الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95411 / تحميل: 4876
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

يبغضني إلّا منافق ولا يُحبّني إلّا مؤمن.١

وقد أعرب عن ذلك الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد الله وأثنىٰ عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال:

« أيّها الناس أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع، أُعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبَّة في قلوب المؤمنين ».٢

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير، وقال:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال الرازي: الكوثر: أولاده، لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابهعليه‌السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام .٣

إنّ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام لم تكن محبة نابعة من حبّه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسينعليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله، ونجاة الأُمّة من مخالب الظلم، والثورة على الظلم والطغيان، وهناك كلام للعلّامة المجلسي يقول :

إنّ محبة المقربين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

__________________

١. مسند أحمد: ١ / ٨٤، إلى غير ذلك من المصادر المتوفرة.

٢. بحار الأنوار: ٤٥ / ١٣٨.

٣. تفسير الفخر الرازي: ٣٢ / ١٢٤.

٢٢١

النفسانية والشهوات البشرية، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم، و وُدَّهم لله. وحُبّهم لغير الله إنّما يرجع إلى حبهم له، ولذا لم يحب يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبّ يوسفعليه‌السلام منهم، ولجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال، وقالوا: نحن عصبة، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له، لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب.١

__________________

١. سفينة البحار: ١ / ٤٩٦، مادة حبب.

٢٢٢

من سمات أهل البيت:

٣

استجابة دعائهم :

الابتهال إلى الله وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب، أمر مرغوب، يقوم به الإنسان تارة بنفسه، وأُخرى يتوصل إليه بدعاء الغير.

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ١ وليس كلّ دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الإنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهّرون من الذنوب يكون دعاؤهم صاعداً إلى الله سبحانه ومستجاباً قطعاً، ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه، قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .٢

وقال سبحانه:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ

__________________

١. غافر: ٦٠.

٢. آل عمران: ٦٥.

٢٢٣

وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) .١

ولذلك طلب أبناء يعقوب من أبيهم أن يستغفر لهم كما يحكيه قوله سبحانه:( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) .٢

ويظهر ممّا جرى بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة أنّ أهل البيت إذا أمَّنوا علىٰ دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فيَكُونُ ) .٣

فقد قارعهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كان نصارىٰ نجران يحتجّون ببنوّة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: « بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن ابناً لله سبحانه » وأولى منه أن لا يكون المسيح ابناً له.

ولـمّا أُفحموا في المحاجَّة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء، للدلالة على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ، وذلك لما أودع الله سبحانه في قلب الإنسان من محبة الأولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والاخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الأبناء على النساء، وقال:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١. المنافقون: ٥.

٢. يوسف: ٩٧.

٣. آل عمران: ٥٩.

٢٢٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) .١

وإنَّ إتيانه سبحانه بلفظ الأبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده بل أبناؤه ونساؤه، ولذلك عدَّتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الأُمة ونسائهم وأبنائهم.

ثمّ إنّ المفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشّاف، قال: لـمـّا دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع وننظر.

فلّما تخالوا قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يامعشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطُّ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلّا إِلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ خلفها، وهو يقول: « إذا أنا دعوت فأمِّنوا ».

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقىٰ على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: « فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم ».

__________________

١. آل عمران: ٦١.

٢٢٥

فأبوا. قال: « فإنّي أُناجزكم »، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.

وقال: « والذي نفسي بيده أنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا ».

وعن عائشة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليٌّ، ثمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) .١

الشاهد على استجابة دعائهم أمران:

أ: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم.

ب: قول أُسقف نجران: « إنّي لأرىٰ وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها » والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لأزاله بدعائهم أو لأزاله بالقسم على الله بهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في « العمدة » حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على الله بهم.٢

__________________

١. الكشّاف: ١ / ٣٢٦ - ٣٢٧، ط عام ١٣٦٧ ه‍.

٢. العمدة: ٢٤٣.

٢٢٦

وقد تركت مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد عليها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب ؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فلن أسبَّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ؟

وسمعته يوم خيبر، يقول: لأُعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه.

ولما نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: أللّهم هؤلاء أهل بيتي.١

__________________

١. صحيح مسلم: ٧ / ١٢٠، باب فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢٢٧

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٤

ابتغاء مرضاة الله تعالى ٰ

الإنسان الكامل، هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلّا لابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلىٰ مكان تفنىٰ فيه كلّ الدوافع والحوافز إلّا داع واحد وهو طلب رضا الله تبارك وتعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني، وربَّما يبلغ الإنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع ما لم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:

وبهجة بما قضى الله رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

أعظم باب الله، في الرضا وُعي١

وخازن الجنّة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذان سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عُمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لأشيا كائنة

يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع

مما هو المرغوب ليته وقع٢

__________________

١. إشارة إلى ما روي أنّ الرضا باب الله الأعظم.

٢. شرح منظومة السبزواري: ٣٥٢.

٢٢٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الأُمّة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين عليٌّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو في عامَّة مواقفه، في جهاده ونضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه منصَّة الخلافة بإصرار من الأُمّة، فهو في كلّ هذه الأحوال والمواقف، لا همّ له إلّا طلب رضوانه تعالى.

وقد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال: « أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ».١

وقد تجلّت هذه الخصلة في عليٍّعليه‌السلام حين مبيته في فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى المحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا أراد الهجرة خلّف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: يا عليُّ اتَّشح ببردي الحضرمي الأخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله عزّ وجلّ، ففعل ذلكعليه‌السلام فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

__________________

١. نهج البلاغة: الخطبة ٣.

٢٢٩

فقال جبرئيل: بَخٍّ بَخٍّ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) .١

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ عليٍّعليه‌السلام .

