الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95438 / تحميل: 4878
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

سبب النّزول

ذكر المفسّرون والمحدّثون والمؤرّخون بصورة مفصّلة سبب نزول هذه الآيات ، وخلاصة ما ذكروه هي ما يلي :

كان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود وهم : «بنو النضير» ، و «بنو قريظة» ، و «بنو قينقاع» ، ويذكر أنّهم لم يكونوا من أهل الحجاز أصلا ، وإنّما قدموا إليها واستقرّوا فيها ، وذلك لما قرءوه في كتبهم العقائدية من قرب ظهور نبي في أرض المدينة ، حيث كانوا بانتظار هذا الظهور العظيم.

وعند ما هاجر الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة عقد معهم حلفا بعدم تعرّض كلّ منهما للآخر ، إلّا أنّهم كلّما وجدوا فرصة مناسبة لم يألوا جهدا في نقض العهد.

ومن جملة ذلك أنّهم نقضوا العهد بعد غزوة احد ، التي وقعت في السنة الثالثة للهجرة.

فقد ذهب «كعب بن الأشرف» زعيم قبيلة «بني النضير» مع أربعين فارسا إلى مكّة ، وهنالك عقد مع قريش حلفا لقتال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجاء أبو سفيان مع أربعين شخصا ، وكعب بن الأشرف مع أربعين نفرا من اليهود ، ودخلا معا إلى المسجد الحرام ووثقوا العهد في حرم الكعبة ، فعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك عن طريق الوحي.

والمؤامرة الاخرى هي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل يوما مع شيوخ الصحابة وكبارهم إلى حي بني النضير ، وذلك بحجّة استقراض مبلغ من المال منهم كديّة لقتيلين من طائفة بني عامر ، قتلهما (عمرو بن اميّة) أحد المسلمين ، وربّما كان الهدف من ذلك هو معرفة أخبار اليهود عن قرب حتّى لا يباغت المسلمون بذلك.

فبينما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتحدّث مع كعب بن الأشرف إذ حيكت مؤامرة يهودية لاغتيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنادى القوم : إنّكم لا تحصلون على هذا الرجل بمثل هذه الحالة وها هو قد جلس بالقرب من حائطكم ، فليذهب أحدكم إلى السطح ويرميه بحجر عظيم ويريحنا منه ، فقام «عمرو بن جحاش» وأبدى

١٦١

استعداده لتنفيذ الأمر ، وذهب إلى السطح لتنفيذ عمله الإجرامي ، إلّا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم عن طريق الوحي بذلك ، فقفل راجعا إلى المدينة دون أن يتحدّث بحديث مع أصحابه ، إلّا أنّ الصحابة تصوّروا أنّ الرّسول سيعود مرّة اخرى ، ولمّا عرفوا فيما بعد أنّ الرّسول في المدينة عاد الصحابة إليها أيضا.

وهنا أصبح من المسلّم لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقض اليهود للعهد ، فأعطى أمرا للاستعداد والتهيّؤ لقتالهم.

وجاء في بعض الروايات أيضا أنّ أحد شعراء بنو النضير هجا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشعر يتضمّن مسّا بكرامة الرّسول وهذا دليل آخر لنقضهم العهد.

وبدأت خطّة المسلمين في مواجهة اليهود وكانت الخطوة الاولى أن أمر رسول الله (محمّد بن سلمة) أن يقتل كعب بن الأشرف زعيم اليهود ، إذ كانت له به معرفة ، وقد نفّذ هذا العمل بعد مقدّمات وقتله.

إنّ قتل كعب بن الأشرف أوجد هزّة وتخلخلا في صفوف اليهود ، عند ذلك أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرا للمسلمين أن يتحرّكوا لقتال هذه الفئة الباغية الناقضة للعهد.

وعند ما علم اليهود بهذا لجأوا إلى قلاعهم المحكمة وحصونهم القويّة ، وأحكموا الأبواب ، إلّا أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أن تقلع أشجار النخيل القريبة من القلاع.

لقد أنجز هذا العمل لأسباب عدّة : منها أنّ حبّ اليهود لأموالهم قد يخرجهم من قلاعهم بعد رؤية تلف ممتلكاتهم ، وبالتالي يكون اشتباك المسلمين معهم مباشرة ، كما يوجد احتمال آخر ، وهو أنّ هذه الأشجار كانت تضايق المسلمين في مناوراتهم مع اليهود قرب قلاعهم وكان لا بدّ من أن تقلع.

وعلى كلّ حال ، فقد ارتفع صوت اليهود عند ما شعروا بالضيق ، وهم محاصرون في حصونهم فقالوا : يا محمّد ، لقد كنت تنهى عن هذا ، فما الذي حدا

١٦٢

بك لتأمر قومك بقطع نخيلنا؟

فنزلت الآية (٥) من الآيات محلّ البحث وبيّنت بأنّ هذا العمل هو أمر من اللهعزوجل .

واستمرّت المحاصرة لعدّة أيّام ، ومنعا لسفك الدماء اقترح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم أن يتركوا ديارهم وأراضيهم ويرحلوا من المدينة ، فوافقوا على هذا وحملوا مقدارا من أموالهم تاركين القسم الآخر واستقرّ قسم منهم في «أذرعات الشام» ، وقليل منهم في «خيبر» ، وجماعة ثالثة في «الحيرة» ، وتركوا بقيّة أموالهم وأراضيهم وبساتينهم وبيوتهم بيد المسلمين بعد أن قاموا بتخريب ما يمكن لدى خروجهم منها.

وقد حدثت هذه الحادثة بعد غزوة (احد) بستّة أشهر ، إلّا أنّ آخرين قالوا : إنّها وقعت بعد غزوة بدر بستّة أشهر(١) .

* * *

التّفسير

نهاية مؤامرة يهود بني النضير :

بدأت هذه السورة بتنزيه وتسبيح الله وبيان عزّته وحكمته ، يقول سبحانه :( سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وهذه في الحقيقة مقدّمة لبيان قصّة يهود بني النضير ، أولئك الذين انحرفوا عن طريق التوحيد ومعرفة الله وصفاته ، وبالإضافة إلى كونهم مغرورين بإمكاناتهم وقدرتهم وعزّتهم ويتآمرون على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

التسبيح العامّ الوارد في الآية لجميع موجودات الأرض والسماء ، أعمّ من

__________________

(١) مجمع البيان وتفسير علي بن إبراهيم وتفسير القرطبي ونور الثقلين (نهاية الآيات مورد البحث) مقتبس باختصار.

١٦٣

الملائكة والبشر والحيوانات والنباتات والجمادات يمكن أن يكون بلسان «القال» ويمكن أن يكون بلسان «حال» هذه المخلوقات حول دقّة النظام المثير للعجب لها في خلق كلّ ذرّة من ذرّات هذا الوجود ، وهو التسليم المطلق لله سبحانه والاعتراف بعلمه وقدرته وعظمته وحكمته.

ومن جهة اخرى فإنّ قسما من العلماء يعتقدون أنّ كلّ موجود في العالم له نصيب وقدر من العقل والإدراك والشعور ، بالرغم من أنّنا لم ندركه ولم نطلع عليه ، وبهذا الدليل فإنّ هذه المخلوقات تسبّح بلسانها ، بالرغم من أنّ آذاننا ليس لها القدرة على سماعها ، والعالم بأجمعه منشغل بحمد الله وتسبيحه وإن كنّا غير مطّلعين على ذلك.

الأولياء الذين فتحت لهم عين الغيب يتبادلون أسرار الوجود مع كلّ موجودات العالم ، ويسمعون نطق الماء والطين بصورة واضحة ، إذ أنّ هذا النطق محسوس من قبل أهل المعرفة. (وهناك شرح أكثر حول هذا الموضوع في تفسير الآية ٤٤ من سورة الإسراء).

وبعد بيان المقدّمة أعلاه نستعرض أبعاد قصّة يهود بني النضير في المدينة حيث يقول سبحانه :( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ) .

«حشر» في الأصل تحريك جماعة وإخراجها من مقرّها إلى ميدان حرب وما إلى ذلك ، والمقصود منه هنا اجتماع وحركة المسلمين من المدينة إلى قلاع اليهود ، أو اجتماع اليهود لمحاربة المسلمين ، ولأنّ هذا أوّل اجتماع من نوعه فقد سمّي في القرآن الكريم بأوّل الحشر ، وهذه بحدّ ذاتها إشارة لطيفة إلى بداية المواجهة المقبلة مع يهود بني النضير ويهود خيبر وأمثالهم.

