النهاية الجزء ١

النهاية10%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225331 / تحميل: 6345
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بقيّة نهاره تأديبا، وعليه القضاء. وإن لم يكن قد فعل شيئا ممّا يفسد الصّيام، أمسك بقيّة يومه، وقد تمَّ صومه، وليس عليه القضاء.

باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذر

يكره للإنسان الخروج إلى السّفر في شهر رمضان إلّا عند الضّرورة الدّاعية له إلى ذلك من حجّ أو عمرة أو الخوف من تلف مال أو هلاك أخ أو ما يجري مجراه. فاذا مضى ثلاث وعشرون من الشّهر، جاز له الخروج إلى حيث شاء. ومتى خرج إلى السّفر، وكان سفره ممّا يجب عليه فيه التقصير في الصّلاة، وجب عليه الإفطار. وكلّ سفر لا يجوز له فيه التقصير في الصّلاة، لم يجز له التقصير في الصّوم. ومتى كان سفره أربعة فراسخ، ولم يرد الرّجوع فيه، لم يجز له الإفطار، وهو مخيّر في التقصير في الصّلاة حسب ما قدّمناه.

ومن صام في سفر، يجب عليه فيه الإفطار، وكان عالما بوجوب ذلك عليه، كان عليه الإعادة، ولم يجزه الصّوم. وان لم يكن عالما به، كان صومه ماضيا. وإذا خرج الرّجل إلى السّفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النّهار، وكان قد بيّت نيّته من اللّيل للسّفر، وجب عليه الإفطار. وان لم يكن

١٦١

قد بيّت نيّته من اللّيل، ثمَّ خرج بعد طلوع الفجر، كان عليه إتمام ذلك اليوم، وليس عليه قضاؤه. وإن خرج قبل طلوع الفجر، وجب عليه الإفطار على كلّ حال، وكان عليه القضاء. ومتى بيّت نيّته للسّفر من اللّيل، ولم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزّوال، كان عليه أن يمسك بقيّة النّهار، وعليه القضاء.

وإذا خرج الإنسان إلى السّفر، فلا يتناول شيئا من الطّعام أو الشّراب، الى أن يغيب عنه أذان مصره أو يتوارى عنه بلده. ولا ينبغي له أن يتملأ من الطّعام، ولا ان يتروّى من الشّراب. ولا يجوز له أن يقرب الجماع بالنّهار إلا عند الحاجة الشّديدة الى ذلك.

ويكره صيام النّوافل في السّفر على كلّ حال. وقد وردت رواية في جواز ذلك. فمن عمل بها لم يكن مأثوما، إلّا أن الأحوط ما قدّمناه.

وصيام الثلاثة أيام في الحجّ واجب في السّفر، كما قال الله تعالى:( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) وقد وردت الرّغبة في صيام ثلاثة أيام بالمدينة لصلاة الحاجة.

ومن كان عليه صيام فريضة: إمّا قضاء شهر رمضان، أو كفّارة ظهار. أو كفّارة قتل الخطإ، أو غيره من وجوه الصّيام المفروضة، لم يجز له أن يصومه في السّفر. فإن فعل

١٦٢

في السّفر شيئا يلزمه به الصّيام، انتظر قدومه إلى بلده، ولا يصوم في السّفر.

فإن أقام في بلد عشرة أيام فصاعدا، جاز له الصّيام.

وأمّا صيام النّذور، فإن كان النّاذر قد نذر أن يصوم أيّاما بأعيانها، أو يوما بعينه، ووافق ذلك اليوم أو الأيّام أن يكون مسافرا، وجب عليه الإفطار، وكان عليه القضاء. وكذلك إن اتّفق أن يكون ذلك اليوم يوم عيد، وجب عليه الإفطار، وعليه القضاء لذلك اليوم. وإن كان النّاذر نذر أن يصوم ذلك اليوم أو الأيّام على كلّ حال مسافرا كان أو حاضرا، فإنه يجب عليه الصّيام في حال السّفر.

باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه على العمد أو النسيان

من فاته شي‌ء من شهر رمضان لمرض أو سفر أو أحد الأسباب التي توجب الإفطار، فليقضه أيّ وقت تمكّن منه، ولا يقضه في سفر. ولا يبتدي بصوم تطوّع، وعليه شي‌ء من صيام شهر رمضان، حتّى يقضيه.

وإذا أراد قضاء ما فاته من شهر رمضان، فالأفضل أن يقضيه متتابعا. وإن فرّقه كان أيضا جائزا. فإن لم يتمكّن من سرده، قضى ستّة أيّام متواليات، ثمَّ قضى ما بقي عليه متفرّقا. وإن لم يتمكّن وفرّق جميعه، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه. ولا بأس أن يقضي ما فاته من شهر رمضان في أيّ شهر

١٦٣

كان. فإن اتّفق أن يكون مسافرا انتظر وصوله إلى بلده أو المقام في بلد أكثر من عشرة أيام. ثمَّ يقضيه إن شاء.

ومن أكل، أو شرب، أو فعل ما ينقض الصّيام، في يوم يقضيه من شهر رمضان، ناسيا، تمّم صيامه، وليس عليه شي‌ء. فإن فعله متعمّدا، وكان قبل الزّوال، أفطر يومه ذلك، ثمَّ ليقضه، وليس عليه شي‌ء. وإن فعل ذلك بعد الزّوال، قضى ذلك اليوم، وكان عليه إطعام عشرة مساكين. فإن لم يتمكّن، كان عليه صيام ثلاثة أيّام بدلا من الكفّارة. وقد رويت رواية: « أنّ عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان » والعمل ما قدّمناه. ويمكن أن يكون الوجه في هذه الرّواية: من أفطر هذا اليوم بعد الزّوال استخفافا بالفرض وتهاونا به، فلزمته هذه الكفّارة عقوبة وتغليظا، ومن أفطر على غير ذلك الوجه، فليس عليه إلّا الأوّل. وقد وردت رواية أخرى: « أنّه ليس عليه شي‌ء » ويمكن أن يكون الوجه فيها: من لم يتمكّن من الإطعام ولا من صيام ثلاثة أيّام، فليس عليه شي‌ء. ومتى أصبح الرّجل جنبا، وقد طلع الفجر عامدا كان أو ناسيا، فليفطر ذلك اليوم ولا يصمه ويصوم غيره من الأيّام.

ومن أصبح صائما متطوّعا، جاز له أن يفطر أيّ وقت شاء. فإذا صار بعد الزّوال، فالأفضل له أن يصوم ذلك اليوم، إلّا أن يدعوه أخ له مؤمن، فإن الأفضل له الإفطار.

١٦٤

ومن أصبح بنيّة الإفطار، جاز له أن يجدّد النيّة لقضاء شهر رمضان أو لصيام التطوع ما بينه وبين نصف النّهار. فإذا زالت الشّمس، لم يجز له تجديد النيّة.

والحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الأيّام من شهر رمضان. فإن كانت مستحاضة في شهر رمضان، صامت إلّا الأيّام التي كانت عادتها فيها الحيض. ثمَّ تقضي تلك الأيّام. ومتى أصبحت المرأة صائمة، ثمَّ رأت الدّم، فقد أفطرت. وإن كان ذلك بعد العصر أو قبل غيبوبة الشّمس بقليل، أمسكت، وعليها قضاء ذلك اليوم. ومتى أصبحت بنيّة الإفطار، ثمَّ طهرت في بقيّة يومها، أمسكت ما بقي من النّهار، وكان عليها القضاء. ومتى طهرت المرأة من الحيض أو النّفاس، ثمَّ استحاضت، وصامت، ولم تفعل ما تفعله المستحاضة، كان عليها قضاء الصّوم.

ومن أجنب في أوّل الشّهر، ونسي أن يغتسل، وصام الشّهر كلّه، وصلّى، وجب عليه الاغتسال، وقضاء الصّوم والصّلاة. والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أوّل الشّهر. ونوى الصّوم، ثمَّ أغمي عليه، واستمرّ به أيّاما، لم يلزمه قضاء شي‌ء فاته، لأنّه بحكم الصّائم. وإن لم يمكن مفيقا في أوّل الشّهر، بل كان مغمى عليه، وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا. وعندي أنّه لا قضاء عليه أصلا.

١٦٥

باب ما يجري مجرى شهر رمضان في وجوب الصوم وحكم من أفطر فيه على العمد والنسيان

الذي يجري مجرى ذلك: صيام شهرين متتابعين فيمن قتل خطأ إذا لم يجد العتق، وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظّهار على من لم يجد عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا إذا لم يعتق ولم يطعم. فمن وجب عليه شي‌ء من هذا الصّيام، وجب عليه أن يصومه متتابعا. فإن لم يتمكّن من صيامه متتابعا، صام الشّهر الأوّل ومن الشّهر الثّاني شيئا، ثمَّ فرّق ما بقي عليه. فإن أفطر في الشّهر الأوّل أو الثّاني قبل أن يصوم منه شيئا، كان عليه الاستيناف. اللهمّ إلّا أن يكون سبب إفطاره المرض أو شيئا من قبل الله تعالى، فإنّه يبني عليه على كلّ حال.

وليس على من وجب عليه صوم هذه الأشياء أن يصومه في السّفر، ولا أن يصوم أيّام العيدين ولا أيّام التّشريق إذا كان بمنى. فإن وافق صومه أحد هذه الأيّام، وجب عليه أن يفطر، ثمَّ ليقض يوما مكانه، إلّا أن يكون الذي وجب عليه الصّيام القابل في أشهر الحرم، فإنه يجب عليه صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم، وإن دخل فيها صيام يوم العيد وأيّام التّشريق. والمرأة إذا حاضت، وهي تصوم شهرين متتابعين، أفطرت أيّام

١٦٦

حيضها، ثمَّ لتقضها بعد انقضاء حيضها.

ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أوّل شعبان، فليتركه إلى انقضاء شهر رمضان، ثمَّ يصوم شهرين متتابعين. فإن صام شعبان ورمضان، لم يجزئه، إلّا أن يكون قد صام مع شعبان شيئا ممّا تقدّم من الأيّام، فيكون قد زاد على الشّهر، فيجوز له البناء عليه، ويتمّم شهرين.

ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا، فصام خمسة عشر يوما، وعرض له ما يفطر فيه، وجب عليه صيام ما بقي من الشّهر. وإن كان صومه أقلّ من خمسة عشر يوما كان عليه الاستيناف.

فأما صيام النّذر فقد بيّنّا حكمه فيما تقدّم. فمن أفطر في يوم قد نذر صومه متعمّدا، وجب عليه ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا. فان لم يتمكّن، صام ثمانية عشر يوما، أو تصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يستطع، استغفر الله، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر أن يصوم حينا من الزّمان، وجب عليه أن يصوم ستّة أشهر. فإن نذر أن يصوم زمانا، كان عليه أن يصوم خمسة أشهر.

ومن نذر أن يصوم بمكّة أو بالمدينة أو أحد المواضع المعيّنة شهرا بعينه، فحضره، وصام بعضه، ولم يتمكّن من المقام،

١٦٧

جاز له أن يخرج. فاذا رجع الى بلده، قضاه على التّمام.

ومتى عجز الإنسان عن صيام ما نذر فيه، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام.

وصوم كفّارة اليمين واجب أيضا. وهو ثلاثة أيام متتابعات. ولا يجوز الفصل بينهما بالإفطار. فمن فعل ذلك، استأنف الصّيام.

وصيام أذى حلق الرّأس واجب، إذا لم ينسك، ولم يتصدّق. وصيام ثلاثة أيّام لمن لم يجد دم المتعة في الحجّ متتابعات أيضا، وصوم جزاء الصّيد بحسب قيمة جزأيه وبحسب ما يلزمه من الصّيام.

وصوم الاعتكاف واجب أيضا، وسنفرد له بابا إن شاء الله.

باب صيام التطوع وما يكون صاحبه فيه بالخيار وصوم التأديب والاذن وما لا يجوز صيامه

صوم ثلاثة أيّام في الشّهر مستحب مندوب اليه مرغّب فيه. وهو أوّل خميس في العشر الأوّل، وأوّل أربعاء في العشر الثّاني، وآخر خميس في العشر الأخير. فينبغي أن لا يتركه الإنسان مع الاختيار. فإن لم يقدر على صيام هذه الأيّام في أوقاتها، جاز له تأخيرها من شهر إلى شهر، ثمَّ يقضيها. وكذلك لا بأس أن يؤخرها من الصّيف الى الشّتاء، ثمَّ يقضيها بحسب ما فاته. فان

١٦٨

عجز عن الصّيام، جاز له أن يتصدّق عن كلّ يوم بدرهم أو بمدّ من طعام. فإن لم يقدر على ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

ويستحبّ صيام الأربعة أيّام في السّنة، وهي: يوم السّابع والعشرين من رجب، وهو يوم مبعث النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوم السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل، وهو يوم مولده، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وهو يوم دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة، ويوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم الغدير، نصب فيه رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، إماما للأنام.

ويستحبّ صيام أوّل يوم من ذي الحجّة، وهو يوم ولد فيه إبراهيم الخليل،عليه‌السلام . ويستحبّ صيام رجب بأسره لمن تمكّن من ذلك. ومن لم يتمكّن، صام أوّل يوم منه، ويوم الثالث عشر منه، وهو يوم ولد فيه أمير المؤمنين،عليه‌السلام . ويستحبّ صيام شعبان وصلته بشهر رمضان. فمن صامه، ووصله بشهر رمضان، كان توبة من الله، ومن لم يتمكّن من صومه كلّه، صام منه ما استطاع.

والصّوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار، فيوم الجمعة والخميس وأيام البيض من كلّ شهر وستّة أيام من شوّال وصوم يوم عرفة ويوم عاشوراء.

وأما صوم الإذن، فلا تصوم المرأة تطوّعا إلا بإذن زوجها.

١٦٩

فان صامت من غير إذنه، جاز له أن يفطرها، ويواقعها. وإن كانت صائمة من قضاء شهر رمضان، لم يكن له ذلك. والعبد لا يصوم تطوّعا إلا بإذن مولاه. والضّيف لا يصوم تطوّعا إلا بإذن مضيفه.

