الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95386 / تحميل: 4875
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أي فئتين من المؤمنين وقع القتال بينهما، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يفضّل أي فئة منهما على الأُخرى، حتّى لا تحدث فتنة. (1)

2 - حرّمت الإباضيّة الزواج بين من ربطت بينهما علاقة إثم، وقد كانوا في تحريمهم لهذا الزواج يستندون إلى روح الإسلام الّذي يحارب الفاحشة. (2) وقد انفردوا به من بين سائر المذاهب.

3 - منعت الإباضيّة المسلم من إراقة ماء الوجه والتعرّض لمذلّة السؤال؛ فإذا هانت عليه كرامته، وذهب يسأل الناس الزكاة، حَرُم منها عقاباً له على هذا الهوان، وتعويداً له على الاستغناء عن الناس، والاعتماد على الكفاح. (3)

مؤسّس المذهب الإباضي ودعاته في العصور الأُولى:

قد تعرّفت على عقائد الإباضيّة، فحان البحث عن أئمّتهم ودعاتهم في العصور الأُولى.

1 - عبد الله بن إباض، مؤسّس المذهب:

هو عبد الله بن إباض، المقاعسي، المري، التميمي، ابن عبيد، ابن مقاعس، من دعاة الإباضيّة، بل هو مؤسّس المذهب.

____________________

(1) انظر: الإباضيّة في مصر والمغرب: 61.

(2) الإباضيّة في موكب التاريخ: 111 - 112.

(3) الإباضيّة في موكب التاريخ: 116.

١٤١

قد اشتهرت هذه الفِرقة بالإباضيّة من أوّل يوم، وهذا يدلُّ على أنّه كان لعبد الله بن إباض، دور في نشوء هذه الفِرقة وازدهارها.

2 - جابر بن زيد العماني، الأزدي:

جابر بن زيد، أبو الشعثاء، الأزدي، اليحمدي، البصري، مشهور بكنيته، فقيه الإباضيّة، مات سنة 93هـ، ويقال: مائة. يروي عن عبد الله بن عبّاس.

3 - أبو عبيدة، مسلم بن أبي كريمة (المتوفّى حوالي 158هـ):

مسلم بن أبي كريمة التميمي، توفّي في ولاية أبي جعفر المنصور المتوفّى سنة 158هـ، قال عنه ابن الجوزي: مجهول.

أخذ العلم عن جابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، وضمار السعيدي، وجعفر السمّاك وغيرهم.

حمل العلم عنه الربيع بن حبيب الفراهيدي؛ صاحب المسند، وأبو الخطّاب المعافري، وعبد الرحمن بن رستم، وعاصم السدراتي، وغيرهم.

4 - أبو عمرو، ربيع بن حبيب الفراهيدي:

هو من أئمّة الإباضيّة، وهو صاحب المسند المطبوع، ولم نجد له ترجمة وافية في كتب الرجال لأهل السنّة، ويُعدّ في طليعة الجامعين للحديث والمصنّفين فيه.

١٤٢

5 - أبو يحيى عبد الله بن يحيى الكندي:

عبد الله بن يحيى بن عمر الكندي، من حضرموت، وكان قاضياً لإبراهيم بن جبلة؛ عامل القاسم بن عمر على حضرموت، وهو عامل مروان على اليمن، خرج بحضرموت والتفَّ حوله جماعة عام 128هـ، وبسط سيطرته على عُمان واليمن والحجاز، وفي عام 130هـ جهّز مروان بن محمد جيشاً بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطيّة السعدي، فكانت بينهم حرب عظيمة، قُتل فيها عبد الله بن يحيى وأكثر من معه من الإباضيّة، ولحق بقيّة الخوارج ببلاد حضرموت.

دول الإباضيّة:

قد قام باسم الإباضيّة، عدد من الدول في أربعة مواضع من البلاد الإسلاميّة:

1 - دولة في عُمان، استقلّت عن الدولة العباسيّة في عهد أبي العباس السفّاح، سنة 132هـ، ولا تزال إلى اليوم.

2 - دولة في ليبيا، سنة 140هـ، ولم تعمّر طويلاً؛ فقد انتهت بعد ثلاث سنوات.

3 - دولة في الجزائر، قامت سنة 160هـ، وبقيت إلى حوالي 190هـ، ثُمَّ قضت عليها الدولة العبيديّة.

١٤٣

4 - دولة قامت في الأندلس، ولا سيّما في جزيرتي ميورقة ومينورقة، وقد انتهت يوم انتهت الأندلس.

هذه هي الإباضيّة، وهذا ماضيهم وحاضرهم، وقد قدّمنا إليك صورة موجزة من تاريخهم ونشأتهم وشخصيّاتهم وعقائدهم.

١٤٤

13

الشِّيعة الإماميّة

الشّيعة لغة واصطلاحاً:

الشيعة لغة هم: الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم إذا تعاونوا، وربّما يطلق على مطلق التابع، قال سبحانه: ( فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّه ) (1) ، وقال تعالى: ( وَإِنّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (2) .

وأمّا اصطلاحاً، فلها إطلاقات عديدة، بملاكات مختلفة:

1 - الشيعة: من أحبَّ عليّاً وأولاده باعتبارهم أهل بيت النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الّذين فرض الله سبحانه مودّتهم، قال عزَّ وجلَّ: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) . والشّيعة بهذا المعنى تعمّ كلّ المسلمين، إلاّ النواصب؛ بشهادة أنّهم يصلّون على نبيّهم وآله في صلواتهم وأدعيتهم، ويتلون الآيات النازلة في حقّهم صباحاً ومساءً، وهذا هو الإمام الشافعي يصفهم بقوله:

يـا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

____________________

(1) القصص: 15.

(2) الصافات: 83 - 84.

(3) الشورى: 23.

١٤٥

كـفاكم مـن عـظيم الشأن أنّكم

مَن لم يصلّ عليكم لا صلاة له (1)

2 - من يفضّل عليّاً على عثمان، أو على الخلفاء عامّة، مع اعتقاده بأنّه رابع الخلفاء، وإنّما يقدّم؛ لاستفاضة مناقبه وفضائله عن الرسول الأعظم، والّتي دوّنها أصحاب الحديث في صحاحهم ومسانيدهم.

3 - الشيعة من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمة الناس بعده، نَصَبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه، وذكر أسماءهم وخصوصيَّاتهم. والشيعة بهذا المعنى هو المبحوث عنه في المقام، وقد اشتُهر بأنّ عليّاً هو الوصيّ حتّى صار من ألقابه، وذكره الشعراء بهذا العنوان في قصائدهم، وهو يقول في بعض خطبه:

«لا يقاس بآل محمد من هذه الأُمّة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقِّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة». (2)

ومُجمل القول: إنّ هذا اللفظ يشمل كلَّ من قال إنّ قيادة الأُمّة لعليّ بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإنّه يقوم مقامه في كلِّ ما يمتُّ إليه، سوى النبوّة ونزول الوحي عليه، كلّ ذلك بتنصيص من الرسول.

وعلى ذلك، فالمقوّم للتشيّع، وركنه الرّكين، هو القول بالوصاية والقيادة، بجميع شؤونها، للإمام (عليه السّلام)، فالتشيّع هو الاعتقاد بذلك، وأمّا ما سوى ذلك، فليس مقوّماً لمفهوم التشيّع، ولا يدور عليه إطلاق الشيعة.

____________________

(1) الصواعق: 148.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 2.

