الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95360 / تحميل: 4873
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

الدروس الشرعية في فقه الامامية ـ الجزء الثالث

تأليف

الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي

(الشهيد الاول)

١

٢

كتاب الاطعمة والاشربة والنظر في أمور ثمانية

٣

٤

أحدها: حيوان البر، ويحل من الانسي الانعام الثلاثة، ومن الوحشي البقر والحمير والظباء والكباش الجبلية واليحامير.

ويكره الخيل والبغال والحمير الاهلية، وآكدها البغل، ثم الحمار، وقال القاضي(١) : تتأكد كراهة الحمار على البغل، ومال إليه ابن إدريس(٢) ، وقال الحلبي(٣) : بتحريم البغل، وفي صحيحة ابن مسكان(٤) النهي عن الثلاثة، إلا لضرورة، وتحمل على الكراهية توفيقا بينها وبين أخبار الحل(٥) ، وقال ابن إدريس(٦) والفاضل(٧) بكراهة الحمار الوحشي، والحلبي(٨) بكراهة الابل والجواميس.

____________________

(١) المهذب: ج ٢ ص ٤٢٩ لكن ذكرهما بعنوان الكراهة ولا يفضل احدهما في الكراهة.

(٢) السرائر: ج ٣ ص ٩٨.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٢٧٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٢٥.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب الاطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٢٥.

(٦) السرائر: ج ٣ ص ١٠١.

(٧) التحرير: ص ١٥٩.

(٨) الكافي في الفقه: ص ٢٧٩.

٥

والذي في مكاتبة أبى الحسن عليه السلام(١) في لحم حمير الوحش تركه أفضل، وروى(٢) في لحم الجاموس لا بأس به.

ويحرم الكلب والخنزير والسباع كلها، وهو كل ذي ظفر أو ناب يفرس(٣) وإن كان ضعيفا، كالاسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والارنب والضبع والسنور وحشيا أو إنسيا، وابن عرس، والحشرات كالحية والفأرة والجرذ والعقرب والخنفساء والصراصر وبنات وردان والقنفذ والضب واليربوع والوبر والفنك والسمور والسنجاب والعظاء واللحكة والذباب(٤) والقمل والبراغيث والنمل(٥) .

وقد يعرض للمحلل التحريم بوطئ الانسان، فيحرم لحمه ولم نسله، فإن اشتبه قسم واقرع حتى يبقى واحدة.وبالجلل باغتذاء عذرة الانسان محضا، فيحل بالاستبراء بأن يربط ويطعم علفا طاهرا، فالناقة أربعون يوما.

وألحق في المبسوط(٦) البقرة بها، وقال الصدوق(٧) : للبقرة ثلاثون يوما، والمشهور عشرون يوما.

وللشاة عشرة، وقال الصدوق(٨) : عشرون، وابن الجنيد(٩) أربعة عشر، وفي المبسوط(١٠) سبعة، وللبطة خمسة أيام، وقال

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٩ من أبواب الاطعمة المباحة ح ١ ج ١٦ ص ٣٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٠ من أبواب الاطعمة المباحة ح ٢ ج ١٦ ص ٣٥.

(٣) في (م): يفرس به.

(٤) في (م) و (ق): والذبان.

(٥) في (م) و (ز): والنحل والنمل.

(٦) المبسوط: ج ٦ ص ٢٨٢.

(٧) الفقيه: ج ٣ ص ٣٣٨.

(٨) لم يذكر حكمها في المقنع والهداية وذكر في الفقيه عشرة ايام، انظر في الفقيه ج ٣ ص ٣٣٩.

(٩) المختلف: ج ٢ ص ٦٧٦.

(١٠) المبسوط: ج ٦ ص ٢٨٢.

٦

الصدوق(١) ثلاثة، وروى(٢) ستة وللدجاجة ثلاثة، وقال الحلبي(٣) : خمسة.

وألحق الشيخ(٤) شبه الدجاجة بها وما عداها لا مقدر فيه، فيستبرأ بما يزيل عنه الجلل، وقال ابن الجنيد(٥) : يكره الجلال، وجعل حكم ما يأكل المحرم حكمه.

ولو شرب المحلل خمرا ثم ذبح غسل لحمه، وحرم ما في باطنه، وقال ابن إدريس(٦) : يكره.

وموثقة زيد الشحام(٧) مصرحة بأنها إذا شربت خمرا حتى سكرت وذبحت على تلك الحال لا يؤكل ما في بطنها.ولو شربت بولا نجسا غسل ما في بطنها.

ولو شرب المحلل لبن خنزيرة واشتد حرم لحمه ولحم نسله وإن لم يشتد كره. ويستحب استبراؤه بسبعة أيام، أما بعلف إن كان يأكله، وأما بشرب لبن طاهر. ولو شرب لبن إمرأة واشتد كره لحمه.

وثانيها: حيوان البحر، ويحل منه السمك الذي له فلس وإن زال عنه كالكنعت، ويحرم ما لا فلس له كالجري بكسر الجيم والمار ماهي والزهو والزمار على الاظهر، وفي صحيح زرارة(٨) عن الباقر عليه السلام كراهة الجري،

____________________

(١) الفقيه: ج ٣ ص ٣٣٩.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٨ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ٧ ج ١٦ ص ٣٥٧.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٢٧٧.

(٤) النهاية: ص ٥٧٨.

(٥) المختلف: ج ٢ ص ٦٧٦.

(٦) السرائر: ج ٣ ص ٩٧.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٢٤ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٥٢.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١٩ ج ١٦ ص ٤٠٤.

٧

وفي النهاية(١) تكره الثلاثة الاخيرة كراهية مغلظة، لصحيح محمد بن مسلم(٢) عن الصادق عليه السلام وفيها أيضا الجري.

ويعارضها أخبار(٣) أكثر منها وأشهر وعمل الاصحاب، ويمكن حمل الاباحة على التقية.ويحرم الطافي وهو ما يطفو على الماء ميتا إذا علم أنه مات في الماء، ولو علم أنه(٤) مات خارج الماء حل.

ولو اشتبه فالاقرب التحريم، وقال في المقنع(٥) : إذا اشتبه السمك هل هو ذكي أم لا؟ طرح على الماء فإن استلقى على ظهره فحرام، وإن كان على وجهه فذكي، واختاره الفاضل(٦) .

ولا فرق في الطافي بين ما مات بسبب، كحرارة الماء والعلق أو بغير سبب.

ولو وجدت سمكة في جوف اخرى مذكاة فالمروي عن علي عليه السلام(٧) حلهما، وللاستصحاب، ومنعه ابن إدريس(٨) ولو وجدت في جوف حية فالمروي عن الصادق عليه السلام(٩) حلها إذا طرحتها وهي تضطرب، ولم تنسلخ فلوسها، وإلا فلا. وبيض السمك تابع.

