الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95423 / تحميل: 4877
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ثلاثة، فلو قال أردت بالثالث تأكيد الثان قبل، لان التأكيد قد يكون بتكرير اللفظ بعينه، (والاصل براء‌ة الذمة عن الزائد)(١) ، ولو قال أردت به تأكيد الاول لم يقبل، لعدم الواو في الاول ووجوده في الثاني والثالث، وللفصل بين المؤكد والمؤكد.

ولو أتى بالواو في المعطوف أولا وبثم أو بالفاء في المعطوف ثانيا لم يقبل دعوى التأكيد للتغاير.

ولو قال له درهم درهم درهم فواحد. ولو قال له درهم فدرهم فإثنان.

ولو قال أردت فدرهم لازم قبل بيمينه لو خالفه المقر له.

ولو قال له درهم فوق درهم أو تحته أو معه أو فوقه وتحته ومعه أو قبله أو بعده أو قبله وبعده فواحد، لاحتمال إرادته بالدرهم الزائد أنه للمقر، وفي القبلية والبعدية يضعف الاحتمال، من حيث أنها ظاهرة في الوجوب. ولو فسر قوله فوق درهم بالزيادة وتحته بالنقيصة قبل.

الحادي عشر: الابهام بالظرفية وشبهها، فلو قال له زيت في جرة أو سمن في عكة أو قماش في عيبة أو ألف في صندوق أو غصبته سفا في جفن أو حنطة في سفينة أو دابة عليها سرج لم يدخل الظرف ولا السرج، وقال ابن الجنيد(٢) : كل ما لا يوجد بغير ظرف كالسمن فإقراره به(٣) إقرار بظرفه وليس بذلك، وجعل الاقرار بالدابة إقرار بالسرج، بخلاف عبد عليه عمامة أو ثوب فإنه يدخل، لان له أهلية الامساك.

____________________

(١) في مابين القوسين غير موجودة في باقي النسخ.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٤٢.

(٣) في (م): فالاقرار به.

١٤١

ولو قال له جرة فيها زيت إلى آخر الظروف فهو إقرار بالظرف خاصة على الاقوى.

ولو قال له خاتم فيه فص أو فص على خاتم لم يدخل الفص في الاول ولا الخاتم في الثاني.

ولو قال له جارية وجاء بها وهي حامل صح استثناء الحمل على الاقرب.

ولو قال له في هذا العبد ألف درهم وفسره بأنه وزن في ثمن نصفه ألف درهم قبل وله النصف.

ولو قال واشتريت أنا النصف بدرهم لم يتغير الحكم.

ولو قال له نقد عني ألفا في ثمنه كان إقرارا بالاقراض.

ولو قال أرش جناية قبل، ولا يلزم الاتمام لو نقص العبد.

ولو قال أوصي له من ثمنه بألف بيع وصرف إليه ذلك إن احتمله.

ولو قال هو مرهون عنده على ألف احتمل القبول، لانه تعريض(١) للبيع، ويكون له في ثمنه ذلك.

الثاني عشر: الابهام في الاعيان وشبهها، فلو قال(٢) هذا الثوب أو هذا العبد طولب بالتعيين، فلو أنكره المقر له حلف وانتزع الحكم ما أقر به أو أقره في يد المقر، فلو عاد المقر له إلى التصديق سمع.

ولو قال علي ألف أو مائة احتمل المطالبة بالتعيين ولزوم الاول، ولو قال مائة أو ألف احتمل لزوم الثاني، ولو قال دينار أو درهم طولب بالبيان.

الثالث عشر: الابهام المستخرج بطريق استخراج المجهولات، وهو إنما يكون معتبرا لو كان المقر عالما بذلك القدر وعبر عنه بتلك العبارة، فلو لقن

____________________

(١) في باقي النسخ: تعرض.

(٢) في باقي النسخ: فلو قال له.

١٤٢

العامي الصيغة لم يترتب الحكم، ولو سمع من مقر صيغة(١) حكم بها عليه ظاهرا.

ولو ادعى الجهالة وكان ممكنا في حقه احتمل قويا سماع دعواه، فلو قال لزيد علي مال ونصف ما لعمرو ولعمرو علي مال ونصف مالزيد فلكل منهما أربعة، لان لزيد شيئا ولعمرو(٢) مال ونصف شئ فلزيد مال ونصف مال وربع شئ يعدل شيئا، يسقط ربع شئ بربع شئ يبقى(٣) مال ونصف مال يعدل ثلاثة أرباع شئ، فالشئ مالان ولكل مال نصف فيكون أربعة، ثم يسأل عن معدود الاربعة.

الرابع عشر: الابهام الممكن استخراجه من غير حساب ولا رجوع إلى المقر، كقوله له علي من الفضة بوزن هذا الصخرة أو بقدر ثمن عبد زيد أو بعدد وثيقة بكر قبل، ورجع إلى ذلك في التفسير.

الخامس عشر: الابهام من حيث العموم، فلو قال لزيد جميع ماتحت يدي أو ينسب إلي صح الاقرار واخذ به، فلو قال في شئ لم يكن هذا تحت يدي حال الاقرار قبل قوله بيمينه.

ولو قال لا حق لي عندك أو في يدك ثم رأى في عنده شيئا فقال ما كنت أعلم بهذا وهو لي سمعت دعواه، لامكانه فيحلف المتشبث إن لم يكن للمدعي بينة.

(٢٢٧) درس في الاضراب والاستثناء

لو قال له درهم بل درهم فواحد على الاقوى، ولو عين أحدهما وأبهم الآخر

____________________

(١) في (ق): صيغته.

(٢) في باقي النسخ: فلعمرو.

(٣) في (ق): فيبقى.

١٤٣

فكذلك على الاقوى، ولو عينهما فإثنان، ولوقال درهم بل درهمان فإثنان، وكذا بالعكس، ولو قال له درهم بل دينار ثبتا معا، ولو قال ماله درهم بل درهمان ثبتا، وكذا لكن درهمان.

وقواعد الاستثناء ثمان: الاولى: الاستثناء من الاثبات نفي وبالعكس، فعشره إلا واحد إن وردت عقيب النفي فواحد إذا رفع، وعقيب الاثبات تسعة إذا نصب، ولو نصب عقيب النفي فلا شئ، ولو رفع عقيب الاثبات فلا رفع، ويجب الجميع ويكون إلا وصفا.