١٤٦

الفصل الأوّل:

مبدأ التشيّع وتاريخ تكوّنه

زعم غير واحد من الكتّاب القدامى والجدد، أنّ التشيّع كسائر المذاهب الإسلاميّة، من إفرازات الصراعات السياسيّة، وذهب بعض آخر إلى القول إنّه نتيجة الجدال الكلامي والصراع الفكري، فأخذوا يبحثون عن تاريخ نشوئه وظهوره في الساحة الإسلاميّة، وكأنّهم يتلقّون التشيّع كظاهرة طارئة على المجتمع الإسلامي، ويظنّون أنّ القطاع الشيعي من جسم الأُمّة الإسلاميّة، باعتباره قطاعاً تكوّن على مرّ الزمن؛ لأحداث وتطورات سياسيّة أو اجتماعيّة أو فكريّة، أدَّت إلى تكوين ذلك المذهب كجزء من ذلك الجسم الكبير، ثُمَّ اتسع ذلك الجزء بالتدريج.

وبعد أن افترض هؤلاء أنّه أمر طارئ، أخذوا بالفحص والتفتيش عن علّته أو علله، فذهبوا في تعيين المبدأ إلى كونه ردّة فعل سياسيّة أو فكريّة، ولكنّهم لو كانوا عارفين أنّ التشيّع وُلِد منذ عهد النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ لَمَا تسرّعوا في إبداء الرأي في ذلك المجال، ولعلموا أنّ التشيّع والإسلام وجهان لعملة واحدة، وليس للتشيّع تاريخ ولا مبدأ، سوى تاريخ الإسلام ومبدئه، وانّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو الغارس لبذرة التشيّع في صميم الإسلام، من أوّل يوم أمَر بالصدع وإظهار الحقيقة، إلى أن لبىَّ دعوة ربه.

١٤٧

فالتشيّع ليس إلاّ عبارة عن استمرار قيادة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد وفاته، عن طريق من نصبه إماماً للناس وقائداً للأُمّة، حتّى يرشدها إلى النهج الصحيح والهدف المنشود، وكان هذا المبدأ أمراً ركّز عليه النبيّ في غير واحد من المواقف الحاسمة، فإذا كانّ التشيع متبلوراً في استمرار القيادة بالوصيّ، فلا نجد له تاريخاً سوى تاريخ الاسلام، والنصوص الواردة عن رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة، هم الّذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة، ولم يغيّروه، ولم يتعدّوا عنه إلى غيره، ولم يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص، وصاروا بذلك المصداق الأبرز لقوله سبحانه: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

ففزعوا في الأُصول والفروع إلى عليّ وعترته الطاهرة، وانحازوا عن الطائفة الأُخرى؛ الّذين لم يتعبدوا بنصوص الخلافة والولاية وزعامة العترة؛ حيث تركوا النصوص وأخذوا بالمصالح.

إنّ الآثار المرويّة في حق شيعة الإمام عن لسان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ترفع اللّثام عن وجه الحقيقة، وتُعرب عن التفاف قسم من المهاجرين حول الوصيّ، فكانوا معروفين بشيعة عليّ في عصر الرسالة، وأنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وصفهم في كلماته بأنّهم هم الفائزون، وإن كنت في شك من هذا الأمر، فسأتلو عليك بعض ما ورد من النصوص في المقام.

____________________

(1) الحجرات: 1.

١٤٨

1 - أخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟، قال: يا عائشة، أما تقرأين ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (1) . (2)

2 - أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأقبل عليّ، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «والّذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة»، ونزلت: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) ، فكان أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة. (3)

3 - أخرج ابن عدي، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعلي: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيّين». (4)

4 - أخرج ابن مردويه، عن عليّ، قال: قال لي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «ألم تسمع قول الله: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرّاً محج<لين». (5)

5 - روى ابن حجر في صواعقه، عن أُم سلمة: كانت ليلتي، وكان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندي، فأتته فاطمة، فتبعها عليّ (رضي الله عنه)، فقال النبيّ: «يا عليّ أنت وأصحابك في الجنّة، أنت وشيعتك في الجنة». (6)

____________________

(1) البينة: 7.

(2 و3 و4 و5) الدر المنثور: 6/589.

(6) الصواعق: 161.

١٤٩

6 - روى أحمد في المناقب: إنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال لعليّ: «أمَا ترضى أنّك معي في الجنّة، والحسن والحسين وذريّتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريّتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا». (1)

7 - أخرج الديلمي: (يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك ولذريّتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك، فابشر إنّك الأنزع البطين). (2)

8 - روى المغازلي بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يدخلون من أُمّتي الجنة سبعون ألفاً لا حساب عليهم»، ثُمَّ التفت إلى عليّ، فقال: «هم شيعتك وأنت أمامهم». (3)

إلى غير ذلك من الروايات الّتي تُعرب عن أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان متميّزاً بين أصحاب النبيّ؛ بأنّ له شيعة وأتباعاً، ولهم مواصفات وسمات كانوا مشهورين بها، في حياة النبيّ وبعدها.

الشيعة في كلمات المؤرّخين وأصحاب الفِرق:

قد غلب استعمال الشيعة بعد عصر الرسول، تبعاً له فيمن يوالي عليّاً وأهل بيته، ويعتقد بإمامته ووصايته، ويَظهر ذلك من خلال كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات؛ نشير إلى بعضها:

1 - روى المسعودي في حوادث وفاة النبيّ: إنّ الإمام عليّاً أقام ومن

____________________

(1) الصواعق: 161.

(2) المصدر نفسه.

(3) مناقب المغازلي: 293.

١٥٠

معه من شيعته في منزله، بعد أن تمّت البيعة لأبي بكر. (1)

2 - وقال النوبختي (المتوفّى 313هـ): إنّ أوّل الفِرق، الشيعة؛ وهم فِرقة عليّ بن أبي طالب، المسمّون شيعة عليّ في زمان النبيّ وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته. (2)

3 - وقال أبو الحسن الأشعري: وإنّما قيل لهم: الشيعة، لأنّهم شايعوا عليّاً، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). (3)

4 - ويقول الشهرستاني: الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّةً. (4)

5 - وقال ابن حزم: ومن وافق الشيعة في أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالإمامة، وولْده من بعده. (5)

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ممّا جاء في كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات، تُعرب عن أنّ لفيفاً من الأُمّة في حياة الرسول وبعده، إلى عصر الخلفاء وبعدهم، كانوا مشهورين بالتشيّع لعليّ، وأنّ لفظة الشيعة ممّا نطق بها الرسول وتبعته الأُمّة عليه.

____________________

(1) الوصيّة: 121.

(2) فِرق الشيعة: 15.

(3) مقالات الإسلاميّين: 1/65.

(4) الملِل والنحل: 1/131.

(5) الفصل في الملِل والنحل: 2/113.

١٥١

رواد التشيع في عصر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

وإليك أسماء لفيف من الصحابة الشيعة المعروفين بالتشيّع:

1 - عبد الله بن عبّاس. 2 - الفضل بن العبّاس. 3 - عبيد الله بن العبّاس. 4 - قثم بن العبّاس. 5 - عبد الرحمن بن العبّاس. 6 - تمام بن العبّاس. 7 - عقيل بن أبي طالب. 8 - أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. 9 - نوفل بن الحرث. 10 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. 11 - عون بن جعفر. 12 - محمد بن جعفر. 13 - ربيعة بن الحرث بن عبد المُطّلب. 14 - الطفيل بن الحرث. 15 - المغيرة بن نوفل بن الحارث. 16 - عبد الله بن الحرث بن نوفل. 17 - عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث. 18 - العبّاس بن ربيعة بن الحرث. 19 - العبّاس بن عُتبة بن أبي لهب. 20 - عبد المُطّلب بن ربيعة بن الحرث. 21 - جعفر بن أبي سفيان بن الحرث.