ولو اشتبه أكل الخشن دون الاملس والمنماع، وأطلق كثير ذلك من غير اعتبار التبعية، وقال ابن إدريس(١٠) : يحل مطلقا ما في

____________________

(١) النهاية: ص ٥٧٦.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٣١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١٥ ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٤) في (م) و (ق): كونه مات.

(٥) المقنع (ضمن الجوامع الفقهيه): ص ٥٧٦.

(٦) التحرير: ص ١٦٠.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب الذبائح ح ١ ج ١٦ ص ٣٠٤.

(٨) السرائر: ج ٣ ص ١٠٠.

(٩) وسائل الشيعة: باب ١٥ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٤٢.

(١٠) السرائر: ج ٣ ص ١١٣.

٨

جوف السمك، للاصل. وحل الصحناء بكسر الصاد والمد، واختاره الفاضل(٥) .

وروى عمار(٢) عن الصادق عليه السلام في الجري مع السمك في سفود بالتشديد مع فتح السين يؤكل ما فوق الجري ويرمى ما سال عليه، وعليها ابنا بابويه(٣) ، وطرد الحكم في مجامعة ما يحل أكله لما يحرم، وقال الفاضل(٤) : لم يعتبر علماؤنا ذلك والجري طاهر، والرواية ضعيفة السند. ويحرم جلال السمك حتى يستبرء يوما إلى الليل، وروي عن الرضا عليه السلام(٥) يوما وليلة، وهو أولى في ماء طاهر بغذاء طاهر. والسلحفاة والضفدع والسرطان وجميع حيوان البحر ككلبه وخنزيره وشاته.

وإنما يحل السمك ذو الفلس، كالشبوط بفتح الشين والتشديد والربيثا والاربيان بكسر الهمزة وهو أبيض كالدود، والطمر بكسر الطاء والطبراني الابلامي بكسر الهمزة، والرواية(٦) بحل غير ذي الفلس محمولة على التقية.

(٢٠٢) درس

وثالثها: الطير، ويحل منه الحمام كله، كالقماري والدباسي والورشان والحجل والدراج والقبج والكروان والكركي والقطا والطيهوج والدجاج والعصافير والصعوة والزرازير، وكل ما غلب دفيفه صفيفه أو ساواه أو كان له

____________________

(١) المختلف: ج ٢ ص ٦٨١.

(٢) الكافي: باب اختلاط الحرام بغيره ح ١ ج ٦ ص ٢٦٢.

(٣) الفقيه: ج ٣ ص ٣٤٠، والمختلف: ص ٦٨٣.

(٤) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٣.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٢٨ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ٥ ج ١٦ ص ٣٥٧.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١٩ ج ١٦ ص ٣٣٤.

٩

قانصة أو حوصلة بتشديد اللام وتخفيفها أو صيصية بغير همز وإن أكل السمك مالم ينص على تحريمه. وتكره الفاختة والقنبرة والهدهد والشقراق والصوام والصرد.

وفي الخطاف روايتان(١) أشهرهما وأصحهما الكراهية، ويعضده أنه يدف، وحرمه ابن البراج(٢) وابن إدريس(٣) مدعيا الاجماع.

واختلف في الغربان فأطلق في النهاية(٤) الكراهية، وفي الخلاف(٥) يحرم الغراب كله على الظاهر في الروايات، وفي الاستبصار(٦) يحل كله، وفي المبسوط(٧) يحرم الكبير الاسود، الذي يسكن في(٨) الجبال ويأكل الجيف والابقع.

ويباح غراب الزرع والغداف، الذي هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد، وحرم ابن إدريس(٩) ما عدا الزاغ، وهو غراب الزرع الصغير.

وفي صحيح علي بن جعفر(١٠) عن أخيه عليه السلام لا يحل شئ من الغربان زاغ ولا غيره.

وعورض بخبر زرارة(١١) عن أحدهما أن أكل الغراب ليس بحرام، إنما

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٧ من أبواب الاطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٤٣.

(٢) المختلف: ج ٢ ص ٦٧٨.

(٣) السرائر: ج ٣ ص ١٠٤.

(٤) النهاية: ص ٥٧٧.

(٥) الخلاف: ج ٣ ص ٢٦٧.

(٦) الاستبصار: ج ٤ ص ٦٦.

(٧) المبسوط: ج ٦ ص ٢٨١.

(٨) هذه الكلمة غير موجودة في (م).

(٩) السرائر: ج ٣ ص ١٠٣.

(١٠) وسائل الشيعة: باب ٧ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ٣ ج ١٦ ص ٣٢٩.

(١١) وسائل الشيعة: باب ٧ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٢٨.

١٠

الحرام ما حرمه الله في كتابه، وفي خبر غياث(١) كراهة الغراب، لانه فاسق، وبه جمع الشيخ(٢) بين الخبرين فحمل الاول على أنه ليس حلالا طلقا بل حلال مكروه ويحرم كل ذي مخلاب قوي، كالصقر والعقاب والشاهين والبازي والباشق، أو ضعيف كالنسر والبغاث وهو ما عظم من الطير، وليس له مخلاب معقف، وربما جعل النسر من البغاث - وهو مثلث الباء - وقال الفراء(٣) : بغاث الطير شرارها وما لا يصيد منها والرخم والحداة. ويحرم الخفاش والطاوس، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما خلا عن القانصة والحوصلة والصيصية.

ويعتبر طير الماء بذلك أيضا، والبيض تابع، ولو اشتبه أكل ما اختلف طرفاه دون ما اتفق.

ويحرم البق والزنابير، وكل مستخبث، والمجثمة وهي الطير والبهيمة تجعل غرضا وترمى بالنشاب حتى تموت، والمصبورة وهي التي تخرح وتحبس حتى تموت.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله(٤) عن قتل الخطاف والهدهد والصرد والضفدع والنملة والنحلة، كذا رواه ابن الجنيد.

(٢٠٣) درس

ورابعها: الجامد، ويحرم منه الاعيان النجسة بالاصالة كالنجاسات، أو

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٧ من ابواب الاطعمة المحرمة ح ٢ ج ١٦ ص ٣٢٨.

(٢) التهذيب: ج ٩ ص ١٩.

(٣) كما في الصحاح: مادة (بغث) ج ١ ص ٢٤٧.

(٤) رواه في المختلف عن داود الرقي انظر في المختلف: ج ٢ ص ٦٧٩، ووسائل الشيعة: باب ١٧ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٤٣.

١١

بالعرض كالمتنجس بأحدها حتى يطهران قبل الطهارة.

والاصح نجاسة الكافر وإن كان ذميا، فينجس ما باشره من المائع أو برطوبة، وروى زكريا بن إبراهيم(١) عن الصادق عليه السلام الاكل معهم والشرب، وروى عنه إسماعيل بن جابر(٢) الكراهية تنزها.

وروى عنه العيص(٣) جواز مواكلتهم إذا كان من طعامك، ومواكلة المجوسي إذا توضأ.

