الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95359 / تحميل: 4873
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

قال المصنّف ـ عطّر الله ضريحه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء ها هنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة [ في ] كون الشيء مرئيا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود ، سواء كان في حيّز أم لا ، وسواء كان مقابلا أم لا!

فجوّزوا إدراك الكيفيات النفسانية ـ كالعلم ، [ وإلإرادة ، ] والقدرة ، والشهوة ، واللذّة ـ ، وغير النفسانية ممّا لا يناله البصر ـ كالروائح ، والطعوم ، والأصوات ، والحرارة ، والبرودة ، وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ(٢) .

ولا شكّ أنّ هذا مكابرة للضروريّات ، فإنّ كلّ عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك بالذوق لا بالبصر ، والروائح إنّما تدرك بالشمّ لا بالبصر(٣) ، والحرارة ـ وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ إنّما تدرك باللمس لا بالبصر ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦١ ـ ٦٣ ، تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٣.

(٣) كان في الأصل : « بالإبصار » ، وما أثبتناه من المصدر ليناسب وحدة السياق.

٨١

والصوت إنّما يدرك بالسمع لا بالبصر

[ ولهذا فإنّ فاقد البصر يدرك هذه الأعراض ؛ ولو كانت مدركة بالبصر لاختلّ الإدراك باختلاله ].

وبالجملة : فالعلم بهذا الحكم لا يقبل التشكيك ، وإنّ من شكّ فيه فهو سوفسطائي.

ومن أعجب الأشياء : تجويزهم عدم رؤية الجبل الشاهق في الهواء ، مع عدم الساتر! وثبوت رؤية هذه الأعراض التي لا تشاهد ولا تدرك بالبصر!

وهل هذا إلّا عدم تعقّل من قائله؟!(١) .

__________________

(١) اختلفت النسخ في إيراد هذه الجملة ؛ ففي المخطوط وطبعة طهران : « وهل هذا الأمر يغفل قائله؟! » وفي طبعة القاهرة وإحقاق الحقّ : « وهل هذا إلّا من تغفّل قائله؟! » ؛ ولا شكّ أنّ التصحيف قد طرأ عليها على أثر سقوط كلمة « عدم » ؛ وما أثبتناه من المصدر هو المناسب للسياق.

٨٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري استدلّ بالوجود على إثبات جواز رؤية الله تعالى(٢) .

وتقرير الدليل ـ كما ذكر في « المواقف » وشرحه ـ : أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرها ، من الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ؛ وهذا ظاهر.

ونرى الجوهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ، لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة.

فالطول مثلا ، إن قام بجزء واحد ، فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر ، فيقبل القسمة ؛ هذا خلف.

وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض [ الواحد ] بمحلّين ؛ وهو محال.

فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١١٨ ـ ١٢٢.

(٢) انظر : الإبانة عن أصول الديانة : ٦٦ الدليل ٨١ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٧ ؛ وقال به الباقلّاني أيضا في تمهيد الأوائل : ٣٠١ ، وفخر الدين الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٨ والمسائل الخمسون : ٥٦ الوجه الأوّل ، والتفتازاني في شرح العقائد النسفية : ١٢٦.

٨٣

فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود ، وانتفائها عند العدم ، ولو لا تحقّق أمر يصحّح حال الوجود غير [ متحقّق ] حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجّح.

وهذه العلّة لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ، وإلّا لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة ، وهو غير جائز.

ثمّ نقول : هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ، لكنّ الحدوث عدمي لا يصلح للعلّة ، فإذا العلّة المشتركة : الوجود ، فإنّه مشترك بينها وبين الواجب ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في حقّ الله تعالى ، فتتحقّق صحّة الرؤية ؛ وهو المطلوب.

ثمّ إنّ هذا الدليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود : كالأصوات ، والروائح ، والملموسات ، والطعوم ـ كما ذكره هذا الرجل ـ ، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول : لا يلزم من صحّة الرؤية لشيء تحقّق الرؤية له.

وإنّا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من الله تعالى بذلك ـ أي بعدم رؤيتها ـ فإنّ الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فينا ، ولا يمتنع أن يخلق الله فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها.

والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون : هذه مكابرة محضة ، وخروج عن حيّز العقل بالكلّيّة.

ونحن نقول : ليس هذا الإنكار إلّا استبعادا ناشئا عمّا هو معتاد في الرؤية ؛ والحقائق ، والأحكام الثابتة المطابقة للواقع ، لا تؤخذ من العادات ،

٨٤

بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات(١) .

ثمّ من الواجب في هذا المقام أن تذكر حقيقة الرؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السليمة ، فنقول :

إذا نظرنا إلى الشمس فرأيناها ، ثمّ غمضنا العين ، فعند التغميض نعلم الشمس علما جليّا.

وهذه الحالة مغايرة للحالة الأولى التي هي الرؤية بالضرورة ، وهذه الحالة المغايرة الزائدة ليست هي تأثّر الحاسّة فقط ـ كما حقّق في محلّه ـ ، بل هي حالة أخرى يخلقها الله تعالى في العبد ، شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات.

وكما إنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء ، ومحلّها القلب ؛ كذلك البصر يدرك الأشياء ، ومحلّها الحدقة في الإنسان.

ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ ، وإن كان يستحيل أن ( يدرك الإنسان بلا مقابلة )(٢) وباقي الشروط عادة.

فالتجويز عقلي ، والاستحالة عاديّة ؛ كما ذكرنا مرارا.

فأين الاستبعاد إذا تأمّله المنصف؟!

ومآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمناه.

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ملخّصا.

(٢) في المصدر : تدرك الأشياء إلّا بالمقابلة.

٨٥

وأقول :

لا يخفى أنّ دليل الأشعري قد تكرّر ذكره في كتبهم ، واستفرغ القوم وسعهم في تصحيحه ، فلم ينفعهم ، حتّى أقرّ محقّقوهم بعدم تمامه.

فهذا شارح « المواقف » بعد ترويجه بما أمكن ، والإيراد عليه ببعض الأمور ، قال : « وفي هذا الترويج تكلّفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمّل ، فإذا الأولى ما قد قيل من أنّ التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذّر »(١) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد »(٢) بعد ما أطال الكلام في إصلاحه : « والإنصاف أنّ ضعف هذا الدليل جليّ »(٣) .

وأقرّ القوشجي في « شرح التجريد » بورود بعض الأمور عليه ممّا

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٢٩.

(٢) كان في الأصل : « شرح المطالع » وهو سهو ، بل هو « شرح المقاصد » ، فلم يعهد للتفتازاني كتاب بذاك الاسم ؛ انظر : هديّة العارفين ٦ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٤٩ رقم ١٦٨٥٦.

و« مطالع الأنوار » في المنطق ، للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ـ المتوفّى سنة ٦٨٢ ه‍ ـ ، ولكتابه شرح اسمه « لوامع الأسرار » لقطب الدين محمّد ابن محمّد الرازي ـ المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ ـ أحد تلامذة العلّامة الحلّي ، وعلى شرحه هذا حواش عديدة ، منها : حاشية لسيف الدين أحمد بن محمّد ـ حفيد سعد الدين التفتازاني ، المتوفّى سنة ٨٤٢ ه‍ ـ ؛ ومن هنا حصل اللبس في نسبة الكتاب ؛ فلاحظ!

