الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 84042
تحميل: 8858

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84042 / تحميل: 8858
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

إلى احكام الصرف وتقول لابد من ان يكون يدا بيد، وان التفاضل جائز، واما اذا كان نسيئة (فهو حرام وباطل وربا).

واما اذا كان النقدان من جنس واحد، فهو مورد التعارض، اذ ان بعض ما نسب إلى ابن عباس من قول هو جواز(الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين نقدا) وهذا هو الذي تحرمه رواية الاصناف الستة ايضا. فالنتيجة يقع التعارض في صورة واحدة ومورد واحد، وهو اذا كان البدلان من جنس واحد، فرواية الاصناف الستة تشترط التماثل نقدا، بينما رواية أسامة لاتشترط ذلك. اذن لاتعارض في ربا الفضل كله في جميع الاصناف الستة.

واما اذا لم نرتضي الفهم الخاص لابن عباس، واخذنا باطلاق حديث اسامة فالتعارض يقع في صورة بيع البدلين اذا كانا من جنس واحد بالتفاضل نقدا، فان حديث الاصناف الستة يقول انه ربا، بينما حديث اسامة يقول انه ليس بربا «ولاتعارض في صورة بيع البدلين اذا كانا من جنسين نسيئة كما تقدم».

واذا اردنا ان نطبق قواعد التعارض، فان روايات الاصناف الستة هي المقدمة باعتبار شهرتها وكثرتها، بينما رواية اسامة لمفردها قد اخذبها ابن عباس وابن عمرو وبعض الصحابة، ولكن الاولان رجعا عن الحصر فيما بعد فقالا بحرمة ربا الفضل، فقد روى مسلم عن ابي نضرة قال «سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا بأسا. فاني لقاعد عند ابي سعيد الخدري فسألته عن الصرف فقال: مازاد فهو ربا. فأنكرت ذلك لقولهما. فقال: لا احدثك الا ماسمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاءه صاحب نخلة بصاع من تمر طيب - وكان تمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا اللون - فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنى لك هذا؟ فقال. انطلقت بصاعين فاشتريت

____________________

(١) قد يكون في خصوص هذه المعاملة شرط كالتقابض في المجلس اذا كان البدلان من النقد، الا ان هذا حكم اخر من ناحية الصرف.

٤١

به هذا الصاع، فان سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ويلك اربيت، اذا اردت ذلك فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت، قال ابو سعيد: فالتمر بالتمر احق ان يكون ربا، ام الفضة بالفضة؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم أت ابن عباس. فحدثني ابو الصهباء: أني سألت ابن عباسرضي ‌الله ‌عنهم ا بمكة فكرهه»(١) وغيرها. وفي بعض الروايات انه لم يسمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث لاربا الا في النسيئة وانما كان يقوله برأيه(٢) .

وروى الحاكم رجوع ابن عباس لما ذكره له (اي لابن عباس) ابو سعيد الا تتقي الله، حتى متىياكل الناس الربا، او مابلغك ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين، مثلا بمثل فما زاد فهو ربا، ثم قال وكذلك مايكال ويوزن أيضا، فقال ابن عباس لابي سعيد: جزاك الله الجنة ذكرتني امرا قد كنت انسيته فانا استغفر الله واتوب اليه، فكان ينهى عنه بعد ذلك(٣) .

واذا صحت هذه الرواية، فالجمع بينها وبين قوله سمعت اسامة يقول عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو انه سمع الحديث ولكن اخذ يجتهد في معناه ويفسره بفهمه ولربما لم يسمع سؤال اسامة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أي شيء كان، وانما سمع الجواب فقط، فأخذ باطلاقه. واما غيرهما من الصحابة(٤) ، فان البراء وزيد، قد تقدم الكلام عنهما وان روايتهما ليست بحجة، واما معاوية فهو مما لايحتاج بقوله أيضا

____________________

(١) نظرية الربا المحرم ص١٠١.

(٢) «انما هذا شيء كنت اقوله برأيي ولم اسمع فيه شيء» المصدر السابق ص١٠٠.

(٣) نظرية الربا المحرم ص١١٢. ونيل الاوطار للشوكاتي٥/ ٢٩٨ ذكر القصة بالاجمال. وكذلك ذكرت قصة رجوعه اكثر الكتب الفقهية والروائية.

(٤) «كالبراء وزيد ومعاوية وعبد الله بن الزبير».

٤٢

واما عبد الله بن الزبير فهو ضعيف في الغاية، نعم عبد الله بن مسعود نقل عنه القول ايضا «لابأس بالدرهم بالدرهمين»(١) ولكن لم نعرف شيئا عن ابراهيم التيمي والاعماش اللذين وردا في السند، بالاضافة إلى رجوعه ايضا اذ ينقل انه قال «يامعشر الصيارفة ان الذي كنت ابايعكم لايحل، لاتحل الفضة الا وزنا بوزن»(٢) .

هذا ويمكن ان يقال بان التعارض هنا انما هو بين منطوق حديث الاصناف الستة، ومفهوم لاربا الا في النسيئة، فانه بالمفهوم يعارض تحريم ربا الفضل الذي هو محرم بالمنطوق وحينئذ نقدم المنطوق على المفهوم لانه اقوى او اظهر.

