النهاية الجزء ١

النهاية5%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 235882 / تحميل: 6806
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

كتاب الطهارة

باب ماهية الطهارة وكيفية ترتيبها

الطّهارة في الشّريعة اسم لما يستباح به الدّخول في الصّلاة. وهي تنقسم قسمين: وضوء وتيمّم. ومدارهما على أربعة أشياء: أحدهما وجوب الطّهارة، وثانيها ما به تكون الطّهارة، وثالثها كيفيّة الطّهارة، ورابعها ما ينقض الطّهارة.

فأمّا العلم بوجوبها فحاصل لكلّ أحد خالط أهل الشّرع ولا يرتاب أحد منهم فيه.

والعلم بما فيه تكون الطّهارة فينقسم قسمين: أحدهما العلم بالمياه وأحكامها وما يجوز الطّهارة به منها وما لا يجوز، والثّاني العلم بما يجوز التّيمّم به وما لا يجوز.

وامّا العلم بكيفيّة الطّهارة فينقسم قسمين: أحدهما العلم بالطّهارة الصّغرى وكيفيّتها، والثاني العلم بالطّهارة الكبرى من الأغسال وأحكامها.

وامّا القسم الرّابع وهو ما ينقض الطّهارة فهو أيضا على ضربين: أحدهما ينقض الطّهارة الصّغرى ولا يوجب الكبرى،

١

والثاني ينقضها ويوجب الطّهارة الكبرى.

والذي يتبع الطّهارة ممّا يحتاج الى العلم به، للدّخول في الصّلاة وإن لم يقع عليه اسم الطّهارة، العلم بإزالة النّجاسات من البدن والثياب، لانّه لا يجوز الدّخول في الصّلوة مع نجاسة على البدن أو الثّوب كما لا يجوز الدّخول في الصّلاة مع عدم الطّهارة ونحن نرتّب ذلك على حسب ما تقتضيه الحاجة إليه، إن شاء الله.

امّا العلم بوجوب الطّهارة فقد بيّنا حصوله لا محالة، فلأجل ذلك لم نشرع فيه.

وامّا ما به تقع الطّهارة من المياه وغيرها فيجب ان يكون العلم به مقدّما على العلم بكيفيّة إيقاعها، فلأجل ذلك بدأنا به في أوّل الكتاب، ثمَّ نذكر بعد ذلك ما وعدنا من الأقسام الأخر، إن شاء الله.

باب المياه وأحكامها

وما يجوز الطهارة به منها وما لا يجوز، وبيان ما يقع فيها ممّا يغيّر حكم الطّهارة منها وما يرفع ذلك الحكم عنها.

الماء كلّه طاهر ما لم يقع فيه نجاسة تفسده. وهو على ضربين: طاهر مطهّر وطاهر ليس بمطهّر.

٢

فأمّا الماء الطّاهر الّذي ليس بمطهّر، فالمياه المضافة، مثل ماء الباقلاء وماء الآس وماء الورد. وهذه المياه لا يجوز استعمالها في شي‌ء من الطّهارات ولا في إزالة النّجاسات من البدن والثّياب. ولا بأس في الشّرب وغيره ما لم يقع فيها شي‌ء من النّجاسة فإن وقع فيها شي‌ء من النّجاسة فلا يجوز استعمالها إلّا عند الضرورة والخوف من تلف النفس.

وامّا الطاهر المطهّر فهو كل ما يستحقّ إطلاق اسم الماء من غير إضافة. وهو على ضربين: جار وراكد.

فالمياه الجارية كلّها طاهرة مطهّرة لا ينجّسها شي‌ء ممّا يقع فيها من النّجاسات إلّا ما يغيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. فإنّه متى تغيّر شي‌ء من أوصافها المذكورة بما يقع فيها من النّجاسات فلا يجوز استعمالها في الطهارة.

والمياه الرّاكدة على ثلاثة أقسام: مياه الغدران والقلبان والمصانع، ومياه الأواني المحصورة، ومياه الآبار.

فامّا مياه الغدران والقلبان فإن كان مقدارها مقدار الكرّ وحدّ الكرّ ثلاثة أشبار ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا، أو يكون مقداره ألفا ومأتي رطل بالعراقيّ فإنّه لا ينجّسها شي‌ء ممّا يقع فيها من النّجاسات إلّا ما غيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. فإن تغيّر أحد أوصافها بما يقع فيها من النجاسة، فلا يجوز استعمالها على حال. وإن

٣

كان تغيّرها من قبل نفسها أو بما يلاقيها من الأجسام الطّاهرة، فإنّه لا بأس باستعمالها ما لم يسلبها إطلاق اسم الماء، وإن غيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. وإن كان مقدارها أقلّ من الكرّ فإنّه ينجّسها كلّ ما يقع فيها من النجاسات. ولا يجوز استعمالها على حال. ويكره استعمال هذه المياه مع وجود المياه الجارية والمياه المتيقّن طهارتها.

ولا تنجّس مياه الغدران بولوغ السّباع والبهائم والحشرات وسائر الحيوان فيها إلّا الكلب خاصّة والخنزير، فإنّه ينجّسها إن كان دون الكرّ. وان كانت زائدة على الكرّ فليس به بأس.

وأمّا مياه الأواني المحصورة فإن وقع فيها شي‌ء من النّجاسة أفسدها ولم يجز استعمالها. وان كان ما يقع فيها طاهرا، فلا بأس باستعمالها ما لم يسلبها إطلاق اسم الماء وإن غيّر لونها أو طعمها أو رائحتها. فلا بأس باستعمال المياه وان كانت قد استعملت مرّة أخرى في الطّهارة، إلّا أن يكون استعمالها في الغسل من الجنابة أو الحيض، أو ما يجري مجراهما، أو في إزالة النجاسة. ولا بأس للرجل ان يستعمل فضل وضوء المرأة وكذلك المرأة لا بأس لها ان تستعمل فضل وضوء الرجل.

ولا بأس بأسئار المسلمين واستعمال ما شربوا منه في الطّهارة سواء كان رجلا أو امرأة. ويكره استعمال سؤر الحائض إن كانت متّهمة. وإذا كانت مأمونة فلا بأس به. ولا يجوز استعمال أسئار

٤

من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفّار. وكذلك أسئار الناصب لعداوة آل محمّدعليهم‌السلام . ولا بأس بسؤر كلّ ما يؤكل لحمه من سائر الحيوان. ولا بأس باستعمال سؤر البغال والحمير والدواب والهرّ وغير ذلك إلّا الكلب خاصّة والخنزير. وكذلك لا بأس بأسئار الطّيور كلّها إلّا ما أكل الجيف أو كان في منقاره أثر دم.

وماء الحمّام سبيله كسبيل الماء الجاري إذا كانت له مادّة من المجرى. فإن لم يكن له مادّة فهو على طهارته ما لم تعلم فيه نجاسة. فإن علمت فيه نجاسة أو أدخل يده فيه يهوديّ أو نصراني أو مشرك أو ناصب ومن ضارعهم من أصناف الكفّار، فلا يجوز استعماله على حال. وغسالة الحمّام لا يجوز استعماله على حال.

ومتى ولغ الكلب في الإناء نجس الماء ووجب إهراقه، وغسل الإناء ثلاث مرّات: إحداهنّ وهي الأولى بالتّراب. وكذلك كلّ إناء وقع فيها نجاسة وجب إهراق ما فيها من الماء وغسلها ثلاث مرات، غير أنّه لا يعتبر غسلها بالتّراب، إلّا في ولوغ الكلب خاصّة. وقد روي أنه يكفي إهراق ما فيها وغسل الإناء مرّة واحدة. والأحوط ما قدّمناه. ومتى مات في الآنية حيوان له نفس سائلة، نجس الماء ووجب إهراقه وغسل الإناء حسب ما قدّمناه. والفأرة إذا ماتت في الإناء وجب إهراق ما فيها وغسل

٥

الإناء سبع مرّات، وكذلك حكم الخمر. وكلّ ما يقع في الماء فمات فيه ممّا ليس له نفس سائلة، فلا بأس باستعمال ذلك الماء الّا الوزغ والعقرب خاصّة، فإنّه يجب إهراق ما وقع فيه وغسل الإناء حسب ما قدّمناه. وإذا وقعت الفارة والحيّة في الآنية أو شربتا منها ثمَّ خرجا حيّا، لم يكن به بأس.