والعجيب أنّ جمعا من المفسّرين ذكروا احتمالات للآية لا تتناسب أبدا مع محتواها ، ومن جملتها أنّ المقصود بالحشر الأوّل ما يقع مقابل حشر يوم القيامة ،

١٦٤

وهو القيام من القبور إلى الحشر ، والأعجب من ذلك أنّ البعض أخذ هذه الآية دليلا على أنّ حشر يوم القيامة يقع في أرض الشام التي ابعد اليهود إليها ، وهذه الاحتمالات الضعيفة ربّما كان منشؤها من وجود كلمة «الحشر» ، في حين أنّ هذه الكلمة لم تكن تستعمل هذا بمعنى الحشر في القيامة ، بل تطلق على كلّ اجتماع وخروج إلى ميدان ما ، قال تعالى :( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ ) (١) .

وكذلك ما ورد في الاجتماع العظيم لمشاهدة المحاججة التي خاضها موسىعليه‌السلام مع سحرة فرعون حيث يقول سبحانه :( وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) (٢) .

ويضيف البارئعزوجل :( ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ ) لقد كانوا مغرورين وراضين عن أنفسهم إلى حدّ أنّهم اعتمدوا على حصونهم المنيعة ، وقدرتهم الماديّة الظاهرية. إنّ التعبير الذي ورد في الآية يوضّح لنا أنّ يهود بني النضير كانوا يتمتّعون بإمكانات واسعة وتجهيزات وعدد كثيرة في المدينة ، بحيث أنّهم لم يصدّقوا أنّهم سيغلبون بهذه السهولة ، وذلك ظنّ الآخرين أيضا.

ولأنّ الله سبحانه يريد أن يوضّح للجميع أن لا قوّة في الوجود تقاوم إرادته ، فإنّ إخراج اليهود من أراضيهم وديارهم بدون حرب ، هو دليل على قدرته سبحانه ، وتحدّ لليهود الذين ظنّوا أنّ حصونهم مانعتهم من الله.

ولذلك يضيف ـ استمرارا للبحث الذي ورد في الآية ـ قوله تعالى :( فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ) نعم ، إنّ هذا الجيش غير المرئي هو جيش الخوف الذي يرسله الله تعالى في كثير من الحروب لمساعدة المؤمنين ، وقد خيّم على قلوبهم ، وسلب منهم قدرة

__________________

(١) النمل ، الآية ١٧.

(٢) سورة طه ، الآية ٥٩.

١٦٥

الحركة والمقاومة ، لقد جهّزوا وهيّئوا أنفسهم لقتال المهاجرين والأنصار غافلين عن إرادة الله تعالى ، حيث يرسل لهم جيشا من داخلهم ويجعلهم في مأزق حرج إلى حدّ ينهمكون فيه على تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم من المسلمين.

صحيح أنّ مقتل زعيمهم «كعب بن الأشرف» ـ قبل الهجوم على قلاعهم وحصونهم ـ كان سببا في إرباكهم واضطراب صفوفهم ، إلّا أنّ من الطبيعي أنّ مقصود الآية غير ما تصوّره بعض المفسّرين ، فإنّ ما حدث كان نوعا من الإمداد الإلهي للمسلمين الذين حصل لهم مرّات عديدة حين جهادهم ضدّ الكفّار والمشركين.

والطريف هنا أنّ المسلمين كانوا يخرّبون الحصون من الخارج ليدخلوا إلى عمق قلاعهم ، واليهود كانوا يخرّبونها من الداخل حتّى لا يقع شيء مفيد منها بأيدي المسلمين ، ونتيجة لهذا فقد عمّ الخراب التامّ جميع قلاعهم وحصونهم.

وذكرت لهذه الآية تفاسير اخرى أيضا منها : أنّ اليهود كانوا يخربونها من الداخل لينهزموا ، أمّا المسلمون فتخريبهم لها من الخارج ليظفروا باليهود ويجهّزوا عليهم (إلّا أنّ هذا الاحتمال مستبعد).

أو يقال إنّ لهذه الآية معنى كنائي ، وذلك كقولنا : إنّ الشخص الفلاني هدم بيته وحياته بيده ، يعني أنّه بسبب جهله وتعنّته دمّر حياته.

أو أنّ المقصود من تخريب اليهود لبعض البيوت ، هو من أجل إغلاق الأزقّة الموجودة داخل القلاع ومنع المسلمين من التقدّم ولكي لا يستطيعوا السكن فيها.

أو أنّهم هدموا قسما من البيوت داخل القلعة حتّى إذا ما تحوّلت الحرب إلى داخلها يكون هنا لك مكان كاف للمناورة والحرب.

أو أنّ مواد بناء بعض البيوت كان ثمينا فخرّبوها لكي يحملوا ما هو مناسب منها ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب من الجميع.

وفي نهاية الآية ـ بعنوان استنتاج كلّي ـ يقول تعالى :( فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي

١٦٦

الْأَبْصارِ ) .

«اعتبروا» من مادّة (اعتبار) وفي الأصل مأخوذة من العبور ، أي العبور من شيء إلى شيء آخر ، ويقال لدمع العين «عبرة» بسبب عبور قطرات الدموع من العين ، وكذلك يقال (عبارة) لهذا السبب ، حيث أنّها تنقل المطالب والمفاهيم من شخص إلى آخر ، وإطلاق «تعبير المنام» على تفسير محتواه ، بسبب أنّه ينقل الإنسان من ظاهره إلى باطنه.

وبهذه المناسبة يقال للحوادث التي فيها دروس وعظات (عبر) لأنّها توضّح للإنسان سلسلة من التعاليم الكلية وتنقله من موضوع إلى آخر.

والتعبير بـ «اولي الأبصار» إشارة إلى الأشخاص الذين يتعاملون مع الحوادث بعين واقعية ويتوغلون إلى أعماقها.

كلمة (بصر) تقال دائما للعين الباصرة ، و «البصيرة» تقال للإدراك والوعي الداخلي(١) .

وفي الحقيقة أنّ «أولي الأبصار» هم أشخاص لهم القابلية على الاستفادة من (العبر) ، لذلك فإنّ القرآن الكريم يلفت نظرتهم للاستفادة من هذه الحادثة والاتّعاظ بها.

وممّا لا شكّ فيه أنّ المقصود من الإعتبار هو مقايسة الحوادث المتشابهة من خلال إعمال العقل ، كمقارنة حال الكفّار مع حال ناقضي العهد من يهود بني النضير ، إلّا أنّ هذه الجملة لا ترتبط أبدا بـ «القياسات الظنّية» التي يستفيد منها البعض في استنباط الأحكام الدينيّة.

والعجيب هنا أنّ بعض فقهاء أهل السنّة استفادوا من الآية أعلاه لإثبات هذا المقصود ، بالرغم من أنّ البعض الآخر لم يرتضوا ذلك.

__________________

(١) المفردات للراغب.

١٦٧

والخلاصة أنّ المقصود من العبرة والإعتبار في الآية أعلاه هو الانتقال المنطقي والقطعي من موضوع إلى آخر ، وليس العمل على أساس التصوّر والخيال.

وعلى كلّ حال فإنّ مصير طائفة «بني النضير» بتلك القدرة والعظمة والشوكة ، وبتلك الصورة من الاستحكامات القويّة ، صار موضع (عبرة) حيث أنّهم استسلموا لجماعة من المسلمين لا تقارن قوّاتها بقوّاتهم ، وبدون مواجهة مسلّحة ، بحيث كانوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم وتركوا بقيّة أموالهم للمسلمين المحتاجين ، وتفرّقوا في بقاع عديدة من العالم ، في حين أنّ اليهود سكنوا في المدينة من أجل أن يدركوا النبي الموعود الذي ورد في كتبهم ، ويكونوا في الصفّ الأوّل من أعوانه كما ذكر المؤرّخون ذلك.

وبهذا الصدد نقرأ حديثا ورد عن الإمام الصادق حيث يقول : «كان أكثر عبادة أبي ذرّرحمه‌الله التفكّر والإعتبار»(١) .