وهي معارضة بأشهر(٤) منها، مع قبولها التأويل. ويحرم أكل الميتة واستعمالها، وكذا ما ابين من حي، والاستصباح بها. ويجوز الاستصباح بما عرض له النجاسة تحت السماء خاصة تعبدا لا لنجاسة دخانه، لاستحالته، وقال في المبسوط(٥) : يكره الاستصباح به مطلقا، وقال: روى أصحابنا جوازه تحت السماء دون السقف، قال: وهذا يدل على نجاسة دخانه، وأنكر ابن إدريس(٦) ذلك وادعى الاجماع على تحريمه تحت الظلال، وعلى طهارة دخانه ورماد الاعيان النجسة.

والروايات أكثرها مطلقة في جواز الاستصباح به، كصحيحة معاوية بن وهب(٧) عن الصادق عليه السلام، وفي صحيحة زرارة(٨) عن الباقر عليه السلام، فلذلك قوى الفاضل(٩) الجواز ولو تحت الظلال مالم يعلم أو يظن

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٧٢ من أبواب النجاسات ح ١ ج ٢ ص ١٠٩٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥٤ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ٤ ج ١٦ ص ٣٨٥.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥٣ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٨٣.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٥٤ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ٣ ج ١٦ ص ٣٨٥.

(٥) المبسوط: ج ٦ ص ٢٨٣.

(٦) السرائر: ج ٣ ص ١٢٢.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٤٣ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٧٤.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٤٣ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ٣ ج ١٦ ص ٣٧٤.

(٩) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٦.

١٢

بقاء شئ من أعيان الدهن، فلا يجوز تحت الظلال.

وجوز الشيخ في النهاية(١) عمل جلد الميتة دلوا يستقى به الماء لغير الوضوء والصلاة والشرب، وإن كان تجنبه أفضل، وابن البراج(٢) قال: الاحوط تركه، وابن حمزة(٣) أطلق المنع من استعمال جلود الميتة، والصدوق(٤) قال: لا بأس بأن يجعل جلد الخنزير دلوا يستقى به الماء، وحرم الفاضل(٥) ذلك كله. وإذا اختلط اللحم المذكى بالميتة ولا طريق إلى تمييزه لم يحل أكله.

وفي جواز بيعه على مستحل الميتة قولان، فالجواز قول النهاية(٦) ، لصحيحة الحلبي(٧) عن الصادق عليه السلام، والمنع ظاهر القاضي(٨) وفتوى ابن إدريس(٩) .

وقال الفاضل(١٠) : هذا ليس ببيع حقيقة، وإنما هو استنقاذ مال الكافر برضاه.

ويشكل بأن ماله محترم إذا كان ذميا إلا على الوجه الشرعي، ومن ثم حرم الربا معه.

وقال المحقق(١١) : ربما كان حسنا إذا قصد بيع الذكي حسب، وتبعه

____________________

(١) النهاية: ص ٥٨٦، ولكن عبارة النهاية هكذا: (دلو لغير وضوء الصلاة والشرب).

(٢) المهذب: ج ٢ ص ٤٣٣.

(٣) الوسيلة: ص ٣٦٢.

(٤) لم نعثر عليه في كتبه الموجوده لدينا والموجود في المقنع عكسه حيث قال في ص ٣٥ من المقنع (واياك ان تجعل جلد الخنزير دلوا به الماء)، ولكن العجيب أن لعلامة نقلها نصا - كالموجود هنا - في المختلف: ج ٢ ص ٤٨٤.

(٥) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٤.

(٦) النهاية: ص ٥٨٧.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١ ج ١٦ ص ٣٧٠.

(٨) المهذب: ج ٢ ص ٤٤٢.

(٩) السرائر: ج ٣ ص ١١٣.

(١٠) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٣.

(١١) الشرائع: ج ٣ ص ٢٦٩.

١٣

الفاضل(١) . ويشكل لجهالته(٢) ، وعدم إمكان تسليمه متميزا.

ولو وجد لحما مطروحا لا يعلم حاله فالمشهور - ويكاد أن يكون إجماعا - أنه يطرح على النار، فإن انقبض فهو ذكي، وإن انبسط فهو ميتة، وتوقف فيه الفاضلان(٣) ، والعمل بالمشهور، ويمكن اعتبار المختلط بذلك، إلا أن الاصحاب والاخبار(٤) أهملت ذلك.

ويحرم الطين كله، إلا قدر الحمصة من تربة الحسين عليه السلام بقصد الاستشفاء، والارمني للمنفعة.

وتحرم السموم القاتل قليلها وكثيرها، أما ما لا يقتل قليله، كالافيون وشحم الحنظل والسقمونيا فإنه يجوز تناوله، ولو بلغ في الكثرة إلى ظن القتل أو ثقل المزاج وإفساده حرم كالدرهم من السقمونيا.

ونهى الاطباء عن استعمال الاسود منه الذي لا ينفرك سريعا، ويجلب من بلاد الجرامقة، وعما جاوز الدانقين من الافيون قالوا: والدرهمان منه تقتل، والدرهم يبطل الهضم إذا شرب وحده، وقدروا المأخوذ من شحم الحنظل بنصف درهم، وقالوا: إذا لم يكن في شجره الحنظل غير واحدة لا تستعمل لانها سم.

ويحرم من الذبيحة خمسة عشر: القضيب والانثيان والطحال والدم والفرث والفرج ظاهره وباطنه، والمثانة والمرارة والمشيمة والنخاع والعلباوان - بكسر العين - وهما عصبان صفراوان من الرقبة إلى الذنب، والغدد ذات الاشاجع وهي اصول الاصابع، والحدق وخرزة الدماغ على خلاف في بعضها.

____________________

(١) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٣.

(٢) في باقي النسخ: بجهالته.

(٣) الشرائع: ج ٣ ص ٢٧١ والتحريم: ج ٢ ص ١٦١.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب الاطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٦٩.

١٤

وتكره العروق والكلا واذنا القلب، وإذا شوى الطحال مع اللحم فإن لم يكن مثقوبا او كان اللحم فوقه فلا بأس، وإن كان مثقوبا واللحم تحته حرم ما تحته من لحم وغيره، وقال الصدوق(١) : إذا لم يثقب يؤكل اللحم إذا كان أسفل، ويؤكل الجوذاب وهو الخبز. ويكره أكل الثوم والبصل وشبهه لمريد دخول المسجد، أو في ليلة الجمعة، وفي مرسلة زرارة(٢) يعيد آكل الثوم ما صلاه، وهو على التغليظ للكراهيه. ويحل أن يستعمل من الميتة ما لا تحله الحياة، وهو أحد عشر: العظم والظلف والسن والقرن والصوف والشعر والوبر بشرط الجز أو غسل موضع الاتصال، والريش كذلك والبيض إذا اكتسى القشر الاعلى والانفحة واللبن على الاصح، ورواية(٣) التحريم ضعيفة، والقائل بها نادر، وحملت على التقية. ويحرم استعمال شعر الخنزير والكلب وجميع ما أحل من الميتة منهما، فإن اضطر إلى شعر الخنزير جاز استعمال ما لا دسم فيه، وغسل يده عند الصلاة.