وأمّا صوم التأديب، فأن يؤخذ الصّبيّ إذا راهق بالصّوم تأديبا، وليس بفرض. وكذلك من أفطر لمرض في أول النهار ثمَّ قوي بقيّة نهاره، أمر بالإمساك عن الطّعام والشّراب بقيّة يومه تأديبا، وليس بفرض وكذلك المسافر، إذا أكل من أوّل النّهار، ثمَّ قدم أهله، أمسك بقيّة يومه تأديبا. وكذلك الحائض إذا أفطرت في أوّل النّهار، ثمَّ طهرت في بقيّة يومها، أمسكت تأديبا، وعليها قضاؤه.

وأمّا الذي لا يجوز صيامه على حال: فيوم الفطر ويوم الأضحى، وثلاثة أيّام التّشريق لمن كان بمنى، وصوم يوم الشّكّ على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، وصوم الوصال وهو أن يجعل عشاءه سحوره، وصوم الصّمت، وصوم نذر المعصية، وصوم الدّهر.

باب الاعتكاف

الاعتكاف مستحبّ مندوب اليه مرغّب فيه. وأفضل ما يعتكف الإنسان فيه من الأوقات، العشر الأواخر من شهر رمضان. فإن اعتكف في غيرها، كان أيضا جائزا. وفيه فضل

١٧٠

كبير. والمواضع التي يجوز فيها الاعتكاف، كلّ مسجد جمّع الإمام العادل فيه بالنّاس صلاة جمعة يوم الجمعة، وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة. وقد روي في بعض الأخبار مسجد المدائن. والمعوّل على المساجد الّتي ذكرناها. ولا يجوز الاعتكاف فيما عدا هذه المساجد التي قدّمنا ذكرها.

ومتى أراد الإنسان الاعتكاف، فلا يعتكف أقلّ من ثلاثة أيّام، فإنه لا اعتكاف أقلّ منها. ولا بدّ أن يصوم واجبا، لأنه لا اعتكاف إلّا بصوم. فمن اعتكف ثلاثة أيّام، كان فيما زاد عليها بالخيار: إن أراد أن يزداد ازداد، وإن أراد أن يرجع رجع. فإن صام بعد الثّلاثة أيّام يومين آخرين، لم يجز له الرّجوع، وكان عليه تمام ثلاثة أيّام أخر. وان كان قد زاد يوما واحدا، جاز له أن يفسخ الاعتكاف.

وينبغي للمعتكف أن يشترط على ربّه في حال ما يعزم على الاعتكاف كما يشترط في حال الإحرام: بأنه إن عرض له مرض وما أشبهه، كان له الرّجوع فيه. فإنّه متى فعل ذلك، ثمَّ عرض له مرض: جاز له أن يرجع فيه أيّ وقت شاء. فان لم يشترط، لم يكن له الرّجوع فيه، الّا أن يكون أقلّ من يومين. فإن مضت عليه يومان، وجب عليه أيضا تمام ثلاثة أيّام حسب ما قدّمناه.

١٧١

وعلى المعتكف أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من النّساء والطّيب والرّياحين والكلام الفحش والمماراة والبيع والشّراء، ولا يفعل شيئا من ذلك.

ولا يجوز له أن يخرج من المسجد الذي اعتكف فيه، إلّا لضرورة تدعوه إلى ذلك من تشييع أخ أو جنازة أو عيادة مريض أو قضاء حاجة لا بدّ له منها. فمتى خرج لإحدى الأشياء التي ذكرناها، فلا يقعد في موضع، ولا يمشي تحت الظّلال.

ولا يقف فيها إلّا عند الضرورة الى أن يعود إلى المسجد. ولا يصلّي المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه، إلا بمكّة خاصّة، فإنه يجوز له أن يصلّي بمكّة في أيّ بيوتها شاء.

ومتى اعتلّ المعتكف جاز له أن يخرج من المسجد الى بيته. فإذا برأ قضى اعتكافه وصومه.

واعتكاف المرأة كاعتكاف الرّجل سواء، وحكمها حكمه في جميع الأشياء. فإن طمثت، خرجت من المسجد. فإذا طهرت، عادت، وقضت الاعتكاف والصّوم.

ولا يجوز للمعتكف مواقعة النّساء لا باللّيل ولا بالنّهار. فمتى واقع الرّجل امرأته، وهو معتكف ليلا، كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان: عتق رقبة، أو صيام شهرين أو إطعام ستّين مسكينا. وإن كانت مواقعته لها بالنّهار في شهر رمضان، كان عليه كفّارتان.

١٧٢

كتاب الزكاة

الزّكاة على ضربين: مفروض ومسنون. وكلّ واحد منهما ينقسم قسمين: فقسم منهما زكاة الأموال، والثاني زكاة الرّءوس.

فأمّا زكاة الأموال، فيحتاج في معرفتها إلى ستّة أشياء: أحدها معرفة وجوب الزّكاة. والثّاني معرفة من تجب عليه، ومن لا تجب عليه. والثّالث معرفة ما تجب فيه، وما لا تجب والرّابع معرفة المقدار الذي تجب فيه، ومعرفة مقدار ما لا تجب. والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه. والسّادس معرفة من يستحقّ ذلك ومقدار ما يعطى من أقلّ أو أكثر.

وأمّا زكاة الرّءوس فيحتاج فيها أيضا إلى معرفة ستّة أشياء: أحدها معرفة وجوبها. والثّاني معرفة من تجب عليه. والثّالث معرفة ما يجوز إخراجه وما لا يجوز. والرّابع معرفة مقدار ما تجب. والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه. والسّادس من المستحقّ له، وكم أقلّ ما يعطى وأكثر. وليس

١٧٣

يخرج من هذه الأقسام شي‌ء ممّا يتعلّق بأبواب الزّكاة. ونحن نبيّن قسما قسما من ذلك، ونستوفيه على حقّه إن شاء الله.

باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه

الزّكاة المفروضة في شريعة الإسلام، واجبة على كلّ مكلّف حرّ بالغ، رجلا كان أو امرأة. وهم ينقسمون قسمين: قسم منهم إذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزّكاة، كان ثابتا في ذمّتهم. وهم جميع من كان على ظاهر الإسلام. والباقون هم الذين متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزّكاة، لم يلزمهم قضاؤه. وهم جميع من خالف الإسلام. فإن الزّكاة، وإن كانت واجبة عليهم بشرط الإسلام، ولم يخرجوها لكفرهم، فمتى أسلموا لم يلزمهم إعادتها.

وأمّا المجانين، ومن ليس بكامل العقل، فلا تجب عليهم الزّكاة في أموالهم المودعة. وتجب فيما يحصل لهم من الغلّات والمواشي. وحكم الأطفال حكم من ليس بعاقل من المجانين أو غيرهم. فإنه لا تجب في أموالهم الصّامتة زكاة.

فإن اتّجر متّجر بأموالهم نظرا لهم، يستحبّ له أن يخرج من أموالهم الزّكاة، وجاز له أن يأخذ من الرّبح بقدر ما يحتاج اليه على قدر الكفاية. وإن اتّجر لنفسه دونهم، وكان في الحال متمكّنا من ضمان ذلك المال، كانت الزّكاة عليه،

١٧٤

والرّبح له. وإن لم يكن متمكّنا في الحال من مقدار ما يضمن به مال الطّفل، وتصرّف فيه لنفسه من غير وصيّة ولا ولاية، لزمه ضمانه، وكان الرّبح لليتيم، ويخرج منه الزّكاة.