والأفضل ترك استعماله على حال. والوزغ إذا وقع في الماء ثمَّ خرج منه، لم يجز استعماله على حال. وإذا كان مع الإنسان إناءان أو ما زاد عليهما، ووقع في أحدهما نجاسة ولم يعلمه بعينه، وجب عليه إهراق جميعه والتّيمّم للصّلاة، إذا لم يقدر على غيره من المياه الطّاهرة.

وأمّا مياه الآبار فإنّها تنجس بكلّ ما يقع فيها من النّجاسات ولا يجوز استعمالها قبل تطهيرها. فإن وقع في البئر خمر أو فقّاع أو شراب مسكر أو منيّ أو دم حيض أو بعير فمات فيه، وجب نزح الماء كلّه. فإن تعذّر ذلك عليه، يتراوح على نزحه أربعة رجال من الغداة إلى العشيّ يتناوبون عليه. وإن مات فيه إنسان، وجب أن ينزح منه سبعون دلوا. وإن مات فيه حمار أو بقرة أو دابّة، وجب أن ينزح منه كرّ من ماء إذا كان الماء أكثر من كرّ. فإن كان أقلّ منه، وجب نزح جميعه. فإن مات فيها كلب أو شاة أو ثعلب أو سنور أو غزال أو خنزير، وما أشبهها، نزح منها أربعون دلوا. وقد روي أنّه إذا وقع فيها

٦

كلب وخرج منها حيّا. نزح منه سبع دلاء، فإن مات فيها حمامة، أو دجاجة وما أشبهها، نزح منها سبع دلاء. فإن ماتت فيها فارة، نزح منها ثلاث دلاء إذا لم تتفسّخ. فإن تفسّخت، نزح منها سبع دلاء. فإن مات فيها عصفور وما أشبهه، نزح منها دلو واحد. وإذا بال فيها رجل، نزح منها أربعون دلوا. فإن بال فيها صبيّ، نزح منها سبع دلاء. فإن كان رضيعا لم يأكل الطّعام، نزح منها دلو واحد، فإن وقعت فيها عذرة وكانت رطبة، نزح منها خمسون دلوا. وإن كانت يابسة، نزح منها عشر دلاء. فإن وقع فيها حيّة أو وزغة أو عقرب فماتت فيها، نزح منها ثلاث دلاء. وإن ارتمس فيها جنب، نزح منها سبع دلاء. فإن وقع فيها دم وكان كثيرا، نزح منها خمسون دلوا. وإن كان قليلا، نزح منها عشر دلاء. وكلّ ما أكل لحمه من الحيوان والبهائم والطّيور، فإنّه لا بأس بروثه وذرقه، إذا وقع في الماء، إلّا ذرق الدّجاج خاصّة، فإنّه إذا وقع في البئر، وجب نزح خمس دلاء منها. ومتى وقع شي‌ء من النّجاسة في البئر، أو مات فيها شي‌ء من الحيوان، فغيّر لونه أو طعمه أو رائحته، وجب نزح جميع ما فيها من الماء. فإن تعذّر ذلك، نزح منها إلى أن يرجع إلى حال الطّهارة.

وهذه المياه الّتي ذكرناها، متى لحقها حكم النّجاسة، فلا يجوز استعمالها في الوضوء والغسل معا، ولا غسل الثّوب ولا

٧

في إزالة النّجاسة، ولا في الشّرب. فمن استعملها في الوضوء أو الغسل أو غسل الثّوب ثمَّ صلّى بذلك الوضوء وفي تلك الثياب، وجب عليه إعادة الوضوء والغسل وغسل الثّوب بماء طاهر وإعادة الصّلاة، سواء كان عالما في حال استعماله لها أو لم يكن، إذا كان قد سبقه العلم بحصول النّجاسة فيها. فإن لم يتيقن حصول النّجاسة فيها قبل استعمالها، لم يجب عليه إعادة الصّلاة، ووجب عليه ترك استعمالها في المستقبل، اللهمّ إلّا أن يكون الوقت باقيا، فإنّه يجب عليه غسل الثّوب وإعادة الوضوء وإعادة الصّلاة. فإن كان قد مضى الوقت لم يجب عليه إعادة الصّلاة.

فإن استعمل شي‌ء من هذه المياه النّجسة في عجين يعجن به ويخبز، لم يكن به بأس بأكل ذلك الخبز، لأنّ النّار قد طهّرته.

ولا بأس باستعمال هذه المياه في الشّرب عند الضّرورة إليها، ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

ومتى لم يجد الإنسان لطهوره سوى هذه المياه النّجسة، فليتيمّم ويصلّ ولا يتوضّأ بذلك الماء.

ومتى حصل الإنسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يعرف به الماء لوضوءه، فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج إليه، وليس عليه شي‌ء. فإذا أراد الغسل للجنابة، وخاف إن نزل إليها فساد الماء، فليرشّ عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه،

٨

ثمَّ ليأخذ كفّا كفّا من الماء فليغتسل به.

ويستحبّ أن يكون بين البئر الّتي يستقى منها وبين البالوعة سبعة أذرع، إذا كانت البئر تحت البالوعة وكانت الأرض سهلة، وخمسة أذرع إذا كانت فوقها. وإن كانت الأرض صلبة، فليكن بينها وبين البئر خمسة أذرع من جميع جوانبها.

ويكره استعمال الماء الذي أسخنته الشّمس في الأواني في الوضوء والغسل من الجنابة. ولا بأس بالوضوء أو الغسل من العيون الحميّة، ولا بأس أيضا لشرب منها، ويكره التّداوي بها.

باب آداب الحدث وكيفية الطهارة

إذا أردنا أن نبيّن كيفيّة الطّهارة، فالواجب أن نبيّن آداب ما يتقدمها من الأحداث، ثمَّ نتبعها بذكر كيفيّتها وترتيبها وأحكامها.

فإذا أراد الإنسان الحدث، فليستتر عن النّاس بحيث لا يراه أحد. وإذا أراد الدّخول إلى المكان الّذي يتخلّى فيه، فليدخل رجله اليسرى قبل اليمنى، فليقل: « بسم الله وبالله، أعوذ بالله من الرّجس النّجس الخبيث المخبّث الشيطان الرجيم » وليغطّ رأسه. فإذا أراد القعود لحاجته، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، إلّا أن يكون الموضع مبيّنا على وجه لا يتمكن

٩

فيه من الانحراف عن القبلة. ولا يستقبل الشّمس ولا القمر ولا يستقبل الرّيح بالبول. ولا يتغوّط على شطوط الأنهار، ولا في المياه الجارية ولا الرّاكدة. ولا يبولنّ فيهما. فإن بال في المياه الجارية أو تغوّط فيها، لم يفسد ذلك الماء. ولا يتغوّط أيضا في أفنية الدّور، ولا تحت الأشجار المثمرة، ولا مواضع اللّعن، ولا في‌ء النزّال، ولا المواضع الّتي يتأذّى المسلمون بحصول النّجاسة فيها. ولا يطمح ببوله في الهواء. ولا يبولنّ في جحرة الحيوان، ولا في الأرض الصّلبة. وليطلب موضعا مرتفعا من الأرض يجلس عليه.

فإذا فرغ من حاجته وأراد الاستنجاء فليستنج فرضا واجبا. ويجزيه أن يستنجي بثلاثة أحجار إذا نقي الموضع بها. فإن لم ينق بها، زاد عليها. فإن نقي بواحدة، استعمل الثّلاثة سنّة. ولا يستعمل الأحجار التي استعملت في الاستنجاء مرّة أخرى، ولا يستنج بالعظم ولا بالروث. ويجوز استعمال الخزف بدلا من الأحجار.

وإن استعمل الماء بدلا من الأحجار كان أفضل. فإن جمع بينهما، كان أفضل من الاقتصار على واحد منهما.

فإذا استنجى بالماء، فليغسل موضع النّجو إلى أن ينقي ما هناك. وليس لما يستعمل من الماء حدّ محدود.

فإذا فرغ من غسل موضع النّجو وأراد غسل الإحليل، فليمسح بإصبعه من عند مخرج النّجو إلى أصل القضيب ثلاث مرّات،

١٠

ثمَّ يمرّ إصبعيه على القضيب وينتره ثلاث مرّات. وليغسل إحليله بالماء. ولا يجوز الاقتصار على غيره مع وجود الماء. وأقلّ ما يجزي من الماء لغسله مثلا ما عليه من البول. وإن زاد على ذلك كان أفضل.

وليس على الإنسان استنجاء من شي‌ء من الأحداث إلّا من البول والغائط حسب ما قدّمناه. وإذا بال، فليس عليه الّا غسل مخرج البول، وليس عليه استنجاء.

