الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية19%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95436 / تحميل: 4878
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الاوقات: ولا نصب ميزاب. ولو أذنوا في ذلك كله جاز. ولهم الرجوع في الاذن، لانه إعارة. أما لو صولحوا على ذلك. بعوض فإنه لازم مع تعيين المدة، وإن كان بغير عوض بني على إصالة الصلح أو فرعيته للعارية. ويجوز إفراد الهواء بالصلح، وإن كان لايفرد بالبيع بناء على الاصالة. ويجوز فتح روزنة أو شباك وإن لم يأذنوا أو نهوا.

ولو كان في أسفل الدرب فضلة فهم متساوون فيها لارتفاقهم بها، وقال متأخرو الاصحاب: إن ذا الباب الخارج إنما يشارك إلى موضع بابه، ثم لا مشاركة حتى أن الداخل ينفرد بما بقي، ويحتمل التشارك في الجميع كالفضلة، لاحتياجهم إلى ذلك عند إزدحام الاحمال ووضع الاثقال، فعلى الاول ليس للخارج حق في المنع من الروشن وشبهه فيما هو أدخل منه، ويكفي إذن من له فيه حق، وعلى الثاني لابد من إذن الباقين، وهو عندي قوي.

ويجوز للاجنبي دخول السكة المرفوعة بغير إذن أهلها عملا بشاهد الحال، والجلوس غير المضر بهم، ولو نهاه أحدهم حرم ذلك. ولا يجوز منع الذمي من الطرق النافذة، لانها وضعت وضعا عاما.

ولو كان له داران متلاصقتان إلى سكتين مرفوعتين فالاقوى أن له فتح باب بينهما واستطراقهما.

وكل دار على ما كانت عليه في استحقاق الشفعة بالشركة في الطريق، وظاهر الشيخ(١) اشتراك أهل الزقاقين في الدرب من الجانبين، وأولى بالجوز إذا كان باباهما إلى طريقين نافذين أو فتح باب ذي السكة إلى الطريق، وكذا يجوز العكس على الاقوى.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩١.

٣٤١

وليس لمن حاذى دار غيره في الطريق النافذ منع المحاذي من الروشن والجناح مالم تعتمد أطراف خشبه على ملك الآخر، فإن سقط فللمقابل المبادرة، لاباحته في الاصل.

فروع:

لو جعل المقابل روشنا تحت روشن مقابله أو فوقه فهل للسابق منعه؟ لم أقف فيه على كلام، وقضية الاصل عدم المنع، إلا أن يقال: لما ملك الروشن ملك قراره وهواء‌ه، وهو بعيد، لانه مأذون في الانتفاع، وليس ملزوما للملك.

الثاني: لو كان في الدرب المرفوع مسجد أو مدرسة أو رباط أو سقاية اشترط مع إذن أهلها في المرور عدم تضرر المسلمين أيضا، لتعلق حقهم به.

الثالث: يجوز عمل سرداب في الطريق النافذ إذ أحكم أزجه ولم يحفر الطريق من وجهها، ولو كان في المرفوع لم يجز، وإن أحكم إلا بإذنهم، ومثله الساقية من الماء إذا لم يكن لها رسم قديم، ومنع الفاضل(١) من عمل الساقية، وإن أحكم الازج عليها في النافذ. أما لو عملها بغير أزج فإنه يمنع منها إجماعا، ويجوز لكل أحد إزالتها.

(٢٦٧) درس في الجدار

أما الخاص فلمالكه التصرف فيه بماشاء من فتح كوة للاستضاء‌ة، ووضع الجذوع وغير ذلك حتى رفعه من البين. ويتخرج من هذا جوز إدخال الباب بغير إذن الجار في المرفوعة.

____________________

(١) التذكرة: ج ٢ ص ١٨٤.

٣٤٢

ولو التمس جاره وضع جذعه على استحب له الاجابة.

وقوله صلى الله عليه وآله(١) : من كان يؤمن بالله وليوم الآخر فلا يمنعن جاره من أن يضع خشبة على جداره، محمول على التأكيد في إستحباب الاسعاف، ولو أسعفه فوضع قيل: جاز له الرجوع فينقضه، لانه إعارة، ويحتمل المنع من النقض للضرر الحاصل به، فإنه يؤدي إلى خراب ملك المستعير. نعم تكون له الاجرة فيها بعد الرجوع، وفي المبسوط(٢) لا رجوع حتى يخرج، لان البناء للتأبيد وللضرار. ولو قلنا بالرجوع ففي غرمه الارش وجهان: من استناد التفريط إلى المستعير، ومن لحوق ضرره بفعل غيره. ولو قلنا بالارش فهل هو عوض مانقصت الآلآت بالهدم أو تفاوت مابين العامر والخراب؟ كل محتمل. ولو انهدم الجدار أو زال المستعير نقضه فللمالك الرجوع قطعا، ولو سكت لم يجز إعادته إلا بإذن جديد، سواء بناه بنقضه الاول أو بغيره. ولو صالحه على الوضع بعوض معلوم إلى أجل معلوم جاز، فيشترط مشاهدة الخشب أو وصفه بما يرفع الجهالة، ولو صالحه(٣) على البناء على حائطه ذكر سمك البناء وطوله.

ولو صالحه بغير عوض فهو كالصلح على بعض العين أو الدين مع الاقرار، وعندي فيه توقف، إلا أن يجعله هبة أو إبراء، وقد مر.

فرع:

لو كان الجدار لمسجد وشبهه من الوقوف العامة لم يجز لاحد البناء عليه، ولا

____________________

(١) سنن البيهقي: ج ٦ ص ٦٨، وليس فيه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر).

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩٢ و ٢٩٧.

(٣) في باقي النسخ: وكذا لو صالحه.

٣٤٣

الوضع بغير إذن الحاكم قطعا، وليس له أن يأذن بغير عوض على الظاهر.

ولو أذن بعوض ولا ضرر على الوقف احتل الجواز، نظرا إلى المصلحة وعدمه، لانه تصرف في الوقف بغير موضعه(١) ، ولانه يثمر شبهة، وهذا أقوى. وأما الجدار المشترك، فلا يجوز الانتفاع به في وضع أو أزج أو فتح كوة - بضم الكاف وفتحها - إلا بإذن الجميع، وكذا ضرب الوتد، وسواء أضربهم أو لا. ويجوز الانتفاع بالاستناد إليه والاستظلال بظله لهم ولغيرهم، وكذا بالجدار المختص عملا بشاهد الحال. نعم ليس له حك شئ من الآية حجرا كانت أو آجرا أو لبنا، ولا الكتابة عليه، لانه تصرف في ملك الغير بما هو مظنة الضرر. وهل لمالك(٢) الجدار منع المستند أو المستظل إذا كان المجلس مباحا؟ الاقرب المنع مع عدم التضرر، وحكم الفاضل(٣) بأن له المنع من الاستناد، لانه تصرف.

ويجوز قسمة الجدار طولا وعرضا، وطوله امتداده من زاوية من البيت إلى الزاوية الاخرى، أو من حد من أرض البيت إلى حد آخر من أرضه، وليس المراد به إرتفاعه عن الارض فإن ذلك عمقه.

والعرض هو السطح الذي يوضع عليه الجذوع، فلو كان طوله عشرة وعرضه ذراعين واقتسماه في كل الطول ونصف العرض ليصير لكل واحد ذراع في طول عشرة جاز، وكذا لو اقتسماه في كل العرض ونصف الطول بأن يصير لكل واحد منهما طول خمس في عرض ذراعين.

____________________

(١) في باقي النسخ: بغير موضوعه.

(٢) في (ق): وهل للمالك.

(٣) التذكرة: ج ٢ ص ١٨٥.

