الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95383 / تحميل: 4875
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وهو الاخبار الجازم عن حق لازم للمخبر.

وشرعه ثابت بالكتاب قال الله تعالى: (ء‌أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري)(١) ، (كونوا شهداء لله ولو على أنفسكم)(٢) ، (وآخرون اعترفوا بذنوبهم)(٣) .

وبالسنة، قال النبي صلى الله عليه وآله(٤) فإن اعترفت فارجمها، قولوا الحق ولو على أنفسكم(٥) ، وبالاجماع.

ويتحقق بقوله له عندي أو علي أو في ذمتي أو قبلي بالعربية أو غيرها(٦) وكذا لو قال نعم أو أجل عقيب قول المدعي لي عليك مائة مثلا، وكذا صدقت أو بررت أو أنا مقر لك به أو بدعواك أو لست منكرا لحقك، ويحتمل عدم الاقرار فيه، لان عدم الانكار أعم من الاقرار فيه.

____________________

(١) آل عمران: ٨١.

(٢) النساء: ١٣٥.

(٣) التوبة: ١٠٢.

(٤) صحيح البخاري: ج ٨ ص ٢٨.

(٥) البحار: ج ٧٧ ص ١٧٣.

(٦) في باقي النسخ وغيرها.

١٢١

ولو قال أنا مقر واقتصر أو أنا مقر به ولم يقل لك أو أقر على الاقوى فليس بإقرار، لاحتمال الوعد، وليس الوعد بالاقرار إقرارا.

وكذا لو قال عده أو اتزنه أو زنه أو خذه، أو علق الاقرار بشرط ولو بمشية الله تعالى على الاقوى، إلا أن يقصد التبرك، أو قال إن شهد فلان أو قدم أو رضي أو إذا جاء رأس الشهر فلك كذا أو لك كذا إذا جاء رأس الشهر، وقيل: إن قدم المال، يلزم.

ولو(١) قال أليس لي عليك كذا فقال بلى فهو مقر، وفي نعم وجهان أقربهما المساواة، لثبوتها عرفا وورودها لغة، كما بيناه في شرح الارشاد.

ولو قال أجل فهو كنعم، وتردد الفاضل(٢) في قوله أمهلني يوما أو ابعث من يأخذه أو حتى أفتح الصندوق أو اقعد حتى تأخذ أو لا تدم التقاضي أو ما أكثر تقاضيك أو لاقضينك.

ولو قال اسرج دابة فلان هذه فقال نعم أو قيل له غصبت ثوبي فقال ما غصبت من أحد قبلك فليس بإقرار، قال الفاضل(٣) ، وكذا لو قال أخبرني زيد أن لي عليك كذا فقال نعم، ويشكل بظهوره في الاقرار.

ولو طلب الشراء أو البيع أو الهبة وشبهها فهو إقرار، وفي اختصاص المخاطب بملكه نظر، من إحتمال كونه وكيلا والطلب منه جائز.

ولو قال آجرنيه فهو إقرار بالمنفعة، ويتوجه الاستفسار عن المالك فيهما إلا مع القرينة، كقوله هذه الدار لي فيقول بعنيها أو آجرنيها.

ولو قال ملكتها منك فهو إقرار، وتوقف فيه الفاضل(٤) لجواز كونه وكيلا في بيعها، أما تملكها(٥) على يده فليس بإقرار له.

____________________

(١) في (ق): فلو.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٤٥.

(٣) ارشاد الاذهان: ج ١ ص ٤٠٩.

(٤) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٤٥.

(٥) في (ق): تمليكها.

١٢٢

ولو قال إن شهد لك فلان فهو صادق أو بار أو فلك علي قيل: يلزم لامتناع الصدق مع البراء‌ة، ويضعف بإمكان اعتقاد المخبر أن شهادته محال، والمحال جاز ان يستلزم المحال، ويعارض بالاقرار المعلق على شرط ممكن، وربما قيل: يلزم من كان عارفا دون غيره، والاصح المنع في الموضعين، وأظهر في المنع (إن قال)(١) إن شهد صدقته أو أعطيتك.

ولو قال لي عليك مائة فقال قضيتكها أو أبرأتني منها فهو مقر، ولو قال قضيتك منها خمسين فهو إقرار بالخمسين خاصة، لعود الضمير إلى المائة المدعاة.

ولو قال داري لفلان أو له نصف داري قيل: يبطل لامتناع اجتماع مالكين مستوعبين، وقيل: يصح، لان الاضافة تصدق بأدنى ملابسة، مثل ولا تخرجوهن من بيوتهن، ومثل كوكب الخرقاء، ولهذا لو أتى بقوله بسبب صحيح أو بحق واجب وشبهه لزم.

ولو قال له في ميراث أبي أو في ميراثي من أبي فهما سواء على القول الثاني، ويصح الاول خاصة على القول الاول.

ولو قال له في مالي فهو كقوله له في داري، ويحتمل الفرق، لان الباقي بعد المقر به يسمى مالا فيصح إضافته إليه، بخلاف بعض الدار.

ولو قال له شركة في هذا المال فسره، ولو نقص عن النصف قبل، ولو قال علي وعلى زيد كذا قبل تفسيره بأقل من النصف.

ولو قال علي وعلى الحائط أو قال علي أو على الحائط قوى بعضهم وجوب الجميع عليه.

ولو قال علي أو على زيد لم يكن مقرا، وفي الفرق نظر.

ولو أقر في مجلسين فصاعدا أو مرتين فصاعدا بقدر واحد لم يتعدد، وحمل على تكرار(٢) الاخبار مع اتحاد المخبر، إلا أن يذكر سببا مغايرا.

____________________

(١) مابين القوسين غير موجود في باقي النسخ.

(٢) في (م): تكرر.

١٢٣

ولو اختلف المقدار وجب الاكثر.

ولو اختلف الجنس وجب الجميع، وكذا لو اختلف الوصف، مثل له علي دينار مصري ثم يقول له علي دينار دمشقي، ولو قال مغربي بعد قوله مصري وفسر المغرب بمصر احتمل القبول.

(٢٢١) درس

لو قال له عندي دارهم وديعة قبل، وإن انفصل التفسير فيثبت فيها أحكام الوديعة، وكذا لو قال دين.

ولو قال له عندي وديعة قبضها مني ضمن، ولو قال كان قبل، وأولى بالقبول إذا قال كان له عندي وديعة وتلفت.

نعم يلزم اليمين في الموضعين لو أنكر المستحق.

ولو قال له علي ألف وديعة فالاقرب القبول، وتسمع دعوى التلف بغير تفريط بعد ذلك، وقيل: بالمنع، لان علي تدل على الثبوت في الذمة، وهو يناقض التلف بغير تفريط.

وكذا لو قال له علي ألف ثم أحضرها(١) وقال هي وديعة فادعى المقر له تغايرهما والوجه(٢) القبول كالاول.

ولو قال لك في ذمتي ألف ثم أحضرها وقال هي وديعة فادعى المقر له التغاير ففيه وجهان مرتبان وأولى بالمنع، لان علي مشتركة بين العين والذمة، بخلاف الذمة فإنها لا تستعمل في العين، والوجه المساواة، لان تسليمها واجبة(٣) في الذمة، ولان المجاز ممكن واستعماله مشهور مع اعتضاده بالاصل المقطوع به، وهو براء‌ة الذمة، ولان التفريط بجعلها في الذمة وإن كانت عينها باقية.

____________________

(١) في (م) و (ق): وأحضرها.

(٢) في (ز): فالوجه.

(٣) في (م) و (ق): واجب.

١٢٤

أما لو قال هذه بدلها وكانت وديعة فإنه يقبل للمطابقة.

ولو قال كانت وديعة أظن بقاء‌ها وقد تبين لي تلفها لا بتفريط فلا ضمان علي، فإن عللنا باحتمال التجوز صدق بيمينه، وإن عللناها باحتمال التفريط اغرم.

ولو قال أو دعني ألفا فلم أقبضه وأقرضني فلم أقبله، قيل: يصدق مع الاتصال، لان العقد قد يطلق على الايجاب مع قضية الاصل ووجود القرينة وهي إتصال الكلام.

وكذا لو قال باع مني فلم أقبل أو اشتريت منه فلم يوجب إن جوزنا تقديم القبول، ويحتمل عدم القبول في الجميع جريا على حقيقة اللفظ الشرعية.

ولو قال له علي ألف من ثمن خمر أو مبيع فاسد أو لم أقبضه أو إن سلم سلمت قيل: يلزمه الالف إتصل اللفظ(١) أو انفصل.

ولو قال له علي ألف مؤجل فهو كقوله له علي ألف إذا جاء رأس الشهر إذا نوى به الاجل فيقبل فيهما على قول قوي، لئلا ينسد باب الاقرار بالمؤجل.