هؤلاء من مشاهير بني هاشم، وأمّا غيرهم، فإليك أسماء لفيف منهم:

22 - سلمان المحمّدي. 23 - المقداد بن الأسود الكندي. 24 - أبوذر الغفاري. 25 - عمّار بن ياسر. 26 - حذيفة بن اليمان. 27 - خزيمة بن ثابت. 28 - أبو أيّوب الأنصاري. 29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان. 30 - أُبي بن كعب. 31 - سعد بن عبادة. 32 - قيس بن سعد بن عبادة. 33 - عدي بن حاتم. 34 - عبادة بن الصامت. 35 - بلال بن رباح الحبشي. 36 - أبو رافع مولى رسول الله. 37 - هاشم بن عتبة. 38 - عثمان بن حُنيف. 39 - سهل بن حُنيف. 40 - حكيم بن جبلة العبدي. 41 - خالد بن سعيد بن العاص. 42 - أبو الحصيب الأسلمي. 43 - هند بن أبي هالة

١٥٢

التميمي. 44 - جعدة بن هبيرة. 45 - حجر بن عدي الكندي. 46 - عمرو بن الحمق الخزاعي. 47 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 48 - محمّد بن أبي بكر. 49 - أبان بن سعيد بن العاص. 50 - زيد بن صوحان الزيدي.

هؤلاء خمسون صحابيّاً من الطبقة العليا للشيعة، فمن أراد التفصيل والوقوف على حياتهم وتشيّعهم، فليرجع إلى الكتب المؤلَّفة في الرجال.

١٥٣

الفصل الثاني:

شبهات حول تاريخ الشيعة

قد تعرّفت على تاريخ التشيع، وأنّه ليس وليد الجدال الكلامي، ولا إنتاج السياسات الزمنيّة؛ وإنّما هو وجه آخر للإسلام، وهما وجهان لعملة واحدة، إلاّ أنّ هناك جماعة من المؤرّخين وكتّاب المقالات، ظنّوا أنّ التشيّع أمر حادث وطارئ على المجتمع الإسلامي، فأخذوا يفتّشون عن مبدئه ومصدره، وراحوا يثيرون الشبهات حول تاريخه، وإليك استعراض هذه الشبهات نقداً وتحليلاً.

الشبهة الأُولى:

الشيعة ويوم السقيفة

إنّ مأساة السقيفة جديرة بالقراءة والتحليل، وقد تخيّل لبعض المؤرخين أنّ التشيّع ظهر بعدها.

يقول الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة؛ ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأمراء ومنكم الوزراء - إلى أن

١٥٤

قال: - فبايعه عمر، وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ عليّاً، ثُمَّ قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ، وفيه طلحة والزّبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مسلطاً بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.

وقال أيضاً: وتخلّف عليّ والزّبير، واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده حتّى يُبَايَع عليّ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقالا: خذوا سيف الزبير. (1)

يُلاحظ عليه: أنّ هذه النصوص تدلّ على أنّ فكرة التشيّع لعليّ، كانت مختمرة في أذهانهم منذ عهد الرسول إلى وفاته، فلمّا رأت الجماعة أنّ الحق خرج عن محوره، عمدوا إلى التمسّك بالحق بالاجتماع في بيت عليّ، الّذي أوصّاهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) به طيلة حياته؛ إذ من البعيد جداً أن يجتمع رأيهم على عليّ في يوم واحد في ذلك اليوم العصيب، فالمعارضة كانت استمراراً لما كانوا يلتزمون به في حياة النبيّ، ولم تكن فكرة خلقتها الظروف والأحداث.

كان أبوذر وقت أخذ البيعة غائباً، ولمّا جاء، قال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة، لو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم، لَمَا اختلف عليكم اثنان. (2)

وقال سلمان: أصبتم ذا السن، وأخطأتم المعدن، أمّا لو جعلتموه فيهم، ما اختلف منكم اثنان، ولأكلتموها رغداً.

وروى الزبير بن بكار في الموفقيّات: إنّ عامّة المهاجرين، وجلّ الأنصار، كانوا لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 2/443 - 444.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2/103.

١٥٥

وروى الجوهري في كتاب السقيفة: إنّ سلمان والزبير وبعض الأنصار، كان هواهم أن يبايعوا عليّاً.

وروى أيضاً: إنّه لمّا بويع أبو بكر واستقرَّ أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وهتفوا باسم الإمام عليّ، ولكنّه لم يوافقهم. (1)

ومن المستحيل عادة، اختمار تلك الفكرة بين هؤلاء، في يوم واحد، بل يُعرب ذلك عن وجود جذور لها، قبل رحلة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ويؤكد ذلك نداءاته الّتي ذكرها في حق عليّ وعترته، في مواقف متعدّدة، فامتناع الصحابة عن بيعة الخليفةن ومطالبتهم بتسليم الأمر إلى عليّ؛ إنّما هو لأجل مشايعتهم لعليّ زمن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وما هذا إلاّ إخلاصاً و وفاءاً منهم للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأين هو من تكوّن التشيع يوم السقيفة؟!

الشبهة الثانية:

التشيّع صنيع عبد الله بن سبأ

كتب الطبري في تاريخه يقول:

كان عبد الله بن سبأ يهوديّاً من أهل صنعاء، أُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثُمَّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز، ثُمَّ البصرة، ثُمَّ الكوفة، ثُمَّ الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشّام، فأخرجوه حتّى أتى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 6/43 - 44.

١٥٦

مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممّن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذِّب بأنّ محمّداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: ( إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادّكَ إِلَى‏ مَعَادٍ ) (1) ، فمحمّد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقُبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، فتكلّموا فيها، ثُمَّ قال لهم بعد ذلك: إنّه كان ألف نبيّ، ولكلّ نبيّ وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمّد، ثُمَّ قال: محمّد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء، وإنّ عثمان غاصب حق هذا الوصيّ وظالمه، فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله.

وقد بثّ عبد الله بن سبأ دُعاته في البلاد الإسلاميّة، وأشار عليهم أن يُظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطعن في الأُمراء، فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين، فيهم الصحابي الكبير، والتابعي الصالح، من أمثال: أبي ذر، وعمّار بن ياسر، ومحمّد بن حذيفة، وعبد الرحمن بن عديس، ومحمّد بن أبي بكر، وصعصعة بن صوحان العبدي، ومالك الأشتر، إلى غيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم، فكانت السبئيّة تثير الناس على ولاتهم، تنفيذاً لخطة زعيمها، وتضع كتباً في عيوب الأمراءن وترسل إلى غير مصرهم من الأمصار، فنتج عن ذلك قيام جماعات من المسلمين؛ بتحريض السبئيّين، وقدومهم إلى المدينة، وحصرهم عثمان في داره؛ حتّى قتل فيها، كلّ ذلك كان بقيادة السبئيّين ومباشرتهم.

إنّ المسلمين بعدما بايعوا علياً، ونكث طلحة والزبير بيعتهما، وخرجا إلى البصرة، رأى السبئيّون أنّ رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون، وأنّه إن تمّ ذلك

____________________

(1) القصص: 85.

