الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ١

الدروس الشرعية في فقه الامامية11%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 507

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 507 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132438 / تحميل: 8696
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

إمام عليهما السلام، ودخول المساجد إلا اجتيازا عدا المسجدين، ووضع شئ فيها، وتحريم الوطئ قبلا، وحرم المرتضى(١) الاستمتاع إلا بما فوق المئزر، وحده من السرة إلى الركبة، ويباح عنده الحدان، والاظهر الكراهية.

ويعزر الواطئ عالما عامدا، ويكفر على المشهور بدينار أوله ونصفه أوسطه وربعه آخره، ولا يجزئ القيمة على الاقرب، ولو عجز تصدق على مسكين، ولو عجز استغفر الله تعالى، ولو كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد طعام. ويكره وطؤها بعد الطهر قبل الغسل على الاصح. ويحرم طلاقها حائلا مع دخوله وحضوره أو حكمه ويبطل. ولا يرتفع حدثها بوضوء ولا غسل. وقراء‌تها العزائم وأبعاضها.

فرع:

لو نذرت العزيمة أو غيرها مما يمنع منه الحيض في وقت معين فاتفق فيه الحيض، فالاقرب وجوب القضاء. ويجب عليها الغسل عند الانقطاع، وقضاء الصوم دون الصلاة إلا المنذورة وركعتي الطواف. وإذا رأت الدم وقد مضى من الوقت ما يسع الطهارة والصلاة قضتها، ولو طهرت وقد بقي قدر الشروط وركعة وجب الاداء، ومع الترك القضاء.

ولوتكرر الوطئ فالاقرب تكرير(٢) الكفارة مطلقا، ولا كفارة على المرأة(٣) ، نعم تعزر، والاقرب زوال كراهة الوطئ أو تحريمه بالتيمم بعد الانقطاع لتعذر الغسل، لرواية أبي عبيدة(٤) عن الصادق عليه السلام، وتسجد

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٥.

(٢) في " م " و " ز ": تكرر.

(٣) في " م " و " ز ": المرأة به.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٢١ من أبواب الحيض ح ١ ج ٢ ص ٥٦٤.

١٠١

وجوبا لو عرض السبب على الاصح.

ويستحب الجلوس في مصلاها بقدر زمان الصلاة ذاكرة لله تعالى، وغسل فرجها بعد الانقطاع للوطئ.

ويكره حمل المصحف ولمس هامشه، وقراء‌ة غير العزائم إلا السبع، والخضاب، والادهان، والاجتياز في المساجد إذا أمنت التلويث، وكذا يجوز للسلس والمبطون والمجروح مع الامن، وكذا الصبي المنجس، وألحق المفيد(١) وابن الجنيد(٢) المشاهد بالمساجد، وهو حسن.

(٩) درس

يستحب للمريض الصبر وعدم الشكوى(٣) والاذن للعائدين، فلكل واحد دعوة مستجابة، ولا عيادة في وجع العين ولا فيما نقص عن ثلاثة أيام، ولتكن غبا فإذا طال ترك وعياله، وليمرضه أرفق أهله به، وليهد العائد شيئا، ويسأل المريض الدعاء له، ويضع العائد يده على ذراع المريض ويدعو له، ويعجل القيام إلا مع التماسه القعود.

ويستحب الاكثار من ذكر الموت، وأن لا يحدث نفسه بصباح ولا مساء، والاستعداد برد المظلمة والتوبة والوصية، وليكن فيها اللهم فاطر السموات(٤) إلى آخره، وليؤمر بحسن الظن بالله وخصوصا عند الاحتضار، ويلقن الشهادتين والاقرار بالائمة عليه السلام وكلما ت الفرج، ونقله إلى مصلاه إن عسر الموت وقراء‌ة الصافات ويس.

ويجب توجيهه إلى القبلة مستلقيا بحيث لو جلس استقبل، فإذا قضى نحبه

____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) في " ق ": التشكي.

(٤) في " ز " و " ق ": والارض.

١٠٢

استحب تغميض عينيه، وإطباق فيه، وشد لحييه، ومد يده إلى جنبيه وساقيه، وتغطيته بثوب، وقراء‌ة القرآن عنده، والاسراج ليلا وروي(١) دوام الاسراج في البيت، وإيذان المؤمنين بموته ولو بالنداء، والبعث إلى مجاوريه من القرى، وتعجيل تجهيزه إلا مع الاشتباه فيستبرأ بالعلامات أو ثلاثة أيام، كالغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن، والاسترجاع، وقول: اللهم اكتبه عندك من المحسنين وارفع درجته في عليين واخلف على عقبه في الغابرين وتحتسبه(٢) عندك يا رب العالمين، المسارعة في قضاء دينه وإنفاذ وصاياه، ويكره أن يحضره جنب أو حائض أو يجعل على بطنه حديد.

(١٠) درس

يجب تغسيله على الكفاية وكذا باقي أحكامه، والاولى بالارث أحق، والرجال أولى من النساء، ومن لا ولي له فالامام أو الحاكم، ويجب المساواة في الذكورة أو الانوثة إلا الزوجين، فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر اختيارا، وفي كتابي الاخبار(٣) اضطرارا، والاظهر أنه من وراء الثياب، وطفلا أو طفلة لم يزد على ثلاث سنين اختيارا.

والمحرم مع عدم المماثل من وراء الثياب، وهو من يحرم نكاحه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، ولو تعذر المحرم جاز للاجانب(٤) من وراء الثياب عند المفيد(٥) والشيخ في التهذيب(٦) ، وتبعهما أبوالصلاح(٧) وابن زهرة(٨) مع

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٤٥ من أبواب الاحتضار ح ١ ج ٢ ص ٦٧٣.

(٢) في " م " و " ز " ونحتسبه.

(٦) التهذيب: ج ١ ص ٣٤١.

(٣) الاستبصار: ج ١ ص ١٩٩، والتهذيب: ج ١ ص ٤٤٠.

(٧) الكافي في الفقه: ص ٢٣٧.

(٤) في باقي النسخ: الاجانب.

(٨) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص ٥٠١.

(٥) المقنعة: ص ٨٧.

١٠٣

تغميض العينين، وقيل: ييمم، وفي النهاية(١) : يدفن بغير غسل ولا تيمم، وفي رواية المفضل بن عمر(٢) عن الصادق عليه السلام يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم ظهر كفيها، ولو قلنا به(٣) أمكن انسحابه في الرجل، فيغسل النساء الاجانب منه تلك الاعضاء.

فرع:

لو وجد صدر أو ميت في دار الاسلام، مجهول النسب خال عن مميز الذكورة والانوثة، فالاقرب انسحاب هذه الاقوال فيه، ويتولاه(٤) الرجال أو النساء.

ويشترط الاسلام إلا مع فقد المسلم وذي الرحم فالمشهور جوازه من الكافر والكافرة، ومنعه في المعتبر(٥) لضعف الرواية(٦) وتعذر النية، والخنثى المشكل يغسله محارمه من الرجال أو النساء، وأم الولد كالزوجة. ولا يقع من المميز على الاقرب.

ومنع الجعفي(٧) من مباشرة الجنب والحائض الغسل وهو نادر.

وإنما يجب تغسيل المسلم ومن(٨) بحكمه ولو سقطا تم له أربعة أشهر، والصدر كالميت وكذا القلب، وتغسل القطعة بعظم ولا يصلى عليها، والخالية تلف في خرقة وتدفن بغير غسل.

وفي المعتبر(٩) : لو ابين قطعة بعظم من الحي لم تغسل ودفنت، والاقرب الغسل.

____________________

(١) النهاية: ص ٤٣. (وليس فيها: ولا تيمم).

(٩) المعتبر: ص ٨٦.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٢٢ من أبواب غسل الميت ح ١ ج ٢ ص ٧٠٩.

(٣) في باقي النسخ: فلو قلنا به هنا.

(٤) في " م " و " ز ": فيتولاه.

(٥) المعتبر: ص ٨٨.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٩ من أبواب غسل الميت ح ١ ج ٢ ص ٧٠٤.

(٧) كتبه غير موجودة لدينا.

(٨) في باقي النسخ: أو من.

١٠٤

ولا يغسل الشهيد إذا مات في المعركة بين يدي الامام ولا يكفن، وكذا في الجهاد السائغ على الاقرب، ولو كان جنبا فكغيره خلافا للمرتضى(١) ، ولا فرق بين الصغير والكبير والذكر والانثى والمقتول بحديد وغيره حتى من قتله سلاحه، وينزع عنه الخفان والفرو وإن اصيبا بدمه. ولا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن، وكذا الناصب والخارجي والغالي، وقال المفيد(٢) : لا يغسل المخالف ولا يصلى عليه إلا لضرورة، والاشهر كراهة تغسيله فيغسل كمعتقده، ولا يوضع الجريدة معه.

ولو خيف تناثر لحم المحترق والمجدور يمم ثلاثا كل(٣) بضربتين، وكذا لو فقد الماء أو فقد الغاسل ووجد الميمم، ولو أمكن صب الماء على المجدور وجب. ومن وجب قتله بزنا أو قود امر بتقديم الغسل والكفن والحنوط ثم لا يعاد بعد قتله، والاقرب إلحاق كل واجب القتل من المسلمين بهما، ولو سبق الموت أو قتل بغير ذلك السبب غسل.

(١١) درس

كيفية الغسل إزالة النجاسة عن بدنه أولا، ثم النية وتغسيله بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالقراح مرتبا كغسل الجنابة، وتوجيهه إلى القبلة كالمحتضر على الاقرب مستور العورة، ولو تعذر الخليط غسل ثلاثا بالقراح. ولو وجد ماء غسلة قدم السدر ويقوى القراح ويمم مرتين احتياطا، ولو فقد ماء غسلة يمم عنها.

ويستحب وضعه على ساجة أو سرير مرتفع، وتليين أصابعه ومفاصله(٤)

____________________

(١) المعتبر: ص ٨٤. نقلا عن شرح الرسالة للمرتضى.

(٢) المقنعة: ص ٨٥.

(٣) في " ق ": كل واحد.

(٤) هذه الكلمة غير موجودة في " م " و " ق ".

١٠٥

برفق، ولو تعذر تركها، وتغسيله تحت سقف، والدعاء، والذكر، والاستغفار، وجعل خرقة على يد الغاسل وفتق قميصه وإخراج يديه منه وجمعه على عورته، وإن لم يكن له(١) قميص سترت العورة، ولو كان الغاسل مكفوفا أو وثق البصير من نفسه بالتحفظ استحب الستر.

