الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا8%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86576 / تحميل: 9570
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والنتيجة أن كينز لم ير في الادخار الا عاملا ضارا. والنتيجة الاخرى هي «أن الميل للاستهلاك والميل للادخار «عدا في ظروف شاذة، وجود الحرب، الثورات، تضخم نقدي، تغير فجائي في السياسة المالية» يعتمدان على حجم الدخل»(١) .

ويمكن أن نقول: أن الدخل الفردي يتناسب تناسبا عكسيا مع الادخار، أي أن حجم الدخل يعتمد على الادخار والاستهلاك، فكلما زاد الادخار قل الدخل بتقريب أن زيادة الادخارات تؤدي الى قلة الطلب وهو بدوره يؤدي الى قلة الاستثمار لتكديس البضائع في الاسواق ثم تنشا البطالة او قلة الاجور، فيقل دخل الفرد، فكلما زاد الادخار قل دخل الفرد.

ويؤيد هذا القول الذي ذكرناه كينز اذ يقول قد تؤدي زيادة الادخار عند شخص ما الى نقص في ادخار شخص آخر بتقريب ما ذكرنا، فاذا ادخر كل الافراد اتجه النقص على نفس الدخل، ولكن اذا ازداد الاستهلاك على البضائع، فان الاموال تكون عند المنتجين وتستخدم في الاستثمار وفي تنمية الصناعة وانشاء رؤوس أموال جديدة فتوجد حركة دائبة من النشاط في الدولة، خصوصا اذا منعت الفائدة فان أصحاب الاموال يستثمرونها في المشروعات التي فيها الربح القليل والمنفعة العامة للمجتمع، فيزداد نتيجة لذلك دخل الافراد. ولايستطيع الافراد الأدخار الا اذا كانت الدخول ثابتة نسبيا، وعند الادخار اول الامر يقل دخل الافراد فلايمكن الادخار لذلك.

وربما تكون زيادة الدخل مصحوبة بارتفاع الاسعار، فلايمكن لصاحب الدخل المرتفع من الادخار، وربما يكون على العكس اذ يقوم بعملية (الادخار

____________________

(١) نفس المصدر السابق ص١٤٧.

٤٠١

السلبي)(١) اذا كانت الاسعار مرتفعة اكثر من زياد الدخل

٣ - الادخار في راي الاسلام:

قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم)(٢) وبما أن الكنز في اللغة هو «الجمع والادخار او دفنه تحت الارض»(٣) فيكون حكم الادخار للذهب والفضة واضحا، ولكن يجب الانتباه الى أن الحرمة الشرعية قد خصصت بمن يدخر الذهب والفضة مع عدم الانفاق في سبيل الله، والمراد من سبيل الله - كما دلت عليه الادلة الشرعية - هو «ماتوقف عليه قيام دين الله على ساقه وأن يسلم من انهدام بنيانه كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لوانفسخت، والحقوق المالية الواجبة التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني، فمن كنز ذهبا أو فضة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله فليبشر بعذاب اليم فانه آثر نفسه على ربه وقدم حاجة نفسه او ولده الاجتماعية على حاجة المجتمع الديني القطعية»(٤) .

وأما الامور المستحبة التي يطلق عليها في سبيل الله فهي غير مرادة من الاية قطعا، لان الامر مادام مستحبا فيجوز تركه، فلايمكن أن يكون محرما.

ونفس الكلام المتقدم نقوله في الاوراق النقدية اذا ادخرت واكتنزت

____________________

(١) الادخار السلبي: هو أن يكون الاستهلاك اكثر من الدخل فأما ان يأخذ من مدخراته السابقة او يقترض.

(٢) سورة التوبة آية ٣٤.

(٣) المنجد باب كنز ص٧٠٠.

(٤) تفسير الميزان ٩/٢٥٠.

٤٠٢

وكانت الحاجة قائمة لهم لتقويم الدين وحفظ نفوس المسلمين، لان وجوب حفظ الدين ونفوس المسلمين يوجب على الافراد السعي لتحقيقه، وكل مقدمة كانت في هذا الطريق تكون واجبة، ومن المقدمات هو بذل المال الورقي الذي له قيمة نقدية، فيكون واجبا، ومايكون ضدا للواجب يكون بالنظر العرفي المسامحي محرما. وربما نقول بأن علة تحريم اكتناز الذهب والفضة هي سلب منفعة الشيء الذي له منفعة مع حاجة الناس والدين له، وهذه موجودة في ادخار الاوراق المالية اذا احتاج أمر الناس والدين لها فيكون ادخارها محرما مباشرة.

وأما بالنسبة لادخار الذهب والفضة والاموال النقدية مع اعطاء صاحبها الحقوق المالية الواجبة، وعرضها أمام ولي الامر وفي سبيل الله اذا كانت هناك حاجة دينية او ضرورية لها، فلايمكن أن نقول بحرمته، ولكن أخذ الزكاة كل عام من النقدين حتى يصل الى أقل من عشرين دينارا وأقل من مائتي درهما فضيا لهو دليل على عدم الرغبة الى ادخارهما، وكذلك أخذ الخمس مما ينطبق عليه الارباح من المال، وعدم الدعوة من قبل الشارع الى هذا العمل هو دليل آخر الى عدم الرغبة فيه، بل ان الدعوة من قبل الشارع متوجهة الى بذل المال وانفاقه في الأمورالمستحبة لتكون نافعة للانسان في اليوم الاخر، وكذلك الدعوة من الشارع للانتاج والعمل حتى جعلت العامل «حبيب الله» لهي دليل آخر على عدم الرغبة في اخفاء المال الذي يصاحب الجمود وعدم العمل غالبا.

وأما الحديث الذي ينقل عن الامام علي (ع) «ادخر من شبابك لهرمك ومن صحتك لسقمك ومن غناك لفقرك» فان معناه صرف الاموال في طاعة الله واعطاء الحقوق الى مستحقيها، بقرينة الفقرتين المتقدمتين وهما «ادخر من شبابك لهرمك ومن صحتك لسقمك» اذ كيف يستطيع الانسان أن يدخر من

٤٠٣

شبابه لهرمه ومن صحته لسقمه بغير المعنى الذي قلناه.

وأما النبوي «ان تذرورثتك أغنياء خير من أن تتركهم فقراء يتكففون الناس» فهو لايدل على استحسان الادخار، لان استثمار الاموال في مشاريع صناعية وتجارية وزراعية يكون تركة للورثة أيضا.

والخلاصة: فان الاكتناز بالمعنى الاول الذي هو محرم، وبالمعنى الثاني لايكون مرغوبا فيه، وحينئذ اذا اردنا أن نعرف الافضل عند الشارع بعد ماتقدم من تحريم أو عدم رغبة مع سد باب التبذير، فهو عبارة عن طريقين:

الاول: اذا لم تكن هناك رغبة في المزيد من دخلهم، عليهم أن ينفقوا اموالهم الفاضلة في وجوه الخير والمصالح العامة بوقفها على شأن من شؤون الخير بأنفسهم أو بأعطائها الى الحكومة محتسبين لتنفقها في ما هو في صالح البلاد وترقيها فتنال الحكومة لامانتها وديانتها وسهرها على مصلحة الامة الأسلامية مقدارا كبيرا من المال للمصالح العامة ووجوه الخير والرقي مجانا.

الثاني: اذا وجدت الرغبة في المزيد من الدخل فالسبيل الى ذلك هو استغلال اموالهم الفاضلة عن حاجاتهم في الوجوه المثمرة على مبدأ المضاربة اما بأنفسهم أو بواسطة الحكومة أو بواسطة المصارف اللاربوية، واذا لم تنفق الاموال ولاتستغل في التجارة، وكانت زائدة عن الحاجة فعليهم ضريبة الزكاة ان كانت الاموال من النقدين وهي ٥/٢ في المائدة سنويا وضريبة الخمس ان كانت الاموال من غيرهما وهي ٢٠ في المائة سنويا، وضريبة الخمس والزكاة بمثابة انفاق قهري في وجوه مخصصة لها فيتحقق الطريق الاول المتقدم، ويعلم من ضريبة الزكاة على النقدين وتكررها أنها دعوة الى زيادة الاستثمار وعدم الادخار.

واذا ثبت أن رأي الاسلام هو دعوة الى الاستثمار وعدم الادخار فلاحاجة

٤٠٤

اذن الى الادخار والاقراض بفائدة، لان الاستثمار يزداد بزيادة الاستهلاك والعكس بالعكس، أي أن قلة الاستهلاك - وهو معنى الادخار - يؤدي الى قلة الاستثمار والدخل، فينبغي ان لا ندعو الى الادخار الذي هو مصدر الربا لضرره باقتصاد الدولة، ولانقول اكثر من أن الادخار شيء غير مرغوب فيه للشارع المقدس(١) .

بالاضافة الى ان عملية الادخار هي خروج عن الدور الاول والاصيل للنقد الى دور ثاني وهامشي، اذ أن النقد قد استخدمه الانسان في المبادلة تفاديا من مشاكل المقايضة التي كانت سائدة في السابق من تبادل المنتجات بشكل مباشر فجاء النقد كمقياس عام للقيمة، وأصبح أداة للمبادلة، فعندما ندخر المال نكون قد خرجنا عن الدور الاصيل للنقد، وعندما نشجع عليه أيضا يختل التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي لمجموع السلع، وقد كان هذا التوازن مضمونا في عهد المقايضة بين السلع مباشرة لان المنتج في عهد المقايضة كان ينتج لاجل الاستهلاك او للاستبدال بسلعة أخرى يستهلكها، فالانتاج يقابله طلب دائما فيتساوى الانتاج والاستهلاك، أما في عهد وجود النقد وادخاره فقد يكون المنتج لالاجل الاستهلاك او الاستبدال وانما ينتج فيبيع لاجل ادخار المال، وبذلك يوجد عرض لايقابله طلب للسلع، فيختل التوازن بين العرض والطلب وتبقى السلع بدون تصريف وبذلك توجد الاخطار.