وقال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة:

وقيت بنفسي من وطئ الحصا

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتُّ أُراعي منهم ما يسوءني

وقد‌صبَّرت نفسي على‌القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمناً

ومازال في حفظ الإله وفي الستر٢

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسّان بن ثابت في شعره عند مدح عليٍّعليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد اسرى يؤم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا٣

محاولة طمس الحقيقة لولا

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهميّة هذا العمل التضحويّ العظيم، دفعت بكبار علماء الإسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الإمام عليّعليه‌السلام، وإلى أن

__________________

١. البقرة: ٢٠٧.

٢. شواهد التنزيل: ١ / ١٣٠ ؛ أُسد الغابة: ٤ / ٢٥.

٣. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواصّ: ٢٥، ط عام ١٤٠١ ه‍.

٢٣٠

يَصِفُوا بها عليّاً بالفداء والبذل والإيثار، وإلى أن يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات، كلّ ما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها.١

إنّ هذه الحقيقة لا تنسي أبداً، فإنّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلّا أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الأوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوّة وبخاصّة للإمام أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللّامعة ويخفي حقائقه بوضع الأكاذيب، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد « سمرة بن جندب » الذي أدرك عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام، عمد إلى تحريف الحقائق مقابل أموال أخذها من الجهاز الأموي، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن عليٍّعليه‌السلام، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليٍّ ( أي عبد الرحمٰن بن ملجم المرادي )، ويأخذ في مقابل هذه الأُكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفضيع - الذي أهلك به دينه ـ، مائة ألف درهم.

فلم يقبل « سمرة » بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك، فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوَّداً

__________________

١. الغدير: ٢ / ٤٨.

٢٣١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية.١

وقبل السامعون البسطاء قوله، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً أنّ ( عبد الرحمٰن بن ملجم ) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصحّ ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن أن تُنسىٰ بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد زالت حكومة معاوية وهلك أعوانها، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشؤوم، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرة أُخرى، واعترف أغلبُ المفسِّرين الأجلّة والمحدّثين الأفاضل - في العصور والأدوار المختلفة - بأنّ الآية المذكورة نزلت في « ليلة المبيت » في بذل عليٍّعليه‌السلام ومفاداته النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه.

__________________

١. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٤ / ٧٣.

٢٣٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٥

الإيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الإيثار في كتابه الكريم، وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم، يقول سبحانه في وصف الأنصار:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) .١

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر، قال سبحانه:( مَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ) ٢ ، وقال سبحانه:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) .٣

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه، يقول سبحانه:( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) ٤ وقال سبحانه:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ

__________________

١. الحشر: ٩.

٢. البقرة: ٢٧٠.

٣. الحجّ: ٢٩.

٤. النور: ٣٧.

٢٣٣

أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .١

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلّىٰ بها أولياؤه سبحانه، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيتعليهم‌السلام في سورة واحدة، يقول سبحانه:

( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) .٢

فقوله سبحانه:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم، والضمير في( عَلَىٰ حُبِّهِ ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم، كما أنّ قوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.

ثمّ قوله:( وَيَخَافُونَ يَوْمًا ) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.

وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم، أنّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام .

روي عن ابن عباس ( رض ) أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر عليٌّ وفاطمة وفضّة جاريةٌ لهما، إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما

__________________

١. الرعد: ٢١.

٢. الإنسان: ٧ - ١٠.

٢٣٤

معهم شيء، فاستقرض عليٌّعليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص علىٰ عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السّلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صائمين.

فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ عليٌّعليه‌السلام بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ودخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.

فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة.١

روى السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) الآية، قال: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .٢

ورواه الثعلبي في تفسيره، وقال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب وفاطمةعليهما‌السلام وفي جاريتهما فضّة، ثمّ ذكر القصّة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.

وقال: وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه

__________________

١. الكشّاف: ٣ / ٢٩٧ ؛ تفسير الفخر الرازي: ٣٠ / ٢٤٤.

٢. الدّر المنثور: ٨ / ٣٧١، تفسير سورة الإنسان.

٢٣٥

المعروف بـ‍ « البلغة » انّهمعليهم‌السلام نزلتعليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب.١

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث.٢

__________________

١. العُمدة: ٢ / ٤٠٧ - ٤١٠.

٢. شواهد التنزيل: ٢ / ٤٠٥ - ٤٠٨ ؛ أُسد الغابة: ٥ / ٥٣٠ ؛ مناقب ابن المغازلي: ٢٧٢.

٢٣٦

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٦

هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن بالله ورسوله وعرف خالقه ومنعمه، وقد قال سبحانه:( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) .١

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها، متمثلة في أهل البيتعليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم، ولذلك صاروا خير البرية.

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .٢ باسناده عن أبي الجارود، عن محمد بن علي، قال: قال

__________________

١. البقرة: ١٧٧.

٢. البيّنة: ٧.

٢٣٧

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « أنت يا عليُّ وشيعتك ».١

روى الخوارزمي عن جابر قال: كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال رسول الله: « قد أتاكم أخي » ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: « والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة »، ثمّ قال: « إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة »، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، وكان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليٌّ، قالوا: قد جاء خير البرية.٢

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه، عن يزيد بن شراحيل الأنصاري، كاتب عليّعليه‌السلام، قال: سمعت عليّاً يقول: « حدَّثني رسول الله وأنا مُسْنده إلى صدري، فقال أي عليّ ! ألم تسمع قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين ».٣

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس، قال: لـمّا نزلت هذه الآية، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّعليه‌السلام: « أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة، أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين ».٤

__________________

١. تفسير الطبري: ٣٠ / ١٤٦.

٢. المناقب للخوارزمي: ١١١ برقم ١٢٠.

٣. المناقب للخوارزمي: ٢٦٥ برقم ٢٤٧.

٤. الفصول: ١٢٢.

٢٣٨

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٧

أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الأُمّة الإسلامية بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة - وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها، للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد - وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الإمامة من هذا الجزء.