٣٤٤

ثم القسمة بعلامة توضع جائزة في الامرين، وبالنشر جائز في الثاني دون الاول، إلا مع تراضيهما كما لو نقضاه واقتسما آلاته، والقرعه ممتنعه في الاول، بل كل وجه لصاحبه ويجوز في الثاني.

ومتى تطرق ضرر عليهما أو على أحدهما وطلبه الآخر فهي قسمة تراض، وإلا فهي قسمة إجبار، ولو طلبها المتضرر اجبر الآخر، وكذا يجوز قسمة عرصته قبل البناء.

(٢٦٨) درس

لو انهدم الجدار واسترم لم يجب على الشريك الاجابة إلى عمارته، ولو هدمه فعليه الاعادة(١) إن أمكنت المماثلة كما في جدران بعض البساتين والمزارع، وإلا فالارش، والشيخ(٢) أطلق الاعادة، والفاضل(٣) أطلق الارش.

ولو بناه أحدهما بالآلة المشتركة كان بينهما، وفي توقفه على إذن الآخر مع اشتراك الاساس احتمال قوي. ولو أعاده بآلة من عنده فالحائط ملكه، والتوقف هنا على إذنه أقوى، ومنع الشيخ(٤) من التوقف على إذن الآخر. وله منع الآخر من الوضع عليه في الثانية دون الاولى. نعم للشريك مطالبته بهدمه، قال الشيخ(٥) : أو يعطيه نصف قيمة الحائط ويضع عليه، والخيار بين الهدم وأخذ القيمة للثاني.

وكذا لا يجب إجابة الشريك إلى عمارة الرحى المشتركة والنهر والدولاب

____________________

(١) في باقي النسخ: إعادته.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠٣.

(٣) القواعد: ج ١ ص ١٨٥.

(٤) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠١.

(٥) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠١.

٣٤٥

والعلو والسفل في الدار.

ولو استحق إجراء مائه أو وضع بنائه أو جذوعه على ملك الغير فليس عليه مساعدة المالك في عمارة المجرى، ويجب على المالك ذلك.

ولو احتاجت الساقية إلى إصلاح فعلى صاحبها، ولا يجبر صاحب السفل، ولا العلو على بناء الجدار الحامل للعلو، ولا على جدار البيت، إلا أن يكون ذلك لازما بعقد لازم(١) .

ولو ملكا دارين متلاصقين(٢) فليس لاحدهما مطالبة الآخر برفع جذوعه عنه، ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف إذا لم يعلما على أي وجه وضع، لجواز كونه بعوض، ونقل فيه الشيخ(٣) عدم الخلاف.

نعم لو ادعى أحدهما الاستحقاق ونفاه الآخر جزما احتمل حلف المنكر، وعليه الفاض(٤) ، وظاهر الشيخ أن على مدعي العارية البينة واليمين على الآخر.

ولو انهدم الحائط المشترك بينهما فاصطلحا على أن يبنيا ويكون لاحدهما أكثر مما كان له بطل الصلح، لان فيه إيهاب مالم يوجد قاله الشيخ(٥) .

ويمكن القول بالجواز مع مشاهدة الآلات أو الوصف ومشاهدة الارض، بناء على أن الصلح أصل وإن كان بغير عوض، إلا أن يجعل المانع منه عدم وجود التالف الذي هو جزء صوري من الحائط، وعدم إمكان ضبطه.

ولكنه ضعيف، وإلا لما جاز الاستئجار على البناء المقدر بالعمل، أو نقول

____________________

(١) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.

(٢) في (م): متلاصقتين.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩٨.

(٤) القواعد: ج ١ ص ١٨٦.

(٥) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠٠.

٣٤٦

الشارط على نفسه متبرع بما يخص شريكه من عمله، والشارط لنفسه غير متبرع فيشترط له في مقابله قدرا من الملك. ويحتمل جواز اشتراط تملك الاكثر من الآلات لا من الجدار بعد البناء، لانه تعليق ملك في عين، وهو ممتنع، لامتناع الاجل في الملك.

ولو انفرد أحدهما بالعمل وشرط لنفسه الاكثر من الآلة صح، وفي التذكرة(١) أطلق جواز اشتراط الاكثر، لعموم المسلمون عند شروطهم، ويجري مجرى الاستئجار على الطحن بجزء من الدقيق.

وعلى الارتضاع بجزء من الرقيق فإنه يملك في الحال، ويقع العمل فيما هو مشترك بينه وبين غيره، وعلى هذا يملك الاكثر في الحائط مبنيا، وهو قوي. ولو كان لاحدهما السفل وللآخر العلو لم يكن للاسفل منع الاعلى، من وضع ما لا يتأثر به السقف من الامتعة لو كان السقف له، ولو كان للاعلى لم يكن له منع الاسفل من الاستكنان، وله منعه من ضرب وتد فيه، ولا يمنعه من تعليق ما لا يتأثر به.

ولو جعل عوض الصلح عن الدعوى مجرى الماء في أرضه قدر المجرى طولا وعرضا لاعمقا، لان من ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الارض. ولو جعله إجراء الماء في ساقية محفورة مشاهدة جاز إذا قدرت المدة، قال الشيخ(٢) : ويكون فرعا للاجارة وفي المجرى فرع البيع.

قال الشيخ(٣) : ولو كانت الساقية غير محفورة لم يجز الصلح على الاجراء، لان فيه استئجار المعدوم.

ويشكل بإمكان تعين مكان الاجراء طولا وعرضا، واشتراط حفره على مالك الارض أو على المجرى ماؤه.

نعم لو كانت الارض

____________________

(١) التذكرة: ج ٢ ص ١٨٧.

(٢) و(٣) المبسوط: ج ٢ ص ٣١٠.

٣٤٧

موقوفة أو مستأجرة لم يجز.

ولو صالحه على المدعى به على إجراء الماء من سطحه على سطح المدعى عليه اشترط علم سطح المدعي. ولا فرق بين الاقرار بالمدعى به ثم الصلح، وبين الانكار، والشيخ(١) فرض المسألة مع الاقرار، كما هو مذهب بعض العامة. ويجوز الصلح على إزالة البنيان والجذوع عن ملكه، كما يجوز الصلح على إثباتها ويجوز الصلح على قضاء الحاجة وطرح القمامة في ملك الغير، وتعيين المدة كالاجارة.

ويجوز الصلح على الاستطراق، كما يجوز على إجراء الماء. ويشترط ضبط موضع الاستطراق. ولو باع الاجراء والاستطراق لم يجز، لان موضع(٢) البيع الاعيان، وكذا يصح الصلح على حق الهوى لا البيع ولا الاجارة. ومن استحق إجراء الماء في ملك غيره فليس له طروقه بغير حاجة، ولو استرم الملك لم يجب على المستحق مشاركته في العمارة وإن كان بسبب الماء.

ولو سرت عروق الشجرة أو فروعها إلى ملك الغير فله عطفها إن أمكن، وإلا فله قطعها من حد ملكه، ولا فرق بين أن يكون الفروع في ملكه أو هوائه، ولا يحتاج إلى إذن الحاكم، كما له إخراج بهيمة تدخل إلى داره بدون إذنه. نعم يأمر صاحبها بقطعها فإن امتنع قطعها هو.

ولو صالحه على إبقائها على الارض أو في الهواء جاز مؤقتا لامؤبدا، بعد انتهاء الاغصان والعروق بحسب ظن أهل الخبرة أو تقدير الزيادة، وليس له

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٣١١.

(٢) في باقي النسخ: لان موضوع.

٣٤٨

إيقاد النار تحت الاغصان لتحترق بل القطع.

