الحق ٣/٢٣٦.

٣٧٠

قواعد ثابتة فلابد أن تبقى اجزاؤه مائلة مفككة. ويقال في الهند «يولد المزارع مدينا ويعيش مدينا ويموت مدينا»(١) فهو لايمكنه أن يندمج مع مجتمع المرابين بل يفضل مجتمعا آخرا.

وهنا نقترح أن تقوم الدولة التي تنفق كثيرا في سبيل الخدمات الاجتماعية مجانا بوضع نظام لتقديم قروض بلافوائد كطريق للخدمات الاجتماعية، وهذا هو الدواء الناجع لجعل المجتمع صالحا ولايجاد المجتمع الافضل حيث يقضي على اسس الاختلاف والتناقض بين المرابين والفقراء، وتوجد الايثار فيما بينهم بدلا من الاثرة. وبعد أن تعمل الدولة على ازالة اسس الاختلاف في المجتمع تعمل جاهدة لايجاد روابط بين افراد المجتمع، وقد جعل الاسلام رابطة قوية بين الاغنياء والفقراء تجعل المجتمع متمسكا متآخيا فيه ايثار بدلا عن الاثرة، وذلك بايجاد الزكاة والخمس التي تؤخذ من الاغنياء وتعطى الى مستحقيها وبايجاد الامور الخيرية المستحبة التي ندب اليها الشرع الحنيف وبذل غاية مافي وسعه لتربية ابنائه عليهالايجاد المجتمع المتآخي الذي يكون فيه الايثار سائدا بدلا من الاثرة.

الاثر الفطري للربا

ولاجل أن نتعرف على الاثر الفطري الذي يخلفه الربا نورد حديث انجلترا واميركا بعد الحرب العالمية الاخيرة لعقد اتفاقية (برتين وود) لدين كبير.

«ان انجلترا كانت تريد من اميركا - وقد كانت حليفتها في الحرب - أن تمن عليها بالقرض بدون شيء من الربا، ولكن امريكا مارضيت بذلك وأبت أن تقرضها الا بالربا، واضطرت انجلترا بمشاكلها العديدة أن ترضى كرها بأداء الربا»

____________________

(١) الاسلام والربا ص٢٠١ عن تقرير البعثة الملكية عن الزراعة في الهند

٣٧١

لكن لنرى ماهو الاثر الفطري الذي ترك في الشعب الانجليزي من كبار سياسييهم واقتصادييهم.

ومما قاله اللورد كينز، بعد أن عقد الاتفاقية مع امريكا باعتباره ممثلا للشعب الانجليزي «لا استطيع أن انسى أبد الدهر ذلك الحزن الشديد والالم المرير الذي قد لحق بي من معاملة أمريكا ايانا في هذه الاتفاقية فانها أبت أن تقرضنا شيئا الا بالربا».

ومما قاله تشرشل «اني لأتوجس خلال هذا السلوك العجيب المبني على الاثرة وحب المال الذي عاملتنا به امريكا كان ضروربا من الاخطار. والحق أن هذه الاتفاقية قد تركت اثرا سيئا جدا فيما بيننا وبين اميركا من العلاقة».

وقال اللورد دالتن وزير المالية «ان هذا العبء الثقيل الذي نخرج من الحرب وهو على ظهورنا، جائزة عجيبة جدا نلناها على ماعانينا في الحرب من الشدائد والمشاق والتضحيات لاجل الغاية المشتركة، وندع للمؤرخين في المستقبل أن يروا رأيهم في هذه الجائزة الفذة من نوعها، التمسنا من اميركا ان تقرضنا قرضا حسنا ولكنها قالت لنا جوابا على هذا: ما هذه بسياسة عملية»(١) .

ومن هذه الاقوال نلمس الاثر الفطري واضحا سواء تعاملت به الافراد او الامم، فهكذا تعترف انجلترا ان الربا شيء مستقبح، فهل فكر الاقتصاديون في رفع الفائدة من مجتمعهم على الاقل؟! كما فعل كينز.

٣ - مضار الربا من ناحية تنمية الاقتصاد:

ويقصد بالتنمية الاقتصادية زيادة الموارد الانتاجية عن طريق تغيير اساليب الانتاج وتغيير الناحية التكنيكية نحو الاحسن وزيادة رأس المال الثابت (الالات)

____________________

(١) الربا المودودي ص٤٣ - ٤٤.