ويزول عنه الدسم بأن يلقى في فخار ويجعل في النار حتى يذهب دسمه، لرواية برد الاسكاف(٤) عن الصادق عليه السلام.

قال الفاضل(٥) : يجوز استعماله مطلقا، أي عند الضرورة والاختيار، وظاهره أنه لا يشترط إزالة الدسم، لاطلاق رواية سليمان الاسكاف(٦) .

____________________

(١) الفقيه: ج ٣ ص ٣٤، وكن يفهم هذا من مفهوم الرواية لا من منطوقه.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١٢٨ من أبواب الاطعمة المباحة ح ٨ ج ١٦ ص ١٧١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣٣ من أبواب الاطعمة المحرمة ح ١١ ج ١٦ ص ٤٤٩.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٥٨ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٦ ص ١٦٨.

(٥) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٤.

(٦) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب النجاسات ح ٣ ج ٢ ص ١٠١٧.

١٥

(٢٠٤) درس

وخامسها: المائع، والحرام منه ثمانية: كل مسكر كالخمر والنبيذ والبتع من العسل والنقيع من الزبيب والمرز من الذرة والفضيح من التمر والبسر والجعة من الشعير - بكسر الجيم -.

والمعتبر في التحريم إسكار كثيره فيحرم قليله.

الثاني: الفقاع إجماعا، لقول الصادق عليه السلام(١) والرضا عليه السلام(٢) هو خمر مجهول فلا تشربه، وفي رواية(٣) - شاذة - حل ما لم يغل منه ولم يضر آنيته بأن يعمل فيها فوق ثلاث مرات، وهي تقية أو محمولة على ما لم يسم فقاعا كماء الزبيب قبل غليانه.

ففي رواية صفوان(٤) عن الصادق عليه السلام حل الزبيب إذا ينقع غدوة وشرب بالعشي أو ينقع بالعشي ويشرب غدوة.

الثالث: العصير العنبي إذا غلى واشتد، وحده أن يصير أسفله أعلاه مالم يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا.

ولا يحرم المعتصر من الزبيب مالم يحصل فيه نشيش، فيحل طبيخ الزبيب على الاصح، لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا، وخروجه عن مسمى العنب، وحرمه بعض مشايخنا المعاصرين، وهو مذهب بعض فضلائنا المتقدمين، لمفهوم رواية علي بن جعفر(٥) عن أخيه عليه السلام حيث سأله عن الزبيب يؤخذ

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٧ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٨ ج ١٧ ص ٢٨٨.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٧ من أبواب الاشربة المحرمة ح ١١ ج ١٧ ص ٢٨٩.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣٩ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٢ ج ١٧ ص ٣٠٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٧ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٣ ج ١٧ ص ٢٦٨.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب الاشربه المحرمة ح ٢ ج ١٧ ص ٢٣٦.

١٦

ماؤه فيطبخ حتى يذهب ثلثاه، فقال: لابأس.

وأما عصير التمر فقد أحله بعض الاصحاب مالم يسكر، وفي رواية عمار(١) وسأل الصادق عليه السلام عن النضوح كيف يصنع به حتى يحل، قال: خذ ماء التمر فاغله حتى يذهب ثلثاه.

ولا يقبل قول من يستحل شرب العصير قبل ذهاب ثلثيه في ذهابهما، لروايات(٢) ، وقيل: يقبل على كراهية. وبصاق شارب الخمر وغيره من النجاسات طاهر مع عدم التغير. وكذا دمع المكتحل بالنجاسة إذا لم تكن النجاسة واردة على المحل النجس. والربوب كلها حلال وإن شم منها رائحة المسكر. ويكره الاستشفاء بمياه العيون الحارة الكبريتية، وما باشره الجنب والحائض مع التهمة، وسؤر من لا يتوقى النجاسة.

الرابع: البول مما لا يؤكل لحمه. وفي بول ما يؤكل لحمه قول بالحل، واختاره ابن الجنيد(٣) ، وهو ظاهر ابن إدريس(٤) لطهارته، والاقوى التحريم للاستخباث، إلا ما يستشفى به كأبوال(٥) الابل.

وكذا باقي النجاسات المائعة كالمني.

الخامس: فضلات الانسان كبصاقه ونخامته، وفضلات باقي الحيوان(٦) وإن كانت طاهرة لاستخباثها، وقد ورد(٧) رخصة في بصاق المرأة والابنة.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٣٢ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٢ ج ١٧ ص ٢٩٨.

(٢) وسائل الشيعة: باب من أبواب الاشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٣٣.

(٣) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٦.

(٤) السرائر: ج ٣ ص ١٢٥.

(٥) في باقي النسخ: كبول.

(٦) في باقي النسخ: الحيوانات.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٣٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ج ٧ ص ٧١.

١٧

السادس: اللبن تابع اللحم في الحرمة والحل والكراهة، فيحرم لبن الكلبة والهرة واللبوة والذيبة، ويحل لبن مأكول اللحم. ويكره لبن الاتن مائعا وجامدا.

السابع: الدم المسفوح من كل حيوان حل أكله أو حرم. ويحرم أيضا دم الضفادع والبراغيث وشبهها من غير المسفوح، إلا ما يتخلففي اللحم مما لا يقذفه المذبوح فإنه حلال.

الثامن: كل مائع لاقته نجاسة قبل تطهيره، إذا قبل التطهير كالماء. وفي قبول باقي المائعات للتطهير خلاف، فقيل: بقبولها الطهارة عند ملاقاة الكثير، وتخلل أجزائها حتى الدهن، وهو بعيد. نعم لو استحال المضاف إلى المطلق طهر. ويجوز بيع الدهن النجس بالعرض بشرط إعلام المشتري. ولو لاقت النجاسة السمن والعسل وشبههما في حال الجمود القيت النجاسة وما يكتنفها. وفي طهارة العجين النجس إذا خبز رواية(١) ، والاولى المنع. نعم لو جعل في الماء الكثير حتى تخلله لم يبعد طهارته. ويحل الخمر إذا استحال خلا بعلاج أو غيره، سواء كان ما عولج به عينا قائمة أو لا على الاقرب، وكذا يطهر إناؤه. ويكره علاجه، أما لو عولج بنجس أو كان قد نجس بنجاسة اخرى لم يطهر بالخلية.

وكذا لو القي في الخمر خل حتى استهلك بالخل.

وإن بقي من الخمر بقية فتخللت لم يطهر الخل بذلك على الاقرب، خلافا

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ١٧ ص ١٢٩.

١٨

للنهاية(١) ، تأويلا لرواية أبي بصير(٢) لابأس بجعل الخمر خلا إذا لم يجعل فيها ما يقلبها.

ولو حمل ذلك على النهي عن العلاج، كما رواه(٣) أيضا استغنى عن التأويل.