(٢٦٩) درس في التنازع

وفيه مسائل: لو ادعى دارا على إثنين فصدقه أحدهما فله نصيبه، فإن باعه عليه فللآخر الشفعة إن تغايرت جهة ملكيهما، وإن اتحدت كالارث فلا، لاعترافه ببطلان البيع، ولو صالحه فلا شفعة قطعا إن جعلناه أصلا.

الثانية: لوتنازعا في جدار حائل بين داريهما، فإن كان متصلا بأحدهما اتصال ترصيف أي تداخل الاحجار واللبن، أو كان له عليه قبة أو غرفة أو سترة أو جذع على الاقوى، فهو صاحب اليد فعليه اليمين مع فقد البينة.

ونفى الشيخ(١) في الكتابين الترجيح بالجذوع، لان كون الجدار سورا للدارين دلالة ظاهرة على أنه في أيديهما، ووضع الجذع اختصاص بمزيد انتفاع، كاختصاص أحد الساكنين بزيادة الامتعة.

ولو كان اتصال مجاورة ولا اختصاص لاحدهما تحالفا واقتسماه نصفين قال الشيخ(٢) : والقرعة قوي(٣) ، وكذا لو كان متصلا بهما أو جذوعهما عليه. ولا عبرة بالكتابة والتزويق.

والوجه الصحيح من اللبن لو بناه بإنصاف اللبن والروازن والطين، وفي الترجيح في الخص بمعاقد القمط قول مشهور مستند إلى النقل(٤) ، والازج

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩٦، والخلاف: ج ٢ ص ١٢٦.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩٦.

(٣) في باقي النسخ: والقرعة قوية.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب أحكام الصلح ح ٢ ج ١٣ ص ١٧٣.

٣٤٩

المقوس على الترصيف مرجح، وبالمجاورة لا ترجيح(١) به، والمسناة والمرزبين الملكين كالجدار.

فرع:

لو بنى الجدار على جذع داخل طرفه في بناء أحدهما في الترجيح به نظر، من أنه كالاس أو كالجزر.

ولو اتفقا على ملكية الجذع لصاحب الجدار المولج فيه فاحتمال اختصاصه أقوى.

الثالثة: لو تنازعا في الاس والجدار فأقام بينة بالجدار فهو ذو يد في الاس، وكذا الشجرة مع المغرس.

والفرق بينهما وبين الجذع أن كون الجدار حائلا بين الملكين أمارة على إشتراك اليد، ولا دلالة على اشتراك اليد في الآس والمغرس، فإذا ثبت الجدار لاحدهما اختصت يده.

الرابعة: لو تنازع ذو الغرفة وذو البيت في جدرانه حلف ذو البيت، وقال ابن الجنيد(٢) : هو بينهما، لان حاجتهما إليه واحدة، وارتضاه في المختلف(٣) ، وفي جدرانها يحلف ذو الغرفة لليد المختصة، وفي سفقها كذلك، وفي السقف المتوسط يقوى الاشتراك مع حلفهما أو نكولهما، وإلا اختص بالحالف.

وفي المبسوط(٤) يقسم بعد التحالف والقرعة أحوط، وتردد في الخلاف(٥) بين القرعة والتحالف، وقال ابن الجنيد(٦) وابن إدريس(٧) : يحلف صاحب

____________________

(١) في (ق): لا يرجح.

(٢) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٨.

(٣) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٨.

(٤) المبسوط: ج ٢ ص ٣٠٠.

(٥) الخلاف: ج ٢ ص ١٢٧.

(٦) المختلف: ج ٢ ص ٤٧٧.

(٧) السرائر: ج ٢ ص ٦٧.

٣٥٠

الغرفة، لانها لايتصور بدونه، بخلاف البيت، واختاره في المختلف(١) . ولو لم يمكن إحداث السقف بأن كان أزجا ترصيفا حلف صاحب البيت لاتصاله به.

الخامسة: لو كان على بيته غرفة يفتح بابها إلى آخر وتنازعا حلف صاحب البيت لاتصالها به، ولو كان للآخر عليها يد بتصرف أو سكنى حلف، لان يده أقوى.

السادسة: لو تنازع صاحب الاعلى وصاحب الاسفل في عرصة الخان الذي مرقاة في صدره فالاقرب القضاة بقدر الممر بينهما واختصاص صاحب(٢) الاسفل بالباقي، وربما أمكن الاشتراك في العرصة، لان صاحب الاعلى لا يكلف المرور على خط مستو، ولا يمنع من وضع شئ فيها، ولا من الجلوس قليلا. ولو كان مرقاة في دهليزه فالاقرب أن لا مشاركة للاسفل في العرصة، إلا أن نقول في السكة المرفوعة باشتراك الفضلة بين الجميع، ويؤيده أن العرصة يحيط بها الاعلى كما يحيط بها الاسفل.

ولو كان المرقى في ظهره فاختصاص صاحب الاسفل بالعرصة أظهر.

السابعة: لو تنازعا في المرقى ومحله فهو للاعلى، وفي الخزانة تحته بينهما. ولو اتفقا على أن الخزانة لصاحب الاسفل فالدرجة كالسقف المتوسط بين الاعلى والاسفل فيقضى بهما بينهما، ولا عبرة بوضع الاسفل آلاته وكيزانه تحتها. ثم إذا تثبت الدرجة للاعلى فهو ذو يد في الآس.

الثامنة: لو تنازع راكب الدابة والمتشبث بلجامها فيها، فهما سواء عند

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٧٧.

(٢) هذه الكلمة غير موجوده في باقي النسخ.

٣٥١

الشيخ في الخلاف(١) وأحد احتماليه في المبسوط(٢) وعند ابن إدريس(٣) ، والاحتمال الآخر اختصاص الراكب بيمينه واختاره الفاضلان(٤) ، وكذا لابس الثوب وممسكه، وذو الحمل على الجمل وغيره، لان الاستيلاء حاصل منهم بالتصرف، والتشبث لايقاومه. ولا عبرة هناك بكون الراكب غير معتاد قينة الدواب وكون المتشبث معتادا لذلك. ولو كان بيدهما ثوب وأكثره مع أحدهما فلا ترجيح به البتة، لان مسمى اليد حاصل لهما ولا ترجيح، أما الراكب واللابس فلهما مع اليد الترصف.

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ١٢٦.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٢٩٧.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٦٧.

(٤) الشرائع: ج ٢ ص ١٢٦، والمختلف: ج ٢ ص ٤٧٧.

٣٥٢

كتاب الشفعة

٣٥٣

٣٥٤

وهي لغة فعلة من شفع كذا بكذا إذا جعله شفعا به، فإن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب شريكه، وأصلها التقوية، لان كلا من الوترين يقوى بالآخر.

وشرعا حق ملك قهري يثبت بالبيع لشريك قديم على شريك حادث فيما لا ينقل عادة مع قراره.

وثبوتها إجماعي، إلا من أبي الشعثاء جابر بن زيد، ولا يقدح خلافه مع الطعن في عقيدته بالخروج.

ويثبت في الارض بالاصالة، وفي المساكن والاشجار بالتبع.

ولو اشتركت غرفة بين إثنين واختص أحدهما بالسقف أو انتفى السقف عنهما فلا شفعة فيها عند الفاضل(١) ، لعدم قرارها ولو كان السقف للشريكين، لان ما في الهواء لاثبات له.

ولو علل بأن آلات البناء إنما تثبت فيها الشفعة تبعا للارض ولا أرض هنا كان أوجه.

واختلف الاصحاب في المنقول فأثبتها فيه المرتضى(٢) وهو ظاهر المفيد(٣)

____________________

(١) القواعد: ج ١ ص ٢٠٩، والتحرير: ج ٢ ص ١٤٤.