ولو قال ما اقترضت منه عشرة إلا خمسة أمكن وجوب الخمسة للنصب على البدل، وعدم وجوب شئ للنصب على أصل الاستثناء، وقيل: إنه إذا قصد(١) بالنفي سلب المركب وهو عشرة إلا خمسة فلا شئ عليه، وإن قصد سلب العشرة لا غير، وقصد بالانقص ذلك السلب لزم(٢) ، خمسة، وهذا التوجبيه يتمشى على تقدير النصب على الاستثناء أو على البدل، وربما جعل الاحتمالان في مثل ماله عشرة إلا خمسة بالنصب، وهو بعيد، لان قصد سلب العشرة لا غير يقتضي الرفع على البدل.

الثانية: الاستثناء المتكرر بحرف عطف في حكم المستثنى الواحد فيخرج الجميع أو يدخل الجميع، وكذا لو كان الثاني أكثر أو مساويا للاول وإن كان بغير عطف.

أما لو انتفى العطف ونقص الثاني عن الاول فإنه يرجع إلى الاستثناء الاول، فلو قال له علي عشرة إلا تسعة وعد إلى الواحد فخمسة، لانا نأخذ الجمل المنفية وهي الافراد هنا، فنسقطها من المثبتة وهي الازواج فيجب الباقي.

____________________

(١) في باقي النسخ: إن قصد.

(٢) في (م): لزمه.

١٤٤

ولو أنه لما وصل إلى الواحد قال إلا إثنين إلا ثلاثة إلى التسعة لزمه واحد، لانا نضم الازواج إلى الازواج تكون ثمانية وأربعين، والافراد إلى الافراد تكون تسعة وأربعين، فإذا أسقطت الاول من الثاني بقي واحد.

ولو قال له عشرة إلا عشرة إلا أربعة صح الاستثناء ان ولزمه أربعة، لان عشرة إلا أربعة ستة وهي المنفية ولو لا الاستثناء الثاني بطل الاول.

ولو قال عشرة إلا ثلاثة وإلا إثنين فهي خمسة ولو لا الواو لكانت تسعة، وكذا لو قال إلا ثلاثة وإثنين.

ولوقال عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة فهي ثلاثة، سواء وجد الواو أو لا.

وكذا عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة حملا على التأسيس لا على التأكيد.

الثالثة: الاستثناء المتردد، كقوله عشرة إلا خمسة أو ستة المخرج منه الاقل أخذا بأول الاقرار، ويحتمل إخراج الاكثر اقتصارا على المتيقن، ويحتمل طلب التعيين منه، فإن تعذر اخرج الاقل.

الرابعة: الاستثناء من الجنس حقيقة ومن غيره مجاز، فيحمل على الاول.

ولو أخبر عن إرادة المجاز فالاقوى القبول، فلو قال له ألف درهم إلا ثوبا وأخبر عن إرادة الاخراج طولب بتفسير قيمة الثوب، فإن أبقى بعدها شيئا صح، وإن استوعب بطل الاستثناء، ويحتمل بطلان التفسير فيفسر بما يبقى. وتصوير هذا أن يكون له عليه ألف فيتلف صاحب الحق على المدين ثوبا أو يدفع إليه ثوبا قضاء فيفسر على هذه الصورة. ولو قال له علي ألف إلا درهما فهي دراهم.

ولو أخبر عن إرادة غيرها كالجوز قبل، فإن بقي شئ بعد الدرهم صح، وإن لم يبق فالاقرب بطلان الاستثناء، ويلزمه ألف جوزة، فلو قال له ألف إلا واحدا كلف التفسير، فإن فسر أحدهما تبعه الآخر، فلو قال أردت المنفصل قبل وروعي ماتقدم.

ولو قال له علي مال إلا مالا أو شئ إلا حمل على أقل متمول،

١٤٥

فيكون الاول زائدا على أقل متمول، وبالاستثناء نقص ذلك الزائد، وقال بعض العامة: هذا مستوعب فيبطل الاستثناء، ويجب أقل متمول وهو موافقه في الحكم ومخالفه في التقدير.

والفائدة أنه على التقدير الثاني لا يحتاج إلا تفسير اللفظ الثاني، بل يكفي تفسير اللفظ الاول.

وعلى ما قررناه يطلب بتفسيرهما، ويترتب عليه الاستثناء من الجنس وغيره واستغراق الاستثناء وعدمه، وعندي إن تخيل الاستغراق في هذا باطل، لان الشئ والمال من الالفاظ المتواطئة الصالحة للكثر والقليل، فجاز أن يكون الشئ الاول مساويا وغير مساو.

(٢٢٨) درس

القاعدة الخامسة: الاستثناء المستغرق باطل، ولا يحمل على الغلط، ولو ادعاه لم يسمع منه، ويجوز أن يكون الباقي أقل من المأخوذ على الاقوى وتقريره في الاصول، فلو قال له عشرة إلا عشرة لزمه عشرة، ولو قال إلا تسعة فواحد.

السادسة: إذا تعقب الاستثناء جملا فالمتصور في الاصول العود إلا الاخيرة، وربما حصلت قرينة توجب العود إلى الجميع. ثم قد تتعدد الاعداد في المستثنى والمستثنى منه، فيحتمل حينئذ في المستثنى الجميع، كما يحتمل في المستثنى منه العود إلا الجميع، فهنا أمثلة.

الاول: له عشرة دراهم وثوب إلا درهما، فإن جمعنا بين الجملتين كان الدرهم مستثنى من الدراهم والثوب بعد أن يذكر قيمة الثوب، وربما جعل هذه قرينة لعوده إلى الدراهم، لان الاستثناء المنفصل مجاز، وهو معارض بأن العود إلا الابعد أشد محذورية من المجاز.

الثاني: له دينار وعشرة دراهم إلا ثوبا قيمته ثمانية، فان جمعنا كانت

١٤٦

الثمانية موزعة على العشرة والدينار، وإن أعدناه إلى الاخير كان إقرارا بدينار ودرهمين.

الثالث: له درهمان ودرهم إلا درهما، فإن جمعنا لزمه درهمان وهو ظاهر للقرينة(١) ، وإن لم يجمع لزمه ثلاثة لاستغراق الاستثناء الرابع: له ثلاثة إلا درهمين ودرهما، إن جمعنا المستثنى لزمه ثلاثة، وإن لم يجمع لزمه درهم.

الخامس: له ثلاثة إلا درهما ودرهمين إن جمعنا فثلاثة، وإن لم نجمع فدرهمان.

السادس: له درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما يلزمه ثلاثة، جمعنا بين الاعداد أو لم نجمع، لانا إن جمعنا صار مستغرقا، وإن لم نجمع فالواحد مستغرق الآخر.

السابع: له درهم ودرهم إلا درهما إن جمعنا فعليه درهم وإلا فدرهمان، ورده الفاضل(٢) بالتناقض للنص على الافراد.

