الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84030
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84030 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

أن تتحد نرى المشرع يحذر منها لاحتمال ان يقصد المتعاملان الى معاملة الربا فيحضر عليهما تأجيل احد العوضين(١) ويرخص بتفاوت الكم سدا لفكرة القرض المحرم تحت ستار البيع.

واذا اتحدت طبيعة البدلين مع التفاوت في الاوصاف وغيرها فهنا منع تأجيل البدل والزيادة، ومن السهل أن نعرف الحكمة من التأجيل وذلك لان من شأن هذا التأجيل ان يكون القصد هو القرض باسم البيع.

وذكر الاستاذ دراز أن هناك دعائم قوية يقوم عليها تحريم الربا في جميع صوره، ويمكن أن نعدها من مفاسد الربا، وهي:

١ - الدعامة الاخلاقية: وهي التي جوزت الربح من طريق (البيع) فانها لاتجوزه من طريق المجاملة (القرض).

٢ - الدعامة الاجتماعية: وهي محاباة للمال وايثار علىالعمل فان مجرد تقرير ربح مضمون لرب المال بدون مقابل ربح للمقترض يوسع المسافة ويعمق الهوة بين طبقات الامة الاسلامية، بتحويل الثروة الى جهة واحدة معينة بعكس راي الاسلام في تشجيع المساواة في الفرص بين الجميع. وهذه اللمحة بارزة في التشريع القرآني وهي الحيلولة دون هذه المحاباة لرأس المال على حساب جمهور المسلمين الكادحين وأن القرآن يسعى لتحقيق نوع من التجانس والمساواة بين افراد الامة كما في قوله تعالى (كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم).

٣ - الدعاية الاقتصادية: وهي تحريف لقواعد الحياة، فاننا اذا اشركنا المقرض في الربح الناشيء وجب علينا في الوقت نفسه ان نشركه في الخسارة

____________________

(١) كما هو رأي بعض فقهاء المسلمين حيث يرون ان بيع الطعام بالطعام نسيئة لايجوز وكما في بيع الذهب بالفضة حيث يشترط النقد والتقابض زيادة عليه.

٣٨١

النازلة (اذ أن من له الغنم فعليه الغرم) اوكل حق يقابله واجب، واما اذا جعلنا الميزان يتحرك من جانب واحد فذلك معاندة للطبيعة، واذا قبلنا اشراك رب المال في الربح والخسارة انتقلت المسألة من موضوع القرض الى القرض، وهذه النظرية لم يغفلها القانون الاسلامي بل أساغها ونظمها تحت عنوان المضاربة. ولكن المرابي يريد ربحا من دون خسارة او مخاطرة، وهذا هو تحريف لقواعد الحياة ومحاولة تبديل نظمها(١) .

والاستاذ دراز يبدو منه «كما ذكر السنهوري» تحريم الربا في جميع صوره واشكاله، فهو لايقسم تحريم الربا الى قسمين ماهو محرم تحريم المقاصد وماهو محرم تحريم الوسائل، فانه يرى أن الربا محرم بجميع صوره واشكاله، واما من ناحية الضرورة فانها هي التي تبيح أكل الميتة وشرب الدم وهي تجري في جميع صور الربا بل في جميع الاحكام دون استثناء، ومستندنا قوله تعالى (وقد فصل لكم ماحرم عليكم الاّ ما اضطررتم اليه)(٢) .

وليست الضرورة هي مجرد الحاجة. ويوصي الاستاذ دراز بالهوادة والتأني قبل القول بوجود الضرورة، ويطلب ممن يقول فوق العلم بقواعد الشريعة الاسلامية ان يكون عنده، ورع وتقوى يحجزانه عن التسرع في تطبيق الرخصة على غير موضعها كما أنه يجب أن يبدأ باستنفاد كل الحلول الممكنة المشروعة ويستند الاستاذ دراز في تبرير رأيه الى الاعتبار الاقتصادي ويشير الى ضرورة أن يتقاسم رأس المال والعمل الربح والخسارة كما في القراض.

٢ - الاتجاه المتحرر من احكام الربا:

ويمثل هذا الاتجاه الاستاذ معروف الدواليبي في محاضرته التي ألقاها في

____________________

(١) السنهوري مصادر الحق٣/٢٣٠ - ٢٣٢.

(٢) سورة الانعام آية ١١٩.

٣٨٢

مؤتمر الفقه بباريس وملخص اتجاهه هو: أن الربا المحرم انما يكون في القروض التي يقصد بها الاستهلاك لا الى الانتاج، ففي منطقه الاستهلاك يستغل المرابون حاجة المعوزين والفقراء، أما اليوم فقد اصبحت القروض اكثرها قروض انتاج فيقول ان الآية تنعكس فيصبح المقترض هو الجانب القوي والمقرض هو الجانب الضعيف. ثم يعرض امرين لايعدو الحال احدهما:

١ - أن تقوم الدولة بالاقراض للمنتجين.