(٢) الانتصار: ص ٢١٥.

(٣) المقنعة: ص ٢١٨.

٣٥٥

وقول الشيخ في النهاية(١) وابن الجنيد(٢) والحلبي(٣) والقاضي(٤) وابن إدريس(٥) ، وظاهر المبسوط(٦) والمتأخرين نفيها فيه، وأثبتها الصدوقان(٧) في الحيوان والرقيق، والفاضل(٨) في العبد، لصحيحة الحلبي(٩) ، ومرسلة يونس(١٠) تدل على العموم، وليس ببعيد.

وعلى القول بنفيها عن المنقول لو ضمه إلى غير المنقول لم يشفع ولم يمنع، ويؤخذ الآخر بالحصة من الثمن يوم العقد، وقال الشيخ(١١) : بدخول الثمرة في الشفعة.

واحترزنا بالعادة ليدخل الدولاب فإنه وإن أمكن نقله، إلا أن العادة بخلافه، فيثبت فيه الشفعة لا في حباله ودلائه المنقولة عادة، وإنما يثبت في الدولاب تبعا للارض.

ثم اختلفوا في إمكان القسمة على قولين مشهورين، فعلى اشتراطه فلا شفعة فيما لا يمكن قسمته، كالحمام الصغير والعضائد الضيقة والنهر والطريق الضيقين، وكذا الرحى، إلا أن يمكن قسمة تميز(١٢) أحجارها وبيتها.

____________________

(١) النهاية: ٤٢٣.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٠٢.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٣٦٠.

(٤) المهذب: ج ١ ص ٣٥٤.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٣٨٥.

(٦) المبسوط: ج ٣ ص ١٠٦.

(٧) المقنع (ضمن الجوامع الفقهية): ص ٣٤ والمختلف: ص ٤٠٢.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٤٠٢.

(٩) وسائل الشيعة: ب ٧ من أبواب الشفعة ح ٣ ج ١٧ ص ٣٢١.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ٧ من ابواب الشفعة ح ٢ ج ١٧ ص ٣٢١.

(١١) المبسوط: ج ٣ ص ١٠٧.

(١٢) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.

٣٥٦

فرع:

لو اشتملت الارض على بئر لا يمكن قسمتها وأمكن أن تسلم البئر لاحدهما مع قسمة الارض ثبتت الشفعة في الجميع، قيل: وكذا لو أمكن جعل أكثر بيت الرحى موازيا لما فيه الرحى.

ويلزم منه لو اشتملت الارض على حمام أو بيت ضيق وأمكن سلامة الحمام أو البيت لاحدهما إن ثبتت، وعندي فيه نظر، للشك في وجوب قسمة ماهذا شأنه.

وإنما يثبت للشريك لا للجار، ونقل الشيخ(١) فيه الاجماع، خلافا لظاهر الحسن وقدم عليه الخليط، وهو شاذ، ولا مع القسمة، إلا مع الاشتراك في الطريق أو النهر اللذين يقبلان القسمة على الخلاف.

ولا يثبت لازيد من شركين على الاشهر، ويكاد يكون إجماعا كما نقله ابن إدريس(٢) ، وقول ابن الجنيد(٣) بثبوتها مع الكثرة نادر، وكذا قول الصدوق(٤) بثبوتها في غير الحيوان مع الكثرة وفي الحيوان مع الشريك الواحد، لرواية(٥) عبدالله بن سنان.

نعم بقول ابن الجنيد(٦) : روايات منها صحيحة منصور بن حازم(٧) ومال إليه الفاضل في المختلف(٨) ، والاولى حملها على التقية.

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ١٨١.

(٢) السرائر: ج ٢ ص ٣٨٦.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤٠٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه: باب الشفعة ذيل ح ٣٣٧٧ ج ٣ ص ٧٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٧ من ابواب الشفعة ح ١ ج ١٧ ص ٣٢١.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٤٠٣.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٤ من ابواب الشفعة ح ١ ج ١٧ ص ٣١٨.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٤٠٣.

٣٥٧

ثم اختلف هذان في ثبوتها بحسب الرؤوس أو بحسب السهام، فالصدوق(١) على الاول، وابن الجنيد(٢) على الثاني. ويجوز عنده قسمتها على الرؤوس، لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام(٣) الشفعة على عدد الرجال.

ويشترط انتقال الحصة بالبيع، فلو انتقلت بغيره من الصلح والاجارة والهبة والارث والاصداق فلا شفعة، ونقل الشيخ(٤) فيه الاجماع، وشذ قول ابن الجنيد(٥) بثبوتها في الموهوب بعوض أو غيره.

ولا يثبت الذمي على مسلم وإن كان البائع ذميا، وفي رواية السكوني(٦) ليس لليهود والنصارى شفعة، والظاهر أن المراد به على المسلم.

ويشترط كون الملك المأخوذ به مطلقا، فلو كان وقفا وبيع الطلق لم يستحق صاحب الوقف شفعة، ونقل الشيخ في المبسوط(٧) فيه عدم الخلاف، لنقص الملك بعدم التصرف فيه، وقال المرتضى(٨) : للناظر في الوقف من إمام ووصي وولي الاخذ بالشفعة، وقال ابن إدريس(٩) : ذلك حق إن كان الموقوف عليه واحدا، وارتضاه المتأخرون.

____________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٤٠٤.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٤٠٤.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٧ من أبواب الشفعة ح ٥ ج ١٧ ص ٣٢٢.

(٤) المبسوط: ج ٣ ص ١١١.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٤٠٤.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٦ من أبواب الشفعة ح ٢ ج ١٧ ص ٣٢٠.

(٧) المبسوط: ج ٣ ص ١٤٥.

(٨) الانتصار: ص ٢٢١.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٣٩٧.

٣٥٨

وهو مبني على تملك الوقف، وإن هذا الملك الناقص مما ثبت(١) فيه الشفعة.

نعم لو بيع الوقف في صورة الجواز ثبت للآخر الشفعة قطعا.

واحترزنا بالشريك القديم عن المقارن، فلو اشتريا معا فلا شفعة، وكذا لاشفعة للمتأخر على المتقدم.

فرع:

ولو ادعيا السبق ولا بينة سمع من السابق في الدعوى، أو من صاحب اليمين لو ابتدر الدعوى، فإذا أنكر الدعى عليه حلف ثم تسمع دعوى للثاني على الاول فيحلف مع الانكار ويستقر الملك بينهما.

ولو نكلا فكذلك، ولو نكل المدعى عليه أولا حلف المدعي وأخذ نصيب صاحبه، وسقطت دعوى صاحبه، لزوال ملكه، ولو نكل المدعى عليه ثانيا وهو المدعي أولا حلف صاحبه وأخذ حصته، ولا يكفيه اليمين الاولى، لانها على النفي. ولو أقام أحدهما بينة قضي له، ولو أقاما بينتين بني على الاعمال أو التساقط، فعلى الاول يقرع، وعلى الثاني كما لو لم تكن بينة، والقرعة أقوى.

ولو أقام أحدهما بينة بالشراء من غير تاريخ فلا عبرة بها.

(٢٧٠) درس

يشترط قدرة الشفيع على الثمن، فلو اعترف بالعجز أو ماطل أو هرب فلا شفعة.

ولو قال الثمن غائب فامهلوني اجل ثلاثة أيام، ولو كان في بدل آخر اجل

____________________

(١) في (ق): كما ثبتت.