وقد ذكر بعض العامة تأويلات للجمع بين الحديثين، فلم تصل الحالة عندهم إلى التعارض، ومن تلك التأويلات:

١ - ما نقل عن الشافعي بقوله «قد يحتمل ان يكون (ان الراوي وهو أسامة) سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأل عن الربا في صنفين مختلفين (ذهب بفضة) (وتمر بحنطة) فقال: انما الربا في النسيئة، فحفظه فأدى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يؤد مسألة السائل»(٣) .

ولكن هذا الحمل لايحل التعارض، لان التعارض هو في ربا الفضل في جميع الاصناف او في النقدين (ذهب بذهب وفضة بفضة) فتحله رواية اسامة اذا كان نقدا وتحرمه رواية الاصناف الستة اذا كان نقدا.

٢ - ما نقل عن الماوردي من علماء الشافعية بحمل لاربا الا في النسيئة

____________________

(١) نظرية الربا المحرم ص١٠١.

(٢) نفس المصدر ص١١٥ عن تكملة المجموع١/٣٩. ان هذا الذي نقل عن عبد الله بن مسعود لم يسمعه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وانما سمع من اصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله انه لاتصلح الفضة الا وزنا بوزن.

(٣) المصدر السابق ص٨٩.

٤٣

«على مااذا كان البدلان من جنس واحد، فتجوز مبادلتهما نقدا مع التماثل بينهما، ولايجوز ذلك نساء مع تأجيل احد البدلين»(١) .

وهذا التأويل لايحل التعارض الذي بيناه ايضا، اذ ان البدلين اذا كانا من جنس واحد، وكانا متماثلين فلايجوز تأجيل احد البدلين، وهذا مورد قبول كلا الحديثين، حيث ان حديث الاصناف الستة يقول في صورة اتحاد الجنس باشتراط التماثل أولا والحلول ثانيا، فاذا لم يحصل الشرط الاول حصل ربا الفضل، واذا لم يحصل الشرط الثاني وهو الحلول حصل ربا النسيئة الذي هو ربا فضل ايضا حيث ان الفضل هنا حكمي لاحقيقي، لان للاجل قسطا من الثمن، وكذلك حديث «لاربا الا في النسيئة» فاننا قلنا انه في صورة اتحاد الجنسين وكانا متماثلين الا انه لايصح نسيئة. وهذا لايحل التعارض، اذ التعارض كما قلنا سابقا هو في حصر الربا في النسيئة فقط، بينما حديث الاصناف الستة يبين الربا في الفضل أيضا.

٣ - مانقل عن العلامة ابن رشد انه قا «يحتمل ان يريد بقوله «لاربا الا في النسيئة» من جهة انه الواقع في الاكثر. واذا كان هذا محتملا والاول نص وجب تأويله على الجهة التي يصح الجمع بينها». وقريب من هذا التأويل ما نقل عن ابن حجر وابن القيم اذ قالوا بانه يحتمل ان يراد به حصور الكمال وان الربا الكامل انما هو في النسيئة، غير ان ابن القيم يبني تأويله على ان مايراه ما ان ربا النسيئة محرم لذاته، وان ربا الفضل محرم لسد الذريعة، وماحرم سدا للذريعة يباح عند الحاجة(٢) .

وهذا الكلام وان كان مقبولا فيخرج حديث اسامة عن كونه كلاما حقيقيا، الا

____________________

(١) المصدر السابق ص٩٠.

(٢) نفس المصدر ص٩١.

٤٤

أن هذا الكلام ليس مبتنيا - كما ذكر ذلك ابن القيم - على ما يراه من ان ربا النسيئة محرم لذاته وان ربا الفضل محرم لسد الذريعة ،بل اذا كانا كلاهما محرمين لذاتهما، فيمكن ان يكون «لاربا الا في النسيئة» محمولا على المجازية، باعتبار انه الواقع في الاكثر خارجا، وحينئذ يكون كمعنى «لاصلاة لمن جاره المسجد الا في المسجد» أي لاصلاة كاملة، لاانها تنفي حقيقة الصلاة. وعلى هذا فمن ينكر مبنى ابن القيم - كما تقدم ذلك منا - يمكنه قبول هذا الوجه من التأويل.

هذا وقد ذكر جمع من العامة ان رواية «لاربا الا في النسيئة» منسوخة، ولكن لم يثبت ذلك، ومجرد احتمال تأخر حديث الاصناف الستة لايصلح لاثبات النسخ.

وخلاصة القول : ان التعارض بين حديث الاصناف الستة وحديث أسامة اما ان يرفع بأحد الوجوه التي ذكرناها، واما ان يستحكم التعارض فتطبق احكامه من ترجيح لاحد الحديثين، واذا لم نستطع الترجيح واستحكم التعارض فيتساقط الحديثان في مورد المعارضة وهو «ربا الفضل» وحينئذ يمكننا تحريم ربا الفضل بالاجماع الذي يمكن ادعاؤه بعد رجوع قسم من الصحابة حيث كانوا قائلين به، فان الصحابة الذين قالوا بحديث «لاربا الا في النسيئة هم: عبد الله ابن عباس، عبد الله بن عمر، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن الزبير، اسامة بن زيد، زيد بن ارقم، البراءة بن عازب، ومعاوية بن أبي سفيان. وقد رجع من هؤلاء كما تقدم ابن عباس وابن عمر وابن مسعود، واما عبد الله بن الزبير وزيد بن ارقم والبراء بن عازب، فان لم تقبل روايتهم كما تقدم فعدم قبول آرائهم اولى لاننا نعلم ان آراءهم مستندة إلى رواياتهم، واما معاوية فأمره واضح، فلم يبق الا اسامة وهو لايضر بانعقاد الاجماج الذي تقوم حجيته على حساب الاحتمال.