٢ - أن تباح قروض الانتاج بقيود وفائدة معقولة. ويقول: ان الحل الثاني هو الصحيح، ويخرجه على فكرة الضرورة وعلى فكرة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

ويمكن أن نأخذ على رأي معروف عدة مؤاخذات:

١ - قوله (ان الربا المحرم انما يكون في القروض التي يقصد بها الى الاستهلاك لا الى الانتاج) وهذه الدعوى تحتاج الى دليل يدل بها، ولادليل، بالاضافة الى وجود الدليل على عدم اعتبار هذا التقسيم وهو النصوص المطلقة في تحريم الربا من دون تقسيم، على أن هذا التقسيم الذي عرض مما لايقتضيه الحكم والموضوع، فهو شبيه بالقول ان السرقة ان كانت من الغني فهي محرمة فاذا اصبحت من الفقير فهي جائزة.

ويمكن ان يحتج لرأيهم بالحجة المتينة التي ساقوها لرأيهم، وهي ان الربا المحرم بالقرآن هو ماكان سائدا في الجاهلية قبل بعثة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وان العصر الجاهلي لم يكن اهله على علم بالقروض الانتاجية وأثرها في النشاط الاقتصادي الحديث.

ولكن نقول: ان المتأمل في الظروف المادية التي أحاطت بالاقتصاد الجاهلي يؤمن بأن القروض الانتاجية كانت ضرورة حيوية من ضرورات

٣٨٣

اقتصادهم(١) فالطائف كانت تصدر الى مكة وقرى الحجاز حاصلاتهم من الزبيب والقمح والاخشاب وغيرها وكانت تستورد من مكة السلع التي تأتي بها قريش في كل من رحلة الصيف الى الشام ورحلة الشتاء الى اليمن، وهذا التبادل انما يتم عن طريق القروض الربوية، خصوصا الجالية اليهودية في الطائف لم تكن لها صناعة الا الاقراض بالربا لنشاط الطائف وماحولها(٢) . ومكة كانت تعتمد على التجارة حتى اصبحت اعظم مركز تجاري في الجزيرة العربية، فكانت حسب قول المؤرخين اشبه بجمهورية تجارية تعيش اقتصاديا على الرحلتين.

وكان الربا جزء لايتجزأ من حياتهم الاقتصادية وكان المقرضون يساهمون بصفة اصلية في تمويل القوافل، فلما جاء الاسلام احدث انقلابا في حياتهم الاقتصادية بسبب (أحل الله البيع وحرم الربا) وشجع الاقراض(٣) ولكن بغير زيادة على رأس المال، واستمر بعد الاسلام تقديم القروض الاستهلاكية والانتاجية بغير ربا بدافع الاخاء والتعاون الاسلامي. آذن من هنا نعرف أن التحريم الذي جاء في القرآن الكريم هو تحريم لما كان سائدا في العصر الجاهلي، وبما أن العصر الجاهلي كان يتعامل بالقروض الانتاجية والاستهلاكية بنوعيها فهي محرمة بنص القرآن فيتضح بطلان الدعوى المتقدمة.

٢ - ومع التنازل عن الدليل الذي يدل على عدم الفرق فانه (يصعب كثيرا

____________________

(١ - ٢) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ الازهر د. محمد عبد الله العربي ص٨٠.

(٣) وتشجيع القرض وتفضيله على الهبة له سببان: هما أن القرض لا يقع الا في يد المحتاج عادة وانه يرجع فيقرض ثانيا بخلاف الهبة لذا جعل الله ثواب القرض ثمانية عشر حسنة بخلاف الهبة فثوابها عشر حسنات. راجع اللمعة الدمشقية ج٣ كتاب الدين.

٣٨٤

كما يقول السنهوري - من الناحية العلمية التمييز بين قروض الانتاج وقروض الاستهلاك حتى تباح الفائدة المعقولة في الاولى وتحرم اطلاقا في الثانية...) (فهناك القروض التي يعقدها الافراد مع المصارف والمنظمات الدولية فهل هي قروض انتاج تباح فيها الفائدة المعقولة او هي قروض استهلاك تحرم فيها الفائدة اصلا...)(١) فالظاهر ان هذا التميز متعذر.

٣ - ومع التنزل جدلا (فان تخريج الفائدة المعقولة في هذه القروض على فكرة الضرورة لاتستقيم. فالضرورة بالمعنى الشرعي ليست قائمة وانما هي الحاجة لا الضرورة)(٢) .

وفرق كبير بين الحاجة والضرورة يختلف الحكم الشرعي بحسبه.

والظاهر: ان لاجل قول معروف الدواليبي قد اشترط الاستاذ دراز فوق العلم بقواعد الشريعة الاسلامية ورعا وتقوى يحجزانه عن التوسع او عن التسرع في تطبيق الضرورة على غير موضعها.

٤ - ثم لماذا ذكر معروف ان اباحة القروض الانتاجية هو الصحيح دون اقراض الدولة لهم بدون فائدة؟! فلماذا لايمكن للدولة أن تقرض المنتجين؟! ونحن هنا نؤكد انه يمكن للدولة الاسلامية أن تقرض المنتجين بل هي الاولى بالاقراض من غيرها حتى تشجع الاستثمار في الداخل، وبما أن خزينة الدولة الاسلامية هي (بيت المال) الذي هو للمسلمين فيصح ان يقترض منه المسلمون من دون اية فائدة، خصوصا اذا علمنا أن بيت مال المسلمين وضع للمصالح العامة، واقتراض المسلمين لاجل الاستهلاك والانتاج من المصالح العامة.

ونحن هنا نورد نصا للمودودي يبين هذه الحالة: قال «واذا وجد في

____________________

(١ - ٢) مصادر الحق٣/٢٣٣.