٣٥٩

زمانا يسع ذهابه وإيابه وثلاثة، إلا أن يتضرر المشتري فيسقط. ولا يجب على المشتري قبول الرهن أو الضامن أو العوض، وليدفع الثمن قبل تسليم المبيع جبرا لقهر المشتري. ولو سلمه ليحضر الثمن إلى مدة فماطل حتى انقضت فله الفسخ واسترداد المبيع. ولو كان المشتري غائبا فله الشفعة إذا علم، وإن تطاول زمانه مالم يتمكن من المطالبة في الغيبة بنفسه أو وكيله.

ولا عبرة بتمكنه من الاشهاد، فلا يبطل حقه بتمكنه من الاشهاد على المطالبة ولما يشهد. والمريض الذي لا يتمكن من المطالبة كالغائب، وكذا المحبوس ظلما أو بحق يعجز عنه، ولو قدر عليه ولم يطالب بطلت.

وتثبت الشفعة للصبي والمجنون والسفيه فيطالب الولي مع الغبطة، فلو ترك فلهم المطالبة بعد زوال المانع، والاقرب أن للولي ذلك أيضا، لبطلان الترك، ولو أخذ لا مع الغبطة جاز لهم نقضها. وتثبت للمفلس، وللغرماء منعه من بذل المال فيها، فإن مكنوه أو رضي المشتري بذمته تعلق بالشقص حق الغرماء. ويثبت للمكاتب بنوعيه، وليس للمولى الاعتراض عليه، بخلاف المأذون فإن له منعه.

ويثبت للعامل، فإن ترك فللمالك الاخذ، وليس للمالك أخذ مااشتراه العامل بالشفعة، بل له فسخ المضاربة فيه، فإن كان فيه ربح ملك العامل نصيبه، وإلا فله الاجرة، وللعامل أخذ الشقص الذي اشتراه في شركة نفسه بالشفعة إن قلنا أن الوكيل يأخذ بها.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والبعض الآخر قال : إنّها مسألة الخلق والرزق والحياة والموت والعزّة والذلّة فقط.

والبعض الآخر عنون مسألة الخلق والموت بالنسبة للإنسان وقال : إنّ لله جيوشا ثلاثة : جيش ينتقل من أصلاب الآباء إلى أرحام الامّهات ، وجيش يخرج إلى عالم الدنيا من أرحام الامّهات ، وجيش يساق من عالم الدنيا إلى القبور.

وكما قلنا فإنّ للآية مفهوما واسعا يشمل كلّ خلق جديد وخلقة جديدة ، ويشمل كلّ تغيير وتحوّل في هذا العالم.

ونقرأ في رواية لأمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال في أحد خطبه : «الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه لأنّه كلّ يوم هو في شأن ، من إحداث بديع لم يكن»(١) .

ونقرأ في حديث آخر للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسيره الآية الكريمة : «من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرّج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين»(٢) .

ولا بدّ من الانتباه لهذه النقطة أيضا : إنّ المقصود من (يوم) هو ليس (النهار) في مقابل (الليل) بل يشمل الأحقاب المتزامنة ، وكذلك الساعات واللحظات ، ومفهومه أنّ الله المتعال في كلّ زمان في شأن وعمل.

كما أنّ البعض ذكروا شأنا نزوليا للآية ، وهو أنّها نزلت ردّا على قول اليهود الذين يعتقدون أنّ اللهعزوجل يعطّل كلّ الأعمال في يوم السبت ، ولا يصدر أي حكم(٣) . فالقرآن الكريم يقول : إنّ خلق الله وتدبيره ليس له توقّف.

ومرّة اخرى ـ بعد هذه النعم المستمرّة والإجابة لاحتياجات جميع خلقه من أهل السماوات والأرض يكرّر قوله سبحانه :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

* * *

__________________

(١) أصول الكافي مطابق نقل نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٩٣.

(٢) مجمع البيان نهاية الآية مورد البحث ، ونقل هذا الحديث أيضا في روح المعاني من صحيح البخاري.

(٣) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٠٢.

٤٠١

بحوث

١ ـ ما هي حقيقة الفناء؟

ما مرّ بنا في الآيات السابقة وهو أنّ «الكلّ يفنى إلّا الله» ليس بمعنى الفناء المطلق ، وأنّ روح الإنسان تفنى أيضا أو أنّ التراب الناشئ من بدنه بعد الموت سينعدم أيضا ، إذ أنّ الآيات القرآنية صرّحت بوجود عالم البرزخ إلى يوم القيامة(١) .

ومن جهة اخرى فإنّ الله سبحانه يذكر لمرّات عدّة أنّ الموتى يخرجون من قبورهم يوم القيامة(٢) .

ويذكر سبحانه في آية اخرى أنّ رميم العظام يلبس الحياة مرّة اخرى بأمر الله(٣) .

وهذه الآيات كلّها شاهد على أنّ الفناء في الآية والآيات الاخرى بمعنى اضطراب نظام الجسم والروح وقطع الارتباط بينهما واضطراب عالم الخلقة كذلك ، وحلول عالم جديد محلّ العالم السابق.

٢ ـ استمرار الخلق والإبداع

قلنا : إنّ الآية الكريمة :( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) تدلّ على دوام الخلقة واستمرار الخلق ، وأنّها مبعث أمل من جهة ، ونافية للغرور من جهة اخرى ، لذا فانّ القادة الإسلاميين يعتمدون عليها كثيرا لبعث الأمل في النفوس ، كما نقرأ ذلك في تبعيد الصحابي الجليل «أبى ذرّ الغفاري» إلى (الربذة) حيث يذكر التاريخ أنّ علياعليه‌السلام جاء لتوديعه فواساه بكلمات مؤثّرة ، ثمّ أعقبه ابنه الإمام الحسنعليه‌السلام حيث خاطب أبا ذر رضى الله عنه بقوله «يا عمّاه» تكريما له وأعقبه أخوه سيّد الشهداء الإمام

__________________

(١) المؤمنون ، ١٠٠.

(٢) سورة يس ، ٥١.

(٣) سورة يس ، ٧٩.

٤٠٢

الحسينعليه‌السلام بقوله لأبي ذرّ : «يا عمّاه إنّ الله تعالى قادر على أن يغيّر ما قد ترى. الله كلّ يوم في شأن ، وقد منعك هؤلاء القوم دنياهم ومنعتهم دينك فاسأل الله الصبر والنصر(١)

ونقرأ أيضا أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام وهو في طريقه إلى كربلاء لقي الشاعر «الفرزدق» عند (صفاح) فسأله الإمامعليه‌السلام عن خبر الناس خلفه ـ إشارة إلى أهل العراق ـ فقال : الخبير سألت ، قلوب الناس معك ، وسيوفهم مع بني أميّة ، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء. فقال الإمام الحسينعليه‌السلام : (صدقت لله الأمر يفعل ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن)(٢) .

وكلّ ذلك يرينا أنّ هذه الآية هي الآية باعثة للأمل في نفوس المؤمنين.

وثمّة قصّة اخرى في هذا الصدد حيث ذكروا أنّ أحد الأمراء سأل وزيره عن تفسير هذه الآية ، إلّا أنّ الوزير أعلن عن عدم علمه بها وطلب مهلة ليوم غد ، ورجع إلى البيت محزونا ، وكان لديه غلام أسود ذو علم ومعرفة ، فسأله عمّا به ، فحدّث غلامه بالقصّة ، فأجابه : إذا ذهبت إلى الأمير فأخبره إذا كان يرغب في معرفة تفسير هذه الآية فأنا مستعدّ لذلك فطلبه الأمير وسأله ، فأجابه الغلام : يا أمير ، شأنه يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحيّ من الميّت ، ويخرج الميّت من الحيّ ، ويشفي سقيما ، ويسقم سليما ، ويبتلي معافى ، ويعافي مبتلى ، ويعزّ ذليلا ، ويذلّ عزيزا ، ويفقر غنيّا ، ويغني فقيرا

فقال الأمير : «فرّجت عنّي فرّج الله عنك» ثمّ أكرمه وأنعمه(٣) .