وتنجيته من تحت الثوب بماء السدر والحرض ثلاثا، وغسل يدي الميت إلى نصف الذراع ثلاثا، وتوضئته وغسل رأسه برغوة السدر، ومسح بطنه مسحا رقيقا في الغسلتين الاوليين قبلهما إلا الحامل.

والبدأة بشق رأسه الايمن إلى أسفل العنق، ثم الايسر، وغسل كل عضو ثلاثا، ثم تنجيته بماء الكافور والحرض ثلاثا، ثم يغسل يديه أيضا ثلاثا، ثم يغسله بماء الكافور على الصفة، ثم ينجى بماء القراح ثلاثا، ثم يغسل يديه ثلاثا، ثم يغسله ثلاثا ثلاثا على الصفة المذكورة(٢) ، ويغسل الغاسل يديه أيضا مع كل غسله، وروي(٣) غسل رأسه بالحرض قبل السدر، وأن أقل السدر سبع ورقات، وأن الملقى من الكافور في الجرة نصف حبة، وأن يغسل رأسه(٤) بالخطمي، وإكثار الماء فقيل: لكل غسلة صاع وروي(٥) ست قرب أو سبع.

ويكره مسح بطنه في الثالثة، فلو خرج منه شئ بعد الغسل غسل الموضع، ولا يعاد الغسل خلافا للحسن(٦) ، وقص أظفاره وتنظيفها بالخلال، وتسريح لحيته ورأسه، وإقعاده، وركوبه، والرواية(٧) بفعلهما متروكة.

____________________

(١) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.

(٢) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب غسل الميت ح ٧ ج ٢ ص ٦٨٣.

(٤) في باقي النسخ: وأن رأسه يغسل.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٢٨ من أبواب غسل الميت ح ٢ و ١ ج ٢ ص ٧١٩.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٤٣.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٣٣ من أبواب غسل الميت ح ١ ج ٢ ص ٧٢٤.

١٠٦

ولو سقط شئ من شعره أو لحمه أو ظفره جعل في كفنه، وحرم ابن حمزة(١) القص والحلق والترجيل، وكره ذلك الشيخ(٢) ، وكذا حلق الرأس والعانة والابط وجز(٣) الشار ب، ويكره إرسال الماء في الكنيف ويستحب في حفيرة معدة له، ولا بأس بالبالوعة.

ويجب تغسيل الغريق، ويسقط الترتيب بالرمس في غير المنفعل بالملاقاة.

(١٢) درس

يجب تكفينه في مئزر وقميص وإزار من جنس ما يصلي فيه الرجل طاهرة غير مغصوبة، ومع العجز يكفي ثوبان، ولو تعذر(٤) فواحد، ولو تعذر كفن من بيت المال أو من الزكاة، فإن لم يكن سقط، ويستحب للغير بذل الكفن.

ويجب تحنيط مساجده السبعة بالكافور وأقله مسماه، وقال الشيخان(٥) : أقله مثقال، وأوسطه أربعة دراهم وروي(٦) أربعة مثاقيل، وأكثره ثلاثة عشر درهما وثلث، وفسر ابن ادريس(٧) المثقال بالدرهم وهو تحكم، فإن فضل جعل على صدره.

وقال الصدوق(٨) : يحنط الانف والسمع والبصر والفم والمغابن وهي الآباط وأصول الافخاذ، وهو مروي(٩) ، وروي(١٠) الكراهة وهي أشهر،

____________________

(١) الوسيلة: ص ٦٥.

(٢) الخلاف: ج ١ ص ٢٥٤.

(٣) في باقي النسخ: وحف.

(٤) في باقي النسخ: تعذرا.

(٥) المقنعة: ص ٧٥، والنهاية: ص ٣٢.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٣ من أبواب التكفين ح ٣ ج ٢ ص ٧٣٠.

(٧) السرائر: ج ١ ص ١٦٠.

(٨) من لايحضره الفقيه: ج ١ ص ١٤٩.

(٩) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب التكفين ح ٣ ج ٢ ص ٧٤٧.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب التكفين ح ٤ و ٢ ج ٢ ص ٧٤٦.

١٠٧

وروي(١) تحنيط اللبة(٢) واللحية وباطن القدمين وموضع الشراكين، ولا يضاف إليه المسك خلافا للصدوق(٣) .

ولا يحنط المحرم ولا يوضع في ماء غسله كافور، ولا يجمر الكفن، والرواية(٤) بتجميره متروكة.

ويسحق الكافور باليد ندبا ويكره بغيرها، ويستحب الذريرة للمحل على الاكفان، وروي(٥) على قطن الفرج وعلى الوجه ومع الكافور في الغسل، ولا يجوز تطييبه بغيرهما.

ويستحب حبرة يمنية عبرية حمراء غير مطرزة بالذهب والحرير، فإن لم يوجد بعض الاوصاف اقتصر على ما وجد، ولو تعذرت اليمنية كفى غيرها، وخرقة لشد الفخذين تسمى الخامسة طولها ثلاث أذرع ونصف في عرض شبر ونصف تقريبا، ويشد اللف، فإن خشي حدوث أمر حشي دبره، ويكون تحت الخامسة قطن وعمامة للرجل يشد(٦) وسطها على رأسه ويحنكه بها ويجعل طرفيها على صدره، وروي(٧) على وجهه وظهره لا كعمة الاعرابي بغير حنك، وخمار للمرأة، وخرقة لشد ثدييها إلى ظهرها، ونمط وهو ثوب فيه خطط، وليس الحبرة خلافا لابن ادريس(٨) .

واختلفت الرواية(٩) في كون العمامة من الكفن، والجمع أنها من الكفن

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١٦ من أبواب التكفين ح ٥ و ٦ ج ٢ ص ٧٤٧ و ٧٤٨.

(٢) في باقي النسخ: اللثة.

(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ١٥٣ ح ٤٢٤.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٦ من أبواب التكفين ح ١٣ ج ٢ ص ٧٣٥.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١٤ من أبواب التكفين ح ٤ ج ٢ ص ٧٤٥.

(٦) في باقي النسخ: ينشر.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب التكفين ح ١٢ ج ٢ ص ٧٢٨، الكافي: باب تحنيط الميت وتكفينه ح ٨ ج ٣ ص ١٤٤.

(٨) السرائر: ج ١ ص ١٦٠.

(٩) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب التكفين ح ١ ج ٢ ص ٦٢٦.

١٠٨

الندب لا الفرض، واستحب علي بن بابويه(١) نمطا للرجل فوق الحبرة، فاللفائف عنده للرجل والمرأة ثلاث، وهو قول ابن البراج(٢) وسلار(٣) والتقي(٤) وابن زهرة(٥) ورواه الجعفي(٦) ، ومنع جماعة من الزيادة على سبع في المرأة وخمس في الرجل غير العمامة والقناع.

ويستحب القطن الابيض والمغالاة فيه وأن يخاط بخيوطه، ويكره الكتان، والممتزج بالحرير والاسود، وبل الخيوط بالريق وخياطة القميص المبتدأ للكفن وجعل أكمام له، وقطع الكفن بالحديد، ومنع ابن البراج(٧) من المذهب، وابن الجنيد(٨) من الوبر.

ويستحب جريدتان من النخل فالسدر فالخلاف فالرمان فالرطب بطول عظم الذراع، وروي(٩) شبر، والحسن(١٠) أربع أصابع فصاعدا، ويجوز أن تكون مشقوقة تلصق أحداها بجلده الايمن من ترقوته، والاخرى من ترقوة جانبه الايسر بين القميص والازار، وقال ابنا بابويه(١١): اليسرى عند وركه ما بين القميص والازار، وقال الجعفي(١٢): احداهما تحت ابطه الايمن، والاخرى نصف مما يلي الساق ونصف ما يلي الفخذ، ورواه يونس(١٣)، وكل جائز، ولو اتقى ففي القبر، ولو نسيت فعليه.

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٥.

(٢) المهذب: ج ١ ص ٦٠.

(٣) المراسم: ص ٤٨.

(٤) الكافي في الفقه: ص ٢٣٧.

(٥) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): ص ٥٠٢.

(٦) لاتوجد كتبه لدينا.

(٧) المهذب: ج ١ ص ٦٠.

(٨) المعتبر: ص ٧٥ نقلا عن ابن الجنيد.

(٩) وسائل الشيعة: ب ١٠ من أبواب التكفين ح ٢ ج ٢ ص ٧٤٠.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٤٤.

(١١) المختلف: ج ١ ص ٤٤ من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ١٥٠.

(١٢) لم نعثر عليه.

(١٣) وسائل الشيعة: ب ١٠ من أبواب التكفين ح ٥ ج ٢ ص ٧٤٠.

١٠٩

وتوضعان مع كل ميت حتى الاصاغر، ويكتب عليها وعلى القميص والازار والحبرة واللفافة والعمامة بتربة الحسين عليه السلام اسمه، وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وزاد الشيخ(١) واسماء الائمة عليهم السلام، ومع عدم التربة بالطين والماء، ومع عدمه بالاصبع، ويكره بالسواد وغيره من الاصباغ.

وكيفية التكفين أن يغتسل الغاسل قبله أو يتوضأ رافعا للحدث بهما، أو يغسل يديه إلى المنكبين، ولو كفنه غير الغاسل فالاقرب استحباب كونه متطهرا لفحوى أمر الغاسل بها، ثم يجفف بثوب طاهر، ويفرش الحبرة يضع الازار فوقها ثم القميص وعلى كل حنوط، ثم يحنط الميت وتشد الخامسة وعليها قطن وحنوط، وليكثر القطن في قبل المرأة إلى نصف من، ثم يؤزره، ثم ينقله إلى الاكفان أو ينقلها إليه، ثم يطوي جانب اللفائف الايسر على جانبه الايمن وجانبها الايمن على جانبها الايسر، ويعقد أطرفاها مما يلي الرأس والرجلين، وإن شق حاشية إحداهما وعقد بها جاز.

ويستحب الذكر واستقبال القبلة به كما كان في حال غسله، وإن احتاج إلى خياطة أو شداد جاز، ولو خرج منه نجاسة غسلت عن البدن مطلقا، وعن الكفن ما لم يوضع في القبر فيقرض، ولو كفنه في قميصه نزع إزراره لا أكمامه، ويجوز تقبيله بعد غسله وقبله، ولا يمنع أهله من رؤيته بعد تكفينه.