٣٨٥

المجتمع، على كل حال، رجل لايجد في حارته او قريته رجلا يقرضه فان باب بيت مال الحكومة مفتوح على وجه يؤم اليه وينال منه القرض بكل سهولة، ولكن الذي يجب أن يلاحظ بصفة خاصة في هذا الشأن ان بيت مال الحكومةهو آخر باب يطرق للاستمداد في مثل هذه الاغراض» «ومن ثم أن بيت المال اذا بلغته قضية كهذه، فانه لايسارع الى قضاء حاجة المستقرض وحسب، بل لايلبث أن يشعر قسم المحافظة على صحة الاهالي الخلقية بوقوع هذه الفاجعة وهو لايلبث بدوره ان يتوجه الى تلك الحارة أو القرية المريضة ويبذل أقصى عنايته بعلاجها». «ومن الممكن ايضا ان توجد في النظام الاسلامي صورة اخرى لتهيئة القروض للحاجات الشخصية، وهي أن يكون من حق العمال والموظفين بموجب القانون على شركاتهم ومؤسساتهم التجارية أن ينالوا منها القروض عند حاجتهم غير العادية وان تعترف الحكومة أيضا بهذا الحق لموظفيها وتؤديه بكل سخاء وسعة صدر»(١) ، لكون القرض من الامور المعروفة التي يريد الشارع تحققها في الخارج من الافراد أو المؤسسات او الدولة في آخر الامر، ويدل عليه عموم «وتعاونوا على البر والتقوى» وقوله (ع) «والله تعالى في عون العبد ماكان العبد في عون اخيه» وقوله «كل معروف صدقة» وغيرها من الروايات التي تقول بأن القرض بثمانية عشر حسنة والصدقة بعشر حسنات(٢) .

ولاحاجة للاستدلال بمارواه الطبري «ان هند ابنة عتبة قامت الى عمر بن الخطاب فاستقرضته من بيت المال اربعة آلاف درهم تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت فيها الى بلاد كلب فاشترت وباعت فلما أتت المدنية شكت

____________________

(١) المودودي، الربا ص١٣٠ - ١٣١.

(٢) وهذا الكلام لاينافي القول بأن الاقتراض مكروه مع الغنى او مطلقا كما دلت عليه الروايات.

٣٨٦

الوضعية - أي الخسارة - فقال عمر: لو كان مالي لتركته ولكنه مال المسلمين»(١) حيث انه فهم خاصون عمل شخصي لايكشف عن رأي الشريعة.

ويمكن أيضا للبنك الاسلامي في حدود خاصة من القرض في شروط معينة، منها الامانة وحسن السلوك ومقدرته المالية على الوفاء واخذ رهن على الدين لكي يضمن الوفاء، ويشترط هنا على المدين دفع اجرة المثل لقاء كتابة الدين وباقي التكاليف.

والاجدر أن تكف البنوك عن ممارسة القروض الاستهلاكية وتقتصر على القروض الانتاجية لتوسيع دائرة التنمية الاقتصادية على اساس المضاربة، وتتصدى لعملية القروض الاستهلاكية منشآت حكومية تتولى جباية الزكاة والخمس فالمستحق لهما يعطى منهما مايكفيه، وغير المستحق وهو المضطر لحاجة وقتية يقرض بدون فائدة على أن يسرع في الوفاء مع التمكن، على ان رصيد الزكاة والخمس في بلد اسلامي تتدفق عليه تبرعات متوالية من المنفقين في سبيل الله، فيمكن أن يعطي لمن يريد القرض للاستهلاك من هذه الموارد اذا كان ممن تنطبق عليه اموال بيت المال.

٥ - نتساءل عن وجوه الصحة في اباحة قروض الانتاج بقيود وفائدة معقولة؟ أليس ان هذا من الربا المحرم؟! وهل لايمكن ان تحصل النتائج بطريقة اخرى سائغة شرعا؟ ولكن الذي يبدو أن الاستاذ معروف بعيد عن مفاهيم الاسلام وعن التوغل في قوانين الاقتصاد، لذلك صحح القرض الربوي في حين انه محرم شرعا وغير راجح من الناحية الاقتصادية، بالاضافة الى عدم علمه بوجود وجه آخر تحصل به النتائج المطلوبة وهي نظرية المضاربة التي شرعها المشرع الاسلامي.

____________________

(١) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/د. محمد العربي ص٨٢ الازهر.

٣٨٧

٦ - وقد خرج الاستاذ معروف الامر المتقدم على فكرة الضرورة وعلى فكرة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. ولكن مقياس الضرورة عنده غير واضح، فانه ليس هو الحاجة وانما هو الذي يبيح أكل الميتة وشرب الدم، والضرورة بهذا المعنى تسري في جميع احكام الربا لافي خصوص القروض الانتاجية كما يدعى، وذلك ثابت في القرآن والسنة.