حول مشروعية الفائدة (الربا)

ونتلكم الان حول مشروعيتها لنرى راي المدارس الاقتصادية فيها مع مناقشة الاراء:

ونأخذ رأي المدرسة الكلاسيكية ورأي المدسة الكينزية.

____________________

(١) ولكن المشهور عن ابى ذر حرمة الادخار.

٤٠٥

رأي المدرسة الكلاسيكية في مشروعية الفائدة:

قيل «مادام الادخار هو تأخير في التمتع الاني، الحالي، الى أجل، في المستقبل، فالفرد لايقبل بهذه التضحية، بهذا التأخير الا اذا كان يأمل أن يكون الاشباع أو التمتع في المستقبل اكبر من التمتع الحالي»(١) ويبدو طبيعيا أن يحصل المدخر على فائدة ثمنا للتضحية.

ان هذا الراي قد اشتمل على مقدمات غير مسلمة منها: أن الادخار هو تأخير في التمتع الاني، الحالي، ولكن الادخار يعرفه كينز «هو فضلة متبقية من الدخل بعد الانفاق على الاستهلاك» ويعرفه غيره «هو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل» فبالنسبة لهذين التعريفين لم يكن تأخر في التمتع الاني لانه فضلة حسب تعريف كينز لم يستهلك حسب التعريف الثاني، وقد خلص كينز من دراسة الفائدة بأنها ليست ثمنا للامتناع «فقد يحدث أن يدخر البعض دون أن يتحملوا أية تضحية. وهذا هو شأن الاغنياء. وقد يحدث أن يدخر البعض دون أن يحصلوا على أية فائدة، وهذا هو ما يحدث في حالة احتفاظ المدخر بمدخراته في شكل أموال سائلة»(٢) أو حين عرضها بفائدة ولا طلب عليها. واذا لم يكن الادخار تأخيرا في التمتع الاني فلم توجد هناك تضحية للتاخير بالاضافة الى أن الاشباع والتمتع في المستقبل هو حاصل حتى مع تحريم الفائدة أو الغائها وهو حصوله على أمواله في المستقبل. على أن الضرر لايمكن أن يقاس بمعدل ثابت كما في الفائدة(٣) .

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار/ د. خزعل البيرماني ص١٦٥.

(٢) الاقتصاد السياسي/ د. رفعة المحجوب ٢/٢٨٧.

(٣) راجع مناقشاتنا في فصل «نظريات لتكييف الربا».

٤٠٦

رأي كينز وانصاره في مشروعية الفائدة على حساب تفضيل السيولة النقدية:

ان الفرد الذي يدخر، له أن يحتفظ بنقوده سائلة مكتنزة، فيضحي بالفائدة لو أقرض أمواله، وله أن يقرضها مضحيا بسيولتها لقاء فائدة هي «الثمن الذي يدفعه المقترض لقاء استعماله النقود، أو هي العوض الذي يحصل عليه مالك النقود جزاء تخلية عن السيولة النقدية» أو هي ثمن الامتناع عن الاكتناز. «وأخذ كينز الفائدة على أنها ثمن النقود، أي ثمن النزول عن السيولة»(١) .

وهناك أسباب تدعو الى زيادة الطلب على السيولة النقدية، وهي:

١ - دافع المعاملات، أي مواجهة النفقات الجارية، وتسمى (باعث الدخل).

٢ - دافلع الحيطة، أي مواجهة حوادث غير متوقعة مثل المرض أو المطالبة بالدين.

٣ - دافع المضاربة، (معنى المضاربة يختلف عن معناها في الفقه الاسلامي). أي رغبة بعض الافراد في تحقيق الارباح عن طريق الاستفادة من تقلبات معدل الفائدة الناجمة من تغيرات اسعار السندات. مثلا: في حالة توقع المضارب (الشخص) ارتفاع معدل الفائدة (انخفاض ثمن السند) فالسند الذي اشتراه بسعر (١٠٠) دينارا بفائده (٥) في المائة يقوم ببيع السندات التي لديه ويمتنع عن شراء السندات، لانه اذا انخفض ثمن السند الى (٩٠) دينار فالفائدة التي يعطيها (٥) في المائة لثمن (٩٠) دينارا أعلى من معدل الفائدة ٥ في المائة لثمن (١٠٠) دينارا، ثم اذا بدأت فترة انخفاض قيمة السندات الى (٩٠) يقوم بشراء السندات ب-(٩٠) دينارا وبفائدة ٥ في المائة. والدولة عندما تريد التخلص من ديونها تقوم بشراء السندات بسعر أعلى من سعرها الحالي فتقوم بشراء السندات

____________________

(١) الاقتصاد السياسي/ د. رفعة المحجوب الجزء الاول ص٤٢٩.

٤٠٧

بسعر (١١٠) دنانير وبفائدة ٥ في المائة فهنا أيضا يقوم الافراد ببيع السندات التي اشتروها ب-(٩٠) دينار رغم ان الفائدة التي تعطيها (١١٠) دنانير هي ٥ في المائة أقل من الفائدة التي تعطيها (٩٠) دينارا هي ٥ في المائة ولكن ال-(٢٠) دينارا ثمن ارتفاع السند سوف تغطي انخفاض سعر الفائدة لان مقدار الفائدة ل-(١١٠) دنانير هي حوالي (٥/٤) في حين أن الفائدة ل-(٩٠) دينارا هي ٥ في المائة ولكن الربح عند بيع السند هو (٢٠) دينارا.

وقد ذكر الدكتور رفعة المحجوب زيادة على ماذكر من الاسباب(١) :

٤ - باعث التمويل: وهو احتفاظ المستثمرين بنقود سائلة في سبيل القيام بمشروعات جديدة.

٥ - باعث المشروع: وهو احتفاظ المنظمين بنقود سائلة في سبيل تسيير مشروعاتهم القائمة.

ويمكن أن نناقش تعريف كينز في مشروعية الفائدة على حساب تفضيل السيولة بمايأتي: اذا كانت الفائدة هي ثمن النقود فلماذا ترجع أخيرا الى الدائن وبما أنها ترجع الى الدائن فان الفائدة ليست ثمنا للنقود. وايضا ليست الفائدة هي ثمن النزول عن السيولة، لان المدين عندما يرجع الدين الى الدائن تكون النقود محتفظة بسيولتها، فلماذا يدفع الفائدة اذا كانت كذلك. لكينز أن يقول: ان الفائدة هي ثمن النزول عن السيولة لمدة (ما)، أي ان الفائدة كما قالوا انها مقابل الاجل، أي أجرة الزمن، ولكن الاجرة انما يصح أخذها اذا كان الشيء مما يبذل في تهيئته جهدا للمستاجر، والشيء المستأجر ينقص أو ينكسر أو تقل قيمته على مرور الزمن بالاستعمال، وهنا غير متحقق شيء من هذه الاشياء، وانما يتحقق على البيت والاثاث لاعلى النقد فاي معنى لاجارتها؟ هذا بالاضافة

____________________

(١) الاقتصاد السياسي١/٤٣١.

٤٠٨

الى أن النقود اذا بقيت عند الدائن سائلة ولم توجد عوامل تدعو الى الطلب على السيولة ولم يقرضها فما هو ثمن السيولة اذن وأين يذهب؟.

ويمكن أن يقال: ان الاجارة مما يعتبر فيها أن تكون معلومة اما بالكيل أو الوزن أو العدد أو المشاهدة، أما هنا فالسيولة اذا كانت مستأجرة فغير معلومة بالكيل أو الوزن أو العد أو المشاهدة. نعم ان الكيل أو الوزن أو العد أو المشاهدة متوفرة في النقود نفسها لا في النزول عن فائدة النقد وهي (السيولة).

هل ينمى الانتاج بادخار المال واخذ الفائدة

ونبحث هنا كيفية نمو الانتاج، وهل ينمى الانتاج بالادخار وأخذ الفائدة؟ وكيف ينمى الانتاج في ظل النظام الاسلامي؟.

الفائدة والاستثمار: ذكر الاقتصاديون: أن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي الى انخفاض حجم الاستثمار، وانخفاض سعر الفائدة يؤدي الى ارتفاع حجم الاستثمار، وبطبيعة الحال ان انخفاض الفائدة يؤدي اضافة الى ماذكرنا، الى ارتفاع الدخل القومي وبالتالي الى ارتفاع الاستهلاك والادخار، كما ان ارتفاع الفائدة يؤدي اضافة الى ماذكرنا، الى تخفيض الدخل القومي وبالتالي الى خفض الاستهلاك والادخار، فاذا منعنا الادخار فيتعين الجانب الاخر.

ولما كانت النتيجة واضحة وهي أن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي الى انخفاض حجم الاستثمار والى قلة الدخل القومي والعكس صحيح، فلماذا اذن لاتحظر الفائدة اقتصاديا؟! فان في منعها أو تحريمها فوائد اقتصادية: هي ارتفاع حجم الاستثمار وارتفاع الدخل القومي، وفي اباحتها تأخير للاستثمار وتقليل للدخل القومي. واذا سار الاقتصاد العالمي في طريق منع الفائدة أو تحريمها، فلاحاجة اذن للادخار، اذ أن الادخار اساس الاقراض بالفائدة، وكما قلنا سابقا أن الاموال

٤٠٩

اذا لم تدخر لابد لها من أن تصرف في وجوه البر والخير والمصالح العامة أو أن تستثمر في التجارة والصناعة على أساس المشاركة والمضاربة، حسب اختلاف الافراد. وبهذه الطريقة تكون النتيجة واضحة، وفي صالح الدولة، اذ بتحريم الفائدة والادخار يزداد الاستثمار والدخل القومي وتنمو الصناعة والتجارة.