٣ ـ الحركة الجوهرية

__________________

(١) الغدير ، ج ٨ ، ص ٣٠١.

(٢) الكامل لابن الأثير ، ج ٤ ، ص ٤٠.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٣٣٧.

٤٠٣

بعض المؤيديّن للحركة الجوهرية يستدلّون لإثبات مرادهم بالآيات القرآنية أو يعتبرونها إشارة لمقصودهم ، ومن ضمن ما يستشهدون به الآية الكريمة :( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

التوضيح : يعتقد الفلاسفة القدماء أنّ للحركة أربع مقولات عرضية هي : (أين ، كيف ، كم ، وضع).

وبتعبير أوضح أنّ حركة الجسم تكون بتغيير مكانه وذلك بانتقاله ، وهذه هي مقولة (الأين) ، أو بنموّه أو زيادة كمّيته وهذه مقولة «الكم». أو تغيّر اللون والطعم والرائحة (كشجرة التفاح) وهذا المقصود من «الكيف» ، أو أن يدور في مكانه حول نفسه كالحركة الوضعية للأرض وهذا ما يراد به من «الوضع».

وقد كان سائدا أنّ الحركة غير ممكنة في جوهر وذات الجسم أبدا ، لأنّه في كلّ حركة يجب أن تكون ذات الجسم المتحرّك ثابتة ، إلّا أنّ عوارضه قد تتغيّر ، فالحركة لا تتصوّر في ذات الشيء وجوهره ، بل في اعراضه.

لكنّ الفلاسفة المتأخرّين رفضوا هذه النظرية واعتقدوا بالحركة الجوهرية ، وقالوا : إنّ أساس الحركة هي الذات ، الجوهر ، والتي تظهر آثارها في العوارض.

وأوّل شخص طرح هذه النظرية بشكل تفصيلي استدلالي هو المولى صدر الدين الشيرازي حيث قال : إنّ كلّ ذرّات الكائنات وعالم المادّة في حركة دائبة ، أو بتعبير آخر : إنّ مادّة الأجسام وجود سيّال متغيّر الذات دائما ، وفي كلّ لحظة له وجود جديد يختلف عن الوجود السابق له ، ولكون هذه التغيّرات متّصلة مع بعضها فإنّها تحسب شيئا واحدا ، وبناء على هذا فإنّ لنا في كلّ لحظة وجودا جديدا ، إلّا أنّ هذه الوجودات متصلة ومستمرة ولها صورة واحدة ، أو بتعبير آخر : إنّ المادة لها أربعة أبعاد (طول وعرض وعمق وأمّا البعد الآخر فهو ما نسمّيه (الزمان) وهذا الزمان ليس بشيء إلّا مقدار الحركة في الجوهر) لاحظوا جيّدا.

وممّا يجدر ذكره أنّ الحركة الجوهرية لا ترتبط بمسألة الحركة في داخل

٤٠٤

الذرّة لأنّها حركة وضعية وعرضية ، أمّا الحركة في الجوهر فلها مفهوم عميق جدّا تشمل الذات والجوهر.

والعجيب هنا أنّ المتحرّك هو نفس الحركة.

ولإثبات هذا المقصود فإنّهم يستدلّون بدلائل عديدة لا مجال لذكرها هنا ، إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إلى نتيجة هذا الرأي الفلسفي وهو أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ إدراكنا لمسألة معرفة الله أوضح من أي زمان ، لأنّ الخلق والخلقة لم تكن في بداية الخلق فحسب ، بل إنّها في كلّ ساعة وكلّ لحظة ، وإنّ الله سبحانه مستمر في خلقه ، ونحن مرتبطون به دائما ومستفيضون من فيض ذاته وهذا معنى( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

ومن الطبيعي أن لا مانع من أن يكون هذا المفهوم جزءا من المفهوم الواسع للآية الكريمة.

* * *

٤٠٥

الآيات

( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) )

التّفسير

التحدّي المشروط :

النعم الإلهيّة التي استعرضتها الآيات السابقة كانت مرتبطة بهذا العالم ، إلّا أنّ الآيات مورد البحث تتحدّث عن أوضاع يوم القيامة ، وخصوصيات المعاد ، وفي الوقت الذي تحمل تهديدا للمجرمين ، فإنّها وسيلة لتربية وتوعية وإيقاظ المؤمنين ، بالإضافة إلى أنّها مشجّعة لهم للسير في طريق مرضاته سبحانه ، ومن هنا فإنّنا نعتبرها نعمة. لذلك بعد ذكر كلّ واحدة من هذه النعم يتكرّر نفس السؤال الذي كان يعقّب ذكر كلّ نعمة من النعم السابقة.

٤٠٦

يقول سبحانه في البداية :( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) (١) (٢) .

نعم ، إنّ الله العالم القادر سيحاسب في ذلك اليوم الإنس والجنّ حسابا دقيقا على جميع أعمالهم وأقوالهم ونيّاتهم ، ويعيّن لكلّ منهم الجزاء والعقاب.

ومع علمنا بأنّ الله سبحانه لا يشغله عمل عن عمل ، وعلمه محيط بالجميع في آن واحد ، ولا يشغله شيء عن شيء (ولا يشغله شأن عن شأن) ولكنّنا نواجه التعبير في (سنفرغ) والتي تستعمل غالبا بالتوجّه الجادّ لعمل ما ، والانصراف الكلّي له ، وهذا من شأن المخلوقات بحكم محدوديتها.

إلّا أنّه استعمل هنا لله سبحانه ، تأكيدا على مسألة حساب الله تعالى لعباده بصورة لا يغادر فيها صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، ولا يغفل عن مثقال ذرّة من أعمال الإنسان خيرا أو شرّا ، والأظرف من ذلك أنّ الله الكبير المتعال هو الذي يحاسب بنفسه عبده الصغير ، وعلينا أن نتصوّركم هي مرعبة ومخيفة تلك المحاسبة.

(الثقلان) من مادّة (ثقل) على وزن (كبر) بمعنى الحمل الثقيل وجاءت بمعنى الوزن أيضا ، إلّا أنّ (ثقل) على وزن (خبر) تقال عادة لمتاع وحمل المسافرين ، وتطلق على جماعة الإنس والجنّ وذلك لثقلهم المعنوي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد أعطاهم عقلا وشعورا وعلما ووعيا له وزن وقيمة بالرغم من أنّ الثقل الجسدي لهم ملحوظ أيضا كما قال تعالى :( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) ،(٣) حيث ورد أنّ أحد معانيها هو خروج الناس من القبور في يوم القيامة ، إلّا أنّ التعبير في الآية مورد البحث جاء باللحاظ المعنوي ، خاصّة وأنّ الجنّ ليس لهم ثقل مادّي.

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ رسم الخطّ القديم في القرآن المجيد كتبت (أيّها) في موارد بصورة (أيّه) والتي هي في الآية مورد البحث وآيتين أخريين (النور آية ٣١ ، والزخرف آية ٤٩) في الوقت الذي تكتب (أيّها) في الحالات الاخرى بالألف الممدودة ، والملاحظ أنّها كانت على أساس قاعدة رسم الخطّ القديم.

(٢) مع كون «الثقلين» تنبيه فالضمير في لكم أتى جمعا وذلك إشارة إلى مجموعتين.

(٣) الزلزلة ، ٢.

٤٠٧

التأكيد على هاتين الطائفتين بالخصوص لأنّ التكاليف الإلهيّة مختّصة بهما في الغالب.