والكفن الواجب مقدم على الدين من أصل التركة، ولو أوصى بالندب فمن الثلث إلا مع الاجازة، وكفن الزوجة الدائمة على الزوج وإن كانت ملية، وكذا مؤونة التجهيز والحنوط، ولو أعسر فمن تركتها، ولو وجد الكفن بعد اليأس من الميت فميراث، ولو كان من بيت المال أو من الزكاة أو من متبرع عاد إلى

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ١٧٧.

١١٠

أصله، ويستحب إعداد الكفن في الحياة.

(١٣) درس

يجب حمل الميت إلى المصلى والقبر على الكفاية، وأفضله التربيع فيحمل اليد اليمنى بالكتف اليمنى، ثم الرجل اليمنى كذلك، ثم الرجل اليسرى بالكتف اليسرى، ثم اليد اليسرى كذلك.

ويستحب تشييعه والمشي وراء‌ه أو إلى جانبيه لا قدامه إلا لضرورة أو تقية، وقول من رآه: الله أكبر هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت، الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم.

ويكره الركوب إلا لضرورة أو في الرجوع، والاسراع بها، وروى ابن بابويه(١) أن الميت إن كان من أهل الجنة نادى عجلوا بي، وابن الجنيد(٢) والجعفي(٣) ظاهرهما الاسراع، والشيخ(٤) نقل في كراهيته الاجماع.

والضحك، واللهو، ورفع الصوت، والاتباع بنار إلا لضرورة الظلمة، واتباع النساء، والقيام للجنازة، والجلوس قبل وضعها في اللحد على الاقرب، وحمل ميتين على جنازة وخصوصا الرجل والمرأة، والرجوع قبل الدفن إلا بإذن الولي، ويستحب النعش للمرأة.

ويجب الصلاة على كل مسلم ومن بحكمه فمن بلغ ست سنين، ولو اشتبه المسلم بالكافر صلي على الجميع بإفراد المسلم بالنسبة، ولا يصلى على الكافر والغالي والناصب والباغي، ومنع المفيد(٥) والتقي(٦) من الصلوة على المخالف

____________________

(١) من لايحضره الفقيه: باب النوادر ح ٥٩٢ ج ١ ص ١٩٣، وفيه: عجلوني.

(٢) المختلف: ج ١ ص ١٢١.

(٣) لاتوجد كتبه لدينا.

(٤) الخلاف: ج ١ ص ٢٦٤.

(٥) المقنعة: ص ٢٢٩.

(٦) الكافي في الفقه: ص ١٥٧.

١١١

بجبر أو تشبيه أو اعتزال أو إنكار إمام إلا لتقية، وأوجب ابن الجنيد(١) الصلاة على المستهل، ومنع الحسن(٢) من وجوب الصلاة على غير البالغ، وهما متروكان.

ولا صلاة على الغائب، ومن دفن بغير صلاة صلي على قبره يوما وليلة، وقيل: إلى ثلاثة أيام، وكذا من فاته الصلاة عليه، ولو أدركه قبل الدفن ولم يناف التعجيل فالاولى استحباب الصلاة.

ولو نزع من لم يصل عليه صلي عليه مطلقا، وفي استحباب تكرار الصلاة عليه هنا نظر، ويصلى على المرجوم، والغال من الغنيمة، وقاتل نفسه، والمقتول لترك الصلاة لا مستحلا، وقاطع الطريق.

وتستحب الصلاة على من نقص عن ست(٣) إذا ولد حيا.

والاولى بها الاحق بالارث، وإمام الاصل أولى مطلقا ولا يحتاج إلى إذن الولي.

وقال الشيخ(٤) : الاب أولى، ثم الولد، ثم النافلة، ثم الجد للاب، ثم الاخ للابوين، ثم الاخ للاب، ثم الاخ للام، ثم العم، ثم الخال، ثم إبن العم، ثم ابن الخال.

وقال ابن الجنيد(٥) : الجد، ثم الاب، ثم الولد، وجعل الموصى إليه أولى.

ولو تساوى الاولياء قدم الاقرء فالافقه فالاسن، وتقديم الافقه على الاقرء هنا غير مشهور، ولو لم يكن الولي أهلا لها استناب وكذا يجوز لو كان أهلا، ولو كان الولي صغيرا فالكبير، ولو لم يكن فالحاكم.

وليست الجماعة شرطا ولا العدد.

(١٤) درس

يجب فيها الاستقبال، وستر العورة، وجعل رأس الميت عن يمين المصلي

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ١١٩.

(٢) المختلف: ج ١ ص ١١٩.

(٣) في " ق ": ستة سنين.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ١٨٣.

(٥) المختلف: ج ١ ص ١٢٠.

١١٢

مستلقيا، وعدم التباعد الكثير، والنية، والقيامة، وتكبيرات خمس، والتشهد عقيب الاولى، والصلاة على النبي وآله عقيب الثانية، والدعاء للمؤمنين عقيب الثالثة، وللميت عقيب الرابعة، والانصراف بالخامسة، وينصرف عن المنافق بالرابعة.

ويدعو للمستضعف بقوله: " اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "، وللطفل: " اللهم اجعله لابويه ولنا وسلفا وفرطا وأجرا " وللمجهول: " اللهم أنت خلقت هذه النفوس وأنت أمتها تعلم سريرتها وعلانيتها، أتيناك شافعين فيها فشفعنا ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت "، وللمنافق الجاحد(١) : " اللهم املا جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب ".

ويستحب فيها الطهارة وخصوصا الامام، والوقوف عند وسط الرجل وصدر المرأة، ولو اتفقا قدم الرجل إلى الامام وحاذى(٢) بوسطه صدرها، ولو كان صبي لست فبينهما، ويقدم الصبي الحر على العبد، (وكذا الصبية مع الامة)(٣) ، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة، وإكثار المصلين، ونزع الحذاء لا الخف، والقرب من الجنازة، ووقوف المأموم خلف الامام وإن اتحد، وتحري الصف الاخير، والصلاة في المعتادة، ويكره في المساجد إلا بمكة، وتدريج الرجال في صف واحد فيقف الامام في الوسط، ورفع اليدين في التكبير كله على الاقرب، والصلاة عليه نهارا ما لم يخف عليه، والصلاة على الانبياء عليهم السلام عند الصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم، ووقوف الامام حتى ترفع الجنازة.

____________________

(١) في " م " و " ق ": الجاحد للحق.

(٢) في " ق ": ويحاذي.

(٣) مابين المعقوفتين غير موجود في " م ".

١١٣

ولا قراء‌ة فيها ولا تسليم، والاقرب كراهتهما اختيارا، وجوز ابن الجنيد(١) تسليمة واحدة للامام عن يمينه، والاقرب مساواتها اليومية في التروك المحرمة والمكروهة خلا الحدث والخبث.

وعن الرضا عليه السلام(٢) في المصلوب وجهه على القبلة يقوم على منكبه الايمن، ومستدبر القبلة على الايسر، ومنكبه الايسر إلى القبلة على الايمن وبالعكس، ولا يستقبل ولا يستدبر. ولا تكره في الاوقات الخمسة. ولو وافقت المكتوبة في الوقت قدم المضيق منهما، ولو اتسعا تخير والافضل المكتوبة، ولو ضاقا فالاقرب الحاضرة، وظاهر المبسوط(٣) تقديم الجنازة إن خشي حدوث أمر في الميت. ولو أدرك بعض التكبير أتم الباقي ولاء، ولو رفعت أتم ولو مشيا إلى سمت القبلة ولو على القبر، رواه القلانسي(٤) عن الباقر عليه السلام.

ولو حضرت جنازة وفي الاثناء ففي رواية علي بن جعفر(٥) عن أخيه عليهم السلام إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الاخيرة، وإن شاؤوا رفعوا الاولى وأتموا التكبير على الاخيرة.

وعلى هذه الرواية تجمع الدعوات بالنسبة إلى الجنازتين فصاعدا، والحسن(٦) والجعفي(٧) أوردا الاذكار الاربعة عقيب كل تكبيرة في صلاة الجنازة. ولو ظهر قلب الجنازة سويت وأعيدت الصلاة.

ولو سبق المأموم بتكبير

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ١١٩.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٣٥ من أبواب صلاة الجنازة ح ١ ج ٢ ص ٨١٢.

(٣) المبسوط: ج ١ ص ١٨٥.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب صلاة الجنازة ح ٥ ج ٢ ص ٧٩٣.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٣٤ من أبواب صلاة الجنازة ح ١ ج ٢ ص ٨١١.

(٦) المختلف: ج ١ ص ١١٩.

(٧) كتبه غير موجودة لدينا.

١١٤

فصاعدا استحب إعادته مع الامام، ولو زاد تكبيرة متعمدا في الاثناء معتقدا شرعيتها أثم ولم تبطل، ولو كان بعد الفراغ فلا إثم.

(١٥) درس

يجب التغسيل ثم التكفين ثم الصلاة ثم الدفن، ولو فقد الكفن جعل في القبر وسترت عورته ثم صلي عليه، والواجب حفرة(١) كاتمة ريحه، وبدنه يوجه فيها إلى القبلة مضطجعا(٢) على جانبه الايمن، وقول ابن حمزة(٣) باستحباب الاستقبال شاذ. ويبدل الاستقبال بالاستدبار في الذمية الحامل من مسلم وتدفن في مقابر المسلمين، ولو تعذر البر ثقل أو جعل في وعاء وارسل مستقبلا. ويحرم الدفن في المغصوبة ولو بعضها. والمستحب مراعاة أقرب الترب، إلا أن يكون هناك مشهد فيحمل إليه ما لم يخف عليه أو قبور قوم الصالحين، إلا الشهيد فالمشهور دفنه حيث قتل. والمسبلة أفضل من الملك، ولو أوصى بدفنه في ملكه فمن الثلث إلا مع الاجازة.

واتحاد الميت فيكره الجمع ابتداء إلا لضرورة، فيقدم أفضلهم إلى القبلة، والصبي بعد الرجل ثم الخنثى ثم المرأة، والاب مقدم على الابن والام على البنت، وليراع في الرجال والنساء المحرمية إن أمكنت، فإن احتيج إلى جمع الاجانب فحاجز بين كل ميتين.

وتعميق القبر قامة أو إلى الترقوة، واللحد إلا مع رخاوة الارض، وكون اللحد مما يلي القبلة وسعته للجالس، ووضع الميت أولا عند رجلي القبر ثم نقله ثلاثا وإنزاله في الثالثة سابقا برأسه، والمرأة دفعة عرضا، وتغشية قبرها بثوب.

