النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225147 / تحميل: 6334
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بقيّة نهاره تأديبا، وعليه القضاء. وإن لم يكن قد فعل شيئا ممّا يفسد الصّيام، أمسك بقيّة يومه، وقد تمَّ صومه، وليس عليه القضاء.

باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذر

يكره للإنسان الخروج إلى السّفر في شهر رمضان إلّا عند الضّرورة الدّاعية له إلى ذلك من حجّ أو عمرة أو الخوف من تلف مال أو هلاك أخ أو ما يجري مجراه. فاذا مضى ثلاث وعشرون من الشّهر، جاز له الخروج إلى حيث شاء. ومتى خرج إلى السّفر، وكان سفره ممّا يجب عليه فيه التقصير في الصّلاة، وجب عليه الإفطار. وكلّ سفر لا يجوز له فيه التقصير في الصّلاة، لم يجز له التقصير في الصّوم. ومتى كان سفره أربعة فراسخ، ولم يرد الرّجوع فيه، لم يجز له الإفطار، وهو مخيّر في التقصير في الصّلاة حسب ما قدّمناه.

ومن صام في سفر، يجب عليه فيه الإفطار، وكان عالما بوجوب ذلك عليه، كان عليه الإعادة، ولم يجزه الصّوم. وان لم يكن عالما به، كان صومه ماضيا. وإذا خرج الرّجل إلى السّفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النّهار، وكان قد بيّت نيّته من اللّيل للسّفر، وجب عليه الإفطار. وان لم يكن

١٦١

قد بيّت نيّته من اللّيل، ثمَّ خرج بعد طلوع الفجر، كان عليه إتمام ذلك اليوم، وليس عليه قضاؤه. وإن خرج قبل طلوع الفجر، وجب عليه الإفطار على كلّ حال، وكان عليه القضاء. ومتى بيّت نيّته للسّفر من اللّيل، ولم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزّوال، كان عليه أن يمسك بقيّة النّهار، وعليه القضاء.

وإذا خرج الإنسان إلى السّفر، فلا يتناول شيئا من الطّعام أو الشّراب، الى أن يغيب عنه أذان مصره أو يتوارى عنه بلده. ولا ينبغي له أن يتملأ من الطّعام، ولا ان يتروّى من الشّراب. ولا يجوز له أن يقرب الجماع بالنّهار إلا عند الحاجة الشّديدة الى ذلك.

ويكره صيام النّوافل في السّفر على كلّ حال. وقد وردت رواية في جواز ذلك. فمن عمل بها لم يكن مأثوما، إلّا أن الأحوط ما قدّمناه.

وصيام الثلاثة أيام في الحجّ واجب في السّفر، كما قال الله تعالى:( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) وقد وردت الرّغبة في صيام ثلاثة أيام بالمدينة لصلاة الحاجة.

ومن كان عليه صيام فريضة: إمّا قضاء شهر رمضان، أو كفّارة ظهار. أو كفّارة قتل الخطإ، أو غيره من وجوه الصّيام المفروضة، لم يجز له أن يصومه في السّفر. فإن فعل

١٦٢

في السّفر شيئا يلزمه به الصّيام، انتظر قدومه إلى بلده، ولا يصوم في السّفر.

فإن أقام في بلد عشرة أيام فصاعدا، جاز له الصّيام.

وأمّا صيام النّذور، فإن كان النّاذر قد نذر أن يصوم أيّاما بأعيانها، أو يوما بعينه، ووافق ذلك اليوم أو الأيّام أن يكون مسافرا، وجب عليه الإفطار، وكان عليه القضاء. وكذلك إن اتّفق أن يكون ذلك اليوم يوم عيد، وجب عليه الإفطار، وعليه القضاء لذلك اليوم. وإن كان النّاذر نذر أن يصوم ذلك اليوم أو الأيّام على كلّ حال مسافرا كان أو حاضرا، فإنه يجب عليه الصّيام في حال السّفر.

باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه على العمد أو النسيان

من فاته شي‌ء من شهر رمضان لمرض أو سفر أو أحد الأسباب التي توجب الإفطار، فليقضه أيّ وقت تمكّن منه، ولا يقضه في سفر. ولا يبتدي بصوم تطوّع، وعليه شي‌ء من صيام شهر رمضان، حتّى يقضيه.