وقال ابن الجنيد(٤) : يحل إذا مضى عليه وقت ينتقل في مثله العين من التحريم إلى التحليل، فلم يعتبر البقية ولا إنقلابها، وهما بعيدان.

وسأل أبوبصير(٥) الصادق عليه السلام في الخمر يوضع فيه الشئ حتى يحمض، فقال: إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس، وعقل منه الشيخ(٦) أن أغلبية الموضوع فيها عليها، فنسبها إلى الشذوذ، ويمكن حمله على العكس فلا إشكال.

ولو وقع دم نجس في قدر وهي(٧) على النار غسل الجامد وحرم المائع عند الحليين(٨) ، وقال الشيخان(٩) : يحل المائع إذا علم زوال عينه بالنار.

وشرط الشيخ(١٠) قلة الدم، وبذلك روايتان(١١) لم تثبت صحة سندهما مع مخالفتهما للاصل.

____________________

(١) النهاية: ص ٥٩٢ ٥٩٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٤ ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٧ ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٤) المختلف: ج ٢ ص ٦٨٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب الاشربة المحرمة ح ٢ ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٦) تهذيب الاحكام، ج ٩ ص ١١٩.

(٧) في باقي النسخ، وهي تغلي.

(٨) السرائر: ج ٣ ص ١٢٠ والمختلف: ج ٢ ص ٦٨٥.

(٩) النهاية: ص ٥٨٨، والمقنعة: ص ٥٨٢.

(١٠) النهاية: ص ٥٨٨.

(١١) وسائل الشيعة: باب ٤٤ من أبواب الاطعمه المحرمة ح ١ و ٢ ج ١٦ ص ٣٧٦.

١٩

ولو وقع في القدر نجاسة غير الدم كالخمر لم يطهر بالغليان إجماعا، ويحرم المرق.

وهل يحل الجامد كاللحم والتوابل مع الغسل؟ المشهور ذلك، سواء كان الخمر قليلا أو كثيرا، وقال القاضي(١) : لا يؤكل منه شئ مع كثرة الخمر، واحتاط بمساواة القليل له، ولعله نظر إلى مسألتي الطحال والسمك، وليس بذلك البعيد.

(٢٠٥) درس

لا يجوز الاكل من مال الغير بغير إذنه.

ويجوز الاكل من بيوت من تضمنته آية النور(٢) بغير إذنه مالم يعلم الكراهية، سواء خشي عليه الفساد أم لا، ونقل ابن إدريس(٣) تخصيص ذلك بما خشي فساده، وهو تحكم. نعم لا يجوز أن يحمل منه شئ ولا إفساده. وهل يشترط دخوله بإذنه؟ اشترطه ابن إدريس(٤) . واختلف في الاكل من الثمرة الممرور بها، فجوزه الاكثر، ونقل في الخلاف(٥) فيه الاجماع. ولا يجوز له الحمل ولا الافساد ولا القصد، وتوقف بعض الاصحاب في اطراد الحكم في الزرع، لمرسلة مروك(٦) بالنهي عنه، وسد بعضهم باب الاخذ،

____________________

(١) المهذب: ج ٢ ص ٤٣١.

(٢) النور: ٦١.

(٣) السرائر: ج ٣ ص ١٢٤.

(٤) السرائر: ج ٣ ص ١٢٤.

(٥) الخلاف: ج ٣ ص ٢٧١.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب بيع الثمار ح ٦ ج ١٣ ص ١٥.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

قال المصنّف ـ عطّر الله ضريحه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء ها هنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة [ في ] كون الشيء مرئيا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود ، سواء كان في حيّز أم لا ، وسواء كان مقابلا أم لا!

فجوّزوا إدراك الكيفيات النفسانية ـ كالعلم ، [ وإلإرادة ، ] والقدرة ، والشهوة ، واللذّة ـ ، وغير النفسانية ممّا لا يناله البصر ـ كالروائح ، والطعوم ، والأصوات ، والحرارة ، والبرودة ، وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ(٢) .

ولا شكّ أنّ هذا مكابرة للضروريّات ، فإنّ كلّ عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك بالذوق لا بالبصر ، والروائح إنّما تدرك بالشمّ لا بالبصر(٣) ، والحرارة ـ وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ إنّما تدرك باللمس لا بالبصر ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦١ ـ ٦٣ ، تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٣.

(٣) كان في الأصل : « بالإبصار » ، وما أثبتناه من المصدر ليناسب وحدة السياق.

٨١

والصوت إنّما يدرك بالسمع لا بالبصر

[ ولهذا فإنّ فاقد البصر يدرك هذه الأعراض ؛ ولو كانت مدركة بالبصر لاختلّ الإدراك باختلاله ].

وبالجملة : فالعلم بهذا الحكم لا يقبل التشكيك ، وإنّ من شكّ فيه فهو سوفسطائي.

ومن أعجب الأشياء : تجويزهم عدم رؤية الجبل الشاهق في الهواء ، مع عدم الساتر! وثبوت رؤية هذه الأعراض التي لا تشاهد ولا تدرك بالبصر!

وهل هذا إلّا عدم تعقّل من قائله؟!(١) .

__________________

(١) اختلفت النسخ في إيراد هذه الجملة ؛ ففي المخطوط وطبعة طهران : « وهل هذا الأمر يغفل قائله؟! » وفي طبعة القاهرة وإحقاق الحقّ : « وهل هذا إلّا من تغفّل قائله؟! » ؛ ولا شكّ أنّ التصحيف قد طرأ عليها على أثر سقوط كلمة « عدم » ؛ وما أثبتناه من المصدر هو المناسب للسياق.

٨٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري استدلّ بالوجود على إثبات جواز رؤية الله تعالى(٢) .

وتقرير الدليل ـ كما ذكر في « المواقف » وشرحه ـ : أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرها ، من الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ؛ وهذا ظاهر.

ونرى الجوهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ، لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة.

فالطول مثلا ، إن قام بجزء واحد ، فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر ، فيقبل القسمة ؛ هذا خلف.

وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض [ الواحد ] بمحلّين ؛ وهو محال.

فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١١٨ ـ ١٢٢.

(٢) انظر : الإبانة عن أصول الديانة : ٦٦ الدليل ٨١ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٧ ؛ وقال به الباقلّاني أيضا في تمهيد الأوائل : ٣٠١ ، وفخر الدين الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٨ والمسائل الخمسون : ٥٦ الوجه الأوّل ، والتفتازاني في شرح العقائد النسفية : ١٢٦.

٨٣

فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود ، وانتفائها عند العدم ، ولو لا تحقّق أمر يصحّح حال الوجود غير [ متحقّق ] حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجّح.

وهذه العلّة لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ، وإلّا لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة ، وهو غير جائز.

ثمّ نقول : هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ، لكنّ الحدوث عدمي لا يصلح للعلّة ، فإذا العلّة المشتركة : الوجود ، فإنّه مشترك بينها وبين الواجب ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في حقّ الله تعالى ، فتتحقّق صحّة الرؤية ؛ وهو المطلوب.