____________________

(١) في " ز " و " ق ": حفيرة.

(٢) في " م ": منضجعا.

(٣) الوسيلة: ص ٦٨.

١١٥

وحل النازل أزراره وكشف رأسه وحفاؤه وكونه أجنبيا إلا في المرأة، والدعاء، وتلقينه الشهادتين والائمة عليهم السلام، وجعل التربة تحت خده، وجعل وسادة من تراب تحت رأسه، ومدرة خلف ظهره، وحل عقد الاكفان ووضع خده على التراب، وتشريج اللحد باللبن، والدعاء عنده، ويكره فرش القبر بساج أو غيره إلا لضرورة، وقال ابن الجنيد(١) : لا بأس به وبالوطاء، وهيل التراب بظهور الاكف مسترجعين داعين له.

ورفع القبر أربع أصابع مفرجات وتربيعه وتسطيحه، ووضع علامة على رأسه، ووضع الحصى عليه، والحمراء أفضل تأسيا بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن لا يوضع فيه من غير ترابه.

ورش الماء عليه مستقبل القبلة بادئا من الرأس إلى الرجلين، ثم يديرالماء عليه والفاضل على وسط القبر رشا متصلا، ووضع اليد عليه مقابل القبلة وتأثيرها في ترابه والترحم عليه، وتلقين الولي أو من يأمره بعد الانصراف مستقبلا للميت أو القبلة.

ويكره البناء عليه، واتخاذه مسجدا إلا قبور الائمة عليهم السلام، والاتكاء عليه، والقعود والمشي عليه، وعن الكاظم(٢) عليه السلام طاء القبور فالمؤمن يستروح والمنافق يألم، وتحديده بالجيم والحاء والخاء، والحدث بين القبور، والضحك.

ويستحب الصبر، والتعزية وأقلها الرؤية قبل الدفن، وبعده أفضل، ولا كراهة في الجلوس لها ثلاثا، وليقل: جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم ورحم متوفاكم، وعمل طعام لاهل الميت ثلاثا.

ويجوز البكاء والنوح بالحق شعرا ونثرا، وزيارة القبور مستحبة، وإهداء شئ من القرآن إليهم، وقراء‌ة القدر

____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٦٢ من أبواب الدفن ح ١ ج ٢ ص ٨٨٥.

١١٦

سبعا، وكل ما يهدى إلى الميت من وجوه القرب ينفعه، دعاء أو استغفارا أو صدقة أو قرآنا أو فعلا يدخله النيابة كالحج والصلاة عنه واجبا وندبا.

(١٦) درس

يجب الغسل على من مس ميتا آدميا غير شهيد ولا مغسل بعد برده، أو مس قطعة فيها عظم وإن تجاوزت سنة سواء ابينت من حي أو ميت، ولو خلت من عظم غسل يده، ولو مسه قبل برده فلا غسل، وهل تنجس يده؟ الاقرب المنع، ولو مس ماتم غسله فلا غسل.

ويجب بمس المسلم، والكافر، والمؤمم، ومن غسله كافر، ومن غسل فاسدا، ومن سبق موته قتله، أو قتل بسبب غير ما اغتسل له، ولا فرق في مس الكافر قبل غسله أو بعده.

والاقرب الوجوب بمس العظم المجرد متصلا بالميت أو منفصلا، أما عظم الحي المتصل به فلا، أما السن فلا يجب بمسها غسل اتصلت أو انفصلت من الحي، ولو مس سن الميت فالاقرب المساواة، لانها في حكم الشعر والظفر.

فرع:

لو مس عظما في مقبرة المسلمين فلا غسل، ولو كانت مقبرة الكفار فالاقرب الوجوب، ولو جهلت تبعت الدار، فلو تناوب على الدار المسلمون والكفار فالاشبه السقوط.

وصفته كغسل الجنابة إلا أن معه الوضوء، ولا يمنع هذا الحدث من الصوم ولا من دخول المساجد في الاقرب، نعم لو لم يغسل موضع العضو اللامس وخيف سريان النجاسة إلى المسجد حرم الدخول وإلا فلا.

١١٧

(١٧) درس

الماء المطلق طاهر مطهر ما دام على أصل الخلقة، فإن خرج عنها بمخالطة طاهر فهو على الطهارة، فإن سلبه الاطلاق فمضاف، وإلا كره الطهارة به وإن خالطه نجس فأقسامه أربعة: أحدها: الواقف القليل وهو ما نقص عن الكر، وهو ينجس بالملاقاة تغير أو لا، كانت النجاسة دما لايدركه الطرف على الاصح أو لا.

وطهره بإلقاء كر عليه دفعة يزيل تغيره إن كان، ولو لم يزله افتقر إلى كر آخر وهكذا، وكذا يطهر بالجاري، وقول ابن أبي عقيل(١) : يتوقف(٢) نجاسته على التغير شاذ، ولا يطهر بإتمامه كرا سواء كانا نجسين أو أحدهما على الاقوى.

وثانيها: الواقف الكثير وهو ما بلغ ألفا ومأتي رطل، أو ثلاثة أشبار ونصفا في أبعاده الثلاثة، أو ما ساواها في بلوغ مضروبها، ولا ينجس إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة تغيرا محققا لا مقدرا، ويطهر بما مر، ولو تغير بعضه وكان الباقي كرا طهر بتموجه، وإلا نجس.

ولا فرق بين مياه الحياض والآنية وغيرهما على الاصح.

فروع:

لو شك في استناد التغير إلى النجاسة فالاصل الطهارة، ولو جمد الماء لحق بالجامدات فينجس الموضع الملاقى، ويطهر بإلقاء النجاسة وما يكتنفها، ولو اتصل الموضع بالكثير فإن زال(٣) العين وتخلل طهر، ولو جمد الماء النجس فطهره

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٢.

(٢) في باقي النسخ: بتوقف.

(٣) في " م " و " ق ": فأزال.

١١٨

باختلاط الكثير به إذا صار مائعا، ولو قدر تخلله أمكن الطهارة.

وثالثها: الجاري نابعا، ولا ينجس إلا بالتغير، ولو تغير بعضه نجس دون ما فوقه وما تحته(١) ، إلا أن ينقص ما تحت النجاسة عن الكر ويستوعب التغير عمود الماء فينجس المتغير وما تحته.

وطهره بتدافعه حتى يزول التغير، ولا يشترط فيه الكرية على الاصح، نعم يشترط دوام النبع.

ولو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس مافوقها مطلقا، ولا ما تحتها إن كان جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير، ومنه ماء الحمام، ولو انتزع الحمام من النابع فبحكمه، وماء الغيث نازلا كالنابع، وليس للجرية حكم بانفرادها مع التواصل.

ولو اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة سطحهما أو كون الجاري أعلى لا العكس، فيكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف.

ورابعها: ماء البئر، والاشهر نجاسته بالملاقاة، وطهره بنزح جميعه للمسكر، والفقاع، والمني، وأحد الدماء الثلاثة، وموت الثور والبعير، ولنجاسة لا نص فيها على الاحوط في غير المنصوص، وقيل: أربعون(٢) ، وروي(٣) ثلاثون، ولعرق الجنب حراما، وعرق الابل الجلالة، والفيل عند ابن البراج(٤) ، والروث(٥) وبول غير المأكول عند أبي الصلاح(٦) .

وكر للدابة والبغل والحمار والبقرة، وسبعين دلوا للانسان، وخمسين للعذرة

____________________

(١) في " ز " و " ق ": وما تحته.

(٢) في " ق ": على الاحوط وقيل: في غير المنصوص أربعون.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ج ١ ص ١٣٢.

(٤) المهذب: ج ١ ص ٢١، ولم يذكر الفيل بل قال " وكل ما كان جسمه مقدار جسمه أي البعير أو أكثر ".

(٥) في باقي النسخ: ولروث.

(٦) الكافي في الفقه: ص ١٣٠.

١١٩

الرطبة وإن كانت مبخرة أو الذائبة، والدم الكثير، وأربعين للثعلب والارنب والكلب والخنزير والسنور والشاة وبول الرجل، وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرؤ الكلب(١) ، وقطرة نبيذ مسكر في رواية كردويه(٢) ، وعشرين لقطرة الخمر عند الصدوق(٣) ، وللدم ولحم الخنزير في رواية زرارة(٤) ، ولغاية الدم عند المرتضى(٥) والمبدأ دلو.

وعشر ليابس العذرة وقليل الدم، وتسع أو عشر للشاة عند الصدوق(٦) ، وسبع لموت الطير، واغتسال الجنب، وللفأرة مع التفسخ أو الانتفاخ، ولخروج الكلب حيا، وبول الصبي غير الرضيع، وخمس لذرق الدجاج، وخصه جماعة بالجلال، وثلاث للفأرة مع عدم الامرين، وروي(٧) خمس.

وللحية ولا شاهد به، وللوزغة والعقرب، وقيل: يستحب لهما، ودلو لبول الرضيع وللعصفور.

ولو تغيرت البئر نزحت، فإن غلب الماء اعتبر أكثر الامرين من زوال التغير والمقدر، وقيل: بالتراوح مع الاغلبية كما في كل موضع يجب نزحها، فينزح أربعة رجال مثنى يوما إلى الليل وإن قصر النهار، ولا يجزئ الليل، ولا الملفق منه ومن النهار، ولا النساء على الاقرب، ولا الخناثي، ويجزئ ما فوق الاربعة من الرجال.

ولو اتصلت بالجاري طهرت، وكذا بالكثير مع الامتزاج، أما لو تسنما عليها

____________________

(١) في " م " و " ز ": الكلاب.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ج ١ ص ١٣٢.

(٣) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص ٤.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٣ ج ١ ص ١٣٢.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٦ نسبه إلى المصباح ولايوجد لدينا.

(٦) من لايحضره الفقيه: ج ١ ص ٢١.

(٧) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب الماء المطلق ح ٧ ج ١ ص ١٣٥.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

في حياته التالية وهى آخرته.