وإنما احتمل ذلك في الجميع، لانه يجوز أن يراد به بعض أفراد(٣) الدرهم، كما يراد بالقوم من قولهم جاء القوم إلا زيدا من عدا زيد.

أو هو مدفوع بإمكان التجوز عن النصف بدرهم، لصحة قولنا له درهم إلا نصفه، فكأنه استثنى من كل درهم نصفه ونصفا درهم درهم، على أن واو العطف مثابة(٤) ألف التثنية عند النحاة والاصوليين، فكأنه قال له درهمان إلا درهما، ولا نزاع في صحته، وبه علل الشيخ في الخلاف(٥) ، ولان الاستثناء من

____________________

(١) في (ق): القرينة.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٤٠.

(٣) في (م): بعض الافراد، وفي (ق): بعض أفراده.

(٤) في باقي النسخ: بمثابة.

(٥) الخلاف: ج ٢ ص ١٥٣.

١٤٧

العين صحيح عنده، مع قيام تخيل التناقض فيه، مثل له هذا الدرهم إلا نصفه.

الثامن: إنما يجمع العدد المعرف مالم يكن فيه إشارة، فلو أشار لم يجمع، مثل له هذا الدرهم وهذا الدرهم إلا هذا الدرهم، فإنه يبطل الاستثناء قطعا.

وكذا لو قال له هذا العبد وهذا العبد وهذا العبد إلا هذا العبد وهذا العبد وهذا العبد.

القاعدة السابعة: الاستثناء من الاعيان صحيح، سواء كان بأدوات الاستثناء، كقوله له هذا الدرا إلا هذا البيت أو هذا الخاتم إلا فصه، أو بغيرها، كقوله له هذه الدار والبيت لي أو الخاتم له والفص لي.

ولو قال له هذه العبيد إلا هذا العبد خرج من الاقرار، ولو قال إلا واحدا عين من شاء(١) ، فلو ماتوا إلا واحدا فعينه صح، ومن أبطله لبعد موت الجميع سوى المستثنى فهو متحكم، لان التجويز قائم والتعيين إليه.

الثامنة: قد يكون الاستثناء مجهولا، وإلى معرفته طريق غير قول المقر فيرجع إليه، مثل قوله له عشرة إلا قدر مال زيد أو إلا زنة هذه الصنجة.

ومثل المسائل الحسابية، كقوله لعمرو عشرة إلا نصف مال زيد ولزيد ستة إلا ثلث مالعمرو فلعمرو شئ فلزيد ستة إلا ثلث شئ فلعمرو عشرة وسدس شئ إلا ثلاثة تعدل شيئا، فإذا جبرت وقابلت بقي سبعة تعدل خمسة أسداس شئ، فالشئ ثمانية وخمسان وهي لعمرو ولزيد ثلاثة وخمس.

وإن شئت بدأت بزيد في العمل، فلزيد شئ فلعمرو عشرة إلا نصف شئ فلزيد ستة وسدس شئ إلا ثلاثة وثلثا يعدل شيئا، وبعد الجبر والمقابلة يبقى إثنان وثلثان يعدل خمسة أسداس شئ، فالشئ ثلاثة وخمس فهي لزيد

____________________

(١) في (م): عين ماشاء.

١٤٨

ولعمرو عشرة إلا نصف هذه وهو واحد وثلاثة أخماس، فإذا القي من عشرة بقي ثمانية وخمسان.

(٢٢٩) درس في الاقرار بالنسب

يشترط في صحة الاقرار به بلوغ المقر وعقله وعدم تكذيب الشرع له، فلا عبرة بإقرار الصبي والمجنون ولا بإقرار من(١) التحق بالغير شرعا، سواء أقر ببنوته أو إخوته أو غيرهما مما يغاير ذلك السبب الشرعي(٢) .

وكذا المنفي عنه شرعا، كولد الزنا وإن كان على فراشه، وولد اللعان وإن كان الابن يرثه.

ثم إن كان المقر به ولدا اشترط(٣) مع ذلك خمسة شروط: الاول: أن لا يكذبه الحس، فلو أقر ببنوة من هو في سنه أو أسن أو أصغر مما تقضي العادة بأنه لا يلده بطل الاقرار ولو تصادقا.

فرع:

لو دخلت حربية دار الاسلام ومعها ولد فاستلحقه مسلم أو ذمي مقيم بدار الاسلام لحق به، إلا أن يعلم عدم دخوله دار الحرب، وعدم خروجها إلى دار الاسلام، وعدم مساحقتها لموطوء‌ة فلا يلحق لتكذيب الحس إياه.

ولا يكفي إمكان إنفاذ الماء في قارورة إليها، لبعد وقوعه والانخلاق منه.

الثاني: أن لا ينازعه غيره، فلو تنازعا لم يثبت لاحدهما إلا بالبينة أو القرعة.

____________________

(١) في باقي النسخ: ولا بالاقرار بمن.

(٢) في (م) و (خ ل الاصل): النسب الشرعي.

(٣) في باقي النسخ: اشترط فيه.

١٤٩

الثالث: التصيدق إن كان أهلا له، كالحي، البالغ، العقل، ويسقط اعتباره في طرف الميت والصغير والمجنون، ويثبت نسبه. ولا عبرة بالانكار بعد أهليته. ولو طلب إحلاف المقر فليس له، لان غايته استخراج تصديقه أو نكوله، وكلاهما غير مسموع، لانه لو نفى النسب الآن صريحا لم يقبل.

ولا يقدح في ذلك التهمة في استحقاق(١) مال الصغير وإرث الميت.

الرابع: أن يكون المقر أبا، فلو أقرت الام فلابد من التصديق على الاقرب، لامكان إقامتها البينة على الولادة. والاقرار بالولد ليس إقرارا بزوجية الام، وإن كانت معروفة بالحرية، لاحتمال كونه عن شبهة أو نكاح فاسد.

الخامس: أن يكون ولدا للصلب، فلو أقر ببنوة ولد ولده فنازلا اعتبر التصديق.

وإن كان المقر به غير الولد فله شرطان آخران: أحدهما: أن لا يكذبه الحس، كما لو أقر باخوة من يمتنع تولده من أبي المقر وأمه لزيادة سن المقر به على سنهما أو مساواته.

وثانيهما: تصديق المقر به، فلو أكذبه فلا نسب، وإن صدقه توارثا، ولا يتعدى التوارث إلى وارثهما، إلا مع التصادق، وقال في المبسوط(٢) : يتعدى التوارث إلى أولادهما لا غير.