ومع الأسف فإنّ كثير من الناس يفضّلون تجربة الشدائد والمحن والمصائب بأنفسهم ويذوقوا مرارة الخسائر شخصيّا ، ولا يعتبرون ولا يتّعظون بوضع الآخرين وما يواجهونه في أمثال هذه الموارد ، ويقول الإمام عليعليه‌السلام «السعيد من وعظ بغيره»(٢) .

وتضيف الآية اللاحقة( وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ) .

وبدون شكّ فإنّ الجلاء عن الوطن وترك قسم كبير من رؤوس الأموال التي جهدوا جهدا بليغا في الحصول عليها ، هو بحدّ ذاته أمر مؤلم لهم ، وبناء على هذا فإنّ مراد الآية أعلاه أنّه لو لم يحلّ بهم هذا العذاب ، فإنّ بانتظار هم عذابا آخر هو القتل أو الأسر بيد المسلمين إلّا أنّ الله سبحانه أراد لهم التيه في الأرض

__________________

(١) كتاب الخصال مطابق لنقل نور الثقلين ، ج ٥ ص ٢٧٤.

(٢) نهج البلاغة ، خطبة ٨٦.

١٦٨

والتشرّد في العالم ، لأنّ هذا أشدّ ألما وأسى على نفوسهم ، إذ كلّما تذكّروا أرضهم وديارهم ومزارعهم وبساتينهم التي أصبحت بيد المسلمين. وكيف أنّهم شردوا منها بسبب نقضهم العهد ومؤامراتهم ضدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ ألمهم وحزنهم ومتاعبهم تضاعف وخاصّة على المستوى النفسي.

نعم ، إنّ الله أراد لهذه الطائفة المغرورة والخائنة ، أن تبتلى بمثل هذا المصير البائس.

وكان هذا عذابا دنيويا لهم ، إلّا أنّ لهم جولة اخرى مع عذاب أشدّ وأخزى ، ذلك هو عذاب الآخرة ، حيث يضيف سبحانه في نهاية الآية( وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ ) .

هذه عاقبتهم في الدنيا والآخرة ، وهي درس بليغ لكلّ من أعرض عن الحقّ والعدل وركب هواه ، وغرّته الدنيا وأعماه حبّ ذاته.

وبما أنّ ذكر هذه الحادثة مضافا إلى تجسيد قدرة الله وصدق الدعوة المحمّدية ، فهي في نفس الوقت تمثّل إنذارا وتنبيها لكلّ من يروم القيام بأعمال مماثلة لفعل بني النضير ، لذا ففي الآية اللاحقة يرشدنا سبحانه إلى هذا المعنى :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (١) .

«شاقّوا» من مادّة (شقاق) وهي في الأصل بمعنى الشقّ والفصل بين شيئين ، وبما أنّ العدو يكون دائما في الطرف المقابل ، فإنّ كلمة (شقاق) تطلق على هذا العمل.

وجاء مضمون هذه الآية باختلاف جزئي جدّا في سورة الأنفال الآية ١٣ ، وذلك بعد غزوة بدر وانكسار شوكة المشركين ، والتي تبيّن عمومية محتواها من كلّ جهة ، في قوله تعالى :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ

__________________

(١) «من» شرطية وجزاؤها محذوف وتقديره : ومن يشاقق الله يعاقبه فإن الله شديد العقاب.

١٦٩

فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) .

والشيء الجدير بالملاحظة أنّ بداية الآية الكريمة طرحت مسألة العداء لله ورسوله ، إلّا أنّ الحديث في ذيل الآية اقتصر عن العداء لله سبحانه فقط ، وهو إشارة إلى أنّ العداء لرسول الله هو عداء لله أيضا.

والتعبير بـ( شَدِيدُ الْعِقابِ ) لا يتنافى مع كون الله «أرحم الراحمين» لأنّه في موضع العفو والرحمة فالله أرحم الراحمين ، وفي موضع العقاب والعذاب فإنّ الله هو أشدّ المعاقبين ، كما جاء ذلك في الدعاء : «وأيقنت أنّك أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة»(١) .

وفي الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث نلاحظ جوابا على اعتراض يهود بني النضير على قطع المسلمين لنخيلهم ـ كما ورد في شأن النزول ـ بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهيئة ظروف أفضل لقتال بني النضير أو لزيادة حزنهم وألمهم ، فيضطرّوا للنزول من قلاعهم ومنازلة المسلمين خارج القلعة وقد أثار هذا العمل غضب اليهود وحنقهم ، فقالوا : يا محمّد ، ألم تكن الناهي عن مثل هذه الأعمال؟ فنزلت الآية الكريمة مبيّنة لهم أنّ ذلك من أمر الله سبحانه حيث يقول البارئ :( ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ ) (٢) ( وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ) .

«لينة» من مادّة (لون) تقال لنوع جيّد من النخل ، وقال آخرون : إنّها من مادّة (لين) بمعنى الليونة التي تطلق على نوع من النخل ، والتي لها أغصان ليّنة قريبة من الأرض وثمارها ليّنة ولذيذة.

وتفسّر (ليّنة) أحيانا بألوان وأنواع مختلفة من شجر النخيل ، أو النخل الكريم ، والتي جميعها ترجع إلى شيء واحد تقريبا.

__________________

(١) دعاء الافتتاح (من أدعية شهر رمضان المبارك).

(٢) «ما» في الآية أعلاه شرطية وجزاؤها (فبإذن الله).

١٧٠

وعلى كلّ حال فإنّ قسما من المسلمين أقدموا على قطع بعض نخيل بني النضير ، في الوقت الذي خالف البعض الآخر ذلك ، وهنا نزلت الآية أعلاه وفصلت نزاعهم في هذا الموضوع(١) .

وقال البعض الآخر : إنّ الآية دالّة على عمل شخصين من الصحابة ، وقد كان أحدهم يقوم بقطع الجيّد من شجر النخل ليغضب اليهود ويخرجهم من قلاعهم ، والآخر يقوم بقطع الرديء من الأشجار كي يبقي ما هو جيّد ومفيد ، وحصل خلاف بينهم في ذلك ، فنزلت الآية حيث أخبرت أنّ عملهما بإذن الله(٢) .

ولكن ظاهر الآية يدلّ على أنّ المسلمين قطعوا بعض نخل (اللينة) وهي نوع جيّد من النخل ، وتركوا قسما آخر ، ممّا أثار هذا العمل اليهود ، فأجابهم القرآن الكريم بأنّ هذا العمل لم يكن عن هوى نفس ، بل عن أمر إلهي صدر في هذا المجال ، وفي دائرة محدودة لكي لا تكون الخسائر فادحة.

وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان استثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع والعمل أعلاه كان مرتبطا بمورد معيّن حيث أريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلك ـ وعادة توجد استثناءات جزئيّة في كلّ قانون ، كما في جواز أكل لحم الميّت عند الضرورة القصوى والإجبار.

جملة( وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ) ترينا على الأقل أنّ أحد أهداف هذا العمل هو خزي ناقضي العهد هؤلاء ، وكسر لشوكتهم وتمزيق لروحيّتهم.

* * *

__________________

(١) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٩٣ ، وجاء هذا المعنى في الدرّ المنثور ، ج ٩ ، ص ١٨٨.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٨٣.

١٧١

بحثان

١ ـ الجيوش الإلهيّة اللامرئية :

في الوقت الذي تعتبر القوى الماديّة أكبر سلاح لتحقيق الإنتصار من وجهة نظر الماديين ، فإنّ اعتماد المؤمنين يتمركز حول محورين (القيم المعنوية والإمكانات المادية) والذي قرأنا نموذجا منه في قصّة اندحار بني النضير كما بيّنت ذلك الآيات السابقة.

ونقرأ في هذه الآية أحد العوامل المؤثّرة في هذا الإنتصار حيث ألقى الله سبحانه الرعب في قلوب اليهود ، بحيث أخذوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم ، وتخلّوا عن ديارهم وأموالهم مقابل السماح لهم بالخروج من المدينة.

وقد ورد هذا المعنى بصورة متكرّرة في القرآن الكريم ، منها ما ورد في قصّة اخرى حول قسم آخر من اليهود وهم (بنو قريظة). حيث اشتبكوا اشتباكا شديدا مع المسلمين بعد غزوة الأحزاب ، وفي هذا المعنى يقول سبحانه :( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ) .

وجاء هذا المعنى في غزوة بدر حيث يقول تعالى :( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) .

