إشارة السبق الى معرفة الحق الجزء ١

إشارة السبق الى معرفة الحق0%

إشارة السبق الى معرفة الحق مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 151

  • البداية
  • السابق
  • 151 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21785 / تحميل: 5831
الحجم الحجم الحجم
إشارة السبق الى معرفة الحق

إشارة السبق الى معرفة الحق الجزء 1

مؤلف:
العربية

اشارة السبق إلى معرفة الحق

تأليف

الشيخ الفقيه الجليل أبي الحسن علي بن الحسن بن ابي المجد الحلبي

تحقيق الشيخ ابراهيم بهادري وتليها

قاعدة ضمان اليد للشهيد الشيخ فضل الله النوري

١

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم: جعفر السبحاني

العقيدة والشريعة أوالفقه الاكبر والفقه الاصغر

يعتمد الاسلام في دعوته العالمية، على العقيدة والشريعة من دون تفريق وفصل بينهما.

فبالدعوة إلى الاولى يغذي العقل والفكر، ويرفع الانسان إلى سماء الكمال، ويصونه عن السقوط في مهاوي الشرك والوثنية، وعبادة غير الله سبحانه، ويلفت نظره إلى مبدئه ومصيره، وانه من أين جاء ولماذا جاء، إلى أين يذهب.

وبالدعوة إلى الثانية يعبد طريق الحياة له ويصيئ دروبها الموصلة إلى سعادته الفردية والاجتماعية، الدنيوية والاخروية.

٢

إن المهم الجدير بالذكر هو أن الاسلام لا يفرق بين التركيز على العقيدة والشريعة، ويندد بالذين يفكرون في العقيدة دون الشريعة، ويختصرون الدين في الايمان المجرد عن العمل، بل يرى أن ترك العمل قد يؤدي إلى زوال العقيدة، ويقول سبحانه: *(ثم كان عاقبة الذين أساء‌وا السوأى أن كذبوا بآيات الله) *(الروم / ١٠) وفي نفس الوقت يندد بالذين يهونون من شأن العقيدة ويعكفون على العمل والعبادة من دون تدبر في غاياتها، ومقاصدها، والتفكير في الآمر بها، ويرون العبادة في السجود والركوع فقط ويغفلون عن قوله سبحانه: *(الذن يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) *(آل عمران / ١٩١).

وتأكيدا لهذه الصلة بين العلمين، قام لفيف من علمائنا القدامى والمتأخرين بالجمع بينهما حتى في التأليف فكان الفقه الاكبر(العقائد) إلى جانب الفقه الاصغر(الاحكام).

نذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

١ - السيد الشريف المرتضى(٣٥٥ - ٤٣٦ ه‍) صاحب الآثار الجليلة.فقد جمع بين العلمين في كتابه المسمى ب‍ " جمل العلم والعمل ".

وقد تولى شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي(٣٨٥ - ٤٦٠ ه‍) شرح القسم الكلامي منه وأسماه: " تمهيد الاصول " وقد طبع ونشر.

كما تولى تلميذه الآخر القاضي ابن البراج(٤٠١ - ٤٨١ ه‍) شرح القسم الفقهي منه وأسماه: " شرح جمل العلم والعمل" وقد طبع أخيرا.

٢ - الشيخ أبوالصلاح تقي الدين الحلبي(٣٧٤ - ٤٤٧ ه‍) فقد ألف كتابا

٣

باسم: " تقريب المعارف في العقائد والاحكام " وقد طبع ونشر.

٣ - أبوالمكارم عزالدين حمزة بن علي بن زهرة الحلبي(٥١١ - ٥٨٥ ه‍) مؤلف: " غنية النزوع " فقد أدرج في كتابه العقائد وأصول الفقه والاحكام.إلى غير ذلك من تآليف على هذا النمط يطول الكلام بذكرها.

ونذكر من المتأخرين مثالا واحدا وهو كتاب " كشف الغطاء " لمؤلفه المحقق فقيه عصره الشيخ جعفر النجفي المعروف بكاشف الغطاء(١١٥٦ - ١٢٢٨ ه‍) حيث ضم إلى جانب الفقه مباحث هامة كلامية وأصولية لايستغني عنها الباحث، وبذلك أثبت أن العمل ثمرة العقيدة، وقرينها تكوينا وتشريعا.

وممن سلك هذا المسلك مؤلف هذا الكتاب الذي يزفه الطبع إلى القراء الكرام، وهو علاء الدين أبوالحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي من أعلام القرن السادس الهجري.