ثمّ إنّ هذا الدليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود : كالأصوات ، والروائح ، والملموسات ، والطعوم ـ كما ذكره هذا الرجل ـ ، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول : لا يلزم من صحّة الرؤية لشيء تحقّق الرؤية له.

وإنّا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من الله تعالى بذلك ـ أي بعدم رؤيتها ـ فإنّ الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فينا ، ولا يمتنع أن يخلق الله فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها.

والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون : هذه مكابرة محضة ، وخروج عن حيّز العقل بالكلّيّة.

ونحن نقول : ليس هذا الإنكار إلّا استبعادا ناشئا عمّا هو معتاد في الرؤية ؛ والحقائق ، والأحكام الثابتة المطابقة للواقع ، لا تؤخذ من العادات ،

٨٤

بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات(١) .

ثمّ من الواجب في هذا المقام أن تذكر حقيقة الرؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السليمة ، فنقول :

إذا نظرنا إلى الشمس فرأيناها ، ثمّ غمضنا العين ، فعند التغميض نعلم الشمس علما جليّا.

وهذه الحالة مغايرة للحالة الأولى التي هي الرؤية بالضرورة ، وهذه الحالة المغايرة الزائدة ليست هي تأثّر الحاسّة فقط ـ كما حقّق في محلّه ـ ، بل هي حالة أخرى يخلقها الله تعالى في العبد ، شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات.

وكما إنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء ، ومحلّها القلب ؛ كذلك البصر يدرك الأشياء ، ومحلّها الحدقة في الإنسان.

ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ ، وإن كان يستحيل أن ( يدرك الإنسان بلا مقابلة )(٢) وباقي الشروط عادة.

فالتجويز عقلي ، والاستحالة عاديّة ؛ كما ذكرنا مرارا.

فأين الاستبعاد إذا تأمّله المنصف؟!

ومآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمناه.

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ملخّصا.

(٢) في المصدر : تدرك الأشياء إلّا بالمقابلة.

٨٥

وأقول :

لا يخفى أنّ دليل الأشعري قد تكرّر ذكره في كتبهم ، واستفرغ القوم وسعهم في تصحيحه ، فلم ينفعهم ، حتّى أقرّ محقّقوهم بعدم تمامه.

فهذا شارح « المواقف » بعد ترويجه بما أمكن ، والإيراد عليه ببعض الأمور ، قال : « وفي هذا الترويج تكلّفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمّل ، فإذا الأولى ما قد قيل من أنّ التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذّر »(١) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد »(٢) بعد ما أطال الكلام في إصلاحه : « والإنصاف أنّ ضعف هذا الدليل جليّ »(٣) .

وأقرّ القوشجي في « شرح التجريد » بورود بعض الأمور عليه ممّا

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٢٩.

(٢) كان في الأصل : « شرح المطالع » وهو سهو ، بل هو « شرح المقاصد » ، فلم يعهد للتفتازاني كتاب بذاك الاسم ؛ انظر : هديّة العارفين ٦ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٤٩ رقم ١٦٨٥٦.

و« مطالع الأنوار » في المنطق ، للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ـ المتوفّى سنة ٦٨٢ ه‍ ـ ، ولكتابه شرح اسمه « لوامع الأسرار » لقطب الدين محمّد ابن محمّد الرازي ـ المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ ـ أحد تلامذة العلّامة الحلّي ، وعلى شرحه هذا حواش عديدة ، منها : حاشية لسيف الدين أحمد بن محمّد ـ حفيد سعد الدين التفتازاني ، المتوفّى سنة ٨٤٢ ه‍ ـ ؛ ومن هنا حصل اللبس في نسبة الكتاب ؛ فلاحظ!

انظر : كشف الظنون ٢ / ١٧١٥ ـ ١٧١٧ ، أمل الآمل ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ رقم ٩٠٨ ، رياض العلماء ٥ / ١٧٠ ، لؤلؤة البحرين : ١٩٤ ـ ١٩٨ رقم ٧٤.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ١٩١.

٨٦

لا يمكن دفعها(١) .

وكذلك الرازي في كتاب « الأربعين » على ما نقله عنه السيّد السعيد ;(٢) .

فحينئذ يكون ذكر الفضل له ـ بدون إشارة إلى ذلك ـ تلبيسا موهما لاعتباره عند أصحابه ، بل يكون نقصا فيهم ، إذ يعتمدون على ما لا يصلح أن يسطر ، فضلا أن يعتبر!

ولنشر إلى بعض ما يرد عليه ، فنقول : يرد عليه :

أوّلا : إنّ دعوى رؤية الجواهر الفردة ، التي هي الأجزاء التي لا تتجزّأ ، مبنيّة على ثبوتها وعلى تركّب الجسم منها ، لا من الهيولى والصورة ، وهو باطل ؛ لأنّ الجزء الواقع في وسط التركيب إمّا أن يحجب الأطراف عن التماس أو لا.

فعلى الأوّل : لا بدّ أن يلاقي كلّا منها بعضه ، فتلزم التجزئة.

وعلى الثاني : يلزم التداخل ، وهو محال ؛ وعدم زيادة الحجم ، وهو خلاف المطلوب.

وبعبارة أخرى : إنّ الوسط إمّا أن يلاقي الأطراف بكلّه

أو ببعضه

أو لا يلاقي شيئا منها

أو يلاقي بعضا دون بعض.

__________________

(١) انظر : شرح التجريد : ٤٣٣ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) كتاب الأربعين ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٧ ، وانظر : إحقاق الحقّ ١ / ١٢٢.

٨٧

فالأوّل يقتضي التداخل وعدم زيادة الحجم.

والثاني يقتضي التجزئة.

والأخيران ينافيان التأليف من الوسط والأطراف.

وإن شئت قلت : لو وضع جزء على جزء ، فإن لاقاه بكلّه لزم التداخل وعدم زيادة الحجم ، وإن لاقاه ببعضه لزمت التجزئة.

وقد ذكر شيخنا المدقّق نصير الدين ١ وغيره من العلماء وجوها كثيرة لإبطال الجوهر الفرد ، فلتراجع(١) .

ويرد عليه ثانيا : إنّه لو سلّم ثبوت الجواهر الفردة والتركيب منها ، فإثبات رؤيتها ـ كما صرّح به الدليل ـ موقوف على بطلان كون الطول والعرض عرضين قائمين بأكثر من جزء واحد ؛ لاستلزامه قيام العرض الواحد بمحلّين.

وأنت تعلم أنّه إن أريد لزوم قيام العرض بتمامه ، في كلّ واحد من المحلّين ، فهو ممنوع.

وإن أريد لزوم قيامه بمجموع المحلّين ، فمسلّم ولا بأس به.