وبعض هذا الخوف الذي هو عبارة عن جيش إلهي غير مرئي يكاد يكون أمرا طبيعيّا ، ولكن بعضه يمثّل سرّا من الأسرار غير الواضحة لنا ، أمّا الطبيعي منه فانّ المؤمنين يرون أنفسهم منتصرين سواء قتل أو تغلّب على العدوّ. والشخص الذي يؤمن بهذا الإعتقاد لا يجد الخوف طريقا إليه ، ومثل هذا الإنسان سيكون أعجوبة في صموده وثباته كما يكون ـ أيضا ـ مصدر خوف وقلق لأعدائه ، والذي نلاحظه في عالم اليوم أنّ بلدانا عديدة تملك قدرات هائلة من الإمكانات العسكرية المتطورة والمادية الكبيرة ، تخشى من ثلّة من المؤمنين الصادقين

١٧٢

الذائدين عن الحقّ ، ويحاولون دائما تحاشي مواجهتهم.

وفي حديث حول هذا المعنى يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نصرت بالرعب مسيرة شهر»(١) .

يعني أنّ الرعب لم يصب الأعداء في خطّ المواجهة فحسب ، بل أصاب من كان من الأعداء على مسافة شهر واحد من جيش الإسلام.

وحول جيوش الإمام المهديعليه‌السلام نقرأ أنّ ثلاثة جيوش تحت أمره وهم : (الملائكة ، والمؤمنون ، والرعب)(٢) .

وفي الحقيقة ، إنّ الأعداء يبدلّون كافّة إمكاناتهم لتجنّب الضربة من الخارج ، إلّا أنّهم غفلوا عن أنّ الله سبحانه يهزمهم داخليّا ، حيث أنّ الضربة الداخلية أوجع للنفس ، ولا يمكن تداركها بسهولة ، حتّى لو وضعت تحت تصرّفهم كلّ الأسلحة والجيوش ، فإنّها غير قادرة على أن تحقّق النصر مع فقدان المعنوية العالية والروحية المؤهّلة لخوض القتال ، وبالتالي فإنّ الفشل والخسران أمر متوقّع جدّا لأمثال هؤلاء.

٢ ـ مؤامرات اليهود المعاصرة

إنّ التاريخ الإسلامي اقترن منذ البداية بمؤامرات اليهود ، ففي كثير من الحوادث الأليمة والفجائع الدامية ترى أصابعهم مشهودة بشكل مباشر أو غير مباشر. والعجيب أنّ هؤلاء نزحوا إلى ديار الحجاز طمعا في أن يكونوا في الصفّ الأوّل من أصحاب النبي الموعود إلّا أنّهم بعد ظهوره أصبحوا من ألدّ أعدائه.

وعند ما نستقرئ حالتهم المعاصرة فإنّنا نلاحظ أيضا أنّهم متورّطون في أغلب المؤامرات المدبّرة ضدّ الإسلام ، ويتجسّد موقفهم هذا في داخل الأحداث

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥١٩ ، (نهاية الآية ١٥١ / آل عمران).

(٢) إثبات الهداة ، ج ٧ ، ص ١٢٤.

١٧٣

تارة ومن خارجها اخرى ، وفي الحقيقة فإنّ هذا هو موضع تأمّل واعتبار لمن كان له قلب وبصيرة.

والطريق الوحيد لكسر شوكتهم كما يؤكّده تاريخ صدر الإسلام ، هو التعامل الحدّي والجدّي معهم ، خصوصا مع الصهاينة الذين لا يتعاملون بمبادئ العدل والحقّ أبدا ، بل منطقهم القوّة ، وبغيرها لا يمكن التفاهم معهم ، ومع هذا فإنّ خوفهم الحقيقي هو من المؤمنين الصادقين.

وإذا كان المسلمون المعاصرون مسلّحين بالإيمان والاستقامة المبدئية ـ كأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فإنّ الرعب سيستحوذ على قلوب اليهود ونفوسهم ، وبالإمكان عندئذ إخراجهم من الأرض الإسلامية التي اغتصبوها بهذا الجيش الإلهي.

وهذا درس علّمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه قبل أربعة عشر قرنا.

* * *

١٧٤

الآيتان

( وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) )

سبب النّزول

بما أنّ هذه الآيات تكملة للآيات القرآنية السابقة التي تتحدّث عن اندحار يهود بني النضير ، لذا فإنّ سبب نزولها هو استمرار لنفس أسباب نزول الآيات السابقة. والتوضيح كما يلي :

بعد خروج يهود بني النضير من المدينة بقيت بساتينهم وأراضيهم وبيوتهم

١٧٥

وقسم من أموالهم في المدينة ، فأشار بعض شيوخ المسلمين على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تماشيا مع سنّة جاهلية ـ حيث قالوا له خذ الصفوة من أموالهم وربع ممتلكاتهم ، واترك لنا المتبقّي كي نقسّمه بيننا ، فنزلت الآيات أعلاه حيث أعلنت صراحة أنّ هذه الغنائم التي لم تكن بسبب قتال ، ولم تكن نتيجة حرب ، فإنّها جميعا من مختصات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره رئيسا للدولة الإسلامية ، ويتصرّف بها كما يشاء ، وفقا لما يقدره من المصلحة في ذلك.

وسنلاحظ أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّم هذه الأموال بين المهاجرين الفقراء في المدينة ، وعلى قسم من الأنصار من ذوي الفاقة(١) .

التّفسير

حكم الغنائم بغير الحرب :

إنّ هذه الآيات ـ كما ذكر سابقا ـ تبيّن حكم غنائم بني النضير ، كما أنّها في نفس الوقت توضّح حكما عاما حول الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بدون حرب ، كما ذكر ذلك في كتب الفقه الإسلامي بعنوان (الفيء).

يقول الله تعالى :( وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (٢) .

«أفاء» من مادّة (فيء) على وزن شيء ـ وهي في الأصل بمعنى الرجوع ، وإطلاق كلمة (فيء) على هذا اللون من الغنائم لعلّه باعتبار أنّ الله سبحانه قد خلق هذه النعم والهبات العظيمة في عالم الوجود في الأصل للمؤمنين ، وعلى رأسهم

__________________

(١) مجمع البيان نهاية الآيات مورد البحث وتفاسير اخرى.

(٢) «ما» في (ما أفاء الله ورسوله) موصولة في محلّ رفع مبتدأ وما في( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ) نافية ، ومجموع هذه الجملة خبر ، وهنالك احتمال ثان : وهو أنّ (ما) في (ما أفاء) شرطية ، (وما) الثانية مع جملتها تكون جوابا للشرط ومجيء (الفاء) في صدر جملة الخبر حينما تكون فيها شبهة بالشرط ، فلا إشكال فيه.

١٧٦

الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أشرف الكائنات ، وبناء على هذا فإنّ الجاحدين لوجود الله والعاصين له بالرغم من امتلاكهم للبعض من هذه النعم بموجب القواعد الشرعية والعرفية ، إلّا أنّهم يعتبرون غاصبين لها ، ولذلك فإنّ عودة هذه الأموال إلى أصحابها الحقيقيين (وهم المؤمنون) يسمّى (فيئا) في الحقيقة.

«أوجفتم» من مادّة (إيجاف) بمعنى السّوق السريع الذي يحدث غالبا في الحروب.

«خيل» بمعناه المتعارف عليه (وهي اسم جنس وجمعها خيول)(١) .

«ركاب» من مادّة (ركوب) وتطلق في الغالب على ركوب الجمال.

والهدف من مجموع الجملة أنّ جميع الموارد التي لم يحدث فيها قتال وفيها غنائم ، فإنّها لا توزّع بين المقاتلين ، وتوضع بصورة تامّة تحت تصرّف رئيس الدولة الإسلامية وهو يصرفها في الموارد التي سيأتي الحديث عنها لا حقا.

ثمّ يضيف سبحانه أنّ الانتصارات لا تكون غالبا لكم( وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

نعم ، لقد تحقّق الإنتصار على عدو قوي وشديد كيهود (بني النضير) وذلك بالمدد الإلهي الغيبي ، ولتعلموا أنّ الله قادر على كلّ شيء ، ويستطيع سبحانه بلحظة واحدة أن يذلّ الأقوياء ، ويسلّط عليهم فئة قليلة توجّه لهم ضربات موجعة وتسلب جميع إمكاناتهم.