فأما ما عدا الأموال الصّامتة من الغلّات والمواشي، فإنّه يجب على من سمّيناه الزّكاة في أموالهم، وعلى أوليائهم أن يخرجوها ويسلّموها إلى مستحقّيها.

باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وما يستحب فيه الزكاة

الذي تجب فيه الزّكاة فرضا لازما تسعة أشياء:

الذهب والفضّة، إذا كانا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين. فإذا كانا سبائك أو حليّا، فلا تجب فيهما الزّكاة، إلا أن يقصد صاحبهما الفرار به من الزّكاة. فمتى فعل ذلك حال وجوب الزّكاة، استحبّ له أن يخرج منهما الزّكاة. وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت، لزمته الزّكاة على كلّ حال.

والحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والإبل والبقر والغنم.

وكلّ ما عدا هذه التسعة أشياء، فإنه لا تجب فيه الزّكاة.

ولا زكاة على مال غائب، إلّا إذا كان صاحبه متمكّنا منه أيّ وقت شاء. فإن كان متمكّنا منه لزمته الزّكاة. فإن لم يكن

١٧٥

متمكّنا، وغاب منه سنين، ثمَّ حصل عنده، يخرج منه زكاة سنة واحدة.

ومن ورث مالا، ولا يصل اليه إلّا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال، فليس عليه زكاة، إلا أن يصل إليه ويحول عليه حول.

ومال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه، بل تجب على المستقرض الزّكاة، إن تركه بحاله حتّى يحول عليه الحول. وإن تصرّف فيه بتجارة وما أشبهها، لزمته الزّكاة استحبابا.

وكلّ ما يملكه الإنسان مما عدا التّسعة أشياء التي ذكرناها، فإنّه يستحبّ له أن يخرج منه الزّكاة.

فإن كان معه مال يديره في التّجارة، استحبّ له إخراج الزّكاة منه، إذا دخل وقتها، وكان رأس المال حاصلا، أو يكون معه الرّبح. فإن كان قد نقص ماله، أو كان ما اشتراه طلب بأقلّ من رأس المال، فليس عليه فيه شي‌ء، فإن بقي عنده على هذا الوجه أحوالا، ثمَّ باعه، أخرج منه الزّكاة لسنة واحدة.

وكلّ ما يدخل فيه المكيال والميزان من الحبوب وغيرها مثل الجاورس والذرّة والسّلت والأرزّ والباقلا والسّمسم والكتّان وما أشبه ذلك، يستحبّ له أن يخرج منه الزّكاة سنّة مؤكّدة.

وأمّا الخضروات مثل القضب والباذنجان والبقول كلّها وما

١٧٦

أشبهها، فليس في شي‌ء منها زكاة، وإن بلغ ثمنه شيئا كثيرا، إلّا أن يباع ويحول على ثمنه الحول.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، إلّا إذا كانت سائمة، ويكون قد حال عليه الحول فصاعدا.

فإمّا المعلوفة منها فليس في شي‌ء منها زكاة على حال.

وحكم الجواميس حكم البقر في وجوب الزّكاة عليها.

وأمّا الخيل. ففيها الزّكاة مستحبّة، إذا كانت إناثا سائمة فإن كانت معلوفة، فليس فيها شي‌ء.

وليس على الإنسان زكاة فيما يملكه من خادم يخدمه أو دار يسكنها، إلّا أن تكون دار غلّة. فإن كان كذلك، يستحبّ أن يخرج منها الزّكاة. فأما زكاة الحليّ، فإعارته لمن يحتاج إليه إذا كان مأمونا.

باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب

أمّا الذّهب فليس في شي‌ء منه زكاة، ما لم يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ ذلك، كان فيه نصف دينار. ثمَّ ليس فيه شي‌ء ما لم تزد عليه أربعة دنانير. فإذا زاد ذلك، كان فيه ستّة أعشار. ثمَّ على هذا الحساب كلّما زادت أربعة دنانير، كان فيها زيادة عشر دينار بالغا ما بلغ. وليس فيما دون ذلك شي‌ء.

١٧٧

وأمّا زكاة الفضّة، فليس فيها شي‌ء ما لم تبلغ مائتي درهم. فإذا بلغت ذلك، كان فيها خمسة دراهم. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى ان تزيد أربعون درهما. فإذا زاد ذلك، كان فيها ستّة دراهم. ثمَّ على هذا الحساب، كلّما زادت أربعون درهما، كان فيها زيادة درهم بالغا ما بلغ. وليس فيما دون الأربعين بعد المأتين شي‌ء من الزّكاة.

وإذا خلّف الرّجل دراهم أو دنانير نفقة لعياله، لسنة أو سنتين أو أكثر من ذلك، مقدار ما تجب فيه الزّكاة، وكان الرّجل غالبا، لم تجب فيها زكاة. فإن كان حاضرا، وجبت عليه الزّكاة.

وأمّا زكاة الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فعلى حدّ سواء. وليس في شي‌ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان وإخراج المؤن عنها. كلّ وسق ستّون صاعا كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقيّ، يكون مبلغه ألفين وسبعمائة رطل. فإذا بلغ ذلك، كان فيه العشر، إن كان سقي سيحا أو شرب بعلا. وإن كان ممّا قد سقي بالغرب والدّوالي والنّواضح وما أشبه ذلك، كان فيه نصف العشر. وإن كان ممّا قد سقي سيحا وغير سيح، اعتبر الأغلب في سقيه. فإن كان سقيه سيحا أكثر، كان حكمه حكمه، يؤخذ منه العشر. وإن كان

١٧٨

سقيه بالغرب والدّوالي وما أشبههما أكثر، كان حكمه حكمه، يؤخذ منه نصف العشر فإن استويا في ذلك، يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر، ومن النّصف الآخر بحساب نصف العشر. وما زاد على خمسة أوسق، كان حكمه حكم الخمسة أوسق في أن يؤخذ منه العشر أو نصف العشر، قليلا كان أو كثيرا.

وأمّا زكاة الإبل، فليس في شي‌ء منها زكاة الى أن تبلغ خمسا. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. وليس فيما يزيد عليها شي‌ء الى أن تبلغ عشرا. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاتان. وليس فيما زاد عليها شي‌ء الى ان تبلغ خمس عشرة. فإذا بلغت ذلك، كان فيها ثلاث شياه. ثمَّ كذلك ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ عشرين. فاذا بلغت ذلك، كان فيها أربع شياه. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى ان تبلغ خمسا وعشرين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها خمس شياه. فإن زادت على خمس وعشرين واحدة، كان فيها بنت مخاض. وليس فيها شي‌ء بعد ذلك الى أن تبلغ خمسا وثلاثين، وتزيد واحدة. فإذا بلغت، كان فيها بنت لبون. وليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ ستّا وأربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها حقّة. وليس فيما زاد عليها شي‌ء الى أن تبلغ إحدى وستّين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها جذعة، ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ ستّا وسبعين. فإذا

١٧٩

بلغت ذلك، كان فيها بنتا لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ إحدى وتسعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها حقّتان. ثمَّ ليس فيها شي‌ء إلى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين. فاذا بلغت ذلك، تركت هذه العبرة، وأخذت من كلّ خمسين حقّة، ومن كلّ أربعين بنت لبون.