ثم هنا مسائل: لو استلحق ولد إحدى أمتيه بعينه لحق به، ولو لم يعين ومات عين الوارث،

____________________

(١) في الاصل: استئناف.

(٢) المبسوط: ج ٣ ص ٣٩.

١٥٠

فإن امتنع اقرع فيكون الآخر رقا، ولا يعرضان على القافة، ولا ينعتق نصف كل واحد منهما.

الثانية: لو كان لامته ثلاثة أولاد فأقر بأحدهم وعينه الحق به وكان الباقيان رقا، سواء كان المعين الاكبر أو الاوسط أو الاصغر، فإن مات عين الوارث، فإن امتنع فالقرعة فيعتق المقروع مطلقا، هذا على الرواية(١) المشهورة بأن الامة لاتصير فراشا بالوطئ.

وعلى الرواية الاخرى(٢) بصيرورتها فراشا إن أقربا لاكبر لحق به مع الاوسط والاصغر، وإن أقر بالاوسط لحق به مع الاصغر، وإن أقر بالاصغر لحقه وحده، وحكم القرعة كذلك.

الثالثة: لو خلف إبنا فأقر بآخر شاركه ولم يثبت نسبه، فإن أقرا بثالث وكانا عدلين ثبت نسبه، وإلا شارك. ولو أقر بالثالث أحدهما أخذ فاضل نصيبه، ولو صدق الثالث الثاني فهو شاهد فيثبت نسبه مع عدالته وعدالة الاول. ولا يكفي في ثبوت النسب إقرار جميع الورثة من دون العدالة. ولو كان له إبنان معلوما النسب فأقرا بثالث فأنكر أحدهما لم يلتفت إليه.

الرابعة: لو أقر الاخوان بإبن وكانا عدلين ثبت نسبه وارثه.

وفي المبسوط(٣) يثبت نسبه ولا يرث، لانه لو ورث لحجب الاخوين وخرجا عن الارث فيبطل إقرارهما، لانه إقرار ممن ليس بوارث، فيبطل النسب، فيبطل الارث، فيلزم منم صحة الارث بطلانه، ومن بطلانه صحته - ثم قال: - ولو قلنا يثبت الارث(٤) أيضا كان قويا، لانه يكون قد ثبت

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٥٥ من أبواب نكاح العبيد والاماء ح ١ ج ١٤ ص ٥٦٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥٦ من أبواب نكاح العبيد والاماء ح ١ ج ١٤ ص ٥٦٤.

(٣) المبسوط: ح ٣ ص ٤٠.

(٤) في باقي النسخ: الميراث.

١٥١

بشهادتهما فيتبعه الميراث لا بالاقرار.

وحاصل(١) الدور يلزم من جعلهما مقرين، لا من جعلهما شاهدين، ونحن نجعلهما شاهدين إذ العدالة هي المؤثرة لا الارث عندنا، وإن انتفت العدالة ورث خاصة، ولو كان معهما زوجة وصدقتهما دفعت نصف ما في يدها، وكذا لو انفردت بالاقرار.

الخامسة: لو أقر الاخ بإبنين دفعة وتصادقا ثبت الارث وعزل الاخ، ولا يثبت النسب، إلا مع العدالة، ولو تناكرا توارثا(٢) ، ولم يثبت النسب.

ولو أقر الاخ ببنوة أحد التوأمين لحقه الآخر، ولا اعتبار بإنكار أحدهما صاحبه.

السادسة: لو أقر بمن هو أولى منه ثم بأولى منهما، فإن صدق(٣) المقر به أولا على الثاني دفع إليه ما في يده، وإن كذبه(٤) أحلف واغرم المقر للمقر به ثانيا ما أخذه الاول، سواء بقي وراثا غيره أم لا على الاشبه.

السابعة: لو أقر بمن هو أولى منه ثم أقر بمساويه، فإن صدقه اقتسما المال، وإلا اغرم المقر للثاني قدر نصيبه. وكذا لو أقر بثالث ورابع وهكذا.

الثامنة: لو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده إن كان المقر ولدا، وإن كان المقر بالزوج أحد الابوين وكان الولد إبنا لم يدفع إليه شيئا، وإن كان بنتا دفع الفاضل عن نصيبه وهو نصف الثمن.

التاسعة: لو أقر بزوجة لذي الولد دفع إليها ثمن ما في يده إن كان المقر ولدا، وإن كان أحد الابوين أوهما دفع الفاضل، ومنهما يعلم ما لو أقر بزوج أو

____________________

(١) في باقي النسخ: وحاصله.

(٢) في باقي النسخ: ورثا.

(٣) في (ق): صدقه.

(٤) في باقي النسخ: فإن أكذبه.

١٥٢

زوجة لغير من له الولد(١) .

العاشرة: لو أقر بزوجة ثم أقر بزوجة ثانية وتصادقا اقتسما الحصة أوكذا لو أقر بثالثة ورابعة، وإن كذبته غرم مالها قدر نصيبها.

ولو أقر بخامسة ففي الغرم بها(٢) بمجرد الاقرار، أو بتكذيبه نفسه في غيرها نظر.

ولو كان الزوج مريضا وتزوج بعد الطلاق ودخل استرسل الاقرار، ولم يقف عند حد إذا مات في سنته.

(٢٣٠) درس

الحادية عشرة: لو أقر للميتة بزوج ثان لم يقبل، وفي غرمه بمجرد إقراره، أو بتكذيبه نفسه الوجهان.

ولو قلنا بالغرم فتأول كلامه بتزويجه إياها في عدة الاول ثم ماتت فظنت أنه يرثها زوجان، وكان ممن يمكن في حقه الاشتباه فالاقرب القبول.

الثانية عشرة: لو أقر الوارث ظاهرا بمساو بالمتفق عليه.

الثالثة عشرة: لو استلحق المنفي باللعان غير صاحب الفراض، ففي ثبوت نسبه وجهان: من عدم المنازع، ومن تمكن الشبهة.

ولو استحلق عبد الغير أو أمته ففي ثبوت نسبه مع التصديق، أو لا معه إذا كان غير كامل نظر، من العموم، ومن أنه يمنع إرثه بالولاء.

ولو استلحق عبد نفسه الكبير وكذبه لم يثبت النسب، وفي عتقه نظر، من

____________________

(١) في باقي النسخ: ولد.

(٢) في باقي النسخ: ففي الغرم لها.

(٣) في (م): مع يمينه.

١٥٣

إقراره بموجبه، ومن أنه فرع ثبوت النسب الذي لم يثبت، ولو كان العبد مشهور النسب فالنظر فيه أولى، بعدم العتق لالتحاقه بغيره شرعا.