نعم لو استند الاجل إلى القرض لم يقبل، إلا أن يدعي تأجيله بعقد لازم، ولو أسند الاجل إلى تحمل العقل فالقبول أظهر، ومنهم من قطع به، وهو ضعيف، لانا نأخذ بأول كلامه وهو له علي ألف والباقي مناف، فإن سمع مع الاتصال فلا فرق بينه وبين غيره، وإن لم يسمع فكذلك.

ولو قال اشتريت بخيار أو بعت أو كفلت بخيار ففيه الوجهان، وقطع المتأخرون بعدم سماع الخيار.

ولو قال له هذه الدار سكنى أو هبة أو عارية أمكن قبول قوله حملا على بدل الاشتمال.

____________________

(١) هذه بالكلمة غير موجودة في باقي النسخ.

١٢٥

ولو أقر ثم ادعى المواطاة فله إحلاف المقر له على الاستحقاق لا على عدم المواطاة، أما لو أقر بين يدي الحاكم ثم ادعاها لم تسمع. وكذا لو شهد الشاهد بمشاهدة القبض.

ولو قال الاعجمي المقر بالعربية أو العربي المقر بالعجمية لم أفهم معناه قبل مع الامكان بيمينه.

والاقرار بالاقرار إقرار على قول، والاقرار بسبق اليد لا يخرجه عن الملك، مثل أعرته فرسي واستعدتها أو اسكنته(١) داري وأخذتها أو خاط ثوبي ورده أو غصبني عبدي فاستنقذته.

ولو قال أخذت من مالك وأنت حربي فقال بل بعد إسلامي، أو قال جنيت عليك وأنت عبدي فقال بل بعد عتقي قيل: يقبل قول المقر، لاصالة البراء‌ة، ويحتمل المقر له إلغاء للمبطل.

ولو قيل: إن اتفقا على زمان الاخذ واختلفا في زمان الاسلام والعتق حلف المقر، وإن انعكس حلف المقر له، وكذا لو أرسلا الدعويين كان وجها.

(٢٢٢) درس

يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والحرية والاختيار وجواز التصرف، فلا يقبل إقرار الصبي بما ليس له فعله وإن أذن له الولي. ولو سوغنا لو الوصية والصدقة والوقف قبل إقراره فيها.

ولو أقر بالبلوغ استفسر فإن فسره بالامناء قبل مع إمكانه، ولا يمين عليه حذرا من الدور.

ويمكن دفع الدور بأن يمينه موقوفة على إمكان بلوغه، والموقوف على يمينه هو

____________________

(١) في باقي النسخ: واسكنته.

١٢٦

وقوع بلوغه فتغايرت الجهة.

وكذا قيل: يقبل تفسير الجارية بالحيض، ويشكل بأن مرجعه إلى السن، وإن فسره بالانبات اعتبر، وإن فسره بالسن قال الفاضل(١) : يقبل إذا كان غريبا أو خامل الذكر.

ولو أقر المحتمل للبلوغ(٢) أو باع أو نكح أو طلق ثم ادعى الصبي قيل: ولا يمين عليه، ولو كان التداعي بعد البلوغ ففي تقديم قوله عملا بالاصل أو قول الآخر عملا بالظاهر من الصحة وجهان.

وأما المجنون فإقراره لغو ولو كان يعتوره(٣) قبل حال إفاقته بعد الوثوق بها، ولو تنازعا في الجنون فكما تقدم، ولو لم يعهد(٤) حالة جنون حلف نافيه. وأما القصد فلا عبرة بإقرار النائم والساهي والغالط والسكران، قال ابن الجنيد(٥) : إن كان سكره من شرب محرم اختار شربه الزم بإقراره كما يلزم بقضاء الصلاة، كأنه يجعله كالصاحي في الاحكام. ولو ادعى المقر أحد هذه وأنكر المقر له فكدعوى الصبي، مع احتمال قوة قول المقر له. وأما العبد فلا يقبل إقراره بما(٦) يتعلق بمولاه من نفسه أو ماله. نعم يتبع في المال بعد العتق، وقيل: يتبع في الجناية أيضا. وكذا لو أقر بحد أو تعزير. ولو كان مأذونا له في التجارة فأقر بما يتعلق بها قبل ويؤخذ مما في يده والزائد يتبع به.

____________________

(١) تذكره الفقهاء: ج ٢ ص ١٤٦.

(٢) في (ق): البلوغ.

(٣) في (ق): وإن كان يعتروه.

(٤) في باقي النسخ: لم يعهد له.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٤٤١.

(٦) في (ق): فيما.

١٢٧

ولو أقر بما له فعله كالطلاق قبل، ولا يقبل إقرار مولاه عليه معتكذيبه، إلا في حق المولى، فلو أقر بجناية عمدا على المكافئ وأنكر سلم إلى المجنى عليه ولم يقتص منه.

ولو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه بالجناية فك بقيمته(١) ، ويتعلق بها المجنى عليه مع الايعاب، ولا يتوجه هنا الفك بأقل الامرين، لان ذلك وظيفة المولى.

وأما الاختيار فلا ينفذ إقرار المكره فيما اكره عليه، إلا مع ظهور أمارة اختياره كأن يكره على أمر فيقر بغيره أو بأزيد منه، ولا فرق بين الاكراه على الاقرار بالحد أو الجناية أو المال.

وأما الحجر فباقي أسبابه ثلاثة: أحدها: المرض، ويمضي إقرار المريض مع برئه أو تصديق الوارث أو انتفاء التهمة أو الخروج من الثلث، وقد مر.

وثانيها: السفه، ويقبل إقرار السفيه في غير المال، كالجناية الموجبة للقصاص، ولطلاق والنكاح إذا صح استقلاله.

ولو أقر بما يوجب المال وغيره قبل في غيره كالسرقة، ولا يلزم بعد زوال حجره ما أبطلناه قبله.

وثالثها: الفلس، ويمضي إقراره في غير المال مطلقا، وفي المال إذا لم يزاحم المقر له الغرماء كالدين المؤجل، واللازم بمعاملة بعد الحجر.

وفي إقراره بالعين أو بما يوجب المزاحمة وجهان: من تعلق حق الغرماء بماله، ومن إنتفاء التهمة وهو قول الشيخ(٢) ، ووافقه ابن إدريس(٣) في الدين وأبطل إقراره بالعين، ولو اعتبرت هنا مع العدالة كان قولا، فينفذ إقراره مع عدالته وانتفاء التهمة ويرد

____________________

(١) في (ق): فكه بقيمة.

(٢) المبسوط: كتاب المفلس ج ٢ ص ٢٥٠.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٤٩٩.

١٢٨

بدون أحدهما. ولو ادعى المقر أحد هذه الثلاثة وهي معهودة له فكدعوى الصبي، ولو لم يعهد له حلف الآخر.

ولو ادعى الاكراه قبل مع البينة أو القرينة كالحبس والضرب والقيد فيقبل بيمينه.

(ولوادعى العبودية)(١) وهي معلومة قبله فلا ثمرة، إلا على القول بعدم تبعية الاقرار بالجناية.

ولو ادعى المقر العبودية المستقرة فالاقرب قبول قوله، إذا لم يكن مشهورا بالحرية ولا مدعيا لها، سواء نسبها إلى معين أو أبهم، مع احتمال عدم القبول مع الابهام.

والمكاتب المشروط والمدبر وام الولد كالقن.

ولا تعتبر العدالة في المقر، إلا إن قلنا بالحجر على الفاسق، أو كان مريضا على ما سلف في الوصايا، او على ما قلناه في المفلس، وقال الحلبي(٢) : تعتبر الامانة في المقر ابتداء بغير سبق دعوى عليه، وأنكره الفاضل(٣) .

(٢٢٣) درس

يعتبر في المقر له امور ثلاثة: الاول: أهلية التملك(٤) ، فلو أقر للملك أو للحائط بطل، ولو أقر للدابة احتمل البطلان والاستفسار، ولو قال بسببها قيل: يكون للمالك، والاقرب الاستفسار، فلو فسره بالجناية على شخص قبل وإن لم يعينه على الاقرب،

____________________

(١) مابين القوسين غير موجودة في (ق).

(٢) الكافي في الفقه: في فصل الاقرار ص ٤٣٣.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤٤١.

(٤) في (ق): التمليك.

١٢٩

ويطالب بالتعيين، ويحتمل بطلان الاقرار، كما لو أقر لرجل مبهم كواحد من خلق الله أو من بني آدم، وقوى الفاضل(١) في هذا القبول، ويطالبه الحاكم إياه بالتعيين.