وثالثا : إنّه لو سلّم رؤية الجواهر كالأعراض ، فتخصيص العلّة بحال الوجود محلّ نظر ، بناء على مذهبهم من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، فتصحّ رؤية المعدوم كالموجود!

ودعوى ضرورة امتناع رؤية المعدوم عقلا ، فلا تصلح لأن تتعلّق بها

__________________

(١) انظر : تجريد الاعتقاد : ١٤٥ ، أوائل المقالات : ٩٦ ـ ٩٧ رقم ٨٧ ، النكت الاعتقادية : ٢٨ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٤٦ وما بعدها ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٤ و ٤٣ ـ ٤٨ ، كشف المراد : ١٤٥ ـ ١٤٦ المسألة ٦.

٨٨

إرادة الله تعالى وقدرته ، صحيحة ؛ لكن عندنا دونهم.

إذ ليس امتناع رؤية المعدوم بأظهر من امتناع رؤية العلم ، والإرادة ، والروائح ، والطعوم ، ونحوها من الكيفيات الموجودة ، وقد أنكروا امتناع رؤيتها.

ورابعا : إنّه لو سلّم أنّ العلّة هي الوجود ، فلا نسلّم أنّه بإطلاقه هو العلّة ، بل يمكن أن تكون العلّة هي الوجود المقيّد بالحدوث الذاتي ، أو الزماني ، أو بالإمكان ، أو بما يثبت معه شروط الرؤية ، وإن قلنا : إنّ بعض هذه الأمور عدميّ ؛ لأنّها قيود ، والقيد خارج.

ويمكن ـ أيضا ـ أن تكون علّة رؤية العرض هي وجوده الخاصّ به لا المطلق ، وكذا بالنسبة إلى رؤية الجوهر.

فلا يلزم صحّة رؤية الباري سبحانه.

ودعوى أنّا قد نرى البعيد وندرك له هويّة من غير أن ندرك أنّه جوهر أو عرض ، فيلزم أن يكون المرئي هو المشترك بينهما لا نفسهما ، وأن تكون العلّة مشتركة أيضا بينهما ، باطلة ؛ لمنع ما ذكره من لزوم كون المرئي هو المشترك.

وذلك لاحتمال تعلّق الرؤية بنفس المرئي بخصوصه ، إلّا أنّ إدراكه في البعد إجماليّ.

ولو سلّم تعلّقها بالمشترك ، فهو لا يستلزم أن تكون العلّة المشتركة هي الوجود المطلق ، بل يحتمل أن تكون هي المقيّد بالإمكان والحدوث أو نحوهما ، كما عرفت.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه وعن سائر ما يورد على هذا الدليل ،

٨٩

فلا ريب ببطلانه ، لمخالفته للضرورة القاضية بامتناع رؤية بعض الموجودات ، كالكيفيات النفسانية والروائح والطعوم ، فليس هو إلّا تشكيكا في البديهيّ!

وأمّا ما ذكره من حقيقة الرؤية ، ففيه :

إنّ تلك الحالة الحاصلة عند التغميض إنّما هي صورة المرئي ، ومحلّها الحسّ المشترك أو الخيال ، لا الباصرة ، وهي موقوفة على سبق الرؤية.

فحينئذ إن كانت رؤية الله سبحانه ممتنعة ، فقد امتنعت هذه الحالة ، وإلّا فلا حاجة إلى تكلّف إثبات هذه الحالة وجعلها هي محلّ النزاع.

ولو سلّم أنّها غير موقوفة عليها ، بناء على إنّه أراد ما يشبه تلك الحالة الحاصلة عند التغميض لا نفسها ، فنحن لا نحكم عليها بالامتناع عادة بدون الشرائط كما حكم هو عليها ؛ لأنّها ـ كما زعم ـ شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات ، فكيف تمتنع بدون الشرائط؟!

مع إنّها ليست محلّ النزاع ألبتّة ، بل محلّه الرؤية المعروفة ، كما يرشد إليه دليل الأشعري السابق ، فإنّ من تأمّله عرف أنّه أراد الرؤية المعروفة.

ولذا احتاج إلى جعل العلّة للرؤية هي الوجود ، ليتسنّى له دعوى إمكان رؤية الله تعالى ، وإلّا فلو أراد رؤية أخرى غيرها ، لم يكن لإثبات كون الوجود علّة للرؤية المعروفة دخل في تجويز رؤية أخرى عليه سبحانه.

٩٠

لكنّ القوم لمّا رأوا بطلان دليل الأشعري بالبداهة ، وفساد مذهبه بالضرورة ، التجأوا ـ في خصوص المقام ـ إلى ذكر معنى للرؤية لا يعرفون حقيقته! وإلى جعله محلّا للنزاع من دون أن يخطر ـ في الصدر الأوّل ـ ببال المتنازعين ، فشوّشوا كلماتهم ، وشوّهوا وجه الحقيقة!

* * *

٩١
٩٢

هل يحصل الإدراك لمعنى في المدرك؟

قال المصنّف ـ طيّب الله مثواه ـ(١) :

المبحث السادس

في أنّ الإدراك ليس لمعنى

والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك ، وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا ، لزمهم بواسطته إنكار الضروريّات.

فإنّ العقلاء بأسرهم قالوا : إنّ صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منّا حيّا لا آفة فيه.

والأشاعرة قالوا : إنّ الإدراك إنّما يحصل لمعنى حصل في المدرك ، فإن حصل ذلك المعنى في المدرك ، حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط ؛ وإن لم يحصل ، لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط!(٢) .

وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٣) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) انظر مؤدّاه في : تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٧.

(٣) في المصدر : بالمرئي.

٩٣

عدمه كما يحصل حال وجوده ، فإنّ الواحد منّا يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلّق.

وحينئذ يلزم تعلّق الإدراك بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد ، وبأنّ الشيء قد كان موجودا ، وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ ، من الذوق والشمّ واللمس والسمع ؛ لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم!

وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح.

وأيضا : يلزم أن يكون الواحد منّا رائيا مع الساتر العظيم البقّة ، ولا يرى الفيل العظيم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر ، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأوّل وانتفى في الثاني! وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ؛ لأنّه موجود!

وعندهم أنّ كلّ موجود يصحّ رؤيته ، ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى(١) إنّما تكون بمعنى آخر.

وأيّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والبرودة والحرارة والصوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت باليد ، وذوقها باللسان ، وشمّها بالأنف ، وسماعها بالأذن؟!

وهل هذا إلّا مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات؟! ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!

__________________

(١) في المصدر : الشيء.

٩٤

وقال الفضل(١) :

الظاهر أنّه استعمل الإدراك وأراد به الرؤية ، وحاصل كلامه أنّ الأشاعرة يقولون : إنّ الرؤية معنى يحصل في المدرك ، ولا يتوقّف حصوله على شرط من الشرائط.

وهذا ما قدّمنا ذكره غير مرّة ، وبيّنّا ما هو مرادهم من هذا الكلام.