لكنّ البرهم لمّا كان ذاتا مطلقة محيطا بكلّ شئ غير محاط لشئ كان أعلى وأجلّ من أن يعرفه الإنسان إلّا بنوع من نفى النقائص أو يناله بعبادة أو قربان فمن الواجب علينا أن نتقرّب بالعبادة إلى أوليائه وأقوياء خلقه حتّى يكونوا شفعاء لنا عنده، وهؤلاء هم الآلهة الّذين يعبدون من دون الله بعبادة أصنامهم، وهم على كثرتهم إمّا من الملائكة أو من الجنّ أو من أرواح المكمّلين من البراهمة، وإنّما يعبد الجنّ خوفاً من شرّهم، وغيرهم طمعا في رحمتهم وخوفا من سخطهم ومنهم الأزواج والبنون والبنات لله تعالى.

فهذه جمل ما تتضمّنه البرهميّة ويعلّمه علماء المذهب من البراهمة.

لكنّ الّذى يتحصّل من (اُوبانيشاد)(١) وهو القسم الرابع من كتاب (ويدا) المقدّس ربّما لم يوافق ما تقدّم من كلّيّات عقائدهم وإن أوّله علماء المذهب من البراهمة.

فإنّ الباحث الناقد يجد أنّ رسائل (اُوبانيشاد) المعلّمة للمعارف الإلهيّة وإن كانت تصف العالم الاُلوهىّ والشؤون المتعلّقة به من الأسماء والصفات والأفعال من إبداء وإعادة وخلق ورزق وإحياء وإماتة وغير ذلك بما يوصف به الاُمور الجسمانيّة المادّيّة كالانقسام والتبعّض والسكون والحركة والانتقال والحلول والاتّحاد والعظم والصغر وسائر الأحوال الجسمانيّة المادّيّة إلّا أنّها تصرّح في مواضع منها أنّ برهم(٢) ذات مطلقة متعالية من أن يحيط به حدّ له الأسماء الحسنى والصفات العليا من حياة وعلم وقدرة، منزّه عن نعوت النقص وأعراض المادّة، والجسم ليس كمثله شئ.

____________________

(١) اُوبانيشاد كالخاتمة لكتب (ويدا) المقدّسة وهى رسائل متفرّقة مأثورة من كبار رجال الدين من عرفائهم القدماء الاقدمين تحتوى جمل ما حصلوه من المعارف الإلهيّة بالكشف ويعتبرها البراهمة وحيّاً سماويّاً.

(٢) هذا كثير الورود يعثر عليه الراجع في أغلب فصول اُوبانيشاد.

٣٠١

وتصرّح(١) بأنّه تعالى أحدىّ الذات لم يولد من شئ ولم يلد شيئاً وليس له كفو ومثل البتّة.

وتصرّح(٢) بأنّ الحقّ أن لا يعبد غيره تعالى ولا يتقرّب إلى غيره بقربان بل الحرىّ بالعبادة هو وحده لا شريك له.

وتصرّح(٣) كثيراً بالقيامة وأنّه الأجل الّذى ينتهى إليه الخلقة، وتصف ثواب الأعمال وعقابها بعد الموت بما لا يأبى الانطباق على البرزخ من دون أن يتعيّن حمله على التناسخ.

ولا خبر في هذه الأبحاث الإلهيّة الموردة فيها عن الأوثان والأصنام وتوجيه العبادات وتقديم القرابين إليها.

وهذه الّتى نقلناها من (اُوبانيشاد) - وما تركناه أكثر - حقائق سامية ومعارف حقّة تطمئنّ إليها الفطرة الإنسانيّة السليمة، وهى - كما ترى - تنفى جميع اُصول الوثنيّة الموردة في أوّل البحث.

والّذى يهدى إليه عميق النظر أنّها كانت حقائق عالية كشفها آحاد من أهل ولاية الله ثمّ أخبروا بما وجدوا بعض تلامذتهم الآخذين منهم غير أنّهم تكلّموا غالبا بالرمز واستعملوا في تعاليمهم الأمثال.

ثمّ جعل ما اُخذ من هؤلاء أساساً تبتنى عليه سنّة الحياة الّتى هي الدين المجتمع عليه عامّة الناس، وهى معارف دقيقة لا يحتملها إلّا الآحاد من أهل المعرفة لارتفاع سطحها عن الحسّ والخيال للّذين هما حظّ العامّة من الإدراك وكمال صعوبة إدراكها على العقول الراجلة غير المتدرّبة في المعارف الحقّة.

____________________

(١) ( لم يولد منه شئ ولم يتولد من شئ وليس له كفوا أحد ) اُوبانيشاد (شيت استر) ادهيا السادس آية ٨ ( السر الأكبر ).

(٢) قال شبت استر: ( اعمل الصالحات لتلك الذات النورانيّة إلى أي ملك اقدم القربان وأترك تلك الذات الظاهرة؟ ) اُوبانيشاد شيت استر. ادهيا الرابع آية ١٣.

(٣) وهذا كثير الورود في فصول اُوبانيشاد يعثر عليه المراجع.

٣٠٢

واختصاص نيلها بالأقلّين من الناس وحرمان الأكثرين من ذلك وهى دين إنسانيّ أوّل المحذور فإنّ الفطرة أنشأت العالم الإنسانيّ مغروزة على الاجتماع المدنىّ، وانفصال بعضهم عن بعض في سنّة الحياة وهى الدين إلغاء لسنّة الفطرة وطريقة الخلقة.

على أنّ في ذلك تركا لطريق العقل وهو أحد الطرق الثلاث: الوحى والكشف والعقل، وأعمّها وأهمّها بالنظر إلى حياة الإنسان الدنيويّة فالوحي لا يناله إلّا أهل العصمة من الأنبياء المكرمين، والكشف لا يكرم به إلّا الآحاد من أهل الإخلاص واليقين، الناس حتّى أهل الوحى والكشف في حاجة مبرمة إلى تعاطى الحجّة العقليّة في جميع شؤون الحياة الدنيويّة ولا غنى لها عن ذلك، وفي إهمال هذا الطريق تسليط التقليد الإجباريّ على جميع شؤن المجتمع الحيويّة من اعتقادات وأخلاق وأعمال، وفي ذلك سقوط الإنسانيّة.

على أنّ في ذلك إنفاذاً لسنّة الاستعباد في المجتمع الإنسانيّ ويشهد بذلك التجارب التاريخيّ المديد في الاُمم البشريّة الّتى عاشت في دين الوثنيّة أو جرت فيهم سنن الاستعباد باتّخاذ أرباب من دون الله.

٢ - سريان هذه المحاذير إلى سائر الأديان:

الأديان العامّة الاُخر على ما فيها من القول بتوحيد الاُلوهيّة لم تسلم من شرك العبادة فساقهم ذلك إلى الابتلاء بعين ما ابتليت به الوثنيّة البرهميّة من المحاذير الّتى أهمّها الثلاثة المتقدّمة.

أمّا البوذيّة والصابئة فذلك فيهم ظاهر والتاريخ يشهد بذلك، وقد تقدّم شئ ممّا يتعلّق بعقائدهم وأعمالهم.

وأمّا المجوس فهم يوحّدون (أهورامزدا) بالاُلوهيّة لكنّهم يخضعون بالتقديس ليزدان وأهريمن والملائكة الموكّلين بشؤون الربوبيّة وللشمس والنار وغير ذلك، والتاريخ يقصّ ما كانت تجرى فيهم من سنّة الاستعباد واختلاف الطبقات والتدبّر والاعتبار يقضى أنّه إنّما تسرّب ذلك كلّه إليهم من ناحية تحريف الدين

٣٠٣

الأصيل، وقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم:( أنّه كان لهم نبىّ فقتلوه وكتاب فأحرقوه) .

وأمّا اليهود فالقرآن يقصّ كثيراً من أعمالهم وتحريفهم كتاب الله واتّخاذهم العلماء أرباباً من دون الله، وما ابتلاهم الله به من انتكاس الفطرة ورداءة السليقة.

وأمّا النصارى فقد فصّلنا القول فيما انحرفوا فيه من النظر والعمل في الجزء الثالث من الكتاب فراجع وإن شئت فطبّق مفتتح إنجيل يوحنّا ورسائل بولس على سائر الأناجيل وتمّمه بمراجعة تاريخ الكنيسة فالكلام في ذلك طويل.

فالبحث العميق في ذلك كلّه ينتج أنّ المصائب العامّة في المجتمعات الدينيّة في العالم الإنسانيّ من مواريث الوثنيّة الاُولى الّتى أخذت المعارف الإلهيّة والحقائق العالية الحقّة مكشوفة القناع مهتوكة الستر فجعلتها أساس السنن الدينيّة، وحملتها على الأفهام العامّة الّتى لا تأنس إلّا بالحسّ والمحسوس فأنتج ذلك ما أنتج.

٣ - إصلاح الاسلام لهذه المفاسد:

أمّا الإسلام فإنّه أصلح هذه المفاسد إذ قلب هذه المعارف العالية في قالب البيان الساذج الّذى يصلح لهضم الأفهام الساذجة والعقول العاديّة فصارت تلامسها من وراء حجاب وتتناولها ملفوفة محفوفة، وهذا هو الّذى يصلح به حال العامّة وأمّا الخاصّة فإنّهم ينالونها مسفرة مكشوفة في جمالها الرائع وحسنها البديع آمنين مطمئنّين وهم في زمرة الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقا، قال الله تعالى:( وَالْكِتَابِ الْمُبِين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف: ٤، وقال:( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة: ٧٩، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم) .

وعالج غائلة الشرك والوثنيّة في مرحلة التوحيد بنفى الاستقلال في الذات والصفات عن كلّ شئ إلّا الله سبحانه فهو تعالى القيّوم على كلّ شئ، وركز الأفهام في معرفة الاُلوهيّة بين التشبيه والتنزيه فوصفه تعالى بأنّ له حياة لكن لا كحياتنا، وعلما لا كعلمنا، وقدرة لا كقدرتنا وسمعا لا كسمعنا، وبصرا

٣٠٤

لا كبصرنا، وبالجملة ليس كمثله شئ وأنّه أكبر من أن يوصف، وأمر الناس مع ذلك أن لا يقولوا في ذلك قولا إلّا عن علم، ولا يركنوا إلى اعتقاد إلّا عن حجّة عقليّة يهضمها عقولهم وأفهامهم.

فوفّق بذلك أوّلا لعرض الدين على العامّة والخاصّة شرعاً سواء، وثانياً أن استعمل العقل السليم من غير أن يترك هذه الموهبة الإلهيّة سدى لا ينتفع بها، وثالثاً أن قرّب بين الطبقات المختلفة في المجتمع الإنسانيّ غاية ما يمكن فيها من التقريب من غير أن ينعم على هذا ويحرم ذاك أو يقدّم واحداً ويؤخّر آخر قال تعالى:( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء: ٩٢ وقال:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات: ١٣.