ولا يجوز الاستنجاء باليمين إلّا عند الضّرورة. ولا يستنجي باليسار وفيها خاتم عليه اسم من أسماء الله تعالى وأسماء أنبيائه أو أحد من الأئمّةعليهم‌السلام . وإن كان في يده شي‌ء من ذلك أو خاتم فصه من حجر زمزم، فليحوّله.

ولا يقرأ القرآن وهو على حال الغائط سوى آية الكرسيّ. ويجوز له أن يذكر الله تعالى فيما بينه وبين نفسه. فإن سمع الأذان، فليقل مع نفسه كما يسمعه استحبابا. ولا يستعمل السّواك، ولا يتكلّم وهو على حال الغائط، إلّا أن يدعوه إلى الكلام ضرورة.

ويستحب له أن يغسل يده قبل إدخالها الإناء من حدث الغائط مرّتين، ومن النّوم والبول مرّة، ومن الجنابة ثلاث مرّات. فإن لم يفعل ذلك لم يكن عليه شي‌ء. وجاز استعمال ذلك الماء، اللهمّ إلّا أن تكون على يده نجاسة، فيفسد بذلك الماء، إلّا أن

١١

يزيد على الكرّ، ولا يحمل شيئا من النّجاسة.

فإذا فرغ من الاستنجاء، قام من موضعه ومسح يده على بطنه وقال: « الحمد لله الّذي أماطا ـ عنّي الأذى وهنّأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى ».

فإذا أراد الخروج من الموضع الّذي تخلّى فيه، فليخرج رجله اليمنى قبل اليسرى، وليقل: « الحمد لله الذي عرّفني لذّته، وأبقى في جسدي قوّته، وأخرج عنّي أذاه. يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة! لا يقدر القادرون قدرها ».

فإذا أراد أن يتوضّأ وضوء الصّلاة، فليجعل الإناء على يمينه، وليقل إذا نظر إليها: « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا »، ثمَّ يقول: « بسم الله وبالله » ويأخذ كفّا من الماء فيتمضمض به ثلاثا ويقول: « اللهمّ لقّني حجّتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك » ويأخذ كفّا آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول: « اللهمّ لا تحرمني طيّبات الجنان واجعلني ممّن يشم ريحها وروحها وريحانها ».

ثمَّ يأخذ كفّا آخر فيضعه على جبهته فيغسل به وجهه. وحدّه من قصاص شعر الرّأس إلى محادر شعر الذّقن طولا، ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا. فما خرج من ذلك. فليس من الوجه، ولا يجب غسله ولا مسحه. ثمَّ يأخذ كفّا آخر فيغسل به وجهه ثانيا على ما وصفناه.

١٢

ثمَّ يأخذ كفّا آخر فيضعه على مرفقه الأيمن فيغسل به يده مرّة إلى أطراف الأصابع ويغسل معه المرفق، ثمَّ يغسله دفعة أخرى بكفّ آخر من الماء يضعه على باطن ذراعه فيغسلها من المرفق إلى أطراف الأصابع.

ثمَّ يغسل يده اليسرى مرّتين كما يغسل يده اليمنى.

ثمَّ ليمسح بباقي نداوة يده من قصاص شعر الرّأس مقدار ثلاث أصابع مضمومة.

ثمَّ ليمسح ظاهر قدميه بما بقي فيهما من النّداوة إلى الكعبين. وهما النّابتان في وسط القدم. ولا يستأنف لمسح الرّأس والرّجلين ماء جديدا.

والمرأة تفعل في وضوئها مثل ما ذكرناه، إلّا أنّها تبتدي في غسل يديها بباطن ذراعيها. والرّجل يبتدي بظاهرهما. ويجوز لها أن لا تضع قناعها في صلاة الظّهر والعصر والعشاء الآخرة، بل تدخل أصابعها تحت القناع. ولا بدّ لها من وضع القناع في صلاة الغداة والمغرب.

والمضمضة والاستنشاق سنّتان، وليسا بفرضين، لا في الوضوء ولا في الغسل من الجنابة، ولا يكونان أقلّ من ثلاث مرّات. وما قدّمناه من التّسمية على حال الطّهارة والدّعاء عند غسل الأعضاء، فمندوب إليه، لا يخلّ تركه بالطّهارة. إلّا أن يكون تاركه مهملا سنّة ومضيّعا فضيلة. وغسل الوجه مرّة واحدة فريضة، ومرّتين

١٣

سنّة وفضيلة. فمن زاد على المرّتين، فقد أبدع، وكذلك غسل اليدين. ولا يستقبل الشّعر في غسل اليدين بل يبدأ من المرفق، ولا يجعله غاية ينتهي إليها في غسلهما.

والمسح بالرّأس لا يجوز أقلّ من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار. فإن خاف البرد من كشف الرأس. أجزأه مقدار إصبع واحدة. ولا يستقبل أيضا شعر الرّأس في المسح، ولا يمسح بالرّأس أكثر من مرّة واحدة. ولا يجوز المسح على الأذنين. فمن مسحهما، كان مبدعا. ولا يجوز المسح على العمامة ولا القلنسوة ولا غيرهما ممّا يغطّي الرّأس. فمن مسح على شي‌ء من ذلك فلا طهارة له.

والمسح على الرّجلين، بالكفّين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. فإن بدأ من الكعبين الى رؤوس الأصابع، فقد أجزأه. فإن اقتصر في المسح عليهما بإصبع واحدة، لم يكن به بأس، إلّا أن الأفضل ما ذكرناه.

ولا يجوز المسح على الخفّين ولا الجوربين. ولا بأس بالمسح على النّعل العربيّ، وإن لم يدخل يده تحت الشّراك. ولا يجوز المسح على غير العربيّ من النّعال ولا الخفّين. فمن فعل ذلك فلا طهارة له، إلّا في حال الضّرورة. لأنّ من خاف على نفسه في بعض الأحوال، من نزع الخفّين من عدوّ أو سبع أو برد شديد، فإنّه لا بأس بالمسح عليهما. ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

١٤

وأقلّ ما يجزي من الماء في الطهارة: كفّ للوجه وكفّان لليدين. والإسباغ يكون بمقدار مدّ من الماء. فإن لم يكن مع الإنسان إلّا كفّ واحد من الماء، قسّمه ثلاثة أقسام، واستعمله مثل الدّهن.

والنيّة في الطّهارة واجبة. ومتى نوى الإنسان بالطّهارة القربة، جاز أن يدخل بها في صلوات النّوافل والفرائض. ولا يحتاج الى استيناف الطّهارة للفرض.

والتّرتيب واجب في الطّهارة. فمن قدّم شيئا من أعضاء الطّهارة على شي‌ء، وجب عليه الرّجوع الى المؤخّر وغسله أو مسحه وتأخير ما قدّمه عليه. مثاله أن يغسل يده قبل وجهه، أو يمسح برأسه قبل غسل يديه، أو يمسح برجليه قبل مسح رأسه. فإنّه يجب أن يغسل وجهه ثمَّ اليدين، يقدّم غسل اليمين منهما على اليسار، ثمَّ يمسح برأسه ثمَّ يمسح برجليه. فإن خالف ما ذكرناه فلا طهارة له.

والموالات أيضا واجبة في الطّهارة، ولا يجوز تبعيضها، إلّا لعذر، فإنّ بعضها لعذر أو لانقطاع الماء عنه، جاز، إلّا أنّه يعتبر ذلك بجفاف ما وضّأه من الأعضاء، فإن كان قد جفّ، وجب عليه استيناف الوضوء. فإن لم يكن قد جفّ، بنى عليه ولم يجب عليه استيناف الطّهارة.

ولا يجوز غسل الرّجلين في الطّهارة لأجلها. فإن أراد الإنسان

١٥

غسلها للتّنظيف، قدّم غسلهما على الطّهارة، ثمَّ يتوضّأ وضوء الصّلاة. فإن نسي غسلهما حتّى ابتدئ بالطّهارة، أخّر غسلهما الى بعد الفراغ منها. ولا يجعل غسلهما بين أعضاء الطّهارة.

وإن كان في إصبع الإنسان خاتم أو في يده سير وما أشبهه، فليحرّكه ليصل الماء الى ما تحته. فإن كان ضيّقا، حوّله الى مكان آخر، وكذلك يفعل في غسل الجنابة.