ولو أقر لعبد كان لمولاه ولمبعض(٢) يكون بالنسبة. ولو أقر لمسجد أو مدرسة وعزاه إلى سبب ممكن، كوصية أو وقف أو أطلق صح، وإن ذكر سببا محالا ففي لغو السبب كقول الفاضل(٣) ، أو بطلان الاقرار كما قاله ابن الجنيد(٤) والقاضي(٥) ، وجهان. ولو أقر لحمل فكذلك، فإن سقط ميتا بطل إن عزاه إلى وصية، وكان لباقي الوارث إن عزاه إلى الارث.

ولو تعدد الحمل اقتسماه بحسب السبب، فإن كان وصية فبالسوية، إلا مع التفضيل كالذكر على الانثى، والاول من التوأمين على الثاني، وإن كان إرثا فعلى كتاب الله.

وإنما يستحق إذا وضع لدون ستة أشهر منذ(٦) حين الاقرار، فلو وضع لازيد من سنة على قول، أو تسعة أشهر على آخر فلا استحقاق، وإن كان بين السنة والستة أشهر(٧) وكانت خالية من زوج أو مولى(٨) استحق، وإلا فلا، ومال الفاضلان(٩) إلى الاستحقاق مطلقا، بناء على غالب العادة في الولادة للتام.

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥٠.

(٢) في (ق): والمبعض.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٤٩.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٤٤٢.

(٥) جواهر الفقه: كتاب الاقرار ص ٩٤ مسألة ٣٤٧.

(٦) في (ق): من بدل منذ.

(٧) في باقي النسخ: وستة الاشهر.

(٨) في باقي النسخ: ومولى.

(٩) شرائع الاسلام: ج ٣ ص ١٥٣، وقواعد الاحكام ج ١ ص ٢٧٨.

١٣٠

الثاني: أن لا يكذب المقر له، فلو أكذبه لم يعط، إلا أن يعود إلى التصديق، إلا أن يتضمن تكذيبه إقرار لغيره أو عتقا، كما لو أقر له بعبد فأنكر فإن الشيخ(١) يقول بعتقه، والفاضلان(٢) يجعلانه على الرقبة المجهولة المالك، وهو قريب، إلا أن يدعي العبد الحرية فلاقرب تحرره، لعدم المنازع.

الثالث: أن يكون ممن يملك الشئ المقر به، فلو أقر لمسلم بخنزير بطل، وكذا بخمر، إلا أن يكون محرمة. ولو أقر لكافر ببيع مصحف أو عبد مسلم بطل أيضا.

ولو أقر له بمصحف أو عبد مسلم ولم يسنده إلى البيع أمكن الصحة، لجواز أن يكون قد كتبه أو أسلم العبد عنده، وتزال عنه يده بالطريق الشرعي. ولو عين أحد السببين قبل قطعا.

ولو رجع المقر عن إقراره لم يسمع، سواء كان بعد رجوع المقر له أو قبله، ويقبل الرجوع عما يوجب الرجم من الحدود.

والرجوع عن الطلاق بالانكار رجعة، وفي جعل إنكار البيع مع الخيار للمنكر فسخا نظر، من دلالة التضمن وفساد الانكار، فيفسد ما يترتب عليه.

ولو رجع عن المقر له إلى غيره كما لو قال هذه الدار لزيد بل لعمرو، فإن صدقه زيد فهي لعمرو، وإن كذبه اغرم لعمرو، وكذا غصبتها من زيد لا بل من عمرو أو غصبتها من عمرو وهي لبكر أو هي لبكر وغصبتها من زيد أو هي لزيد وغصبتها من عمرو أو غصبتها من زيد الغاصب من عمرو، وقيل: هنا يجمع بين مقتضي الاقرارين، ولا غرم للثاني، لجواز كونها في يد أحدهما وملكها للآخر.

____________________

(١) المبسوط: ج ٣ ص ٣٣.

(٢) شرائع الاسلام: ج ٣ ص ١٤٧ وتذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٤٩.

١٣١

أما في المسألة الاولى فلا يمكن الجمع، وقال ابن الجنيد(١) في المسألة الاولى: إن كان المقر حيا سئل عن مراده، وإن كان ميتا فهو مال متداع بين زيد وعمرو، فإن انتفت البينة حلفا واقتسماها، وليس بذلك(٢) البعيد، لانه نسب إقرار إليهما في كلام متصل، ورجوعه عن الاول إلى الثاني يحتمل كونه عن تحقيق وتخمين، فالمعلوم انحصار الحق فيهما أما تخصيص أحدهما(٣) فلا.

ولا يعتبر في المقر له الحياة، فلو أقر لميت وأطلق أو ذكر سببا ممكنا كالمعاملة والجناية(٤) في حال الحياة صح، ويكون المقر به تركة يقضي منها الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث، وإن ذكر سببا محالا كالمعاملة بعد الموت فهو كتعقيب الاقرار بالمنافي، وإن ذكر الجناية عليه بعد الموت فالاقرب السماع، ويصرف أرشها في وجوه البر. ولو أقر لميت لم يعاصره سمع، لجواز تناسخ الحقوق.

ولو أقر لاي قبيلة منحصرة صح، وإن(٥) كانوا غير محصورين كقريش وتميم أمكن الصحة، ويصرف إلى من يوجد منهم، ويلزم منه صحة الاقرار لآدم جريا على التناسخ، وفيه بعد، فإن قلنا به أمكن كونه لبيت المال، لانه المعد لمصالح بني آدم، ويشكل بخروج أهل الذمة حينئذ ولم أقف في ذلك على كلام.

ولا يشترط انحصار المقر له، فلو أقر للفقراء أو المساكين أو بني تميم صح، ثم يستفسر، فإن كان مما يجب فيه التعميم عمم(٦) بحسب الامكان، وإن كان

____________________

(١) مختلف الشيعة: ج ١ ص ٤٤٢.

(٢) في باقي النسخ: بذاك.

(٣) في (ق): منهما أما التخصيص لاحدهما فلا.

(٤) في باقي النسخ: والجناية.

(٥) في باقي النسخ: ولو.

(٦) في (ق): عممه.

١٣٢

من باب بيان المصرف كالزكاة صرف كما تصرف الزكاة، وإن كان مما يستوعب فيه أهل البلد اعطى لمن في البلد، ولا يجب تتبع الغائب.

ولو أقر بالزكاة أو الخمس صرف في وجوهه، فلو رجع عن ذلك لم يسمع وإن كان لامدعي له.

(٢٢٤) درس

يعتبر في المقر به امور أربعة: الاول: كونه مما يملك، فلو أقر بحر للغير لم يصح وإن كان صغيرا تحت يده.

وكذا لو أقر بكلب هراش أو فضلة إنسان أو جلد ميتة، إلا أن يقربه للمستحل فالاقرب الصحة.

ولو أقر بحبة حنطة أو قشر جوزة فالاقرب وجوب تسليمه إلى المقر له وإن لم يعد مالا، فإن امتنع فالاقرب أنه لا يجبر، لعدم القصد إلى مثله.

ولو أقر بالخمر والخنزير للكافر صح وضمن قيمته، إن كان المقر مسلما وقد تلف، ومثله إن كان المقر ذميا على ماسلف من الخلاف.

أما لو أقر الذمي بشراء ذمي منه خمرا أو إسلافه فيه أو إقراضه أو إصداقه فإنه يقضى عليه به.

الثاني: كونه غير مملوك للمقر، فلو قال ملكي لفلان بطل، وكذا لو قال داري على الخلاف.

ولو قال هو لفلان وهو ملكي إلى الآن فهو من باب تعقيب الاقرار بالمنافي، ولو شهد الشاهدان أنه أقر له بدار هي ملك المقر إلى حين الاقرار لم تفد الشهادة ملك المقر له.

الثالث: نفوذ الاقرار فيه، فلو أقر الموقوف عليه بالوقف الثابت شرعا لغيره بطل، ولو أقر به ثم ثبت وقفه بطل إقراره.

١٣٣

وهل تسمع دعواه بعد إقراره؟ الاقرب نعم إذا ادعى عدم العلم بالوقف وأمكن في حقه.

ولو أقر بام الولد فالاقرب السماع تنزيلا على الاحتمال وإن بعد، ويمكن اعتبار تصديقها أو طلب الاستفسار.

ولو أقر بالمكاتب للغير وصدقه المقر به قبل، وإن كذبه احتمل القبول إن أطلق أو ذكر أنه كان ملكه قبل الكتابة، وحينئذ لا تبطل الكتابة مع تكذيب العبد، وإن قال ملكته بعد الكتابة فهو من باب تعقيب الاقرار لمنافيه.