وهنا يدور في خاطرنا سؤال نعرضه على الاقتصاديين هو: لماذا لايحظر الاقتصاديون الفائدة اذا كان منعها يزيد في دخل الفرد ويزيد من حجم الاستثمار؟.

ان هذا السؤال يحتاج الى جواب ليس هذا محله، فللاوضاع السياسية ولارباب البنوك دخل في ذلك.

ويجدر بنا هنا أن نعرض أشكالا بيانية تؤكد ما ذكرنا وان كلامنا لايحتاج الى تأكيد.

____________________

(١) الاقتصاد السياسي/ د. رفعة المحجوب ج٢ شكل ٤٥/٢٨٩.

٤١٠

فالشكل رقم أ يشير الى تحديد سعر الفائدة بالكمية النقدية وبتفضيل السيولة، فلو انخفض معدل الفائدة الى الصفر تكون كمية النقود المبذولة للاستثمار أكثر من أي وقت، واذ ارتفعت الفائدة تنخفض كميات النقود المبذولة للاستثمار.

وهنا في شكل (ب) نرى أن انخفاض معدل الفائدة يزيد من الادخار والاستثمار والعكس صحيح، واذا منعنا الادخار وانخفضت الفائدة فتتجمع الاموال للاستثمار.

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار/ شكل رقم٢/١٦٧.

٤١١

وهذا الشكل أيضا يدل على أن انخفاض سعر الفائدة يجعل حجم الاستثمار كبيرا، فاذا انعدمت الفائدة يكون حجم الاستثمار اكبر بالاضافة الى زيادة الدخل القومي لزيادة حجم الاستثمار، أي أنه (اذا كانت الكفاية الحدية لراس المال ثابتة فان حجم الاستثمارات يزداد كلما كان معدل الفائدة منخفضا والعكس صحيح).

وقد يرد بعض الاقتصاديين على هذه الحقيقة بأن أيام الازمة أو أيام الكساد مثلا سنة (١٩٣١) كانت الاسواق مملوءة بالسلع والطلب كان قليلا، فحتى لوخفضت الحكومة معدل الفائدة الى أقل سعر من او الى الصفر فان طلب

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار/ شكل رقم٥/ص١٨١.

٤١٢

أموال لاجل الاستثمارات سوف لايزيد، أذن حجم الاستثمار يعتمد على الارباح التي سوف يتوقع المنظم الحصول عليها من بيع السلع بالدرجة الاولى، وبعد ذلك يعتمد على معدل الفائدة.

ولكن يجاب بأن أزمة سنة (١٩٣١) شاذة عن القاعدة، ونادرة الوقوع وكان الافراد قليلي الدخل. وقد يكون لها اسباب أخرى ليس هنا محل ذكرها.

ماذا بعد تحريم الفائدة؟

ان المفاسد المترتبة على اباحة الربا «قلة الدخل، وقلة حجم الاستثمار» سوف تزول وتستبدل بها صور نافعة ان حرمنا الربا. اما حلية الفائدة فهي تحرض الانسان على انفاق أقل مايمكن على نفسه وادخار اكثر مايستطيع، وتوعد الدولة من لم يدخر بأن ليس في المجتمع من يأخذ بيده عند الطواريء والكوارث الى شاطىء الرحمة والرأفة، وقد رأينا سابقا مايترتب على ارتفاع سعر الفائدة او حليتها من قلة الدخل وانتشار البطالة وقلة حجم الاستثمار وما الى ذلك. ولكن الغاء نظام الربا - في الاسلام - مع نظام جمع أموال الزكاة والخمس وتوزيعها هو الاصلح للبشرية.

وتوضيح ذلك: ان الزكاة هي ضريبة على نصاب الانعام والغلات والنقدين (الذهب والفضة) وبالنسبة الى النقدين فانه لاتتركهما حتى تنخفض به الى أقل من عشرين دينارا واقل من مائتي درهم من الفضة، فالزكاة مصادره تدريجية للمال الذي يجمد عن العمل. وأما الخمس فهو ضريبة يكون على الربح الذي يحصل عليه الانسان في عمله بعد صرف مايحتاج اليه في سنته.

ويمكن أن تكون ضريبة الزكاة والخمس باختلاف الحيثية او اللحاظ اطمئنانا لكل فرد بأن الاسباب متوفرة لمساعدته عند النوازل والطواريء فلاحاجة

٤١٣

حينئذ للادخار ولايخشى من المستقبل لان ضمانه بواسطة النظام المالي توفر، فيأخذ الناس باستهلاك السلع اكثر من حالة الادخار، لعدم ادخار المال، فتزداد القوة الشرائية، وهذا يؤدي الى رقي التجارة والصناعة وتحسن حالة الناس الاقتصادية وزيادة دخلهم وكثرة حجم الاستثمار، وتزداد الارباح من الاعمال ولايعود المنتج بحاجة الى راس مال خارجي، اذ يأتي اليه المال بقدر مايكون محتاجا اليه، لان الفرد أو الافراد يمتنعون من جمع المال ومن يجمعه فانه يضطر الى جمعه لكثرة دخله لانه يكسب اكثر مما يحتاج. واذا احتاج المنتج الى المال فرضا لسبب طاريء فهو يحصل عليه بدون ربا او بمشاركة من عنده المال مضاربة، فلاتأتي المفاسد السابقة التي ذكرناها للربا.

بالاضافة الى أن النظام المالي في الاسلام الذي بعضه الخمس والزكاة يزيد من قوة شراء الفقراء ويمكنهم من الانفاق على أنفسهم بعد ذهاب صفة الفقر عنهم او بعد تقليل نسبة الحاجة. وهنا تميل الثروة الى استغلالها في شؤون مثمرة دائما لاتقف في مدة بدون استغلال كما في الادخار.

ويمكن أن نحقق بتحريم الفائدة مكسبين هما:

١ - القضاء على تناقض مصالح التجارة والصناعة، ومصالح راس المال الربوي، فان أصحاب الاموال يرفعون من سعر الفائدة عند احتياج رجال الاعمال الى المال، ويقدمونه باجور زهيدة عند عدم احتياجهم، وواضح أن هذا تناقض يرتفع عند الغاء الفائدة، ويؤدي الىتحول الرأسماليين الى مضاربين في مشاريع صناعية أو تجارية.

٢ - ان الاموال التي توجهت الى المشاريع سوف تستخدم بعزم وطمأنينة في اعمال طويلة الامد، لان اصحاب الاموال لايأملون الا بالربح فيتوجهون الى المشاريع لطلب الربح خلافا للنظام الربوي فانه سوف يفضل اقراض امواله

٤١٤

بالربا حيث أن الفائدة مضمونة، وهو يقرض لاجل قصير لانه يخشى أن يفوته شيء من ارتفاع سعر الفائدة فيما بعد، والمقترضون بدروهم يستعملون الاموال في مشاريع قصيرة الامد على أن يكون ربحها اكثر من سعر الفائدة، وهذا يمنع من ممارسة اكثر الوان النشاطات العامة في ظروف كثيرة.

كيف ينمى الانتاج في ظل النظام الاسلامي؟

كتب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام لواليه على مصر محمد بن أبي بكر وامره أن يقرا الكتاب على اهل مصر وأن يعمل بمااحتواه «ياعباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباح لهم الله الدنيا ماكفاهم به وأغناهم، قال الله عزوجل: (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) سكنوا الدنيا بأفضل ماسكنت، وأكلوا بأفضل ما أكلت، وشاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات مايأكلون، وشربوا من طيبات مايشربون، ولبسوا من أفضل مايلبسون، وسكنوا من أفضل مايسكنون، وركبوا من افضل مايركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غدا جيران الله يتمنون عليه وفيعطيهم ما يتمنون، لاترد لهم دعوة ولاينقص لهم نصيب من اللذة، فالى هذا ياعباد الله يشتاق من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله، ولاحول ولا قوة إلا بالله»(١) .

وواضح مما قدمناه أن استثمار الطبيعة ونمو الانتاج هدف يسعى اليه المجتمع الاسلامي المتقي والمجتمع المؤمن، قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا

____________________

(١) اقتصادنا ص٥٧٢ عن امالي الشيخ الطوسي ونهج البلاغة ٢/٢٦، شرح ابن ابي الحديد.

٤١٥

لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين) فالاطار الذهبي للمؤمنين والمتقين هو الانتفاع بالطبيعة واستثمارها مع المنع من الاعتداء وقد أكد على وسائل تنمي الانتاج فجعل وسائل من الناحية الفكرية ومن الناحية التشريعية، وسياسة اقتصادية لتنمية الانتاج.

فمن الوسائل الفكرية: حث الاسلام على العمل والانتاج وربطه بكرامة الانسان حتى أصبح العمل عبادة يثاب عليها المرء بل عمله أفضل عند الله من المتعبد الذي لايعمل. ففي الحديث ان الامام جعفرعليه‌السلام سأل عن رجل فقيل له: اصابته الحاجة وهو في البيت يعبد ربّه واخوانه يقومون بمعيشته. فقالعليه‌السلام : الذي يقوته أشد عبادة منه(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه رفع يوما يد عامل مكدود فقبلها، وقال: طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة. كما أن الاسلام قاوم فكرة البطالةوحث على العمل وقاوم فكرة تعطيل الثروات الطبيعية وتجميد بعض الاموال، واعتبرفكرة تعطيل بعض مصادر الطبيعة لونا من الجمود وكفرانا بالنعمة التي أنعم الله على عباده، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون...) وقد حث على استثمار مختلف المجالات «وهو الذي جعل لكم الارض ذلولا، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور».