ولا بأس ان يقع شي‌ء من الماء الذي يتوضّأ به على الأرض ويرجع على ثوبه أو يقع على بدنه. وكذلك إن وقع على ثوبه من الماء الذي يستنجي به، لم يكن به بأس. وكذلك، إن وقع على الأرض ثمَّ رجع اليه. اللهمّ إلّا ان يقع على نجاسة ثمَّ يرجع عليه، فإنّه يجب عليه غسل ذلك الموضع الذي أصابه ذلك الماء.

ولا بأس أن يمسح الإنسان أعضاء الطّهارة بالمنديل بعد الفراغ منها. فإن تركها حتّى يجفّ الماء، كان أفضل.

ولا بأس أن يصلّي الإنسان بوضوء واحد صلوات اللّيل والنّهار، ما لم يحدث أو يفعل ما يجب منه إعادة الوضوء. فإن جدّد الوضوء عند كلّ صلاة، كان أفضل.

وإن كان على أعضاء طهارة الإنسان جبائر أو جرح وما أشبهها، وكان عليه خرقة مشدودة، فإن أمكنه نزعها، وجب عليه أن ينزعها. فإن لم يمكنه، مسح على الخرقة. وإن كان جراحا، غسل ما حولها، وليس عليه شي‌ء.

١٦

ويكره أن يستعين الإنسان في وضوئه بغيره يصبّ عليه الماء. وينبغي أن يتولّاه هو بنفسه، فإنه أفضل، ومن وضأه غيره وهو متمكّن من توليه بنفسه، لم يجز ذلك عنه. فإن كان عاجزا عنه لمرض أو ما يقوم مقامه بحيث لا يتمكّن منه، لم يكن به بأس.

باب من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا أو شك فيها أو في شي‌ء منها ثمَّ صلى

من ترك الطّهارة متعمّدا أو ناسيا ثمَّ صلّى، وجبت عليه الطّهارة وإعادة الصّلاة. ومن شكّ في الوضوء والحدث وتساوت ظنونه، وجبت عليه الطّهارة. فإن صلى. والحال هذه، وجبت عليه إعادة الوضوء والصّلاة. ومن تيقّن الحدث، ثمَّ شكّ في الوضوء، وجب عليه الوضوء، ومن شك في الحدث، وهو على يقين من الوضوء، لا يجب عليه إعادة الوضوء.

فإن شكّ في الوضوء، وهو جالس على حال الوضوء لم يفرغ منه، وجب عليه استيناف الوضوء. فإن شكّ في الوضوء بعد انصرافه من حال الوضوء، لم يلتفت الى الشّك، وبنى على الوضوء، لأنّه ليس من العادة أن ينصرف الإنسان من حال الوضوء، إلّا بعد الفراغ من استيفائه على الكمال.

فإن ترك الاستنجاء متعمّدا بالماء أو الأحجار معا وصلّى، وجب عليه الاستنجاء وإعادة الصّلاة. وكذلك الحكم إن تركه

١٧

ناسيا ثمَّ تيقّن، وجب عليه ان يستنجي ويعيد الصّلاة. فإن كان قد استنجى وترك غسل إحليله من البول، وجب عليه غسل الإحليل، دون الاستنجاء ودون شي‌ء من أعضاء الطّهارة. فإن كان قد صلّى، وجب عليه إعادة الصّلاة.

ومن ترك عضوا من أعضاء الطّهارة متعمّدا أو ناسيا وصلّى ثمَّ ذكر، وجب عليه إعادة الوضوء والصّلاة. ومن شكّ في غسل الوجه وقد غسل اليدين، وجب عليه غسل الوجه ثمَّ غسل اليدين فإن شكّ في غسل اليدين وقد مسح برأسه، رجع، فغسل يديه، ثمَّ مسح برأسه فإن شكّ في مسح رأسه وقد مسح رجليه، رجع، فمسح رأسه، ثمَّ رجليه بما بقي في يديه من النّداوة. فإن لم يبق فيهما نداوة أخذ من أطراف لحيته أو من حاجبه أو من أشفار عينيه، ومسح برأسه ورجليه. فإن لم يبق في شي‌ء من ذلك نداوة، وجب عليه إعادة الوضوء. فإن انصرف من حال الوضوء وقد شكّ في شي‌ء من ذلك، لم يلتفت اليه، ومضى على يقينه.

باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه

الّذي ينقض الطّهارة: النّوم الغالب على السّمع والبصر، والمرض المانع من الذّكر، والبول، والغائط، والرّيح، والجنابة والحيض، والاستحاضة، والنّفاس، ومسّ الأموات من النّاس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل.

١٨

وليس ينقض الطّهارة شي‌ء سوى ما ذكرناه من مذي أو ودي أو قيح أو رعاف أو نخامة أو فتح جراح، أو مسّ ذكر أو دود خارج من إحدى السّبيلين، إلا أن يكون متلطّخا بالعذرة أو قي‌ء، قلّ ذلك أم كثر، ولا حلق شعر ولا مسّ شي‌ء من الزّهو مات ولا مسّ شي‌ء من النّجاسات ولا تقليم أظفار ولا قبلة ولا مسّ امرأة ولا استدخال أشياف ولا حقنة ولا خروجهما إلّا أن يكون ممزوجا بالعذرة.

ومن جملة ما ينقض الوضوء ما يوجب الغسل وهو خمسة أشياء: الجنابة والحيض والاستحاضة والنّفاس ومسّ الأموات. ونحن نبدأ بأحكامها ونرتّب الأوّل فالأوّل:

باب الجنابة وأحكامها وكيفية الطهارة منها

الجنابة تكون بشيئين: أحدهما إنزال الماء الدّافق في النّوم واليقظة وعلى كل حال. والآخر التقاء الختانين، سواء كان معه إنزال أو لم يكن.

وهذان الحكمان يشترك فيهما الرّجال والنّساء. فإن جامع امرأته فيما دون الفرج، وأنزل، وجب عليه الغسل، ولا يجب عليها ذلك. فإن لم ينزل، فليس عليه أيضا الغسل. فإن احتلم الرّجل أو المرأة فأنزلا، وجب عليهما الغسل. فإن لم ينزلا لم يجب عليهما الغسل.

١٩

ومتى انتبه الرّجل فرأى على فراشه منيّا ولم يذكر الاحتلام، وجب عليه الغسل. فإن قام من موضعه، ثمَّ رأى بعد ذلك عليه منيّا، فإن كان ذلك الثّوب أو الفراش ممّا يستعمله غيره، لم يجب عليه الغسل، وإن كان ممّا لا يستعمله غيره، وجب عليه الغسل.

ومتى خرج من الإنسان ماء لا يكون دافقا، لم يجب عليه الغسل ما لم يعلم إنّه مني. وإن وجد من نفسه شهوة، إلّا أن يكون مريضا. فإنّه يجب عليه حينئذ الغسل، متى وجد في نفسه شهوة، ولم يلتفت الى كونه دافقا وغير دافق. ومتى خرج منه ماء دافق، وجب عليه الغسل، وإن لم يكن عن شهوة.

ومتى حصل الإنسان جنبا بأحد هذه الأشياء، فلا يدخل شيئا من المساجد إلّا عابر سبيل، إلّا المسجد الحرام ومسجد المدينة، فإنّه لا يدخلهما على حال. ولا يضع فيه شيئا. وإن كان له فيه شي‌ء: جاز له أخذه، ولم يكن به بأس. وإن كان في المسجد الحرام أو مسجد النبيّ، فاحتلم، فليتيمم من موضعه، ثمَّ يخرج منه للاغتسال.

ولا يمسّ المصحف ولا شيئا فيه اسم من أسماء الله تعالى مكتوبا. ويقرأ من القرآن من أيّ موضع شاء ما بينه وبين سبع آيات، إلّا أربع سور: « سجدة لقمان » و « حم السجدة » و « النّجم » و « اقرأ باسم ربّك » وإن أراد أن يقرأ القرآن في

٢٠

المصحف، فلا يمسّ الكتابة. ويجوز له أن يمسّ أطراف الأوراق.

ويكره أن يأكل الجنب الطّعام أو يشرب الشّراب. فإن أرادهما، فليتمضمض أوّلا وليستنشق.

ويكره للمحتلم والجنب أن يناما قبل الاغتسال. فإن أرادا ذلك، توضّئا وناما الى وقت الاغتسال.