وبعد هذا يكرّر الله سبحانه سؤاله مرّة اخرى :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وتعقيبا على الآية السابقة التي كانت تستعرض الحساب الإلهي الدقيق ، يخاطب الجنّ والإنس مرّة اخرى بقوله :( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) للفرار من العقاب الإلهي( فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) أي بقوّة إلهية ، في حين أنّكم فاقدون لمثل هذه القوّة والقدرة.

وبهذه الصورة فإنّكم لن تستطيعوا أن تفرّوا من محكمة العدل الإلهي ، فحيثما تذهبون فهو ملكه وتحت قبضته ومحلّ حكومته تعالى ، ولا مناصّ لهذا المخلوق الصغير من الفرار من ميدان القدرة الإلهيّة؟ كما قال الإمام عليعليه‌السلام في دعاء كميل بن زياد المربي للروح : (ولا يمكن الفرار من حكومتك).

«معشر» في الأصل من (عشر) مأخوذ من عدد «عشرة» ، ولأنّ العدد عشرة عدد كامل ، فإنّ مصطلح (معشر) يقال : للمجموعة المتكاملة والتي تتكوّن من أصناف وطوائف مختلفة.

«أقطار» جمع (قطر) بمعنى أطراف الشيء.

«تنفذوا» من مادّة (نفوذ) ، وهي في الأصل بمعنى خرق وعبور من شيء ، والتعبير (من أقطار) إشارة إلى شقّ السماوات وتجاوزها إلى خارجها.

وبالمناسبة فإنّ تقديم «الجنّ» هنا جاء لاستعدادهم الأنسب للعبور من السماوات ، وقد ورد اختلاف بين المفسّرين على أنّ الآية أعلاه هل تتحدّث عن القيامة ، أو أنّ حديثها عن عالم الدنيا ، أو كليهما؟

ولأنّ الآيات السابقة واللاحقة تتحدّث عن وقائع العالم الآخر ، فإنّ المتبادر إلى الذهن أنّ الآية تتحدّث عن الهروب والفرار من يد العدالة الإلهية الذي يفكّر به

٤٠٨

العاصون في ذلك اليوم.

إلّا أنّ البعض بلحاظ جملة :( لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) اعتبرها إشارة إلى الرحلات الفضائية للإنسانية ، وقد ذكر القرآن شروطها من القدرة العلمية والصناعية.

ويحتمل أيضا أن يكون المقصود منها هو عالم الدنيا وعالم القيامة ، يعني أنّكم لن تتمكّنوا من النفوذ بدون قدرة الله في أقطار السماوات ليس في هذه الدنيا فحسب ، بل في عالم الآخرة أيضا ، حيث وضعت في الدنيا وسيلة محدودة لاختباركم ، أمّا في الآخرة فلا توجد أيّة وسيلة لكم.

وفسّرها البعض تفسيرا رابعا حيث قالوا : إنّ المقصود بالنفوذ هو النفوذ الفكري والعلمي في أقطار السماوات ، الذي يمكن للبشر إنجازه بواسطة القدرة الاستدلالية.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل مناسب أكثر ، خاصّة وأنّ بعض الأخبار التي نقلت من المصادر الإسلامية تؤيّده ، ومن جملتها حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث يقول :

«إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد ، وذلك أن يوحي إلى السماء الدنيا أن اهبطي بمن فيك ، فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة ، ثمّ يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرتين ، فلا يزالون كذلك حتّى يهبط أهل سبع سماوات فتصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ثمّ ينادي مناد ،( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ) فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبع أطواق من الملائكة»(١) .

__________________

(١) تفسير الصافي ص ٥١٧ وتفسير مجمع البيان ج ٩ ص ٢٠٥.

٤٠٩

كما أنّ الجمع بين التفاسير ممكن أيضا.

ويخاطب سبحانه هاتين المجموعتين «الجنّ والإنس» بقوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

والتهديد هنا لطف إلهي أيضا ، فالبرغم من أنّه يحمل تهديدا ظاهريا ، إلّا أنّه عامل للتنبيه والإصلاح والتربية ، حيث أنّ وجود المحاسبة في كلّ نظام هو نعمة كبيرة.

وما ورد في الآية اللاحقة تأكيد لما تقدّم ذكره في الآيات السابقة ، والذي يتعلّق بعدم قدرة الجنّ والإنس من الفرار من يد العدالة الإلهيّة حيث يقول سبحانه :( يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ) .

«شواظ» كما ذكر الراغب في المفردات ، وابن منظور في لسان العرب ، وكثير من المفسّرين أنّه بمعنى (الشعلة العديمة الدخان) وفسّرها آخرون بأنّها (ألسنة النار) التي تقتطع من النار نفسها حسب الظاهر ، وتكون خضراء اللون. وعلى كلّ حال فإنّ هذا التعبير يشير إلى شدّة حرارة النار.

و «نحاس» بمعنى الدخان أو (الشعل ذات اللون الأحمر مصحوبة بالدخان) والتي تكون بلون النحاس ، وفسّرها البعض بأنّها (النحاس المذاب) وهي لا تتناسب في الظاهر مع ما ورد في الآية مورد البحث ، لأنّها تتحدّث عن موجود يحيط بالإنسان في يوم القيامة ويمنعه من الفرار من حكومة العدل الإلهي.

وكم هي عجيبة (محكمة القيامة) حين يحاط الإنسان إحاطة تامّة بالملائكة والنار الحارقة والدخان القاتل ، ولا مناص إلّا التسليم لحكم الواحد الأحد في ذلك اليوم الرهيب.

ثمّ يضيف سبحانه قوله :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

والكلام هنا عن النعم والآلاء من أجل ما ذكرنا من اللطف في الآية السابقة.

* * *

٤١٠

الآيات

( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥) )

التّفسير

يعرف المجرمون بسيماهم :

تكملة للآيات السابقة يتحدّث القرآن الكريم عن بعض مشاهد يوم القيامة ، والآيات أعلاه تذكر خصوصيات من مشاهد ذلك اليوم الموعود ، وعن كيفية الحساب والجزاء والعقاب ، يقول سبحانه في بداية الحديث :( فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ

٤١١

فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ) (١) .

ويستفاد من مجموع آيات «القيامة» بصورة واضحة أنّ النظام الحالي للعالم سوف يتغيّر ويضطرب وتقع حوادث مرعبة جدّا في كلّ الوجود ، فتتغيّر الكواكب والسيّارات والأرض والسماء ، وتحصل تغيّرات يصعب تصورها ، ومن جملتها ما ذكر في الآية أعلاه ، وهي انشقاق وتناثر الكرات السماوية ، حيث يصبح لونها أحمر بصورة مذابة كالدهن.

(وردة) و (ورد) هو الورد المتعارف ، ولأنّ لون الورد في الغالب يكون أحمر ، فإنّ معنى الاحمرار يتداعى للذهن منها.

ويأتي هذا المصطلح أيضا بمعنى «الخيل الحمر» ، وبما أنّ لونها يتغيّر في فصول السنة حين يكون في الربيع مائلا إلى الصفرة ، وفي الشتاء يحمّر ، ويقتم لونها في البرد الشديد ، فتشبيه السماء يوم القيامة بها هو بلحاظ التغيّرات التي تحصل في ألوانها فتارة يكون لونها كالشعلة الوهاجة أحمر حارقا ، وأحيانا أصفر ، واخرى أسود قاتم ومعتم.

«دهان» على وزن (كتاب) ، بمعنى الدهن المذاب ، وتطلق أحيانا على الرسوبات المتخلّفة للمادّة الدهنية ، وغالبا ما تكون لها ألوان متعدّدة ، ومن هنا ورد هذا التشبيه حيث يصبح لون السماء كالدهن المذاب بلون الورد الأحمر ، أو إشارة إلى ذوبان الكرات السماوية أو اختلاف لونها.