فإن كان الذي تجب عليه زكاة الإبل ليس معه عين ما يجب عليه، جاز أن يؤخذ منه قيمته. فإن لم تكن معه القيمة وكان معه من غير السّنّ الذي وجب عليه، جاز أن يؤخذ منه. فإن كان دون ما يستحقّ عليه، أخذ منه مع ذلك، ما يكون تماما للذي وجب عليه. وإن كان فوق الّذي يجب عليه، أخذ منه، وردّ عليه ما فضل له. مثال ذلك أنّه إذا وجبت عليه بنت مخاض، وليست عنده، وعنده ابن لبون ذكر، أخذ منه ذلك وليس عليه شي‌ء. فإن كان عنده بنت لبون، وقد وجبت عليه بنت مخاض، أخذت منه، وأعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما. فإن كان قد وجبت عليه بنت لبون، وعنده بنت مخاض، أخذت منه، وأخذ معها شاتان أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه حقّة، وليست عنده، وعنده بنت لبون، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. وإن كان قد وجبت عليه بنت لبون وعنده حقّة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه جذعة، وليست عنده،

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

للآية ، بأن أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ـ قد منع أجيره أجره ـ والظاهر أنّه كان مسلما ـ وقال متهكما : إن كان ما يقوله محمّد حقا فنحن أولى من غيرنا بنعم الجنّة ، وسندفع أجر هذا العامل بالكامل هناك! فنزلت هذه الآية وقالت : إنّ الجنّة مختصة بمن كان تقيا.

* * *

٤٨١

الآيتان

( وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) )

سبب النّزول

ذكر جماعة من المفسّرين في سبب نزول هاتين الآيتين ، أنّ الوحي انقطع أيّاما ، ولم يأت جبرئيل رسول الوحي الإلهي إلى النّبي ، فلمّا انقضت هذه المدّة قال له : قال عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما منعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا» ، فنزلت الآية :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) (1) .

التّفسير

الطاعة التّامة :

بالرّغم من أن لهذه الآية سبب نزول ذكر أعلاه ، إلّا أنّ هذا لا يكون مانعا من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 352 ، عن مجمع البيان ، وتفسير القرطبي ، الجزء 11 ، ص 416 ، وذيل الآية مورد البحث باختلاف يسير.

٤٨٢

أن يكون لها ارتباطا منطقيا بالآيات السابقة ، لأنّها تأكيد على أنّ كل ما أتى به جبرئيل من الآيات السابقة قد بلغه عن الله بدون زيادة أو نقصان ، ولا شيء من عنده ، فتتحدث الآية الأولى على لسان رسول الوحي فتقول :( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) فكل شيء منه، ونحن عباد وضعنا أرواحنا وقلوبنا على الأكف( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) والخلاصة : فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل ، وهنا وهناك وكل مكان ، والدنيا والآخرة والبرزخ ، كل ذلك متعلق بذات الله المقدسة.

وقد ذكر بعض المفسّرين لجملة( لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ ) آراء عديدة بلغت أحيانا أحد عشر قولا ما ذكرنا أعلاه هو أنسبها جميعا كما يبدو

ثمّ تضيف الآية : إن كل ذلك بأمر ربّك( رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ) فإذا كان الأمر كذلك ، وكل الخطوط تنتهي إليه( فَاعْبُدْهُ ) عبادة مقترنة بالتوحيد والإخلاص. ولما كان هذا الطريق ـ طريق العبودية والطاعة وعبادة الله الخالصة ـ مليء بالمشاكل والمصاعب ، فقد أضافت( وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ ) ، وتقول في آخر جملة :( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) .

وهذه الجملة في الواقع ، دليل على ما جاء في الجملة السابقة ، يعني : هل لذاته المقدسة شريك ومثيل حتى تمد يدك اليه وتعبده؟

إنّ كلمة (سمي) وإن كانت تعني «المشترك في الاسم» ، إلّا أن من الواضح أنّ المراد هنا ليس الاسم فقط ، بل محتوى الاسم ، أي : هل تعلم أحدا غير الله خالقا رازقا ، محييا مميتا ، قادرا على كل شيء ، وظاهرا على كل شيء؟

* * *

٤٨٣

الآيات

( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) )

سبب النّزول

الآيات الأولى ـ على رأي جماعة من المفسّرين ـ نزلت في شأن «أبي بن خلف» ، أو «الوليد بن المغيرة» ، حيث أخذوا قطعة من عظم منخور ، ففتوه بأيديهم ونثروه في الهواء حتى تطايرت كل ذرة منه إلى جهة ، وقالوا انظروا إلى محمّد الذي يظن أن الله يحيينا بعد موتنا وتلاشي عظامنا مثل هذا العظم! إن هذا شيء غير ممكن أبدا. فنزلت هذه الآيات وأجابتهم ، جوابا قاطعا ، جوابا مفيدا ومعلما لكل البشر ، وفي جميع القرون والأعصار.

٤٨٤

التّفسير

حال أهل النّار :

مرّت في الآيات السابقة بحوث عديدة حول القيامة والجنّة والجحيم ، وتتحدث هذه الآيات التي نبحثها حول نفس الموضوع ، فتعيد الآية الأولى أقوال منكري المعاد ، فتقول:( وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) .

هذا الاستفهام استفهام إنكاري طبعا ، أي إنّ هذا الشيء غير ممكن. أمّا التعبير بالإنسان (وخاصّة مع ألف ولام الجنس) ، مع أنّه كان من المناسب أن يذكر الكافر محله ـ فربّما كان من جهة أن هذا السؤال مخفي في طبع كل إنسان في البداية بزيادة ونقيصة ، وبسماع مسألة الحياة بعد الموت سترتسم في ذهنه علامة الاستفهام فورا.

ثمّ يجيبهم مباشرة بنفس التعبير( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) . ويمكن أن يكون التعبير بـ «الإنسان» هنا أيضا إشارة إلى أن الإنسان مع ذلك الاستعداد والذكاء الذي منحه الله إيّاه ، يجب أن لا يجلس ساكتا أمام هذا السؤال ، بل يجب أن يجيب عليه بتذكر الخلق الأوّل ، وإلّا فإنّه لم يستعمل حقيقة إنسانيته.

إنّ هذه الآيات ـ ككثير من الآيات المرتبطة بالمعاد ـ تؤكّد على المعنى الجسماني ، وإلّا فإذا كان القرار أن تبقى الروح فقط ، ولا وجود لرجوع الجسم إلى الحياة ، فلا مكان ولا معنى لذلك السؤال ، ولا لهذا الجواب.

على كل حال ، فقد استعمل القرآن هذا المنطق لإثبات المعاد هنا ، وقد جاء في مواضع أخرى من القرآن أيضا ، ومن جملتها في أواخر سورة يس ، حيث طرح الأمر بنفس تعبير الإنسان :( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ

٤٨٥

يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (1) (2) .

بعض المفسّرين طرح هنا سؤالا ، وهو أن هذا الدليل إذا كان صحيحا ، بأنّ كل شخص إذا ما عمل عملا فإنّه قادر على إعادته ، فلما ذا نقوم بأعمال ثمّ نعجز عن تكرارها أحيانا؟ فمثلا قد ننشد قطعة شعرية رائعة جدّا ، أو نكتب بخط جميل جدّا ، غير أنّنا بعد ذلك نجتهد في الإتيان بمثله ولكن دون جدوى.