الرابعة عشرة: لو تصادق البالغان على نسب، أما بنوة أو غيرها ثم رجعا ففي قبول الرجوع نظر، من ثبوت النسب شرعا فلا يرتفع بالرجوع كالنسب بالفراش، ومن أنه ثبت بمجرد الاقرار، فإذا رجعا إلا الانكر بقي على ما كان عليه، والاقرب القطع بعدم صحة الرجوع في نسب الولد، أما غيره ففيه الوجهان.

الخامسة عشرة: لو قال هذا ولدي من الزنا، فهو من باب تعقيب الاقرار بما ينافيه، فهل يؤخذ بأول كلامه فيلحق به(١) ، أو بآخره فلا يثبت له حكم النسب الشرعي؟ نظر.

السادس عشرة: لو أقر بأخ من الاب والاب وموجود فنفى ثبوته في موضع يجوز النفي لم يتوارثا، وإن تصادقا.

ولو مات الاب وهما على التصادق أو استحلقه بعد موت أبيه ففي ثبوت نسبه وجهان، من حكم الشرع بنفي البنوة فيمتنع ثبوت الاخوة التي هي فرعها، والاقرب أنه كاستلحاق ورثه الملاعن، وكذا اللعان.

وربما علل بطلان الاستلحاق بأن فيه عارا على الاب، وشرط الوارث أن يفعل مافيه حظ المورث، وهو ضعيف، ورجح الفاضل(٢) الالحاق.

السابعة عشرة: لو قال هو أخي واقتصر ثم قال أردت أخوة الدين أو الرضاع فالوجه القبول، لامكانه، ووجه عدم القبول أنه خلاف الحقيقة.

الثامنة عشرة: قسم في المبسوط(٣) الاقرار بالنسب إلى الاقرار بالنسب على

____________________

(١) في باقي النسخ: ويلحق به.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٤١.

(٣) المبسوط: ج ٣ ص ٣٨.

١٥٤

نفسه والاقرار به على غيره، وعنى بالاول الاقرار بالولد وبالثاني الاقرار بمن عداه، فإن المقر بالاخ مقر على الاب، والمقر بالعم مقر على الجد.

ولم يعتبر في الصغير التصديق بعد بلوغه في القسمين معا، بل لو أنكر البنوة بعد بلوغه لم يقبل إنكاره، وظاهره أن الاخوة بعد بلوغه لم يسمع أيضا، والمشهور اعتبار تصديق غير الولد بعد بلوغه.

التاسعة عشرة: لو أقر بأخ فكذبه المقر به ثم صدق بعد موت المقر ففي إرثه نظر، من أن في إنكاره استحقاق الوارث غيره، ومن زوال المانع من ثبوت الاخوة وهو التكذيب.

ولو أقر الاب ببنوة الكبير فكذبه فلما مات رجع إلى الاعتراف فالاشكال بحاله ولوأقر الابن بابوة رجل فأنكر فلما مات اعترف بالابوة له فالاشكال هنا أضعف، لان الاقرار بالبنوة بعد الموت مسموع في الكبير والصغير عند الاصحاب، بخلاف الاقرار بغيرها من النسب فينزل هذا الاقرار منزلة الاقرار المبتدأ، والله الموفق

[تم الجزء الاول بعون الله وحسن توفيقه، وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم، ويتلوه في الجزء الثاني كتاب المكاسب](١) .

____________________

(١) الظاهر أن ما بين المعقوفتين ليست من المصنف بل من النساخ لاختلاف النسخ فيها.

١٥٥

١٥٦

كتاب المكاسب

١٥٧

١٥٨

قال الله(١) تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم)، نزلت في تجارة الحج، وقال(٢) : (وابتغوا من فضل الله).

وعن النبي(٣) صلى الله عليه وآله أنه قال لقوم لما سمعوا قول الله تعالى(٤) : (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فكفوا عن الطلب وأقبلوا على العبادة: من فعل ذلك لم يستحب له، عليكم بالطلب.

وقال صلى الله عليه(٥) وآله: ألا إن الروح الامين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ويراد به عدم المبالغة في الطلب أو الطلب من وجه جميل.

كما روي عن الصادق(٦) عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب التضييع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها.

____________________

(١) البقرة: ١٩٨.

(٢) الجمعة: ١٠.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب مقدمات التجارة ح ٧ ج ١٢ ص ١٥.

(٤) الطلاق: ٢.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٧.

(٦) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب مقدمات التجاردح ٣ ج ١٢ ص ٣٠.

١٥٩

وقال عليه السلام(١) : أن في حكمة آل داود ينبغي للمسلم العاقل أن لا يرى ظاعنا، إلا في ثلاث مرمة لمعاش أو تزود لعاد أو لذة في غير ذات محرم.

وقال عليه السلام(٢) : الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.

وقال الكاظم(٣) عليه السلام: إياك والكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك من الددنيا والآخرة.

وعن الباقر عليه السلام(٤) : من تناول شيئا من الحرام قاصه الله به من الحلال.

وقال النبي صلى الله عليه وآله(٥) : نعم العون على تقوى الله الغنى.

وقال صلى الله عليه وآله(٦) : من المروة إصلاح المال.

وقال أيضا صلى الله عليه وآله(٧) : أن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت.

وقال عليه السلام(٨) : اللهم بارك لامتي في بكورها، وإذا(٩) أراد أحدكم الحاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام(١٠) : أن الله يحب المحترف الامين.

وعن الكاظم عليه السلام(١١) وقد عمل بيده في أرض له أن رسول الله.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢١ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٤٠ وفيه اختلاف.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٣ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٤٢.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١٨ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ ج ١٢ ص ٣٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب مقدمات التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٢٨.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٦ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ١٦.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٢١ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ ج ١٢ ص ٤٠.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب آداب التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٣٢٠.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ و ٦ ج ١٢ ص ٥٠.

(٩) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب مقدمات التجارة ح ٦ ج ١٢ ص ٥٠.

(١٠) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ١٤ ج ١٢ ص ١٣.

(١١) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب مقدمات التجاره ح ٦ ج ١٢ ص ٢٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

محمّد البدر، آخر أئمة الزيديّة، فليرجع إلى كتابنا (بحوث في الملل والنحل). (1)

فكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، فهكذا قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (250 - 360هـ)؛ حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين في طبرستان أيّام المستعين الله، وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجُرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد، ودخل بلاد الديلم عام 277هـ، ثُمَّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى 360هـ.

هذه إلمامة موجزة وضعتها أمام القارئ عن ثوّارهم ودولهم.