فإذا أراد الغسل من الجنابة فليستبرأ نفسه بالبول. فإن تعذّر عليه، فليجتهد. فإن لم يتأتّ له، فليس عليه شي‌ء. وكذلك تفعل المرأة. ثمَّ ليغسل يده قبل إدخالها الإناء ثلاث مرّات استحبابا. فإن لم يفعل فليس عليه شي‌ء، إلا أن يكون على يده نجاسة، فإنّه يفسد الماء إن كان قليلا على ما قدّمناه. ثمَّ ليغسل فرجه. وإن كان قد أصاب شيئا من جسده منيّ غسله أيضا. ثمَّ ليتمضمض وليستنشق ثلاثا سنّة. ثمَّ ليأخذ كفّا من الماء، فيضعه على أمّ رأسه، ويمسح يده عليه ويغسله، ويميّز الشّعر بأنامله حتّى يوصل الماء الى جميع أصول شعره، ويخلّل أذنيه بإصبعيه. ثمَّ يأخذ كفّا ثانية وثالثة، فيغسل بهما رأسه حسب ما قدّمناه، فإذا فرغ من غسل رأسه ثلاث مرّات بثلاث أكفّ من ماء أو ما زاد عليه، بدأ بوضع الماء على جانبه الأيمن مقدار ثلاث أكفّ من ماء أو ما زاد عليه. وليغسله إلى قدمه، ثمَّ ليغسل جانبه الأيسر مثل ذلك. ويوصل الماء الى جميع جسده، ولا يبقي شيئا منه على حال.

٢١

وأقلّ ما يجزئه من الماء للغسل ما يكون كالدّهن للبدن. وهذا يكون عند الضّرورة. والإسباغ يكون بتسعة أرطال من ماء. فإن استعمل أكثر من ذلك، جاز.

وإن ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه. ويكون ذلك في الماء الجاري، أو فيما زاد على الكرّ من الواقف، ولا يكون ذلك فيما هو أقلّ. وإن وقف تحت السّماء حتّى جاء عليه المطر وغسل بدنه، أجزأه.

والنيّة واجبة أيضا في الغسل من الجنابة.

ويجب أيضا فيه التّرتيب: يبدأ بغسل الرّأس ثمَّ بالجانب الأيمن ثمَّ بالأيسر. فإن قدّم مؤخّرا أو أخّر مقدّما، وجب عليه تقديم المؤخّر وتأخير المقدّم.

والموالاة ليست واجبة في الغسل من الجنابة. بل يجوز أن يغسل الإنسان رأسه بالغداة، ثمَّ يغسل سائر جسده وقت الظهر ما لم يحدث شيئا. فإن أحدث، وجب عليه إعادة جميع الغسل.

فإذا فرغ من الغسل ثمَّ وجد بعد فراغه عنه بللا، فإن كان قد استبرأ بالبول على ما قدّمناه، فليس عليه شي‌ء. فإن لم يكن قد استبرأ، فعليه إعادة الغسل. وإن كان قد اجتهد وتعرّض للبول، فلم يتأتّ له ذلك واغتسل، ثمَّ وجد بللا بعد ذلك، لم يجب عليه إعادة الغسل.

وغسل المرأة كغسل الرجل سواء. ويستحبّ لها أن تحلّ

٢٢

شعرها إن كان مشدودا. وإن لم تفعل، فليس به بأس، إلّا أن يمنع من إيصال الماء إلى أصول شعرها، فإنّه يلزمها حينئذ حلّ شعرها ليصل الماء إلى أصله.

فإن كان على الرّجل خاتم أو على المرأة دملج أو سير وما أشبهها، فليوصل الماء إلى ما تحت ذلك. فإن لم يمكن ذلك إلّا بنزعه، نزعاه. وإن جري الماء تحت قدم الجنب، فقد أجزأه. وإن لم يجر، وجب عليه غسله. ولا بأس ان يختضب الجنب، واجتنابه أفضل.

وليس على المغتسل من الجنابة وضوء لا قبله ولا بعده. فإن توضّأ قبله أو بعده معتقدا بأنّ الغسل لا يجزيه، كان مبدعا. وكلّ ما عدا غسل الجنابة في الأغسال، فإنّه يجب تقديم الطّهارة عليه أو تأخيرها. وتقديمها أفضل، إذا أراد الدّخول به في الصّلاة. ولا يجوز الاقتصار على الغسل. وإنّما ذلك في الغسل من الجنابة حسب. وإن لم يرد الصّلاة في الحال، جاز أن يفرد الغسل من الوضوء، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

باب حكم الحائض والمستحاضة والنفساء واغسالهن

الحائض هي التي ترى الدّم الحارّ الأسود الذي له دفع. وبهذه الصّفات يتميّز من دم الاستحاضة والعذرة والقرح وغيرها. فإن اشتبه دم الحيض بدم العذرة، فلتدخل المرأة قطنة: فإن

٢٣

خرجت منغمسة بالدّم فذلك دم حيض، وإن خرجت متطوّقة فذلك دم العذرة. وإن اشتبه عليها دم الحيض بدم القرح، فلتدخل إصبعها: فإن كان الدّم خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح، وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض.

ودم الاستحاضة أصفر بارد. والصّفرة في أيّام الحيض حيض، وفي أيّام الطّهر طهر. فإن اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة، فلتعتبر بالصّفات التي ذكرناها. فإن اشتبه عليها وكانت ممّن لها عادة بالحيض، فلتعمل في أيّام حيضها على ما عرفت من عادتها، وتستظهر بيوم أو يومين، إذا كان عادتها في الحيض أقلّ من عشرة أيّام. فإن كان عادتها عشرة أيّام، فليس عليها استظهار، بل تغتسل.

فإن كانت امرأة لها عادة، إلّا أنّها اختلطت عليها العادة واضطربت وتغيّرت عن أوقاتها وأزمانها: فكلّما رأت الدّم تركت الصّوم والصّلاة، وكلّما رأت الطّهر صلّت وصامت إلى أن ترجع إلى حال الصّحّة. وقد روي أنّها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر، ثمَّ تفعل ما تفعله المستحاضة.

فإن كانت المرأة مبتدأة في الحيض، ولم يمكنها تميّز دم الحيض من غيره، واستمرّ بها الدّم، فلترجع إلى عادة نسائها في أيّام الحيض، وتعمل عليها. فإن كنّ نسائها مختلفات العادة أو لا يكون لها نساء، فلتترك الصّلاة والصّوم في كلّ شهر سبعة

٢٤

أيّام، وتصلّي وتصوم ما بقي، ثمَّ لا يزال هذا دأبها إلى أن تعلم حالها وتستقرّ على حال.

وقد روي أنّها تترك الصّلاة والصّوم في الشّهر الأوّل عشرة أيّام، وتصلّي عشرين يوما، وهي أكثر أيّام الحيض. وفي الشّهر الثّاني تترك الصّوم والصّلاة ثلاثة أيّام، وتصلّي وتصوم سبعة وعشرين يوما، وهي أقلّ أيّام الحيض. والروايتان متقاربتان.

وتستقرّ عادة المرأة بأن يتوالى عليها شهران ترى في كلّ واحد منهما الدّم أيّاما سواء، لا زيادة فيها ولا نقصان. فمتى ثبت لها ذلك جعلت ذلك عادتها وعملت عليه.

والحبلى إذا رأت الدّم في الأيّام التي كانت تعتاد فيها الحيض فلتعمل ما تعمله الحائض. فإن تأخّر عنها الدّم بمقدار عشرين يوما ثمَّ رأته، فإنّ ذلك ليس بدم حيض، فلتعمل ما تعمله المستحاضة. ونحن نبيّن حكمها إن شاء الله.

فإذا حاضت المرأة، فيجب عليها أن تعتزل الصّلاة، وتفطر الصّوم. وتتوضّأ عند كلّ صلاة، وتحتشي، وتجلس في مصلّاها، فتذكر الله تعالى بمقدار زمان صلواتها. وإن سمعت سجدة القرآن، لا يجوز لها ان تسجد. ولا تدخل المسجد إلّا عابرة سبيل، ولا تضع فيه شيئا. ويجوز لها أن تتناول منه. ولا بأس أن تقرأ القرآن ما عدا العزائم الأربع. ولا تمسّ

٢٥

المصحف ولا شيئا فيه اسم الله تعالى.

وأقلّ الحيض ثلاثة أيّام، وأكثره عشرة أيّام. فإن رأت المرأة الدّم يوما أو يومين، فلتترك الصّلاة والصّوم. فإن رأت الدّم اليوم الثالث أو في ما بعدهما إلى اليوم العاشر، فذلك دم حيض. فإن لم تر بعد ذلك إلّا بعد انقضاء العشرة الأيّام، فإن ذلك ليس بدم حيض، ووجب عليها قضاء الصّلاة والصّوم فيما تركته. فإن رأت الدّم بعد عشرة أيّام فذلك ليس بدم حيض، وربّما كان دم استحاضة، ونحن نبيّن حكمه إن شاء الله.