ولا بدّ للمسلمين أن يتعلّموا من ذلك دروس المعرفة الإلهية ، ويلاحظوا علائم حقّانية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويلتزموا منهج الإخلاص والتوكّل على الذات الإلهية المقدّسة

__________________

(١) يقول الراغب في المفردات : إنّ الخيل في الأصل من مادّة (خيال) بمعنى التصوّرات الذهنية ، وخيلاء بمعنى التكبّر والتعالي على الآخرين لأنّه ناتج من تخيّل الفضيلة ، ولأنّ ركوب الإنسان على الحصان يشعر بالإحساس بنوع من الفخر والزهو غالبا ، لذلك أطلق لفظ الخيل على الحصان ، والنقطة الجديرة بالملاحظة أنّ خيل تطلق على الحصان وكذلك على راكبيه.

١٧٧

في جميع ممارساتهم.

وهنا قد يتبادر سؤال وهو : إنّ الحصول على غنائم بني النضير لم يتمّ بدون حرب ، بل إنّ المسلمين زحفوا بجيشهم نحو قلاعهم وحاصروها ، وقيل أنّ اشتباكا مسلّحا قد حصل في حدود ضيّقة بين الطرفين.

وفي مقام الجواب نقول : بأنّ قلاع بني النضير ـ كما ذكروا ـ لم تكن بعيدة عن المدينة ، وذكر بعض المفسّرين أنّ المسافة بين المدينة والقلاع ميلان وأنّ المسلمين ذهبوا إليها سيرا على أقدامهم ، وبناء على هذا فلم يواجهوا مشقّة حقيقية. أمّا بالنسبة لموضوع الاشتباك المسلّح فإنّه لم يثبت من الناحية التأريخية ، كما أنّ الحصار لم يستمرّ طويلا ، وبناء على هذا فإنّنا نستطيع القول بأنّه لم يحدث شيء يمكن أن نسمّيه قتالا ، ولم يرق دم على الأرض.

والآية اللاحقة تبيّن بوضوح مورد صرف (الفيء) الوارد في الآية السابقة وتقول بشكل قاعدة كليّة :( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) .

وهذا يعني أنّ هذه الغنائم ليست كباقي الغنائم الحربية التي يكون خمس منها فقط تحت تصرّف الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر المحتاجين ، والأربعة الأخماس الاخرى للمقاتلين.

وإذا ما صرّحت الآية السابقة برجوع جميع الغنائم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يفهم من ذلك أن يصرفها جميعا في موارده الشخصية ، وإنّما أعطيت له لكونه رئيسا للدولة الإسلامية ، وخاصّة كونه المتصدّي لتغطية حاجات المعوزين ، لذا فإنّ القسم الأكبر يصرف في هذا المجال.

وقد ذكر في هذه الآية بصورة عامّة ستّ مصارف للفيء.

١ ـ سهم لله ، ومن البديهي أنّ الله تعالى مالك كلّ شيء ، وفي نفس الوقت غير محتاج لأي شيء ، وهذا نوع من النسبة التشريفية ، حتّى لا يحسّ بقيّة الأصناف

١٧٨

اللاحقة بالحقارة والذلّة ، بل يرون سهمهم مرادفا لسهم اللهعزوجل ، فلا ينقص من قدرهم شيء أمام الناس.

٢ ـ سهم الرّسول : ومن الطبيعي أن يصرف لتأمين احتياجاته الشخصيةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما يحتاجه لمقامه المقدّس وتوقّعات الناس منه.

٣ ـ سهم ذوي القربى : والمقصود بهم هنا وبدون شكّ أقرباء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبني هاشم ، حيث أنّهم مستثنون من أخذ الزكاة والتي هي جزء من الأموال العامّة للمسلمين(١) .

وأساسا لا دليل على أنّ المقصود من ذوي القربى هم أقرباء الناس جميعا ، لأنّه في هذه الحالة ستشمل جميع المسلمين ، لأنّ الناس بعضهم أقرباء بعض.

ولكن هل هناك شرط يقضي أن يكون ذوو القربى من المحتاجين والفقراء أو لا يشترط ذلك؟ لقد اختلف المفسّرون في ذلك بالرغم من أنّ القرائن الموجودة في نهاية هذه الآية والآية اللاحقة توضّح لزوم شرط الحاجة.

(٤ ، ٥ ، ٦) : «سهم اليتامى» و «المساكين» و «أبناء السبيل» ، وهل أنّ جميع هؤلاء يلزم أن يكونوا هاشميين أو أنّها تشمل عموم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل؟

اختلف المفسّرون في ذلك ، ففقهاء أهل السنّة ومفسّروهم يعتقدون أنّ هذا الأمر يشمل العموم ، في الوقت الذي اختلفت الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المجال ، إذ يستفاد من قسم منها أنّ هذه الأسهم الثلاثة تخصّ اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم فقط ، في حين صرّحت روايات اخرى بعمومية هذا الحكم ، ونقل أنّ الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «كان أبي يقول : لنا سهم رسول

__________________

(١) هذا التّفسير لم يأت به الشيعة فقط ، حيث جاء ذكره في تفاسير أهل السنّة أيضا ، كما ذكر ذلك الفخر الرازي في التّفسير الكبير ، والبرسوني في روح البيان ، وسيّد قطب في ظلال القرآن ، والمراغي في تفسيره والآلوسي في روح المعاني.

١٧٩

الله ، وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي»(١) .

والآيات الثامنة والتاسعة من هذه السورة ، التي هي توضيح لهذه الآية ، تؤيّد أيضا أنّ هذا السهم لا يختّص ببني هاشم ، لأنّ الحديث دالّ على عموم فقراء المسلمين من المهاجرين والأنصار.

وبالإضافة إلى ذلك ، فقد نقل المفسّرون أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد حادثة بني النضير قسّم الأموال المتبقية بين المهاجرين من ذوي الحاجة والمسكنة ، وعلى ثلاثة أشخاص من طائفة الأنصار ، وهذا دليل آخر على عمومية مفهوم الآية. وإذا لم تكن بعض الروايات متناسبة معها ، فينبغي ترجيح ظاهر القرآن(٢) .

ثمّ يستعرض سبحانه فلسفة هذا التقسيم الدقيق بقوله تعالى :( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ) فيتداول الأغنياء الثروات فيما بينهم ويحرم منها الفقراء(٣) .

وذكر بعض المفسّرين سببا لنزول هذه الجملة بشكل خاصّ ، وأشير له بشكل إجمالي في السابق ، وهو أنّ مجموعة من زعماء المسلمين قد جاؤوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد واقعة بني النضير ، وقالوا له : خذ المنتخب وربع هذه الغنائم ، ودع الباقي لنا نقتسمه بيننا ، كما كان ذلك في زمن الجاهلية. فنزلت الآية أعلاه تحذّرهم من تداول هذه الأموال بين الأغنياء فقط.

والمفهوم الذي ورد في هذه الآية يوضّح أصلا أساسيّا في الإقتصاد الإسلامي وهو : وجوب التأكيد في الإقتصاد الإسلامي على عدم تمركز الثروات بيد فئة محدودة وطبقة معيّنة تتداولها فيما بينها ، مع كامل الاحترام للملكية

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٦١ ، ووسائل الشيعة ، ج ، ص ٣٦٨ ، حديث ١٢ وباب واحد من أبواب الأنفال.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٥٦ ، (حديث ٤ ، باب واحد من أبواب الأنفال).

(٣) (دولة) بفتح الدال وضمّها بمعنى واحد ، وفرّق البعض بين الإثنين وذكر أنّ (دولة) بفتح الدال تعني الأموال ، أمّا بضمّها فتعني الحرب والمقام ، وقيل أنّ الأوّل اسم مصدر ، والثاني مصدر ، وعلى كلّ حال فإنّ لها أصلا مشتركا من مادّة «تداول» بمعنى التعامل من يد إلى اخرى.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

بالمشاهدة فيما يكفي فيه، وبالاعتبار كيلا ووزنا أو عددا فيما شأنه ذلك.

ويجوز إقراض الخبز وزنا وعددا، إلا أن يعلم التفاوت فيعتبر الوزن.

ويجوز إقراض المثلي إجماعا، وكذا القيمي الذي يمكن السلف فيه.

وفيما لا يضبطه الوصف كالجواهر واللحم والجلد قولان، مع اتفاقهم على جواز إقراض الخبز عملا بالعرف العام، ولا يجوز السلم فيه والمنع للمبسوط(١) ، والجواز للسرائر(٢) .