ومن الوسائل التشريعية: فقد حكم الاسلام بانتزاع الارض من صاحبها اذا عطلها وأهملها حتى خربت، لان الارض لايجوز أن يعطل دورها الايجابي في الانتاج كما منع الاسلام من السيطرة على مساحة الارض بالقوة دون ممارسة

____________________

(١) الوسائل ج١٢ باب ٥ من مقدمات التجارة حديث٣ ص١٤ وغيرها كثير.

٤١٦

عمل وجعل الحق في الارض منوطا بعملية الاحياء دون اعمال القوة، وحرم الاسلام الكسب دون سبب«كما حرم الاسلام الفائدة وألغى رأس المال الربوي وبذلك ضمن تحول رأس المال هذا في المجتمع الاسلامي ألى رأس مال منتج يساهم في المشاريع الصناعية والتجارية»(١) .

وتحريم الفائدة يؤدي الى تحويل الرأسماليين الذين كانوا يقرضون أموالهم بفائدة الى مضاربين يساهمون في المشاريع الصناعية والتجارية، بالاضافة الى أن هذه الاموال سوف تسخدم بعزم وطمأنينة في المشاريع. «كما ان الاسلام منع من اكتناز النقود وسحبها عن مجال التداول وتجميدها وذلك عن طريق فرض ضريبة على مايكتنز من النقود الذهبية والفضية» بالاضافة الى الاثم الذي يحصل للمكتنز لانه عمل محرم، فبضريبة الزكاة يقضى على الاكتناز والادخار وتندفع الاموال الى حقول النشاط الاقتصادي بعكس نظر الاقتصاديين الذين يرون أن الادخار عامل نافع وان الفائدة شيء مشروع. هذه هي بعض الوسائل لتنمية الانتاج بالاضافة الى السياسة الاقتصادية لتنمية الانتاج في الدولة، فقد ترك الاسلام للدولة أن تدرس الشروط الموضوعية للحياة الاقتصادية وتضع السياسة الاقتصادية التي تؤدي الى زيادة الانتاج ونمو الثروة(٢) .

من اين نشأت المشكلة الاقتصادية؟

ذكرت الرأسمالية أن الطبيعة مادامت بخيلة أو عاجزة عن اشباع حاجات الانسان لان موارد انتاجها محدودة وحاجات البشر غير متنامية، فيكون من الطبيعي أن تتصادم هذه الحاجات وتتعارض.

ولكن الاسلام في تصوره بأن المشكلة لم تنشا من موارد الانتاج وبخل

____________________

(١ - ٢) افقتصادنا ص٥٧٧، ويراجع ص٥٧٣ ومابعدها للتوسع.

٤١٧

الطبيعة على أن موارد الانتاج في الطبيعة محدودة وحاجات البشر كثيرة ومتنوعة الا أن المجتمع الانساني وان كانت موارده محدودة الا أنها وافرة وفرة الهواء، فهي تفي بجميع متطلبات الانسان الكثيرة، ويمكن أن يظل المجتمع سليما من المشاكل الاقتصادية وينعدم فيه الفقر، حيث أن كل فرد منه قادر على اشباع رغباته في فردوس الارض.

ولو استعرضنا قول الله تعالى (الله الذي خلق السموات والارض، وأنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ان الانسان لظلوم كفار) لوجدنا مصادر الثروة التي أكد الله تعالى أنها كافية لاشباع رغبات وحاجات الانسان، والمشكلة كل المشكلة انما هي ناشئة من فعل الانسان نفسه «ان الانسان لظلوم كفار» فالانسان ا ظالم في توزيع الثروة ولايستغل جميع المصادر استغلالا تاما، وهذان السببان مصدر المشكلة الاقتصادية كما قررها القرآن الكريم، (ان الانسان لظلوم كفار).

والظلم في توزيع الثروة يدخل فيه اباحة الربا بل هو عين الظلم في توزيع الثروة، فانه ليس من العدل أخذ الفائدة على الاموال من دون عمل. وكذلك الحروب الظالمة تدخل الظلم في توزيع الثروة اذ هي تستنزف الاموال الكثيرة من الجانبين «ويكفي أن نلاحظ الاستعداد للحرب يكلف الشعوب في البلاد الكبرى مايزيد على أربعين في المائة من الدخل القومي»(١) وهذا المال الذي يبذل في الحرب يبلغ مائة الف مليون من الجنيهات، وأنه اذا وزع على سكان

____________________

(١) وضع الربا في البناء الاقتصادي القومي/ عيسى عبده ص٣٣.

٤١٨

الارض لخص كل فرد أربعين جنيها في السنة»(١) .

ان هذه الاموال الطائلة التي تتلف من الدول هي نتيجة ظلم الانسان في توزيع الثروة «ان الانسان لظلوم كفار». واقتصاديات القرون الاخيرة قائمة على نظريات ربوية ظالمة في توزيع الثروة على الافراد فتمحق الاموال بشتى الطرق فليست المشكلة آذن هي بخل الطبيعة وعجزها عن اشباع حاجات الانسان كما ذهبت اليه الرأسمالية وانما المشكلة هي مشكلة الانسان.

هذا بالاضافة الى ما ذكرنا سابقا من ان حكومات بعض الدول تحرق الفاضل من الحاصلات الزراعية للسنين السابقة او تحرق بعضا من حاصل هذه السنة لتحافظ على سعر الحاصل المرتفع، وهذا دليل آخر على ان المشكلة الاقتصادية سببها الانسان الظالم الكافر.

وبعد أن انتهينا الى هذه النتيجة يصبح بالامكان التغلب على المشكلة، والقضاء على الظلم وعلى الكفران بالنعمة، بأن نوجد علاقات للتوزيع عادلة ونستغل جميع مصادر الثروة باستثمارها واستكشاف كنوزها. والذي بين لنا سبب المشكلة الاقتصادية هو القرآن الكريم بالاية المتقدمة هو الذي بين الحل لنا من زمان قديم، فبالرجوع الى هذا المصدر الاول تزول المشاكل الاقتصادية بأسرها في هذا العالم.

حرمة الربا اقتصاديا

يقول البعض ان تحريم الربا يرجع الى اسباب وثيقة الصلة بالانتاج. فالانسان الذي يعيش عبئا على الدنيا يتخذ في حياته طريقة من ثلاث: (الاولى أن يعوض ماأفناه، والثانية أن يزيد، والثالثة أن يقصر) فالاولى تتمثل في

____________________

(١) وضع الربا في البناء الاقتصادي القومي/ عيسى عبده ص٣٣.

٤١٩

الفرد القانع وهو الذي يسعى الى انتاج ماهو في حاجة اليه، فهذا الفرد عاش لنفسه. والثانية: وهي الزيادة تتمثل في الفرد الطموح وهو الذي يكدح فينتج فوق الذي يكفيه وهو الذي ينتج في الاعمار والمدنية. اما الثالثة: وهو القصور عن الحاجة وتتمثل في حياة الفرد الذي يستهلك اكثر مما ينتجه فهو يتمتع بما انتجه غيره، وبقدر الزيادة في عدد المتبلدين تسرع الخيرات الى النضوب. وهذا هو حال المرابي الذي يعيش على موائد القروض او على انتاج غيره(١) .

الفصل الخامس : الاعمال المصرفية والبنكية وبديلها الاسلامي الافضل

تمهيد:

تقدم في الفصل السابق أن جملة من مفاسد الاعمال الربوية تقلل من دخل الفرد وتقلل حجم الاستثمار، فهل الحاجة الان تدعو الى فتح بنك بعيد عن الربا بأعماله مع بقاء الربا مباحا في مناطق اخرى من الارض؟(٢) .

ولابدلنا ان اردنا الخلاص من الربا ليزداد دخل الفرد ويزداد حجم الاستثمار

____________________

(١) الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب/ الدكتور عيسى عبده ص١٢ ومابعدها.

(٢) هل يمكن ان يخطط لبنك لايتعامل بالربا مع استمرار الواقع الفاسد والنظام اللاسلامي للمجتمع ومع بقاء البنوك والمصارف الربوية اولا يمكن ذلك؟ لاشك ان اجزاء النظام الاسلامي مترابط وكل جزء منها يهىء النجاح للجزء الاخر الا ان نصيب البنك الذي لايتعامل بالربا مع استمرار النظام اللااسلامي الربوي بالنجاح يكون قليلا اذا لم يتعاطف افراد المجتمع مع البنك من وجهة النظر الاسلامية.

٤٢٠

أن يلغى نظام الربا من اول خطوة، وعند الغائه سوف يبرز الى الوجود نظام غير ربوي حسب متطلبات الحياة وتشريعات الاسلام.

وليس من السهل الغاء نظام الربا في حياة اقتصادية كهذه، فان للربا جذورا قوية في قلوب الافراد، فلابد أن يستعان بالاسلام في قراراته لمصارعة الربا، فان الاسلام لم يذكر معايب الربا فحسب وانما حرمه وبغضه الى النفوس وابطل الصفقات القائمة عليه بموجب القانون الالهي، فهو من الناحية التكليفية محرم ومن الناحية الوضعية باطل لايترتب عليه أي أثر. وأكثر من ذلك فان الاسلام اعتبر آخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهديه قد فعلوا جريمة فلعنهم على لسان الحديث، ويعاقب الاسلام مرتكبي الربا بالقتل لا حرمة الربا من ضرورات الدين، فمستحله يدخل في سلك الكافرين، بالاضافة الى أن الاسلام اسس نظاما للمالية جعل قسما منه الزكاة وقسما منه الخمس، وهما لاصلاح عامة الناس وتربيتهم لتنمو في انفسهم صفات يجري فيها روح الايثار والتعاون والتكافل بعكس نتائج الربا المتقدمة، فالنظام الاسلامي هو المعين على ترك الربا.