ولا يجوز للرجل مجامعة امرأته وهي حائض في الفرج. وله مجامعتها فيما دون الفرج ومضاجعتها وملامستها بما دون الجماع فإذا انقطع عنها الدّم، فالأولى لزوجها ألّا يقربها حتّى تغتسل. فإن غلبته الشّهوة، أمرها بغسل فرجها، ثمَّ يطأها إن شاء. ومتى وطئها في أوّل حيضها، تصدّق بدينار قيمته عشرة دراهم جياد. وإن وطئها في وسطه، تصدّق بنصف دينار، وإن وطئها في آخره، تصدق بربع دينار. كلّ ذلك ندبا واستحبابا، فإن لم يتمكّن، فليس عليه شي‌ء. وليستغفر الله ولا يعود.

فإذا انقطع الدّم عن المرأة ولم تعلم أهي بعد حائض أم لا، فلتدخل قطنة: فإن خرجت وعليها شي‌ء من الدّم فهي بعد بحكم الحائض، وإن خرجت نقيّة فليست بحكم الحائض فلتغتسل. هذا إذا كان انقطاع الدّم فيما دون العشرة الأيّام. فأمّا إذا زاد

٢٦

على ذلك، فقد مضى حيضها على كلّ حال.

وإذا طهرت واغتسلت، وجب عليها قضاء الصّوم، ولا يلزمها قضاء الصلاة، فإن رأت الدّم وقد دخل وقت الصلاة ولم تكن قد صلّت، وجب عليها قضاء تلك الصلاة عند اغتسالها من الحيض. وإن طهرت في وقت صلاة، وأخذت في تأهّب الغسل، فخرج وقت تلك الصلاة، لم يجب عليها القضاء. وإن توانت عن الاغتسال حتّى خرج وقتها، وجب عليها القضاء. وإن طهرت بعد زوال الشّمس إلى بعد دخول وقت العصر، وجب عليها قضاء الصّلاتين معا. ويستحبّ لها قضاؤها إذا طهرت قبل مغيب الشّمس. وكذلك إن طهرت بعد مغيب الشمس الى نصف الليل، لزمها قضاء صلاة المغرب والعشاء الآخرة. ويستحبّ لها قضاء هاتين الصّلاتين، إذا طهرت قبل الفجر. ويلزمها قضاء الفجر، إذا طهرت قبل طلوع الشّمس على كلّ حال.

وإذا أصبحت المرأة صائمة ثمَّ حاضت، فلتفطر أيّ وقت رأت الدّم، وإن كان قبل غروب الشّمس بشي‌ء يسير، ثمَّ تقضي ذلك اليوم. والأفضل لها إذا رأت الدّم بعد العصر أن تمسك بقيّة يومها تأديبا، وعليها القضاء على كلّ حال. وإذا أصبحت حائضا ثمَّ طهرت، فلتمسك بقيّة يومها تأديبا، وعليها قضاء ذلك اليوم. وإذا أرادت المرأة الاغتسال من الحيض

٢٧

فلتبدأ بوضوء الصّلاة ثمَّ لتغتسل كما تغتسل من الجنابة: تبدأ بغسل رأسها ثمَّ بجانبها الأيمن ثمَّ بجانبها الأيسر حسب ما قدّمناه. وتستعمل في غسل الحيض تسعة أرطال من الماء. وإن زادت على ذلك، كان أفضل. وإن كان دون التّسعة أرطال، أو كان مثل الدّهن في حال الضّرورة، لم يكن به بأس، وأجزأها عن الغسل.

ويكره للمرأة أن تختضب وهي حائض. ولا بأس أن تكون مختضبة ثمَّ يجيئها الحيض.

والمستحاضة هي التي ترى الدّم الّذي وصفناه، أو تكون قد مضت عليها أيّام حيضها ثمَّ رأت بعد ذلك الدّم، فإنّه أيضا دم استحاضة وإن لم يكن بهذه الصفة. وكذلك إذا مضى عليها أكثر أيّام نفاسها، ثمَّ رأت الدّم. فإنّه أيضا دم استحاضة.

ومتى رأت هذا الدّم، وجب عليها أن تستبرأ نفسها بقطنة تحتشي بها. فإن خرج الدّم يسيرا ولم يترشّح على القطنة وجب عليها الوضوء لكلّ صلاة والاستبدال بالقطنة والخرقة. وإن رأت الدّم قد رشح على القطنة إلا أنّه لم يسل، وجب عليها الغسل لصلاة الغداة، والوضوء لكلّ صلاة ممّا عداها، وتغيير القطنة والخرقة. وإن كثر الدّم حتى سال على القطنة، وجب عليها في اليوم واللّيلة ثلاثة أغسال مع تغيير القطنة والخرقة عند كل غسل منها: أحدها لصلاة الظهر والعصر، تؤخّر الظّهر عن

٢٨

أول وقته وتصلّي في آخر الوقت وتصلّي العصر في أول وقته، وغسل للمغرب والعشاء الآخرة. تؤخر المغرب إلى آخر الوقت وتصلّي العشاء الآخرة في أوّل وقتها، تجمع بينهما في الحال، وغسل لصلاة الليل وصلاة الغداة، تؤخّر صلاة اللّيل إلى قرب الفجر وتصلّي صلاة الفجر في أوّل وقتها. هذا إذا كان عادتها صلاة الليل. فإن لم يكن ذلك عادتها لعذر بها، تغتسل لصلاة الغداة.

والمستحاضة لا يحرم عليها شي‌ء ممّا يحرم على الحائض، ويحلّ لزوجها وطؤها على كلّ حال إذا غسلت فرجها وتوضّأت وضوء الصّلاة، أو اغتسلت حسب ما قدّمناه. ولا يجوز لها ترك الصّلاة ولا الصّوم إلّا في أيّام كانت تعتاد فيها الحيض، فإنّه يجب عليها في هذه الأيّام ترك الصّلاة والصيام.

والنّفساء هي التي تضع الحمل وترى الدّم، فعليها ما على الحائض بعينه من ترك الصّلاة والصّوم وامتناع دخول المساجد ومسّ القرآن وما فيه اسم من أسماء الله تعالى، وغير ذلك، لا يختلف الحكم فيه. فإذا انقطع الدّم عنها، وجب عليها الاستبراء بالقطنة كما يجب على الحائض. فإن استمرّ بها الدّم، فعلت كما تفعله الحائض عشرة أيّام. فإن انقطع عنها الدّم، وإلّا فعلت ما تفعله المستحاضة.

ولا يكون حكم نفاسها أكثر من عشرة أيّام. وقد رويت

٢٩

روايات مختلفة في أقصى مدّة النفاس من ثمانية عشر يوما إلى عشرين وإلى ثلاثين وإلى أربعين وإلى شهرين. والعمل على ما قدّمناه.

وإذا أرادت النّفساء الغسل، تقدّم وضوء الصّلاة ثمَّ تغتسل كما تغتسل الحائض على السّواء. ويكره للنّفساء الخضاب كما يكره ذلك للحائض حسب ما قدّمناه.

باب تغسيل الأموات وتكفينهم وتحنيطهم وإسكانهم الأجداث

إذا أردنا أن نبيّن غسل الأموات، فالواجب أن نبيّن ما يتقدّم ذلك من السّنن والآداب. فإذا حضر الإنسان الوفاة، يستقبل بوجهه القبلة، ويجعل باطن قدميه إليها، ويلقّن الشهادتين والإقرار بالأئمّةعليهم‌السلام واحدا واحدا، ويلقّن أيضا كلمات الفرج. ولا يحضره جنب ولا حائض.

فإن تصعّب عليه خروج الرّوح، نقل الى مصلاه الذي كان يصلّي فيه في حياته، ويتلى القرآن عنده ليسهل الله تعالى عليه خروج نفسه.

فإذا قضى نحبه، فليغمض عيناه ويشد لحية ويمدّ ساقاه ويطبق فوه ويمدّ يداه إلى جنبه ويغطّى بثوب. وإن كان بالليل، أسرج عنده في البيت مصباح إلى الغداة. ولا يترك وحده، بل

٣٠

يكون عنده من يذكر الله تعالى.