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله - سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة ـ.

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الأُمّة في أُصول الدين وفروعه، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة.

يقول سبحانه:( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ *ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

٢٣٩

الْكَبِيرُ ) .١

المراد من الكتاب في قوله:( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) هو القرآن بلا شكّ وكونه حقّاً لأجل براهين قطعية تُثبت أنّه منزل من ربّه فانّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الإنسانية، والقصص الواردة فيها مصونة من الأساطير، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ. ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي.

هذا هو مفاد الآية الأُولى.

ثمّ إنّه سبحانه يقول:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) المراد من الكتاب هو القرآن: لأنَّ اللاّم للعهد الذكري أي الكتاب المذكور في الآية المتقدمة، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الإنسان بلا مشقة وجهد، والوارث لهذا الكتاب هم الذين أُشير إليهم بقوله:( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ، فلو قلنا بأنّ« من » للتبيين فيكون الوارث هو الأُمة الإسلامية جميعاً، ولو قلنا: إنّ« مِن » للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب.

والظاهر هو التبيين كما في قولنا:( وَسَلامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) .٢

ولكن الأُمة الإسلامية صاروا على أقسام ثلاثة:

أ: ظالم لنفسه: الَّذين قصَّروا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم، فلذلك صاروا ظالمين لأنفسهم.

ب: مقتصد: الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ والعمل لكن لا بنحو كامل

__________________

١. فاطر: ٣١ - ٣٢.

٢. النمل: ٥٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

صاحبه وإن لم يتقابضا، معللا بأن النقدين من واحد، وظاهره أنه بيع، وأن ذلك توكيل المصير في القبض، وما في الذمة مقبوض، وعليه ابن الجنيد(١) والشيخ(٢) ، واشترط ابن إدريس(٣) القبض في المجلس، وهو نادر. ولا يشترط في بيع النقد الذي في الذمة تشخيص ثمنه، خلافا لابن إدريس(٤) فرارا من بيع الدين بالدين. ورد بأن القبض في المجلس أخرجه عن الغرر المانع من بيع الدين بمثله.

نعم يشترط علم العوضين بالوصف الرافع للجهالة. والمغشوش من النقدين يباع بغيرهما أو بأحدهم مخالفا أو مماثلا، مع زيادة تقابل الغش وإن لم يعلم قدر الغش إذا علم وزن المبيع. وتراب أحد النقدين يباع بالآخر أو بعوض، ولو اجتمعا وبيعا بهما جاز. وكذا تراب الصياغة، وتجب الصدقة بعينه أو ثمنه مع جهل أربابه. والاناء المصوغ من الجوهرين أو الحلي منهما يباع بغيرهما أو بهما مع علم وزن المبيع، وإن لم يعلم وزن كل واحد منهما إذا لم يمكن التخليص. ولو بيع بالجنس الواحد لم يجز، إلا أن يقطع بزيادة الثمن، وقال الشيخ(٥) وجماعة: يباع بالاقل محافظة على طلب الزيادة.

والسيف والمركب المحليان بالنقد إن علم مقدار الحلية بيعت كيف كان مع الخلاص من الربا، وإن جهلت ولم يمكن النزع إلا بضرر بيعت بغير جنسه، أو به مع زيادة يقطع بها من جنسه، أو غير جنسه، وقال الشيخ(٦) : لو أراد بيعها

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٥٨.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ١٨٧.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٦٦.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٦٨.

(٥) النهاية: ٣٨٣.

(٦) النهاية: ص ٣٨٤.

٣٠١

بالجنس ضم إليها شيئا، فظاهره أن الضميمة إلى الحلية، ولعله أراد أن بيعها منفردة لا يجوز، فيضم إليها المحلى أو شيئا آخر أو يضم إليها وإلى المحلى تكثيرا للثمن من الجنس، وربما حمل على الضميمة إلى الثمن، وهو واضح.

وهنا مسائل: قال في المبسوط(١) : لو تخايرا قبل التقابض بطل الصرف، ومنعه الفاضل(٢) إذا لم يختر الفسخ.

الثانية: لو باع أحدهما ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرق فالوجه الجواز وفاقا للفاضل(٣) ، ومنعه الشيخ(٤) ، لانه يمنع الآخر خياره، ورد بأنا نقول ببقاء الخيار.

الثالثة: لو قبض زيادة عما له كان الزائد أمانة، سواء كان غلطا أو عمدا وفاقا للشيخ(٥) ، ويجوز هبته له، وشراء معين أو موصوف به وشراء نقد من جنسه أو غيره مع القبض في المجلس. ولو كانت الزيادة لاختلاف الموازين أو الاوزان المعتادة فهي حل.

الرابعة: لو اشترى منه بنصف دينار حمل على الشق، إلا مع شرط غيره أو اقتضاء العرف ذلك.

ولو اشترى مبيعا آخر بنصف فعليه شقان، فإن بذل له دينارا صحيحا زاده خيرا.

ولو شرط في العقد الثاني اعطاء صحيح عنهما لم يجز عند الشيخ(٦) ، لزم

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٩٦.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٦٠.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٦٠.

(٤) المبسوط: ج ٢ ص ٩٦.

(٥) المبسوط: ج ٢ ص ٩٧.

(٦) المبسوط: ج ٢ ص ٩٨.

٣٠٢

العقد الاول أولا.

أما إذا لزم فلان الزيادة تلحق بالاول، وهي زيادة صفة منفردة عن العين، فتكون مجهولة فيفسد العقدان. وأما إذا لم يلزم فالفساد في الثاني، لانه استلحق(١) بالاول زيادة غير ممكنة، وهي تقتضي جهالة الثمن الثاني، ويحتمل الجواز وفاقا للفاضل(٢) ، لان الزيادة في الحقيقة إنما هي في ثمن الثاني، وهي زيادة صفة مضافة إلى العين فلا تكون مجهولة، ومنع الفاضل(٣) جهالة الزيادة، لان كون النصف من الصحيح معلوم، وعلم قيمته غير شرط، لان الصفة غير متقومة في نفسها، وعموم المسلمون عند شروطهم يجوز إلحاقها بالاول لزم أو لا.