١٥٧

سيؤخذون بدم عثمان، فاجتمعوا ليلاً وقرروا أن يندسّوا بين الجيشين، ويثيروا الحرب بكرة، دون علم غيرهم، وإنّهم استطاعوا أن ينفّذوا هذا القرار الخطير في غلس الليل، قبل أن ينتبه الجيشان المتقاتلان، فناوش المندسّون من السبئيّين في جيش عليّ، من كان بإزائهم من جيش البصرة، ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما، وظنّ كلّ بخصمه شرّاً، ثُمَّ إنّ حرب البصرة وقعت بهذا الطريق، دون أن يكون لرؤساء الجيشين رأي أو علم. (1)

إلى هنا انتهت قصة السبئيّة؛ الّتي ذكرها الطبري في تاريخه.

نظرنا في الموضوع:

1 - إنّ ما جاء في تاريخ الطبري من القصة، لا يصحّ نسبته إلاّ إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن؛ إذ كيف يصحّ لإنسان أن يصدّق أنّ يهوديّاً جاء من صنعاء، وأسلم في عصر عثمان، استطاع أنّ يُغري كبار الصحابة والتابعين ويخدعهم، ويطوف بين البلاد، واستطاع أن يكوّن خلايا ضدَّ عثمان، ويستقدمهم إلى المدينة، ويؤلّبهم على الخلافة الإسلاميّة، فيهاجموا داره ويقتلوه، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان، هذا شيء لا يحتمله العقل، وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب!!

إنّ هذه القصّة تمسّ كرامة المسلمين والصحابة والتابعين، وتصوّرهم أُمّه ساذجة؛ يغترّون بفكر يهوديٍّ وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكرون.

2 - إنّ القراءة الموضوعيّة للسيرة والتاريخ، تُوقفنا على سيرة عثمان بن

____________________

(1) انظر تاريخ الطبري: 3/378، نقل بتصرف وتلخيص.

١٥٨

عفّان، ومعاوية بن أبي سفيان، فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم، وينفون المخالفين ويضربونهم، فهذا أبوذر الغفاري نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة؛ لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته، كما أنّ غلمانه ضربوا عمّار بن ياسر؛ حتّى أنفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعاً من أضلاعه. إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم، ومع ذلك نرى أنّ رجال الخلافة وعمالها، يغضّون الطرف عمّن يؤلّب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم، وقتل خليفتهم في عقر داره، ويجر الويل والويلات على كيانهم!!

3 - إنّ رواية الطبري، نقلت عن أشخاص لا يصحّ الاحتجاج بهم؛ مثلاً: السري؛ الّذي يروي عنه الطبري، إنّما هو أحد رجلين:

أ - السري بن إسماعيل الهمداني؛ الّذي كذّبه يحيى بن سعيد، وضعّفه غير واحد من الحفّاظ. (1)

ب - السري بن عاصم بن سهل الهمداني؛ نزيل بغداد (المتوفّى عام 258هـ)، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته؛ يربو على ثلاثين سنة، كذّبه ابن خراش، ووهّاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وزاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات؛ لا يحلّ الاحتجاج به، فالاسم مشترك بين كذّابين، لا يهمّنا تعيين أحدهما.

4 - عبد الله بن سبأ، أسطورة تاريخيّة، لأنّ القرائن والشواهد والاختلاف الموجود في حق الرجل ومولده، وزمن إسلامه، ومحتوى دعوته، يُشرف

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 2/117.

١٥٩

المحقّق على القول: بأنّ عبد الله بن سبأ، شخصيّة خرافيّة، وضعها القصّاصون، وأرباب السمر والمجون، في عصر الدولتين: الأُمويّة والعباسيّة.

وفي المقام كلام للكاتب المصري الدكتور طه حسين، يدعم كون الرجل أسطورة تاريخيّة، حاكها أعداء الشيعة، نكاية بالشيعة؛ حيث قال:

وأكبر الظنِّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا، إنّما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة، وعظم الخلاف، فهو قد استغلَّ الفتنة ولم يثرها.

إنّ خصوم الشيعة أيّام الأُمويّين والعباسيّين، قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته، من ناحية، وليشنعوا على عليّ وشيعته من، ناحية أُخرى، فيردوا بعض أُمور الشيعة إلى يهوديٍّ أسلم كيداً للمسلمين، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة؟!، وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم؛ في أمر عثمان، وفي غير أمر عثمان؟

فلنقف من هذا كلّه، موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط، ولنُكبر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم، رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهوديّاً وكانت أُمّه سوداء، وكان هو يهوديّاً ثُمَّ أسلم لا رغباً ولا رهباً، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً، ثُمَّ أُتيح له من النجاح ما كان يبتغي، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه، وفرّقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً.

هذه كلّها أُمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أنّ تُقام عليها أُمور التاريخ. (1)

____________________

(1) الفتنة الكبرى: 134.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وروى أبوبصير(١) اشتراط الامن من الآفة في بيع الثمرة، وهو على الندب.

وروى سماعة(٢) جواز بيع الثمرة قبل خروج طلعها مع الصميمة، وهو متروك. ويجوز بيع الكلا المملوك، وليس لمشتريه بيع ما اشتراه بشرط الرعي مع المشتري. ويجوز بأكثر، ولو كان قد عمل فيه جاز، والظاهر أنه على الكراهية، مع أن الراوي سماعة. نعم يشترط تقدير ما يرعاه بما يرفع الجهالة. ولو أعطى الزارع نصف بزره ونصف نفقته على الشركة جاز، ويكون بيعا إن كان قد ظهر، وإلا صلحا.

(٢٥١) درس في النزاع والاقالة

إطلاق الكيل والوزن يحمل على المتعارف في بلد العقد، فإن تعدد فالاغلب، فإن تساويا وجب التعيين فيبطل بدونه، ولو عينا غير المتعارف لزم. والبحث في النقد كذلك. ولو تنازعا في النقد المعين تحالفا، ولو ادعى أحدهما النقد الغالب قيل: يرجح. ولو تنازعا في قدر الثمن حلف البائع مع بقاء المبيع، والمشتري مع تلفه على الاشهر، ونقل الاجماع عليه في الخلاف(٣) ، والرواية(٤) مرسلة، وقال ابن

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب بيع الثمار ح ١٢ ج ١٣ ص ٥.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواببيع الثمار ح ١ ج ١٣ ص ٩.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ٦٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب أحكام العقود ح ١ ج ١٢ ص ٣٨٣.

٢٤١

الجنيد(١) : يحلف المشتري إن كانت في يده أو أحدث فيه حدثا، ويحلف البائع إن كان في يده، ويتخير المشتري بين الاخذ به أو الترك، وقال الحلبي(٤) : يتحالفان إن تنازعا في البيع أو الثمن قبل التقابض ويفسد البيع، ولم يتعرض لما بعد القبض، وقال ابن إدريس(٣) : يحلف صاحب اليد، واحتمل الفاضل(٤) التحالف مطلقا، وحلف المشتري مطلقا، وهما نادران.

ولو تنازعا في قدر المبيع حلف البائع، وفي تعيينه يتحالفان، وكذا في تعيين الثمن المعين أو في جنسه أو في تعيين العوضين، كقوله بعتك العبد بالدار فيقول بعتني الجارية بالبستان.

وعليها يحمل قول النبي صلى الله عليه وآله(٥) إذا اختلف المتبائعان تحالفا وترادا.

واختلاف الورثة كالمتبائعين، وربما قيل: يحلف ورثة البائع في المبيع وورثة المشتري في الثمن، جريا على قاعدة تقديم المنكر، وقصرا للرواية على موردها.