وينبغي إذا مات الميّت أن يؤخذ في أمره عاجلا، ولا يؤخّر إلّا لضرورة تدعو إلى ذلك، ثمَّ يؤخذ في تحصيل أكفانه وحنوطه أوّلا.

والكفن المفروض ثلاثة أثواب، لا يجوز الاقتصار على أقلّ منها مع التمكّن. ونهايته خمسة أثواب لا يجوز الزيادة عليها. وهي لفّافتان: أحدهما حبرة يمنيّة عبريّة غير مطرّزة بالذّهب أو بشي‌ء من الإبريسم، وقميص وإزار وخرقة. فهذه الخمسة جملة الكفن. وتضاف إليها العمامة. وليست من الكفن، لأن الكفن هو ما يلفّ به جسد الميّت. هذا إذا كان الميّت رجلا. فإن كان امرأة، يستحبّ أن يزاد في أكفانها لفّافة أخرى ونمط. وإن اقتصر بها على مثل ما للرّجل، لم يكن به بأس. ولا يجوز أن يكفّن الميّت في شي‌ء من الحرير والإبريسم المحض، فإنّه محظور. ولا في الإبريسم المخلّط في الغزل مع الاختيار. ويكره أن يكفّن الميّت في الكتّان. وينبغي أن تكون الأكفان كلّها قطنا محضا.

وإن لم يكن للميّت ما يكفّن به من هذه الثّياب، وكانت له قميص مخيطة، فلا بأس أن يكفّن فيها إذا كانت نظيفة. ويقطع أزرارها ولا يقطع أكمامها. وإنّما يكره الأكمام فيما يبتدئ من القمصان.

٣١

فإذا حصلت الأكفان فلتفرش الحبرة على موضع نظيف. وينثر عليها شي‌ء من الذريرة المعروفة بالقمحة، ويفرش فوقها الإزار وينثر عليه شي‌ء من الذريرة، ويفرش فوق الإزار القميص.

ويستحبّ أن يكتب على الحبرة والإزار والقميص والعمامة: « فلان يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ أمير المؤمنين والأئمة من ولده بعده ـ يذكرون واحدا واحدا ـ أئمّته أئمّة الهدى الأبرار » ويكتب ذلك بتربة الحسينعليه‌السلام إن وجد. فإن لم يوجد، كتب بالإصبع. ولا يجوز أن يكتب ذلك بالسّواد.

وإن لم يكن للميّت حبرة يجعل بدلا منها لفّافة أخرى.

فإذا فرغ من تحصيل الكفن لفّ بجميعه وعزل.

ويستعد معه من الكافور الّذي لم تمسّه النّار وزن ثلاثة عشر درهما وثلث إن تمكّن من ذلك. وهي السّنّة الأوفى. فإن لم يتمكّن منه، فالأوسط وزن أربعة مثاقيل. فإن لم يتمكّن منه، فمقدار درهم. فإن لم يوجد أصلا، فما تيسّر. وإلّا دفن في حال الضرورة بغير كافور. ولا يكون مع الكافور مسك أصلا.

ويستعدّ أيضا شي‌ء من السّدر لغسل رأسه وجسده، وشي‌ء من الكافور للغسلة الثانية.

وتؤخذ أيضا جريدتان خضراوان من النّخل إن وجد منه. وإن لم يوجد، فمن السّدر. فان لم يوجد، فمن الخلاف. فان

٣٢

لم يوجد، فمن غيره من الشجر الرّطب. فإن لم يوجد أصلا، فلا بأس بتركه. ويكتب عليهما أيضا ما كتب على الأكفان، ويلفّ عليهما شي‌ء من القطن.

ويستعدّ مع ما ذكرناه مقدار رطل من القطن ليحشى به المواضع التي يخاف من خروج شي‌ء منها. فاذا فرغ من تحصيل أكفانه، فليأخذ في غسله أولى النّاس بالميّت أو من يأمره هو به. فلتوضع ساجة أو سرير مستقبل القبلة، ويوضع الميّت عليها مستقبل القبلة كما كان في حال الاحتضار.

ويحفر لمصبّ الماء حفيرة يدخل الماء إليها. فإن لم يمكن ودخل في البالوعة جاز. ويكره أن ينصبّ الماء الذي يغسل به الميّت في الكنيف. ولا يسخّن الماء لغسل الأموات إلّا أن يكون برد شديد يخاف الغاسل على نفسه من استعمال الماء، فإنّه يسخّن له.

ثمَّ يؤخذ السّدر فيطرح في إجّانة ويصبّ عليه الماء، ويضرب ضربا جيّدا حتّى يرغو، ثمَّ يؤخذ رغوته، فتطرح في موضع نظيف، حتّى يغسل به رأسه.

ثمَّ يؤخذ الميّت فيوضع على تلك السّاجة مستقبل القبلة حسب ما قدّمناه. ويستحبّ أن يكون ذلك تحت السّقف، ولا يكون ذلك تحت السماء. ثمَّ ينزع قميصه منه، يفتق جيبه وينزع من تحته، ويترك على عورته ما يسترها. ثمَّ تليّن أصابعه

٣٣

برفق. فإن امتنعت، تركت على حالها. ثمَّ يبدأ بفرجه فيغسل بماء السّدر والحرض ويغسل ثلاث مرّات، ويكثر من الماء، ويمسح بطنه مسحا رقيقا. ثمَّ يتحوّل الغاسل إلى رأسه فيبدأ بشقّه الأيمن من لحيته ورأسه، ثمَّ يثنّي بشقّه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فيغسله برفق ولا يعنف به، بل يغسله غسلا ناعما. ثمَّ يضجعه على شقّه الأيسر ليبدو له الأيمن، ثمَّ يغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات، ثمَّ يردّه على جنبه الأيمن حتّى يبدو له الأيسر، فيغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات، ويمسح يده على ظهره وبطنه. ثمَّ يردّه على قفاه، فيبدأ بفرجه بماء الكافور، فيصنع كما صنع أوّل مرّة، فيغسله ثلاث مرّات بماء الكافور، ويمسح يده على بطنه مسحا رقيقا. ثمَّ يتحوّل إلى رأسه فيصنع كما صنع أوّلا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه، فيغسله بماء الكافور ثلاث غسلات. ثمَّ يردّه إلى جانبه الأيسر حتّى يبدو له الأيمن من قرنه إلى قدمه فيغسله ثلاث غسلات، ويدخل يده تحت منكبه وذراعيه. ويكون الذراع والكفّ مع جنبه ظاهرة، كلّما غسلت شيئا منه دخلت يدك تحت منكبه، ومن باطن ذراعيه. ثمَّ تردّه على طهره وتغسله بماء قراح كما صنعت أوّلا: تبدأ بالفرج ثمَّ تتحوّل إلى الرأس والوجه، وتصنع كما صنعت أوّلا بماء قراح، ثمَّ الجانب الأيمن ثمَّ الأيسر تغسله من قرنه إلى قدمه كما غسلته في الغسلتين

٣٤

الأوليين.

وكلّما غسل الميّت غسلة، فليغسل الغاسل يديه إلى المرفقين، وليغسل الإجّانة بماء قراح، ثمَّ يطرح فيها ماء آخر للغسلة المستأنفة.

ولا يركب الميّت في حال غسله بل يكون على جانبه الأيمن، ولا يقعده ولا يغمز بطنه. وقد رويت أحاديث أنّه ينبغي أن يوضّأ الميّت قبل غسله، فمن عمل بها، كان أحوط.

فاذا فرغ من غسله، نشّف بثوب نظيف ثمَّ يأخذ في تكفينه، فيتوضّأ الغاسل أوّلا وضوء الصّلاة. وإن ترك تكفينه حتّى اغتسل كان أفضل، إلّا أن يخاف على الميّت من ظهور حادثة به.

ويغتسل الغاسل للميّت فرضا واجبا، وكذلك كلّ من مسّه بعد برده بالموت وقبل تغسيله، فإنّه يجب عليه الغسل.

فإذا فرغ منه، أخذ في تحنيطه، فيعمد إلى قطن، فيذر عليه شيئا من الذريرة، ويضعه على فرجيه قبله ودبره ويحشو القطن في دبره، لئلّا يخرج منه شي‌ء، ويأخذ الخرقة، ويكون طولها ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر إلى شبر ونصف، فيشدّها من حقويه ويضمّ فخذيه ضمّا شديدا، ويلفّها في فخذيه، ثمَّ يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، ويغمزها في الموضع الّذي لفّ فيه الخرقة، ويلفّ فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفّا شديدا، ثمَّ يأخذ الإزار فيوزره به. ويكون عريضا

٣٥

يبلغ من صدره إلى الرّجلين. فإن نقص عرضه عن ذلك، لم يكن به بأس.