ولكن يبقى التعجب من المسلمين في البلدان الاسلامية التي أخذت النظام الربوي من دون تفحص وروية، ونذكر هنا ماقاله السيد قطب «في عالم الاقتصاد لايلجأ الفرد الى الاستدانة، وله رصيد مذخور، قبل ان يراجع رصيده، فيرى ان كان فيه غناء... ولاتلجأ الدولة الى الاستيراد قبل أن تراجع خزائنها وتنظر في خدماتها ومقدوراتها كذلك، افلا يقوم رصيد الروح، وزاد الفكر ووراثات القلب والضمير، كما تقوم السلع والاموال في حياة الناس؟!... بلى! ولكن الناس في هذا العالم الذي يطلق عليه اسم (العالم الاسلامي) لاتراجع رصيدها الروحي وتراثها الفكري، قبل أن تفكر في استيراد المباديء والخطط واستعارة النظم والشرائع من خلف السهوب ومن وراء البحار!»(١) .

____________________

(١) العدالة الاجتماعية في الاسلام ص٣.

٤٢١

وحقا أن بلاد المسلمين اليوم تستورد المباديء والخطط وتستعير النظم من دون أن تراجع رصيدها الروحي والفكري وخططها ونظمها الاصلية في مبدئها الاسلام، وما نظام الربا الا من هذا القبيل، فان الربا انتشر انتشارا واسعا في الغرب وقامت المصارف الربوية هناك بشكل واسع وأخذها المسلمون منهم وأقرها القانون الوضعي في بلاد الاسلام من دون أن يراجعوا رصيدهم الذي يضمن لهم تقدما اقتصاديا مرموقا.

ولو راجعنا الخطط الاسلامية التي شرعها الاسلام للبشر لوجدنا نظام المضاربة «القراض» الذي شرعه الاسلام وهو خير بديل للنظام الربوي لانه يقوم على أساس المشاركة في الخسارة والربح، والنتائج المترتبة عليه تفوق النتائج المرتبة على النظام الربوي بالاضافة الى عدم وجود المساويء والهزات الاقتصادية التي هي موجودة في النظام الربوي كما تقدم.

بيت المال المركزي

ان بيت المال المركزي في الاسلام هو النموذج للمصرف المركزي الحديث، الا أن الفارق واضح وهو أن نظام بيت المال المركزي خال من عيوب نظام المصرف المركزي الحالي. ويمكن للمصارف الحالية أن تستمر في ظل الدولة الاسلامية بشرطين: يمكن أن نرجعهما الى شرط واحد وهو الغاء النظام الربوي، فينبغي الا تدفع اية فوائد للمودعين والاتتقاضى المصارف أية فوائد من عملائها. و«يوجد حاليا في انجلترا عدد من المصارف لاتدفع أية فوائد على الحسابات الجارية، والفوائد الضئيلة التي تدفع في انجلترا على الايداعات الثابتة، والتي تتراوح بين ربع في المائة او(١) في المائة، يمكن الغاؤها بسهولة دون أن يحدث ذلك أي أثر في المدخرات»(١) . وقد يتولد من هذا الذي

____________________

(١) الاسلام والربا/ص١٧٩.

٤٢٢

تقدم سؤال هو: لو كانت المصارف لاتأخذ فوائد على اقراض المال فكيف توجه تكاليف الانشاء والخدمات؟.

وجواب ذلك: ان خدمات المصارف التي فيها منافع كثيرة، يمكن أن تكون مثل كل الخدمات الضرورية كبناء المستشفيات وغيرها، ولماذا لاتتحمل الدولة نفقات الانشاء والخدمات؟ ويقوى هذا الجواب في ظل النظام الاسلامي فان المصارف ستكون قادرة على مواجهة جميع التكاليف وتكون عونا للامة.

وهذا يتم أيضا لو أصبحت المصارف شريكة في الصناعة والتجارة والاعمال على اساس المضاربة، فالمصارف يمكن لها أن تقدم الاموال للانتاج وتصبح شريكة بالربح والخسارة. ويمكنها أيضا أن تسحب الاموال من الافراد وتجعل نفسها وكيلة في اعطائها للانتاج مع أموالها ويكون الربح المتفق عليه مع المنتجين للمصرف ولاصحاب الاموال الذين جعلوا المصرف وكيلا عهم في المضاربة.

وهنا يوجد التوفيق بين المال والصناعة، وستكون ارباح المصارف نتيجة المضاربة أكثر من نفقات الانشاء والمصروفات الاخرى «ولو كان التعاون بين رأس المال والتجارة على الشروط المعقولة لسار ومازال يسير نظام الدنيا الاقتصادي على الطريق السوي بالامن والسلامة»(١) .

وعلينا هنا أن نعرض اعمال المصارف الربوية لنرى هل يمكن أن تسير عملياتها بدون ربا على اساس المضاربة وهي المشاركة في الربح والخسارة؟ وهذا يستدعي أن نسرح النظر في نظرية عقد المضاربة ايضا، فنعرضها اولا ثم نعرض اعمال المصارف التي يمكن أن تستبدل بنظام اسلامي.

____________________

(١) الربا المودودي ص٢٧.

٤٢٣

نظرية المضاربة «القرض»

ان مفهوم المضاربة في الفقه الاسلامي يختلف عن مصطلحها في الاقتصاد الحديث، فهي في الاقتصاد الحديث كما قدمنا «رغبة بعض الافراد في تحقيق الارباح عن طريق الاستفادة من تقلبات معدلات الفائدة الناجمة من تغيرات أسعار السندات»(١) .

أما في الفقه الاسلامي فهي عقد خاص بين مالك رأس المال والمستثمر، فيكون المال من الاول والعمل من الثاني لانشاء تجارة على أن تحدد حصة كل منهما من الربح بنسبة مئوية «ومعنى المضاربة في اللغة اتجار الانسان بمال غيره»(٢) وفي مجمع البحرين «المضاربة مفاعلة من الضرب في الارض والسير فيها للتجارة»(٣) .

وقبل أن تبدأ بعرض صورة المضاربة نبين موقفين من الطريقة الوقائية التي يتبعها الاسلام في تشريعاته الاقتصادية وهما:

١ - الموقف السلبي: وهو الوقوف امام مناشيء المشاكل الاقتصادية واسبابها وتحريمها، واعتبار المعاملات القائمة عليها باطلة، أي لانرتب الاثر على المعاملات غير المشروعة. ويدخل في ضمن هذا الموقف السلبي تحريم الربا، فان الاسلام وقف امام اهم مناشىء المرض الاقتصادي الفاتك وهو الربا فحرمه تحريما قاطعا.

٢ - الموقف الايجابي: وهو «تشريع معاملات اقتصادية حرة عادلة تقوم

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار ص١٧٣.

(٢) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد العربي ص٨٣.

(٣) ج٢ باب ضرب ص١٠٧.

٤٢٤

بدور تداول الثروة وتوزيعها بين أبناء الامة بالشكل الذي يحقق التوازن الاقتصادي للمجتمع»(١) .

ويدخل في ضمن هذا الموقف الايجابي نظرية المضاربة فانها معاملة اقتصادية عادلة حرة تقوم بتوزيع الثروة على ابناء الامة بالشكل الذي يحقق التوازن الاقتصادي.

والطريقة الوقائية المتقدمة بقسميها مع الطريقة العلاجية - وهي التي تحل المشاكل وتعالجها - طريقتان عامتان يتبعهما الاسلام في تشريعاته الاقتصادية.

والصورة العامة للمضاربة في الفقه الاسلامي هي: ان المضاربة من العقود الدائرة بين النفع والضرر، وتنقسم الى قسمين: مطلقة ومقيدة، فالمطلقة هي التي لاتتقيد بزمان ولابمكان ولابنوع التجارة وغير ذلك، والمقيدة هي التي تتقيد ببعض القيود كزمان او مكان خاصين او بنوع من انواع التجارة دون الباقي. ويشترط ان يكون رأس المال(٢) معلوما ببيان قدره ووصفه ونوعه او بالاشارة اليه، ويشترط أن يكون الربح مشاعا كالنصف او الثلث او غير ذلك لاحدهما والباقي للاخر، لانه يحتمل أن الربح لايأتي زائدا على ذلك المقدار المعين بغير الاشاعة، فيفوت الغرض من المضاربة، والمضارب ليس له الا من الربح فلو اشترط شيئا من راس المال فسدت المضاربة، وكذلك يبطل اشتراط الخسارة

____________________

(١) مجلة النجف/ عبد الهادي الفضلي محاضرة المضاربة ودورها في تداول توزيع الثروة ص٤٥ - ٤٦.

(٢) ذكروا أن المال لابد أن يكون ذهبا أو فضة مسكوكين، ولكن بعض الفقهاء ذكروا جريان المضاربة بهذه الاوراق النقدية المتداولة، وقد يكون دليل الاول انصراف لفظة المال الى الذهب والفضة ولكن نقول الاطلاق محكم، وحتى مع عدم وجود الاطلاق فالمضاربة بالنقود الورقية عقد لم يردع عنه فيشمله «أوفوا بالعقود».