وهذا إجمال من القول يمكنك أن تعثر على تفصيل القول في أطرافه في أبحاث متفرّقة تقدّمت في هذا الكتاب والله المستعان.

٤ - إشكال الاستشفاع والتبرّك في الإسلام : ربّما يظنّ أنّ ما ورد في الأدعية من الاستشفاع بالنبيّ و آله المعصومين صلوات الله عليهم ومسألته تعالى بحقّهم وزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرّك بتربتهم وتعظيم آثارهم من الشرك المنهىّ عنه وهو الشرك الوثنيّ محتجّا بأنّ هذا النوع من التوجّه العباديّ فيه إعطاء تأثير ربوبيّ لغيره تعالى وهو شرك وأصحاب الأوثان إنّما أشركوا لقولهم في أوثانهم: إنّ هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وقولهم: إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى، ولا فرق في عبادة غير الله سبحانه بين أن يكون ذلك الغير نبيّا أو وليّا أو جبّارا من الجبابرة أو غيرهم فالجميع من الشرك المنهىّ عنه.

وقد فاتهم أوّلا: أنّ ثبوت التأثير سواء كان مادّيّا أو غير مادّىّ في غيره تعالى ضروريّ لا سبيل إلى إنكاره، وقد أسند تعالى في كلامه التأثير بجميع أنواعه إلى غيره، ونفى التأثير عن غيره تعالى مطلقا يستلزم إبطال قانون العلّيّة والمعلوليّة العامّ الّذى هو الركن في جميع أدلّة التوحيد، وفيه هدم بنيان التوحيد. نعم المنفىّ من التأثير عن غيره تعالى هو الاستقلال في التأثير ولا كلام لأحد فيه، وأمّا نفى

٣٠٥

مطلق التأثير ففيه إنكار بديهة العقل والخروج عن الفطرة الإنسانيّة.

ومن يستشفع بأهل الشفاعة الّذين ذكرهم الله في مثل قوله:( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف: ٨٦ وقوله:( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) الأنبياء: ٢٨.

أو يسأل الله بجاههم ويقسمه بحقّهم الّذى جعله لهم عليه بمثل قوله مطلقا:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) الصافّات: ١٧٣ وقوله:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: ٥١.

أو يعظّمهم ويظهر حبّهم بزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرّك بتربتهم بما أنّهم آيات الله وشعائره تمسّكا بمثل قوله تعالى:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحجّ: ٣٢، وآية القربى وغير ذلك من كتاب وسنّة.

فهو في جميع ذلك يبتغى بهم إلى الله الوسيلة وقد قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) المائدة: ٣٥ فشرع به ابتغاء الوسيلة، وجعلهم بما شرع من حبّهم وتعزيرهم وتعظيمهم وسائل إليه، ولا معنى لإيجاب حبّ شئ وتعظيمه وتحريم آثار ذلك فلا مانع من التقرّب إلى الله بحبّهم وتعظيم أمرهم وما لذلك من الآثار إذا كان على وجه التوسّل والاستشفاع من غير أن يعطوا استقلال التأثير والعبادة البتّة.

وثانياً: أنّه فاتهم الفرق بين أن يعبد غير الله رجاء أن يشفع عند الله أو يقرّب إلى الله، وبين أن يعبدالله وحده مع الاستشفاع والتقرّب بهم إليه ففى الصورة الاُولى إعطاء الاستقلال وإخلاص العبادة لغيره تعالى وهو الشرك في العبوديّة والعبادة، وفي الصورة الثانية يتمحّض الاستقلال لله تعالى ويختصّ العبادة به وحده لا شريك له.

وإنّما ذمّ تعالى المشركين لقولهم:( إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى) حيث أعطوهم الاستقلال وقصدوهم بالعبادة دون الله سبحانه، ولو قالوا: إنّما نعبدالله وحده ونرجو مع ذلك أن يشفع لنا ملائكته أو رسله وأولياؤه بإذنه أو نتوسّل

٣٠٦

إلى الله بتعظيم شعائره وحبّ أوليائه، لما كفروا بذلك بل عادت شركاؤهم كمثل الكعبة في الإسلام هي وجهة وليست بمعبودة، وإنّما يعبد بالتوجّه إليها الله.

وليت شعرى ما ذا يقول هؤلاء في الحجر الأسود وما شرع في الإسلام من استلامه وتقبيله؟ وكذا في الكعبة؟ فهل ذلك كلّه من الشرك المستثنى من حكم الحرمة؟ فالحكم حكم ضروريّ عقليّ لا يقبل تخصّصا ولا استثناء، أو أنّ ذلك من عبادة الله محضاً وللحجر حكم الطريق والجهة، وحينئذ فما الفرق بينه وبين غيره إذا لم يكن تعظيمه على وجه إعطاء الاستقلال وتمحيض العبادة، ومطلقات تعظيم شعائر الله وتعزير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبّه ومودّته وحبّ أهل بيته ومودّتهم وغير ذلك في محلّها.

٣٠٧

( سورة هود آية ٥٠ - ٦٠)

وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ( ٥٠) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ( ٥١) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ( ٥٢) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ( ٥٣) إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ( ٥٤) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ( ٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٥٦) فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ( ٥٧) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ( ٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ( ٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ( ٦٠)

( بيان)

تذكر الآيات قصّة هود النبيّ وقومه وهم عاد الاُولى، وهوعليه‌السلام ، أوّل نبىّ يذكره الله تعالى في كتابه بعد نوحعليه‌السلام ، ويشكر مسعاه في إقامة الدعوة الحقّة والانتهاض على الوثنيّة، ويعقب ذكر قوم نوح بذكر قوم هود، قال تعالى في عدّة

٣٠٨

مواضع من كلامه:( قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) .

قوله تعالى: ( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ) كان أخاهم في النسب لكونه منهم وأفراد القبيلة يسمّون إخوة لانتسابهم جميعاً إلى أب القبيلة، والجملة معطوفة على قوله تعالى سابقاً:( نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ ) والتقدير:( ولقد أرسلنا وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ) ولعلّ حذف الفعل هو الموجب لتقديم الظرف على المفعول في المعطوف على خلاف المعطوف عليه حيث قيل:( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ ) الخ، ولم يقل: وهودا إلى عاد مثلا كما قال:( نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ ) لأنّ دلالة الظرف أعنى:( َإِلَىٰ عَادٍ ) على تقدير الإرسال أظهر وأوضح.

قوله تعالى: ( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ) الكلام وارد مورد الجواب كأنّ السامع لمّا سمع قوله:( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ) قال: فماذا قال لهم؟ فقيل:( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ) الخ، ولذا جئ بالفصل من غير عطف.

وقوله:( اعْبُدُوا اللهَ ) في مقام الحصر أي اعبدوه ولا تعبدوا غيره من آلهة اتّخذتموها أرباباً من دون الله تعبدونها لتكون لكم شفعاء عند الله من غير أن تعبدوه تعالى. والدليل على الحصر المذكور قوله بعد:( مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ) حيث يدلّ على أنّهم كانوا قد اتّخذوا آلهة يعبدونها افتراء على الله بالشركة والشفاعة.

قوله تعالى: ( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ) إلى آخر الآية، قال في المجمع الفطر الشقّ عن أمر الله كما ينفطر الورق عن الشجر، ومنه فطر الله الخلق لأنّه بمنزلة ما شقّ منه فظهر. انتهى، وقال الراغب: أصل الفطر الشقّ طولا يقال: فطر فلان كذا فطرا وأفطر هو فطورا وانفطر انفطارا - إلى أن قال - وفطرالله الخلق وهو إيجاد الشئ وإبداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال فقوله: فطرة الله الّتى فطر الناس عليها إشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركز في الناس من معرفته، وفطرة الله هي ما ركز فيه من قوّته على معرفه الإيمان وهو المشار

٣٠٩

إليه بقوله: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله. انتهى.

والظاهر أنّ الفطر هو الإيجاد عن عدم بحت، والخصوصيّة المفهومة من مثل قوله:( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) إنّما نشأت من بناء النوع الّذى تشتمل عليه فطرة وهى فعلة، وعلى هذا فتفسير بعضهم الفطرة بالخلقة بعيد من الصواب، وإنّما الخلق هو إيجاد الصورة عن مادة على طريق جمع الأجزاء، قال تعالى:( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) المائدة: ١١٠.

والكلام مسوق لرفع التهمة والعبث والمعنى يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم أجراً وجزاء حتّى تتّهموني أنّى أستدرّ به نفعاً يعود إلىّ وإن أضرّ بكم، ولست أدعوكم من غير جزاء مطلوب حتّى يكون عبثا من الفعل بل إنّما أطلب به جزاء من الله الّذى أوجدني وأبدعنى أفلا تعقلون عنّى ما أقوله لكم حتّى يتّضح لكم أنّى ناصح لكم في دعوتي، ما اُريد إلّا أن أحملكم على الحقّ.

قوله تعالى: ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ) إلى آخر الآية تقدّم الكلام في معنى قوله:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) في صدر السورة.

وقوله:( يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ) في موقع الجزاء لقوله:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) الخ، أي إن تستغفروه وتتوبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً، والمراد بالسماء السحاب فإنّ كلّ ما علا وأظلّ فهو سماء، وقيل المطر وهو شائع في الاستعمال، والمدرار مبالغة من الدرّ، وأصل الدرّ اللبن ثمّ استعير للمطر ولكلّ فائدة ونفع فارسال السماء مدراراً إرسال سحب تمطر أمطاراً متتابعة نافعة تحيى بها الأرض وينبت الزرع والعشب، وتنضر بها الجنّات والبساتين.

وقوله:( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ) قيل المراد بها زيادة قوّة الإيمان على قوّة الأبدان وقد كان القوم اُولى قوّة وشدّة في أبدانهم ولو أنّهم آمنوا انضافت قوّة الإيمان على قوّة أبدانهم، وقيل المراد بها قوّة الأبدان كما قال نوح لقومه:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَ

٣١٠

بَنِينَ ) نوح: ١٢ ولعلّ التعميم أولى.

وقوله:( وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) بمنزلة التفسير لقوله:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) أي إنّ عبادتكم لما اتّخذتموه من الآلهة دون الله إجرام منكم ومعصية توجب نزول السخط الإلهىّ عليكم فاستغفروا الله من إجرامكم وارجعوا إليه بالإيمان حتّى يرحمكم بإرسال سحب هاطلة ممطرة وزيادة قوّة إلى قوّتكم.