واذا كانت الضرورة تفسر في الحاجة فانها تتصور من جهة المدين، اما من جهة الدائن فلا. «على ان الاحتياج تارة يكون شخصيا وتارة يكون نوعيا» والادلة الرافعة للضرر كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «رفع عن امتي مااضطروا اليه» وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «لاضرر ولاضرار في الاسلام» والقاعدة المعروفة «ان الضرورات تبيح المحظورات» من المعلوم أنها لاترفع الموضوع حقيقة وهو نفس الفعل الضرري لكونه موجودا حقيقة، بل أنها ترفع الحكم الضرري، والمراد بالضرر المرفوع انما هو الضرر الشخصي لا النوعي لان الحرمة وان ارتفعت عمن وقع منهم بذلك الا أنه لاوجه لارتفاعها عن الافراد الذين لم يقعوا بذلك الضرر، وهذا واضح لان غير المتضرر لايلحقه حكم الضرر.

وذكر شيخ الازهر السابق «محمود شلتوت» فتوى وهي «صرح بعض الفقهاء بأنه يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح، وادخله آخرون فيما يتناوله الربا، ورأوا ان الحرمة فيه تنال المتعاقدين معا المقرض والمقترض، واني أعتقد أن ضرورة المقترض وحاجته مما يرفع عنه الاثم، لانه مضطر وفي حكم المضطر. فالمزارعون - كما نعلم - تشتد حاجتهم في زراعاتهم وانتاجهم الى ما يهيئون به الارض والزراعة، والحكومة - كما نعلم - تشتد حاجتها الى مصالح الامة العامة والى ما تعد به لمكافحة الاعداء المغيرين، والتجار تشتد حاجتهم الى ما

٣٨٨

يستوردون من البضائع التي تحتاجها الامة، وتعمر به الاسواق.

ونرى مثل ذلك في المصانع والمنشآت التي لاغنى لمجموع الامة عنها والتي يتسع بها ميدان العمل، فتخفف عن كاهل الامة وطأة العمال العاطلين، ولاريب أن الاسلام الذي بنى احكامه على قاعدة اليسر ورفع الضرورة والعمل والعزة والتقدم، وعلاج التعطل يعطي للامة في شخص هيئاتها وافرادها هذا الحق ويبيح لها مادامت مواردها ان تقترض بالربح تحقيقا لتلك المصالح التي بها قيام الامة وحفظ كيانها»(١) .

ونناقش اولا: بناءا على أن الضرورة هي الحاجة، فالحاجة هنا هي الحاجة النوعية وهي وكما تقدم «لاتبيح للمجموع الاقتراض بالفائدة. وان احتياج طبقة خاصة لايوجب رفع الحرمة عن المجموع»(٢) .

وثانيا: «ان هذه الامثلة التي ضربها الشيخ لنا ليست الضرورة فيها، لا شخصية ولا نوعية، فالمزارعون: يتمكنون من ادارة مزروعاتهم دون أن يمدوا يد القرض الى الغير ليتقيدوا بعجلة المرابين، والحكومات المخلصة تعرف كيف ترفع من مستوى الشعب...»(٣) .

بالاضافة الى أن فكرة تقديم المصلحة العامة على الخاصة تقتضي حرمة الربا لاحليته، فان حلية الربا تقسم المجتمع الى قسمين وتكدس الثروة في جانب واحد، فان مجرد تقرير ربح مضمون لرب المال من دون مقابل ربح للمقترض يوسع

____________________

(١) مجلة الايمان العدد ٩ - ١٠ السنة الاولى ٦٤م - ٨٤ ه-، مشكلة الربا ص١٠٥ عن مجلة العربي العدد ٥٩ ص١٠٧ نقلا عن كتب الشيخ شلتوت.

(٢) المصدر السابق مشكلة الربا.

(٣) المصدر السابق ص١٠٧.

٣٨٩

المسافة ويعمق الهوة بين المسلمين بعكس رأي الاسلام في تشجيع المساواة بين الجميع، وهذا واضح في القرآن كقوله تعالى (كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم).

بالاضافة الى أن حلية الربا يعد تحريفا لقواعد الحياة، لاننا نجعل الميزان يتحرك من جانب واحد كما يقال، وهذه معاندة للطبيعة كما يقول دراز، فاننا اذا اشركنا المقرض في الربح الناشيء وجب علينا في الوقت نفسه أن نشركه في الخسارة النازلة، اذ أن من له الغنم فعليه الغرم او كل حق يقابله واجب.

وهكذا نرى أن بعض مايسمون بعلماء المسلمين «يحرصون على أن يثبتوا أن ميراثهم الديني لايحول ابدا دون الاخذ بالمناهج الاقتصادية الحديثة والتطورية»(١) وكان البعض الاخر يقول «ان هذا الميراث (الديني) موجه بطبيعته نحو العدالة الاقتصادية والاجتماعية»(٢) .

وهذه الاجابات - فيما أرى - هي مخلفات مرحلة التوفيق بين الرسالة الاسلامية بقوانينها وبين التقنيات الحديثة التي وجدت في القرن التاسع عشر مثلا، ولكن هذه المرحلة قد انقضت ووعى المسلمون مرحلتهم الجديدة الاصيلة وهي «ذاتية الاسلام» حيث أن الاسلام مبدأ كامل، فهو يحتوي فيما يحتوي على نظام اقتصادي قادر على ايجاد التقدم الذي تصبوا اليه البشرية بما يقرره من نظريات في الاقتصاد، وبما ردع عن بعض النظريات الاقتصادية التي تؤدي

____________________

(١) وهذا هو اتجاه المصلحين المصريين محمد عبده ومحمد رشيد رضا ولاسيما مجموعة (مجلة المنار) وكتاب «تاريخ الاستاذ الامام» عن الاسلام والرأسمالية ص٣٣ هامش (١).