ثم ان لنا طريقا لاسقاط رواية اسامة: وهو عبارة عن اعراض الاصحاب

٤٥

عنها، فانهم يروونها في كتبهم ولم يفت بها احد، وحتى الذين رووا الرواية رجعوا عنها فيما بعد كما رأينا ذلك، اذن ليس ذلك الا لانهم اطلعوا على عيب فيها فأعرضوا عنها، وحينئذ لايكون هناك تعارض ويكون ربا الفضل محرما كما ذكرته راوية الاصناف الستة. والى هنا تم الكلام في الفصل الثاني وهو الربا في السنة.

الفصل الثالث.. ربا البيع والقرض

وفي هذا الفصل تعرضنا لما تعرض له الفقهاء في باب البيع من الربا، وقد اعتمدوا في بيانه على السنة النبوية، حيث ان الايات القرآنية كما يدعون فقد نزلت في تحريم مايسمى بربا الجاهلية، وقد تقدمت المناقشة فيها، وقد تكلمنا في هذا الفصل بصورة مشبعة عن العلة، وتحديد ربا البيع حسب ما فهمه الفقهاء من الاحاديث، مع مناقشة لما عرضناه من افكارهم.

وفي الاخير: تعرضنا أيضا لربا القرض الذي لم يكن له اهمية كبيرة عندهم فأحله بعضهم وشكك في حرمته البعض الاخر، لعدم وجود نص عندهم يعتمدون عليه - كما يدعون - لذا قسمنا الفصل إلى قسمين

١- ربا البيع.

٢- ربا القرض.

القسم الاول: ربا البيع

تمهيد - قد اعتمد الفقهاء من العامة على احاديث الاصناف الستة التي تقدمت الاشارة اليها، وهي دالة على حرمة التفاضل عند اتحاد الجنس في

٤٦

البدلين من الاصناف الستة التي ذكرتها الروايات، ودالة أيضا على حرمة النساء اذا اختلف الجنس في البدلين، ولكنهم اختلفوا في غير الاصناف الستة، فمن قائل بانها غير مقصودة بذاتها، ولذا يتعدى حكم الربا إلى كل شيء وجدت فيه اوصاف الاصناف الستة،. وما ذكر الاصناف الستة في الاحاديث الا كمثال للمعاملات التي كانت في ذلك الزمان، ومن قائل بعدم تعدي حكم الربا إلى غيرها، اما لعدم جواز القياس عندهم، اولانهم يحتاجون في جريانه إلى دليل خاص في باب الربا، ولم يدل عندهم دليل على ذلك، وبما ان الرأي الثاني الذي ذهب اليه الظاهرية وقتادة وداود(١) وغيرهم هو مخالف لما ذهب اليه الجمهور من الفقهاء من التعدي إلى غير الاصناف الستة، فسوف نتعرض له فيما بعد، بعدما نبين اختلاف الجمهور القائل بالتعدي، لاختلافهم في فهم الصفات او العلة التي لابد من توفرها في الشيء الذي تثبت حرمته ويكون ربا.

جمهور الفقهاء: ونحن اذ نؤيد ماذهب اليه الجمهور من عدم الجمود على الاصناف الستة التي ذكرتها الاحاديث، لما رأينا من عدم وجود تخصيص في الاحاديث بالاموال الربوية وانما ذكرت الاصناف الستة فيها وهو لايدل على التخصيص من دون ذكر قرينة عليه يستفاد منها الحصر مثلا، ولكن هذا لايفرض علينا قبول ادلتهم في التعدي كما سنرى ذلك فيمابعد.

ولنا ان نستدل على ان الربا لايختص بالاصناف الستة بالروايات المروية عن اهل البيت (ع) خصوصا الامام الصادق والباقر (ع) التي تذكر فيها الكيل والوزن وان شرطه التساوي وعدم جواز التفاضل في صورة اتحاد الجنس، (ونحن نعلم ان الامتعة افترقت عما كانت عليه في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اذ ان بعض الاجناس كان في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكيلا ثم اصبح في زمان الامام الصادق (ع)

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي١٩٩، ونظرية الربا الحرام ص١٦٥.

٤٧

موزونا وبالعكس لان مابينهما قرن ونصف حدثت فيه تحولات اجتماعية كثيرة نتيجة للتلاقح الحضاري.

ومن الملاحظ ان الكر والصاع والمد والرطل كانت اسامي لمكاييل خاصة في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتبدلت إلى الاوزان بعد ذلك. والخلاصة ان انقلاب الاجناس من جهة تعيين ماليتها بالكيل إلى الوزن وبالعكس امر واضح جدا(١) فلو كان الربا في الاصناف الستة بالخصوص كما يقولون وان روايات الكيل الوزن معرفة ومشيرة إلى انواع خاصة في زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لما ذكرت في زمان الامام الصادق والباقر (ع)، او كان على الائمة (ع) ان ينبهوا إلى هذه الظاهرة، فعدم التنبيه هو اطلاق مقامي بان المراد من الكيل والوزن لابماهما معرفان، وانما للكيل والوزن مطلقا موضوعية في تحقق الربا.