الخامسة: الثمن هو المقرون(٤) بالباء هنا وفي غيره كذلك، ويحتمل أن يكون هو النقد إذا كان أحد العوضين، وإلا فالمقرون بالباء. وتظهر الفائدة في بيع حيوان بحيوان أو بيع نقد بحيوان، فلو ظهر النقد ثمنا أو مثمنا من غير الجنس وكان معينا بطل العقد، لان الاثمان تتعين بالتعيين عندنا، ولو ظهر بعضه بطل فيه ويتخير في الباقي، وإن كان غير معين فله الابدال مالم يفترقا.

وإن كان العيب من الجنس كخشونة الجوهر ورداء‌ة السكة، فإن تعين فليس له الابدال ويتخير بين رده وبين الارش إن اختلف الجنس، وإن اتحد فله الرد لاغير، وإن لم يتعين فله الابدال ماداما في المجلس، وإن تفرقا لم يجز الابدال على الاقرب وله الرد، وقال الشيخ(٥) وابن حمزة(٦) : يتخير بين الفسخ

____________________

(١) في (ق): الحق.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٦٠.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٦٠.

(٤) في باقي النسخ: ماقرن.

(٥) المبسوط: ج ٢ ص ٩٥.

(٦) الوسيلة: ص ٢٤٣.

٣٠٣

والابدال والرضا مجانا، ولم يقيدا باتحاد الجنس، وفي المختلف(١) له الابدال دون الفسخ، لعدم التعيين، ويشكل بأنهما تفرقا قبل قبض البدل، وقال ابن الجنيد(٢) : يجوز الابدال ما لم يتجاوز يومين فيدخل في بيع النسيئة، ولم يقيد بالتعيين وعدمه، وفي رواية إسحاق(٣) عن الكاظم عليه السلام إشارة إليه.

ولو أراد الارش بعد التفرق في المختلفين وجب كونه من غير النقدين، فلو أخذه(٤) من أحد النقدين لم يجز، ولو ظهر بعضه معيبا من الجنس اختص بالحكم، وليس له إفراده بالرد، إلا مع رضاء صاحبه.

السادسة: روى أبوالصباح(٥) جواز جعل إبدال درهم طازج بدرهم غلة عوضا لصياغة خاتم، وحكم جماعة بجواز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة خاتم، قال ابن إدريس(٦) : لان الزيادة ليست عينا، ورد بأن الربا يحصل بالزيادة الحكمية، وظاهرهم جواز التعدية إلى غير ذلك، فإن اعتمدوا على الرواية فلا دلالة لهم فيها، والوجه المنع مطلقا، والرواية في الاجارة لاغير، فكان العمل يجبر تفاوت ما بين الدرهمين إذ الطازج الخالص والغلة غيره.

السابعة: يجوز التعامل بالدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف وإن جهل غشها، وإن لم يعلم صرفها لم يجز إلا بعد بيان غشها، وعليه تحمل الروايات(٧) ، وروى عمر بن يزيد(٨) إذا جازت الفضة المثلين فلا بأس.

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٦٠.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٦١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب الصرف ح ٢ ج ١٢ ص ٤٦٥.

(٤) في باقي النسخ: فلو أخذ.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب الصرف ح ١ ج ١٢ ص ٤٨٠.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٢٦٧.

(٧) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب الصرف ج ١٢ ص ٤٧٢.

(٨) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب الصرف ح ٣ ج ١٢ ص ٤٧٢.

٣٠٤

فرع:

لو قبض مغشوشة على أنها جياد فله ردها ولو كانت تروج بالجياد على الجهال، ويحرم إخراجها على الجاهل بحالها.

الثامنة، تحريم الربا يعم الآخذ والمعطي، لمعاونته على الحرام، ولقول الصادق عليه السلام(١) : الزائد والمستزيد في النار، ولو اضطر الدافع ولا مندوحة فالاقرب ارتفاع التحريم في حقه.

التاسعة: روى زرارة(٢) وغيره جواز بيع الدنانير بالدراهم نسيئة، وهي متروكة معارضة بأشهر منها معتضدة بالفتوى.

العاشرة: لو كان له عليه أحد النقدين فدفع إليه الآخر قضاء ولم يحاسبه احتسب بقيمته يوم القبض، لانه حين الانتقال، وفي رواية إسحاق(٣) لانه حبس منفعته عنه، ويجوز أن يقرضه دراهم، ويشترط نقدها بأرض اخرى، للرواية(٤) .

الحادية عشرة: يجوز التعامل بالدراهم العددية وإن اشتملت على تفاوت يسير إذا كانت معلومة الصرف، لرواية ابن الحجاج(٥) ، ولو أقبض عن العددية وزينة جاز إذا قل التفاوت، ولو شرط المقرض ذلك وعلم التفاوت لم يجز، وهو مروي(٦) .

____________________

(١) وسائل الشعية: باب ١ من أبواب الصرف ح ١ ج ١٢ ص ٤٥٦.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢ من أبواب الصرف ح ١٣ ج ١٢ ص ٤٦٠.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الصرف ح ٢ ج ١٢ ص ٤٧١.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب الصرف ح ١ ج ١٢ ص ٤٨٠.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٦ من أبواب الصرف ح ١ ج ١٢ ص ٤٦٦.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٢ من أبواب الصرف ح ٢ ج ١٢ ص ٤٧٦.

٣٠٥

الثانية عشرة: لو جمع بنى الربوي وغيره في عقد جاز، فإن كان مشتملا على أحد النقدين اشترط قبض ما يوازنه في المجلس.