٣٧٢

ورفع الكفاءة الفنية للعمال وانشاء موارد جديدة تعمل على تجهيز الموارد القديمة بالاضافة الى رفع معدل نمو الانتاج وامثال ذلك، وبتعبير علمي دقيق أن النمو الاقتصادي «ظاهرة اجتماعية تتضمن تغييرات كمية وتغييرات كيفية تطرأ على النظام الاقتصادي في فترات زمنية متعاقبة»(١) .

وعلى هذا فان تنمية اقتصاد الدولة يجب أن تكون بحرمة الربا او الفائدة، وسبب تاخر التنمية الاقتصادية في أي دولة كان هو اباحة الفائدة، ونظام اقتراض المال الذي لايراقب وهو المسؤول او العامل الرئيسي في هزالة الحالة الأقتصادية وعدم تنمية الصناعة في البلاد. أي ان هناك قواعد عامة في البناء الاقتصادي تسير عليها الدولة، وحيث ان الربا يجيء على خلاف هذه القواعد فيعتصر الفقير ويزيد مال الغني ويستغل الحاجة وينبت الجريمة ويزعزع العقيدة ويفسد المجتمع فهو محرم لانه يضر من الوجهة الاقتصادية(٢) .

ومن الواضح ان مقرض المال اذا وجد في المجتمع من يقترض منه بفائدة ١٢ في المائة او ١٥ في المائة فانه يكون بعيدا عن الاستثمار من ناحية الصناعة، اذ أنه يفضل الربح المضمون المؤكد على الربح غير المضمون، مضافا الى انه يبذل معه عملا او ينوء بالخسارة في بعض الاحيان، وخصوصا اذا كانت نتيجة الصناعة هو اعطاء ربح اقل من الربح الذي تدره الفائدة.

وحينما تحظر الفائدة في مجتمع ما فان اصحاب الاموال يضطرون الى استثمار اموالهم في التجارة والصناعة، ولو وجّه الاقتصاديون اهتماهم الى هذه النظرية وهي حرمة الربا لوجدت تنمية صناعية سريعة. «وفي سنة (١٩٣٣) اصدرت كل المقاطعات (في الهند) تقريبا قوانين تفرض حظرا شديدا علىاقراض

____________________

(١) محاضرات في التخطيط الاقتصادي د. عزيز القطيفي ص٣.

(٢) وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي/ الاستاذ عيسى عبده ابراهيم ص٢٤ ومابعدها.

٣٧٣

المال وتحدد الحد الاعلى لمعدلات الفائدة... فاضطروا (أي مقرضو المال) الى استثمار اموالهم في التجارة والصناعة»(١) .

على أن تعاون المال مع الصناعة يجب أن يكون على اساس الشركة لاعلى دفع فوائد، اذ تترتب فوائد كثيرة على قانون الشركة، ففي ظل نظام الشركة يكون صاحب المال حريصا على انجاح المشروع بخلاف ما اذا كان يحمل سهم دين فانه لايبالي بنجاح الشركة اذا كانت فائدته ثابتة، فالحركة الربوية تناقض دائما الحركة التجارية، فالمرابون حينما يشتد احتياج التجار الى المال يمتنعون من بذله الا بسعر مرتفع للفائدة، وحينما يقل احتياج التجار الى المال يضعون الاموال على المسرح ويبذلونها بفائدة رخيصة. بالاضافة الى العمل الذي يبذله اصحاب الاموال ونظرتهم التجارية وخبرتهم في ادارة الاموال ان كانت جيدة، كل هذا يكون مساعدا على انشاء المشروع.

ثم انه قد تكون هزالة الحالة الاقتصادية تابعة لقلة رأس المال المنتج، الا أنه اذا توفرت رؤوس الاموال وكان نظام الفائدة موجودا فيكون هو السبب الوحيد لتخلف نمو اقتصاد الدولة، لان اصحاب رؤوس الاموال يمتكلون الفائض من المدخرات المالية المعطلة لامل ارتفاع سعرالفائدة. ونتيجة لهذا الادخار العام سوف يقل الطلب على السلع الاستهلاكية لان الاموال مجمدة فتتوقف المعامل فتنشأ طبقة ضخمة من الاشخاص العاطلين في قبال تلك الاموال المدخرة عند الرأسماليين.