فروع:

الاول: لو تخالفا في زمان الخيار المشترك تحالفا، ويحتمل العدم، لانهما يملكان الفسخ، والوجه الاول مالم يفسخ أحدهما.

والغرض من اليمين نكول الكاذب ودوام العقد بإحلاف الصادق، فإن

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٩٥.

(٢) الكافي في الفقه: ص ٣٥٥.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٨٣.

(٤) قواعد الاحكام: ج ١ ص ١٥٤.

(٥) سنن البيهقي: ج ٥ ص ٣٣٣.

٢٤٢

حلفا فالفسخ أمر ضروري شرع، لتعذر امضاء العقد.

وعليه يتفرع التحالف في عقد المضاربة، ويجري التحالف في سائر العقود الجارية على هذا النمط.

الثاني: البادي باليمين من يتفقان عليه، فإن اختلفا عين الحاكم، ثم يحلف(١) على النفي خاصة، فإن نكل أحدهما حلف الآخر على الاثبات، ولو جمع بين النفي والاثبات في اليمين فالاقرب منعه، لان موضع الاثبات بعد النكول، ولو نكلا عن اليمين فكحلفهما.

الثالث: إذا حلفا أو نكلا احتمل أن ينفسخ العقد، إذ امضاؤه على وفق اليمين متعذر، وعلى وفق أحدهما تحكم، ويحتمل أن يتزلزل فيفسخه المتعاقدان أو أحدهما، أو يرضى أحدهما بدعوى الآخر، أو يفسخه الحاكم إذا يئس من توافقهما وامتنعا من فسخه، لئلا يطول النزاع.

وعلى الانفساخ ينفسخ من حينه لا من أصله، فالنماء لمن كان مالكا، وعلى الفسخ من حين إنشائه، ثم إن تقاربا على الفسخ أو فسخه الحاكم إنفسخ ظاهرا وباطنا، وإن بدر أحدهما، فإن كان المحق فكذلك، وإلا انفسخ ظاهرا.

الرابع: في منع كل منهما من التصرف فيما وصل إليه بعد التنازع تردد، من قيام الملك، وتوقع زواله فهو كالزائل، وأولى بعدم الجواز بعد التحالف لتأكد سبب الزوال، ولو قلنا بالانفساخ منع قطعا.

الخامس: لو تحالفا بعد هلاك العين ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك على الاقرب.

ولو عابت فأرشها ولو أبق فالقيمة للحيلولة، ثم يترادان إذا عاد، وإن رهن أو آجر أو كوتب فالعقود باقية، وينتقل إلى القيمة في المكاتبة، وفي الرهن والاجارة وجهان، مبنيان على الحمل على الكتابة أو الاباق.

ولو رضي صاحب العين بتأخير الاخذ إلى فك الرهن أو فراغ الاجارة

____________________

(١) في (ق): ثم الحلف.

٢٤٣

احتمل إجابته، إن تسلم العين وأسقط الضمان وجوزناه، وإلا لم يجب.

السادس: لو تنازعا في قدر الثمن بعد الاقالة أو الفسخ بخيار حلف البائع.

السابع: لو تنازعا في النقد والنسيئة أو قدر الاجل أو اشتراط رهن أو ضمين على المبيع أو الثمن حلف المنكر.

الثامن: لو تنازعا في الصحة والفساد حلف مدعي الصحة، ولو ادعى الصغر أو السفه أو الجنون وقد كان موصوفا بهما احتمل إحلافه، لانه أعرف، وإحلاف الآخر ترجيحا للصحة، ولو كان مدعي النقض الآخر فإحلاف مدعي الصحة هنا أوجه، كما لو قال المشتري للبائع بعتني في صغرك وادعى البائع البلوغ. وأما الاقاله فهي فسخ وليست بيعا في حق المتبائعين ولا غيرهما، سواء كانت قبل القبض أم لا، وسواء كان المبيع عقارا أم غيره، فلا يثبت بها شفعة ولا خيار المجلس، ويصح في الجميع والبعض وإن كان سلما، ومع قيام السلعة أو تلفها، ويغرم المثل أو القيمة. ولا تصح الاقالة بزيادة في الثمن أو نقص، ولا يسقط بها اجرة الدلال والكيال والوزان والناقد. وصورتها أن يقولا تقايلنا أو تفاسخنا أو أقلتك فيقبل الآخر، ولو التمس منه الاقالة فقال أقلتك ففي اعتبار قبول الملتمس هنا نظر، من قيام الالتماس مقامه، ومن عدم علمه بإجابته. نعم لو بدأه فقال أقلتك اعتبر قبول الآخر قطعا، وفي الاكتفاء بالقبول الفعلي هنا احتمال.

٢٤٤

كتاب السلف والسلم

٢٤٥

٢٤٦

وهو العقد على مضمون في الذمة، موصوف بمال معلوم، مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم.

وشرعيته إجماع، وآية الدين(١) نزلت فيه عند ابن عباس(٢) ، وعليه النص(٣) .

وصيغة الايجاب من السلم أسلمت إليك أو أسلفتك كذا في كذا إلى كذا، والقبول من المسلم إليه قبلت وشبهه، والايجاب من المسلم إليه بالبيع والتمليك أو أسلمت منك كذا، وينعقد البيع بلفظ السلم على الاقرب، ويلحق السلم أحكام البيع كلها(٤) .

ويختص بشروط ستة: الاول: ذكر الجنس، وهو اللفظ الدال على الحقيقة النوعية هنا كالحنطة والشعير، والوصف وهو الفارق بين أصناف ذلك النوع كالصرابة، والحداثة فيبطل السلم مع الاخلال بهما أو بأحدهما. ولو تعذر الوصف بطل أيضا كاللحم والخبز والنبل المنحوت، ولا يمنع مسيس النار من السلم إذا أمكن الوصف.

____________________

(١) البقرة: ٢٨٢.

(٢) تفسير ابن عباس: ص ٤٠.

(٣) صحيح البخاري: ج ٣ ص ١١١.

(٤) في باقي النسخ: بأسرها.

٢٤٧

والمعتبر الاوصاف التي يختلف الثمن بها بما لا يتغابن بمثله. ولا يجب الاستقصاء، فلو استقصى وأدى إلى عسر الوجود بطل، وإلا صح. ولا يشترط ذكر السلامة من العيب فإن الاطلاق يحمل عليه. نعم ذكره مستحب. ويكفي في كل وصف أقل مايطلق عليه، قيل: ويجب ذكر الجودة أو الرداء‌ة بالاجماع، وفيه نظر.

ولا يجوز اشتراط الاجود، أما الاردأ ففيه وجهان: من عدم الوقوف على غايته، ومن أن طلب أردى مما يحضر عيب، فيكفي فيه أن يكون في المرتبة الثانية من الردئ، وهذا القدر معلوم.

ويصح السلم في الحب والتمر واللبن والشحم والطيب والثوب والرقيق والذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس بنوعيه والحيوان واللآلي الصغار دون الكبار والياقوت والفيروزج الزبرجد، لعدم ضبطها، وعظم الاختلاف بإختلاف أوصافها، والاقرب جواز السلم في العقيق وشبهه من الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا. ويجوز السلم في الادوية البسيطة والمركبة إذا علم المتعاقدان بسائطها. وكذا في المختلطة المقصودة الاجزاء، كالعتابي من القطن والحرير والخز الذي فيه الحرير، ولو لم يعلم قدر الخليطين إذا كان ذلك عرفا مطردا، ولو اضطرب وجب معرفة قدرهما.