عقائد الزيديّة

لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلامي ولا فقهي، فلو كان يقول بالعدل والتوحيد ويكافح الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه (عليهم السّلام)، وإن كان يفتي في مورد أو موارد، فهو يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.

نعم، جاء بعد زيد مفكّرون وعاة، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيدي، متفتّحين في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفيّة، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 7/371 - 386.

٢٤١

هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.

ولا أُغالي إذا قلت: إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة، ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم، وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإن لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.

ومن ثَمَّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: ـ

1 - الوعد والوعيد.

2 - المنزلة بين المنزلتين.

3 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:

1 - خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة؛ لأنّها للعدول دون الفسّاق.

2 - الشفاعة؛ بمعنى ترفيع الدرجة، لا الحطّ من الذنوب.

3 - الفاسق في منزلة بين المنزلتين؛ فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.

٢٤٢

وأمّا الأصل الثالث، فهو ليس من خصائص الاعتزال، ولا الزيديّة، بل يشاركهم الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.

وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابي وفعله، وبذلك صاروا أكثر فِرق الشيعة انفتاحاً على أهل السنّة.

ولكن العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تميّز هذا المذاهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الانفتاح على الإماميّة والإسماعيليّة، هو القول بإمامة عليّ والحسنين بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً.

وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:

1 - صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.

2 - إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا تجوز عليه الرؤية.

3 - العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها.

4 - الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.

5 - إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: وهو الحروف والأصوات.

6 - أفعال العباد ليست مخلوقة لله سبحانه.

7 - تكليف ما يطاق قبيح، خلافاً للمجبّرة والأشاعرة.

8 - المعاصي ليس بقضاء الله.

٢٤٣

9 - الإمامة تجب شرعاً لا عقلاً، خلافاً للإمامية.

10 - النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.

11 - القضاء في فدك صحيح، خلافاً للإماميّة.

12 - خطأ المتقدّمين على عليّ في الخلافة قطعيّ.

13 - خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.

14 - توبة الناكثين صحيحة.

15 - معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه لم تثبت توبته.

هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب (القلائد في تصحيح الاعتقاد)، المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار. (1)

فرق الزيديّة:

قد ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فِرقاً، بين مقتصر على الثلاث، وإلى مفيض إلى ست، وإلى ثمان، منهم: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفِرق، وبما أنّ هذه الفِرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح، مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفِرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلاّ مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج

____________________

(1) البحر الزخّار: 52 - 96.

٢٤٤

على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل، لا بالوراثة، مع القول بتفضيل عليّ - كرم الله وجهه - وأولويتّه بالإمامة، وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين.

وأمّا أسماء تلك الفِرق والعقائد المنسوب إليهم، فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والمؤلَّفات في الفِرق الإسلاميّة كالمِلل والنحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين، فالبحث عن هذه الفِرق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللاّزم دراسة المفهوم الجامع بين فِرقهم.

٢٤٥

15

الإسماعيليّة

الإسماعيليّة فِرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبيّ أو الإمام القائم مقامه، غير أنّ هناك خلافاً بين الزيديّة والإماميّة والإسماعيليّة في عدد الأئمّة ومفهوم التنصيص.

فالأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبيّ عند الزيديّة لا يتجاوز عن الثلاثة: عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وبشهادة الأخير أغلقت دائرة التنصيص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة كما تقدم.

وأمّا الأئمّة المنصوصون عند الإماميّة فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم يظهره الله سبحانه عندما يشاء، وقد حوّل أمر الأُمّة - في زمان غيبته - إلى الفقيه العارف بالأحكام والسنن والواقف على مصالح المسلمين على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

وأمّا الإمامة عند الإسماعيليّة فهي تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ويكون انتقالها عن طريق الميلاد الطبيعي، فيكون ذلك بمثابة نصّ من الأب بتعيين الابن، وإذا كان للأب عدّة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الّذي وقع عليه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.

٢٤٦

وعلى كلّ حال فهذه الفِرقة منشقّة عن الشيعة، معتقدة بإمامة إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق (عليه السّلام)، وإليك نبذة مختصرة عن سيرة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (110 - 145هـ).

الإمام الأوّل للدعوة الإسماعيليّة:

إنّ إسماعيل هو الإمام الأوّل والمؤسّس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف وفضله أشهر من أن يُذكر، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين الّتي أنجبت أولاداً ثلاثة هم:

1 - إسماعيل بن جعفر.

2 - عبد الله بن جعفر.

3 - أُم فروة.

وكان إسماعيل أكبرهم، وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) شديد المحبّة له والبرَّ به والإشفاق عليه، مات في حياة أبيه (عليه السلام) (بالعريض) وحمل على رقاب الرّجال إلى أبيه بالمدينة حتّى دفنه بالبقيع. (1)

استشهاد الإمام الصادق (عليه السّلام) على موته:

كان الإمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الّذين كُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.

____________________

(1) إرشاد المفيد: 284.

٢٤٧

ومن الدواعي الّتي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشكّ في نفوس الشيعة في ذلك اليوم؛ هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر، وكان إسماعيل أكبر أولاده، فكانت أماني الشيعة معقودة عليه، ولأجل ذلك تركّزت جهود الإمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وأنّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن يصلح للقيادة والإمامة.

وإليك نموذجاً يؤيّد النهج الّذي انتهجه الإمام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة.

روى النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) وعند يمينه سيّد ولده موسى (عليه السّلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لي: «يا زرارة جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا.

فلمّا حشد المجلس قال: «يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا داود أحيٌّ هو أم ميّت؟» ، قال داود: يا مولاي هو ميّت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم، وكل يقول: هو ميّت يا مولاي، فقال: «اللّهم اشهد» ثُمَّ أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: (يا مفضّل أحسر عن وجهه)، فحسر عن وجهه، فقال: «أحيُّ هو أم ميّت؟» فقال له: ميّت، قال(عليه السّلام): «اللّهم اشهد عليهم» ، ثُمَّ

٢٤٨

حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضّل اكشف عن وجهه»، وقال للجماعة: (أحيّ هو أم ميّت؟)، قلنا له: ميّت، فقال: «اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم - ثُمَّ أومأ إلى موسى - والله متمّ نوره ولو كره المشركون»، ثُمَّ حثونا عليه التراب، ثُمَّ أعاد علينا القول، فقال: «الميّت، المحنّط، المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللّهم اشهد». ثُمَّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) وقال: «هو حقّ، والحقّ منه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». (1)

هل كان عمل الإمام تغطية لستره؟

إنّ الإسماعيليّة تدّعي أنّ ما قام به الإمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية؛ لستره عن أعين العباسيّين، الّذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم الّتي اعتبرتها الدولة العباسيّة منافية لقوانينها. والمعروف أنّه توجّه إلى سلمية ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستّراً بقيّة حياته.