الثالثة عشرة: لو باعه بدراهم صرف عشرة صح مع العلم، إلا مع الجهل، ولو قال بدينار إلا درهما وكان معلوم النسبة صح، وإن كان مجهولها أو نسبة بما سيتعامل به بطل، لقول علي عليه السلام(١) : لعل الدينار يصير بدرهم.

الرابعة عشرة: يكره بيع دابة باخرى، واشتراط زيادة على إحداهما، بل يبيع كل منهما بثمن، ويجوز ذلك مع اختلاف الجنس.

____________________

الشيعة: باب ٢٣ من أبواب أحكام العقود ح ٢ ج ١٢ ص ٣٩٩.

٣٠٦

كتاب الدين

٣٠٧

٣٠٨

عن النبي صلى الله عليه وآله(١) الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، وعن علي عليه السلام(٢) مثله وزاد وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة. تعوذ النبي صلى الله عليه وآله(٣) من الدين، ومن ثم كرهت الاستدانة. ولا كراهة مع الضرورة، فقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله(٤) والحسنان عليهم السلام وعليم دين. ولو كان له مال بازائه خفت الكراهية، وكذا لو كان له ولي يقضيه وإن لم يجب عليه قضاؤه، فزالت مناقشة ابن إدريس(٥) ، لان عدم وجوب القضاء لا ينافي وقوع القضاء.

ولا يجب الاستدانة للحج إذا لم يجب أو لم يكن له مايرجع إليه، ولكنها جائزة، خلافا لظاهر كلام ابن إدريس(٦) في منع جوازها.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب الدين والقرض ح ٣ ج ١٣ ص ٧٧، ولكن الموجود فيه عن علي عليه السلام، فراجع.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب الدين والقرض ح ٤ ج ١٣ ص ٧٧.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب الدين والقرض ح ٦ ج ١٣ ص ٧٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٢ من أبواب الدين والقرض ح ١ ج ١٣ ص ٧٩.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٣٠.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٣٠.

٣٠٩

وقبول الصدقة للمستحق أولى من الاستدانة، وحرم الحلبي(١) الاستدانة على غير القادر على القضاء.

ويجب نية القضاء فيعان عليه، وروي(٢) أنه ينقض من المعونة بقدر قصور النية.

ويكره للدين النزول على الغريم، فإن نزل فالاقامة ثلاثة فما دون، ويكره الازيد، وقال الحلبي(٣) : يحرم الزائد، وفي رواية سماعة(٤) لا يأكل من طعامه بعد الثلاثة. ويجب على المديون الاقتصاد في النفقة، ويحرم الاسراف. ولا يجب التقتير، وهل يستحب؟ الاقرب ذلك إذا رضي عياله. ويستحب احتساب هدية الغريم من دينه، للرواية عن علي عليه السلام(٥) ، ويتأكد فيما لم تجز عادته به.

ويجوز مطالبته مع عدم العلم بالاعسار(٦) ، فيجب عليه الخروج من الدين.

ولا يستثنى له إلا دار السكنى وثياب البدن والخادم وقوت يوم وليلة له(٧) ولواجب النفقة.

ولو فضل من الدار فضلة وجب بيعها، ولو كانت مثمنة ففي وجوب الاستبدال بخسيسة تكفيه خلاف، وظاهر ابن الوليد(٨) الوجوب، ولو باع أحد

____________________

(١) الكافي في الفقه: ص ٣٣٠.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب الدين والقرض ح ٣ ج ١٣ ص ٨٦.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٣٣١.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٨ من أبواب الدين والقرض ح ٣ ج ١٣ ص ١٠٢.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٩ من أبواب الدين والقرض ح ١ ج ١٣ ص ١٠٣.

(٦) في (م): عدم علم الاعسار.

(٧) في (م): وقوت يومه وليلته.

(٨) الفقيه: ج ٣ ص ١٩٠.

٣١٠

هذه جاز أخذ ثمنها.

والرواية(١) تدل على استحباب منعه من بيع داره، وكراهة أخذ ثمنها.

ولو التجأ إلى الحرم حرمت المطالبة، والرواية(٢) تدل على تحريم المطالبة لو ظفر به في الحرم من غير قصد الالتجاء، وقال علي بن بابويه(٣) : لو ظفر به في الحرم لم تجز مطالبته، إلا أن يكون قد أدانه في الحرم. وألحق الفاضل(٤) والحلبي(٥) مسجد النبي صلى الله عليه وآله والمشاهد به، وفي المختلف(٦) يكره المطالبة إن أدانه خارج الحرم، وإن أدانه فيه لم يكره، وهو نادر.

ومنع بعض المتأخرين من فعل العبادة الموسعة المنافية في أول أوقاتها، وحكم ببطلانها إذا طولب أو كانت زكاة أو خمسا أو لغير العالم به، وجوز ابن حمزة(٧) صلاة المطالب في أول الوقت.

ويجب التكسب لقضاء الدين على الاقوى بما يليق بالمديون، ولو كان إجارة نفسه، وعليه تحمل الرواية عن علي عليه السلام(٨) .

ولو غاب المدين وجب نية القضاء والعزل عند أمارة الموت، وأطلق الشيخ(٩) وجوب العزل، وابن إدريس(١٠) عدم وجوبه، والاشهاد(١١)

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب الدين والقرض ج ١٣ ص ٩٤.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٦ من أبواب الدين والقرض ح ١ ج ١٣ ص ١١٥.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤١٠.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٤١٠.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٣١.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٤١٠.

(٧) الوسيلة: ص ٢٧٣.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب أحكام المضاربة ح ١ ج ١٣ ص ١٨٧.

(٩) النهاية: ص ٣٠٧.

(١٠) السرائر: ج ٢ ص ٣٧.

(١١) في (م): عدم وجوب الاشهاد.