وفسّر البعض «الدهان» بمعنى الجلد أو اللون الأحمر ، وعلى كلّ حال فإنّ هذه التشبيهات تجسّد لنا صورة من مشهد ذلك اليوم العظيم. حيث أنّ حقيقة الحوادث في ذلك اليوم ليس لها شبيه مع أيّة حوادث اخرى من حوادث عالمنا

__________________

(١) توجد احتمالات متعدّدة في أنّ (إذا) في الآية هل هي شرطية ، أم فجائية ، أم ظرفية ، والظاهر أنّ الاحتمال الأوّل هو الأولى ، وجزاء الشرط محذوف ويمكن تقديره هكذا : (فإذا انشقّت السماء فكانت وردة كالدهان ، كانت أهوال لا يطيقها البيان).

٤١٢

هذا. فهذه المشاهد لا نستطيع إدراكها إلّا إذا رأيناها.

ولأنّ الإخبار بوقوع هذه الحوادث المرعبة في يوم القيامة ـ أو قبلها ـ تنبيه وإنذار للمؤمنين والمجرمين على السواء ، ولطف من ألطاف الله سبحانه ، يتكرّر هذا السؤال :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

وفي الآية اللاحقة ينتقل الحديث من الحوادث الكونية ليوم القيامة إلى حالة الإنسان المذنب في ذلك اليوم ، حيث يقول سبحانه :( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) .

ولماذا هذا السؤال وكلّ شيء واضح في ذلك اليوم ، فهو يوم البروز ، وكلّ شيء يقرأ في وجه الإنسان.

قد يتوهّم أنّ المعنى الوارد في هذه الآية يتنافى مع الآيات الاخرى التي تصرّح وتؤكّد مسألة سؤال الله تعالى لعباده في يوم القيامة ، كما ورد في الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) ،(١) وكما في قوله تعالى :( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) .(٢)

ويحلّ هذا الإشكال إذا علمنا أنّ يوم القيامة يوم طويل جدّا ، وعلى الإنسان أن يجتاز محطّات ومواقف متعدّدة فيه ، حيث لا بدّ من التوقّف في كلّ محطّة مدّة زمنية ، وطبقا لبعض الرّوايات فإنّ عدد هذه المواقف خمسون موقفا ، وفي بعضها لا يسأل الإنسان إطلاقا ، إذ أنّ سيماء وجهه تحكي عمّا في داخله ، كما ستبيّنه الآيات اللاحقة.

كما أنّ بعض المواقف الاخرى لا يسمح له بالكلام ، حيث تشهد عليه أعضاء بدنه قال تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا

__________________

(١) الصافات ، ٢٤.

(٢) الحجر ، ٩٢ ـ ٩٣.

٤١٣

يَكْسِبُونَ ) .(١)

كما أنّ في بعض المحطّات يسأل الإنسان وبدقّة متناهية عن كافّة أعماله(٢) .

وفي بعض المواقف يسلك الإنسان سبيل الجدل والدفاع والمخاصمة(٣) .

وخلاصة القول : إنّ كلّ محطّة لها شروطها وخصوصياتها ، وكلّ واحدة منها أشدّ رعبا من الاخرى.

ومرّة اخرى يخاطب سبحانه عباده حيث يقول :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) .

نعم إنّه لا يسأل حيث( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ) (٤) فهناك وجوه تطفح بالبشر والنور وتعبّر عن الإيمان وصالح الأعمال ، واخرى مسودّة قاتمة مكفهّرة غبراء تحكي قصّة كفرهم وعصيانهم قال تعالى :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) .(٥)

ثمّ يضيف سبحانه :( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) .

«النواصي» : جمع ناصية وكما يقول الراغب في المفردات أنّ الأصل بمعنى الشعر بمقدّمة الرأس من مادّة (نصأ) على وزن (نصر) وتعني الاتّصال والارتباط ، «وأخذ بناصيته» بمعنى أخذه من شعره الذي في مقدّمة رأسه ، كما تأتي أحيانا كناية عن الغلبة الكاملة على الشيء.

أقدام : جمع «قدم» بمعنى الأرجل.

والمعنى الحقيقي للآية المباركة هو أنّ الملائكة تأخذ المجرمين في يوم القيامة من نواصيهم وأرجلهم ، ويرفعونهم من الأرض بمنتهى الذلّة ويلقونهم في

__________________

(١) سورة يس ، ٦٥.

(٢) كما ورد في الآية موضع البحث والآيتين المشار لهما أعلاه.

(٣) كما ورد في الآية في سورة النحل الآية (١١١).

(٤) (سيما) في الأصل بمعنى العلامة ، وتشمل كلّ علامة في الوجه وسائر مواضع البدن ، ولأنّ علامة الرضا والغضب تبدو في الوجه أوّلا ، فإنّه يتداعى ذكر الوجه في ذكر هذه المفردات.

(٥) عبس. ٣٩ ـ ٤١.

٤١٤

جهنّم ، أو أنّه كناية عن منتهى ضعف المجرمين وعجزهم أمام ملائكة الرحمن ، حيث يقذفونهم في نار جهنّم بذلّة تامّة ، فما أشدّ هذا المشهد وما أرعبه!!

ومرّة اخرى يضيف سبحانه :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) لأنّ التذكير بيوم القيامة هو لطف منه تعالى.

ثمّ يقول سبحانه :( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ) .

وذكر المفسّرون تفاسير مختلفة حول المخاطبين المقصودين في هذه الآية الكريمة ، وهل هم حضّار المحشر؟ أو أنّ المخاطب هو شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب ، وقد ذكر له هذا المعنى في الدنيا؟ والمرجّح في رأينا هو المعنى الثاني خاصّة ، لأنّ الفعل (يكذّب) جاء بصيغة المضارع. وأستفيد من (المجرمون) ما يحمل على الغائب ، وهذا يوضّح أنّ الله تعالى قال لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه أوصاف جهنّم التي ينكرها المجرمون باستمرار في هذه الدنيا. وقيل : إنّ المخاطب هو جميع الجنّ والإنس حيث يوجّه لهم إنذار يقول لهم فيه : هذه جهنّم التي ينكرها المجرمون ، لها مثل هذه الأوصاف التي تسمعونها ، لذلك يجب أن تنتبهوا وتحذروا أن يكون مصيركم هذا المصير.

ويضيف سبحانه في وصف جهنّم وعذابها المؤلم الشديد حيث يقول :( يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) .

«آن» و «آني» هنا بمعنى الماء المغلي وفي منتهى الحرارة والإحراق ، وفي الأصل من مادّة (إنّا) على وزن (رضا) بمعنى الوقت لأنّ الماء الحارق وصل إلى وقت ومرحلة نهائية.

وبهذه الحالة فإنّ المجرمين يحترقون وسط هذا اللهيب الحارق لنار جهنّم ، ويظمأون ويستغيثون للحصول على ماء يروي ظمأهم ، حيث يعطى لهم ماء مغلي (أو يصبّ عليهم) ممّا يزيد ويضاعف عذابهم المؤلم.

ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ (عين حميم) الحارقة تكون بجنب

٤١٥

جهنّم ، ويلقى فيها من يستحقّ عذابها ثمّ في النار يسجرون ، قال تعالى :( يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) .(١)

والتعبير بـ( يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) في الآية مورد البحث ، يتناسب أيضا مع هذا المعنى.

ومرّة اخرى بعد هذا التنبيه والتحذير الشديد الموقظ ، الذي هو لطف من الله يقول البارئعزوجل :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ )

* * *

__________________

(١) المؤمن ، ٧١ ـ ٧٢.

٤١٦