انظر : كشف الظنون ٢ / ١٧١٥ ـ ١٧١٧ ، أمل الآمل ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ رقم ٩٠٨ ، رياض العلماء ٥ / ١٧٠ ، لؤلؤة البحرين : ١٩٤ ـ ١٩٨ رقم ٧٤.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ١٩١.

٨٦

لا يمكن دفعها(١) .

وكذلك الرازي في كتاب « الأربعين » على ما نقله عنه السيّد السعيد ;(٢) .

فحينئذ يكون ذكر الفضل له ـ بدون إشارة إلى ذلك ـ تلبيسا موهما لاعتباره عند أصحابه ، بل يكون نقصا فيهم ، إذ يعتمدون على ما لا يصلح أن يسطر ، فضلا أن يعتبر!

ولنشر إلى بعض ما يرد عليه ، فنقول : يرد عليه :

أوّلا : إنّ دعوى رؤية الجواهر الفردة ، التي هي الأجزاء التي لا تتجزّأ ، مبنيّة على ثبوتها وعلى تركّب الجسم منها ، لا من الهيولى والصورة ، وهو باطل ؛ لأنّ الجزء الواقع في وسط التركيب إمّا أن يحجب الأطراف عن التماس أو لا.

فعلى الأوّل : لا بدّ أن يلاقي كلّا منها بعضه ، فتلزم التجزئة.

وعلى الثاني : يلزم التداخل ، وهو محال ؛ وعدم زيادة الحجم ، وهو خلاف المطلوب.

وبعبارة أخرى : إنّ الوسط إمّا أن يلاقي الأطراف بكلّه

أو ببعضه

أو لا يلاقي شيئا منها

أو يلاقي بعضا دون بعض.

__________________

(١) انظر : شرح التجريد : ٤٣٣ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) كتاب الأربعين ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٧ ، وانظر : إحقاق الحقّ ١ / ١٢٢.

٨٧

فالأوّل يقتضي التداخل وعدم زيادة الحجم.

والثاني يقتضي التجزئة.

والأخيران ينافيان التأليف من الوسط والأطراف.

وإن شئت قلت : لو وضع جزء على جزء ، فإن لاقاه بكلّه لزم التداخل وعدم زيادة الحجم ، وإن لاقاه ببعضه لزمت التجزئة.

وقد ذكر شيخنا المدقّق نصير الدين ١ وغيره من العلماء وجوها كثيرة لإبطال الجوهر الفرد ، فلتراجع(١) .

ويرد عليه ثانيا : إنّه لو سلّم ثبوت الجواهر الفردة والتركيب منها ، فإثبات رؤيتها ـ كما صرّح به الدليل ـ موقوف على بطلان كون الطول والعرض عرضين قائمين بأكثر من جزء واحد ؛ لاستلزامه قيام العرض الواحد بمحلّين.

وأنت تعلم أنّه إن أريد لزوم قيام العرض بتمامه ، في كلّ واحد من المحلّين ، فهو ممنوع.

وإن أريد لزوم قيامه بمجموع المحلّين ، فمسلّم ولا بأس به.

وثالثا : إنّه لو سلّم رؤية الجواهر كالأعراض ، فتخصيص العلّة بحال الوجود محلّ نظر ، بناء على مذهبهم من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، فتصحّ رؤية المعدوم كالموجود!

ودعوى ضرورة امتناع رؤية المعدوم عقلا ، فلا تصلح لأن تتعلّق بها

__________________

(١) انظر : تجريد الاعتقاد : ١٤٥ ، أوائل المقالات : ٩٦ ـ ٩٧ رقم ٨٧ ، النكت الاعتقادية : ٢٨ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٤٦ وما بعدها ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٤ و ٤٣ ـ ٤٨ ، كشف المراد : ١٤٥ ـ ١٤٦ المسألة ٦.

٨٨

إرادة الله تعالى وقدرته ، صحيحة ؛ لكن عندنا دونهم.

إذ ليس امتناع رؤية المعدوم بأظهر من امتناع رؤية العلم ، والإرادة ، والروائح ، والطعوم ، ونحوها من الكيفيات الموجودة ، وقد أنكروا امتناع رؤيتها.

ورابعا : إنّه لو سلّم أنّ العلّة هي الوجود ، فلا نسلّم أنّه بإطلاقه هو العلّة ، بل يمكن أن تكون العلّة هي الوجود المقيّد بالحدوث الذاتي ، أو الزماني ، أو بالإمكان ، أو بما يثبت معه شروط الرؤية ، وإن قلنا : إنّ بعض هذه الأمور عدميّ ؛ لأنّها قيود ، والقيد خارج.

ويمكن ـ أيضا ـ أن تكون علّة رؤية العرض هي وجوده الخاصّ به لا المطلق ، وكذا بالنسبة إلى رؤية الجوهر.

فلا يلزم صحّة رؤية الباري سبحانه.

ودعوى أنّا قد نرى البعيد وندرك له هويّة من غير أن ندرك أنّه جوهر أو عرض ، فيلزم أن يكون المرئي هو المشترك بينهما لا نفسهما ، وأن تكون العلّة مشتركة أيضا بينهما ، باطلة ؛ لمنع ما ذكره من لزوم كون المرئي هو المشترك.

وذلك لاحتمال تعلّق الرؤية بنفس المرئي بخصوصه ، إلّا أنّ إدراكه في البعد إجماليّ.

ولو سلّم تعلّقها بالمشترك ، فهو لا يستلزم أن تكون العلّة المشتركة هي الوجود المطلق ، بل يحتمل أن تكون هي المقيّد بالإمكان والحدوث أو نحوهما ، كما عرفت.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه وعن سائر ما يورد على هذا الدليل ،

٨٩

فلا ريب ببطلانه ، لمخالفته للضرورة القاضية بامتناع رؤية بعض الموجودات ، كالكيفيات النفسانية والروائح والطعوم ، فليس هو إلّا تشكيكا في البديهيّ!

وأمّا ما ذكره من حقيقة الرؤية ، ففيه :

إنّ تلك الحالة الحاصلة عند التغميض إنّما هي صورة المرئي ، ومحلّها الحسّ المشترك أو الخيال ، لا الباصرة ، وهي موقوفة على سبق الرؤية.

فحينئذ إن كانت رؤية الله سبحانه ممتنعة ، فقد امتنعت هذه الحالة ، وإلّا فلا حاجة إلى تكلّف إثبات هذه الحالة وجعلها هي محلّ النزاع.

ولو سلّم أنّها غير موقوفة عليها ، بناء على إنّه أراد ما يشبه تلك الحالة الحاصلة عند التغميض لا نفسها ، فنحن لا نحكم عليها بالامتناع عادة بدون الشرائط كما حكم هو عليها ؛ لأنّها ـ كما زعم ـ شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات ، فكيف تمتنع بدون الشرائط؟!