(٢) وهذا الاتجاه يمثله العالم الباكستاني محمد حميد الدين، وكذلك يمثله كل ادب الاخوان المسلمين وابرزه رسالة «نحو النور» لحسن البنا و«اشتراكية الاسلام» للدكتور مصطفى السباعي/نفس المصدر هامش رقم «٢».

٣٩٠

الى رسوخ التخلف الاقتصادي.

حول كتاب الاسلام والرأسمالية

لا أدري كيف أدخل البحث عن هذا الكتاب، وان رجحت في نظري أن لااشير اليه لولا أن تطرق بشكل مجمل وضئيل الى مشكلة الربا التي هي اهم عناصر الصدام بين الاسلام والرأسمالية التي قيدت المجتمع الاسلامي عن الاخذ بأساليب الانتاج الرأسمالي، فيقول:

«ولكن القرآن على وجه الخصوص، يحتوي بضع آيات كثيرا ما استخدمت - كما سنرى فيما بعد - في تحريم ممارسة الربا، اما ماهو بالضبط معنى الربا، فلا نعرف على وجه اليقين، فالربا لغة يعني الزيادة، ولكن لايبدو أن القصد منه هو الزيادة البسيطة في المعنى الذي نعرفها اليوم، بل يبدو أن فيه اشارة الى مضاعفة الدين (اصلا وفائدة، نقدا أو عينا) اذا عجز المدين عن الوفاء به في أجله، ولعل تحريم الربا كأكثر نواهي القرآن (وفي الوقت نفسه كأكثر احكام الاديان الاخرى) قاعدة عارضة دعت اليها ظروف مؤقتة... ولعل الداعي الى التحريم، كما يرى كثيرون، هو تقريع اولئك الذين كانوا يرفضون القناعة بشروط معقولة في اقراض جماعة المسلمين التي كانت في ذلك الوقت ماتزال صغيرة فقيرة يحيط بها الاعداء في يثرب»(١) .

ومن هذا الكلام المتقدم ننتهي الى نتيجتين:

الاولى: أن الربا لم يحدد معناه، ولعله يشير الى رواية عمر التي تقول ان آية تحريم الربا آخر ما نزل على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانه توفي قبل أن يتاح له تفسيرها.

____________________

(١) الاسلام والرأسمالية/ مكسيم رودنسون ص٥٠ ترجمه نزية الحكيم طبعة «دار غندور» العربية.

٣٩١

الثانية: أن حرمة الربا حكم عارض كأكثر الاحكام القرآنية، وهذا رأي انتهى اليه الكثيرون كما صرح في نصه «ولكن هؤلاء كما يبدو من المؤرخين المستشرقين لامن العلماء المسلمين» وكانوا يرون ان تحريم الربا كان تقريعا لاولئك الذين يرفضون القناعة بشروط معقولة في اقراض جماعة المسلمين التي كانت ماتزال في ذلك الوقت صغيرة.... الخ.

ولاأدري كيف اجيب على هذه الدعاوي التي ادعاها المؤلف، ومن المؤسف حقا أن يتطرق أي باحث لاي موضوع ولم يكن لديه اطلاع كامل او تخصص في ذلك الموضوع، ومن المحرم ان يتطرق مؤرخ لقضايا العلم والفقه، فان المنهج في كل واحد من العلوم يختلف عن المنهج في الاخر، وكان من شأن المؤلف أن ينقل مااطلع عليه دون أن يبت في رأي من دون دليل وبرهان، ومن دون اطلاع على منهج البحث في علم الفقه.

فعلى أي اساس استند «رود نسون» للقول بأن تحريم الربا حكم عارض؟ وما هي ميزة الاحكام العارضة الدينية عن غيرها الثابتة المستقرة؟ واذا كان هذه حكما عارضيا فأين ناسخه؟ واذا لم يوجد أي اثر للنسخ فما هو السند لاثبات أنه حكم عارض؟ مضافا الى أن المجتمع الاسلامي في ذلك الوقت كان يتطلب تنظيما مستقرا ثابتا، علىأن الاحكام العارضة - عادة - هي مما تكون في صالح الامة آنذاك حتى تكون تابعة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وللرسالة التي جاء من اجلها وهذا بخلاف مانحن فيه، فان المجتمع آنذاك - كما بينا في هذا الكتاب - كان سيره التجاري قائما على الربا، فتحريمه يحدث ضجة كبرى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومع هذا جاء التحريم لاذعا يتوعد النار والخلود فيها لمن تعامل به ولم يأت بمثله وبشدته في بقية المحرمات حتى الزنا. ثم لايلتفت «رود نسون» الى الاختلاف الذي أثبته في نصه حيث يقول ان تحريم الربا حكم عارض، ثم

٣٩٢

يقول ان معنى الربا لم يكن معروفا، فان كان مستنده في عدم معرفة معناه هو الرواية المروية عن عمر من أن آية الربا هي آخر ما نزل على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وانه توفي قبل أن يتاح له تفسيرها، فان هذا يدل على عدم نسخ الحكم الذي ثبت اولا وهو يدل على عدم كونه حكما عارضيا.