وفي الآية( أوّلاً ) إشعار أو دلالة على أنّهم كانوا مبتلين بإمساك السماء والجدب والسنة كما ربّما أومأ إليه قوله:( يُرْسِلِ السَّمَاءَ ) وكذا قولهم على ما حكاه الله تعالى في موضع آخر:( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الأحقاف: ٢٤.

وثانياً: أنّ هناك ارتباطا تامّا بين الأعمال الإنسانيّة وبين الحوادث الكونيّة الّتى تمسّه فالأعمال الصالحة توجب فيضان الخيرات ونزول البركات، والأعمال الطالحة تستدعى تتابع البلايا والمحن، وتجلب النقمة والشقوة والهلكة كما يشير إليه قوله تعالى:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) الآية الأعراف: ٩٦، وقد تقدّم تفصيل الكلام فيه في بيان الآيات ٩٤ - ١٠٢ من سورة الأعراف في الجزء الثامن من الكتاب، وفي أحكام الأعمال في الجزء الثاني منه.

قوله تعالى: ( قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ) سألهم هود في قوله:( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) إلى آخر الآيات الثلاث أمرين هما أن يتركوا آلهتهم ويعودوا إلى عبادة الله وحده وأن يؤمنوا به ويطيعوه فيما ينصح لهم فردّوا عليه القول بما في هذه الآية إجمالاً وتفصيلاً:

أمّا إجمالاً فبقولهم:( مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ) يعنون أنّ دعوتك خالية عن الحجّة والآية المعجزة ولا موجب للإصغاء إلى ما هذا شأنه.

وأمّا تفصيلاً فقد أجابوا عن دعوته إيّاهم إلى رفض الشركاء بقولهم:( وَمَا

٣١١

نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ ) وعن دعوته إيّاهم إلى الإيمان والطاعة بقولهم:( وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ) فآيسوه في كلتا المسألتين.

ثمّ ذكروا له ما ارتاؤا فيه من الرأى لييأس من إجابتهم بالمرّة فقالوا:( إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) والاعتراء الاعتراض والإصابة يقولون: إنّما نعتقد في أمرك أنّ بعض آلهتنا أصابك بسوء كالخبل والجنون لشتمك إيّاها وذكرك لها بسوء فذهب بذلك عقلك فلا يعبأ بما تفوّهت به في صورة الدعوة.

قوله تعالى: ( قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ) أجاب هودعليه‌السلام عن قولهم باظهار البراءة من شركائهم من دون الله ثمّ التحدّي عليهم بأن يكيدوا به جميعاً ولا ينظروه.

فقوله:( إنّى برئ ممّا تشركون من دونه) إنشاء وليس بإخبار كما هو المناسب لمقام التبرّى، ولا ينافى ذلك كونه بريئا من أوّل أمره فإنّ التبرّز بالبراءة لا ينافى تحقّقها من قبل، وقوله:( فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ) أمر ونهى تعجيزيّان.

وإنّما أجابعليه‌السلام بما أجاب ليشاهد القوم من آلهتهم أنّها لا تمسّهعليه‌السلام بسوء مع تبرّزه بالبراءة، ولو كانت آلهة ذات علم وقدرة لقهرته وانتقمت منه لنفسها كما ادّعوا أنّ بعض آلهتهم اعتراه بسوء وهذه حجّه بيّنة على أنّها ليست بآلهة وعلى أنّها لم تعتره بسوء كما ادّعوه، ثمّ يشاهدوا من أنفسهم أنّهم لا يقدرون عليه بقتل أو تنكيل مع كونهم ذوى شدّة وقوّة لا يعادلهم غيرهم في الشدّة والبطش، ولو لا أنّه نبىّ من عند الله صادق في ما يقوله مصون من عند ربّه لقدروا عليه بكلّ ما أرادوه من عذاب أو دفع.

ومن هنا يظهر وجه إشهادهعليه‌السلام في تبرّيه ربّه سبحانه وقومه أمّا إشهاده الله فليكون تبرّيه على حقيقته وعن ظهر القلب من غير تزويق ونفاق، وأمّا إشهاده إيّاهم فليعلموا به ثمّ يشاهدوا ما يجرى عليه الأمر من سكوت آلهتهم وعجز أنفسهم من الانتقام منه ومن تنكيله.

٣١٢

وظهر أيضاً صحّة ما احتمله بعضهم أنّ هذا التعجيز هو معجزة هودعليه‌السلام ذلك أنّ ظاهر الجواب أن يقطع به ما ذكر من الردّ في صورة الحجّة، وفيها قولهم:( مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ) ومن المستبعد جدّاً أن يهمل النبيّ هودعليه‌السلام في دعوته وحجّته التعرّض للجواب عنه مع كون هذا التحدّي والتعجيز صالحاً في نفسه لأن يتّخذ آية معجزة كما أنّ التبرّى من الشركاء من دون الله صالح لأن يكشف عن عدم كونهم آلهة من دون الله وعن أنّ بعض آلهتهم لم يعتره بسوء.

فالحقّ أنّ قوله:( إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا ) إلى آخر الآيتين مشتمل على حجّة عقليّة على بطلان اُلوهيّة الشركاء، وعلى آية معجزة لصحّة رسالة هودعليه‌السلام .

وفي قوله( جَمِيعًا ) إشارة إلى أنّ مراده تعجيزهم وتعجيز آلهتهم جميعاً فيكون أتمّ دلالة على كونه على الحقّ وكونهم على الباطل.

قوله تعالى: ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ) إلى آخر الآية. لمّا كان الأمر الّذى في صورة التعجيز صالحا لأن يكون بداعي إظهار عجز الخصم وعدم قدرته، وصالحاً لأن يصدر بداعي أنّ الآمر لا يخاف الخصم وإن كان الخصم قادراً على الإتيان بما يؤمر به لكنّه غير قادر على تخويفه وإكراهه على الطاعة وحمله على ما يريد منه كقول السحرة لفرعون:( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) طه: ٧٢.

وكان قوله:( فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ) محتملا لأن يكون المراد به إظهار أنّه لا يخافهم وإن فعلوا به ما فعلوا، عقّبه لدفع هذا الاحتمال بقوله:( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ) فذكر أنّه متوكّل في أمره على الله الّذى هو يدبّر أمره وأمرهم ثمّ عقّبه بقوله:( مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) فذكر أنّه ناجح في توكّله هذا فإنّ الله محيط بهم جميعاً قاهر لهم يحكم على سنّة واحدة هي نصرة الحقّ وإظهاره على الباطل إذا تقابلا وتغالبا.

فتبرّيه من أصنامهم وتعجيزهم على ما هم عليه من الحال بقوله:( فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ) ثمّ لبثه بينهم في عافية وسلامة لا يمسّونه بسوء ولا يستطيعون

٣١٣

أن ينالوه بشرّ آية معجزة وحجّة سماويّة على أنّه رسول الله إليهم.

وقوله:( مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الدابّة كلّ ما يدبّ في الأرض من أصناف الحيوان، والأخذ بالناصية كناية عن كمال السلطة ونهاية القدرة، وكونه تعالى على صراط مستقيم هو كون سنّته في الخليقة واحدة ثابتة غير متغيّرة وهو تدبير الاُمور على منهاج العدل والحكمة فهو يحقّ الحقّ ويبطل الباطل إذا تعارضا.

فالمعنى إنّى توكّلت على الله ربّى وربّكم في نجاح حجّتى الّتى ألقيتها إليكم وهو التبرّز بالبراءة من آلهتكم وأنّكم وآلهتكم لا تضرّوننى شيئاً فإنّه المالك ذو السلطنة علىّ وعليكم وعلى كلّ دابّة، وسنّته العادلة ثابتة غير متغيّرة فسوف ينصر دينه ويحفظني من شرّكم.

ولم يقل:( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ) على وزان قوله:( عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ) فإنّه في مقام الدعاء لنفسه على قومه يتوقّع أن يحفظه الله من شرّهم، وهو يأخذه تعالى ربّا بخلاف القوم فكان الأنسب أن يعدّه ربّا لنفسه ويستمسك برابطة العبوديّة الّتى بينه وبين ربّه حتّى ينجح طلبته، وهذا بخلاف مقام قوله:( تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ) فإنّه يريد هناك بيان عموم السلطة والاحاطة.

قوله تعالى: ( فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ) وهذه الجملة من كلامهعليه‌السلام ناظر إلى قولهم في آخر جدالهم:( إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) الدالّ على أنّهم قاطعون على أن لا يؤمنوا به ودائمون على الجحد، والمعنى إن تتولّوا وتعرضوا عن الإيمان بى والإطاعة لأمرى فقد أبلغتكم رسالة ربّى وتمّت عليكم الحجّة ولزمتكم البليّة.

قوله تعالى: ( وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) هذا وعيد وإخبار بالتبعة الّتى يستتبعها إجرامهم، فإنّه كان وعدهم إن يستغفروا الله ويتوبوا إليه أن يرسل السماء عليهم مدراراً ويزيد قوّة إلى قوّتهم، ونهاهم أن يتولّوا مجرمين ففيه العذاب الشديد.

٣١٤

وقوله:( وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) أي يجعل قوما غيركم خلفاء في الأرض مكانكم فإنّ الإنسان خليفة منه في الأرض كما قال تعالى:( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) البقرة: ٣٠، وقد كانعليه‌السلام بيّن لهم أنّهم خلفاء في الأرض من بعد قوم نوح كما قال تعالى حكاية عن قوله لقومه:( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ) الآية، الأعراف: ٦٩.

وظاهر السياق أنّ الجملة الخبريّة معطوفة على اُخرى مقدّرة، والتقدير: وسيذهب بكم ربّى ويستخلف قوما غيركم على حدّ قوله:( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ ) الأنعام: ١٣٣.

وقوله:( وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ) ظاهر السياق أنّه تتمّة لما قبله أي لا تقدرون على إضراره بشئ من الفوت وغيره إن أراد أن يهلككم ولا أنّ تعذيبكم وإهلاككم يفوّت منه شيئاً ممّا يريده فإنّ ربّى على كلّ شئ حفيظ لا يعزب عن علمه عازب ولا يفوت من قدرته فائت، وللمفسّرين في الآية وجوه اُخر بعيدة عن الصواب أعرضنا عنها.