فقد ألف كتابه هذا المسمى ب‍ " إشارة السبق إلى معرفة الحق " على هذا المنوال، وقد طبع الكتاب في ضمن " الجوامع الفقهية " عام ١٢٧٦ ه‍ بالطبعة الحجرية، ويعاد الآن طبعه بصورة محققة مصححة بهية.

٤

ترجمة المؤلف: إن التاريخ قد بخس المؤلف حقه حيث لم يذكر عنه شيئا جديرا بشخصيته العلمية الممتازة، ولم يكن المؤلف هو الوحيد الذي أصابه هذا البخس، فكم له من نظير في تاريخ علمائنا.

هذا هو الفقيه الطائر الصيت عزالدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي مؤلف " كشف الرموز "(١) شرحا على كتاب " النافع " للمحقق، فلا تجد لذلك الفيه الكبير الذي يعرب كتابه عن تضلعه في الفقه، ترجمة ضافيه لائقة بشخصيته، إلا جملا عابرة فلا عتب علينا إذا لم نوفق لاداء حق مؤلفنا - صاحب الكتاب الحاضر - فلنذكر ماوققنا عليه من جمل الاطراء وعبارات الثناء عليه: ١ - قال المحقق الشيخ أسدالله التستري(م ١٢٣٤ ه‍) صاحب المقابس: ومنها ابن أبي المجد الشيخ الفقيه المتكلم النبيه علاء الدين أبوالحسن علي ابن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي - نور الله مرقده - وهو صاحب كتاب " إشارة السبق إلى معرفة الحق " في أصول الدين وفروعه إلى الامر بالمعروف، وتاريخ كتابة نسخته الموجودة عندي سنة ثمان وسبعمائة، ويظهر من الامارات أنها كانت عند صاحب " كشف اللثام " وأن هذا الكتاب هو الذي يعبر عنه فيه

____________________

(١) فرغ عن تأليف كتابه عام ٦٧٢ ه‍.

ولا نعلم من ترجمته غير أنه تلميذ المحقق المتوفى عام ٦٧٦ ه‍.

٥

بالاشارة(١) .

٢ - وقال الخوانساري: إن " إشارة السبق إلى معرفة الحق " الذي يعبر عنه المتأخرون بالاشارة، هو مختصر في أصول الدين وفروعه إلى باب الامر بالمعروف فهو بنص الفاضل الهندي، وصاحب الرياض وغيرهما تصنيف الشيخ علاء الدين أبي الحسن بن أبي الفضل الحسن بن أبي المجد الحلبي، ثم نقل عبارة صاحب " مقابس الانوار " التي تقدمت(٢) .

٣ - وقال الشيخ حبيب الله الكاشاني: منهم علاء الدين وهو علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي، كان متكلما ومن مصنفاته كتاب " إشارة السبق "(٣) .

٤ - قال شيخنا الطهراني: علي بن الحسن ابن أبي المجد الحلبي علاء الدين أبوالحسن مؤلف كتاب " إشارة السبق إلى معرفة الحق " المطبوع في مجموعة " الجوامع الفقهية " في ١٢٧٦ ه‍.

قال صاحب المقابس: إن تاريخ كتابة النسخة الموجودة عنده ٧٠٨ ه‍ وكنية والده أبوالفضل بن أبي المجد(٤) .

٥ - وقال في الذريعة: " إشارة السبق إلى معرفة الحق " في أصول الدين وفروعه العبادية من الطهارة إلى آخر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، للشيخ

____________________

١ - مقابس الانوار: ص ١٢ مؤسسة آل البيت، قم.

٢ - روضات الجنات: ج ٢ ص ١١٤، وأوعزت إليه أيضا في ج ٤ ص ٣٥٦.

٣ - لباب الالقاب في ألقاب الاطياب: ٢١.

٤ - طبقات أعلام الشيعة النايس في القرن الخامس: ص ١١٩.

وكان اللازم أن يذكره في قسم سادس القرون لا خامسها.

٦

علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل الحسن بن أبي المجد الحلبي.