الجواب هو : صحيح أنّنا نقوم بأعمالنا بإرادة واختيار ، إلّا أن هناك سلسلة من الأمور غير الإرادية تؤثر في أفعالنا الخاصّة أحيانا ، فإنّ حركة واهتزاز يدنا غير المحسوس يؤثر أحيانا في دقة شكل الحروف. إضافة إلى أن قدرتنا واستعدادنا ليسا متساويين دائما ، فقد تعرض أحيانا عوامل تعبئ كل قوانا الداخلية ، ونستطيع أن نبدع في الأعمال ونأتي بأعلاها، إلّا أنّ هذه الدوافع تكون ضعيفة أحيانا ، فلا تستجمع كل الطاقات ، ولذلك فإن العمل الثّاني لا ينفذ بدقة وجودة العمل الأوّل.

إلّا أنّ الله الذي لا تنتهي قدرته ، لا تثار حوله هذه المسائل ، ولا تقاس قدرته على أعمالنا وقدراتنا ، فإنّه إذا عمل عملا فإنّه يستطيع إعادته بعينه بدون زيادة أو نقصان.

ثمّ تهدد الآية التالية منكري المعاد ، والمجرمين الكافرين :( فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) .

إنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين والمجرمين قريبة من جهنم! والتعبير بـ «جثيا» ـ مع العلم أن جثي جمع جاثي ، وهو الذي يجثو على ركبتيه ـ ربّما كان إشارة إلى ضعف وعجز وذلة هؤلاء ، حتى أنّهم لا قدرة لهم على الوقوف أحيانا.

__________________

(1) يس ، 77 ـ 79.

(2) لقد بحثنا حول هذا الدليل في ذيل الآية (29) من الأعراف تحت عنوان (أقصر دليل لإثبات المعاد).

٤٨٦

ولهذه الكلمة معاني أخرى أيضا ، فمن جملتها أنّهم فسروا «جثيا» بمعنى جماعة جماعة ، وبعضهم فسّرها بمعنى الكثرة وازدحام بعضهم على بعض كتراكم التراب والحجارة ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب والأشهر.

ولما كانت الأولويات تلاحظ في تلك المحكمة العادلة ، فإنّ الآية التالية تقول :( ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ) (1) ونبدأ بحسابهم أوّلا ، فإنّهم عتوا عتوا نسوا معه كل مواهب الله الرحمان ، وجنحوا إلى التمرد والعصيان وإظهار الوقاحة أمام ولي نعمتهم! أجل ، إن هؤلاء أحق من الجميع بالجحيم.

ثمّ تؤكّد على هذا المعنى مرّة أخرى فتقول :( ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا ) فسنختار هؤلاء بدقة ، وسوف لا يقع أي اشتباه في هذا الإختيار.

(صلي) مصدر يعطي معنى إشعال النار وإيقادها ، كما يعني حرق الشيء بالنّار.

* * *

__________________

(1) «الشيعة» في الأصل بمعنى الجماعة التي يتعاون أفرادها للقيام بعمل ما ، وانتخاب هذا التعبير في الآية يمكن أن يكون إشارة إلى أن العتاة المردة والضالين الكافرين كانوا يتعاونون في طريق الطغيان ، ونحن سنحاسب هؤلاء أوّلا ، لأنّهم أكثر تمردا وعصيانا من الجميع.

٤٨٧

الآيتان

( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) )

التّفسير

الجميع يردون جهنم!

تستمر الآيات في بحث خصائص القيامة والثواب والعقاب ، وأشارت في البداية إلى مسألة يثير سماعها الحيرة والعجب لدى أغلب الناس ، فتقول :( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ) فجميع الناس سيدخلون جهنم بدون استثناء لأنّه أمر حتمي.

( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ) فنتركهم فيها جالسين على الركب من الضعف والذّل.

وهناك بحث مفصل بين المفسّرين في تفسير هاتين الآيتين حول المراد من «الورود» في جملة( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ) .

فيرى بعض المفسّرين أنّ «الورود» هنا بمعنى الاقتراب والإشراف ، أي إن جميع الناس بدون استثناء ـ المحسن منهم والمسيء ـ يأتون إلى جانب جهنم للحساب ، أو لمشاهدة مصير المسيئين النهائي ، ثمّ ينجي الله المتقين ، ويدع

٤٨٨

الظالمين فيها. وقد استدل هؤلاء لدعم هذا التّفسير بالآية (23) من سورة القصص :( وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ) حيث أن للورود هنا نفس المعنى.

والتّفسير الثّاني الذي اختاره أكثر المفسّرين ، هو أن الورود هنا بمعنى الدخول ، وعلى هذا الأساس فإنّ كل الناس بدون استثناء ـ محسنهم ومسيئهم ـ يدخلون جهنم ، إلّا أنّها ستكون بردا وسلاما على المحسنين ، كحال نار نمرود على إبراهيم( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، لأنّ النّار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين ، فقد تفر منهم وتبتعد عنهم ، إلّا أنّها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للجحيم كالمادة القابلة للاشتعال ، فما أن تمسهم النار حتى يشتعلوا.

وبغض النظر عن فلسفة هذا العمل ، والتي سنشرحها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ فإنّ ممّا لا شك في أنّ ظاهر الآية يلائم وينسجم مع التّفسير الثاني ، لأنّ المعنى الأصلي للورود هو الدخول ، وغيره يحتاج إلى قرينة. إضافة إلى أن جملة( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ) وكذلك جملة( وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها ) كلتاهما شاهدتان على هذا المعنى. علاوة على الرّوايات المتعددة الواصلة إلينا في تفسير الآية التي تؤيد هذا المعنى ، ومن جملتها :

روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ رجلا سأله عن هذه الآية ، فأشار جابر بإصبعيه إلى أذنيه وقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الورود الدّخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلّا يدخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى أن للنّار ـ أو قال لجهنم ـ ضجيجا من بردها ، ثمّ ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا»(1) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تقول النّار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن ، فقد أطفأ نورك لهبي»(2) !

__________________

(1) نور الثقلين ، الجزء 3 ، ص 353.

(2) المصدر السّابق.

٤٨٩

ويستفاد هذا المعنى أيضا من بعض الرّوايات الأخرى. وكذلك التعبير العميق المعنى للصراط ، والذي ورد في روايات متعددة بأنّه جسر على جهنم ، وأنّه أدق من الشعرة وأحد من السيف ، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التّفسير(1) .

أمّا ما يقوله البعض من أن الآية (101) من سورة الأنبياء :( أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) دليل على التّفسير الأوّل ، فلا يبدو صحيحا ، لأن هذه الآية مرتبطة بمحل إقامة ومقر المؤمنين الدائمي ، حتى أنّنا نقرأ في الآية التالية لهذه الآية :( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) فإذا كان الورود في آية البحث بمعنى الاقتراب ، فهي غير مناسبة لكلمة( مُبْعَدُونَ ) ولا لجملة( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) .