وبعبارة أخرى: ان الكيل والوزن في زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اذا كان مشيرا إلى اصناف خاصة كانت هي مكيلة او موزونة في ذلك الزمان، فلماذا يبقى هذا العنوان بنفسه في زمان الامام الصادق (ع) من دو اشارة إلى ان الكيل والوزن مشيرا ومعرف، مع العلم ان اشياء مكيلة او موزونة وجدت او سوف توجد على مر الزمان، فعدم ذكر او اشارة إلى الاصناف الستة، وذكر الكيل والوزن دليل على ان الاساس في حرمة التفاضل في المتماثلين هو ان يكونا مكيلين او موزونين. وسيأتي زيادة توضيح في بحث الربا عند الامامية.

ماهي العلة التي يتعدى بها إلى غير الاصناف الستة(٢)

وقد اختلف الفقهاء في ذلك:

____________________

(١) الموجود بين (....) كأنه زائد لا يؤثر في سير الاستدلال.

(٢) وتسمى العلة التي يتعدى بها إلى غير الاصناف الستة عند الاصوليين بتخريج المناط «وهو ان ينص الشارع على حكم في محل دون ان يتعرض لمناطه اصلا» كتحريم الربا في البر فيعمم إلى كل مكيل من طريق استنباط علته، بدعوى استفادة ان العلة في التحريم ه وكونه مكيلا او غير ذلك، وهذا هو قسم من اقسام الاجتهاد في العلة.

الاصول العامة للفقه المقارن/للسيد محمد تقي الحكيم ص٣١٥ عن روضة الناظر.

٤٨

١- قالت الحنفية: - والحنابلة في ظاهر مذهبهم - ان العلة لمعرفة الاموال الربوية أمران:

١ - ان يكون المال مما يوزن كالذهب والفضة، او مما يكال كالحنطة والشعير والتمر والملح، أي يكون مقدرا.

٢ - ان يتحد الجنس في المالين المتبادلين، فان توافر جزء العلة حرم التفاضل والنساء، وان كان الجزء الاول حرم النساء فقط.

وانما قلنا ان الحنابلة يوافقون الاحناف في الظاهر لانه قد روي «عن احمد روايتان احداهما كأبي حنيفة، والاخرى الكيل المأكولية، ولايكفي الوزن عنده»(١) ولان العلة عند الحنابلة في ربا النساء كالعلة عند الاحناف ايضا ولكنهم يصرحون «بأن ربا النسيئة يجري في كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل وليس احدهما نقدا»(٢) .

٢- قالت الشافعية: ان العلة في الحنطة والشعير والتمر والملح هي الطعم، وفي الذهب الفضة هي الثمينة، واما اتحاد الجنس فهو شرط بحسب المذهب الجديد للشافعي، فان لم يتحد الجنس وكان احدهما نسيئة حصل ربا النسيئة.

٣- وقالت المالكية: ان العلة في الذهب و الفضة هي الثمينة، وفي الاربعة الاخرى الاقتيات والادخار. واما اتحاد الجنس فهو شرط ايضا، فان لم يتحد الجنس وكان احدهما نسيئة حصل ربا النسيئة.

____________________

(١) كنز العرفان في فقه القرآن/المقداد السيوري٢/٣٦ - ٣٧.

(٢) نظرية الربا المحرم ص١٦٨.

٤٩

ولكن: علة ربا النسيئة ان اخذنا بها على اطلاقها فمعنى ذلك لايجوز اسلام النقدين في بقية الاصناف، وهذا هو مجمع على جوازه من قبل الفقهاء، ولذلك يضطر من قال بعلة ربا النسيئة من تخصيصها، فالاحناف اشترطوا لجريان ربا النساء في الموزونين ان تتفق طريقة وزنهما، وحينئذ لايجري ربا النساء عندهم في بدلين يوزن احدهما بالقبان بالحديد ويوزن الاخر بالمثاقيل كالذهب والفضة، واما الشافعية والمالكية، فقد اعتبروا الاجماع مخصصا للحديث الذي يقول فان اختلفت الاصناف فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد - على ما فهموه - فقالوا ان في الاصناف الستة جنسين، جنس الاثمان وجنس المطعومات(١) .

وهنا مذاهب غير مشهورة تخالف المشهورة في فهم العلة التي توجب التحريم وهي:

٤- «وقال ابن سرين العلة ذات وصف واحد وهو الجنس فأجرى الربا في الثياب والحيوان و الخشب وكل شيء هو جنس واحد».

٥- «وقال ربيعة العلة ذات وصفين جنس تجب فيه الزكاة، فأجرى الربا في الحبوب التي تجب فيها الزكاة وفي النعم ايضا».

٦- «وقال سعيد بن جبير ذات وصف احد وهو تقارب المنفعة، فأجرى الربا في الجنس الواحد لاتفاق المنفعة وكل جنسين يقارب نفعهما كالتمر والزبيب..»(٢) .

والبارز من هذه الاقوال هو قول الحنفية والشافعية، نتعرض لهما ولحجيتهما واما رأي الحنابلة والمالكية فلمشابهته من بعض الوجوه لقول الحنفية والشافعية تعرضنا لها ايضا بالتبع.

____________________

(١) سبل السلام ٣/٣٨. ونيل الاوطار٤/٣٠١ - ٣٠٢.