على أن الاقتصاديين لو ارادوا تلافي الموقف فانهم يحاولون أن يوظفوا العمال العاطلين في مشاريع كبيرة حتى تزول مشكلة البطالة. الا أن التجار او الرأسماليين لاينزلون الى هذه المشاريع الكبيرة الا اذا كان معدل الربح

____________________

(١) الاسلام والربا د. قرشي ص٢٤٨.

٣٧٤

اكبر عادة من معدل الفائدة الساري، فمثلا لو أن معدل الفائدة ٧ في المائة والمال الذي يستثمر في مشروعات لمنفعة المصلحة العامة كتبليط الشوارع ومشروعات الري لاتدر من الفوائد الا ٥ في المائة فان هذه المشروعات العامة طبقا للنظرة الرأسمالية، غير منتجة فلا يستغل المال في هذه المشروعات مهما كانت مفيدة للمجتمع، اما لو كانت الفائدة محرمة، فان هذه المشروعات يستغل فيها المال لوجود ربح ٥ في المائة بالاضافة الى انتفاع المجتمع منها.

هذا وقد ذكر الاقتصاديون مقاييس تقريبية لقياس النمو الاقتصادي، لان ظاهرة النمو الاقتصادي ظاهرة معقدة التكوين لاتخضع تفاصيلها للقياس الكمي، ولكن اوجد الاقتصاديون مؤشرا تقريبيا لقياس النمو الاقتصادي وهو:

١ - معدل نمو الدخل الفردي، وهذا يعكس بصورة تقريبية تغيير مستوى المعيشة، وهذا يتوقف على نمو الدخل القومي وعلى معدل نمو السكان، أي اذا كانت الزيادة في الدخل القومي في فترات متعاقبة اكبر من الزيادة في السكان.

٢ - معدل نمو الدخل القومي، أي أن الزيادة فيه تعكس كفاءة الاقتصاد الوطني من حيث امكاناته في تحقيق النمو(١) .

ثم ان معدل نمو الدخل القومي يتوقف على عاملين اساسيين هما:

١ - نسبة الاستثمار السنوي الى الدخل القومي.

٢ - كفاءة رأس المال المستثمر في تحقيق زيادة في الدخل، أي انتاجية رأس المال(٢) ، ولايحصل نمو الدخل القومي الا بحرمة الفائدة حتى تتوجه رؤوس الموال نحو الاستثمار المنتج فيزداد الدخل القومي والدخل الفردي تبعا له. إذن فلاتحل المشكلة الا بحظر الفائدة حتى يلتجىء الرأسمالي النزول

____________________

(١) محاضرات في التخطيط الاقتصادي د. عزيز القطيفي ص٦ - ٩.

(٢) محاضرات في التخطيط الاقتصادي د. عزيز القطيفي ص٦ - ٩.

٣٧٥

الى العمل اولا، والذي فيه منفعة وخدمة للامة ثانيا. ثم ان فريضتي الزكاة والخمس في ظل النظام الاسلامي تلعب الدور الاهم في تنمية اقتصاد الدولة، فالزكاة هي ضريبة سماوية مقدارها ٥ر٢ في المائة على المدخرات والفوائد المعطلة التي دار عليها الحول من الذهب والفضة(١) ، واما الخمس وهو الضريبة الثانية الواجبة التي جعل الله سبحانه قسما منها على كل مال زائد عن حاجة الانسان ومؤنته في السنة.

فلو التزمنا بالنقطتين لرأينا كيف أن الدولة تنمو اقتصاديا بسرعة مذهلة، ونحن هنا نجعل هذه النظرية تحت اشراف الاقتصاديين، على أنا نلمح من كتاباتهم الميل الى هذه النظرية كما في كتابات كينز من انزال الفائدة الى الصفر كما في النظرة الاسلامية، وسوف يتقدم العلم الى النظريات الاسلامية لمافيها من ازدهار لكل العالم.

«يمحق الله الربا ويربي الصدقات»

ان الكنيسة طرحت رأي الدين عنذ النظر في التنظيم الاقتصادي لكي تتفق آراؤهم مع التنظيم الرأسمالي الذي قاد العالم الى حروب مدمرة، فماذا يعمل علماء الاسلام عند النظر في التنظيم الراسمالي او الاشتراكي الذي لايختلف عما سبقه من حيث النتائج وان اختلفا في الاسلوب؟.