ولو أقر بالمرهون لم ينفذ في حق المرتهن، إلا مع التصديق فإن فك نفذ الاقرار، وإن بيع غرم المقر بدله للمقر له، ويصح الاقرار بالدين كالعين، فلو قال الدين الذي بإسمي على زيد لبكر وإسمي في الكتاب عارية وإرفاق قبل، لجواز كونه وكيلا عنه في الادانة والاجارة والبيع.

أما لو أقرت المرأة بصداقها، والوارث بدية المورث، والخالع ببذل الخلع، فإن أسندوه إلى هذه الاسباب لغي الاقرار، وإن أطلقوا أو ذكروا سببا مملكا، كانتقاله بالصلح أو الحوالة أو البيع أو الهبة عند من جوزها فالاقرب صحة الاقرار.

الرابع: كون المقربة تحت يد المقر، فلو أقر بمال غيره للغير فهي شهادة.

ولو أقر بحرية عبد في يد الغير فكذلك، ولو صار المقر به إليه يوما نفذ الاقرار، فلو اشترى العبد بإذن الحاكم أو بغير إذنه صح، وكان استنقاذا من طرفه، وبيعا من طرف البائع، فلا يثبت فيه خيار المجلس ولا الحيوان للمشتري، ويعتق بالشراء.

ثم إن كان قد أقر بأن العتق(١) عن صاحب اليد، أو بأنه حر من الاصل،

____________________

(١) في (ق): المعتق.

١٣٤

أو بأنه عتيق صاحب اليد، إلا أنه لا ولاء له عليه ضاع ماله.

ولو قدر على مقاصة الممسك فله ذلك في صورة كونه معتقا أو عالما بالحريتة، لا مع انتفاء الامرين، وإن كان قد أقر بعتق الممسك وولائه ومات العتيق بغير وارث فله أخذ قدر الثمن، لانه إن كان صادقا فله المقاصة، وإن كان كاذبا فالجميع له.

وفيه إشكالان: الاول: القول بعتقه بمجرد الشراء، لان في ذلك ضررا على العبد، وربما كان عاجزا عن التكسب فلا ينفذ إقراره في حقه، إلا أن يجعل إقراره بمثابة عتقه مباشرة أو يصدقه العبد على الحرية.

الثاني: جواز المقاصة فإنه دفع مالا متبرعا به، فإذا استهلك مع التسليط فلا ضمان، وقد يجاب بأن مثل هذا الدفع يرغب فيه للاستنقاذ ويكون ذلك مضمونا على القابض بظلمه(١) .

(٢٢٥) درس

إذا أقر بمال معين لزم فإن ادعى المقر له زيادة عليه فهي دعوى مستأنفة، ولو عين الوزن انصرف إليه، وكذا الكيل، ولو أبهم انصرف إلى الوزن الغالب والكيل الغالب، فلو تساوى أمران مختلفان في الاغلبية فسر المقر. ولا تصرف الدراهم إلى الاسلامية، إلا مع علم قصد المقر. ويصح الاقرار بالمبهم ويستفسر، فإن امتنع حبس حتى يبين. ولو جن أو اغمي عليه ترقب زوال عذره. ولو مات عين الوارث.

ولو قال لا أعلم أو قال المقر أنسيت أمكن قبول تعيين المدعي بيمينه،

____________________

(١) في باقي النسخ: لظلمه.

١٣٥

قال(١) الفاضل(٢) : يشكل بما أنه لا يمين على المدعي إلا مع الرد، فيجب أقل متمول حينئذ.

ولو فسر بعشرة فقال المقر له أردت عشرين لم تسمع دعوى الارادة، إذ لا يلزم من إرادته عشرين وجوبها في ذمته. نعم له الدعوى بها فيقبل قول المنكر مع يمينه وعدم البينة.

ثم الالفاظ المبهمة كثيرة، ولنذكر منها خمسة عشر: الاول: الشئ، وهو أعم من المال، فلو فسره بحد قذف أو حق شفعة قبل، ولو فسر بالخمر أو السرجين(٣) النجس لم يقبل، لان له يستدعي الملك وذلك ليس بمملوك، ويحتمل القبول، وهو قول الفاضل(٤) ، لصدق الشئ عليه، وإمكان المنفعة وتحريم أخذه، لثبوت الاختصاص فيه، قال: وكذا يقبل لو فسره بحبة حنطة أو دخن لتحريم أخذه على الغير، وقيل: لا يقبل، لانه لا قيمة له. ولا تصح الدعوى به، ومنع الفاضل(٥) من عدم صحة الدعوى به.

أما لو فسره بما لا يباح اقتناؤه كالخنزير أو جلد الكلب والخمر غير المحترمة فإنه لا يقبل، لانه ليس فيه حق واختصاص.

أما لو فسره بما لا يباح الانتفاع به لم يقبل، وكذا لو فسره برد السلام، والعيادة في مرضه، والتسميت عند عطاسه، وإن كان في الخبر حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، ويحييه إذا سلم ويسميه إذا عطس، لانه لا يخبر عن مثله عادة، واحتمل قبوله الفاضل(٦) لهذا الخبر.

____________________

(١) في (ق): وقال.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥٢.

(٣) في باقي النسخ: والسرجين.

(٤) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥١.

(٥) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥١.

(٦) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥٢.

١٣٦

ولو قال غصبتك شيئا وفسره بنفسه لم يقبل، لما فسرنا الغصب به، ولو كان عبدا لم يقبل لاقتضاء مفعول الفعل هنا المغايرة.

الثاني: المال، ويلزم تفسيره بما يتمول وإن قبل لا بغيره، كالكلب العقور والخنزير والحشرات والسرجين النجس، ولو قبلناها في الشئ.

ولو كان المقر كافرا لكافر تبع معتقدهم في المالية، وجوز الفاضل(١) تفسير المال بحبة الحنطة والتمرة، لانهما مال وإن لم يتمول، إذ المال أعم من المتمول.

الثالث: أسما الاجناس، كالزيت والذهب والفضة، ويتشخص ذلك فيما ذكره.

والقول قوله في وصفه وقدره مع يمينه(٢) .

ولا فرق بين المعرف في ذلك والمنكر، لامتناع الحمل على العموم هنا.

الرابع: صيغ الجمع، ويحمل على الثلاثة فصاعدا قلة كانت أو كثرة، معرفة أو منكرة.

ولو قال له علي دراهم وفسرها بدرهم لا يقبل(٣) ، ولو فسرها بدرهمين متأولا بمعنى الاجتماع أو أخبر أنه من القائلين بأن أقل الجمع إثنان فالاقرب القبول.

الخامس: صيغ العدد إذا جردها عن المميز فله تفسيرها بما يصدق عليه ذلك العدد كالالف والمائة، فلو قال له علي ألف ففسرها بحبات الدخن قبل، ولو فسرها بشاة مأولا أن فيها ألف جزء لم يقبل.

ولو عطف عددا غير مميز على مميز بواسطة أو غير واسطة(٤) لم يسر التمييز إلى

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥٢.

(٢) في باقي النسخ: وقدره بيمينه.

(٣) في باقي النسخ: لم يقبل.

(٤) في (ق): بغير واسطة.

١٣٧

المعطوف، مثل له علي ألف درهم وعشرون ومائة أو ألف درهم وعشرون.

أما لو جعل التمييز في العدد الاخير فقد قال الشيخ(١) : بسريانه إلى ماقبله، وإن تكثر مثل له ألف ومائة وخمسة وسبعون درهما.

ولو قلنا: بسريانه، فلو قال(٢) له علي مائة وله علي عشرون درهما لم يسر لتغاير الجمل.

وكذا لو قال له علي مائة دينار وخمسة وعشرون درهما لم يسر الدرهم إلى المائة لتميزها، وفي سريانه إلى الخمسة الوجهان.

ولو قال له خمسة عشر درهما فالكل دراهم قطعا.

السادس: الابهام في محتملات اللفظ بحسب الصلة، مثل له علي من واحد إلى عشرة احتمل ثمانية، واختاره ابن إدريس(٣) ، وعشرة وتسعة، واختاره الشيخ في الكتابين(٤) باعتبار دخول الطرفين وعدمه.

ولو أراد مجموع الاعداد فهي خمسة وخمسون، وبيانه(٥) أن يزاد على آخر الاعداد واحد ويضرب المجموع في نصف العدد الاخير.

السابع: الابهام للوصف، فلو قال له علي درهم ناقص أو زيف أو صغير قبل تفسيره مع اتصال اللفظ لا مع الفصل، ولا يقبل في الزيف بالفلوس.

ولو قال له مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو مال أي مال أو عظيم جدا فسر بما يتمول، لان كل مال عظيم خطره لكفر مستحله، وكذا لو قال حقير.

ولو قال أكثر من مال فلان لزمه بقدره وزيادة.

____________________

(١) المبسوط: ج ٣ ص ٧.

(٢) في باقي النسخ: وقال.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٥٠٩.