جواب عن سؤال :

السؤال الوحيد الذي يبقى هنا ، هو : ما هي الحكمة هذا العمل؟ وهل أن المؤمنين لا يرون أذى ولا عذابا من هذا العمل؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال ـ التي وردت في الرّوايات حول كلا الشقين ـ ستتضح بقليل من الدقة.

إنّ مشاهدة جهنم وعذابها في الحقيقة ، ستكون مقدمة لكي يلتذ المؤمنون بنعم الجنة بأعلى مراتب اللذة ، لأن أحدا لا يعرف قدر العافية حتى يبتلى بمصيبة (وبضدها تتمايز الأشياء) فهناك لا يبتلى المؤمنون بمصيبة ، بل يشاهدون المصيبة على المسرح فقط ، وكما قرأنا في الرّوايات السابقة ، فإنّ النّار تصبح بردا وسلاما على هؤلاء ، ويطغى نورهم على نورها ويخمده.

إضافة إلى أنّ هؤلاء يمرون على النار بكل سرعة بحيث لا يرى عليهم أدنى أثر ، كما

روي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال في حديث : «يرد الناس ثمّ يصدون بأعمالهم ،

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 5 ، ص 572 ذيل آية( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) الفجر ، 14.

٤٩٠

فأوّلهم كلمع البرق ، ثمّ كمر الريح ، ثمّ كحضر الفرس ، ثمّ كالراكب ، ثمّ كشد الرجل ، ثمّ كمشيه»(1) .

وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّ أهل النّار أيضا سيلقون عذابا أشد من رؤية هذا المشهد ، وأن أهل الجنّة يمرون بتلك السرعة وهم يبقون في النّار ، وبهذا سيتّضح جواب كلا السؤالين.

* * *

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 353.

٤٩١

الآيات

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) )

التّفسير

هذه الآيات تتابع ما مر في الآيات السابقة في الحديث عن الظالمين الذين لا إيمان لهم ، وتتعرض لجانب آخر من منطق هؤلاء الظالمين ومصيرهم.

ومن المعلوم أنّ أوّل جماعة آمنت بالرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا من المستضعفين الطاهري القلوب ، والذين خلت أيديهم من مال الدنيا ومغرياتها هؤلاء المحرومون هم الذين جاءت الأديان الإلهية من أجل إنقاذهم من قبضة

٤٩٢

الظالمين الجائرين بلال وسلمان ، وعمار ، وخباب ، وسمية ، وأمثالهم مصاديق بارزة لهؤلاء المؤمنين المظلومين.

ولما كان المعيار في المجتمع الجاهلي في ذلك الزمان ـ وكذا في كل مجتمع جاهلي آخر ـ هو الذهب والزينة والمال والمقام والمنصب والهيئة الظاهرية ، فكان الأثرياء الظالمون ، كالنضر بن الحارث وأمثاله يفتخرون على المؤمنين الفقراء بذلك ويقولون : إنّ علامة شخصيتنا معنا ، وعلامة عدم شخصيتكم فقركم ومحروميتكم ، وهذا بنفسه دليل على أحقيتنا وباطلكم! كما يقول القرآن الكريم في أول آيه من الآيات مورد البحث :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) .

خاصّة وأنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أن هؤلاء الأشراف المترفين كانوا يلبسون أجمل ملابسهم ، ويتزينون بأبهى زينة ، ويتبخترون أمام أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا ينظرون إليهم نظرة تحقير واستهزاء نعم ، هذه طريقة هذه الطبقة في كل عصر وزمان.

«النديّ» أخذت في الأصل من (الندى) أي الرطوبة ، ثمّ جاءت بمعنى الأفراد الفصحاء والخطباء ، لأن أحد شروط القدرة على التكلم امتلاك القدر الكافي من اللعاب ، ولذلك فإن (نديّ) تعني المجالسة والتحدث ، بل يقال للمجلس الذي يجتمعون فيه للأنس والسمر ، أو يجلسون فيه للتشاور : نادي ، ومن هذا أخذت (دار الندوة) وهي المحل الذي كان في مكّة ، وكان يجتمع فيه زعماؤها للتشاور.

وقد يعبر عن السخاء والبذل والعطاء ب (الندى)(1) وهذه الآية يمكن أن تكون إشارة إلى كل هذه المعاني ، أي : إنّ مجلس أنسنا أجمل من مجلسكم ، وإن مالنا وثروتنا وزينتنا ولباسنا أبهى وأروع ، وإن كلامنا وأشعارنا الفصيحة والبليغة

__________________

(1) مفردات الراغب ، مادة (ندى).

٤٩٣

أبلغ وأحسن!

إلّا أنّ القرآن الكريم يجيب هؤلاء بجواب منطقي ومستدل تماما ، وفي الوقت نفسه قاطع ومفحم ، فيقول : كأن هؤلاء قد نسوا تاريخ البشر ، ولم ينظروا كم دمرنا من الأقوام السابقين عند تمردهم وعصيانهم :( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً ) (1) فهل استطاعت أموالهم وثروتهم ، ومجالسهم الفاسقة ، وملابسهم الفاخرة ، وصورهم الجميلة أن تمنع العذاب الإلهي وتقف أمامه؟ وإذا كانت هذه الأمور دليلا على شخصيتهم ومنزلتهم عند الله ، فلما ذا ابتلوا بهذا المصير المشؤوم؟

إنّ زخارف الدنيا وبهارجها متزلزلة إلى حدّ أنّها تتلاشى وتزول بمجرّد أن يهب عليها أدنى نسيم هادئ.

«القرن» ـ كما قلنا سابقا في ما مرّ في ذيل الآية (6) من سورة الأنعام ـ تعني عادة الزمان الطويل ، لكن لما كانت قد أخذت من مادة الاقتران ، أي الاقتراب ، فإنّها تقال أيضا للقوم والأناس المجتمعين في زمان واحد.

ثمّ تحذرهم تحذيرا آخر ، بأن لا تظنوا أيّها الظالمون الكافرون أنّ مالكم وثروتكم هذه رحمة ، بل كثيرا ما تكون دليلا على العذاب الإلهي :( قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ ) إي إمّا العذاب في هذه الدنيا ، وإمّا عذاب الآخرة( فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً ) .

في الحقيقة ، إنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يمكن هدايتهم (والملاحظ أن القرآن يقول :( مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ) وهو إشارة إلى الاستمرار في الضلال) من

__________________

(1) (الأثاث) بمعنى المتاع وزينة الدنيا ، و (رئي) بمعنى الهيئة والمنظر.

٤٩٤

أجل أن يروا العقاب الإلهي الشديد ، فإنّ الله سبحانه يجعلهم أحيانا يغوصون ويغرقون في النعم لتصبح سببا لغرورهم ، كما تكون سببا لنزول العذاب عليهم ، فإنّ سلب النعم عنهم حينئذ سيجعل لوعة العذاب أشد. وهذا هو ما ذكر في بعض آيات القرآن بعنوان عقاب «الاستدراج»(1) .

جملة( فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ) وإن كانت بصيغة الأمر ، إلّا أنّها بمعنى الخبر ، فمعناها : إنّ الله يمهل هؤلاء ويديهم عليهم النعم.

وقد فسرها بعض المفسّرين بنفس معنى الأمر أيضا ، وأنّه يعني هنا اللعنة ، أو وجوب مثل هذا العمل والمعاملة على الله. إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأقرب.