ولو نظرنا الى الآية القرآنية (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) لنرى كيف يمحق الله الربا ويزيله، ولو تأملنا قليلا لوجدنا أن في الاية وصفا لاقتصاد القرون الاخيرة التي نشاهدها بأعيينا وقد استنزفت منها الحروب الظالمة

____________________

(١) الزكاة تكون في النعم وفي الغلات ايضا. وهناك موارد اخرى كضريبة على الغني يدفعها للفقراء يمكن ان تكون حافزا مهما لنمو الدولة اقتصاديا ليس الان محلها.

٣٧٦

الشيء الكثير «ويكفي أن نلاحظ ان الاستعداد للحرب يكلف الشعوب في البلاد الكبرى ما يزيد على أربعين في المائة من الدخل القومي»(١) .

وهذا المال الذي يبذل في الحروب يبلغ «مائة الف مليون من الجنيهات، وانه اذا وزع على سكان الارض لخص كل فرد اربعين جنيها في السنة، واذا كانت الاسرة تتألف من خمسة أشخاص، فان نصيبها من هذا القدر الممحوق يكون (٢٠٠) جنيه في السنة»(٢) . فان هذه الأموال الطائلة التي تتلف من الدولة هي نتائجه الربا المنتشر في العالم وتطبيقا لقوله تعالى (يمحق الله الرب).

وهناك بعض الدول التي تحرق الحاصلات الزراعية الزائدة عن الحاصلات التي تعرضها بأعلى سعر ممكن، في حين أن قسما من البشر يموتون موتا بطيئا من الجوع، وهذا أيضا نتيجة السياسة المتبعة في الدولة وبعدها عن ظل النظام الاسلامي في الرفاهية عن المجتمعات ككل.

٤ - مضار الربا من ناحية المرابي:

يذكر البعض أن حلية الربا هو الذي انشا البنوك وتركزت الثروة في أيادي أصحابها، فكان من نتيجة سيطرة اصحاب البنوك على اقتصاد الدولة وعلى سياستها في الداخل والخارج بل وعلى تشريعات الدولة(٣) ، اضف الى ذلك أن أصحاب البنوك بما أنهم لايهابون الدين بتحليل الفائدة فهم يعملون على مهاجمة الدين، ومن المهاجمات السيطرة على وسائل الاعلام ومهاجمة علماء الدين، لان وجود العلماء كقوة مزاحمة لنمو الثروة عندهم بالطريق غير المشروع،

____________________

(١) وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي/ عيسى عبده ابراهيم ص٣٣.

(٢) وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي/ عيسى عبده ابراهيم ص٣٣.

(٣) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية د. محمد العربي ص٨٥ ومابعدها.

٣٧٧

فعملوا على افساد اخلاقيات المجتمع بحيث يكفل لهم المزيد من الثروة.

نعم، ان المرابي قد يضحي من أجل الشعب اذا كانت مصلحته تقتضي ذلك فهو انما يضحي لمصلحته لاللمجتمع وقد تقدم سابقا أن اصحاب البنوك متطفلون على موائد الناس لان الاموال ليست لهم في اول الامر.

اذن الضرر الناتج من حلية الربا هو تسيير الدولة في صالح أصحاب البنوك، فيدخلونها في مشاكل من أجل مصلحة افراد قليلة تتحكم في رقاب الامة.

٥ - مضار الربا من ناحية المنتج:

وقد لخصها الدكتور محمد العربي في خمسة موارد(١) يرجع بعضها لما تقدم سابقا وهي:

١ - أن الربا يكون دخيلا في غلاء اسعار السلع، اذ المنتج وهو المقترض يضيف فائدة القرض الى تكاليف السلع فكأن المجتمع هو الذي يدفع الفائدة.

٢ - ان المجتمع هو الذي يدفع الفائدة اذا ظلت دورة الرخاء قائمة والطلب مستمر، أما اذا امتنع الناس عن الاستهلاك نتيجة لارتفاع سعر السلعة او نتيجة للادخار، فان السلعة تبقى مكدسة، ومن هنا تنشا البطالة وللبطالة خطرها الكبير.