ترجمه سيدنا الحسن صدر الدين في التكملة(١) وذكر صاحب الروضات تصريح الفاضل الهندي، وصاحب رياض العلماء بنسبة الكتاب إليه، وذكر أن نسبته إلى الشيخ تقي الدين بن نجم الدين الحلبي كما وقعت عن بعض نشأت من الاشتراك في النسبة إلى حلب، وقال الشيخ أسدالله في المقابس: إن النسخة الموجودة عندي من هذا الكتاب تاريخ كتابتها سنة ٧٠٨، وطبع ضمن مجموعة تسمى(الجوامع الفقهية " سنة ١٢٧٦ ه‍(٢) .والامعان في الكتاب يورث الاطمئنان بأنه كان من فقهاء القرن السادس الذين نجموا بعد الشيخ الطوسي وعاصروا الشيخ الطبرسي(م ٥٤٨ ه‍) وعماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسي المتوفى بعد سنة ٥٦٦ ه‍، وقطب الدين الراوندي المتوفى عام ٥٧٣ ه‍ مؤلف " فقه القرآن "، وقطت الدين محمد بن الحسن الكيدري البيهقي الذي كان حيا إلى سنة ٥٧٦ ه‍، مؤلف كتاب " الاصباح "، ورشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب المتوفى عام ٥٨٨ ه‍.إلى غير ذلك من نوابغ القرن السادس الذي احتفل التاريخ، وكتب التراجم بأسمائهم وأسماء كتبهم وتآليفهم.

والمؤلف من مدينة حلب الشهباء أكبر مدينة سورية بعد دمشق التي تبعد عن الحدود التركية قرابة خمسين كيلومترا، وقد فتحها المسلمون سنة ١٦ ه‍، وقد أنشأ سيف الدين الحمداني الدولة الحمدانية فيها وجعل عاصمتها حلب ودخلت مدينة حلب آنذاك في عهد جديد وهو عهد أمجادها التي لم تشهد لها مثيلا،

____________________

١ - وهذا القسم من التكملة بعد مخطوط وأما المطبوع فيرجع إلى علماء جبل عامل.

٢ - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج ٢ ص ٩٩.

٧

وأصبحت مركزا ثقافيا وشعريا وعسكريا من أعظم المراكز التي عرفها الاسلام، وقد وفد كبار الشعراء والعلماء على بلاط سيف الدولة فصار ملتقى رجال العلم والفكر الذين وجدوا في العاصمة حاميا لهم.

وينسب إلى حلب من رواة الشيعة الاقدمين آل أبي شعبة، في أواسط المائة الثانية، وهذا البيت بيت كبير نبغ فيه محدثون كبار، منهم الحسن بن علي(المعروف بابن شعبة) من علماء القرن الرابع مؤلف " تحف العقول ".

وكان في حلب سادات آل زهرة وكانوا نقباء، وخرج منهم جملة من العلماء منهم السيد أبوالمكارم: صاحب " الغنية " وقبره بسفح جبل " جوشن " إلى اليوم، وذرية بني زهرة موجودة إلى الآن في قرية الفوعة من قرى حلب(١) .

وقد طلع من تلك المدينة في القرنين الرابع والخامس فحول من فقهاء الشيعة نذكر أسماء بعضهم:

١ - علي بن الحسن بن شعبة، من أعلام القرن الرابع، مؤلف " تحف العقول ".

٢ - أبوالصلاح تقي الدين، مؤلف كتاب " الكافي "(٣٧٤ - ٤٤٧ ه‍).

٣ - حمزة بن علي بن زهرة(٥١١ - ٥٨٥ ه‍) صاحب غنية الزوع.

٤ - السيد جمال الدين أبوالقاسم عبدالله بن علي بن حمزة(٥٣١ - ٥٨٠) أخو أبي المكارم حمزة بن علي.

إلى غيرهم من الفطاحل الاعلام الذين أنجبتهم تلك التربة الخصبة بالفكر والفضيلة.

____________________

(١) دائرة المعارف الشيعية: ج ٣ ص ١٧ - ٣٦.

٨

الماع إلى كتاب إشارة السبق: الكتاب مجموعة من المعارف والاحكام وقد بسط الكلام في الاول واختصر في الثاني، فحرر أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وختم الكلام مشعرا بأنه قد فرغ عما قصده، ويعرب أن الكتاب كان رسالة علمية للمؤلف وقد كتبه بصورة واضحة وإن كانت براهينه في المعارف مشرقة عالية لايتحملها إلا الامثل فالامثل.

وقد بذل الشيخ الفاضل المحقق إبراهيم البهادري المراغي(حفظه الله ورعاه) جهودا في تحقيق نص الكتاب وعرضه على النسخ المختلفة وعلق عليه في موارد إما إيضاحا للمطلب، أو إيعازا إلى المصدر.