ولو كان الخليط غير مقصود كالانفحه في الجبن والماء في الخل لم يضر جهالته وإن كان خل الزبيب والتمر، لانه يتبين بذكر حموضة الخل وحدته ونفوده، وليس دهن الورد والبنفسج من المختلطة، لان تزويجه بالمجاورة.

ولنذكر مما يعم البلوى به ثلاثة عشر:

٢٤٨

أحدها: الرقيق، فيذكر فيه الذكورة والانوثة والنوع واللون والسن والقد كالطويل والقصير والربعة، ولو قدر(١) بالاشبار كالخمسة أو الستة احتمل المنع، لافضائه إلى العسر(٢) .

ويحتمل وجوب ذكر الكحل والدعج والزجج وتكلثم الوجه في الجارية وكونها خميصة ريانة اللمس ثقيلة الردف أو أضداد ذلك، لتفاوت الثمن به وعدم عزته. والاقرب وجوب تعيين البكارة أو الثيوبة في الامة، فلو أطلق بطل. ولا يشترط ذكر الملاحة، فلو ذكرها روعي العرف، ويحمل على أقل درجة، ويحتمل البطلان، لعدم إنضباطها فإن مرجعها إلى الاستحسان والشهرة المختلفين باختلاف الطباع.

ولا يجب التعرض لآحاد الاعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه، وربما أدى إلى عزة الوجود. وكذا لو شرط الولد مع الام المقصود بها التسري. ولو قصد بها الخدمة كالزنجية جاز، لقلة التفاوت، وأولى بالجواز اشتراط كونها حاملا، سواء كانت حسناء أو شوهاء، ومنع في المبسوط(٣) منه، لعدم إمكان ضبط ووصفه، ومنع ابن الجنيد(٤) من اشتراط الحمل في الحيوان كله، والوجه الجواز.

ولا يجب وصف الحمل، لانه تابع.

وثانيها: الابل، فيذكر السن كالثني والذكورة والانوثة، واللون كالاسود والاحمر، والصنف كالعرابي والبخاتي، والنتاج إذا كان معروفا عام الوجود كالعبادي.

وثالثها: الخيل، فيذكر الذكورة والانوثة والسن والنوع كالعربي والتركي،

____________________

(١) في (ق): قدره.

(٢) في باقي النسخ: العزة.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٧٦.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٣٦٧.

٢٤٩

واللون، ولو ذكر السيئات كالاغر والمحجل واللطيم جاز وإن لم يجب ذكرها.

ورابعها: البقر والحمير، ويتعرض فيه للسن والنوع والذكورة والانوثة واللون والبلد.

وخامسها: الطير، ويتعرض فيه للنوع واللون، وكبر الجثة أو صغرها، لان سنها غير معلوم، وكل مايعلم سنه يرجع فيها إلى البينة، فإن فقدت فإلى السيد إن كان رقيقا صغيرا: وإلى الرقيق إن كان بالغا، فإن فقد فإلى ظن أهل الخبرة.

وسادسها: زوائد الحيوان، كاللبن واللبأ والسمن والزبد والرايب والصوف والشعر والوبر، فيتعرض في اللبن للنوع كالماعز والمرعى، وإن قصد به الجبن أو الكشك احتمل ذكر الزمان بالصفاء والغيم فإن لهما أثرا بينا في ذينك عند أهله، ويلزم عند الاطلاق حليب يومه وفي اللبأ ذلك ويزيد في اللون والطبخ أو عدمه.

وفي السمن النوع كالبقري واللون والحداثة أو العتاقة، وفي الجبن كل ذلك(١) والرطوبة واليبوسة، وكذا القريش والاقط، وربما وجب في القريش ذكر اليومي أو غيره، لتفاوته بذلك، وفي الزبد جميع ماتقدم، ويتعرض في الصوف والشعر والوبر للنوع والزمان والطول والقصر والنعومة والخشونة والذكورة والانوثة لو ظهر(٢) لهما تأثير في الثمن.

(٢٥٢) درس

وسابعها: الثياب، ويذكر فيه النوع والبلد والعرض والصفاقة والغلظ

____________________

(١) في (م): كذلك.

(٢) في باقي النسخ: إن ظهر.

٢٥٠

والنعومة وأضدادها. ولا يجوز ذكر الوزن لعسره. وله الخام عند الاطلاق، وإن ذكر المقصور جاز، فإن اختلفت البلدان ذكر بلد القصارة، كالبعلبكي والقبطي والروسي. ويجوز اشتراط المصبوغ فيذكر لونه وإشباعه أو عدمه. ولا فرق بين المصبوغ بعد نسجه أو قبله على الاقوى، ومنعه الشيخ(١) إذا صبغه(٢) بعد غزله، لان الصبغ مجهول، ولانه يمنع من معرفة الخشونة والنعومة. وفي وجوب ذكر عدد الخيوط نظر أقربه ذلك، لاشتهاره بين أهله وتأثيره في الثمن.

وثامنها: الحرير والكرسف والكتان، ويذكر فيها البلد واللون والنعومة أو الخشونة، ويختص الحرير بالغلظ أو الدقة. ويجوز السلف في جوز القز، فيذكر اللون والطراء‌ة أو اليبس والبلد، وأبطله الشيخ(٣) إذا كان فيه دود، لان الحي يفسد بالخروج، والميت لا يصح بيعه.

قلنا: هو كنوى التمر في بلد لاقيمة له فيه. والكرسف بوجوب ذكر حلجه أو عدمه، وقيل: يحمل الاطلاق على عدمه، وهو بعيد، إلا مع القرينة. ولو أسلف في الغزل وجب ذكر ماسلف واشتراط الغلظ أو الدقة. ولو أسنده إلى غزل امرأة بعينها بطل.

وتاسعها: الحبوب والفواكه والثمار، فيذكر في الحنطة البلد والداثة والعتق واللون والكبر أو الصغر والصرابة أو ضدها. ولا يشترط ذكر حصاد عام أو عامين، وإن ذكره جاز، وفي الشعير

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ١٧٧.

(٢) في باقي النسخ: إذا صبغ.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٨٢.

٢٥١

والقطنية ذلك كله.

وفي التمر، البلد والنوع والكبر والصغر والحداثة أو العتاقة واللون إن اختلف النوع، وفي الرطب ذلك كله، إلا العتاقة، ويجب الفارق(١) ، ولو شرط المنصف أو المذنب لزم. وفي الزبيب، البلد والنوع والكبر والصغر واللون إن اختلف نوعه والمزيت أو غيره، وله الجاف من التمر والزبيب الخالي عن الحثالة. ولا يجب تناهي الجفاف. وفي الفواكه، البلد والنوع والطراوة أو ضدها واللون إن اختلف.

وفي الجوز، الصنف والكبر والصغر والبلد والحديث أو العتيق، وله منزوع القشرة العليا، وكذا اللوز.

وفي الطلا، البلد والنوع والحديث أو العتيق واللون والصفا والقوام، ويجب كونه مما ذهب ثلثاه فصاعدا، خاليا من الثقل غير المعتاد، وإن ضم إليه ظروفه اشترط كونها مما يصح فيه السلم، فلو كانت من أدم احتمل المنع لعسر وصفه، والاقرب الجواز، لعدم تعلق الغرض بجميع أوصافه.

وفي السيلان والصفر(٢) ، البلد والنوع والقوام، وفي الدبس ذلك.