٣١١

ولو يئس منه تصدق به عنه، وقال ابن إدريس(١) : يدفعه إلى الحاكم، وإن قطع على موته وانتفى الوارث كان للامام، والحكم الثاني لاشك فيه، وأما الاول فالحق فيه التخيير بينه وبين إبقائه في يده، أو الصدقة مع الضمان. ولا يجوز مطالبة المعسر مع ثبوت إعساره أو علم المدين به، ولا حبسه. وله الانكار موريا ثم يقضي مع اليسار. ولو حلف ظالما أو موريا ثم مات ورد المال وربحه أخذ المالك نصف الربح والمال قاله الشيخ(٢) ، وحمله ابن إدريس(٣) على المضاربة، لتعذر حمله على غير ذلك.

وتقضى نفقة الزوجة استدانتها أو لا، أذن في الاستدانة أو لا.

ولا تقضى نفقة الاقارب مطلقا، إلا مع إذنه أو إذن الحاكم في الاستدانة، وأطلق الشيخ(٤) وجوب القضاء عن الزوجة لرواية السكوني(٥) ، وقال ابن إدريس(٦) : يدفع إلى الزوجة ثم تقضي هي، وكأنه نزاع قريب(٧) .

ويجوز أن يقضي الدين من أثمان المحرمات إذا كان البائع ذميا مستترا، ولو كان حربيا لم يصح، وكذا لو تظاهر، وإطلاق الشيخ(٨) محمول على ذلك. ولا تصح المضاربة بالدين للمديون ولا لغيره، لعدم تعيينه، فلو ضارب وربح فالربح لصاحب المال، أما المديون إن كان هو العامل، أو المدين إن كان

____________________

(١) السرائر: ج ٢ ص ٣٧.

(٢) النهاية: ص ٣٠٧.

(٣) السرائر: ص ٣٥.

(٤) النهاية: ص ٣٠٧.

(٥) التهذيب: ج ٦ ص ١٩٤.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٣٨.

(٧) في (ق): لفظي.

(٨) النهاية: ص ٣٠٧.

٣١٢

غير العامل، إلا أن يشتري في الذمة، فيكون الربح له وعليه الاثم والضمان.

ولو بيع الدين وجب على المديون إقباض الغريم، وإن لم يأذن البائع في الاقباض، وإن كان الثمن أقل في غير الربوي قاله المتأخرون، وروى محمد بن الفضيل(١) وأبوحمزة(٢) لا يدفع المديون أكثر مما دفع المشتري، ولا معارض لها، وحمل على الضمان.

ولو كان الدين مؤجلا لم يجز بيعه مطلقا، وقال ابن إدريس(٣) : لا خلاف في تحريم بيعه على من هو عليه، يلزم بطريق التنبيه تحريمه على غيره، وجوز الفاضل(٤) بيعه على من هو عليه فيباع بالحال لا بالمؤجل، ولو كان حالا جاز بيعه بالعين والدين الحال لا بالمؤجل أيضا.

وتحل الديون المؤجلة بموت الغريم، ولو مات المدين لم يحل، إلا على رواية أبي بصير(٥) ، واختارها الشيخ(٦) والقاضي(٧) والحلبي(٨) . ولو قتل فديته كماله.

ولو كان عمدا لم يجز للورثة القصاص، إلا بعد أداء الدين على المشهور، وقيده الطبرسي(٩) ببذل القاتل الدية، وجوز الحليون(١٠) القصاص مطلقا.

ومن وجد عين ماله فله أخذها من تركة الميت إذا كان في المال وفاء، وإلا

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٥ من أبواب الدين والقرض ح ٣ ج ١٣ ص ١٠٠.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١٥ من أبواب الدين والقرض ح ٢ ج ١٣ ص ٩٩.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٣٩.

(٤) التذكرة: ج ٢ ص ٣.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب الدين والقرض ح ١ ج ١٣ ص ٩٧.

(٦) النهاية: ص ٣١٠.

(٧) لم نعثر عليه في كتبه الموجدة لدينا ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٤١٣.

(٨) الكافي في الفقه: ص ٣٣٣.

(٩) المختلف: ج ١ ص ٤١٣.

(١٠) السرائر: ج ٢ ص ٤٧، والمختلف: ج ١ ص ٤١٣.

٣١٣

فلا قاله الاصحاب، لرواية أبي ولاد(١) .

ولو اقتسم الدين لم يجز، والحاصل لهم والتاوي عليهم، ولو اصطلحوا على ما في الذمم بعضا ببعض فالاقرب جوازه. ولو باع كل نصيبه بمال معين أو دين حال، وأحال به على الغريم الآخر جاز. ولو أحال كل منهما صاحبه بماله على الغريم من غير سبق دين فالاقرب أنه لا أثر له، لانه توكيل في المعنى. ولا يجوز بيع السهم من الزكاة أو الخمس أو الرزق على بيت المال قبل قبضه، لعدم تعينه.

ولا يبطل الحق بتأخير المطالبة وإن طالت المدة، وروى يونس(٢) من ترك المطالبة بحق له عشر سنين فلا حق له، ومن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير علة اخرجت من يده.

وقال الصدوق(٣) : من ترك دارا أو عقارا أو أرضا في يد غيره ولما يطالب ولم يخاصم عشر سنين فلا حق له، والسند ضعيف، والقول نادر.

ولا فرق في وجوب إنظار المعسر بين من أنفق في المعروف وغيره، وقال الصدوقان(٤) : لو أنفقه في المعصية طولب وإن كان معسرا، وفيه بعد مع أن المنفق في المعروف أوسع مخرجا بحل الزكاة له.

ولا يشترط في الحالف المعسر إعلام الغريم بالغرم على قضائه، خلافا للحلبي(٥) ، وفي رواية مرسلة(٦) للامام أن يقضي(٧) الديون ما خلا مهور

____________________

(١) وسائل الشعية: باب ٥ من أبواب أحكام الحجر ح ٣ ج ١٣ ص ١٤٦.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١٧ من أبواب إحياء الموات ح ١ و ٢ ج ١٧ ص ٣٤٥.

(٣) المقنع (الجوامع الفقهية): ص ٣١.