وأما النسخ التي تم عمل التطبيق عليها فإليك بيانها:

١ - النسخة المطبوعة ضمن " الجوامع الفقهية " عام ١٢٧٦ ه‍ وجعلها الاصل الذي جرت عليها عملية التطبيق يرمز إليها ب‍ " ج ".

٢ - صورة فتوغرافية من نسخة المكتبة الرضوية في مشهد يرمز إليها ب‍ " أ ".

٣ - نسخة ناقصة من أولها وآخرها توجد في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي ضمن مجموعة برقم ١٢٧٢ يرمز إليها ب‍ " م ".

- سلسلة الينابيع الفقهية يرمز إليها ب‍ " س ".

٥ - نسخة خامسة توجد في مكتبة جامعة طهران أشار اليها في فهرس المكتبة، الجزء الخامس الصفحة ١٧٧٦ برقم ٩٢٠ ولم يتوفق المحقق للاستفادة منها.

٩

وختاما، نرجو من الله سبحانه أن يتغمد المؤلف الفقيه برحمته الواسعة ويوفق المحقق للاعمال الصالحة الاخرى.

كما نرجو منه سبحانه أن يوفق المسلمين للعودة إلى أحضان الفقه الاسلامي، والاخذ بأحكام الشريعة في جميع المجالات، ونبذ القوانين الوضعية الكافرة المستوردة.

وقد تم تحقيق الكتاب في مؤسسة الامام الصادق - عليه السلام - وقامت بنشره مؤسسة النشر الاسلامي المعروفة بكثرة الانتاج العلمي والخدمات الفكرية.

حيا الله رجال العلم والفقه، وأبطال الاجتهاد في أمتنا الاسلامية المجيدة.

قم - مؤسسة الامام الصادق - عليه السلام - جعفر السبحاني تحريرا في ٨ جمادى الاولى من شهور عام ١٤١٤

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما عم من نعمه، وخص من عوارف جوده وكرمه، وصلاته على سيدنا محمد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم المؤيد بإعجاز وحيه(١) وكلمه، النافذ أمره في عروب الوجود وعجمه، وعلى أهل بيته خزان علمه وحكمه، وحفاظ عهده وذممه.

وبعد، فقد أشرت إلى تحرير مايجب اعتقاده عقلا، والعمل به شرعا ; إشارة تعم باشتمالها(٢) على أركان كل واحد من التكليفين(٣) نفعا، وتفيد من وعاها وآثرها ضبطا وجمعا.ومن الله أستمد المعونة على ما يرضيه، والمثوبة على ما أعبده من الحق وأيد به(٤) .

إن الذي يجب اعتقاده من الاركان الاربعة التي هي: التوحيد والعدل والنبوة والامامة، هو مايعم تكليفه ولا يسع جهله، مما جملته كافية أهل الجمل

____________________

١ - كذا في " أ " ولكن في " ج " " وصيه ".

٢ - في " أ ": تعم لها باشتمالها.

٣ - في " أ ": من المتكلفين.

٤ - كذا في " أ " ولكن في " ج ": على ما أعده وأيد به.

١١

دون النظار وأهل التفاصيل.

وذلك مما(١) لايتم ثبوت كل واحد من هذه الاركان إلا بثبوته ومازاد على ذلك مما يتنوع من المباحث العقلية، ويتفرع من الدقائق الكلامية لا يلزم أصحاب علم الجملة، ولا هو من تكليفهم، بل هو من تكاليف النظار المفصلين ولوازمهم، وربما أن فيه ماليس بلازم لهم، بل هو مما قد تلزموا به، إما ديانة وتحقيقا، وإما فضيلة وتدقيقا.

ولما كانت جملة هذا التكليف التي لابد منها ولاغنى عنها، يقل(٢) رسمها، لسهولتها وتفاصيلها التي تكلفها النظار يكثر رقمها، ويطول شرحها لصعوبتها، كانت الاشارة إلى ذلك، بحيث لاتفريط في إيراد مايفيد علمه، ويعود نفعه وفهمه، ولا إفراط فيما يتسع نظمه، ويكشف حجمه أجود ما عول عليه المستفيد، وأجرى(٣) مانحاه واستزاد به المستزيد، فخير الامور أوسطها، وهو ماسلكته في هذه الاشارة.

أما الكلام في ركن التوحيد

فهو في إثبات صانع العالم سبحانه، ومايستحقه من الصفات نفيا وإثباتا، وذلك يترتب على حدوث العالم.