(٤) الخلاف: ج ٢ ص ١٥٨ مسألة ٢٢ المبسوط: ج ٣ ص ٢٧.

(٥) في (م) و (ق): وبأنه.

١٣٨

ولو ادعى جهل قدره حلف وفسر بما ظنه.

ولو تأول بأن مال فلان حرام، أو عين وما أقررت به حلال، أو دين والحلال والدين أكثر نفعا أو بقاء من العين لم يقبل عند الشيخ(١) ، ويقبل عند الفاضل(٢) بيمينه.

ولو قال له علي أكثر من مائة لزمه مائة وأدنى زايدة.

ولو قال ماله علي أكثر من مائة، فإن ضم اللام في له فكالاول، وإن فتح اللام ففي الاقرار بمائة أو بطلانه، لانه لا يلزم من نفي الزائد(٣) عليها ثبوتها، وجهان.

ولو قال مال كثير قال الشيخ في الكتابين(٤) : يلزمه ثمانون درهما كالنذر، وأنكره ابن إدريس(٥) لبطلان القياس، ولاستعمال الكثير في القرآن لغير ذلك، مثل فئة كثيرة ذكرا كثيرا، والشيخ يقول(٦) : هو عرف شرعي وتبعه القاضي(٧) وبه قال ابن الجنيد(٨) ، وجعل كم العظيم حكم الكثير.

(٢٢٦) درس

الثامن: الابهام في الجزء، فلو قال له نصف فسر بنصف ما يتمول، ولو قال له درهم ونصف قيل: ينصرف النصف إلى نصف الدرهم لقرينة العطف، ولو قال له علي جزء من درهم فسر بماشاء وإن قل، ولو قال معظم درهم أو أكثره

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ١٥٢ مسألة ٢.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ١٥١.

(٣) في (ق): الزيادة بدل الزائد.

(٤) الخلاف: ج ٢ ص ١٤٩ مسألة ١، والمبسوط: ج ٣ ص ٦.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٥٠٠.

(٦) المبسوط: ج ٣ ص ٦.

(٧) المهذب: ج ١ ص ٤٠٥.

(٨) مختلف الشيعة: ج ١ ص ٤٤٢.

١٣٩

لزم نصف درهم وأدنى زيادة، وإليه الرجوع فيها.

ولو قال له قريب من درهم فالظاهر أنه كذلك، ويحتمل تفسيره بما شاء، لان القرب من الامور الاضافية، فلا يتشخص بشي ء بعينه. ولو قال له جزء من مالي فسر بماشاء.

وكذا نصيب أو قسط أو خط أو سهم أو شئ ولا يحمل على الوصية، وقال ابن الجنيد(١) : لو قال له في هذا العبد شئ فله سدسه، وإن قال جزء فله سبعه، ولو قال(٢) سهم فله ثمنه، كأنه يحمله على الوصية، لاستقرار عرف الشرع بذلك.

التاسع: الابهام بكذا، فلو قال له علي كذا فهو كقوله شئ.

ولو فسره بالدرهم رفعا أو نصبا أو جرا فالاقرب إنه واحد فالرفع على البدل، والنصب على التمييز، والجر على الاضافة، ويحتمل في الجر بعض درهم، ويفسره بماشاء، وقال في الخلاف(٣) : يلزمه مع النصب عشرون ومع الجر مائة، بناء على أن كذا كناية عن العدد، وإن أقل العدد المفسر لمفرد منصوب عشرون، وأقل العدد المفسر بمجرور مائة.

فلو قال كذا وكذا درهم رفعه أو نصبه أو جره فهو كالاول، وفي الخلاف(٤) لو نصب فأحد عشر.

ولو قال له كذا وكذا وفسره بالدرهم رفعا أو نصبا أو جرا، وقال مع النصب أحد وعشرون، ويمكن حمله على من استقر في عرفه ذلك، أو على من علم قصده وبدونهما لا وجه له.

العاشر: الابهام بالعطف وشبهه، فلو قال له علي درهم ودرهم ودرهم فهي

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٤٢.

(٢) في باقي النسخ: وإن قال.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ١٥٤ مسألة ٨ و ١١.

(٤) الخلاف: ج ٢ ص ١٥٤ مسألة ٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ويمكن ان تكون الجملة( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) لها علاقة بالبرق الذي يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه.

الآية الاخرى تشير الى صوت الرعد الذي يتزامن مع البرق( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) (1) .

نعم ، فهذا الصوت المدوّي في عالم الطبيعة يضرب به المثل ، فهو مع البرق في خدمة هدف واحد ولهما منافع متعدّدة كما أشرنا إليها ، ويقومان بعملية التسبيح ، وبعبارة اخرى فالرعد لسان حال البرق يحكي عن عظمة الخالق وعن نظام التكوين. فهو كتاب معنوي ، وقصيدة غرّاء ، ولوحة جميلة وجذّابة ، نظام محكم ومنظّم ومحسوب بدقّة ، وبلسان حاله يتحدّث عن علم ومهارة وذوق الكاتب والرسام والمعمار ويحمده ويثني عليه ، كلّ ذرّات هذا العالم لها اسرار ونظام دقيق. وتحكي عن تنزيه الله وخلوّه من النقص والعيوب (وهل التسبيح غير ذلك؟!).

وتتحدّث عن قدرته وحكمته (وهل الحمد غير بيان صفات الكمال؟!).

وقد احتمل بعض الفلاسفة انّ لكلّ ذرّات هذا العالم نوعا من العقل والشعور ، فهي من خلال هذا العقل تسبّح الله وتقدّسه ، ليس بلسان الحال فقط ، بل بلسان المقال ايضا.

وليس الرعد وسائر اجزاء العالم تسبّح بحمده تعالى ، بل حتّى الملائكة( وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) (2) فهم يخافون من تقصيرهم في تنفيذ الأوامر الملقاة على عاتقهم ، وبالتالي فهم يخشون العقاب الالهي ، ونحن نعلم انّ الخوف يصيب أولئك الذين يحسّون بمسؤولياتهم ووظائفهم خوف بنّاء يحثّ الشخص على

__________________

(1) للتوضيح اكثر في معنيي التسبيح والتقديس للكائنات سيأتي في ذيل الآية( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الاسراء ، 44.

(2) يقول الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسيره التبيان : الخيفة بيان لحالة الشخص امّا الخوف فمصدر.

٣٦١

السعي والحركة.

وللتوضيح اكثر في مجال البرق والرعد تشير الآية الى الصاعقة( وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ ) ومع كلّ ذلك ـ وبمشاهدة آيات العظمة الالهية في عالم التكوين من السّماء والأرض والنباتات والأشجار والبرق والرعد وأمثالها ، وفي قدرة الإنسان الحقيرة تجاه هذه الحوادث ، حتّى في مقابل واحدة منها مثل شرارة البرق ـ نرى انّ هناك جماعة جاهلة تجادل في الله( وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ ) .

«المحال» في الأصل «الحيلة» بمعنى التدبير السرّي وغير الظاهر ، فالذي له القدرة على هذا التدبير يمتلك العلم والحكمة العالية ، ولهذا السبب يستطيع ان ينتصر على أعدائه ولا يمكن الفرار من حكومته.

وذكر المفسّرون وجوها عديدة في تفسير( شَدِيدُ الْمِحالِ ) فتارة بمعنى «شديد القوّة» ، او «شديد العذاب» ، او «شديد القدرة» او «شديد الأخذ»(1) .

الآية الاخيرة تشير الى مطلبين :

الاوّل : قوله تعالى :( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ ) فهو يستجيب لدعواتنا ، وهو عالم بدعاء العباد وقادر على قضاء حوائجهم ، ولهذا السبب يكون دعاؤنا ايّاه وطلبنا منه حقّا ، وليس باطلا.

ولكن دعاء الأصنام باطل( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ) نعم هكذا في دعوة الباطل ليست اكثر من وهم ، لانّ ما يقولونه من علم وقدرة الأصنام ما هو الّا أوهام وخيال ، او ليس الحقّ هو عين الواقع واصل الخير والبركة؟ والباطل هو الوهم واصل الشرّ والفساد؟ ولتصوير هذا الموضوع يضرب لنا القرآن الكريم مثالا حيّا ورائعا يقول :( إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ

__________________

(1) فسر البعض «المحال» من «المحل ، الماحل» بمعنى المكر والجدال والتصميم على العقوبة ، ولكن ما أشرنا اليه أعلاه هو الصحيح ، والتفسيران قريبا المعنى.

٣٦٢

فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ ) . فهل يستطيع احد ان يجلس على بئر ويطلب الماء بإشارة يد ليبلغ الماء فاه؟ هذا العمل لا يصدر الّا من انسان مجنون!