مع إنّها ليست محلّ النزاع ألبتّة ، بل محلّه الرؤية المعروفة ، كما يرشد إليه دليل الأشعري السابق ، فإنّ من تأمّله عرف أنّه أراد الرؤية المعروفة.

ولذا احتاج إلى جعل العلّة للرؤية هي الوجود ، ليتسنّى له دعوى إمكان رؤية الله تعالى ، وإلّا فلو أراد رؤية أخرى غيرها ، لم يكن لإثبات كون الوجود علّة للرؤية المعروفة دخل في تجويز رؤية أخرى عليه سبحانه.

٩٠

لكنّ القوم لمّا رأوا بطلان دليل الأشعري بالبداهة ، وفساد مذهبه بالضرورة ، التجأوا ـ في خصوص المقام ـ إلى ذكر معنى للرؤية لا يعرفون حقيقته! وإلى جعله محلّا للنزاع من دون أن يخطر ـ في الصدر الأوّل ـ ببال المتنازعين ، فشوّشوا كلماتهم ، وشوّهوا وجه الحقيقة!

* * *

٩١
٩٢

هل يحصل الإدراك لمعنى في المدرك؟

قال المصنّف ـ طيّب الله مثواه ـ(١) :

المبحث السادس

في أنّ الإدراك ليس لمعنى

والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك ، وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا ، لزمهم بواسطته إنكار الضروريّات.

فإنّ العقلاء بأسرهم قالوا : إنّ صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منّا حيّا لا آفة فيه.

والأشاعرة قالوا : إنّ الإدراك إنّما يحصل لمعنى حصل في المدرك ، فإن حصل ذلك المعنى في المدرك ، حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط ؛ وإن لم يحصل ، لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط!(٢) .

وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٣) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) انظر مؤدّاه في : تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٧.

(٣) في المصدر : بالمرئي.

٩٣

عدمه كما يحصل حال وجوده ، فإنّ الواحد منّا يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلّق.

وحينئذ يلزم تعلّق الإدراك بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد ، وبأنّ الشيء قد كان موجودا ، وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ ، من الذوق والشمّ واللمس والسمع ؛ لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم!

وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح.

وأيضا : يلزم أن يكون الواحد منّا رائيا مع الساتر العظيم البقّة ، ولا يرى الفيل العظيم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر ، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأوّل وانتفى في الثاني! وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ؛ لأنّه موجود!

وعندهم أنّ كلّ موجود يصحّ رؤيته ، ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى(١) إنّما تكون بمعنى آخر.

وأيّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والبرودة والحرارة والصوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت باليد ، وذوقها باللسان ، وشمّها بالأنف ، وسماعها بالأذن؟!

وهل هذا إلّا مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات؟! ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!

__________________

(١) في المصدر : الشيء.

٩٤

وقال الفضل(١) :

الظاهر أنّه استعمل الإدراك وأراد به الرؤية ، وحاصل كلامه أنّ الأشاعرة يقولون : إنّ الرؤية معنى يحصل في المدرك ، ولا يتوقّف حصوله على شرط من الشرائط.

وهذا ما قدّمنا ذكره غير مرّة ، وبيّنّا ما هو مرادهم من هذا الكلام.

ثم إنّ قوله : « وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٢) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل حال وجوده » استدلال باطل على معنى(٣) مخترع له.

فإنّ كون الرؤية معنى يحصل في الرائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السابق.

وأمّا تعلّقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ، ولا يلزم من أقوالهم في الرؤية.

ثمّ ما ذكره من أنّ العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح ضروريّ ، مثل العلم باستحالة رؤية المعدوم

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٢) في المصدر : بالمرئي.

(٣) في المصدر : مدّعى.

٩٥

فقد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقليّة ، فممنوع ؛ وإن أراد العاديّة ، فمسلّم والاستبعاد لا يقدح في الحقائق الثابتة بالبرهان.

ثمّ ما ذكر من أنّه على تقدير كون المعنى موجودا ، كان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنّه موجود ، وكلّ موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى إنّما تكون لمعنى آخر.

فالجواب : إنّ العقل يجوّز رؤية كلّ موجود وإن استحال عادة ، فالرؤية إذا كانت موجودة [ به ] يصحّ أن ترى نفسها ، لا برؤية أخرى ، فانقطع التسلسل ، كما ذكر في الوجود على تقدير كونه موجودا ، فلا استحالة فيه ، ولا مصادمة للضرورة.

ثمّ ما ذكره من باقي التشنيعات والاستبعادات قد مرّ جوابه غير مرّة ، ونزيد جوابه في هذه المرّة بهذين البيتين(١) :

وذي سفه يواجهني بجهل

وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

* * *

__________________

(١) ينسب البيتان إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب ٧ ، كما نسبا إلى الشافعي باختلاف يسير في صدر البيت الأوّل ؛ انظر : ديوان الإمام عليّ ٧ : ٢٨ ، ديوان الشافعي : ١٤٤.

٩٦

وأقول :

لا ريب أنّ بحث المصنّف ; هنا عامّ لجميع الإحساسات الظاهريّة ولا يخصّ الرؤية ، كما يشهد له قوله : « وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ من الذوق والشمّ واللمس والسمع ».

وقوله : « وجواز لمس العلم والقدرة » وهو أيضا لم يستعمل في هذا المبحث لفظ الإدراك إلّا بالمعنى المطلق.

فالمصنّف قصد بهذين القولين التنصيص على غير الرؤية ، دفعا لتوهّم اختصاص البحث بها ؛ ومع ذلك وقع الفضل بالوهم!

كما توهّم أيضا أنّه أراد أنّ الإدراك معنى يحصل في المدرك ؛ والحال أنّه أراد أنّ الإدراك يحصل لأجل معنى في المدرك.

وحاصل مقصوده أنّهم قالوا : إنّ الإدراك يحصل في الحيوان لأجل معنى فيه ، كالحياة ، ولا ريب أنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالشيء على ما هو عليه في نفسه ، ولا يتقيّد الشيء ـ بالوجود ونحوه ـ إلّا لأجل تلك الشروط السابقة ، وهم لا يعتبرونها ، فيجري الإحساس بمقتضى مذهبهم مجرى العلم في عموم التعلّق.

فإذا حصل المعنى في الشخص ، لزم صحّة تعلّق الرؤية ونحوها بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد إلى غير ذلك.

مع إنّه بمقتضى مذهبهم ـ من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ـ يلزم أيضا جواز إدراك المعدوم بجميع الحواسّ الظاهريّة ، كما

٩٧

جاز رؤية العلم والقدرة ونحوهما.

فظهر أنّ ما نسبه المصنّف إليهم من جواز إدراك المعدومات ، لازم لهم من أقوالهم ، وأراد بالنسبة إليهم النسبة بحسب ما يلزمهم ، وإن لم يقولوا به ظاهرا.

ثمّ إنّه أراد بقوله : « لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم ، وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ » إلى آخره

دفع استبعاد نسبة جواز رؤية المعدوم إليهم.