قوله تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) المراد بمجئ الأمر نزول العذاب وبوجه أدقّ صدور الأمر الإلهىّ الّذى يستتبع القضاء الفاصل بين الرسول وبين قومه كما قال تعالى:( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) المؤمن: ٧٨.

وقوله:( بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ) الظاهر أنّ المراد بها الرحمة الخاصّة بالمؤمنين المستوجبة نصرهم في دينهم وإنجاءهم من شمول الغضب الإلهىّ وعذاب الاستئصال، قال تعالى:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) المؤمن: ٥١.

وقوله:( وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) ظاهر السياق أنّه العذاب الّذى شمل الكفّار من القوم فيكون من قبيل عطف التفسير بالنسبة إلى ما قبله، وقيل: المراد به عذاب الآخرة وليس بشئ.

٣١٥

قوله تعالى: ( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) الآية وما بعدها تلخيص بعد تلخيص لقصّة عاد فأوّل التلخيصين قوله:( وَتِلْكَ عَادٌ - إلى قوله -وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يذكر فيه أنّهم جحدوا بآيات ربّهم من الحكمة والموعظة ولاية المعجزة الّتى أبانت لهم طريق الرشد وميّزت لهم الحقّ من الباطل فجحدوا بها بعد ما جاءهم من العلم.

وعصوا رسل ربّهم وهم هود ومن قبله من الرسل فإنّ عصيان الواحد منهم عصيان للجميع فكلّهم يدعون إلى دين واحد فهم إنّما عصوا شخص هود وعصوا بعصيانه سائر رسل الله وهو ظاهر قوله في موضع آخر:( كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ) الشعراء: ١٢٤. ويشعر به أيضاً قوله:( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ) الأحقاف: ٢١، ومن الممكن أن يكون لهم رسل آخرون بعثوا إليهم فيما بين هود ونوحعليهما‌السلام لم يذكروا في الكتاب العزيز لكن سياق الآيات لا يساعد على ذلك.

واتّبعوا أمر كلّ جبار عنيد من جبابرتهم فألهاهم ذلك عن اتّباع هود وما كان يدعو إليه، والجبّار العظيم الّذى يقهر الناس بإرادته ويكرههم على ما أراد والعنيد الكثير العناد الّذى لا يقبل الحقّ، فهذا ملخّص حالهم وهو الجحد بالآيات وعصيان الرسل وطاعة الجبابرة.

ثمّ ذكر الله وبال أمرهم بقوله:( وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي وأتبعهم الله في هذه الدنيا لعنة وإبعادا من الرحمة، ومصداق هذا اللعن العذاب الّذى عقّبهم فلحق بهم، أو الآثام والسيّئات الّتى تكتب عليهم ما دامت الدنيا فإنّهم سنّوا سنّة الإشراك والكفر لمن بعدهم، قال تعالى:( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) يس: ١٢.

وقيل: المعنى لحقت بهم لعنة في هذه الدنيا فكان كلّ من علم بحالهم من بعدهم، ومن أدرك آثارهم، وكلّ من بلّغهم الرسل من بعدهم خبرهم يلعنونهم.

وأمّا اللعنة يوم القيامة فمصداقه العذاب الخالد الّذى يلحق بهم يومئذ فإنّ

٣١٦

يوم القيامة يوم جزاء لا غير.

وفي تعقيب قوله في الآية:( وَأُتْبِعُوا ) بقوله:( وَأُتْبِعُوا ) لطف ظاهر.

قوله تعالى: ( أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ) أي كفروا بربّهم فهو منصوب بنزع الخافض وهذا هو التلخيص الثاني الّذى أشرنا إليه لخصّ به التلخيص الأوّل فقوله:( أَلَا إِنَّ عَادًا ) الخ، يحاذي به وصف حالهم المذكور في قوله:( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا ) الخ، وقوله:( أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ ) الخ، يحاذي به قوله:( وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ) الخ.

ويتأيّد من هذه الجملة أنّ المراد باللعنة السابقة اللعنة الإلهيّة دون لعن الناس، والأنسب به أحد الوجهين الأوّلين من الوجوه الثلاثة السابقة وخاصّة الوجه الثاني دون الوجه الثالث.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ عن أبى عمرو السعدىّ قال: قال علىّ بن أبى طالبعليه‌السلام في قوله:( إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعنى أنّه على حقّ يجزى بالإحسان إحساناً، وبالسيّئ سيّئاً، ويعفو عمّن يشاء ويغفر، سبحانه وتعالى.

أقول: وقد تقدّم توضيحه، وقد ورد في الرواية عنهمعليهم‌السلام : أنّ عادا كانت بلادهم في البادية، وكان لهم زرع ونخيل كثيرة، ولهم أعمار طويلة وأجساد طويلة فعبدوا الأصنام، وبعث الله إليهم هوداً يدعوهم إلى الإسلام وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفّت عنهم السماء سبع سنين حتّى قحطوا. الحديث.

وروى إمساك السماء عنهم من طريق أهل السنّة عن الضحّاك أيضاً قال: اُمسك عن عاد القطر ثلاث سنين فقال لهم هود:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ) فأبوا إلّا تماديا، وقد تقدّم أنّ الآيات لا تخلو من إشارة إليه.

واعلم أنّ الروايات في قصّة هود وعاد كثيرة إلّا أنّها تشتمل على اُمور لا

٣١٧

سبيل إلى تصحيحها من طريق الكتاب ولا إلى تأييدها بالاعتبار ولذلك طوينا ذكرها.

وورد أيضاً أخبار اُخر من طرق الشيعة وأهل السنّة في وصف جنّة عاد الّتى تنسب إلى شدّاد الملك وهى المذكورة في قوله تعالى:( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ) الفجر: ٨، وسيأتى الكلام عليها إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الفجر.

( كلام في قصّة هود)

١ - عاد قوم هود:

هؤلاء قوم من العرب من بشر ما قبل التاريخ كانوا يسكنون الجزيرة انقطعت أخبارهم وانمحت آثارهم لا يحفظ التاريخ من حياتهم إلّا أقاصيص لا يطمئنّ إليها وليس في التوراة الموجودة منهم ذكر.

والّذى يذكره القرآن الكريم من قصّتهم هو أنّ عادا - وربّما يسمّيهم عادا الاُولى (النجم: ٥٠) وفيه إشارة إلى أنّ هناك عادا ثانية - كانوا قوما يسكنون الأحقاف(١) من شبه جزيرة العرب (الاحقاف: ٢١) بعد قوم نوح (الاعراف: ٦٩).

كانت لهم أجساد طويلة (القمر: ٢٠، الحاقّة: ٧) وكانوا ذوى بسطة في الخلق (الاعراف: ٦٩) اُولى قوّة وبطش شديد (حم السجدة: ١٥، الشعراء: ١٣٠) وكان لهم تقدّم ورقىّ في المدينة والحضارة، لهم بلاد عامرة وأراض خصبة ذات جنّات ونخيل وزروع ومقام كريم (الشعراء وغيره)، وناهيك في رقيّهم وعظيم مدنيّتهم قوله تعالى في وصفهم:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ) الفجر: ٨.

لم يزل القوم يتنعّمون بنعمة الله حتّى غيّروا ما بأنفسهم فتعرّقت فيهم الوثنيّة وبنوا بكلّ ريع آية يعبثون واتّخذوا مصانع لعلّهم يخلدون وأطاعوا طغاتهم المستكبرين فبعث الله إليهم أخاهم هودا يدعوهم إلى الحقّ ويرشدهم إلى أن يعبدوا

____________________

(١) الأحقاف جمع حقف وهو الرمل المعوج، والأحقاف المذكور في الكتاب العزيز واد بين عمان وأرض مهرة وقيل من عمان إلى حضر موت وهى رمال مشرقة على البحر بالشحر وقال الضحّاك: الأحقاف جبل بالشام (المراصد).

٣١٨

الله ويرفضوا الأوثان، ويعملوا بالعدل والرحمة (الشعراء: ١٣٠) فبالغ في وعظهم وبثّ النصيحة فيهم، وأنار الطريق وأوضح السبيل، وقطع عليهم العذر فقابلوه بالإباء والامتناع، وواجهوه بالجحد والإنكار ولم يؤمن به إلّا شرذمة منهم قليلون وأصرّ جمهورهم على البغى والعناد، ورموه بالسفه والجنون، وألحّوا عليه بأن ينزّل عليهم العذاب الّذى كان ينذرهم ويتوعّدهم به قال: إنّما العلم عند الله و اُبلّغكم ما اُرسلت به ولكنّي أراكم قوما تجهلون (الأحقاف: ٢٣).

فأنزل الله عليهم العذاب وأرسل إليهم الريح العقيم ما تذر من شئ أتت عليه إلّا جعلته كالرميم (الذاريات: ٤٢) ريحا صرصرا في أيّام نحسات سبع ليال وثمانية أيّام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية (الحاقة: ٧) وكانت تنزع الناس كأنّهم أعجاز نخل منقعر (القمر: ٢٠).

وكانوا بادئ ما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم استبشروا وقالوا: عارض ممطرنا وقد أخطأوا بل كان هو الّذى استعجلوا به ريح فيها عذاب أليم تدمّر كلّ شئ بأمر ربّها فأصبحوا لا يرى إلّا مساكنهم (الأحقاف: ٢٥) فأهلكهم الله عن آخرهم وأنجى هودا والّذين آمنوا معه برحمة منه (هود: ٥٨).

٢ - شخصيّة هود المعنويّة:

وأمّا هودعليه‌السلام فهو من قوم عاد وثاني الأنبياء الّذين انتهضوا للدفاع عن الحقّ ودحض الوثنيّة ممّن ذكر الله قصّته وما قاساه من المحنة والأذى في جنب الله سبحانه، وأثنى عليه بما أثنى على رسله الكرام وأشركه بهم في جميل الذكرعليه سلام الله.

٣١٩

( سورة هود آية ٦١ - ٦٨)

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ( ٦١) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ( ٦٢) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ( ٦٣) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ( ٦٤) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ( ٦٥) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ( ٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ( ٦٧) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ( ٦٨)

( بيان)

تذكر الآيات الكريمة قصّة صالح النبيّعليه‌السلام وقومه وهم ثمود، وهوعليه‌السلام ثالث الأنبياء القائمين بدعوة التوحيد الناهضين على الوثنيّة. دعا ثمود إلى التوحيد وتحمّل الأذى والمحنة في جنب الله حتّى قضى بينه وبين قومه بهلاكهم ونجاته ونجاة من معه من المؤمنين.

قوله تعالى: ( وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507