(٢) الخلاف١/٢٠٠ طبعة طهران.

٥٠

حجج كل من الفريقين

١- حجة الحنفية: الذين يقولون بأن العلة هي القدر و اتحاد الجنس.

وملخص دليلهم عبارة عن ان قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (الحنطة بالحنطة) معناه البيع وهو لايجري باسم الحنطة، اذ الاسم يتناول الحبة الواحدة ولايبيعها احد لانها ليست بمال متقوم، فعلم ان المراد الحنطة التي هي مال متقوم، والطريق الذي نعرف به ان المال متقوم هو الكيل او الوزن، فصارت صفة الكيل او الوزن ثابتة بمقتضى النص، ويقال ان ماثبت بمقتضى النص فهو كالمنصوص. بالاضافة إلى ماورد في بعض الروايات عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله «وكذلك مايكال ويوزن» فكل هذا يثبت ان القدر بالكيل او الوزن هو المعتبر في التحريم.

و اما اتحاد الجنس، فلقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (الحنطة بالحنظة مثل بمثل) فقد اوجبت المماثلة لجواز العقد لايتصور ثبوت الحكم بدون محله (وهي المماثلة) فعرفنا ان المحل الذي ليست فيه مماثلة في القدرلايكون جائزا «لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه» وهو عقلي(١) . وعرفنا ايضا ان المحل الذي لايقبل الماثلة لايكون مال الربا اصلا. والقاطع للنقاش كما يقال هو اشرط المماثلة، والمماثلة هنا بذكر الحنطة والشعير غيرهما تدل على المماثلة المسامحية لا المماثلة الحقيقية(٢) .

____________________

(١) كانت هذه القاعدة ودليلها زيادة منا على ما استدل به الاحناف في كتبهم، اوردناها للمناسبة.

(٢) يود اختلاف حول المثلى. وتعريفه: ماتساوت اجزاؤه من حيث القيمة، فهل المراد من المثلى تساوي الاجزاء تساويا حقيقيا او تساويا مسامحيا؟ اما هنا فواضح ان المراد من المثلى هو التساوي المسامحى لانه ذكر الحنطة والشعير والملح والتمر، والتساوى الحقيقي هنا غير متحقق. المكاسب/لشيخنا الانصاري١/١٠٥.

٥١

وأما الحنابلة: فهم يختلفون عن الاحناف الا في اعتبارهم اتحاد الجنس في البدلين شرطا في ربا الفضل لاجزء علة كالاحناف، وهذا هو مضمون احدى الراويتين عن احمد كما تقدم(١) .

ثم ان مايقال من رد الاحناف بأن التعليل بالقدر ليس صحيحا، باعتبار انه لايصح ان يكون مؤثرا في الحكم، بل هو كما نقول بالنسبة للاصناف الستة انها تباع او تنقل او تعد او تذرع، ومادام ليس في هذه الاوصاف وصف مؤثر فكذلك الوزن الكيل، مردود بامكان ان تقول الاحناف ان التحريم في الربا لمنع الغبن الذي يقع وتحقيق العدل في المعاملات بمقارنة التساوي، وذلك بالكيل او الوزن، اذن هناك فرق بينهما وبين النقل والبيع والعد والذرع، فلايمكن ان يستفاد من عدم وجود وصف مؤثر في بعضها عدم وجود وصف مؤثر في الكل حتى الكيل الوزن.

نعم قد يقال: ان العلة لوكانت هي الكيل والوزن لكان في ذكر هذه الاوصاف الستة تكرارا وهو زيادة في غير محله، بالاضافة إلى ان اعتبار الوزن هو علة يقتضي عدم جواز اسلام الذهب والفضة في باقي الموزونات، وهذا يتصادم مع الاجماع على جواز ذلك. وحينئذ اما ان يرفعوا اليد عن ربا النساء ويقولون بكراهة بيع الاجناس المختلفة نسيئة كما ذهب إلى ذلك بعض، او يضطروا إلى التكلف لاخراج هذه الحالة من ربا النسيئة على اساس فهمهم المتقدم، ولذا قالوا بان الوزن في الذهب والفضة بالمثاقيل وفي غيرها بالقبان، فلم يتفق البدلان في علة الوزن، فكأنها مختلفان وزنا، وهذا تكلف واضح.

واخيرا: فقد اعترض على الاحناف ايضا بالنسبة لاتحاد الجنس. فقالوا بأنه لاينبيء عن أي اهمية خاصة، فالملائم ان يكون شرطا لاعلة.

____________________

(١) اعلام الموقعين ٢/١٣٧. ونظرية الربا المحرم ص١٦٨.

٥٢

كل هذه الاعتراضات على الاحناف انما تكون واردة اذا كانت علتهم التي ذكروها لحصول الربا ليس منصوصا عليها، كما رأينا ذلك بالنسبة لاحاديثهم التي رووها، فلا يفيد تأييدهم لرأيهم بان العلة في هذه الاصناف الستة التي عطف بعضها على بعض انما يناسب ان تكون واحدة في الجميع، وهذا انما يحصل بالوزن والكيل واتحاد الجنس الذي هو موجود في الكل، بخلاف من قال ان العلة في الذهب والفضة شيء وفي باقي الاصناف الاربعة شيء آخر. بل لايفيد قولهم بان الاحاديث اوجبت المماثلة، و التماثل المنضبط انما يكون بالكيل والوزن، وان المماثلة انما تتحقق بحسب الصورة وبحسب المعنى، والاول يتحقق بالقدر، والثاني باتحاد الجنس، لان كلامهم هذا لايخرج عن الاحتمال او الظن الذي لادليل على اعتباره هنا كما سيأتي في ورد بقية المذاهب في اعتبارها العلة للتحريم.