مات في البصرة سنة 143هـ، وكان أخوه موسى بن جعفر الكاظم حجاباً عليه، أمّا وليّ عهده محمّد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. (2)

ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السّلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السريّة، حتّى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حيّ يرزق، ولم يكن عامل الخليفة

____________________

(1) غيبة النعماني: 327، الحديث 8، ولاحظ؛ بحار الأنوار: 48/21.

(2) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 180.

٢٤٩

بالمدينة المنوّرة بليداً، يكتفي بالتمويه، حتّى يتسلّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العبّاسيّة.

والظاهر أنّ إصرارهم بعدم موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر الصادق (عليه السّلام)، لأجل تصحيح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعيل؛ حتّى يتسنّى له أخذ الإمامة من أبيه الحيّ بعد حياة الإمام الصادق (عليه السّلام).

لكن الحقّ أنّه توفّي أيّام حياة أبيه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتي تعرّفت عليها، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمّالها؟!، وستْر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يُعلن بها موته، فإنّه منهج وأُسلوب السياسيّين المخادعين، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة، ومن يريد تفسير فعل الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة (وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح). وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولَده الإمام الثاني، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولَده المهدي العبّاسي، بشهادة أنّ ابن المفضّل كتب كتاباً ذكر فيه صنوف الفِرق، ثُمَّ قرأ الكتاب على الناس، فلم يذكر فيه شيئاً من تلك الفِرقة مع أنّه ذكر سائر الفِرق الشيعيّة البائدة.

والحق إنّ إسماعيل كان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّي في حياة والده وهو عنه راض، ولم تكن له أي دعوة للإمامة، ولم تظهر أي دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العبّاسي الّذي توفّي عام 169هـ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (عليه السّلام) إحدى وعشرون سنة.

٢٥٠

الخطوط العريضة للمذهب الإسماعيلي

إنّ للمذهب الإسماعيلي آراء وعقائداً:

الأُولى: انتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة:

كانت الدعوة الإسماعيليّة يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى: إمامة المسلمين، وخلافة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم، غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يُكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تضمن لها البقاء، وتستقطب أهواء الناس وميولهم.

ومن تلك العوامل الّتي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة وكونهم من ذريّة الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وكان المسلمون منذ عهد الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ، وقد كانت محبّتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

وممّا يشير إلى ذلك أنّ الثورات الّتي نشبت ضد الأُمويّين كانت تحمل شعار حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيليّة تفتخر بانتماء أئمّتهم إلى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم اشتهروا بالفاطميّين، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجّة أنّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر، وأنّ

٢٥١

تكريم ذريّة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تكريم له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فشتّان ما بين بيت أُسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

الثانية: تأويل الظواهر:

إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيليّة، وهي إحدى الدعائم الأساسيّة؛ بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر لم تتميّز عن سائر الفِرق الشيعيّة إلاّ بصرف الإمامة عن الإمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف.

إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان، ويتكيّف بمكيّفاته، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشارع أو الضرورة الدينيّة.

الثالثة: تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفيّة:

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد، كانت من أهم ميّزات العصر العبّاسي، هذه الظاهرة ولّدت رد فعل عند أئمّة الإسماعيليّة، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفيّة وجعلوها من صميم

٢٥٢

الدّين وجذوره، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلاميّة عيناً ولا أثراً.

يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: إنّ كلمة (إسماعيليّة) كانت في بادئ الأمر تدلّ على أنّها من إحدى الفِرق الشيعيّة المعتدلة، لكنّها صارت مع تطوّر الزمن حركة عقليّة تدلّ على أصحاب مذاهب دينيّة مختلفة، وأحزاب سياسيّة واجتماعيّة متعدّدة، وآراء فلسفيّة وعلميّة متنوّعة. (1)

الرابعة: تنظيم الدعوة:

ظهرت الدعوة الإسماعيليّة في ظروف ساد فيها سلطان العبّاسيّين شرق الأرض وغربها، ونشروا في كلِّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار إلى مركز الخلافة الإسلاميّة، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يُكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضدّ السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارها، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف، وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة؛ بحيث لو قُورنت مع أحدث التنظيمات الحزبيّة العصريّة، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

____________________

(1) تاريخ الدعوة الإسماعيليّة: 14.

٢٥٣

الخامسة: تربية الفدائيّين للدفاع عن المذهب:

إنّ الأقلّية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيّين مضحّين بأنفسهم في سبيل الدعوة؛ لصيانة أئمتهم ودعاتهم من تعرّض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة ويكلّفون بالتضحيات الجسديّة، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك هذا النموذج:

في سنة 500 هـ فكّر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر، أن يُهاجم قلاع الإسماعيليّة، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائيّيه فقتله بطعنة خنجر، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيّين.

السادسة: كتمان الوثائق:

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنيّة السرّيّة وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكن للأسف الشديد أنّ الإسماعيليّة كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلّفاتهم وكلّ شيء يعود لهم، ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيليّة بطوائفها أمراً مستعصياً، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم، ومن المعلوم أنّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم خارج عن أدب البحث النزيه.

٢٥٤

السابعة: الأئمّة المستورون والظاهرون:

إنّ الإسماعيليّة أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رُتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيّات واختصاصات واسعة، غير أنّ المهمَّ هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور دخل كهف الاستتار، وظاهر يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع، فالأئمّة المستورون هم الّذين نشروا الدعوة سرّاً وكتماناً، وهم:

1 - إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (110 - 145هـ).

2 - محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الحبيب) (132 - 193هـ)، ولد في المدينة المنوّرة وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء. ولقّب بالإمام المكتوم لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية.

3 - عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الوافي) (179 - 212هـ)، ولد في مدينة محمّد آباد، وتولّى الإمامة عام 193هـ بعد وفاة أبيه، وسكن السلمية عام 194هـ مصطَحباً بعدد من أتباعه؛ وهو الّذي نظّم الدعوة تنظيماً دقيقاً.

4 - أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (التقي) (198 - 265هـ)، وتولّى الإمامة عام 212هـ، سكن السلمية سرّاً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة.

5 - الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الرضي) (212 - 289هـ) تولّى الإمامة عام 265هـ، ويقال أنّه اتّخذ عبد الله بن ميمون القدّاح حجّة له وحجاباً عليه.