(٤) المقنع (الجوامع الفقهية): ص ٣٢، (والهداية الجوامع الفقهية): ص ٦٣.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٣١.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الدين والقرض ح ٤ ج ١٣ ص ٩٢.

(٧) في باقي النسخ: الامام يقضي.

٣١٤

النساء، وربما حمل على مازاد على الضرورة.

(٢٦٣) درس في مداينة العبيد

لا يجوز للعبد التصرف في نفسه وما في يده باكتساب إلا بإذن المولى، سواء قلنا بملكه أم لا، فلو تصرف بغير إذنه وبغير رضا المستحق، فإن كان على آدمي ففي رقبته، وإن كان على غيره تعلق بكسبه، وكذا مايرضى به المستحق كالبيع والاقراض بدون رضا السيد فيتبع به إذا أعتق. ولو كوتب مطلقا أو مشروطا ففي التبعية نظر أقربه العدم. نعم لو تحرر من المطلق شئ أمكن التبعية بقدره.

ولو اجتمع إذن السيد ورضا المستحق، فإن كان نكاحا فسيأتي إن شاء الله تعالى، وإن كان غيره، فإن كان بيده مال تجارة تعلق بها، لان موجب الاذن في الالتزام الرضا بالاداء، وأقرب ذلك ما في يده.

وهل يتعلق بكسبه من إحتطاب واحتشاش والتقاط؟ إشكال، لعدم تناول الاذن في التجارة.

إياه، وإنه بالاذن ضاهى الجزء المؤدى من كسبه.

ولو اشترى المأذون في التجارة طولب بالثمن وإن علم البائع كونه مأذونا، بخلاف الوكيل لاقتضاء العرف جعل المأذون قائما مقام السيد فيما هو في يده، إذ هو مستخدم عنه، بخلاف الوكيل فإنه عرضة للزوال بعزل نفسه، ولو طولب السيد جاز ولا ينفك الحجر عنه بالاذن، فلو عين له نوعا من التجارة أو زمانا اقتصر عليه، ويشتري بالنقد، إلا أن يعين له المولى النسيئة، وكذا البيع.

ولو اشترى في الذمة بإذنه وتلف الثمن قبل القبض ضمن المولى.

وليس له الاستدانة إلا مع الاذن، صريحا أو فحوى كضرورات التجارة.

٣١٥

ويقبل إقراره وإن كان لقرينة، ويؤخذ مما في يده، وقال القاضي(١) : إذا أذن له يوما فهو مأذون له أبدا حتى يحجر عليه، ويجوز عنده تعليق الاذن على الصفة كدخول الشهر.

وليس له إجارة نفسه ولا التزويج، لانه تصرف في رقبة ولم يؤذن له فيها.

وفي إجارة رقيقه ودوابه نظر، من أنها لا تسمى تجارة، ومن أن التاجر ربما فعلها، وهو قريب، وقال القاضي(٢) : يوجر نفسه ويستأجر غيره ويزارع ويستأجر الارض.

ويجوز له التوكيل لا الاذن لعبده في التجارة ليصير قائما مقامه، وليس له اتخاذ دعوة.

وينعزل بالاباق لشهادة الحال، ويحتمل بقاء الاذن للاستصحاب. ولا يكفي سكوت السيد في الاذن فيما سكت عنه ولا في غيره، وقال القاضي(٣) : إذا لم ينهه فهو إذن في التجارة، وبالغ حتى قال: لو أذن له في القصارة والصبغ(٤) صار مأذونا في كل تجارة، وهو متروك.

ولا يشتري من ينعتق على سيده، ولو ركبته الديون لم يزل ملك السيد عما في يده فيصرف في الديون، فإن فضل عليه شئ استسعى على قول الشيخ في النهاية(٥) ، لصحيحة أبي بصير(٦) ، وفي المبسوط(٧) يتبع به إذا تحرر، وفي رواية

____________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٤٢٤.

(٢) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٤٢٤.

(٣) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٤٢٤.

(٤) في باقي النسخ: أو الصيغ.

(٥) النهاية: ص ٣١١.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب الدين والقرض ح ١ ج ١٣ ص ١١٨.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٤.

٣١٦

عجلان(١) إن باعه السيد فعليه، وإن اعتقه فعلى المأذون في رواية ظريف(٢) ، وعمل بها الفاضل في المختلف(٣) ، وحمل رواية أبي بصير على استدانته للتجارة(٤) .

ولو ظهر استحقاق ماباعه المأذون رجع المشتري الجاهل عليه أو على مولاه، وليس له معاملة سيده.

ولا يثبت كونه مأذونا بقوله، بل لا بد من بينة أو شياع.

ويجوز أن يحجر عليه السيد وإن لم يشهد، وقال القاضي(٥) : لابد من إشاعته في سوقه وعلم الاكثر.

ولا يكفي علم الواحد والاثنين بل للواحد السامع الحجر معاملته، لعدم تمام الحجر، وهو بعيد.

ولو قال حجر علي السيد لم يعامل وإن أنكر السيد الحجر، لانه المتعاطي للعقد.

ولو تصرف غير المأذون وقف على إجازة السيد، فإن أجاز ملك(٦) المشتري والمقترض، وإلا رجع فيه مالكه، فإن تلف تبع به إذا تحرر، وإلا كان ضائعا.

ولو استدان بإذنه أو إجازته الاستدانة لزم(٧) المولى مطلقا، وفي النهاية(٨) إن اعتقه تبع به، وإلا كان على المولى، وبه قال الحلبي(٩) : إن استدان لنفسه، وإن كان للسيد فعليه.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٥٤ من أبواب العتق ح ١ ج ١٦ ص ٥٧.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب الدين والقرض ح ٢ ج ١٣ ص ١١٨.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤١٤.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٤١٤.

(٥) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٤٢٤.

(٦) في (م): ملكه.

(٧) في (ق): أو أجاز لزم.

(٨) النهاية: ص ٣١١.