٤٢٥

على المضارب، والمضارب امين على راس المال وهو كالوكيل من جهة تصرفه فيه، ولو خسرت المضاربة فالخسارة تقع على راس المال لا على العامل لان العامل خسر عمله. وان بقي رأس المال كما هو لم يربح ولم ينقص لم يكن لصاحب المال الا المال وليس للعامل شيء. وتتكون عملية المضاربة من المضارب والمضارب، ويمكن أن تكون من ثلاثة أو أكثر، وقد يكون احد الاطراف مشرفا في عملية المضاربة بالاضافة الى كونه عضوا، فمثلا قد تتكون المضاربة من:

١ - المضارب، مثل العامل او المستثمر.

٢ - المضارب مثل المودع في البنك الذي يجعل البنك وكيلا مطلقا في المضاربة بها.

٣ - الوسيط ويمكن ان يكون هو البنك او أي وسيط آخر يستطيع أن يجمع الاموال ويفتش عن المستثمرين، وقد يكون البنك وكيلا عن المودعين في عملية المضاربة وأصيلا عن نفسه فيما اذا جعل من أمواله مع أموال المودعين في عملية المضاربة.

عناصر المضاربة

وتتكون المضاربة من عناصر مهمة دخيلة في تكوينها هي:

١ - صاحب المال

٢ - المال

٣ - العامل

٤ - العمل

٥ - توزيع الربح بالنسبة

٦ - الايجاب

٧ - القبول.

وقد ذكر السيد الاستاذ الصدر (قده) شروطا للاعضاء المشتركين في عملية المضاربة التي تحل محل النظام الربوي «في صورة كون البنك وكيلا عن المودعين في انشاء عقد المضاربة» ويمكن أن تجعل شروطا في عمليات المضاربة مطلقا وهي:

٤٢٦

شروط المودع (المضارب)

١ - «أن يلتزم المودع بملزم شرعي بابقاء وديعته مدة لاتقل عن ستة أشهر تحت تصرف البنك» والملزم الشرعي يمكن أن يكون شرطا في ضمن عقد.

٢ - «أن يقر المودع ويوافق على الصيغة التي يقترحها البنك للمضاربة والشروط التي تتبنى ادراجها في تلك الصيغة» ولايتبادرالى الذهن أن مثل هذا العقد يكون شبيها بعقود الاذعان، لان الشروط المقررة هنا لصالح الطرفين ولانجاح المشروع من دون تغليب لصالح طرف البنك او المضارب بعكس شروط الاذعان. وقد يوجد هذان الشرطان فيما اذا وكل صاحب المال البنك في عملية عقد المضاربة واشترط البنك على صاحب المال عدم الفسخ لمدة معينة.

شروط المستثمر (المضارب)

١ - أن يكون أمينا، ويشهد على أمانته ووثاقته شخصان يعرفهما البنك.

٢ - أن تكون له كفاءة وقدرة على الاستثمار اوله خبرة سابقة في المجال الذي سيستثمر فيه المال.

٣ - أن تكون العملية محددة ومفهومة لدى البنك ليقدر نتائجها.

٤ - يفضل من له سابقة حسنة مع البنك على غيره.

٥ - أن يخضع المستثمر للشروط التي يضعها البنك وهي:

أ - شروط تتعلق بتقسيم الارباح.

ب - يفتح للمستثمر حسابا جاريا للمضاربة.

ج - التزام بضبط استثمار المال في سجلات خاصة.

٤٢٧

د - افتتاح اضبارة لكل عملية مضاربة يرفق فيها كل مايتعلق بتلك العملية.

ه- - يشترط على العامل أن يزود البنك بجميع المعلومات عن سير دورة حياة عملية المضاربة من ساعة تنفيذ العقد حتى انتهاء العقد. كما على البنك أن يسعى لتوفير المضاربة الناجحة ولايجوز له تأجيل استثمار الودائع الثابتة التي يتسلمها، ولاالتماهل في تهيئة الفرصة الناجحة بقصد توفير سيولة نقدية١.

ويظهر أن اشتراط بعض هذه الشروط لتحقيق نجاح المشروع فان البنك اللاربوي(١) يعمل بصورة مستقلة عن سائر جوانب المجتمع مع بقاء المؤسسات الربوية الاخرى من بنوك وغيرها، فلابد له من احراز النجاح بهذه الشروط. على أن بعض هذه الشروط ليست مما تختص بالمضارب.

البنك له حصة

قد لايكون البنك عاملا في المضاربة ولاصاحب مال وانماله دور المشرف على اجراء عملية المضاربة حتى النهاية، وهنا يكون البنك طرفا أجنبيا عن عملية المضاربة، فيصح له أن يضمن خسارة المال الى صاحبه على تقدير الخسارة وأما حصة البنك هنا فهي تكون على أساس الجعالة اذا أعجز المضاربة وواصل الاشراف عليها الى النهاية، وقد جاءت الاخبار تؤيد ذلك ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: في رجل قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، قال (ع) ليس به بأس(٢) . ويمكن أن تكون حصة البنك على اساس الشرط في ضمن العقد، اما بنحو شرط النتيجة أو نحو شرط الفعل، وقد تكون حصته هي اجرة المثل للوكالة.

____________________

(١) للتوسع يراجع البنك اللاربوي ص٢٦.

(٢) الوسائل ج١٢ باب ١٠ من أبواب احكام العقود ص٣٨١. وغيرها اذ فرض الجعل جزء من الثمن على تقدير الزيادة.

٤٢٨

وقد قلنا فيما سبق ان البنك يمكن أن يكون احد أصحاب الاموال وهو وكيل عن الباقين في عملية المضاربة والاشراف عليها وتقسيم المال حسب مايراه البنك مع المستثمر، فهنا يكون البنك احد اصحاب الاموال فيصح ضمانه للاخرين على تقدير الخسارة(١) (لانه ليس عاملا فلايصح ضمانه الخسارة). واما الحصة التي يأخذها البنك فهي على أساس أنه احد أفراد أصحاب الاموال.

ثم بعد أن عرضنا نظرية المضاربة يحسن بنا أن نعرض أعمال المصارف كلها لنرى هل يوجد لها بديل أفضل في ظل النظام الاسلامي؟.

وظائف البنك

والبنك يعرفه علماء الاقتصاد بأنه «جهاز يتولى تقديم الائتمان لعملائه ويتلقى الودائع النقدية منهم»(٢) . والائتمان هو «مقدرة الحصول على سلع او خدمات او نقود حاضرة مقابل الوعد برد مايعاد لها مستقبلا»(٣) .

وان أهم نشاط يقوم به البنك هو الاقتراض بفائدة كما في الودائع الثابتة او بدون فائدة كما في الودائع المتحركة، ثم الاقراض بفائدة أكبر، والدخل الربوي يتكون من الفرق بين الفائدتين او من الفائدة التي يتقاضاها حالة اقتراضه بدون فائدة كما في الودائع المتحركة.

ومن هنا نعرف أن البنك وظيفته في الواقع هي وظيفة وسيط بين رأس المال

____________________

(١) أي بمعنى ان البنك يعطي لهم مايخسرون على تقدير الخسران، وهذا وعد صحيح الا انه غير واجب على البنك، اما اذا كان بمعنى الخسران عليه فهو غير صحيح.

(٢) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد العربي ص٨٧ الازهر سنة١٩٦٥.

(٣) النقود والبنوك في البلاد العربية/ فؤاد مرسي ص٣٧.

٤٢٩

والعمل، والبنك باعتباره مدينا للمودعين يدفع لهم الفائدة اذا كانت الودائع ثابتة، وباعتباره دائنا للمستثمرين يأخذ منهم الفائدة، فارتباط نظام البنك وهو الايداع والاقراض بالربا واضح.

وللبنك وظائف أساسية نعرضها بايجاز، وهي.

١- تيسير التبادل.

٢- تيسير الانتاج.

٣- الاستثمار.

اولا: تيسير التبادل : ويتم التبادل بالوعد بالدفع، ويكون للوعد بالدفع صور:

١- الشيك: يصدر العميل الى مصرفه (شيكا) يأمره بدفع مبلغ معين الى شخص معين او للحامل، وحينئذ يقوم البنك بدفع القيمة للحامل من حساب العميل. فاذا كان للحامل حساب مع البنك وهو عميل البنك، فيحصل على قيمة الشيك بتقييدها في حسابه الجاري.

٢ - فتح الاعتماد: قد يتعهد البنك لاحد عملائه بجعل مبلغ معين من المال تحت تصرف عميله يستطيع أن يسحب منه مايشاء، وهذه الصورة تفرض البنوك عليها فائدة ربوية. وهذا مايسمى بالسحب على المكشوف، وقد قلنا فيما تقدم ان السحب من دون رصيد هو في الحقيقة قرض لصاحب الحساب فيكون أخذ الفائدة عليه ربا محرما بلا كلام.

٣ - خطاب الاعتماد: واذا أراد العميل السفر الى دولة اخرى فيأخذ من المصرف (خطاب اعتماد) يوجهه الى فرعه في تلك الدولة او الى مصرف آخر يأمره بدفع مبلغ من المال الى العميل الذي له ودائع في المصرف الاول.

٤٣٠

والمصرف في هذه الصورة يأخذ عمولة نصف أو ربع بالمائة. وهذه العملية تقدم الكلام عنها ايضا تحت عنوان الحوالة، وقد قلنا بجواز أخذ العمولة بتقريب فقهي فليراجع.

واذا لم يكن المحول اليه عميلا فيقوم بعملية (التحويل لامره) فيدفع الى البنك قيمة المبلغ الذي يريد الحصول عليه في بلدة اخرى نقدا ثم يتسلمه في تلك البلدة من أحد الفروع او من بنك مراسل.