ثم المثلي يثبت في الذمة مثله والقيمي قيمته، ومال المحقق(٣) إلى ضمانه بالمثل أيضا.

وتظهر الفائدة فيما إذا وجد مثله من كل الوجوه التي لها مدخل في القيمة ودفعه الغريم، فعلى قوله يجب قبوله، وعلى المشهور لا يجب.

وفيما إذا تغيرت أسعار القيمي، فعلى المشهور المعتبر قيمته يوم القبض، وعلى الآخر يوم دفع العوض، وهو ظاهر الخلاف(٤) ، لان النبي صلى الله عليه وآله(٥) أخذ قصعة إمرأة كسرت قصعة اخرى، وحكم(٦) بضمان عائشة أناء حفصة وطعامها بمثلهما.

قلنا: معارض بحكمه عليه السلام بالقيمة في معتق الشقص(٧) ، وحكاية الحال لا تعم فلعله وقع بالتراضي.

فروع:

لو أقرضه المقدر غير معتبر لم يفد الملك وضمنه القابض، فإن تلف وتعذر

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ١٦١.

(٢) السرائر: ج ٢ ص ٦٠.

(٣) الشرائع: ج ٢ ص ٦٨.

(٤) الخلاف: ج ٢ ص ٧٨.

(٥) سنن البيهقي: ج ٦ ص ٩٦.

(٦) سنن البيهقي: ج ٦ ص ٩٦.

(٧) سنن البيهقي: ج ١٠ ص ٢٧٣ و ٢٧٧.

٣٢١

استعلامه فالصلح.

الثاني: لو شرط رهنا وسوغ للمرتهن الانتفاع به جاز، واستثنى في النهاية(١) وطئ الامة، ولعله أراد من غير تحليل، بل بمجرد الشرط والاذن السابق، وفي المبسوط(٢) جوزه وتبعه ابن إدريس(٣) ومرادهما مع التحليل.

الثالث: يملك المقترض بالقبض على الاصح وهو قول الشيخ(٤) ، ولا يعتبر التصرف في الملك، لانه فرع الملك فيمتنع كونه شرطا فيه، ولانه لا يتباعد عن الهبة المملوكة بالقبض، وقيل: يملك بالتصرف بمعنى الكشف عن سبق الملك، لانه ليس عقدا محققا، ولهذ اغتفر فيه ما في التصرف، بل هو راجع إلى الاذن في الاتلاف المضمون، والاتلاف يحصل بإزالة الملك أو العين فهو كالمعاطاة.

فعلى الاصح لو اقترض من ينعتق عليه عتق بالقبض وله وطئ الامة وردها ما لم تنقص أو تحمل، فلو ردها وتبين النقص استردت، وإن اتفقا على الارش جاز، ولو تبين الحمل منه رجعت إليه، وعليه قيمتها يوم القبض.

وفي التراجع في المنفعة والنفقة نظر أقره ذلك، وفي الخلاف(٥) والمبسوط(٦) لا نص لنا ولا فتيا في إقراض الجواري، وقضية الاصل الجواز.

الرابع: لو أقرضه نصف دينار أو نصف عبد فرد إليه الدينار تاما أو العبد تاما أو مثل الدينار لم يجب القبول وإن رضي بجعله أمانة، أما لو كان عليه نصف آخر فإنه يجب.

____________________

(١) النهاية: ص ٣١٢.

(٢) لم نعثر عليه في المبسوط، ولكن نقله عنه ابن إدريس في السرائر: ج ٢ ص ٦٣، والعلامة في المختلف: ج ١ ص ٤١٥.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٦٣.

(٤) المبسوط: ج ٢ ص ١٦١.

(٥) الخلاف: ج ٢ ص ٧٧.

(٦) المبسوط: ج ٢ ص ١٦١.

٣٢٢

الخامس: لو ظهر في العين المقرضة عيب فله ردها ولا أرش، فإن أمسكها فعليه مثلها أو قيمتها معيبة.وهل يجب إعلام المقترض الجاهل بالعيب؟ عندي نظر، من اختلاف الاغراض وحسم مادة النزاع، ومن قضية الاصل.نعم لو اختلفا في العيب حلف المقرض مع عدم البينة، ولو تجدد عنده عيب آخر منع من الرد، إلا أن يرضى المقرض به مجانا أو بالارش.

السادس: لو اشترى بالمعيب من المقترض صح الشراء، وعليه رد مثله أو قيمته، ولو جهل المقرض العيب فله الفسخ إن اشترى بالعين، وإن اشترى في الذمة طالبه بصحيح واحتسب المقرض المدفوع قضاء.

السابع: لوسقطت المعاملة بالدراهم المقرضة فليس على المقترض إلا مثلها، فإن تعذر فقيمتها من غير الجنس حذرا من الربا وقت الدفع، لا وقت التعذر، ولا وقت القرض، خلافا للنهاية(١) ، وقال ابن الجنيد(٢) والصدوق(٣) : عليه ماينفق بين الناس، والقولان مرويان(٤) ، إلا أن الاول أشهر.

ولو سقطت المعاملة بعد الشراء فليس على المشتري إلا الاولى، ولو تبايعا بعد السقوط وقبل العلم فالاولى.نعم يتخير المغبون في فسخ البيع وإمضائه.

الثامن: لو أوصى المقرض بمال القرض للمقترض أو لغيره صح، ولو قال إذا مت فأنت في حل أو برئ كان وصيته، ولو علق بأن قيل: يبطل.

والفرق تحقق مدلول إذا بخلاف إن، والاقرب العمل بقصده، فإن المدلول محتمل في العبارتين.

____________________

(١) النهاية: ص ٣١٣.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤١٥.

(٣) المقنع (الجوامع الفقهية): ص ٣١.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٢٠ من أبواب الصرف ح ١ و ٢ ج ١٢ ص ٤٨٧ و ٤٨٨.

٣٢٣

التاسع: لو أسلم مقرض الخمر أو مقترضه سقط، والاقرب لزوم القيمة بإسلام الغريم، ولو كان المقرض خنزيرا أو آلة لهو فالقيمة في الموضعين، وعلى القول بضمان المثل فهو كالاول.

العاشر: لا يجب على المقرض إمهال المقترض إلى قضاء وطره وإن كان قضية العرف ذلك، ولو شرط فيه الاجل لم يلزم.

ولو شرط تأجيله في عقد لازم قال الفاضل(١) : يلزم تبعا للازم، ويشكل بأن الشرط في اللازم يجعله جائزا فكيف ينكعس.

وفي رواية الحسين بن سعيد(٢) فيمن اقترض إلى أجل ومات بحل، وفيها إشعار بجواز التأجيل، ويمكن حملها على الندب.

____________________

(١) القواعد: ج ١ ص ١٥٦.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب الدين والقرض ح ٢ ج ١٣ ص ٩٧.

٣٢٤

كتاب الصلح

٣٢٥

٣٢٦

قال النبي صلى الله عليه وآله(١) : الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.

والاقرب أنه أصل لا فرع البيع والهبة والاجارة والعارية والابراء كما في المبسوط(٢) ، فعلى هذا يكون بيعا إن وقع ابتداء وبعد تنازع على جميع العين، وإن وقع على بعضها بعد الاقرار فهو هبة، وإن وقع على دين بإسقاط بعضه فهو إبراء، وعلى منفعة فهو إجارة.ولو أقر له بالمنفعة ثم صالحه المقر له على الانتفاع فهو عارية، فيثبت أحكام هذه العقود.والاصح أنه يشترط العلم في العوضين إذا أمكن.ويصح على الاقرار والانكار مع سبق نزاع ولا معه، فيستبيح المدعي ما يدفع إليه المنكر صلحا إن كان المدعي محقا، وإلا فهو حرام باطنا.

ولو صالح أجنبي المدعي عن المنكر صح عينا كان أو دينا أذن أو لا، لانه في معنى قضاء الدين.

ويرجع عليه إن دفع المال بإذنه، سواء صالح بإذنه أم لا،

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواب أحكام الصلح ح ٢ ج ١٣ ص ١٦٤.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٢٨٨.

٣٢٧

وإلا فلا رجوع، لانه متبرع قاله في المبسوط(١) ، وتوقف الفاضل(٢) في الرجوع إذا صالح بغير إذنه وأدى بإذنه، وهو قوي، لان الصلح يلزم المال الاجنبي، فلا عبرة بالاذن، إلا أن نقول الصلح موقوف على رضا المدعى عليه.