وتحتمل الآية تفسيرا آخر ، فهي تشبّه المشركين كمن بسط كفّه في الماء ليتجمع فوقها الماء ، وعند خروجها من الماء لم يجد فيها شيئا منه لانّ الماء يتسرّب من بين أصابع الكفّ المفتوحة.

وهناك تفسير ثالث وهو انّ المشركين ـ لحلّ مشاكلهم ـ كانوا يلجأون الى الأصنام ، فمثلهم مثل الذي يحتفظ بالماء في يده ، هل يحفظ الماء في يد؟! وهناك مثل معروف بين العرب لمن يسعى بدون فائدة يقال له : هو كقابض الماء باليد ، ويقول الشاعر :

فأصبحت فيما كان بيني وبينها

من الودّ مثل القابض الماء باليد

ولكنّنا نعتقد انّ التّفسير الاوّل أوضح!

وللتأكيد على هذا الحديث يأتي في نهاية الآية قوله تعالى :( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ) وايّ ضلال اكبر من ان يسعى الإنسان ويجتهد في السبيل الضالّ ولكنّه لا يصل الى مقاصده. ولا يحصل على شيء نتيجة تعبه وجهده.

الآية الأخيرة من هذه المجموعة ، ولكي تبرهن كيف انّ المشركين ضلّوا الطريق تقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) .

* * *

بحوث

1 ـ ما هو المقصود من سجود الكائنات؟

السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع والتسليم ، فإنّ جميع الملائكة

٣٦٣

والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين لأوامره ، وهناك نوعان من السجود ، سجود تكويني وهو انّ الكلّ خاضعون ومسلّمون للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و و ، والبعض منهم له سجود تشريعي بالاضافة الى السجود التكويني ، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله.

2 ـ ما هو معنى( طَوْعاً وَكَرْهاً ) ؟

عبارة( طَوْعاً وَكَرْهاً ) يمكن ان تكون اشارة الى انّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم ، وامّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعيّة التي تسير بأمر الله ان شاؤوا وان أبوا.

و (الكره) بضمّ الكاف تعني الكراهية في داخل الإنسان ، و (كره) بفتح الكاف ما حمل عليه الإنسان من خارج نفسه ، وبما انّ الأشخاص غير المؤمنين مقهورون للعوامل الخارجية وللقوانين الطبيعيّة ، استعمل القرآن (كره) بفتح الكاف.

ويحتمل في تفسير( طَوْعاً وَكَرْهاً ) انّ المقصود من «طوعا» هو التوافق والميل الفطري والطبيعي بين الإنسان والأسباب الطبيعيّة (مثل حبّ اي انسان للحياة) والمقصود من «كرها» هو ما فرض على الإنسان من الخارج مثل موت أحد الأشخاص بسبب المرض او اي عامل طبيعي آخر.

3 ـ ما هو معنى كلمة الظلال؟

«الظّلال» جمع «ظل» واستعمال هذه الكلمة في الآية يشير الى انّ المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي ، فظلال الكائنات ليست خاضعة لارادتهم واختيارهم ، بل هو تسليم لقانون الضوء ، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني ، يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة.

٣٦٤

وطبيعي ليس المقصود من «الظلال» انّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود مادّي كي يكون لها ظلال ، ولكن الآية تشير الى تلك الأشياء التي لها ظلال ، فمثلا يقال : انّ جمعا من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي ، وليس المقصود هنا انّ لكلّ العلماء أبناء «فتدبّر».

وعلى ايّة حال فإنّ الظلّ امر عدمي ، وهو ليس اكثر من فقدان النّور ، ولكن له آثارا ووجودا بسبب النّور المحيط به ، ولعلّ الآية تشير الى هذه النقطة ، وهي انّه حتّى الظلال خاضعة لله.

4 ـ ما هو معنى كلوة( الْآصالِ ) ؟

«الآصال» جمع «اصل» وهي جمع «اصيل» ومعناه آخر وقت من النهار ، ولذلك يعتبر اوّل الليل ، والغدو جمع غداة بمعنى اوّل النهار.

ورغم انّ السجود والخضوع للأشياء الكونية في مقابل الأوامر الالهيّة دائمة ومستمرّة في كلّ وقت ، ولكن ذكرها هنا في موقعين (الصبح والعشاء) امّا انّه كناية عن دوام الوقت ، فمثلا تقول : انّ فلانا يطلب العلم صباحا ومساء ، فالمقصود وهو انّه في كلّ وقت يطلب العلم ، وامّا ان يكون المقصود من الآية ما جاء في الكلام عن الظلال والتي تكون واضحة اكثر في اوّل النهار وآخره.

* * *

٣٦٥

الآية

( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) )

التّفسير

لماذا عبادة الأصنام؟

كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله واثبات وجوده ، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات ، حيث تخاطب ـ اوّلا ـ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث تقول :( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ثمّ تأمر النّبي ان يجيب على السؤال قبل ان ينتظر جوابهم( قُلِ اللهُ ) ثمّ انّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة( قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا ) .

لقد بيّن ـ اوّلا ـ عن طريق ربوبيته انّه المدبّر والمالك لهذا العالم ، ولكلّ خير

٣٦٦

ونفع من جانبه ، وقادر على دفع اي شرّ وضرّ ، وهذا يعني انّكم بقبولكم لربوبيته يجب ان تطلبوا كلّ شيء من عنده لا من الأصنام العاجزة عن حلّ ايّة مشكلة لكم. ثمّ يذهب الى ابعد من ذلك حيث يقول : انّ هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا فكيف يمكنها ان تنفعكم او تضرّكم؟ وهم والحال هذه لا يحلّون اي عقدة لكم حتّى لو قمتم بعبادتهم ، فهؤلاء لا يستطيعون تدبير أنفسهم فما ذا ينتظر منهم؟

ثمّ يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الافراد الموحّدين والمشركين ، فيقول اوّلا :( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ) فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا يصحّ قياس الأصنام على الخالق جلّ وعلا.

ويقول ثانيا :( أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ ) كيف يمكن ان نساوي بين الظلام الذي يعتبر قاعدة الانحراف والضلال ، وبين النّور المرشد والباعث للحياة ، وكيف يمكن ان نجعل الأصنام التي هي الظّلمات المحضة الى جنب الله الذي هو النّور المطلق ، وما المناسبة بين الايمان والتوحيد اللذان هما نور القلب والروح ، وبين الشرك اصل الظلام؟!

ثمّ يدلل على بطلان عقيدة المشركين عن طريق آخر فيقول :( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ) والحال ليس كذلك ، فإنّ المشركين أنفسهم لا يعتقدون بها ، فهم يعلمون انّ الله خالق كلّ شيء ، وعالم الوجود مرتبط به ، ولذلك تقول الآية :( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) .

* * *

٣٦٧

بحوث

1 ـ الخالقية والرّبوبية يتطلّبان العبادة

يمكن ان يستفاد من الآية أعلاه انّ الخالق هو الربّ المدبّر ، لانّ الخلقة امر مستمر ودائمي ، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم ، بل انّه تعالى يفيض بالوجود عليهم باستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته المقدّسة ، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله ، ولهذا السبب يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء الّا منه ، فهل يوجد احد غير الله احقّ بالعبادة؟

2 ـ كيف يسأل ويجيب بنفسه؟

بالنظر الى الآية أعلاه يطرح هذا السؤال : كيف امر الله نبيّه ان يسأل المشركين : من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون ان ينتظر منهم الجواب يأمر النّبي ان يجيب هو على السؤال وبدون فاصلة يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام ، اي طراز هذا في السؤال والجواب؟

ولكن مع الالتفات الى هذه النقطة يتّضح لنا الجواب وهو انّه في بعض الأحيان يكون الجواب للسؤال واضح جدّا ولا يحتاج الى الانتظار. فمثلا نسأل أحدا : هل الوقت الآن ليل ام نهار؟ وبلا فاصلة نجيب نحن على السؤال فنقول : الوقت بالتأكيد ليل. وهذه كناية لطيفة ، حيث انّ الموضوع واضح جدّا ولا يحتاج الى الانتظار للجواب ، بالاضافة الى انّ المشركين يعتقدون بخلق الله للعالم ولم يقولوا ابدا انّ الأصنام خالقة السّماء والأرض ، بل كانوا يعتقدون بشفاعتهم وقدرتهم على نفع الإنسان ودفع الضرر عنه ، ولهذا السبب كانوا يعبدوهم. وبما انّ الخالقية غير منفصلة عن الرّبوبية يمكن ان نخاطب المشركين بهذا الحديث ونقول : أنتم الذين تقولون بأنّ الله خالق ، يجب ان تعرفوا انّ الربوبية لله كذلك ،

٣٦٨

ويختصّ بالعبادة ايضا لذلك.