٤ - السند الاذني٢ وهو التزام مكتوب يتعهد فيه المحرر بدفع مبلغ معين في تأريخ معين لشخص آخر ويسمى (المستفيد) ويستطيع المستفيد أن يصرف قيمة السند من البنك فورا قبل حلول التأريخ بأقل من قيمته، وهذا ان رجع الى كون المصدر للسند مديناالى الشخص الاخر فحكمه حكم الكمبيالة الحقيقية وان لم يكن مدينا حقيقة فحكمه حكم الكمبيالة الصورية.

٥ - الكمبيالة: «وهو أمر مكتوب يتوجه به شخص يسمى الساحب الى شخص آخر يسمى المسحوب عليه طالبا منه دفع مبلغ معين لاذن شخص ثالث يسمى المستفيد. فاذا قدم المستفيد هذه الكمبيالة الى مصرفه بعد أن أظهرها المسحوب عليه دفع البنك قيمة الكمبيالة بعد خصم الفائدة الربوية على المدة التي سوف تمضي قبل حلول أجل الوفاء المقرر في الكمبيالة»(١) وقد قلنا فيما سبق بجواز هذه العملية اذا كانت الكمبيالة حقيقية بأن كان الموقع عليها مدينا حقيقة لمن استلمها بخلاف الكمبيالة الصورية.

٦- تحصيل الكمبيالة لحساب العميل: يقوم البنك بارسال اخطار للمدين

____________________

(١) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية/ د. محمد العربي ص٨٨.

٤٣١

يوضح فيه رقم الكمبيالة وتاريخ استحقاقها وقيمتها، وبعد أن يحصل على قيمتها يقيدها في رصيد الدائن بعد خصم المصاريف. وقد تقدم أيضا جواز أخذ عمولة على هذا العمل المحترم. نعم اذا كان صاحب الكمبيالة له رصيد في البنك وقد أمر البنك بخصمها من حسابه فلا يجوز للبنك أخذ عمولة هنا، اذ يجب على البنك تسديد الدين.

٧ - التحصيل المستند: «يقدم المصدر الى مصرفه المستندات المتفق عليها بينه وبين المستورد ويتولى البنك ارسال هذه المستندات الى مراسله في بلد المستورد ويطلب منه تسليم مستندات الشحن الى المستورد مقابل دفع ثمن البضاعة، وعندما يسدد المستورد يخطر البنك المراسل بنك المصدر بما يفيد تحصيل القيمة وقيدها في الحساب الجاري له»(١) . وهي من تيسير التبادل لان مؤادها توسط البنك في ايصال مستندات الشحن الى المستورد عن طريق مراسله في بلد ذلك المستورد وتسلم الثمن عن طريق المراسل. وقد تقدم أيضا جواز هذه العملية واطلقنا عليها اسم (اعتماد التصدير) اذ يكون البنك هنا في الحقيقة مستأجرا في مقابل أجر معين او مجعول له قبال عمله.

٨ - قبول الودائع المصرفية: يقبل البنك الودائع من عملائه وتقسم الى قسمين:

أ - ودائع تحت الطلب (الحساب الجاري).

ب - ودائع لاجل (ودائع توفير او ادخار). والوديعة هي مبلغ من النقود يودع لدى البنك. ومفهوم الوديعة في الفقه الاسلامي يختلف عن مفهوم الوديعة هنا، فالبنك يعتبر الوديعة قروضا مستحقة الوفاء في أجل محدد او دائما «لان

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص ١١١ و٨٤.

٤٣٢

ملكية العميل تزول نهائيا عن المبلغ الذي وضعه لدى البنك ويصبح للبنك السلطة الكاملة في التصرف فيه... وهذا مالا يتفق مع طبيعة الوديعة(١) في الفقه الاسلامي، اذ أنها في الفقه الاسلامي لايمكن للمودع عنده أن يتصرف في الوديعة مطلقا وللمستودع أن يطلب عينها متى شاء. وكلمة الوديعة المستعملة، تدل على أن البنك في اول نشأته كان يقبل الودائع بمفهوم اسلامي ويأخذ اجرة عليها، ولكنها تطورت الى الشكل الاخير وبقيت محتفظة من الناحية الوضعية باسم الودائع. وهناك الوديعة الحقيقة: وهي عبارة عن أشياء معينة يود أصحابها الاحتفاظ بها لتجنب مخاطر الضياع والسرقة والحريق فتودع لدى البنك على أن يستردها بنفس مظهرها المادي، ويقوم البنك باعداد خزائن خاصة ويتقاضى أجرا على ذلك منهم، وهي ودائع بالمعنى الفقهي الكامل.

٩ - الحوالة المصرفية: وهي أمر كتابي يصدره العميل المدين الى البنك لان يدفع مبلغا من النقود لشخص آخر في دولة اخرى، فالبنك يتولى الاتصال بفرعه في الدولة الاخرى لتنفيذ أمر عميله، والفرع يتصل بالمحول اليه طالبا منه الحضور لتسلم قيمة الحوالة أو يقوم البنك بنفسه بتقييد المبلغ في الحساب الجاري للمستفيد اذا كان له حساب جاري ويرسل اشعارا الى المستفيد بالعملية.

١٠ - حفظ الاوراق المالية: اذا كان لدى العملاء اوراقا مالية فيودعونها لدى البنك للمحافظة عليها، والبنك في هذه الحالة يهييء خزائن لحفظ هذه الاوراق مقابل أجر الحفظ. وهذا لابأس به اذا كانت نفس الاموال تحفظ بمعنى الوديعة الحقيقي.

١١ - خطابات الضمان (الكفالات): «وهو تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب الى المستفيد في ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان

____________________

(١) البنك اللاربوي في الاسلام ص ١١١ و٨٤.

٤٣٣

عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل المستفيد»(١) كالكفالة الشخصية.

وتقسم الكفالات الى قسمين: ابتدائية، ونهائية.

فالابتدائية: هي تعهد من جانب الى المستفيد وهو الجانب الاخر لدفع مبلغ من النقود من قيمة العملية التي يتنافس طالب خطاب الضمان للحصول عليها ويستحق المستفيد الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ الترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه.

والنهائية: وهي تعهد من جهة لجهة اخرى وهو (المستفيد) لضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة اكبر من قيمة العملية التي في ذمة الجهة الثالثة، والدفع يكون واجبا عند تخلف الجهة الثالثة التي صدرت الكفالة لصالحها بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي بين المستفيد والجهة التي طلب اصدار الخطاب لها.

وقد قلنا سابقا بصحة أخذ العموله على هذا العمل، اذ يكون البنك مستأجرا للمتعهد للقيام بتعهده فيعزز قيمة ألتزامات الشخص المقاول فيستحق على عمله أجرا، ولكن هنا نتكلم بصورة أوسع عن أخذ البنك عمولةعلى عمله مع قيام المقاول بما في ذمته فنقول: ان عقد الايجار الذي تحقق بين المقاول وجهة حكومية مثلا اشترط فيه أن على المقاول أن يدفع مبلغا من المال عند تخلفه عن التزاماته، وهذا شرط نافذ لانه واقع في ضمن عقد الايجار. ثم طلب من البنك أن يتعهد بهذا الشرط(٢) اذا لم يف به المشروط عليه، فقام البنك بتعهده واصدر خطاب الضمان للجهة الحكومية مثلا، حينئذ اذا امتنع

____________________

(١) المصدر السابق ص١٢٨ - ١٣١ للتوسع.

(٢) التعهد بالشرط للجهة الحكومية مثل التعهد للدائن باداء الدين، ويدل عليه الارتكاز العقلائي الممضى شرعا.

٤٣٤

المقاول من تنفيذ الشرط عند عدم التزامه بما في ذمته فترجع الجهة الحكومية على البنك في هذه الحالة، وهنا البنك يرجع على المقاول لاخذ المبلغ منه لان المقاول هو الذي طلب من البنك أن يتعهد شرطه فيكون ضامنا لما يتلف على البنك عند اصداره خطاب الضمان. وهنا لابد أن نلتفت الى أن البنك له حق أن يأخذ عمولة على عمله في اصدار خطاب الضمان، أما اذا لم يقم المقاول بالتزاماته ودفع البنك قيمة خطاب الضمان فلايحق للبنك أن يأخذ أكثر مما دفع الى الجهة الحكومية.

ثم اننا نقول فيما اذا كان خطاب الضمان ابتدائيا بصحة أخذ البنك عمولة عليه، لانه كما قلنا يعزز قيمة التزامات المقاول مثلا فهو عمل محترم، واذا افترضنا أن المقاول طلب من البنك أن يصدر خطابا الى الجهة الحكومية بدفع كمية من المال اليها عند عدم قيامه بالترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه، وكان البنك قد أصدر هذا الخطاب الى الجهة الحكومية ولم يقم المقاول بالترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه، ورجعت الحكومة على البنك وأخذت كمية النقود بحسب خطاب الضمان، فيصح للبنك أن يرجع على طالب صدور خطاب الضمان لانه أمر البنك باتلاف شيء عليه فيكون ضامنا.

١٢ - الاعتمادات المستندية: «وهي تعني تعهدا من قبل البنك للمستفيد وهو البائع بناء على طلب فاتح الاعتماد وهو المشتري، ويقرر البنك في هذا التعهد أنه قد اعتمد تحت تصرف المستفيد (البائع) مبلغا من المال يدفع له مقابل مستندات محددة تبين شحن سلعة معينة خلال مدة معينة» وهذا تقدم الكلام فيه مفصلا فراجع.

١٣ - تخزين البضائع: قد تخصص البنوك مخازن لخزن البضائع عند مجيئها قبل تسلم المستورد المستندات الخاصة بتلك البضاعة لتأخرهم أو امتناعهم

٤٣٥

عن التسلم.