وحاصله : إنّ رؤية الطعوم والروائح مستحيلة عقلا بالضرورة كرؤية المعدوم بلا فرق ، فإذا التزموا بجواز رؤية الطعوم ونحوها ، مكابرة ومخالفة لضرورة العقل والعقلاء ، لم يستبعد منهم القول بجواز رؤية المعدوم.

وبهذا تعرف أنّ ما ذكره الفضل في جوابه بقوله : « قد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقلية ، فممنوع » إلى آخره لا ربط له بكلامه ، اللهمّ إلّا أن يريد الجواب بدعوى الفرق بين الاستحالتين ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم عاديّة ، واستحالة رؤية المعدوم عقلية!

فيكون قد كابر ضرورة العقل من جهتين : من جهة : دعوى الفرق ، ومن جهة : أصل القول ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم ونحوها عاديّة.

وأمّا ما أجاب به عن التسلسل :

فمع عدم ارتباطه بمراد المصنّف ، غير دافع للتسلسل

أمّا عدم ارتباطه به ؛ فلأنّه فهم تسلسل الرؤية بأن تتعلّق الرؤية برؤية أخرى ، إلى ما لا نهاية له ، بناء منه على إنّه أراد بالمعنى : الرؤية

٩٨

ـ كما سبق ـ وقد عرفت بطلانه ؛ وأنّ مراده بالمعنى : هو الأمر الذي لأجله يحصل الإدراك ، فيكون مراده بالتسلسل ـ بناء على هذا ـ هو تسلسل هذه المعاني ، لا الرؤية ـ كما هو واضح من كلامه ـ.

وأمّا أنّه غير دافع له ؛ فلأنّ التسلسل الواقع في الرؤية إنّما هو من حيث صحّة تعلّق رؤية برؤية ، لا من حيث وجوب التعلّق ، فلا يندفع إلّا بإنكار هذه الصحّة ، لا بإثبات صحّة رؤية الرؤية بنفسها ، التي لا تنافي التسلسل في الرؤية المختلفة.

على إنّه لا معنى لصحّة رؤية الرؤية بنفسها ، للزوم المغايرة بين الرؤية الحقيقية والمرئيّ ؛ لأنّ تعلّق أمر بآخر يستدعي الاثنينيّة بالضرورة.

وأمّا ما نسبه إلى القوم ، من أنّهم دفعوا التسلسل في الوجود ، بأنّ الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر ، فلا ربط له بالمقام ؛ لأنّهم أرادوا به عدم حاجة الوجود إلى وجود آخر حتّى يتسلسل ، فكيف يقاس عليه رؤية الرؤية بنفسها؟!

نعم ، يمكن الجواب عن إشكال هذا التسلسل ، بأنّ اللازم هو التسلسل في صحّة تعلّق الرؤية برؤية أخرى إلى ما لا نهاية له ، والصحّة أمر اعتباري ، والتسلسل في الاعتباريات ليس بباطل ؛ لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، لكنّ القول بصحّة رؤية الرؤية مكابرة لضرورة العقل!

وأمّا ما استشهد به من البيتين ، فلا يليق بذي الفضل إلّا الإعراض عن معارضته!

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ثلاثة، فلو قال أردت بالثالث تأكيد الثان قبل، لان التأكيد قد يكون بتكرير اللفظ بعينه، (والاصل براء‌ة الذمة عن الزائد)(١) ، ولو قال أردت به تأكيد الاول لم يقبل، لعدم الواو في الاول ووجوده في الثاني والثالث، وللفصل بين المؤكد والمؤكد.

ولو أتى بالواو في المعطوف أولا وبثم أو بالفاء في المعطوف ثانيا لم يقبل دعوى التأكيد للتغاير.

ولو قال له درهم درهم درهم فواحد. ولو قال له درهم فدرهم فإثنان.

ولو قال أردت فدرهم لازم قبل بيمينه لو خالفه المقر له.

ولو قال له درهم فوق درهم أو تحته أو معه أو فوقه وتحته ومعه أو قبله أو بعده أو قبله وبعده فواحد، لاحتمال إرادته بالدرهم الزائد أنه للمقر، وفي القبلية والبعدية يضعف الاحتمال، من حيث أنها ظاهرة في الوجوب. ولو فسر قوله فوق درهم بالزيادة وتحته بالنقيصة قبل.

الحادي عشر: الابهام بالظرفية وشبهها، فلو قال له زيت في جرة أو سمن في عكة أو قماش في عيبة أو ألف في صندوق أو غصبته سفا في جفن أو حنطة في سفينة أو دابة عليها سرج لم يدخل الظرف ولا السرج، وقال ابن الجنيد(٢) : كل ما لا يوجد بغير ظرف كالسمن فإقراره به(٣) إقرار بظرفه وليس بذلك، وجعل الاقرار بالدابة إقرار بالسرج، بخلاف عبد عليه عمامة أو ثوب فإنه يدخل، لان له أهلية الامساك.

____________________

(١) في مابين القوسين غير موجودة في باقي النسخ.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٤٢.

(٣) في (م): فالاقرار به.

١٤١

ولو قال له جرة فيها زيت إلى آخر الظروف فهو إقرار بالظرف خاصة على الاقوى.

ولو قال له خاتم فيه فص أو فص على خاتم لم يدخل الفص في الاول ولا الخاتم في الثاني.

ولو قال له جارية وجاء بها وهي حامل صح استثناء الحمل على الاقرب.

ولو قال له في هذا العبد ألف درهم وفسره بأنه وزن في ثمن نصفه ألف درهم قبل وله النصف.

ولو قال واشتريت أنا النصف بدرهم لم يتغير الحكم.

ولو قال له نقد عني ألفا في ثمنه كان إقرارا بالاقراض.

ولو قال أرش جناية قبل، ولا يلزم الاتمام لو نقص العبد.

ولو قال أوصي له من ثمنه بألف بيع وصرف إليه ذلك إن احتمله.

ولو قال هو مرهون عنده على ألف احتمل القبول، لانه تعريض(١) للبيع، ويكون له في ثمنه ذلك.

الثاني عشر: الابهام في الاعيان وشبهها، فلو قال(٢) هذا الثوب أو هذا العبد طولب بالتعيين، فلو أنكره المقر له حلف وانتزع الحكم ما أقر به أو أقره في يد المقر، فلو عاد المقر له إلى التصديق سمع.

ولو قال علي ألف أو مائة احتمل المطالبة بالتعيين ولزوم الاول، ولو قال مائة أو ألف احتمل لزوم الثاني، ولو قال دينار أو درهم طولب بالبيان.

الثالث عشر: الابهام المستخرج بطريق استخراج المجهولات، وهو إنما يكون معتبرا لو كان المقر عالما بذلك القدر وعبر عنه بتلك العبارة، فلو لقن

____________________

(١) في باقي النسخ: تعرض.

(٢) في باقي النسخ: فلو قال له.

١٤٢

العامي الصيغة لم يترتب الحكم، ولو سمع من مقر صيغة(١) حكم بها عليه ظاهرا.