وبرهانه: لو كان قديما لوجب وجوده فيما لم يزل، وذلك يحيد صحة(٤) تنقل جواهره الآن، وهو محال، ولو لم يكن محدثا لم تكن أجسامه مختصة بالحوادث التي

____________________

١ - في " أ ": وذلك ما.

٢ - في " أ ": " بعد " بدل " يقل ".

٣ - في " ج ": أجدى.

٤ - في " أ ": وذلك يحيل صحة.

١٢

هي ملازمة لها غير منفكة عنها، واختصاصها على الوجه الذي لايصح حلوها في وجودها منها حاصل، وكلما لا يخلو من المحدث ولا يسبقه في وجوده، فهو محدث.

ولو صح خلو جسم من تعاقب الصفات الموجبة عن الاكوان اللازمة له في وجوده عليه، لم يكن معقولا فضلا عن أن يكون موجودا، لانه قلب لجنسه المقطوع على استحالته، وإذا لم يعقل(١) خلو الاجسام من الحوادث الملازمة لها في وجودها فلابد من كونها محدثة مثلها، وتناهي الحوادث مقطوع عليه بأنه إذا ثبتت لآحادها الاولية فلابد من ثبوتها لمجموعها، وإلا فإثباتها حوادث مع نفي تناهيها متناقض، وثبوت حدوثه دال على إثبات محدثه، لكونه ترجيحا لوجوده على عدمه، وترجيح أحد الجائزين على الآخر لابد له من مرجح.

وعلى كونه فاعلا مختارا لان الموجب يستحيل تخلف معلوله عنه، فإن كان قديما أدى إلى التباس الاثر بالمؤثر، واحتياج كل واحد منهما إلى الآخر في نفس ما احتاج الآخر إليه فيه، وإن كان محدثا احتاج إلى محدث، ويلزم على كليهما الدور والتسلسل.

وإذا ثبت كونه تعالى فاعلا مختارا، وجب كونه قادرا، لانه قد صح منه الفعل المتعذر على غيره، وكل من صح منه ذلك، لابد أن يكون قادرا.وعالما، لانه أحكم أفعاله وأتقنها، إحكاما يتعذر على غيره، وذلك لا يتأتى إلا من عالم.

وحيا، لانه قد صح كونه قادرا عالما، لا بل قد وجب(٢) ، وصحته فضلا عن

____________________

١ - في " أ ": لم تعقل.

٢ - أي قد وجب كونه قادرا عالما.

١٣

وجوبه لايثبت إلا لحي(١) .وموجودا، لانه أثر ما لايعقل(٢) كونه أثر المعدوم، ولان له تعلقا بمقدوراته ومعلوماته يرجع إلى ذاته وثبوته مع انتفاء الوجود محال.وقديما لما ثبت، من انتهاء الحوادث إليه ومن تأثيره ما يتعذر على كل مؤثر سواه.وسميعا بصيرا، بمعنى أنه حي لا آفة به، لما ثبت من كونه كذلك.

وهذه صفات ذاته الثبوتية التي يستحقها أزلا وأبدا، لانها واجبة له لا لموجب(٣) لانه لو صح إسنادها إلى موجب زائد على ماهو عليه في ذاته، لكان إما قديما، فتلزم المماثلة، وقد ثبت أنه لا مثل له تعالى من حيث إنه لا ثاني له في القدم، وإما محدثا فيتوقف إحداثه على كونه محدثه أولا، ويلزم الدور، فكانت واجبة لما هو عليه في ذاته فيما لم يزل، واستحال بذلك خروجه عنها فيما لايزال.

وهو تعالى مدرك للمدركات إذا وجدت، لاقتضاء كونه حيا لا آفة به ذلك، وإدراك المعدوم(٤) لا بمعنى كونه معلوما، بل بمعنى كونه مسموعا مبصرا محال.

وهذه الصفات(٥) المقتضاة عن صفة الذات فيه سبحانه وعن صفة المعنى في غيره، واجبة له، لا على الاطلاق بل بشرط منفصل.ومريد وكاره، لجواز تقديمه من أفعاله أو تأخيره ما لاخفاء في جواز

____________________

١ - هذا ما أثبتناه وفهمناه من سياق العبارة، وأما النسخ التي بأيدينا فهنا مختلفة ففي " ج ": لايثبت إلى الحي، وفي " أ ": لا بل قد وجب عن وجوبه لا يثبت لحي.

٢ - في " أ ": لايعتقد ".