والاقرب أنه إن صالح ليؤديه هو فلا عبرة بالاذن، وكذا لو صالح مطلقا على احتمال، وإن صالح ليؤدي المدعى عليه توقف على إجازته، وإن صالح لنفسه صح وانتقلت الخصومة إليه، فإن تعذر عليه انتزاع المصالح عليه فله الفسخ، لعدم سلامة العوض.ولا فرق بين اعتراف المدعى عليه بالحق قبل الصلح أو لا على الاقوى.ولو ادعى الاجنبي أنه وكيل المدعى عليه في الصلح فصالحه المدعي صح، فإن أنكر المدعى عليه وكالته حلف، وله إجازة العقد بعد حلفه وقبله.

ولو صالح عن غير الربوي(٣) بنقيصة صح، ولو كان ربويا وصالح بجنسه روعي أحكام الربا، لانها عامة في المعاوضات على الاقوى، إلا أن نقول الصلح هنا ليس معاوضة بل هو في معنى الابراء، وهو الاصح، لان النبي صلى الله عليه وآله(٤) قال لكعب بن مالك: اترك الشطر وأتبعه ببقيته، وروي ذلك عن الصادق عليه السلام(٥) .

وينبغي أن يكون صورته صالحتك على ألف بخمسمائة، فلو قال بهذه الخمسمائة ظهرت المعاوضة، والاقوى جوازه أيضا، لاشتراكهما في الغاية.

فرع:

الاقرب الافتقار إلى قبول الغريم هنا، وإن لم نشترط في الابراء القبول

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩٠.

(٢) التحريم: ج ١ ص ٢٢٩.

(٣) في (ق): على غير الربوي.

(٤) مستدرك الوسائل: ج ١٣ ص ٤٤٤.

(٥) مستدرك الوسائل: ج ١٣ ص ٤٤٣.

٣٢٨

مراعاة للفظ.

ولا ريب أنه لو أقر له بعين وصالح على بعضها اشترط القبول، لانه في معنى هبة الباقي، ويحتمل البطلان، لانه يجعل بعض ملكه عوضا عن كل ملكه وهو غير معقول، فإن جوزناه فليس له رجوع في القدر الباقي، وإن كان في معنى الهبة، إلا أن نقول بالفرعية هذا.

ولو أتلف عليه ثوبا قيمته عشرة فصالح بأزيد أو أنقص فالمشهور الجواز، لان مورد الصلح الثوب، ويشكل على القول الاصح بضمان القيمي بقيمته فيؤدي إلى الربا، ومن ثم منعه في الخلاف(١) والمبسوط(٢) .

ولو صالح عن ألف بمائة معينة وأبرأه من الباقي صح بلفظ الابراء، فلو استحقت المائة لم يكن له الرجوع في الابراء، ولو ضم(٣) الابراء الصلح وقلنا بجوازه فسد الصلح والابراء.

ولو كانت المائة غير معينة لم يبطل وطالب بمائة، والصلح لازم من طرفيه لا ينفسخ، إلا بالتقايل أو ظهور الاستحقاق في أحد العوضين، ولا يكون طلبه إقرارا لصحته مع الانكار.ولو طلب البيع أو التمليك أو الهبة فهو إقرار في الجملة، وفي كونه إقرار للمخاطب نظر، من إحتمال وكالته حتى لو ادعى وكالته خرج، من كونه مقرا له.ويصح الصلح بعين أو منفعة أو بهما على متماثل أو مخالف.

ولو تعذر العلم بما صولح عليه جاز، كما في وارث يتعذر علمه بحصته، وكما

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ١٢٨.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠٤.

(٣) في باقي النسخ: ولو ضمن.

٣٢٩

لو(١) امتزج مالاهما بحيث لا يتميز، ولا يضر الجهالة، ورواية منصور بن حازم(٢) تدل عليه.

ولو كان تعذر العلم، لعدم المكيال والميزان في الحال ومساس الحاجة إلى الانتقال فالاقرب الجواز.

ولو علم أحدهما وجب إعلام الآخر أو إيصال حقه إليه، فلو صالحه بدون حقه لم يفد إسقاط الباقي، إلا مع علمه ورضاه، ورواية ابن أبي حمزة(٣) نص فيه.

ولا يشترط في مورد الصلح أن يكون مالا، فيصح عن القصاص، أما عن الحد والتعزير والقسمة بين الزوجات فلا، ولو صالح عن القصاص بحر أو بمستحق فهو فاسد علما أو لا، ولا يترتب عليه بطلان الحق ولا وجوب الدية على الاصح، لان الفاسد يفسد ما يضمنه.

وكل ما لا يصح الاعتياض عنه لا يصح الصلح عليه، لانه من باب تحريم الحلال أو تحليل الحرام، كصلح الشاهد ليشهد أو يكف أو إمرأة لتقر بزوجيته أو رجلا ليقر بزوجية إمرأة.

وكذا لا يصح الصلح على الخمر والخنزير وما نهي عنه لعينه، ولا على ترك القسم بين الزوجات، أو ترك الاستمتاع بهن، أو ترك التكسب بالبيع والشراء والاجارة.

ولو جعل تزويج الامة مصالحا عليه بطل، وإن جعله عوضا للصلح فالاقرب الجواز، فإن زوجه لزم، وإلا فله الفسخ فيقول زوجتك فلانة بدفع

____________________

(١) في (ق): وكذا.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب أحكام الصلح ج ١٣ ص ١٦٥، ذيل الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب أحكام الصلح ح ٢ ج ١٣ ص ١٦٦.

٣٣٠

دعواك، فإن فسخ النكاح بمسقط المهر، كعيبها وردتها وإسلامها قبل الدخول فالدعوى بحالها، ولو كان بمسقط نصفه كعنته وردته وطلاقه قبل الدخول سقطت الدعوى في نصف المدعى به.

ولو ادعى دارا فأقر له بها فصالحه على سكنى المقر سنة صح، ولا رجوع إن جعلناه أصلا وجوزناه بغير عوض، ولو أنكر فصالحه المدعى عليه على سكنى المدعي سنة فهو أولى بعدم الرجوع، لانه عوض عن دعواه، وكذا لو كان الساكن المنكر، لانه عوض عن حجوره.ولو ظهر عيب في أحد العوضين جاز الفسخ ولا أرش هنا مع احتماله.ولو هظر غبن فاحش مع جهالة المغبون فالاقرب الخيار كالبيع وإن لم يحكم بالفرعية.ولو ادعيا عينا نصفين فصدق أحدهما وصالحه على مال، فإن كان سببها موجبا للشركة، كالارث والابتياع صفقة صح في الربع بنصف العوض ووقف في الربع على إجازة الشريك، وإن كان غير موجب للشركة صح في النصف بكل العوض.

ولو أقر لاحدهما بالجميع فله أن يدعيه الآن مالم يكن قد سبق إقراره لصاحبه ويخاصمه الآخر.

ولو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالا صح إذا كان بغير جنسه، وأطلق الاصحاب الجواز، أما لان الصلح هنا معاوضة، أو لان الربا يختص بالبيع، أو لان النقيصة في مقابلة الحلول، فلو ظهر استحقاق العوض أو تعيبه فرده فالاقرب أن الاجل بحال، وقال ابن الجنيد(١) : يسقط.

ولو ادعى على الميت ولا بينة فصالح الوصي تبع المصلحة، وأطلق ابن الجنيد(١) المنع.

____________________

(١) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٦.

٣٣١

(٢٦٦) درس

فيه مسائل: لو صالح على النقد بنقد آخر لم يعتبر القبض في المجلس، لان الصلح أصل لا فرع البيع، وقال في المبسوط(٢) : يعتبر، وهو خيرة ابن الجنيد(٣) .

الثانية: لو اصطلح المتبايعان على الاقالة بزيادة من البائع في الثمن، أو بنقيصة من المشتري صح عند ابن الجنيد(٤) والفاضل في المختلف(٥) ، والاصحاب على خلافه، لانها فسخ لا بيع.

الثالثة: روى إسحاق بن عمار(٦) في ثوبين أحدهما بعشرين والآخر بثلاثين واشتبها، فإن خير ذوالعشرين الآخر وقد أنصفه، وإلا بيعا وقسم الثمن أخماسا، وعليها المعظم، وخرج ابن إدريس(٧) القرعة، والفاضل(٨) إن بيعا مجتمعين فكذلك للشركة الاجبارية كما لو امتزج الطعامان، وإن بيعا منفردين متساويين فلكل واحد ثمن ثوب، وإن تفاوتا فالاكثر لصاحبه، بناء على الغالب.