ولو ادعى الجهالة وكان ممكنا في حقه احتمل قويا سماع دعواه، فلو قال لزيد علي مال ونصف ما لعمرو ولعمرو علي مال ونصف مالزيد فلكل منهما أربعة، لان لزيد شيئا ولعمرو(٢) مال ونصف شئ فلزيد مال ونصف مال وربع شئ يعدل شيئا، يسقط ربع شئ بربع شئ يبقى(٣) مال ونصف مال يعدل ثلاثة أرباع شئ، فالشئ مالان ولكل مال نصف فيكون أربعة، ثم يسأل عن معدود الاربعة.

الرابع عشر: الابهام الممكن استخراجه من غير حساب ولا رجوع إلى المقر، كقوله له علي من الفضة بوزن هذا الصخرة أو بقدر ثمن عبد زيد أو بعدد وثيقة بكر قبل، ورجع إلى ذلك في التفسير.

الخامس عشر: الابهام من حيث العموم، فلو قال لزيد جميع ماتحت يدي أو ينسب إلي صح الاقرار واخذ به، فلو قال في شئ لم يكن هذا تحت يدي حال الاقرار قبل قوله بيمينه.

ولو قال لا حق لي عندك أو في يدك ثم رأى في عنده شيئا فقال ما كنت أعلم بهذا وهو لي سمعت دعواه، لامكانه فيحلف المتشبث إن لم يكن للمدعي بينة.

(٢٢٧) درس في الاضراب والاستثناء

لو قال له درهم بل درهم فواحد على الاقوى، ولو عين أحدهما وأبهم الآخر

____________________

(١) في (ق): صيغته.

(٢) في باقي النسخ: فلعمرو.

(٣) في (ق): فيبقى.

١٤٣

فكذلك على الاقوى، ولو عينهما فإثنان، ولوقال درهم بل درهمان فإثنان، وكذا بالعكس، ولو قال له درهم بل دينار ثبتا معا، ولو قال ماله درهم بل درهمان ثبتا، وكذا لكن درهمان.

وقواعد الاستثناء ثمان: الاولى: الاستثناء من الاثبات نفي وبالعكس، فعشره إلا واحد إن وردت عقيب النفي فواحد إذا رفع، وعقيب الاثبات تسعة إذا نصب، ولو نصب عقيب النفي فلا شئ، ولو رفع عقيب الاثبات فلا رفع، ويجب الجميع ويكون إلا وصفا.

ولو قال ما اقترضت منه عشرة إلا خمسة أمكن وجوب الخمسة للنصب على البدل، وعدم وجوب شئ للنصب على أصل الاستثناء، وقيل: إنه إذا قصد(١) بالنفي سلب المركب وهو عشرة إلا خمسة فلا شئ عليه، وإن قصد سلب العشرة لا غير، وقصد بالانقص ذلك السلب لزم(٢) ، خمسة، وهذا التوجبيه يتمشى على تقدير النصب على الاستثناء أو على البدل، وربما جعل الاحتمالان في مثل ماله عشرة إلا خمسة بالنصب، وهو بعيد، لان قصد سلب العشرة لا غير يقتضي الرفع على البدل.

الثانية: الاستثناء المتكرر بحرف عطف في حكم المستثنى الواحد فيخرج الجميع أو يدخل الجميع، وكذا لو كان الثاني أكثر أو مساويا للاول وإن كان بغير عطف.

أما لو انتفى العطف ونقص الثاني عن الاول فإنه يرجع إلى الاستثناء الاول، فلو قال له علي عشرة إلا تسعة وعد إلى الواحد فخمسة، لانا نأخذ الجمل المنفية وهي الافراد هنا، فنسقطها من المثبتة وهي الازواج فيجب الباقي.

____________________

(١) في باقي النسخ: إن قصد.

(٢) في (م): لزمه.

١٤٤

ولو أنه لما وصل إلى الواحد قال إلا إثنين إلا ثلاثة إلى التسعة لزمه واحد، لانا نضم الازواج إلى الازواج تكون ثمانية وأربعين، والافراد إلى الافراد تكون تسعة وأربعين، فإذا أسقطت الاول من الثاني بقي واحد.

ولو قال له عشرة إلا عشرة إلا أربعة صح الاستثناء ان ولزمه أربعة، لان عشرة إلا أربعة ستة وهي المنفية ولو لا الاستثناء الثاني بطل الاول.

ولو قال عشرة إلا ثلاثة وإلا إثنين فهي خمسة ولو لا الواو لكانت تسعة، وكذا لو قال إلا ثلاثة وإثنين.

ولوقال عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة فهي ثلاثة، سواء وجد الواو أو لا.

وكذا عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة حملا على التأسيس لا على التأكيد.

الثالثة: الاستثناء المتردد، كقوله عشرة إلا خمسة أو ستة المخرج منه الاقل أخذا بأول الاقرار، ويحتمل إخراج الاكثر اقتصارا على المتيقن، ويحتمل طلب التعيين منه، فإن تعذر اخرج الاقل.

الرابعة: الاستثناء من الجنس حقيقة ومن غيره مجاز، فيحمل على الاول.

ولو أخبر عن إرادة المجاز فالاقوى القبول، فلو قال له ألف درهم إلا ثوبا وأخبر عن إرادة الاخراج طولب بتفسير قيمة الثوب، فإن أبقى بعدها شيئا صح، وإن استوعب بطل الاستثناء، ويحتمل بطلان التفسير فيفسر بما يبقى. وتصوير هذا أن يكون له عليه ألف فيتلف صاحب الحق على المدين ثوبا أو يدفع إليه ثوبا قضاء فيفسر على هذه الصورة. ولو قال له علي ألف إلا درهما فهي دراهم.

ولو أخبر عن إرادة غيرها كالجوز قبل، فإن بقي شئ بعد الدرهم صح، وإن لم يبق فالاقرب بطلان الاستثناء، ويلزمه ألف جوزة، فلو قال له ألف إلا واحدا كلف التفسير، فإن فسر أحدهما تبعه الآخر، فلو قال أردت المنفصل قبل وروعي ماتقدم.

ولو قال له علي مال إلا مالا أو شئ إلا حمل على أقل متمول،

١٤٥

فيكون الاول زائدا على أقل متمول، وبالاستثناء نقص ذلك الزائد، وقال بعض العامة: هذا مستوعب فيبطل الاستثناء، ويجب أقل متمول وهو موافقه في الحكم ومخالفه في التقدير.

والفائدة أنه على التقدير الثاني لا يحتاج إلا تفسير اللفظ الثاني، بل يكفي تفسير اللفظ الاول.

وعلى ما قررناه يطلب بتفسيرهما، ويترتب عليه الاستثناء من الجنس وغيره واستغراق الاستثناء وعدمه، وعندي إن تخيل الاستغراق في هذا باطل، لان الشئ والمال من الالفاظ المتواطئة الصالحة للكثر والقليل، فجاز أن يكون الشئ الاول مساويا وغير مساو.

(٢٢٨) درس

القاعدة الخامسة: الاستثناء المستغرق باطل، ولا يحمل على الغلط، ولو ادعاه لم يسمع منه، ويجوز أن يكون الباقي أقل من المأخوذ على الاقوى وتقريره في الاصول، فلو قال له عشرة إلا عشرة لزمه عشرة، ولو قال إلا تسعة فواحد.