بالاضافة الى أن آيات تحريم الربا كثيرة، فلنفرض أن واحدة منها آخر ما نزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن بقية الايات قد نزلت قبله وبلغها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للناس، فان لم يكن معنى الربا معروفا عندهم فلماذا لم يسألوه عن المعنى، وعدم السؤال كما هو واضح - من عدم وجود خبر واحد به - يدل دلالة واضحة على أنه كان معروفا عندهم بصورة واضحة.

على أن عدم تحديد المعنى من الشارع المقدس لايعني عدم العمل بالحكم الشرعي او اجماله، اذ الاحكام الشرعية بما أنها موجهة للامة فما لم يحدد الشارع معنى معينا فالقاعدة هو أن تفهمه الامة في ذلك الوقت من المعنى هو المراد والمعتبر، وهذا هو مفاد القاعدة المعروفة من أن الحكم الشرعي اذا ورد على موضوع، فاما أن يحدده الشارع كما في السفر الذي يقصر معه الانسان، وأما ان لايحدده وعلى الثاني فيتبع المعنى الحرفي الموجود باعتبار الشارع المقدس احد افراد العرف وبما أن رواية عمر مفادها هو عدم تعيين حدود الربا من الشارع لاعدم معرفة معنى الربا عند العرف، فلايتم القول بان معنى الربا لم يكن معروفا. هذا بالاضافة الى أن معنى الربا قد بين من قبل الائمة المعصومينعليهم‌السلام برواياتهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واما اذا لم يكن مستنده في عدم معرفة معنى الربا هو رواية عمر فهو قول بلا دليل بل الدليل الذي ذكرناه في باب الربا عند العامة يدل دلالة واضحة على معرفة معناه عندهم. ثم كيف ساغ «لرود نسون» ان يستند على القرآن في اعطاء

٣٩٣

آرائه في الموضوع؟ فهل يستطيع أن يفهم من القرآن فقط كيفية الصلاة؟!.

والجواب القاطع هو اننا لايمكن أن نفهم أهم الواجبات الاسلامية بمعونة القرآن فقط، وانما يتم الامر بمعونة السنة النبوية وضمها الى القرآن حيث أنها تبين ما أجمله القرآن الكريم ومالم يفصله وما أطلقه وغير ذلك مما أشار اليه اشارة عابرة.

والخلاصة أن مانراه في كتاب الاسلام والرأسمالية نموذج واضح للدخول في مباحث لم يكن لداخلها أي علم بها، فهو يريد أن يدخل في القوانين الفقهية مستطردا ليصل الى غايته(١) في الدراسة فهو كحاطب ليل.

الفصل الرابع : الادخار وارتباطه بالربا

ان الادخار مرتبط بالربا ارتباطا وثيقا اذ أنه هو اساس الربا والمشجع له في النظام الرأسمالي، ونحن هنا اذا اثبتنا عدم صلاحه فينتفي قسم من المعاملات الربوية القرضية القائمة عليه. ونستعرض هنا آراء بعض المدارس الاقتصادية في الادخار:

١ - رأي المدرسة الكلاسيكية في الادخار وأنصار المدرسة الحديثة:

يرى الكلاسيك أن الادخار يتحول رأسا الى استثمار وأن الادخار والاستثمار الاساس في تكوين رأس المال، وهما مصدر التقدم الاقتصادي، فاعتبروه فضيلة، واعتبروا أن الكميات المدخرة مساوية للكميات المستثمرة(٢) .ويجدر بنا أن

____________________

(١) وغايته هي الدس والكذب لتشويه التشريع الاسلامي الاصيل.

(٢) بخلاف نظرة كينز الذي يرى ان الادخار عامل ضار، وان المدخرين ليسوا نفس الاشخاص الذين يقومون بالاستثمار، أي أن هناك انفصالا تاما بين الادخار والاستثمار ولا يسلم كينز بأن زيادة الادخارات تؤدي الى انخفاض معدل الفائدة، بل ان معدل الفائدة يتحدد بطلب وعرض النقود.

٣٩٤

نعرض ملخص الافكار الرئيسية للمدرسةالكلاسيكية وهي(١) :

١ - ان وظيفة النقود مقصورة على تسهيل عملية التبادل.

٢ - «ان حجم الدخل القومي ثابت بسبب تحقق حالة الاستخدام الكامل بصور معتادة». فعند ادخار الافراد ينقص الاستهلاك وتحدث البطالة في معامل الانتاج للسلع الاستهلاكية، كما أن، المبالغ المدخرة يمكن استثمارها ويمكن أخذ هؤلاء العمال في الانتاج الاستهلاكي وتشغيلهم في القطاع الاستثماري، فهنا حجم الدخل ثابت وفكرة الاستخدام متحققة، وهنا وان ظهرت البطالة ولكنها اختفت بفعل قوى معينة، فيمكن أن نطلق عليها فرضية تحقق الاستخدام.

٣ - ان تغيير حجم الادخار وحجم الاستهلاك مرهون بتغير عامل آخر هو معدل الفائدة.

٤ - ان جميع الاموال المدخرة تعرض في سوق الاموال، وان الادخار الارادي هو وحده مصدر عرض الاموال، أي ان طلب الاموال لايمكن أن يكون الا لأعراض استثمارية.

٥ - تساوي الكميات المدخرة مع الكميات المستثمرة.