٣- حجة الشافعية: في ان العلة هي الثمنية والطعم.

وملخص دليلهم هو عبارة عن ان الشارع قد شرط لجواز البيع في الاصناف الستة شرطيين زائدين هما (المساواة واليد باليد) فالموجب لزيادة هذين الشرطين معنى في المحل ينبيء عن زيادة خطر، وزيادة الخطر كما يقال في الذهب والفضة لايكون الاّ الثمنية، لانهما خلقا لذلك وبالثمنية حياة الاموال، وزيادة الخطر في الاشياء الاربعة الاخرى لايكون الا الطعم لان بالطعم حياة النفوس، فعرفنا ان العلة الموجبة لهذين الشرطين هي الطعم والثمنية.

ويؤيد هذا ظهور السر في تعدادها، فقد ذكر الشارع جميع الاثمان وهي الذهب والفضة، ولما كان يشق ذكر جميع المطعومات فقد نص من كل نوع على اعلاه، فذكر الحنطة وهي انفس المطعومات لبني آدم، والشعير وهو انفس علف للحيوان، والتمر وهو انفس الفواكه، والملح وهو انفس التوابل. اذن

٥٣

لايوجد تكرار غير مستحسن في تعدادها(١) .

واما المالكية: فيتشابه قولهم مع الشافعية الا انهم يختلفون عنهم في علة الاصناف الاربعة، اذ قالوا بان العلة هي الاقتيات والادخار معا، ودليلهم هو «ان الشارع ذكر اربعة اصنافا قاصدا بكل منها التنبيه على ما في معناه، فيدل البر والشعير علىاصناف الحبوب المدخرة، ونبه بالتمر على جميع انواع الحلاوات المدخرة كالسكر والعسل، ونبه بالملح على جميع التوابل المدخرة لاصلاح الطعام، وكلها يجمعها الاقتيات والادخار مما دل على انها العلة في التحريم»(٢) .

وقد اورد على المالكية وجود كثير مما يدخر ولايقع فيه الربا عندهم، مما دعاهم إلى القول بان العلة مختلفة في الربا، فمنها الاقتيات والادخار، ومنها الحلاوة والادخار، ومنها التأدم والادخار، ومع هذا نجد كثيرا مما يدخر لايقع فيه الربا، فالباذنجان والجزر واللفت والسلق والقرع... الخ كل هذا يجوز فيه اثنان بواحد يدا بيد من جنس واحد، فكل القيود التي ذكروها لاتفيدهم، لان كثيرا مما لايتفكه فيه كالبصل والثوم والكمون ومن الفواكه الاجاص والكمثرى وغيرها التي لايدخل فيها الربا عندهم.

وخلاصة الكلام: ان ما ذكره المالكية والشافعية وحتى الاحناف لاينسجم مع البحث الفقهي المستند إلى الدليل، وكل ما ذكروه لايعدو ان يكون احتمالا للعلة، ان كان احتمال الشافعية ارجح عند البعض، ولكن كل هذا لايفيد، لان كلامنا في دلالة دليل شرعي على هذا الاحتمال او ذاك، ولا من دليل يثبت ذلك، واذا كان كل مذهب قد ابطل بقية ماقيل انه علة فلم يبق الا ما ذكره هو

____________________

(١) السنهوري/مصادر الحق٣/١٨٤.

(٢) نظرية الربا المحرم ص١٧٨.

٥٤

وجمع له المؤيدات، فان هذا لايفيد الظن بالعلية. على ان الظن لايغني من الحق شيئا مالم يأت دليل خاص عليه.

نعم نحن نتيقن وجود علة للحكم في الجملة، ولكن ماذكر من الروايات عند ابناء العامة لايبين صراحتها، وكل ماسلك من المسالك لايفيد ظنا فلايكون دليلا بل يبقى على مسرح الاحتمال، ولذلك فسوف يتصادم ماذهب اليه الجمهور من عدم خصوصية لهذه الاصناف الستة وما هو الظاهر من عدم حصر العلة في شيء معين حتى يتعدى إلى غيرها، وان تعدادها بالخصوص يعلم معه انه لو كان النظر إلى امر اشتركت فيه هي وغيرها لجاء بيان ذلك، وما لم يأت حسب رواياتهم يفهم ان لها خصوصية خاصة.

السنهوري يرجح حجة الشافعية

وقد ذكر السنهوري «.... ان الاعتبار الذي وقف عنده الشافعي اعتبار اجتماعي اقتصادي، فنفذ بذلك إلى لب الموضوع، وتغلغل في الصميم منه، اما الاعتبار الذي وقفت عنده الحنفية فهو اعتبار منطقي اقرب إلى الشكل منه إلى الجوهر، ولذلك لانتردد في ترجيح مذهب الشافعي، فانه يقف من الاشياء الستة المذكورة في الحديث الشريف عند المعنى البارز الذي ينبغي الوقوف عنده»(١) .