السادسة: إذا تعقب الاستثناء جملا فالمتصور في الاصول العود إلا الاخيرة، وربما حصلت قرينة توجب العود إلى الجميع. ثم قد تتعدد الاعداد في المستثنى والمستثنى منه، فيحتمل حينئذ في المستثنى الجميع، كما يحتمل في المستثنى منه العود إلا الجميع، فهنا أمثلة.

الاول: له عشرة دراهم وثوب إلا درهما، فإن جمعنا بين الجملتين كان الدرهم مستثنى من الدراهم والثوب بعد أن يذكر قيمة الثوب، وربما جعل هذه قرينة لعوده إلى الدراهم، لان الاستثناء المنفصل مجاز، وهو معارض بأن العود إلا الابعد أشد محذورية من المجاز.

الثاني: له دينار وعشرة دراهم إلا ثوبا قيمته ثمانية، فان جمعنا كانت

١٤٦

الثمانية موزعة على العشرة والدينار، وإن أعدناه إلى الاخير كان إقرارا بدينار ودرهمين.

الثالث: له درهمان ودرهم إلا درهما، فإن جمعنا لزمه درهمان وهو ظاهر للقرينة(١) ، وإن لم يجمع لزمه ثلاثة لاستغراق الاستثناء الرابع: له ثلاثة إلا درهمين ودرهما، إن جمعنا المستثنى لزمه ثلاثة، وإن لم يجمع لزمه درهم.

الخامس: له ثلاثة إلا درهما ودرهمين إن جمعنا فثلاثة، وإن لم نجمع فدرهمان.

السادس: له درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما يلزمه ثلاثة، جمعنا بين الاعداد أو لم نجمع، لانا إن جمعنا صار مستغرقا، وإن لم نجمع فالواحد مستغرق الآخر.

السابع: له درهم ودرهم إلا درهما إن جمعنا فعليه درهم وإلا فدرهمان، ورده الفاضل(٢) بالتناقض للنص على الافراد.

وإنما احتمل ذلك في الجميع، لانه يجوز أن يراد به بعض أفراد(٣) الدرهم، كما يراد بالقوم من قولهم جاء القوم إلا زيدا من عدا زيد.

أو هو مدفوع بإمكان التجوز عن النصف بدرهم، لصحة قولنا له درهم إلا نصفه، فكأنه استثنى من كل درهم نصفه ونصفا درهم درهم، على أن واو العطف مثابة(٤) ألف التثنية عند النحاة والاصوليين، فكأنه قال له درهمان إلا درهما، ولا نزاع في صحته، وبه علل الشيخ في الخلاف(٥) ، ولان الاستثناء من

____________________

(١) في (ق): القرينة.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٤٠.

(٣) في (م): بعض الافراد، وفي (ق): بعض أفراده.

(٤) في باقي النسخ: بمثابة.

(٥) الخلاف: ج ٢ ص ١٥٣.

١٤٧

العين صحيح عنده، مع قيام تخيل التناقض فيه، مثل له هذا الدرهم إلا نصفه.

الثامن: إنما يجمع العدد المعرف مالم يكن فيه إشارة، فلو أشار لم يجمع، مثل له هذا الدرهم وهذا الدرهم إلا هذا الدرهم، فإنه يبطل الاستثناء قطعا.

وكذا لو قال له هذا العبد وهذا العبد وهذا العبد إلا هذا العبد وهذا العبد وهذا العبد.

القاعدة السابعة: الاستثناء من الاعيان صحيح، سواء كان بأدوات الاستثناء، كقوله له هذا الدرا إلا هذا البيت أو هذا الخاتم إلا فصه، أو بغيرها، كقوله له هذه الدار والبيت لي أو الخاتم له والفص لي.

ولو قال له هذه العبيد إلا هذا العبد خرج من الاقرار، ولو قال إلا واحدا عين من شاء(١) ، فلو ماتوا إلا واحدا فعينه صح، ومن أبطله لبعد موت الجميع سوى المستثنى فهو متحكم، لان التجويز قائم والتعيين إليه.

الثامنة: قد يكون الاستثناء مجهولا، وإلى معرفته طريق غير قول المقر فيرجع إليه، مثل قوله له عشرة إلا قدر مال زيد أو إلا زنة هذه الصنجة.

ومثل المسائل الحسابية، كقوله لعمرو عشرة إلا نصف مال زيد ولزيد ستة إلا ثلث مالعمرو فلعمرو شئ فلزيد ستة إلا ثلث شئ فلعمرو عشرة وسدس شئ إلا ثلاثة تعدل شيئا، فإذا جبرت وقابلت بقي سبعة تعدل خمسة أسداس شئ، فالشئ ثمانية وخمسان وهي لعمرو ولزيد ثلاثة وخمس.

وإن شئت بدأت بزيد في العمل، فلزيد شئ فلعمرو عشرة إلا نصف شئ فلزيد ستة وسدس شئ إلا ثلاثة وثلثا يعدل شيئا، وبعد الجبر والمقابلة يبقى إثنان وثلثان يعدل خمسة أسداس شئ، فالشئ ثلاثة وخمس فهي لزيد

____________________

(١) في (م): عين ماشاء.

١٤٨

ولعمرو عشرة إلا نصف هذه وهو واحد وثلاثة أخماس، فإذا القي من عشرة بقي ثمانية وخمسان.

(٢٢٩) درس في الاقرار بالنسب

يشترط في صحة الاقرار به بلوغ المقر وعقله وعدم تكذيب الشرع له، فلا عبرة بإقرار الصبي والمجنون ولا بإقرار من(١) التحق بالغير شرعا، سواء أقر ببنوته أو إخوته أو غيرهما مما يغاير ذلك السبب الشرعي(٢) .

وكذا المنفي عنه شرعا، كولد الزنا وإن كان على فراشه، وولد اللعان وإن كان الابن يرثه.

ثم إن كان المقر به ولدا اشترط(٣) مع ذلك خمسة شروط: الاول: أن لا يكذبه الحس، فلو أقر ببنوة من هو في سنه أو أسن أو أصغر مما تقضي العادة بأنه لا يلده بطل الاقرار ولو تصادقا.

فرع:

لو دخلت حربية دار الاسلام ومعها ولد فاستلحقه مسلم أو ذمي مقيم بدار الاسلام لحق به، إلا أن يعلم عدم دخوله دار الحرب، وعدم خروجها إلى دار الاسلام، وعدم مساحقتها لموطوء‌ة فلا يلحق لتكذيب الحس إياه.

ولا يكفي إمكان إنفاذ الماء في قارورة إليها، لبعد وقوعه والانخلاق منه.

الثاني: أن لا ينازعه غيره، فلو تنازعا لم يثبت لاحدهما إلا بالبينة أو القرعة.

____________________

(١) في باقي النسخ: ولا بالاقرار بمن.

(٢) في (م) و (خ ل الاصل): النسب الشرعي.

(٣) في باقي النسخ: اشترط فيه.