٣ - اذا ارتفعت الفائدة يلجأ المنتج الى تخفيض اجور العمال، لان تكاليف الانتاج مرتفعة، او يستغني عن البعض، فاذا خفض اجور العمال أدى الى نقص القوة الشرائية في المجتمع، واذا استغنى عن البعض خلق البطالة، وفي كلتا الحالتين تنشأ البطالة والازمات الدورية.

____________________

(١) المصدر السابق والصفحة.

٣٧٨

٤ - عندما يبحث المنتج عن اماكن يصرف فيها الفائض من الانتاج يجد البلدان المتخلفة خير سوق له، وهو يهوى أن تستديم هذه الاسواق له، فيعمل على بسط نفوذ دولته عليها عن طريق الاستعمار، ويعمل على تخلفها، واذا تزاحمت الدول الصناعية على هذه الدول المتخلفة نشأت الحروب(١) نتيجة المزاحمة بخلاف نظرة الاسلام التي ترى وجوب مساعدة الشعوب والحكومات الضعيفة لتقف في خط واحد من الحضارة والتقدم، وهذه النقطة وحدها كافية لتحريم الفائدة لما فيها من عمل على تأخير الشعوب واستغلالها.

٥ - تتآمر الدول الصناعية على تخفيض اثمان الموارد الاولية المستوردة من الدول الضعيفة (غير المستعمرة) اذا اخفق المنتج المقترض بالربا. ولم يكن بوسعه تخفيض اجور العمال، وبهذا العمل تصاب اكثر دول الارض بأضرار كثيرة.

بالاضافة الى أن الربا مضر من الناحية الاخلاقية والروحية لانه ينطبع بالبخل والاثرة والعبودية للمال بعكس نتائج الشؤون المالية القائمة في ظل نظام الاسلام كالزكاة والخمس وغيرهما من الفرائض والمستحبات التي حببها الاسلام للفرد وكانها مصلحة شخصية له لما فيها من ثواب اخروي.

ونتيجة لهذه الاضرار المتقدمة نرى بعض علماء الاقتصاد في الدول الرأسمالية، يندد بالفائدة. والى هنا انتهى الفصل الثاني.

الفصل الثالث : الربا بين مؤيديه ومعارضيه

ان هذا الفصل ادخلناه في الربا اقتصاديا حيث أنه اقرب مايكون للبحث

____________________

(١) كما نرى من صرع جاء بين الشرق والغرب على مايسمى بالاصدقاء «الدول المستثمرة للبضائع والمصدرة للنفط».

٣٧٩

المفاهيمي من البحث الفقهي الذي يستند الى الحجة والدليل، الا أنه بحث بين المسلمين من فقهاء واقتصاديين.

نقول: ان الربا في العصر الحاضر له اتجاهان، اتجاه يؤيده واتجاه يعارضه، ففي المؤتمرات التي تعد للنظر في احكام الشريعة الاسلامية يظهر على المسرح هذان الاتجاهان كما في مؤتمر الفقه الاسلامي بباريس لسنة (١٩٥١م)، ونحن هنا نستعرض هذين الاتجاهين على مابأحدهما من بعد عن تفهم طبيعة الفقه الاسلامي.

١ - الاتجاه المحافظ على احكام الربا:

ويمثل هذا الاتجاه الاستاذ محمد عبد الله دراز، يقول ماملخصه(١) : ان القاعدة تقتضي بتقسيم الاشياء التي يراد تبادلها الى ثلاثة أضرب:

١ - البدلان من نوع واحد كالذهب بالذهب، فهنا يجب التساوي في الكم والفورية في التبادل(٢) .

٢ - البدلان من نوعين مختلفين من جنس واحد كالذهب بالفضة، فهنا يشترط شرط واحد وهو الفورية.

٣ - ان يكونا من جنسين مختلفين كالفضة بالطعام فيكون التقابض حرا.

ونرى هنا انه كلما كان البدلان من طبيعتين مختلفتين بحيث لاتجد شبهة القصد الى القرض بفائدة فالشريعة تضع الحرية امام التبادل الا المبدأ العام في المعاملة وهو تحري الصدق والامانة. واذا اخذت طبيعة البدلين تتقارب بدون

____________________

(١) السنهوري مصادر الحق٣/٢٢٨ عن محاضرة دراز ص١٤ - ١٥.

(٢) على رأي المشهور.

٣٨٠