٣ - في " أ ": لا الموجب.

٤ - في " ج ": وادراك المعدوم.

٥ - في " ج ": وهذه الصفة.

١٤

العكس فيه، فلولا المخصص لم يكن لتقديم ما قدم وتأخير ما أخر وجه، ولان العالم بعله وغرضه به يخصه مع خلوه من السهو والغفلة، وكونه مخلا بينه وبين الارادة يجب كونه مريدا.

وهذه حاله سبحانه، فهو مريد على الحقيقة، ولانه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية، فلولا أنه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه، لم يتميز الامر ولا النهي من غيرهما، ولا كان لكونه آمرا وناهيا وجه، ويستحيل استحقاقهما لذاته وإلا لزم قدم المرادات واجتماع المتضادات للذات ولمعنى قديم، لانه لا قديم سواه، ولمعنى محدث حاله فيه، لاستحالة كونه محلا للحوادث وفي غيره، لوجوب رجوع حكمه إليه إن كان حيا واستحالته في الجماد، فلابد من وجودهما لافي محل.وما(١) لايجوز عليه تعالى مما يجب نفيه عنه، فمنه مالفظه ومعناه يفيد السلب، وهو نفي المائية(٢) المحكية عن ضرار بن عمرو(٣) لانه لا حكم يدل على ثبوتها ولا طريق إلى صحتها، والاصح إثبات الكيفية والكمية، وهو جهالة، ونفي الجسمية والجوهرية والعرضية، لما ثبت من قدمه وحدوث ذلك أجمع، فلولا استحالة كونه بصفة شئ منها لوجب حدوثه أو قدمها، لثبوت المشاركة في الحقيقة، ولانه فاعل مافعل من ذلك اختراعا، فلو كان مثلها تعذر عليه إنشاؤها واختراعها، كما تعذر على غيره.

____________________

(١) في " ج ": ومما.

٢ - ويحتمل أن يكون المقصود " الماهية " والمآل واحد.

٣ - هو صاحب مذهب الضرارية من فرق الجبرية، كان في بدء أمره تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلي ثم خالفه في خلق الاعمال وانكار عذاب القبر.وذهب إلى أن لله تعالى ماهية لايعرفها غيره يراها المؤمنون بحاسة سادسة.

الفرق بين الفرق ص ٢١٤ تأليف عبدالقاهر البغدادي.

١٥

ونفي الرؤية بالابصار والادارك بسائر الحواس، لانه لو صحت رؤيته آجلا لوجبت عاجلا، لان الرؤية إذا صحت وجبت، وإذا لم تجب استحالت وفي استحالتها الآن وجوب استحالتها هناك، ولانه ليس بمقابل ولا حال فيه ولا في حكمه، فلا يعقل كونه مرئيا ولا محسوسا، وقد تمدح بنفي الرؤية عنه تمدحا عاما، فإثباتها نقص لتمدحه، لاطراد ذلك في كلما تمدح بنفسه، كالسنة والنوم وغيرهما.

ونفي الاتحاد، لانه إن أريد به الحلول، فهو من خصائص الاعراض، أو المجاورة، فهو من لوازم الاجسام، وكلاهما مستحيل عليه، وإن أريد به غيرهما لم يكن معقولا.ونفي الاختصاص بالجهات والحلول في المحال بمثل ماذكرناه.

ومنه مالفظه ثبوتي ومعناه سلبي، وهو كونه غنيا، لانه حي يستحيل عليه(١) الحاجة التي لا وجه لثبوتها إلا اجتلاب المنافع ودفع المضار المترتبين على ثبوت الملاذ والآلام المصححة للشهوة والنفار المختصين بالاجسام.

فلما استحال ذلك عليه مع كونه حيا، استحال كونه محتاجا، وثبت أنه غني.

وكونه واحدا لاثاني له في القدم، لانه لو كان له ثان، لجاز وجود أحدهما مع عدم الآخر، أما في الزمان أو المكان أو المحال، لثبت لهما ما به تتميز الذاتان من الذات الواحدة، وتأتي ذلك في القديم غير معقول، ولانه لا طريق إلى إثبات الثاني من نفس الفعل ولا من واسطته(٢) ، وإثبات ما لا طريق إلى إثباته جهالة، ولان إثباته مكاف لاثبات مازاد عليه، وفيه ارتفاع الفرق وامكانه بين الحق والباطل، وهو محال، فإذا انتفى عنه الثاني - شريكا كان أو نظيرا - ثبتتت وحدانيته، والسمع كاف في الدلالة على ذلك.