١٤٩

الثالث: التصيدق إن كان أهلا له، كالحي، البالغ، العقل، ويسقط اعتباره في طرف الميت والصغير والمجنون، ويثبت نسبه. ولا عبرة بالانكار بعد أهليته. ولو طلب إحلاف المقر فليس له، لان غايته استخراج تصديقه أو نكوله، وكلاهما غير مسموع، لانه لو نفى النسب الآن صريحا لم يقبل.

ولا يقدح في ذلك التهمة في استحقاق(١) مال الصغير وإرث الميت.

الرابع: أن يكون المقر أبا، فلو أقرت الام فلابد من التصديق على الاقرب، لامكان إقامتها البينة على الولادة. والاقرار بالولد ليس إقرارا بزوجية الام، وإن كانت معروفة بالحرية، لاحتمال كونه عن شبهة أو نكاح فاسد.

الخامس: أن يكون ولدا للصلب، فلو أقر ببنوة ولد ولده فنازلا اعتبر التصديق.

وإن كان المقر به غير الولد فله شرطان آخران: أحدهما: أن لا يكذبه الحس، كما لو أقر باخوة من يمتنع تولده من أبي المقر وأمه لزيادة سن المقر به على سنهما أو مساواته.

وثانيهما: تصديق المقر به، فلو أكذبه فلا نسب، وإن صدقه توارثا، ولا يتعدى التوارث إلى وارثهما، إلا مع التصادق، وقال في المبسوط(٢) : يتعدى التوارث إلى أولادهما لا غير.

ثم هنا مسائل: لو استلحق ولد إحدى أمتيه بعينه لحق به، ولو لم يعين ومات عين الوارث،

____________________

(١) في الاصل: استئناف.

(٢) المبسوط: ج ٣ ص ٣٩.

١٥٠

فإن امتنع اقرع فيكون الآخر رقا، ولا يعرضان على القافة، ولا ينعتق نصف كل واحد منهما.

الثانية: لو كان لامته ثلاثة أولاد فأقر بأحدهم وعينه الحق به وكان الباقيان رقا، سواء كان المعين الاكبر أو الاوسط أو الاصغر، فإن مات عين الوارث، فإن امتنع فالقرعة فيعتق المقروع مطلقا، هذا على الرواية(١) المشهورة بأن الامة لاتصير فراشا بالوطئ.

وعلى الرواية الاخرى(٢) بصيرورتها فراشا إن أقربا لاكبر لحق به مع الاوسط والاصغر، وإن أقر بالاوسط لحق به مع الاصغر، وإن أقر بالاصغر لحقه وحده، وحكم القرعة كذلك.

الثالثة: لو خلف إبنا فأقر بآخر شاركه ولم يثبت نسبه، فإن أقرا بثالث وكانا عدلين ثبت نسبه، وإلا شارك. ولو أقر بالثالث أحدهما أخذ فاضل نصيبه، ولو صدق الثالث الثاني فهو شاهد فيثبت نسبه مع عدالته وعدالة الاول. ولا يكفي في ثبوت النسب إقرار جميع الورثة من دون العدالة. ولو كان له إبنان معلوما النسب فأقرا بثالث فأنكر أحدهما لم يلتفت إليه.

الرابعة: لو أقر الاخوان بإبن وكانا عدلين ثبت نسبه وارثه.

وفي المبسوط(٣) يثبت نسبه ولا يرث، لانه لو ورث لحجب الاخوين وخرجا عن الارث فيبطل إقرارهما، لانه إقرار ممن ليس بوارث، فيبطل النسب، فيبطل الارث، فيلزم منم صحة الارث بطلانه، ومن بطلانه صحته - ثم قال: - ولو قلنا يثبت الارث(٤) أيضا كان قويا، لانه يكون قد ثبت

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٥٥ من أبواب نكاح العبيد والاماء ح ١ ج ١٤ ص ٥٦٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥٦ من أبواب نكاح العبيد والاماء ح ١ ج ١٤ ص ٥٦٤.

(٣) المبسوط: ح ٣ ص ٤٠.

(٤) في باقي النسخ: الميراث.

١٥١

بشهادتهما فيتبعه الميراث لا بالاقرار.

وحاصل(١) الدور يلزم من جعلهما مقرين، لا من جعلهما شاهدين، ونحن نجعلهما شاهدين إذ العدالة هي المؤثرة لا الارث عندنا، وإن انتفت العدالة ورث خاصة، ولو كان معهما زوجة وصدقتهما دفعت نصف ما في يدها، وكذا لو انفردت بالاقرار.

الخامسة: لو أقر الاخ بإبنين دفعة وتصادقا ثبت الارث وعزل الاخ، ولا يثبت النسب، إلا مع العدالة، ولو تناكرا توارثا(٢) ، ولم يثبت النسب.

ولو أقر الاخ ببنوة أحد التوأمين لحقه الآخر، ولا اعتبار بإنكار أحدهما صاحبه.

السادسة: لو أقر بمن هو أولى منه ثم بأولى منهما، فإن صدق(٣) المقر به أولا على الثاني دفع إليه ما في يده، وإن كذبه(٤) أحلف واغرم المقر للمقر به ثانيا ما أخذه الاول، سواء بقي وراثا غيره أم لا على الاشبه.

السابعة: لو أقر بمن هو أولى منه ثم أقر بمساويه، فإن صدقه اقتسما المال، وإلا اغرم المقر للثاني قدر نصيبه. وكذا لو أقر بثالث ورابع وهكذا.

الثامنة: لو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده إن كان المقر ولدا، وإن كان المقر بالزوج أحد الابوين وكان الولد إبنا لم يدفع إليه شيئا، وإن كان بنتا دفع الفاضل عن نصيبه وهو نصف الثمن.

التاسعة: لو أقر بزوجة لذي الولد دفع إليها ثمن ما في يده إن كان المقر ولدا، وإن كان أحد الابوين أوهما دفع الفاضل، ومنهما يعلم ما لو أقر بزوج أو

____________________

(١) في باقي النسخ: وحاصله.

(٢) في باقي النسخ: ورثا.

(٣) في (ق): صدقه.

(٤) في باقي النسخ: فإن أكذبه.

١٥٢

زوجة لغير من له الولد(١) .

العاشرة: لو أقر بزوجة ثم أقر بزوجة ثانية وتصادقا اقتسما الحصة أوكذا لو أقر بثالثة ورابعة، وإن كذبته غرم مالها قدر نصيبها.

ولو أقر بخامسة ففي الغرم بها(٢) بمجرد الاقرار، أو بتكذيبه نفسه في غيرها نظر.

ولو كان الزوج مريضا وتزوج بعد الطلاق ودخل استرسل الاقرار، ولم يقف عند حد إذا مات في سنته.

(٢٣٠) درس

الحادية عشرة: لو أقر للميتة بزوج ثان لم يقبل، وفي غرمه بمجرد إقراره، أو بتكذيبه نفسه الوجهان.

ولو قلنا بالغرم فتأول كلامه بتزويجه إياها في عدة الاول ثم ماتت فظنت أنه يرثها زوجان، وكان ممن يمكن في حقه الاشتباه فالاقرب القبول.