ثم رد السنهوري حجج الحنفية فقال ما ملخصه:

«١ - فالشارع عندما قال الحنطة بالحنطة، نظر دون شك إلى معنى في الحنطة، وهذا المعنى لايخرج عن ان يكون الطعم او الكيل، ومعنى الطعم لخطره اولى من معنى الكيل لتفاهته. ثم ان معنىالطعم لايجعل تعاقب الاشياء

____________________

(١) مصادر الحق٣/١٨٤ ومابعدها.

٥٥

الاربعة محض تكرار اذ هي تتفاوت في هذا المعنى... وكذلك عندما قال الشارع الذهب بالذهب نظر دن شك إلى معنى في الذهب، وهذا المعنى لايخرج عن ان يكون الثمنية او الوزن، ومعنى الثمنية اولى بالاعتبار...

٢ - ليس من الضروري ان المحل الذي لايقبل المماثلة لايكون مالا ربويا...

٣ - وقد تكون الحاجة إلى الاشياء داعية الىوجوب منع احتكارها او التلاعب في اسواقها ومن ثم يكون التأثير الحاجة في الحرمة لا الاباحة.

٤ - وليس من الضروري ان تتحد العلة في الاشياء الستة لمجرد عطفها بعضها على بعض، فمن الجائز ان تنتظمها علتان او اكثر....»(١) .

ولكن كل ما ذكره السنهوري من وجوه للترجيح لاتعدو ان تكون احتمالات قد لاتكون راجحة(٢) ، ولكن مع هذا هل دل دليل على هذا الاحتمال؟ على ان الموهنات لهذه الاحتمالات التي رجحها السنهوري كثيرة ايضا: فمنها

____________________

(١) نفس المصدر السابق ص١٨٤ - ١٨٧.

(٢) اذا كان السنهوري بهذة المرتبة من الاستدلال اذ يدعى ان معنى الطعم اعظم من معنى الكيل، فقد يتكلم معه بنفس المستوى، فيقال ان الكيل اهم من الطعم لعل لما فيه من منع التغابن والغرر ومنع الظلم، ولذا نرى كثيرا من الايات القرآنية تشير إلى اهمية التقدير منها: (واوفوا الكيل ولاتكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم ولاتبخسوا الناس اشياءهم ولاتعثوا في الارض مفسدين)(١)(والى مدين اخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ولاتنقضوا المكيال والميزان انى اراكم بخير وانىاخاف عليكم عذاب يوم محيط. وياقوم اوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولاتبخسوا الناس اشياءهم ولاتعثوا في الارض مفسدين) ٢).

(١) الشعراء/١٨١.

(٢) هود/٨٤ - ٨٥.

٥٦

أن الطعم لو كان حقا هو العلة فما هو الوجه لهذا التعدد الخاص من الطعم؟ وما ذكر من ان الحنطة هي انفس المطعومات لبني آدم والشعير انفس مطعوم للحيوان والتمر انفس الفواكه والملح انفس التوال، كل هذا انما هو ترقيع لرد الاشكال لا دليل على صحته والا فمن قال ان الشعير انفس مطعوم لكل الحيوانات؟ ولماذا لم يكن الماء الذي هو اساس كل شيء هو انفس مطعوم للاحياء؟ واذا كان الشافعية قد استدلوا باللفظ البارز (لفظ الطعام) فأين مايدل بلفظ بارز من النصوص على العلة في النقدين؟ على ان ادلة واضحة تسرد تدل على المقصود بالطعام هو القمح كما في حديث أبي سعيد «كنا نخرج على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدقة الفطر صاعا من طعام اوصاعا من شعير اوصاعا من تمر اوصاعا من اقط» فلم يوقع اسم الطعام الاعلى البر وحده، وهذه الرواية وان لم تكن حجة عندنا لانها فهم خاص لابي سعيد الا انها حجة عندهم كما هي طريقتهم في الاحتجاج على الاحكام الشرعية بمثل هذه الروايات.

وبعد هذا العرض على هذه المسالك يمكن القول بأنه لم تظهر لنا علة يقصد ان تكون هي المؤثرة في الحكم في الربا، والادل عليها بأي طريق، ولايمكن القول بعدم تمكن الشارع من بيانها، اذ لامانع عقلي من بيان ذلك، اذن اما ان نتعبد بما ذكره الشارع من ذكر الاصناف الستة فقط ونحرم الربا فيها فقط ونحله فيما عداها، او نفحص اكثر في الاحاديث التي تروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو لم تكن من طرق ابناء العامة لنرى هل صرح بهذه العلة التي يجري الربا معها ام لا؟.

وهذا يحتم علنيا مراجعة احاديث الشيعة التي تروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بتصريح اهل البيت (ع) الذين يقولون قولنا هو قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقول رسول الله هو قول جبرائيل،، وقول جبرائيل هو قول الله تعالى، وهذا ما سنراه فيما يأتي

٥٧

عند الكلام حول الربا عند الامامية وسوف نرى ان الامامية لم يبحثوا عن علة تحريم الربا التي لم يذكرها المعصوم (ع) بحيث يدور معها الحكم وجودا وعدما، وانما ذكر الامامية موضوع الحرمة، كما ورد ذلك عن ائمتهم سلام الله عليهم، وبما ان موضوع الحكم عندهم عام فهو ينسجم مع من يرى تعدي الحرمة من الاصناف الستة إلى كل مكيل او موزون في حالات خاصة.