____________________

١ - في " ج ": مستحيل عليه.

٢ - في " أ ": من واسط.

١٦

أما الكلام في ركن العدل

فإنه يترتب على أصلين:

أحدهما إثبات التحسين والتقبيح العقليين، لانه قد ثبت عموم العلم بمسحنات ومقبحات، لا يقف العلم بحسنها وقبحها على ماوراء كمال العقل، ولا يمكن الخروج عنه معه، فلولا أنه من جملة علومه، لم يكن لجميع(١) ذلك وجه، ولا تأثير لامر ولا نهي، في حسن مأمور ولا قبح منهي، لانهما لو أثرا لتوقف العلم بحسن ما حسنته العقول، وقبح ما قبحته على ورودهما فيستحيل الجميع(٢) ، لما فيه من الدور، وكان لا يقبح منه تعالى تصديق الكذابين، الذي لو جاز عليه لم يبق طريق إلى العلم بصدق الانبياء - عليهم السلام - ولا بصحة الشرائع، وما بصحة مدوله فساد دليله إلا غير خاف الفساد(٣) .

وثانيهما: إثبات إقداره تعالى على ماله صفة القبيح(٤) ، لان استناد كونه قادرا إلى ماهو عليه في ذاته، يقتضي عموم تعلق قادريته بكل مقدور على الوجه الذي لايتناهى.

ومن جملة المقدورات القبيح، فيجب كونه قادرا عليه، ولان القبيح مقدور لنا، لصحة وقوعه منا، وهو آكد حالا منا في كون قادرا، فلا وجه لكونه غير قادر عليه، كما لاوجه لاختصاص قادريته بمقدور دون غيره.

وحينئذ يجب كونه متنزها عن فعل القبيح، لانه عالم لا يجهل، وغني لايحتاج، فهو عالم بقبحه، واستغنائه

____________________

١ - في " أ ": بجميع.

٢ - في " أ ": فيستحيل الجمع.

٣ - هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر أن لفظة " إلا " زائدة.

٤ - في " أ ": صفة القبح.

وكذا فيما يأتي.

١٧

عنه، ومع ثبوت ذلك لايجوز أن يختار فعله، لانه لا يكون إلا لداع، وهو أما جهل بقبحه، أو حاجة إليه(١) ، ومع استحالتهما وثبوت داعي الحكمة الذي لا يتقدر له داع سواه(٢) ، لابد من كونه متعاليا عنه(ولان وجه حسن الفعل داع إليه ووجه قبحه صارف عنه)(٣) إذا المخبر فيهما مع علمه بهما لغرض مستوفي كليهما لايختار إلا الحسن الذي وجه حسنه داع له إلى فعله، وإن جاز عليه خلافه، فأولى بذلك من لا يجوز عليه ماينافي داع الحكمة ولا مايخالفه.

ولانه لو جاز منه وقوع القبيح لسمي بأسمائه التي إطلاقها تابع لوقوعه، فكما استحال أن يسمى بشئ منها(٤) يكون وقوع القبيح منه أولى بالاستحالة وعن إرادته، لانه تابعة المراد، فمتى كان قبيحا كانت هي أيضا قبيحة، فلما لم يجز عليه فعله لم يجز منه إرادته، ولانه لا فاعل لارادته سبحانه سواه، فلو جاز أن يريد القبيح، كان على الحقيقة فاعلا له، وذلك مناف لحكمته التي يستحيل منافاتها ولانه ناه عنه، لكونه كارها له، فلو أراده كان على الشئ وحده وعن الامر به لقبحه ولمنافاته لما ثبت من حكمته، ولاستحالة كونه آمرا بما ثبت كونه عنه ناهيا، مع اتحاد الوقت والمأمور، فإنه لا يأمر إلا بما يريد، كما لاينهى إلا عما يكره.

وقد ثبت بذلك تنزهه عن كلما يتبع إرادة القبيح من مشيته ومحبته والرضى به، إذ كل واحد من ذلك إرادة مخصوصة، وعن قضائه وقدره، لوجوب الرضى بهما، والصبر عليهما، مع قبح الرضى والصبر مما ليس بحسن(٥) ، ولانه لو جاز أن

____________________

١ - في " ج ": أو حاجته إليه.

٢ - كذا في " ج " ولكن في " أ ": وثبوت داعي الحكمة الذي لا يتعذر له سواه.