الثانية عشرة: لو أقر الوارث ظاهرا بمساو بالمتفق عليه.

الثالثة عشرة: لو استلحق المنفي باللعان غير صاحب الفراض، ففي ثبوت نسبه وجهان: من عدم المنازع، ومن تمكن الشبهة.

ولو استحلق عبد الغير أو أمته ففي ثبوت نسبه مع التصديق، أو لا معه إذا كان غير كامل نظر، من العموم، ومن أنه يمنع إرثه بالولاء.

ولو استلحق عبد نفسه الكبير وكذبه لم يثبت النسب، وفي عتقه نظر، من

____________________

(١) في باقي النسخ: ولد.

(٢) في باقي النسخ: ففي الغرم لها.

(٣) في (م): مع يمينه.

١٥٣

إقراره بموجبه، ومن أنه فرع ثبوت النسب الذي لم يثبت، ولو كان العبد مشهور النسب فالنظر فيه أولى، بعدم العتق لالتحاقه بغيره شرعا.

الرابعة عشرة: لو تصادق البالغان على نسب، أما بنوة أو غيرها ثم رجعا ففي قبول الرجوع نظر، من ثبوت النسب شرعا فلا يرتفع بالرجوع كالنسب بالفراش، ومن أنه ثبت بمجرد الاقرار، فإذا رجعا إلا الانكر بقي على ما كان عليه، والاقرب القطع بعدم صحة الرجوع في نسب الولد، أما غيره ففيه الوجهان.

الخامسة عشرة: لو قال هذا ولدي من الزنا، فهو من باب تعقيب الاقرار بما ينافيه، فهل يؤخذ بأول كلامه فيلحق به(١) ، أو بآخره فلا يثبت له حكم النسب الشرعي؟ نظر.

السادس عشرة: لو أقر بأخ من الاب والاب وموجود فنفى ثبوته في موضع يجوز النفي لم يتوارثا، وإن تصادقا.

ولو مات الاب وهما على التصادق أو استحلقه بعد موت أبيه ففي ثبوت نسبه وجهان، من حكم الشرع بنفي البنوة فيمتنع ثبوت الاخوة التي هي فرعها، والاقرب أنه كاستلحاق ورثه الملاعن، وكذا اللعان.

وربما علل بطلان الاستلحاق بأن فيه عارا على الاب، وشرط الوارث أن يفعل مافيه حظ المورث، وهو ضعيف، ورجح الفاضل(٢) الالحاق.

السابعة عشرة: لو قال هو أخي واقتصر ثم قال أردت أخوة الدين أو الرضاع فالوجه القبول، لامكانه، ووجه عدم القبول أنه خلاف الحقيقة.

الثامنة عشرة: قسم في المبسوط(٣) الاقرار بالنسب إلى الاقرار بالنسب على

____________________

(١) في باقي النسخ: ويلحق به.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٤١.

(٣) المبسوط: ج ٣ ص ٣٨.

١٥٤

نفسه والاقرار به على غيره، وعنى بالاول الاقرار بالولد وبالثاني الاقرار بمن عداه، فإن المقر بالاخ مقر على الاب، والمقر بالعم مقر على الجد.

ولم يعتبر في الصغير التصديق بعد بلوغه في القسمين معا، بل لو أنكر البنوة بعد بلوغه لم يقبل إنكاره، وظاهره أن الاخوة بعد بلوغه لم يسمع أيضا، والمشهور اعتبار تصديق غير الولد بعد بلوغه.

التاسعة عشرة: لو أقر بأخ فكذبه المقر به ثم صدق بعد موت المقر ففي إرثه نظر، من أن في إنكاره استحقاق الوارث غيره، ومن زوال المانع من ثبوت الاخوة وهو التكذيب.

ولو أقر الاب ببنوة الكبير فكذبه فلما مات رجع إلى الاعتراف فالاشكال بحاله ولوأقر الابن بابوة رجل فأنكر فلما مات اعترف بالابوة له فالاشكال هنا أضعف، لان الاقرار بالبنوة بعد الموت مسموع في الكبير والصغير عند الاصحاب، بخلاف الاقرار بغيرها من النسب فينزل هذا الاقرار منزلة الاقرار المبتدأ، والله الموفق

[تم الجزء الاول بعون الله وحسن توفيقه، وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم، ويتلوه في الجزء الثاني كتاب المكاسب](١) .

____________________

(١) الظاهر أن ما بين المعقوفتين ليست من المصنف بل من النساخ لاختلاف النسخ فيها.

١٥٥

١٥٦

كتاب المكاسب

١٥٧

١٥٨

قال الله(١) تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم)، نزلت في تجارة الحج، وقال(٢) : (وابتغوا من فضل الله).

وعن النبي(٣) صلى الله عليه وآله أنه قال لقوم لما سمعوا قول الله تعالى(٤) : (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فكفوا عن الطلب وأقبلوا على العبادة: من فعل ذلك لم يستحب له، عليكم بالطلب.

وقال صلى الله عليه(٥) وآله: ألا إن الروح الامين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ويراد به عدم المبالغة في الطلب أو الطلب من وجه جميل.

كما روي عن الصادق(٦) عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب التضييع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها.

____________________

(١) البقرة: ١٩٨.

(٢) الجمعة: ١٠.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب مقدمات التجارة ح ٧ ج ١٢ ص ١٥.

(٤) الطلاق: ٢.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٧.

(٦) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب مقدمات التجاردح ٣ ج ١٢ ص ٣٠.

١٥٩

وقال عليه السلام(١) : أن في حكمة آل داود ينبغي للمسلم العاقل أن لا يرى ظاعنا، إلا في ثلاث مرمة لمعاش أو تزود لعاد أو لذة في غير ذات محرم.

وقال عليه السلام(٢) : الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.

وقال الكاظم(٣) عليه السلام: إياك والكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك من الددنيا والآخرة.

وعن الباقر عليه السلام(٤) : من تناول شيئا من الحرام قاصه الله به من الحلال.

وقال النبي صلى الله عليه وآله(٥) : نعم العون على تقوى الله الغنى.

وقال صلى الله عليه وآله(٦) : من المروة إصلاح المال.

وقال أيضا صلى الله عليه وآله(٧) : أن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت.

وقال عليه السلام(٨) : اللهم بارك لامتي في بكورها، وإذا(٩) أراد أحدكم الحاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام(١٠) : أن الله يحب المحترف الامين.

وعن الكاظم عليه السلام(١١) وقد عمل بيده في أرض له أن رسول الله.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢١ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٤٠ وفيه اختلاف.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٣ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٤٢.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١٨ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ ج ١٢ ص ٣٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٢٨.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٦ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ١٦.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٢١ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ ج ١٢ ص ٤٠.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب آداب التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٣٢٠.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ و ٦ ج ١٢ ص ٥٠.

(٩) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة ح ٦ ج ١٢ ص ٥٠.

(١٠) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ١٤ ج ١٢ ص ١٣.

(١١) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب مقدمات التجاره ح ٦ ج ١٢ ص ٢٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416