تحديد ربا البيع

وقد اتفق العامة على ان الربا لايكون الا في البيع ولايشمل كل المعاوضات(١) ويرد عليهم مخالفة اطلاق الروايات الكثيرة التي وردت في التأكيد على (المثل بالمثل) والباء هنا للمعاوضة الا انها حرف وليست باسم، على انه لم يذكر دليل لهم يخص الربا في البيع(٢) . وعلى ما اتفقوا عليه ينقسم الربا في البيع إلى قسمين: ربا الفصل - ربا النسيئة.

اما الاول : تحديده.

المذهب الحنفي قال: يتحقق ربا الفضل باجتماع علة الربا عند الحنفية وهي (القدر واتحاد الجنس) فكل مكيل او موزون من جنس واحد اذا بيع متفاضلا تحقق فيه ربا الفضل، والمراد من المماثلة هي المماثلة في القدر لافي الصفة والا اذا تماثل القدر والصفة لم يبق هناك معنى للمبادلة.

المذهب الشافعي: قال كذلك يتحقق ربا الفضل بتحقق علة الربا، وهي عندهم الطعام والثمينة مع وجود شرط وهو اتحاد الجنس، فكل مطعوم اذا

____________________

(١) المحلى، ابن حزم ٨/٤٦٧.

(٢) سيأتي بحث مفصل عن شمول الربا للمعاوضات عند البحث عن الربا عند الامامية.

٥٨

بيع متفاضلا تحقق فيه ربا الفضل، وكذلك اذا بيع الثمن في الثمن وكانا من جنس واحد كالذهب بالذهب أو الفضة بالفضة وجب التماثل والاّ فسد البيع. وبديهي ان تكون هناك اختلافات بين المذهبين في تطبيق ربا الفضل وقد يتفق المذهبان في تحريم بعض الاشياء او تحليلها(١) .

المذهب المالكي: ويتحقق ربا الفضل بتحقق علة الربا عندهم، وهي في الاصناف الاربعة الاقتيات والادخار وفي الذهب والفضة الثمينة، فكل ما يقتات ويدخر كالتمر بالتمر والسكر بالسكر يجري فيه ربا الفضل. وكذلك الذهب بالذهب والفضة بالفضةلانهما اثمان، وفي الكل الجنس متحد لانه شرط.

واما المذهب الحنبلي: فقد قلنا انه لايختلف عن الاحناف الا في اعتبارهم الجنس في البدلين شرطا في ربا الفضل لاجزء علة كالاحناف وهو مضمون احدى الراويتين عن احمد.

واما الثاني : تحديده.

«فاذا اختلفت الاصناف فبيعوا كيف ماشئتم اذا كان يدا بيد» الاصل. وعلى الفهم المتقدم للاصل نحدد ربا النسيئة عند المذاهب فنقول:

اما المذهب الحنفي: فهو يجري ربا النسيئة بوجود احد شطري العلة وهي (القدر والجنس) فيكون في حالتين:

(١) ان يكون كل من البدلين مكيلا او موزونا، سواء اتحد الجنس ام لم يتحد.

(٢) ان يكون البدلان من جنس واحد، سواء كانا مكيلين او موزونين او غير ذلك. ففي الحالة الاولى: لايجوز البيع نسيئة ويجوز يدا بيد. ولكن هذه القاعدة تؤدي إلى غلق باب السلم في الذهب والفضة، وهو تسليف المثن وتأخير المثمن المكيل او الموزون، وقد رخص

____________________

(١) راجع مصادر الحق للسنهوري ٣/١٨٨ - ١٨٩ ونظرية الربا المحرم ص١٧٢ وما بعدها.

٥٩

به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . ويقف كذلك باب بيع الموزونات بنقد مؤجل، ومن اجل هذا قسمت الحنيفة الموزونات إلى قسمين:

أ - النقد (الذهب والفضة) ويوزن بالمثاقيل.

ب - الموزونات الاخرى من حديد، نحاس، سكر، ونحوها وتوزن بالقبان، وهذان القسمان لايتحدان في صفة الوزن، ومن ثم تجوز مبادلة احد القسمين بالاخر نسيئة. وانما اضطر الاحناف إلى هذا لاجل الاجماع على جواز اسلام النقدين في باقي الموزونات كما تقدم.

وفي الحالة الثانية: اذا كان البدلان من جنس واحد ولم يكونا مكيلين او موزونين كالحيوان في الحيوان لم يجز البيع نسيئة ويجوز يدا بيد(١) . ودليلهم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهذا دليل على ان مجرد اتحاد الجنس علة لتحريم النساء، فيكون الربا في المذهب الحنفي على النحو الاتي:

١ - في الموزون بالموزون من جنس واحد.

٢ - في المكيل بالمكيل من جنس واحد.

ويجري فيه كل من ربا الفضل والنسيئة

٣ - في الموزون بالموزون من جنسين مختلفين.

٤ - في المكيل بالمكيل من جنسين مختلفين.

ويجري فيه ربا النسيئة فقط

٥ - في الموزون بالمكيل.

٦ - في المكيل بالموزون.

ولايجري فيه ربا اصلا

وبالاولى يجوز البيع نسيئة لو اختلف الجنس في غير المكيل والموزون.

____________________

(١) مصادر الحق/للسنهوري٣/١٩٠.

٦٠