وقد نوقشت هذه الاراء الكلاسيكية بمناقشات، فقد ذكروا أن للنقود (ذهبيه وفضية) وظيفتين اخريين هامتين هما:

١ - ان النقود وسيلة لخزن القيمة، أي يكونا (حاكمين ومتوسطين بين

____________________

(١) الدخل القومي والاستخدام/د. خزعل البيرماني ص١٣٨ - ١٣٩.

٣٩٥

الاموال حتى تقدر الاموال بهما فيقال: هذا الجمل يساوي مائة دينار وهذا المقدار من الزعفران يساوي مائة، فهما من حيث أنهما متساويان لشيء واحد متساويان، وانما امكن التعديل بالنقدين اذ لاغرض في اعيانهما، ولو كان في اعيانهما غرض ربما اقتضى خصوص ذلك الغرض في حق صاحب الغرض ترجيحا ولم يقتض ذلك في حق من لاغرض له فلاينتظم الامر، فاذن خلقهما الله تعالى لتتداولهما الايدي، ويكونا حاكمين بين الاموال بالعدل)(١) والنقد نسبته الى سائر الاموال نسبة واحدة فمن ملكهما فكأنه ملك كل شيء.

٢ - ووظيفة النقود الاخرى هي كوظيفة المرآة (لالون لها وتحكي كل لون فكذلك النقد لاغرض فيه وهو وسيلة الى كل غرض، وكالحرف لامعنى له في نفسه وتظهر به المعاني في غيره)(٢) .

فيمكن أن تخزن القيمة بهما، بالاضافة الى تسهيل عملية المبادلة.

وقد اخذ على هذين الفائدتين عدة مؤاخذات منها:

١ - أنه ذكر بأن هذه النقود لاغرض يتعلق بها في نفسها، ولو كان كذلك ولم يمكن ان يقدر غيرهما من الامتعة، اذ كيف يجوز ان يقدر شيء شيئا بما ليس فيه؟ وهل يمكن أن يقدر الذراع طول شيء الا بالطول الذي له؟(٣) .

ولكن يمكن أن يدفع هذا بقولنا: ان الغرض هو معرفة قياس الاموال بها أي تكون وسيلة لخزن القيمة ولكن هذا الغرض وجد بعد ان استعملت لذلك

____________________

(١) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي ٢/٤٣١ عن الغزالي في كتاب الشكر من الاحياء.

(٢) الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي ٢/٤٣١ عن الغزالي في كتاب الشكر من الاحياء.

(٣) تفسير الميزان٢/٤٣٢.

٣٩٦

لا أن الغرض موجود قبل الاستعمال، فهي قبل الاستعمال لاغرض يتعلق بها عرفا الا بعد تحويلها الى شيء مرغوب فيه، فهي بالاضافة الى تسهيلها عملية المبادلة تكون وسيلة لخزن القيمة ويمكن للفرد الاحتفاظ بها وتصريفها في أي وقت شاء، ولايمكن لاسهم السندات مثلا أن تقوم بهذه المهمة بصورة سليمة.

٢ - لو كانا مقصودين لغيرهما لم يكن هناك فرق بين الدينار والدرهم الذهبي والفضي ولكن الواقع يكذب ذلك.

ومن مناقشات: الاراء الكلاسيكية هو: أن زيادة الاحتفاظ بالنقود السائلة تؤثر على حجم الطلب الكلي وتنقص الطلب، وهي تؤدي الى بقاء قسم من السلع في السوق فيعمل المنتجون على الانقاص، وهذا يؤدي الى البطالة وانخفاض الدخل، وليس هناك لزوم بوجود الاستثمار بعد ذلك، لان المدخر غير المنتج، وحتى اذا نقصت الفائدة فلا لزوم في الاستثمار لان الاستثمار يعتمد على كمية الربح لابمعدل الفائدة المنخفض. والخلاصة هي عدم وجود لزوم في المعادلة التي ذكروها، أما الامكان فهو لايجوز الاعتماد عليه.

على أن العلاقة بين معدل الفائدة وبين الادخار ينكرها الاقتصاديون في الوقت الحاضر اذ انهم يربطون تغيرات حجم الاستهلاك والادخار بتغير حجم الدخل لابمعدل الفائدة. بالاضافةالى أنه ليس شرطا أن تتساوى الاموال المدخرة مع الاموال المعروضة اذ قد يكتنز من الاموال المدخرة فلا عرض.

وكذلك لايسلم الاقتصاديون في الوقت الحاضر بأن طلب الاموال يتوحد مع الأستثمارات، لان الافراد قد يطلبون الاموال لالبناء رؤوس اموال جديدة فحسب، وانما لاشباع حاجات استهلاكية ملحة، او للاحتفاظ بموجود نقدي او لاسباب اخرى»(١) .

____________________

(١) الدخل القومي والاستخدام ص١٤١ - ١٤٢.

٣٩٧

على أن الاقتصاديين قالوا بأن حجم الدخل ليس ثابتا بل انه يتغير بتغير حجم الطلب الفعلي أي الاستثمارات، ومن جهة اخرى أن حجم الادخار يتوقف بالدرجة الاولى على حجم الدخل.