(٩) الكافي في الفقه: ص ٣٣١ - ٣٣٢.

٣١٧

(٢٦٤) درس في القرض

وهو معروف أثبته الشارع إمتاعا للمحتاجين مع رد عوضه في غير المجلس غالبا وإن كان من النقدين رخصة، وسماه الصادق عليه السلام(١) معروفا.

وهو أفضل من الصدقة العامة، حتى أن درهمها بعشرة ودرهم القرض بثمانية عشر، لان القرض يدر فيقرض دائما والصدقة تنقطع، وروي(٢) أن القرض مرتين بمثابة الصدقة مرة، وتحمل على الصدقة الخاصة كالصدقة على الارحام والعلماء والاموات.

وهو عقد إيجابه أقرضتك أو أسلفتك أو ملكتك، وعليك رد عوضه أو خذه بمثله أو قيمته أو تصرف فيه أو انتفع به كذلك وشبهه، وقبوله قبلت وشبهه، والاقرب الاكتفاء بالقبض، لان مرجعه إلى الاذن في التصرف (فيكون مضمونا)(٣) وأهله أهل البيع. ويجوز للولي إقراض مال الطفل عند المصلحة بالرهن، وإن تعذر فبغيره إذا خاف التلف، وقبضه كقبضه. ولا يجب إقراض الموسر.

ويستحب للمقترض إعلام المقرض بإيساره أو إعساره، وحسن قضائه أو مطله، ولا يكره إقراض حسن القضاء، وليس فيه خيار وإن شرطاه لغا.

ولا يجوز فيه اشتراط الزيادة في العين أو الصفة، سواء كان ربويا أم لا، للنهي(٤) عن قرض جر منفعة، فلو شرط فسد، ولم يفد الملك، ويكون مضمونا

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب فعل المعروف ح ١ ج ١١ ص ٥٤٥.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب الدين والقرض ح ٥ ج ١٣ ص ٩٠.

(٣) مابين القوسين غير موجودة في باقي النسخ.

(٤) مستدرك الوسائل: باب ١٩ من أبواب الدين والقرض ح ٢ و ٣ ج ١٣ ص ٤٠٩.

٣١٨

مع القبض، خلافا لابن حمزة(١) . نعم لو تبرع الاخذ برد أزيد عينا أو وصفا جاز، لان النبي صلى الله عليه وآله(٢) أقرض بكرا فرد باذلا. ويكره لو كان ذلك في نيتهما ولم يذكراه لفظا، وفي رواية أبي الربيع(٣) لابأس. ويجوز اشتراط رهن وضمين والاعادة في أرض اخرى، ولو اشرط فيه رهنا على دين آخر أو كفيلا كذلك، فللفاضل(٤) قولان أجودهما المنع، وجوز أن يشترط عليه إجارة أو بيعا أو إقراضا، إلا أن يشترط بيعا أو إجارة بدون عوض المثل.

وجوز الشيخ(٥) اشتراط إعطاء الصحاح بدل الغلة وتبعه جماعة، وزاد الحلبي(٦) اشتراط العين من النقدين بدل المصوغ منهما، واشتراط الخالص بدل الغش، وصحيحة يعقوب بن شعيب(٧) في جواز دفع الطازجية بدل الغلة، وقول الباقرين عليهما السلام(٨) خير القرض ماجر منفعة محمول على التبرع. ولو شرط المقرض أن يقرضه قرضا أو أن يأخذ الغلة عوض الصحاح لم يفسد القرض، لانه عليه لا له، ويحتمل في الاول المنع إذا كان له نفع كزمان النهب والغرق.

____________________

(١) الوسيلة: ص ٢٧٣.

(٢) سنن البيهقي: ج ٥ ص ٣٥١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب الصرف ح ٤ ج ١٢ ص ٤٧٧.

(٤) التذكرة: ج ٢ ص ٦.

(٥) النهاية: ص ٣١٢.

(٦) الكافي في الفقه: ص ٣٣١.

(٧) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب الصرف ح ٥ ج ١٢ ص ٤٧٧.

(٨) وسائل الشيعة: باب ١٩ من أبواب الدين والقرض ح ٥ و ٦ و ٨ ج ١٣ ص ١٠٤ و ١٠٥.

٣١٩

ويملك بالعقد مع القبض، فله الامتناع من رد العين قاله الفاضلان(١) ، خلافا للمبسوط(٢) والخلاف(٣) . ويرد البدل مثلا أو قيمة، ولو رد العين في المثل وجب القبول، وكذا في القيمي على الاصح، ونقل فيه الشيخ(٤) الاجماع، ويحتمل وجوب قبولها إن تساوت القيمة أو زادت وقت الرد، وإن نقصت فلا.

وهو عقد جائز من طرفيه، فلكل منهما الرجوع في الجميع والبعض في المجلس وغيره.

ولو أقرضه متفرقا فله المطالبة بالجميع دفعة وبالعكس، وكذا للغريم دفع المفرق دفعة، ولو دفع البعض وجب على المالك قبوله، ويطالب بالباقي في الحال. ولو قال أجلتك إلى شهر لم يتأجل، وكذا باقي الديون. نعم يستحب الوفاء بالشرط. وإطلاق العقد يقتضي الرد في مكانه، فلو شرطا غيره جاز، ولو دفع إليه في غير مكانه على الاطلاق أو في غير المكان المشروط(٥) لم يجب القبول، وإن كان الصلاح للقابض ولا ضرر على المقترض. ولو طالبه في غير هما لم يجب الدفع وإن كان الصلاح للدافع. نعم لو تراضيا جاز مطلقا.

(٢٦٥) درس

إنما يصح القرض مع تملك المقرض أو إجازة المالك، وعلم العين

____________________

(١) الشرائع: ج ٢ ص ٦٨، والتذكرة: ج ٢ ص ٦.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ١٦١.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ٧٨.

(٤) الخلاف: ج ٢ ص ٧٨.

(٥) في باقي النسخ: المشترط.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416