٣ - مابين القوسين موجود في " أ ".

٤ - في " أ ": شيئا منها.

٥ - في " أ ": أو الصبر بما ليس بحسن.

١٨

يقضي ويقدر شيئا من القبيح كان العبد بذلك معذورا غير ملوم، كما لاملامة عليه في كل ماقضاه وقدره من أفعاله سبحانه وكانت حجة العباد عليه(١) ، لاستحالة خروجهم عن قضائه وقدره، فلا يبقى له في كل ما احتج به عليهم حجة، ولا وجه مع ذلك لبعثة نبي ولا إنزال كتاب ولا نصب دلالة ولا أمر ولا نهي.

والوجه في جميع ذلك ظاهر، وأفعاله سبحانه كلها مقضية مقدرة(٢) لكونها حكمة وصوابا وصلاحلا، سواء ظهر الوجه فيها مفصلا أو مجملا أو لم يظهر، فإنه يجب إلحاق ماخفي وجهه منها بما ظهر ذلك فيه، وحمل الجميع على الاصل المقرر بأدلته، لاستحالة تنافي مدلول الادلة.

ومن جملة صفاته الفعلية كونه تعالى متكلما، لاستحالة أن يكون الكلام ذاتيا أو معنويا، لانه لا حكم لذلك، فلا طريق إليه، ولو كان كذلك وجب شياع كلامه في كل مايصح أن يسمى كلاما، من كذب وغيره، فلا يوثق مع ذلك بخطابه، لانسداد طريق العلم القطعي بصدقه وصدق أنبيائه، فلا معنى لكونه متكلما إلا ماهو معقول من كونه فاعلا.

وقد تبين بذلك حدوث كلامه كحدوث جميع أفعاله.

ويزيده بيانا أنه مؤلف من الحروف والكلمات التي لافائدة فيها إلا باختلافها وترتيبها في تقديم بعضها على بعض، وباشتماله على البداية والنهاية والتجزئ والانقسام الذي هو من خصائص الحدوث، لاستحالة جميع ذلك على القديم، وكل مايقع من العباد

____________________

١ - في " أ ": وكان حجة لعباد عليه.

٢ - في " أ ": مقتضية مقدورة.

١٩

من فعلهم باطنا وظاهرا منسوب إليهم لا إليه لوجوب(١) وقوعه بحسب الداعي والارادة، وانتفائه بحسب الصارف والكراهة، فلو لم يكن فعلا ممن وقع منه لم يجب ذلك، وجاز خلافه، كما لا يجب في كل ما ليس من فعلهم ذلك، لظهور الفرق بينهما، ولان وجوب استحقاقهم المدح على فعل، والذم على آخر كاشف عن كونهم فاعلين وإلا لم يكن لهذا الاستحقاق وجه، كما لاوجه له في كل ما لا تعلق لهم بفعله، ولانهم مأمورون ومنهيون، مرغبون بالمثوبة على امتثال ما أمروا به، مرهبون بالعقوبة على مخالفتهم، فلولا أنهم ممكنون من ذلك، لم يكن لجميعه وجه، ولان نفي كونهم فاعلين يسد طريق العلم بإثبات الفاعل مطلقا، وثبوت الفعل مع انتقاء الفاعل مما لايعقل، لكونه جهالة.وقد ظهر بذلك أن أفعالهم ليست مخلوقة فيهم، ويزيدة ظهورا أنه يستحيل وقوع الفعل الواحد بفاعلين، كما يستحيل وقوع مقدور الواحد بقدرتين، لاستحالة كون الشئ الواحد موجودا معدوما، واقعا مرتفعا، في حالة واحدة، فيتحقق بذلك بطلان الكتب، وإن كان غير معقول، لكون العلم بكل واحد من صحته وحقيقته موقوفا بالعلم على الآخر، مع أنه إن كان نفس الفعل فهو واقع بفاعله، وإن كان وجهه الذي يقع عليه فهو تابع لاختيار الفاعل وقصده، لاستحالة تجرده عن ذات الفعل وماهيته، فلا معنى لكون العبد مكتسبا إلا كونه فاعلا، وليس في العقلاء من يسند الفعل الواحد إلى فاعلين: أحدهما محمود، وهو الخالق، والآخر مذموم، وهو العبد المكتسب، إلا المجبرة والمجوس.وإذا ثبت كون العباد فاعلين ثبت كونهم قادرين، لاستحالة وقوع المقدور

____________________

١ - في " ج ": بوجوب.

٢٠