ولا يمنع منه مسيس النار، ويجوز السلم في المصفر من الرطب والتمر، ويوصف بوصفيهما.

وعاشرها: العسل، فيذكر فيه البلد والزمان واللون، ويحتمل الاطلاق على المصفى لا الشهد، ويحمل المصفى على مالم تمسه النار، إلا أن يشترط ذلك.

وحادي عشرها: الخشب والحطب، فيذكر النوع واليبس والرطوبة والطول والثخن، ولا يجبان في الحطب. نعم يذكر فيه الغلظ أو الدقة والوزن، وفي

____________________

(١) كذا في النسخ والمنقول عنه في الحدائق (المتعارف)، ج ٢٠ ص ٩.

(٢) كذا في النسخ والمنقول عنه في الحدائق (المعصر)، ج ٢٠ ص ٩.

٢٥٢

خشب العريش ذلك، ويريد السمع أو العقد.

وثاني عشرها: الحجر واللبن والآجر، ففي الحجر النوع اللون والقدر والوزن وللطحن يزيد الدقة أو الثخن والبلد، وفي اللبن القالب المشهور، والمكان الذي يضرب فيه، وكذا في الآجر، ويزيد فيه اللون.

وثالث عشرها: الآنية، فيذكر النوع والشكل والقدر والطول والسمك والسعة، وكونه مصبوبا أو مضروبا، والوزن، خلافا للشيخ(١) . ومدار الباب على الامور العرفية، وربما كان العوام أعرف بها من الفقهاء وخط الفقيه البيان الاجمالي.

(٢٥٣) درس

الشرط الثاني: التقدير بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن وفيما لا يضبط إلا به، وإن جاز بيعه جزافا كالحطب والحجارة.ويجوز السلف في المعدود الذي لايعظم تفاوته بالعدد كالجوز واللون، بخلاف الرمان والبيض فلا يجوز بغير الوزن.ولو جمع بين الوزن والعدد بطل، وإن كان لبنا أو آجرا جاز عند الفاضل(٢) .ولو أسلم في المكيل وزنا أو بالعكس فالوجه الصحة، لرواية(٣) وهب عن الصادق عليه السلام.ويشترط في المكيال والصبخة العمومية، فلو أشار إلى قصعة أو صخرة بطل، ولو عينا مدا أو صبخة من جملة المشهور لغا التعيين، ولايبطل العقد في الاصح.

وكذا لو شرط في البيع، وله مل‌ء المكيال وما يحتمله، بلا هز وزلزلة

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ١٨٤.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٥٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٧ من أبواب السلف ح ١ ج ١٣ ص ٦٣.

٢٥٣

ودق ولا وضع كف على جانبه، إلا أن يسمع به الدافع، أو يشترط(١) في العقد إذا لم يتضمن الجهالة.

الشرط الثالث: أن يكون المسلم فيه دينا، لانه موضوع لفظ السلم لغة وشرعا، فلو أسلم في عين كان بيعا، ولو باع موصوفا كان سلما، نظرا إلى المعنى في الموضعين.وليس المانع من السلف في العين اشتراط الاجل الذي لا يحتمله العين، لان الاصح أنه لا يشترط الاجل.نعم يشترط التصريح بالحلول وعموم الوجود عند العقد، ولو قصد الحلول ولم يتلفظا به صح أيضا.ولو قصد الاجل اشترط ذكره فيبطل العقد بدونه.ولو أطلق العقد حمل على الحلول.ويشترط في الاجل التعيين بما لا يحتمل الجهالة.

ويحمل الشهور على الاهلة مهما أمكن، ويكمل المنكسر ثلاثين على الاقوى، ويلفق اليوم إذا وقع السلم في أثنائه فيستوفي من آخره بقدر مامضى قبل العقد، سواء كان ذلك اليوم المستوفي منه أطول، أو أقصر، للتسامح في مثله.

ولو قال إلى سنة فالاجل آخرها، وتحمل على الهلالية إلى أن يعينا الشمسية.

ولو قال إلى رجب أو الجمعة فالاجل أولهما، لصدق الاسم.

ولو عين أول رجب أو آخره حمل على أول جزء منه أو آخره لا على النصفين، ليبطل العقد.

ولو قال في رجب أو في الجمعة تجهل، وجوزه الشيخ(٢) فيحمل على الجزء الاول.

____________________

(١) في باقي النسخ: أو شرطه.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ٨٨.

٢٥٤

ويجوز التأجيل بشهور العجم إذا عرفناها، وبالنيروز والمهرجان إذا علماهما، ويحتمل البطلان، لانهما عبارتان عن يومي الاعتدالين بإنتهاء الشمس إلى أول نقطة من الحمل والميزان، وذلك لا يعلم، إلا من الرصدي الذي لا يقبل قوله وحده، واجتماع من يفيد قوله العلم بعيد. وكذا الفصح والخميس والفطير بشرط العلم عند العقد. ولو اقت بالحصاد والصرام وشبههما بطل.

ولا يشترط في الاجل الوقع في الثمن، فلو اقت ببعض يوم جاز، ومنع ابن الجنيد(١) من النقيصة عن ثلاثة أيام، وهو قول الاوزاعي(٢) . ولا ينتهي في الكثرة إلى حد، ومنع ابن الجنيد(٣) من ثلاث سنين، للنهي(٤) عن بيع السنين، ولعله للكراهة. ولو قال إلى الخميس حمل على الاقرب. وكذا إلى ربيع أو جمادي، وإن كان التعيين أولى.

الشرط الرابع: استناد المسلم فيه إلى ما لايختل عادة. ولو أسنده إلى بستان معين أو قرية قليلة بطل.

ولا يلحقه الاسناد إلى بلد معين بالعين، لان القرينة حاصلة وإن كان وجه القضاء متعينا، ولا يضر لعدم انحصاره.

(٢٥٤) درس

الشرط الخامس: قبض الثمن قبل التفرق فيبطل بدونه لو قبض البعض

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(٢) المغني: ج ٤ ص ٣٣٠.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب أحكام العقود ح ١ ج ١٢ ص ٣٦٦.

٢٥٥

صح فيه، ويتخير المسلم إليه. ولو فارقا المجلس مصطحبين ثم قبضا صح.

ولو بان المقبوض من غير الجنس أو مستحقا بطل، إلا أن يكون المجلس باقيا، أو يكون الثمن معين.

ولو شرط كون الثمن مؤجلا بطل، لانه من الكالئ بالكالئ، وإن قبض في المجلس لقصر الاجل.

ولو شرط كونه من دين له عليه فالوجه الفساد وفاقا للشيخ(١) ، ولو شرط بعضه منه بطل فيه.

ولو أطلقا ثم تقابضا في المجلس فالظاهر الجواز، ويقع التقاص قهريا إن كان الجنس والوصف واحدا، ويلزم منه كون مورد العقد دينا بدين، ويشكل صحته. ولو شرط تأجيل البعض بطل في الجميع، لجهالة مايوازي المقبوض، ويحتمل الصحة، ويقسط فيما بعد كبيع سلعتين، فيستحق إحداهما، وظاهر ابن الجنيد(٢) جواز تأخير قبض الثمن إلى ثلاثة أيام، وهو متروك.

الشرط السادس: القدرة على التسليم عند الاجل، فلا يضر العجز حال العقد، ولا فيما بينهما، ولا يكفي وجوده في بلد لا يعتاد نقله إليه إلا نادرا، كهدية أو مصادرة. ولوعين بلدا لم يكن وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه. ولو أسلم فيما يعسر وجوده عند الاجل مع إمكانه كالكثير من الفاكهة في البواكير، فإن كان وجوده نادرا بطل، وإن أمكن تحصيله لكن بمشقة(٣) فالوجه الجواز، لالزامه به مع إمكانه، ويحتمل المنع، لانه غرر.