ويعمد إلى الكافور، فيسحقه بيده ويضعه على مساجده على جبهته وباطن كفيه، ويمسح به راحتيه وأصابعهما، ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه. ولا يجعل في سمعه وبصره وفيه شيئا من الكافور. ولا يجعل فيها شيئا أيضا من القطن إلّا أن يخاف خروج شي‌ء منها، فإنّه لا بأس والحال هذه أن يجعل فيها شيئا من القطن. فإن فضل من الكافور شي‌ء، جعله على صدره ويمسح به صدره، ثمَّ يردّ القميص عليه.

ثمَّ يأخذ الجريدتين فيجعل إحديهما من جانبه الأيمن مع ترقوته ويلصقها بجلده ويضع الأخرى من جانبه الأيسر ما بين القميص والإزار.

ثمَّ يعمّمه فيأخذ وسط العمامة فيثنّيها على رأسه بالتّدوير، ويحنّكه بها ويطرح طرفيها جميعا على صدره، ولا يعمّمه عمّة الأعرابيّ.

ثمَّ يلفّه في اللّفّافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر. ثمَّ يضع بالحبرة أيضا مثل ذلك. ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه.

فاذا فرغ من جميع ما ذكرنا، فليحمله إلى قبره على سريرة. وأفضل ما يمشي المشيّع للجنازة، خلفها أو عن يمينها أو

٣٦

شمالها. فإن تقدّمها لعارض أو ضرورة، لم يكن عليه حرج. وإن كان لغير ضرورة، يكون قد ترك الأفضل، وليس عليه شي‌ء. ويكره لمن يشيّع جنازة أن يكون راكبا إلّا لضرورة تدعو الى ذلك.

ويستحبّ لمن يشيّع جنازة المؤمن أن يحمله من أربع جوانبه: يبدأ بمقدّم السّرير الأيمن، يمرّ عليه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر، ثمَّ يمرّ عليه حتّى يرجع إلى المقدّم كذلك دور الرّحا.

وينبغي أن يؤذّن المؤمنون بجنازة المؤمن إذا لم يعلموا ليتوفّروا على تشييعه. ويستحبّ لمن رأى جنازة أن يقول: « الحمد لله الّذي لم يجعلني من السّواد المخترم » ثمَّ يمرّ بها إلى المصلّى، فيصلّي على ما سنبيّنه إن شاء الله. ثمَّ يحمله إلى القبر.

فاذا دنا من القبر، وضعه دون القبر بمقدار ذراع، ثمَّ يمرّ بها إلى شفير القبر ممّا يلي رجليه في ثلاث دفعات إن كان رجلا. ولا يفدحه بالقبر دفعة واحدة.

وإن كانت امرأة، تركها على جانب القبر. ثمَّ ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي. ولا بأس أن يكون شفعا أو وترا. وإن كانت الميّت امرأة، لا ينزل إلى قبرها إلّا زوجها أو ذو رحم لها. فإن لم يكن أحد منهم، جاز أن ينزل إليه بعض الرّجال المؤمنين ويدفنها. وإن كان من ينزل إلى قبرها عند عدم ذوي أرحامها بعض النّساء المؤمنات، كان أفضل. وليتحفّ من ينزل إلى القبر ويكشف رأسه ويحلّ أزراره. ويجوز عند الضّرورة

٣٧

والتقيّة أن ينزل بالخفّين.

ثمَّ يؤخذ الميت من قبل الرّجلين في القبر، فيسلّ سلّا، فيبدأ برأسه، فيؤخذ. وينزل به القبر، ويقول عند معاينة القبر من يأخذه: « اللهم اجعلها روضة من رياض الجنّة، ولا تجعلها حفرة من حفر النّيران » ويقول إذا تناوله: « بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله. اللهمّ إيمانا بك وتصديقا بكتابك.( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ. وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) . اللهمّ زدنا إيمانا وتسليما ». ثمَّ يضجعه على جانبه الأيمن ويستقبل به القبلة، ويحلّ عقد كفنه من قبل رأسه ورجليه، ويضع خدّه على التّراب.

ويستحبّ أن يجعل معه شي‌ء من تربة الحسينعليه‌السلام . ثمَّ يشرّج عليه اللّبن ويقول من يشرّجه: « اللهمّ صل وحدته، وآنس وحشته، وارحم غربته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولّاه ».

ويستحبّ أن يلقّن الميّت الشّهادتين وأسماء الأئمّة عند وضعه في القبر قبل تشريح اللّبن عليه، فيقول الملقّن: « يا فلان ابن فلان اذكر العهد الّذي خرجت عليه من دار الدّنيا: شهادة أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين ـ ويذكر الأئمة إلى آخرهم ـ أئمتك أئمة الهدى الأبرار ».

٣٨

فإذا فرغ من تشريج اللّبن عليه، أهال التّراب عليه. ويهيل كلّ من حضر الجنازة استحبابا بظهور أكفّهم، ويقولون عند ذلك: «إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ .وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ . اللهمّ زدنا إيمانا وتسليما ». ولا يهيل الأب على ولده التّراب، ولا الولد على والده، ولا ذو رحم على ذي رحمه، وكذلك لا ينزل إلى قبره، فإنّ ذلك يقسي القلب.

فإذا أراد الخروج من القبر، فليخرج من قبل رجليه، ثمَّ يطمّ القبر، ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع. ولا يطرح فيه من غير ترابه. ويجعل عند رأسه لبنة أو لوح. ثمَّ يصبّ الماء على القبر، يبدأ بالصّبّ من عند الرّأس ثمَّ يدار من أربع جوانبه ثمَّ يعود إلى موضع الرّأس. فإن فضل من الماء شي‌ء، صبّ على وسط القبر. فإذا سوّى القبر وضع يده على القبر من أراد ذلك، ويفرّج أصابعه، ويغمزها فيه بعد ما نضح بالماء، ويدعو للميّت.

فإذا انصرف الناس عن القبر، يتأخّر أولى النّاس بالميّت، ويترحم عليه، وينادي بأعلى صوته إن لم يكن في موضع تقيّة: « يا فلان بن فلان: الله ربّك ومحمد نبيّك وعليّ إمامك والحسن والحسين ـ ويسمّي الأئمّة واحدا واحدا ـ أئمّتك أئمّة الهدى الأبرار ».

وإذا كان الميّت مجدورا أو كسيرا أو صاحب قروح أو محترقا ولم يخف من غسله، غسل. فإن خيف من مسّه، صبّ

٣٩

عليه الماء صبّا. فإن خيف أيضا من ذلك، يتيمّم بالتّراب.

وإن كان الميّت غريقا أو مصعوقا أو مبطونا أو مدّخنا أو مهدوما عليه، استبرئ بعلامات الموت. فإن اشتبه، ترك ثلاثة أيّام وغسل ودفن بعد أن يصلّى عليه.

فإن كان الميّت شهيدا، وهو أن يقتل بين يدي إمام عدل في نصرته أو بين يدي من نصبه الإمام، دفن بثيابه ولم يغسل، ويدفن معه جميع ما عليه ممّا أصابه الدّم، إلّا الخفّين. وقد روي أنّهما إذا أصابهما الدّم دفنا معه. وإن حمل من المعركة وبه رمق ثمَّ مات، نزعت عنه ثيابه، وغسل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ودفن. وكلّ قتيل سوى ذلك، فلا بدّ من غسله وتحنيطه وتكفينه. فإن كان المقتول قودا أو مرجوما، يومر بالاغتسال والتكفّن والتحنّط. ثمَّ يقام عليه الحد. فإذا وجد من المقتول قطعة، فإن كان فيها عظم، وجب غسلها وتحنيطها وتكفينها ودفنها. وإن كان موضع الصدر، وجب مثل ذلك أيضا والصّلاة عليها. ويجب على من مسّها الغسل. وكذلك إن كانت القطعة الّتي فيها العظم قطعت من الحيّ، وجب على من مسّها الغسل. وإن لم يكن فيها عظم، دفنت كما هو ولم تغسل، ولا يجب على من مسّها أيضا الغسل.

وإذا أراد الغاسل للمقتول غسله، بدأ بغسل دمه ثمَّ صبّ عليه الماء صبا. ولا يدلك جسده. ويبدأ بيديه ودبره. ويربط جراحاته

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793