3 ـ العين المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان

يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير) و (الظّلمات والنّور) الى هذه الحقيقة ، وهي انّ النظر يحتاج الى شيئين : العين المبصرة ، وشعاع الشمس ، بحيث لو انتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا تتحقّق ، والآن يجب ان نفكّر : كيف حال الافراد المحرومين من البصر والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا ، فقلوبهم عمي ومحيطهم مليء بالكفر وعبادة الأصنام ، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع. وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم الى الحقّ ، واستلهامهم من نور الوحي وارشادات الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح.

4 ـ هل انّ خلق الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟

استدلّ جمع من اتباع مدرسة الجبر انّ جملة( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) في الآية أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الافراد ، فالله خالق اعمالنا ونحن غير مختارين.

يمكن ان نجيب على هذا القول بطريقين :

اوّلا : الجمل الاخرى للآية تنفي هذا الكلام ، لانّها تلوم المشركين بشكل اكيد فإذا كانت اعمالنا غير اختيارية ، فلما ذا هذا التوبيخ؟! وإذا كانت ارادة الله ان نكون مشركين فلما ذا يلومنا؟! ولماذا يسعى بالأدلّة العقليّة لتغيير مسيرتهم من الضلالة الى الهداية؟ كلّ هذا دليل على أنّ الناس أحرار في انتخاب طريقهم.

ثانيا : انّ الخالقية بالذات من مختصّات الله تعالى. ولا يتنافى مع اختيارنا في الأفعال ، لانّ ما نمتلكه من القدرة والعقل والشعور ، وحتّى الاختيار والحرية ، كلّها

٣٦٩

من عند الله ، وعلى هذا فمن جهة هو الخالق (بالنسبة لكلّ شيء وحتّى أفعالنا) ومن جهة اخرى نحن نفعل باختيارنا ، فهما في طول واحد وليس في عرض وأفق واحد ، فهو الخالق لكلّ وسائل الأفعال ، ونحن نستفيد منها في طريق الخير او الشرّ.

فمثلا الذي يؤسّس معملا لتوليد الكهرباء او لإنتاج أنابيب المياه ، يصنعها ويضعها تحت تصرّفنا ، فلا يمكن ان نستفيد من هذه الأشياء الّا بمساعدته ، ولكن بالنتيجة يكون التصميم النهائي لنا ، فيمكن ان نستفيد من الكهرباء لامداد غرفة عمليات جراحية وانقاذ مريض مشرف على الموت ، او نستخدمها في مجالس اللهو والفساد ، ويمكن ان نروي بالماء عطش انسان ونسقي وردا جميلا ، او نستخدم الماء في إغراق دور الناس وتخريبها.

* * *

٣٧٠

الآية

( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (17) )

التّفسير

وصف دقيق لمنظر الحقّ والباطل :

يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته الى الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة الى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال الحسّية الرائعة من حياة الناس ، وهنا ـ ايضا ـ لأجل ان يجسّم حقائق الآيات السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك ، الايمان والكفر ، الحقّ والباطل ، يضرب مثلا واضحا جدّا لذلك

يقول اوّلا :( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ) الماء عماد الحياة واصل النمو والحركة ،

٣٧١

( فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ) تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها ، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض ، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف امامها ، وفي هذه الأثناء يظهر الزّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم :( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ) .

«الرابي» من «الربو» بمعنى العالي او الطافي ، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل.

وليس ظهور الزبد منحصرا بهطول الأمطار ، بل( وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ) (1) اي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها او صناعة الوسائل اللازمة في الحياة.

بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع ، يستنتج القرآن الكريم( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ) ثمّ يتطرّق الى شرحه فيقول :( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) .

فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاء ويصير باطلا متلاشيا ، وامّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض او ينفذ الى الاعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش ، وتروي الأشجار لتثمر ، والازهار لتتفتّح ، وتمنح لكلّ شيء الحياة.

وفي آخر الآية ـ للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال ـ يقول تعالى :( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ ) .

* * *

__________________

(1) تشير هذه الآية الى الافران التي تستعمل لصهر الفلزان ، فهذه الافران تتميّز بوجود النّار من تحتها ومن فوقها يعني نار تحت الفلز ونار فوقه ، وهذه من أفضل انواع الافران حيث تحيط بها النّار من كلّ جانب.

٣٧٢

بحوث

هذا المثال البليغ الذي عبّر عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل بأروع صورة ، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا الى قسم منها :

1 ـ ما هي علائم معرفة الحقّ والباطل؟

يحتاج الإنسان في بعض الأحيان لمعرفة الحقّ والباطل ـ إذا أشكل عليه الأمر ـ الى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال المثال أعلاه :

الف : ـ الحقّ مفيد ونافع دائما ، كالماء الصافي الذي هو اصل الحياة. امّا الباطل فلا فائدة فيه ولا نفع ، فلا الزبد الطافي على الماء يروي ظمآنا أو يسقي أشجارا ، ولا الزبد الظاهر من صهر الفلزات يمكن ان يستفاد منه للزينة او للاستعمالات الحياتية الاخرى ، وإذا استخدمت لغرض فيكون استخدامها رديئا ولا يؤخذ بنظر الاعتبار كما نستخدم نشارة الخشب للإحراق.

باء : ـ الباطل هو المستكبر والمرفّه كثير الصوت ، كثير الأقوال لكنّه فارغ من المحتوى ، امّا الحقّ فمتواضع قليل الصوت ، وكبير المعنى ، وثقيل الوزن(1) .

جيم ـ الحقّ يعتمد على ذاته دائما ، امّا الباطل فيستمدّ اعتباره من الحقّ ويسعى للتلبّس به ، كما انّ (الكذب يتلبّس بضياء الصدق) ولو فقد الكلام الصادق من العالم لما كان هناك من يصدق الكذب. ولو فقدت البضاعة السليمة من العالم لما وجد من يخدع ببضاعة مغشوشة. وعلى هذا فوجود الباطل راجع الى شعاعه الخاطف واعتباره المؤقّت الذي سرقه من الحقّ ، امّا الحقّ فهو مستند الى نفسه واعتباره منه.

__________________

(1) يقول الامام عليعليه‌السلام في وصفه أصحابه يوم الجمل «وقد ارعدوا وابرقوا ومع هذين الأمرين الفشل ، ولسنا نرعد حتّى نوقع ولا نسيل حتّى نمطر».

٣٧٣

2 ـ ما هو الزّبد؟

«الزبد» بمعنى الرغوة التي تطفوا على السائل ، والماء الصافي اقلّ رغوة ، لانّ الزبد يتكوّن بسبب اختلاط الأجسام الخارجية مع الماء ، ومن هنا يتّضح انّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث ابدا ، ولكن لامتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث فإنّه يكتسب منه شيئا ، فتختلط الحقيقة مع الخرافة ، والحقّ بالباطل ، والصافي بالخابط. فيظهر الزبد الباطل الى جانب الحقّ.

وهذا هو الذي يؤكّده الامام عليعليه‌السلام حيث يقول : لو انّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين ، ولو انّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السن المعاندين».(1) .

يقول بعض المفسّرين انّ للآية أعلاه ثلاث امثلة : «نزول آيات القرآن» تشبيه بنزول قطرات المطر للخير ، «قلوب الناس» شبيهة بالأرض والوديان وبقدر وسعها يستفاد منها ، «وساوس الشيطان» شبيهة بالزبد الطافي على الماء ، فهذا الزبد ليس من الماء ، بل نشأ من اختلاط الماء بمواد الأرض الاخرى ، ولهذا السبب فوساوس النفس والشيطان ليست من التعاليم الالهية ، بل من تلوّث قلب الإنسان ، وعلى ايّة حال فهذه الوساوس تزول عن قلوب المؤمنين ويبقى صفاء الوحي الموجب للهداية والإرشاد.

3 ـ الاستفادة تكون بقدر الاستعداد واللياقة!

يستفاد من هذه الآية ـ ايضا ـ انّ مبدا الفيض الالهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة ، كما انّ السحاب يسقط امطاره في كلّ مكان بدون قيد او

__________________

(1) نهج البلاغة ، الخطبة 50.

٣٧٤

شرط ، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها ، فالأرض الصغيرة تستفيد اقلّ والأرض الواسعة تستفيد اكثر ، وهكذا قلوب الناس في مقابل الفيض الالهي.

4 ـ الباطل والأوضاع المضطربة

عند ما يصل الماء الى السهل او الصحراء ويستقرّ فيها ، تبدا المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد فيظهر الماء النقي مرّة ثانية ، وعلى هذا النحو فالباطل يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها ، ولكن بعد استقرار السوق وجلوس كلّ تاجر في مكانه المناسب وتحقق الالتزامات والضوابط في المجتمع ، لا يجد الباطل له مكانا فينسحب بسرعة!