____________________

(١) النهاية: ص ٣٩٨.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(٣) في باقي النسخ: لكن بعد مشقة.

٢٥٦

فرع:

لو شرط نقل الفاكهة من بلد بعيد إلى بلده قبل وجودها في بلده صح، وإن كان يبطل مع الاطلاق، ولا يجب عليه السعي فيها. والفرق بينه وبين البواكير أنها مقصودة عند العقد، بخلاف تغاير البلدان، ولو فرض قصد ذلك البلد صح هذا. ولو انقطع عند الاجل لعارض لم ينفسخ العقد، لان تناول الدفع هذه السنة يقتضيه الاجل ومورد العقد إنما هو الذمة، بل يتخير وليس فوريا، بخلاف خيار الغبن، لان تأخيره انتظار وتأجيل، والاجل لا يلحق بعد العقد.

ولو صرح بالامهال ففي بطلان خياره نظر، من تجدد الحق حالا فحالا فهو كخيار المولى منها، ولانه كتأخير الدين المؤجل، ومن أن الامهال أحد شقي التخيير وقد آثره، وأولى في الابطال ما إذا قال أبطلت خياري، وقول ابن إدريس(١) بعدم الخيار بتعذر المسلم فيه، نادر.

ويجري الخيار لو مات المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه، ولو قبض البعض تخير أيضا، وله أخذ ما قبض، والمطالبة بحصة غيره من الثمن. وفي تخيير المسلم إليه حينئذ وجه قوي، لتبعيض الصفقة عليه. نعم لو كان الانقطاع بتفريطه فلا خيار له.

ولو علم الانقطاع قبل الاجل ففي الخيار وجهان، كالحالف على أكل الطعام غدا فيتلفه قبل الغد.

ولو كان يوجد في بلد آخر لم يجب نقله مع المشقة، ولا مع عدمها إذا كان قد عين البلد، وإلا وجب.

____________________

(١) السرائر: ج ٢ ص ٣١٩.

٢٥٧

ولو اعتاض عن المسلم فيه بعد إنقطاعه جاز إذا كان بغير جنس الثمن، أو به مع المساواة، ويبطل مع الزيادة عند الاكثر، وهو في الرواية(١) أشهر، وقال المفيد(٢) والحليون(٣) : يجوز، وهو ظاهر مرسلة أبان(٤) ، ومكاتبة ابن فضال(٥) .

(٢٥٥) درس في اللواحق

ولا تكفي المشاهدة في الثمن الذي شأنه الاعتبار، خلافا للمرتضى(٦) ، وتوقف الفاضل(٧) في الاكتفاء بها في المذروع، وقطع الشيخ(٨) باشتراط ذرعه، وليس بقوي، كما لا يشترط في البيع.

ويجوز كون الثمن نقدا وعرضا مالم يؤد إلى الربا، ومنع الحسن(٩) من جواز إسلاف غير النقدين ضعيف، وكذا منع ابن الجنيد(١٠) من إسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن في الزيت، ومنع(١١) من إسلاف الجارية.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب السلف ح ٩ ج ١٣ ص ٧٠.

(٢) المقنعة: ص ٥٩٦.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٣١٠.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب السلف ح ٥ ج ١٣ ص ٦٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب السلف ح ٨ ج ١٣ ص ٧٠.

(٦) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهيه): ص ٢٥٣.

(٧) قواعد الاحكام: ج ١ ص ١٣٤.

(٨) المبسوط: ج ٢ ص ١٧٠.

(٩) المختلف: ج ١ ص ٣٦٤.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٦٥.

(١١) المختلف: ج ١ ص ٣٦٧.

٢٥٨

ويجوز السلم في الجلود مع المشاهدة عند الشيخ(١) ، قيل: وهو خروج عن السلم، لانه دين، ويمكن جعله من باب نسبة الثمرة إلى بلد.

واعتبار مشاهدة جميع الغنم يكفي عن الامعان في الوصف، لعسره واختلاف خلقته، وعدم دلالة الوزن على القيمة، والرواية(٢) تدل على الجواز إذا أسنده إلى غنم أرض معينة. ويحتمل الجواز فيما قطع قطعا متناسبا، كالنعال السببية فيذكر الطول والعرض والسمك والوزن، والوجه المنع، لعدم تساوي السمك غالبا، وهو أهم المراد منه. وفي اشتراط ذكر مكان التسليم مع كون السلم مؤجلا أقوال ثالثها اشتراطه إذا كان لحمله مؤنة، ورابعها ذكره إذا كانا في مكان قصدهما مفارقته، والاقرب اشتراطه مطلقا. ويجب قبض الموصوف عند الاجل أو الابراء، فإن أبى قبضه الحاكم، فإن تلف أوتعذر الحاكم فمن الممتنع. ولو دفع أجود وجب القبول، خلافا لابن الجنيد(٣) ، لرواية سليمان بن خالد(٤) إذ شرط فيها طيب نفسيهما.

ولا يجب القبض قبل الاجل وإن انتفى الضرر عن المسلم، ولم يتعلق غرض الدافع بغير البراء‌ة.

ويجب خلو الحبوب من التراب والقشر غير المعتاد، وخلو الحنطة من الشعير، إلا أن يذكر اختلاطهما به، ويعفى عن الحبات اليسيرة. ولو أسلم في شاة لبون فله حلبها وتسليمها إلى المسلم.

____________________

(١) النهاية: ص ٣٩٧.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب السلف ح ٤ ج ١٣ ص ٦١.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٦٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب السلف ح ٨ ج ١٣ ص ٦٧.

٢٥٩

ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا ونيا ومطبوخا، وفي الصمغ والطين الارمني والحسيني عليه السلام سادجا ومعمولا سبحا وألواحا.

ولو أسلم حالا فسلم المبيع في المجلس ففي الاكتفاء به عن تسليم الثمن نظر، من خروجه عن بيع الدين بمثله. ولو أحال بالثمن فقبضه البائع قبل التفرق صح، وإلا فلا على الاقرب فيهما. ولو أحال البائع على المشتري اشترط قبض المحتال في المجلس على الاصح، ووجه الجواز أن الاحالة كالقبض. ولو صالح البائع عن الثمن على مال فالاقرب الصحة واشتراط قبض مال الصلح. ويجوز اشتراط الرهن والضمين، وكل سائغ ولو كان أصواف نعجات، مع التعيين على الاقرب. ولو دفع أردا أو أزيد جاز في غير الربوي، وبطل فيه على الاقرب. ولو تنازعا في قبض الثمن قبل التفرق أو بعده حلف مدعي الصحة، ولو أقاما بينة بني على ترجيح الداخل والخارج، وقيل: يقدم بينة القبض لشهادتها على الاثبات.

ولو قال البائع قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق فأنكر المسلم حلف البائع. ولو أسلم أحد الغريمين أو هما فالسلم بحاله، إلا أن يكون المسلم فيه خمرا أو خنزيرا ولم يقبضا فيبطل. ولو أسلم عرضا في عرض ثم جاء بالثمن وهو على الصفات وجب القبول، ولو كانت أمة فلا عقر عليه بوطئها. ويجوز تعدد المسلم فيه في العقد الواحد اختلف الاجل أو اتفق، فلو قبض بعض الثمن وزع على الجميع.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416