وكلمة (العذاب) بقرينة وقوعها في مقابل (الساعة) فإنّها إشارة إلى العقوبات الإلهية في عالم الدنيا ، عقوبات كطوفان نوح ، والزلزلة ، والحجارة السماوية التي نزلت على قوم لوط. أو العقوبات التي أصيبوا بها على يد المؤمنين والمقاتلين في جبهات الحق ، كما نقرأ في الآية (14) من سورة التوبة :( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) .

«الساعة» هنا إمّا بمعنى نهاية الدنيا ، أو العذاب الإلهي في القيامة. ويبدو لنا أن المعنى الثّاني هو الأنسب.

هذه عاقبة ومصير الظالمين المخدوعين بزخرف الدنيا وزبرجها ، أمّا أولئك الذين آمنوا واهتدوا ، فإنّ الله يزيدهم هدى وإيمانا( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) .

من البديهي أن للهداية درجات ، فإذا طوى الإنسان درجاتها الأولى فإنّ الله يأخذه بيده ويرفعه إلى درجات أعلى ، وكما أنّ الشجرة المثمرة تقطع كل يوم

__________________

(1) راجع ذيل الآيات 182 ، 183 من سورة الأعراف.

٤٩٥

مرحلة جديدة إلى التكامل والإيناع ، فكذلك المهتدون يرتقون كل يوم مراق أعلى في ظل الإيمان والأعمال الصالحة التي يعملونها.

وفي النهاية تجيب الآية هؤلاء الذين اعتمدوا على زينة الدنيا السريعة الزوال ، وجعلوها وسيلة للتفاخر على الآخرين ، فتقول :( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) (1) .

* * *

__________________

(1) «مردّ» ـ على وزن نمدّ بتشديد الدال ـ إمّا مصدر بمعنى الرّد والإرجاع ، أو اسم مكان بمعنى محل الرجوع، والمراد منه هنا الجنّة ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أوفق لمعنى الآية.

٤٩٦

الآيات

( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) )

التّفسير

تفكير خرافي ومنحرف :

يعتقد بعض الناس أنّ الإيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم ، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم ، أمّا إذا خرجوا من دائرة الإيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم ، وتزيد ثروتهم وأموالهم!

إنّ هذا النوع من التفكير ، سواء كان نابعا من البساطة واتباع الخرافات ، أو أنّه غطاء وتستّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإلهية ، فهو تفكير خاطئ وخطير.

لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحيانا من كثرة أموال وثروات

٤٩٧

الأفراد غير المؤمنين ، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين ، دليلا لإثبات هذه الخرفة ، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إلى الإنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر ، ولا الإيمان والتقوى يكونان سدا ومانعا في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقا.

على كل حال ، فقد كان في عصر النّبي ـ وكذلك في عصرنا ـ أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام ، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل ، فيتحدث القرآن ـ كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقا حول مصير الكفار والظالمين ـ في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها ، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات :( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً ) (1) .

ثمّ يجيبهم القرآن الكريم :( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) فإنّ الذي يستطيع أن يتكهن بمثل هذا التكهن ، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد ، مطلّع على الغيب ، لأنا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين ، أو يكون قد أخذ عهدا من الله سبحانه ، وهذا الكلام أيضا لا معنى له.

ثمّ يضيف بلهجة حادة : إنّ الأمر ليس كذلك ، ولا يمكن أن يكون الكفر أساسا لزيادة مال وولد أحد مطلقا :( كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ ) .

أجل ، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سببا في انحراف بعض البسطاء ، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء( وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا ) .

هذه الجملة قد تكون إشارة إلى العذاب المستمر الخالد ، كما يحتمل أيضا أن

__________________

(1) نقل بعض المفسّرين سببا لنزول الآية وهو : إنّ أحد المؤمنين ـ واسمه خباب ـ كان يطلب أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل ، فقال المدين مستهزئا : إذا وجدت مالا وولدا في عالم الآخرة فسأؤدي دينك.

إلّا أنّ سبب النّزول هذا لا يناسب الآية التي نبحثها ظاهرا ، خاصّة وأنّ الكلام عن الولد هنا ، ونحن نعلم أنّ الولد في عالم الآخرة غير مطروح للبحث. إضافة إلى أن الآيات التالية تقول بصراحة :( نَرِثُهُ ما يَقُولُ ) ويتّضح من هذا التعبير أنّ المقصود أموال الدنيا لا الأموال في الآخرة.

وعلى كل حال ، فإنّ جماعة من المفسّرين اعتبروا هذه الآية ـ بناء على سبب النّزول هذا ـ إشارة إلى الآخرة ، إلّا أنّ الحق ما قيل.

٤٩٨

تكون إشارة إلى العقوبات التي تحيط بهم في هذه الدنيا نتيجة للكفر وعدم الإيمان. ويحتمل أيضا أنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء!

( وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ ) من الأموال والأولاد( وَيَأْتِينا فَرْداً ) .

نعم ، إنّه سيترك في النهاية كل هذه الإمكانيات والأملاك المادية ويرحل ، ويحضر في محكمة العدل الإلهية بأيد خالية ، وفي الوقت الذي اسودت فيه صحيفة أعماله من الذنوب والمعاصي ، وخلت من الحسنات هناك ، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.

وتشير الآية التالية إلى علّة أخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام ، فتقول :( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) وليشفعوا لهم عند الله ، ويعينوهم في حل مشاكلهم ، لكن ، أي ظن خاطئ وخيال ساذج هذا؟!

ليس الأمر كما يظن هؤلاء أبدا ، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّا وحسب، بل ستكون منبعا لذلتهم وعذابهم ، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة:( كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) .

إن هذه الجملة إشارة إلى نفس ذلك المطلب الذي نقرؤه في الآية (14) من سورة فاطر :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) . وكذلك ما نلاحظه في الآية (6) من سورة الأحقاف :( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ) .

وقد احتمل بعض كبار المفسّرين أن المراد من الآية : إنّ عبدة الأصنام عند ما ترفع الحجب في القيامة ، وتتضح كل الحقائق ، ويرون أنفسهم قد فضحوا وخزوا ، فإنّهم ينكرون عبادة الأصنام ، وسيقفون ضدها ، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الأنعام :( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية ، لأن عبّاد الأصنام كانوا يريدون

٤٩٩

أن تكون آلهتهم ومعبوداتهم عزّا لهم ، إلّا أنّهم يصبحون ضدها في النهاية.

ومن الطبيعي أن تكلم المعبودات التي لها عقل وإدراك كالملائكة والشياطين والجن واضح ومعلوم ، إلّا أنّ الآلهة الميتة التي لا روح لها ، من الممكن أن تتكلم بإذن الله وتعلن تنفرها واشمئزازها من عبدتها ومن الممكن أن يستفاد هذا التّفسير من حديث مروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال في تفسير هذه الآية : يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضدا يوم القيامة ويتبرءون منهم ومن عبادتهم إلى يوم القيامة.

والجميل في الأمر أننا نقرأ في ذيل الحديث جملة قصيرة عميقة المحتوى حول العبادة:ليس العبادة هي السجود ولا الركوع ، وإنّما هي طاعة الرجال ، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده»(1) .

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 357.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793