١٤ - (الكاميبو) عمليات الصرف الخارجية: قد تنشأ ديون وطلبات بين افراد من دولتين لكل منهما عملتها الخاصة، فالمستورد اذا أصبح مدينا بألف دينار لمصدر يمكنه ان يسدد الدين عن طريق ورقة تجارية كالشيك فيحصل من بنك المستورد شيكا محسوبا على بنك في دولة المصدربقيمة الدين، أو أن يجد شخصا من مكان المستورد مصدرا لدولة المصدر بالمبلغ نفسه وعنده شيكا على دولة المستورد، فيشتري منه الشيك ويرسله الى المصدر وفاءا لدينه. وهذه العملة لابأس بها لان العملية الاولى عبارة عن حوالة المستورد على بنكه في دولته وحوالة البنك على بنك في دولةالمصدر. والعملية الثانية عبارة عن شراء المستورد الدين الذي يملكه المصدر في ذمة شخص بالدولة الخارجية، ثم يحول دائنه الذي في الخارج على صاحب الشيك.

٥١ - بيع وشراء العملات الاجنبية: قد تقوم البنوك بشراء وبيع العملات الاجنبية التي يحملها السياح لغرض توفير قدر كاف منها لمواجهة حاجات العملاء او لاجل الحصول على ربح اذا كانت أسعار الشراء أقل من أسعار البيع، وشراء العملية الاجنبية بتحويل قيمة الكمية المطلوب شراءها الى عملة محلية بالسعر الرسمي. وهذه العملية جائزة نقدا ونسيئة على مذهب المشهور من أن أحكام الصرف لاتأتي هنا، أما اذا قلنا بجريانها كما عن السيد الشهيد، فهذه العملية تجوز نقدا لانسيئة، لكن السيد الشهيد قال بجوازها نسيئة أيضا(١) .

١٦ - الحوالات المصرفية الصادرة: يمكن للبنك نفسه أن يقوم بعملية التحويل حينما يكون التاجر المستورد مدينا لمصدر أجنبي، يلجأ الى البنك ليجري البنك تحويلا لصالح المصدر على مراسله أو فرعه في البلد الساكن فيه

____________________

(١) البنك اللاربوي ص١٣٨.

٤٣٦

الدائن، فيفتح البنك حساباته لدى الفروع أو المراسلين ويخصم قيمة الحوالة من ذلك الحساب، والعميل يدفع قيمة الحوالة بعملة البلد نقدا أو يخصم من رصيده، ويأخذ البنك عمولة على عملية التحويل. والحوالات المصرفية الواردة يكون النظر اليها من زاوية الفرع أو المرسل بناءا على طلب عميل بنك المستورد. وهذا تقدم حكمه أيضا فراجع.

ثانيا: تيسير الانتاج : بتقديم القروض والتسهيلات.

وللقروض الربوية صور كثيرة منها:

أ - سلفة مالية يقدمها البنك لاغراض استهلاكية وعليها فائدة.

ب - قرض مالي لمشروع انتاجي وعليه ربا، أو فتح اعتماد لشخص.

والاعتمادات المستندية وخطابات الضمان وخطابات الاعتماد الشخصية اذا كانت غير مغطاة غطاء كاملا اعتبرت تسهيلات في نفس الوقت بالمقدار المكشوف من غطائها وهي تتدرج في نطاق القروض وتعتبر تسهيلات، والتسهيلات أعم من القروض لانها تشمل ماتنتهي الى القروض ومالاتنتهي اليها، والقروض تنقسم الى طويلة الاجل ومتوسطة وقصيرة الاجل.

خصم الاوراق التجارية:

اذا كان للمستفيد ورقة تجارية ذات أجل محدد فاذا اراد أن يحصل على قيمتها فيدفعها للبنك ليحصل على قيمتها بعد استنزال مبلغ معين هو عمولة وفائدة. واذا حل موعد الوفاء فان البنك يطالب محرر الورقة بقيمتها ويحصل عليها البنك واذا تخلف المدين عن دفع قيمة الورقة المستحقة عليه يكون المجير الاخير الذي خصم له البنك الورقة هو المسؤول أمام البنك عن دفع المبلغ، ويحسب

٤٣٧

البنك فائدة على التأخير بعد حلول الموعد اذا اتفق وتتقاضى هذه الفوائدة من محرر الكمبيالة.

ونتيجة هذه العملية هو أن البنك يقدم قروضا الى المستفيد لتلك الكمبيالة مع تحويل المستفيد البنك على محرر الكمبيالة، وهو تحويل على المدين ويمكن أن يكون خصم الاوراق التجارية على أساس البيع فان المستفيد يبيع الدين الذي تمثله الورقة ب-(٩٥) دينارا اذا كانت الورقة تمثل (١٠٠) دينار مثلا، ويكون من قبيل البيع بأقل منه، وهو صحيح اذا لم يكن الدين من الفضة أو الذهب أو من المكيل أو الموزون كما تقدم ذلك.

ولكن هناك روايات خاصة دلت على أن الدائن اذا باع دينه بأقل منه، فالمشتري لايستحق اكثر مما دفع الى البائع، والزائد ساقط من ذمة المدين بمعنى تنازل الدائن عن الزائد لصالح المدين دائمالإ لا لصالح المشتري وان قصد الدائن ذلك، وهذا من موارد تخلف القصد مع صحة العقد، ولكن الرواية الظاهرة في هذا المعنى ضعيفة بمحمد بن الفضيل(١) الذي ضعفه الشيخ في الفهرست.

ثالثا: الاستثمار: او توفير رأس المال:

ان الاستثمار في الواقع هو نتيجة لتيسير الانتاج وهو الهدف الثاني، فان تيسير الانتاج يؤدي الى توفير رأس المال وكثرة الاستثمار. ولما كان المال متيسرا كما في الهدف الثاني أصبح التخصص في الانتاج واضحا والعمل مقسما الى أقسام، كل قسم يقوم به منتج معين، فساعد على توسيع نطاق الانتاج وبالتالي على توفير رأس المال الذي تمثل في أدوات الانتاج والمال، فتوفر رأس المال

____________________

(١) الوسائل/ج١٣ باب ١٥ من أبواب الدين/ ص٩٩.

٤٣٨

النقدي والعيني(١) .

ولما يتوفر رأس المال فانه يستغل في الاستثمار ويقصد بالاستثمار: «توظيف البنك لجزء من أمواله الخاصة والاموال المودعة لديه في شراء الاوراق المالية والتي تكون غالبا على شكل سندات توخيا للربح وحفاظا على درجة من السيولة التي تتمتع بها تلك الاوراق المالية لامكان تحويلها السريع الى نقود في اكثر الاحيان»(٢) .

وتتميز الاستثمارت عن القروض من الناحية الفنية بأمور:

١ - الاستثمارات تؤدي الى استعمال الاموال في آماد طويلة في اكثر الاحيان.

٢ - دور البنك في الاستثمار هو الذي يبدأ في المعاملة ويعرض المال ليوظف في فترة طويلة.

٣ - دور البنك في الاستثمار كدور أحد المستثمرين بعكس القرض لانه أهم المقرضين(٣) .

وذكر أن وظائف البنك هي:

أ - قبول الودائع.

ب - عمليات التسليف.

ج - فتح الاعتماد.

د - الائتمان بتقسيماته(٤) . وقد تقدم الكلام عن أحكامها في بحث الربا عند الامامية.

____________________

(١) المؤتمر الثاني لجمع البحوث الاسلامية د. محمد العربي ص٩٠.

(٢) البنك اللاربوي في الاسلام ص ١٦١ - ١٦٢.

(٣) البنك اللاربوي في الاسلام ص١٦١ - ١٦٢.

(٤) النقود والبنوك في الدول العربية/ فؤاد مرسي ص٣٣ ومابعدها.

٤٣٩

وهنا بعد أن عرضنا وظائف البنوك التي يشتمل بعضها على فائدة، وقد حرمها الاسلام، والاسلام لابد له أن يماشي روح العصر والتطور، بمعنى أنه شامل لجميع شؤون الحياة فلابد له من حل لهذه المشاكل التي تحدث، ولابد من نظريات فقهية تتكيف عليها أعمال الناس، على أن أحكامه ثابتة غير متطورة، فما هو البديل الاسلامي لعمليات البنوك الربوية؟.

وقولنا ان الاسلام لابد له من أن يماشي روح العصر والتطور ليس معناه أنه يخالف ما أثبته اولا، وانما للاحكام الاسلامية قواعد كلية غير متغيرة تنطبق على ما تستجد من المصاديق، فيحاول علماء الاسلام التفتيش عن القاعدة الكلية التي تنطبق على هذا المصداق ويجتهد ويفرغ وسعه في طلب هذا الشيء.

البنك الاسلامي:

وبما أن البنك الاسلامي يمنع التعامل بالربا فعليه أن يبرز عنصر العمل البشري في النشاطات، وعليه أيضا أن يؤكد على العمولة بأنها أجرة عمل، ويكون البنك وظيفته وظيفة الوسيط بين المودعين والمستثمرين، وان يكون بعيدا عن الروح اللااسلامية فلايهمه الربح الكثير بقدر ماتهمه مصلحة الجماهير. وعمله هذا ليس للربح التجاري فحسب وانما للعبادة والجهاد في أعباء الرسالة وانقاذ الامة من الكفر. ثم ان الربح الذي يكسبه البنك اللاربوي انما يكون بواسطة تطبيقه لرسالة السماء في الارض، وهو لوحده كسب ليس بعده كسب، نعم يجوز للبنك الاسلامي أن يودع بفائدة لدى البنوك الكافرة أي البنوك التي لاتلتزم بشرائط الذمة من اهل الكتاب، وهذا جائز كما تقدم.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464