ثم إنّ قوله : « وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٢) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل حال وجوده » استدلال باطل على معنى(٣) مخترع له.

فإنّ كون الرؤية معنى يحصل في الرائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السابق.

وأمّا تعلّقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ، ولا يلزم من أقوالهم في الرؤية.

ثمّ ما ذكره من أنّ العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح ضروريّ ، مثل العلم باستحالة رؤية المعدوم

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٢) في المصدر : بالمرئي.

(٣) في المصدر : مدّعى.

٩٥

فقد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقليّة ، فممنوع ؛ وإن أراد العاديّة ، فمسلّم والاستبعاد لا يقدح في الحقائق الثابتة بالبرهان.

ثمّ ما ذكر من أنّه على تقدير كون المعنى موجودا ، كان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنّه موجود ، وكلّ موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى إنّما تكون لمعنى آخر.

فالجواب : إنّ العقل يجوّز رؤية كلّ موجود وإن استحال عادة ، فالرؤية إذا كانت موجودة [ به ] يصحّ أن ترى نفسها ، لا برؤية أخرى ، فانقطع التسلسل ، كما ذكر في الوجود على تقدير كونه موجودا ، فلا استحالة فيه ، ولا مصادمة للضرورة.

ثمّ ما ذكره من باقي التشنيعات والاستبعادات قد مرّ جوابه غير مرّة ، ونزيد جوابه في هذه المرّة بهذين البيتين(١) :

وذي سفه يواجهني بجهل

وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

* * *

__________________

(١) ينسب البيتان إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب ٧ ، كما نسبا إلى الشافعي باختلاف يسير في صدر البيت الأوّل ؛ انظر : ديوان الإمام عليّ ٧ : ٢٨ ، ديوان الشافعي : ١٤٤.

٩٦

وأقول :

لا ريب أنّ بحث المصنّف ; هنا عامّ لجميع الإحساسات الظاهريّة ولا يخصّ الرؤية ، كما يشهد له قوله : « وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ من الذوق والشمّ واللمس والسمع ».

وقوله : « وجواز لمس العلم والقدرة » وهو أيضا لم يستعمل في هذا المبحث لفظ الإدراك إلّا بالمعنى المطلق.

فالمصنّف قصد بهذين القولين التنصيص على غير الرؤية ، دفعا لتوهّم اختصاص البحث بها ؛ ومع ذلك وقع الفضل بالوهم!

كما توهّم أيضا أنّه أراد أنّ الإدراك معنى يحصل في المدرك ؛ والحال أنّه أراد أنّ الإدراك يحصل لأجل معنى في المدرك.

وحاصل مقصوده أنّهم قالوا : إنّ الإدراك يحصل في الحيوان لأجل معنى فيه ، كالحياة ، ولا ريب أنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالشيء على ما هو عليه في نفسه ، ولا يتقيّد الشيء ـ بالوجود ونحوه ـ إلّا لأجل تلك الشروط السابقة ، وهم لا يعتبرونها ، فيجري الإحساس بمقتضى مذهبهم مجرى العلم في عموم التعلّق.

فإذا حصل المعنى في الشخص ، لزم صحّة تعلّق الرؤية ونحوها بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد إلى غير ذلك.

مع إنّه بمقتضى مذهبهم ـ من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ـ يلزم أيضا جواز إدراك المعدوم بجميع الحواسّ الظاهريّة ، كما

٩٧

جاز رؤية العلم والقدرة ونحوهما.

فظهر أنّ ما نسبه المصنّف إليهم من جواز إدراك المعدومات ، لازم لهم من أقوالهم ، وأراد بالنسبة إليهم النسبة بحسب ما يلزمهم ، وإن لم يقولوا به ظاهرا.

ثمّ إنّه أراد بقوله : « لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم ، وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ » إلى آخره

دفع استبعاد نسبة جواز رؤية المعدوم إليهم.

وحاصله : إنّ رؤية الطعوم والروائح مستحيلة عقلا بالضرورة كرؤية المعدوم بلا فرق ، فإذا التزموا بجواز رؤية الطعوم ونحوها ، مكابرة ومخالفة لضرورة العقل والعقلاء ، لم يستبعد منهم القول بجواز رؤية المعدوم.

وبهذا تعرف أنّ ما ذكره الفضل في جوابه بقوله : « قد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقلية ، فممنوع » إلى آخره لا ربط له بكلامه ، اللهمّ إلّا أن يريد الجواب بدعوى الفرق بين الاستحالتين ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم عاديّة ، واستحالة رؤية المعدوم عقلية!

فيكون قد كابر ضرورة العقل من جهتين : من جهة : دعوى الفرق ، ومن جهة : أصل القول ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم ونحوها عاديّة.

وأمّا ما أجاب به عن التسلسل :

فمع عدم ارتباطه بمراد المصنّف ، غير دافع للتسلسل

أمّا عدم ارتباطه به ؛ فلأنّه فهم تسلسل الرؤية بأن تتعلّق الرؤية برؤية أخرى ، إلى ما لا نهاية له ، بناء منه على إنّه أراد بالمعنى : الرؤية

٩٨

ـ كما سبق ـ وقد عرفت بطلانه ؛ وأنّ مراده بالمعنى : هو الأمر الذي لأجله يحصل الإدراك ، فيكون مراده بالتسلسل ـ بناء على هذا ـ هو تسلسل هذه المعاني ، لا الرؤية ـ كما هو واضح من كلامه ـ.

وأمّا أنّه غير دافع له ؛ فلأنّ التسلسل الواقع في الرؤية إنّما هو من حيث صحّة تعلّق رؤية برؤية ، لا من حيث وجوب التعلّق ، فلا يندفع إلّا بإنكار هذه الصحّة ، لا بإثبات صحّة رؤية الرؤية بنفسها ، التي لا تنافي التسلسل في الرؤية المختلفة.

على إنّه لا معنى لصحّة رؤية الرؤية بنفسها ، للزوم المغايرة بين الرؤية الحقيقية والمرئيّ ؛ لأنّ تعلّق أمر بآخر يستدعي الاثنينيّة بالضرورة.

وأمّا ما نسبه إلى القوم ، من أنّهم دفعوا التسلسل في الوجود ، بأنّ الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر ، فلا ربط له بالمقام ؛ لأنّهم أرادوا به عدم حاجة الوجود إلى وجود آخر حتّى يتسلسل ، فكيف يقاس عليه رؤية الرؤية بنفسها؟!

نعم ، يمكن الجواب عن إشكال هذا التسلسل ، بأنّ اللازم هو التسلسل في صحّة تعلّق الرؤية برؤية أخرى إلى ما لا نهاية له ، والصحّة أمر اعتباري ، والتسلسل في الاعتباريات ليس بباطل ؛ لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، لكنّ القول بصحّة رؤية الرؤية مكابرة لضرورة العقل!

وأمّا ما استشهد به من البيتين ، فلا يليق بذي الفضل إلّا الإعراض عن معارضته!

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416