٢٥٥

الأئمّة الظاهرون:

6 - عبيد الله المهدي (260 - 322هـ) والمعروف بين الإسماعيليّة أنّ عبيد الله المهدي الّذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطميّة كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الّذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.

7 - محمّد بن عبيد الله القائم بأمر الله (280 - 334هـ)، ولد بالسلمية، ارتحل مع أبيه عبيد الله المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالإمامة من بعده.

8 - إسماعيل المنصور بالله (303 - 346هـ)، ولد بالقيروان، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة 334هـ.

9 - معد بن إسماعيل المعزّ لدين الله (319 - 365هـ)، مؤسس الدولة الفاطميّة في مصر.

10 - نزار بن معد العزيز بالله (344 - 386هـ)، ولي العهد بمصر سنة 365هـ، واستقلّ بالأمر بعد وفاة أبيه، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً.

11 - منصور بن نزار الحاكم بأمر الله (375 - 411هـ)، بويع بالخلافة سنة 386هـ وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام، وهو من الشخصيّات القليلة الّتي لم تتجلّ شخصيّته بوضوح، وقام بأعمال إصلاحيّة زعم مناوئوه أنّها من البدع.

وأمّا عن مصير الحاكم، فمجمل القول فيه أنّه فُقد في سنة 411هـ، ولم يُعلم مصيره، وحامت حول كيفيّة اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر.

٢٥٦

وبعد اختفائه انشقّت فِرقة من الإسماعيليّة ذهبت إلى إلوهيّة الحاكم وغيبته، وهم المعروفون اليوم بـ (الدروز) يقطنون لبنان.

12 - عليّ بن منصور الظاهر لإعزاز دين الله (395 - 427هـ)، بويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً، وشنّ حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطميّة الأصيلة.

13 - معد بن عليّ المستنصر بالله (420 - 487هـ)، بويع بالخلافة عام 427هـ، وكان له من العمر سبعة أعوام، وقد ظلّ في الحكم ستّين عاماً، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الإسلاميّة.

إلى هنا تمّت ترجمة الأئمّة الثلاثة عشر الّذين اتّفقت كلمة الإسماعيليّة على إمامتهم وخلافتهم، ولم يشذّ منهم سوى الدروز الّذين انشقوا عن الإسماعيليّة في عهد خلافة الحاكم بأمر الله، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيليّة، بين مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزاريّة تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

وسنأتي بالحديث عن الإسماعيليّة المستعلية والنزاريّة فيما يلي.

٢٥٧

الإسماعيليّة المستعلية

صارت وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق الإسماعيليّة مرّة ثانية - بعد انشقاق الدروز في المرّة الأُولى - فمنهم من ذهب إلى إمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ومنهم من ذهب إلى إمامة نزار من المستنصر بالله، وإليك الكلام في أئمّة المستعلية في هذا الفصل مقتصرين على أسمائهم وتاريخ ولادتهم ووفاتهم:

1 - الإمام أحمد بن معد بن عليّ المستعلي بالله (467 - 495هـ).

2 - الإمام منصور بن أحمد الآمر بأحكام الله (490 - 524هـ).

قال ابن خلّكان: مات الآمر بأحكام الله ولم يعقب، وربّما يقال: أنّ الآمر مات وامرأته حامل بالطيّب. فلأجل ذلك عهد الآمر بأحكام الله الخلافة إلى الحافظ، الظافر، الفائز، ثُمَّ إلى العاضد، وبما أنّ هؤلاء لم يكونوا من صلب الإمام السابق، بل كانوا من أبناء عمّه صاروا دعاة؛ حيث لم يكن في الساحة إمام، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيّب بالستر، وما تزال تنتظر عودته، وتوقّفت عن السير وراء الركب الإمامي واتّبعت نظام الدعاة المطلقين.

3 - الداعي عبد المجيد بن أبي القاسم محمّد بن المستنصر الحافظ لدين الله (467 - 544هـ).

4 - الداعي إسماعيل بن عبد المجيد الظافر بأمر الله (527 - 549 هـ).

٢٥٨

5 - الداعي عيسى بن إسماعيل الفائز بنصر الله (544 - 555هـ).

6 - عبد الله بن يوسف العاضد لدين الله (546 - 567هـ).

ثُمَّ إنّ العاضد فوّض الوزارة إلى صلاح الدين الأيّوبي الّذي بذل الأموال على أصحابه وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان، حتّى تلاشى العاضد وانحلّ أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة، وتتبّع صلاح الدين جُند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله، فقدموا من الشام عليه، وعزل قُضاة مصر الشيعة، واختفى مذهب الشيعة إلى أنّ نُسي من مصر، وقد زادت المضايقات على العاضد وأهل بيته، حتّى مرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيام، وهو آخر الخلفاء الفاطميّين بمصر، وكانت مدّتهم بالمغرب ومصر منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد 272 سنة، منها بالقاهرة 208 سنين.(1)

تتابع الدعاة عند المستعلية:

قد عرفت أنّ ركب الإمامة قد توقّف عند المستعلية وانتهى الأمر إلى الدعاة الّذين تتابعوا إلى زمان 999هـ، وعند ذلك افترقت المستعلية إلى فِرقتين: داوديّة، وسليمانيّة، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق داود بن عجب شاه، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له، ولكن اليمانيّين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخر، يُدعى سليمان بن

____________________

(1) انظر الخطط المقريزيّة: 1/358 - 359.

٢٥٩

الحسن، ويقولون: إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.

إنّ الداعي المطلق للفِرقة الإسماعيليّة المستعلية الداوديّة اليوم هو طاهر سيف الدّين، ويُقيم في بومباي الهند، أمّا الداعي المطلق للفِرقة المستعلية السليمانيّة فهو عليّ بن الحسين، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (1)

جناية التاريخ على الفاطميّين:

لاشكّ أنّ كلّ دولة يرأسها غير معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.

والدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد؛ فقد كانت لديها زلاّت وعثرات، إلاّ أنّها قامت بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّ الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته، كالجامع الأزهر الّذي ظلّ عبر الدهور يُنير الدرب لأكثر من ألف سنة، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلاميّة إلى مرتبة عالية، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.

غير أنّا نرى أنّ أكثر المؤرّخين يصوّرها بأنّها من أكثر العصور ظلاماً في التاريخ؛ شأنها في ذلك شأن سائر الفراعنة، وليس هذا إلاّ حدسيّات وتخمينات أخذها أصحاب أقلام السِّير والتاريخ من رُماة القول على عواهنه دون أن يُمعنوا فيه.

____________________

(1) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 162.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416