٢ - رأي المدرسة الكينزية في الادخار:

وكينز يمثل الفكر الاقتصادي المعاصر، فقد سلم الاقتصاديون (أن الدخل هو العامل الاساس الذي يحدد مقدار «الاستهلاك» والادخار)(١) وقد ذكر كينز أن الادخار «عبارة عن فضلة متبقية من الدخل بعد الانفاق على الاستهلاك»(٢) ولكن كينز نفسه يذكر أن الاستهلاك والادخار يتحددان بعوامل اخرى كثيرة هي العوامل الموضوعية ومايدخل تحتها والعوامل الشخصية بالاضافة الى الدخل وهي كلها اساسية بالنسبة للاستهلاك والادخار ولانتمكن ان نجعل احدها رئيسا دون الاخر، ولهذا لايكون التعريف المتقدم للادخار صحيحا، اذ قد يكون المدخر في الحقيقة هو نتيجة ترك مواد استهلاكية دخيلة في حياة الفرد ولهذا يمكن تقسيم الادخار الى قسمين:

أ - ادخار اختياري.

ب - ادخار اجباري(٣) فليس الادخار اذن هو فضلة متبقية من الدخل لانه لايشمل الادخار الاجباري. ويمكن أن نقول أن الادخار «هو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل»(٤) فيكون شاملا.

واذا سلمنا فرضا بالمقدمتين الاوليتين مع كينز والمعاصرين له من الاقتصاديين يصبح للدخل تأثير في حجم الادخار والاستهلاك، فان ازداد دخل

____________________

(١ - ٢) الدخل القومي والاستخدام ص١٤١ - ١٤٢.

(٣ - ٤) الاقتصاد السياسي د. رفعة المحجوب/ الجزء الاول ص٤٤٥.

٣٩٨

الفرد فلابد أن يزداد ادخاره الشخصي اذا لم يزد استهلاكه، وكذلك اذا هبط دخل الفرد فينخفض ادخاره اذا لم يقلل من استهلاكه. والعوامل التي تكون دخيلة في الادخار عند كينز هي: العوامل الموضوعية، والعوامل الشخصية.

١ - العوامل الموضوعية:

وهي:

أ - الدخل القومي: اذا هبطت القوة الشرائية للنقود ارتفعت الاثمان فتزداد المبالغ المخصصة لشراء السلع الاستهلاكية وينخفض حجم الادخار، والعكس صحيح.

ب - الدخل الصافي: ان الدخل الصافي هو الدخل المتبقي بعد استبعاد مختلف التكاليف كالضرائب مثلا على الدخل، فالدخل الصافي يقرر مقدار المبالغ المنفقة في شراء سلع استهلاكية. فان انخفاض قيمة النقود يقابله ارتفاع الاسعار، واذا بقى حجم الدخل ثابتا والاسعار قد تغيرت نحو الارتفاع فيقل الاستهلاك، وبالعكس.

ج - يقل الادخار اذا ازدادت القيمة الاسمية للاموال، فان أصحاب الاموال يشعرون بأنهم اكثر ثراءا من السابق فيميلون لزيادة الاستهلاك.

د- التغييرات في معدل مبادلة الاموال الحاضرة بالاموال المستقبلة.

ه- - تغييرات السياسة المالية: فاذا توقع الافراد أن ضرائب عالية ستصيب الارباح أو أن ضرائب ميراث عالية تصيب أموالهم الموروثة، فانهم يقللون من نسبة الدخل المخصصة للادخار، أي يزداد الاستهلاك.

٢ - العوامل الشخصية:

وهناك عوامل شخصية تدفع الافراد الى الادخار وقد ذكرها اكثر الاقتصاديين، وحددها كينز وهي:

٣٩٩

أ - تكوين احتياطي للامراض.

ب - تأثير عامل التبصر، كالرغبة في تثقيف الاولاد في المستقبل.

ج - دوافع الحصول على زيادة في القيم لانه يفضل استهلاكا متأخرا.

د - الطموح في تحسين مستوى المعيشة في المستقبل.

ه- - حب الشعور بالاستعلاء والتصرف.

و - رغبة الفرد في تحقيق أرباح من مضاربة او اعمال تجارية.

ز - البخل والتقتير.

وهناك ادخارات تحتفظ بها السلطات المركزية والمحلية والمؤسسات العامة والتجارية(١) . وقد توجد بعض العوامل الشخصية الاخرى التي تدفع الافراد الى الادخار كهواية جمع الامول وامثالها.

ثم ان هناك عوامل تعمل على اتجاه معاكس، (زيادة الاستهلاك وتقليل الادخار) منها، حب التمتع والتباهي والتفاخر بالاسراف والكرم والتقرب الى الله تعالى بأعمال الخير.

وكينز يرى أن الاشخاص الذين يقومون بالادخار هم ليسوا نفس الذين يقومون بالاستثمار، ولايرى أن زيادة الادخار تؤدي الى خفض معدلات الفائدة فزيادة الاستثمارات، لانه يرى أن معدل الفائدة يتحدد بطلب النقود وعرضها ولايرى أن انخفاض معدل الفائدة يؤدي الى زيادة الاستثمارات، لان زيادة الاستثمارات تتوقف على الكفاية الحدية لرأس المال، أي مقدار الارباح التي تخلفها الاموال المستثمرة ومعدل الفائدة، فمثلا في الولايات المتحدة أثناء ازمة الثلاثينات انخفض معدل الفائدة الى حوالي ١ في المائة في حين لم يوجد هناك طلب على الاموال.

____________________

(١) الدخل القومي والاستخدام/ د. خزعل البيرماني ص١٤٥ - ١٤٦ يراجع للتوسع.

٤٠٠