5 ـ الباطل يتشكّل بأشكال مختلفة

انّ واحدة من خصائص الباطل هي انّه يغيّر لباسه من حين لآخر ، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع ان يخفي وجهه بلباس آخر ، وفي الآية أعلاه اشارة لطيفة لهذه المسألة ، حيث تقول : لا يظهر الزبد في الماء فقط ، بل يظهر حتّى في الافران المخصوصة لصهر الفلزات بشكل ولباس آخر ، وبعبارة اخرى فإنّ الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب لها. وعلى هذا يجب ان لا نخدع بتنوّع الوجوه وان نعرف أوجه الباطل ونطرحه جانبا.

6 ـ ارتباط البقاء بالنفع

تقول الآية :( وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) ليس الماء فقط يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه ، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة او للمتاع

٣٧٥

يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادئ لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم ، وإذا ما رأينا بقاء اصحاب المبادئ الباطلة لفترة فإنّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي اختلط فيه ، وبهذا المقدار له حقّ الحياة.

7 ـ كيف يطرد الحقّ الباطل؟

«الجفاء» بمعنى الإلقاء والإخراج ، ولهذا نكتة لطيفة وهي انّ الباطل يصل الى درجة لا يمكن فيها ان يحفظ نفسه ، وفي هذه اللحظة يلقى خارج المجتمع ، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ ، فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويقذف الى الخارج ، وهذا دليل على انّ الحقّ يجب ان يكون في حالة هيجان وغليان دائما حتّى يبعد الباطل عنه.

8 ـ الباطل مدين للحقّ ببقائه

كما قلنا في تفسير الآية ، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد ، ولا يمكن له ان يستمر ، كما انّه لولا وجود الحقّ فإنّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك اشخاص صادقون لما وقع احد تحت تأثير الافراد الخونة ولما صدّق بمكرهم ، فالشعاع الكاذب للباطل مدين في بقائه لنور الحقّ.

9 ـ صراع الحقّ والباطل مستمر

المثال الذي ضربه لنا القرآن الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدودا في زمان ومكان معينين ، فهذا المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة ، وهذا يبيّن انّ عمل الحقّ والباطل ليس مؤقتا وآنيا. وجريان الماء

٣٧٦

العذب والمالح مستمر الى نفخ الصور ، الّا إذا تحوّل المجتمع الى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور وقيام الامام المهديعليه‌السلام ) فعنده ينتهي هذا الصراع ، وينتصر الحقّ ويطوي بساط الباطل ، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها ، والى ان نصل الى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل ، ويجب ان نحدّد موقفنا في هذا الصراع.

10 ـ تزامن الحياة مع السعي والجهاد

المثال الرائع أعلاه يوضّح هذا الأساس لحياة الناس ، وهو انّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة ، والعزّة بدون سعي غير ممكنة ايضا ، لانّه يقول : يجب ان يذهب الناس الى المناجم لتهيئة مستلزمات حياتهم في المتاع والزينة( ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ ) . وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران الافران للحصول على الفلز الخالص الصالح للاستعمال ، وهذا لا يتمّ الّا من خلال السعي والمجاهدة والعناء.

وهذه هي طبيعة الحياة حيث يوجد الى جانب الورد الشوك ، والى جانب النصر توجد المصاعب والمشكلات ، وقالوا في القديم : (الكنوز في الخرائب وفوق كلّ كنز يوجد ثعبان نائم) ، فإنّ هذه الخربة والثعبان تمثّلان المشاكل والصعوبات للحصول على الموفّقية في الحياة.

ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة وهي انّ التوفيق لا يحصل الّا بتحمّل المصاعب والمحن ، يقول جلّ وعلا في الآية (214) من سورة البقرة :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) .

٣٧٧

الأمثال في القرآن :

انّ دور المثال في توضيح وتفسير الغايات له اهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار ، ولهذا السبب لا يوجد اي علم يستغني عن ذكر المثال لاثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها الى الأذهان ، وتارة ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء الى الأرض وتكون مفهومة للجميع ، فيمكن ان يقال : انّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث العلمية والتربوية والاجتماعية والاخلاقية وغيرها ، ومن جملة تأثيراته :

1 ـ المثال يجعل المسائل محسوسة :

من المعلوم أنّ الإنسان يأنس بالمحسوسات أكثر ، أمّا الحقائق العلمية المعقّدة فهي بعيدة المنال. والأمثال تقرّب هذه الفواصل وتجعل الحقائق المعنوية محسوسة ، وإدراكها يسير ولذيذ.

2 ـ المثال يقرّب المعنى :

تارة يحتاج الإنسان لاثبات مسألة منطقية او عقلية الى ادلّة مختلفة ، ومع كلّ هذه الادلّة تبقى هناك نقاط مبهمة محيطة بها ، ولكن عند ذكر مثال واضح منسّق مع الغاية يقرّب المعنى ويعزّز الادلّة ويقلّل من كثرتها.

3 ـ المثال يعمّم المفاهيم

كثير من البحوث العلمية بشكلها الاصلي يفهمها الخواص فقط ، ولا يستفيد منها عامّة الناس ، ولكن عند ما يصحبها المثال تكون قابلة للفهم ، ويستفيد منها الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية ، ولهذا فالمثال وسيلة لتعميم الفكر

٣٧٨

والثقافة.

4 ـ المثال ، يزيد في درجة التصديق :

مهما تكن الكليّات العقلية منطقية ، فإنّها لا تخلق حالة اليقين الكافية في ذهن الإنسان ، لانّ الإنسان يبحث عن اليقين في المحسوسات ، فالمثال يجعل من المسألة الذهنيّة واقعا عينيّا ، ويوضّحها في العالم الخارجي ، ولهذا السبب فإنّ له اثره في زيادة درجة تصديق المسائل وقبولها.

5 ـ المثال يخرس المعاندين :

كثيرا ما لا تنفع الادلّة العقليّة والمنطقيّة لاسكات الشخص المعاند حيث يبقى مصرّا على عناده ولكن عند ما نصب الحديث في قالب المثال نوصد الطريق عليه بحيث لا يبقى له مجال للتبرير ولا لاختلاق الاعذار. ولا بأس ان نطرح هنا بعض الامثلة حتّى نعرف مدى تأثيرها : نقرا في القرآن الكريم انّ الله سبحانه وتعالى يرد على الذين اشكلوا على ولادة السّيد المسيحعليه‌السلام كيف انّه ولد من امّ بغير أب( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) .(1)

لاحظوا جيدا ، فنحن مهما حاولنا ان نقول للمعاندين : انّ هذا العمل بالنسبة الى قدرة الله المطلقة لا شيء ، فمن الممكن ان يحتجّوا ايضا ، ولكن عند ما نقول لهم هل تعتقدون انّ آدم خلقه الله من تراب؟ فإنّ الله الذي له هذه القدرة كيف لا يستطيع إيجاد شخص بدون أب؟!

__________________

(1) آل عمران ، 59.

٣٧٩

وبالنسبة الى المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم ايّاما مريحة ظاهرا ، فإنّ القرآن الكريم يضرب مثالا رائعا عن حالهم ، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول( يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(1) .

فهل يوجد أوضح من هذا الوصف للمنافق التائه في الطريق ، ليستفيد من نفاقه وعمله كي يستمرّ في حياته؟

وعند ما تقول للافراد : انّ الإنفاق يضاعفه لكم الله عدّة مرّات قد لا يستطيعون ان يفهموا هذا الحديث ، ولكن يقول القرآن الكريم :( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) (2) ، وهذا المثال الواضح اقرب للإدراك.

وغالبا ما نقول : انّ الرياء لا ينفع الإنسان ، فقد يكون هذا الحديث ثقيلا على البعض ، كيف يمكن لهذا العمل ان يكون غير مفيد ، فبناء مستشفى او مدرسة حتّى لو كان بقصد الرياء لماذا ليست له قيمة عند الله؟!

ولكن يضرب الله مثالا رائعا حيث يقول :( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً ) .(3) ولكي لا نبتعد كثيرا فالآية التي نحن بصدد تفسيرها تبحث في مجال الحقّ والباطل وتجسّم هذه المسألة بشكل دقيق ، المقدّمات والنتائج ، والصفات والخصوصيات والآثار ، وتجعلها قابلة الفهم للجميع وتسكت المعاندين ، واكثر

__________________

(1) البقرة ، 20.

(2) البقرة ، 261.

(3) البقرة ، 264.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416