ويلزم على هذا ترجيح أحد الامرين من بيعهما معا أو منفردين، إذا الحكم

____________________

(١) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٦.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠٤.

(٣) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٦.

(٤) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٦.

(٥) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٦.

(٦) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب أحكام الصلح ح ١ ج ١٣ ص ١٧٠.

(٧) السرائر: ج ٢ ص ٦٩.

(٨) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٦.

٣٣٢

مختلف، ويظهر أنه متى أمكن بيعهما منفردين امتنع الاجتماع، والرواية مطلقة في البيع، ويؤيدها أن الاشتباه مظنة تساوي القيمتين، فاحتمال تملك كل منهما لكل منهما قام فيهما بمثابة الشريكين.

فرع: إن عملنا بالرواية ففي تعديها إلى الثياب والامتعة والاثمان المختلفة نظر، من تساوي الطريق في الجميع، وعدم النص، والاقرب القرعة هنا.

الرابعة: لو اصطلح الشريكان عند إرادة الفسخ على أن يأخذ أحدهما رأس ماله والآخر الباقي ربح أو توى(١) جاز، للرواية الصحيحة(٢) ، ولو جعلا ذلك في إبتداء الشركة فالاقرب المنع، لمنافاته موضوعها، والرواية لم تدل عليه.

الخامسة: لو كان معهما درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الآخر إشتراكهما، ففي الرواية(٣) المشهورة للثاني نصف درهم وللاول الباقي، ويشكل إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه يقوي القسمة نصفين ويحلف الثاني اللاول، وكذا كل مشاع.

ولو اودعه واحد دينارين وآخر دينار فضاع دينار واشتبه، ففي رواية السكوني(٤) لصاحب الدينار نصف دينار وللآخر الباقي، والعمل بها مشهور، وهنا الاشاعة ممتنعة، ولو كان ذلك في أجزاء ممتزجة كان الباقي أثلاثا، ولم يذكر الاصحاب في هاتين المسألتين يمينا، وذكروهما في باب الصلح فجائز أن يكون ذلك الصلح قهريا، وجائز أن يكون إختياريا، فإن امتنعا فاليمين،

____________________

(١) التوى: هو ذهاب مال لا يرجى لسان العرب ج ١٤ ص ١٠٦.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب أحكام الصلح ح ١ ج ١٣ ص ١٦٥.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب أحكام الصلح ح ١ ج ١٣ ص ١٦٩.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب أحكام الصلح ح ١ ج ١٣ ص ١٧١.

٣٣٣

والفاضل(١) في أحد أقواله يحكم في مسألة الوديعة بأن الدينارين الباقيين بينهما أثلاثا كمختلط الاجزاء، وفيه بعد، ولو قيل: بالقرعة أمكن.

السادسة: لا يمنع الصلح على المنفعة من بيع العين على المصالح وغيره.نعم يتخير المشتري لو جهل. وكذا لا يمنع من عتق العبد والمنفعة للمصالح، ولا يرجع المعتق بها على المولى.

السابعة: يصح الصلح على الثمرة والزرع قبل بدو الصلاح وإن منعنا بيعهما، لاصالة الصلح، ويجوز جعلهما عوضا عن الصلح على الاقوى.ولوجعل العوض سقي الزرع والشجر بمائه بمدة معلومة فالاقوى الصحة، وكذا لو كان معوضا، ومنع الشيخ من ذلك لجهالة الماء، مع أنه قائل بجواز بيع ماء العين والبئر، وبيع جزء مشاع منه، وجواز جعله عوضا للصلح.

الثامنة: لو صالح عن ألف مؤجل بألف حال احتمل البطلان، لانه في معنى إسقاط الاجل وهو لا يسقط بإسقاطه.نعم لو دفعه إليه وتراضيا جاز، وكذا لو صالح عن الحال بالمؤجل بطل زاد في العوض أو لا، إذ لا يجوز تأجيل الحال، والفاضل(٢) حكم بسقوط الاجل في الاولى وثبوته في الثانية عملا بالصلح اللازم.

ولو صالحه(٣) عن ألف حال بخمسمائة مؤجلة فهو إبراء من خمسمائة، ولا يلزم الاجل، بل يستحب الوفاء به.

التاسعة: لو ادعى عليه عينا فأنكر ثم صالح على بعضها جاز عندنا.

ولا يتحقق هنا فرعية الهبة، لانه بالنسبة إلى المدعى عليه ملك، وإن كان بالنسبة

____________________

(١) التذكرة: ج ٢ ص ١٩٥.

(٢) التذكرة: ج ٢ ص ١٧٨.

(٣) في باقي النسخ: ولو صالح.

٣٣٤

إلى المدعي هبة.

العاشرة: لو ادعى عليه دينا فأنكر فصالحه على بعضه صح، عين مال الصلح أو جعله في الذمة، لصحة الصلح على الانكار، ولا يكون فرع الابراء، لعدم اعتراف المدعى عليه بالحق، فيحنئذ لو رجع المدعى عليه إلى التصديق طولب بالباقي.

٣٣٥

٣٣٦

كتاب تزاحم الحقوق

٣٣٧

٣٣٨

يجوز فتح باب في الطريق النافذ وإحداث روشن وساباط مالم يضر بالمارة، ولا عبرة بمعارضة مسلم.

وقال في الخلاف(١) والمبسوط(٢) : لكل مسلم منعه، لانه حق لجميع المسلمين، ولانه لو سقط شئ منه ضمن بلا خلاف، وهو يدل على عدم جوازه إلا بشرط الضمان، ولانه لا يملك القرار فلا يملك الهواء.

قلنا: الفرض عدم التضرر به فالمانع معاند، ولا تفاق الناس عليه في جميع الاعصار والامصار من غير نكر، ولا حاجة فيه إلى إذن الحاكم أيضا.

نعم لو أظلم بها الدرب منع على الاقوى.

فإن كان الطريق مما يمر عليه الحاج والقوافل اعتبر علو ذلك بحيث لا يصدم الكنيسة على البعير، ولا يشترط أن لا يصدم رمحا منصوبا بيد فارس، لعدم مساس الحاجة إليه ولسهولة إمالته.

والاقرب عدم جواز إحداث دكة فيه على باب داره وغيرها لاهل الدرب وغيرهم، اتسع الطريق أو ضاق، لان إحياء الطريق غير جائز، اذ هو مشترك

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ١٢٥.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩١.

٣٣٩

بين مارة المسلمين، فليس له الاختصاص المانع من الاشتراك.

وكذا لا يجوز الغرس فيه وإن كان هناك مندوحة، لان الزقاق قد تصدم ليلا وتزدحم فيه البهائم، ولانه مع تطاول الازمنة ينقطع أثر الاستطراق في ذلك. ويحتمل جوازه مالم يتضرر به المارة من ذلك كالروشن والساباط، ويضعف بأنهما في الهواء، بخلاف الدكة والشجرة.

فرع:

الفاضل(١) أفتى به وأمر بتأمله، لعدم وقوفه على نص فيه.

ولو خيف(٢) من الروشن بالاشراف على جاره منع منه، وإن كان لا يمنع من تعلية ملكه بحيث يشرف على جاره عندنا. والفرق أنه مسلط على ملكه مطلقا، والروشن يشترط فيه عدم التضرر، لان الهواء ليس ملكه. وأما السكة المرفوعة أي المنسدة الاسفل فلا يجوز إحداث روشن ولا جناح فيها، إلا إذن جميع أهله، سواء كان في أسفلها أو أعلاها. ولا فتح باب أدخل من بابه سد بابه أو لا. ويجوز له إخراج بابه، وإن لم يسد الاول على قول. ولو أذن أهل الاسفل في إدخال الباب فهل لاهل الاعلى المنع؟ فيه إشكال، من عدم إستطراقهم، ومن الاحتياج إليه عند إزدحام الدواب والناس، وهو أقوى.

وكذ لا يجوز فتح باب لغير الاستطراق كالاستضاء‌ة دفعا للشبهة على ممر

____________________

(١) التذكرة: ج ٢ ص ١٨٢.

(٢) في باقي النسخ: ولو تشرف.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416