وإذا أراد قضاء ما فاته من شهر رمضان، فالأفضل أن يقضيه متتابعا. وإن فرّقه كان أيضا جائزا. فإن لم يتمكّن من سرده، قضى ستّة أيّام متواليات، ثمَّ قضى ما بقي عليه متفرّقا. وإن لم يتمكّن وفرّق جميعه، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه. ولا بأس أن يقضي ما فاته من شهر رمضان في أيّ شهر

١٦٣

كان. فإن اتّفق أن يكون مسافرا انتظر وصوله إلى بلده أو المقام في بلد أكثر من عشرة أيام. ثمَّ يقضيه إن شاء.

ومن أكل، أو شرب، أو فعل ما ينقض الصّيام، في يوم يقضيه من شهر رمضان، ناسيا، تمّم صيامه، وليس عليه شي‌ء. فإن فعله متعمّدا، وكان قبل الزّوال، أفطر يومه ذلك، ثمَّ ليقضه، وليس عليه شي‌ء. وإن فعل ذلك بعد الزّوال، قضى ذلك اليوم، وكان عليه إطعام عشرة مساكين. فإن لم يتمكّن، كان عليه صيام ثلاثة أيّام بدلا من الكفّارة. وقد رويت رواية: « أنّ عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان » والعمل ما قدّمناه. ويمكن أن يكون الوجه في هذه الرّواية: من أفطر هذا اليوم بعد الزّوال استخفافا بالفرض وتهاونا به، فلزمته هذه الكفّارة عقوبة وتغليظا، ومن أفطر على غير ذلك الوجه، فليس عليه إلّا الأوّل. وقد وردت رواية أخرى: « أنّه ليس عليه شي‌ء » ويمكن أن يكون الوجه فيها: من لم يتمكّن من الإطعام ولا من صيام ثلاثة أيّام، فليس عليه شي‌ء. ومتى أصبح الرّجل جنبا، وقد طلع الفجر عامدا كان أو ناسيا، فليفطر ذلك اليوم ولا يصمه ويصوم غيره من الأيّام.

ومن أصبح صائما متطوّعا، جاز له أن يفطر أيّ وقت شاء. فإذا صار بعد الزّوال، فالأفضل له أن يصوم ذلك اليوم، إلّا أن يدعوه أخ له مؤمن، فإن الأفضل له الإفطار.

١٦٤

ومن أصبح بنيّة الإفطار، جاز له أن يجدّد النيّة لقضاء شهر رمضان أو لصيام التطوع ما بينه وبين نصف النّهار. فإذا زالت الشّمس، لم يجز له تجديد النيّة.

والحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الأيّام من شهر رمضان. فإن كانت مستحاضة في شهر رمضان، صامت إلّا الأيّام التي كانت عادتها فيها الحيض. ثمَّ تقضي تلك الأيّام. ومتى أصبحت المرأة صائمة، ثمَّ رأت الدّم، فقد أفطرت. وإن كان ذلك بعد العصر أو قبل غيبوبة الشّمس بقليل، أمسكت، وعليها قضاء ذلك اليوم. ومتى أصبحت بنيّة الإفطار، ثمَّ طهرت في بقيّة يومها، أمسكت ما بقي من النّهار، وكان عليها القضاء. ومتى طهرت المرأة من الحيض أو النّفاس، ثمَّ استحاضت، وصامت، ولم تفعل ما تفعله المستحاضة، كان عليها قضاء الصّوم.

ومن أجنب في أوّل الشّهر، ونسي أن يغتسل، وصام الشّهر كلّه، وصلّى، وجب عليه الاغتسال، وقضاء الصّوم والصّلاة. والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أوّل الشّهر. ونوى الصّوم، ثمَّ أغمي عليه، واستمرّ به أيّاما، لم يلزمه قضاء شي‌ء فاته، لأنّه بحكم الصّائم. وإن لم يمكن مفيقا في أوّل الشّهر، بل كان مغمى عليه، وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا. وعندي أنّه لا قضاء عليه أصلا.

١٦٥

باب ما يجري مجرى شهر رمضان في وجوب الصوم وحكم من أفطر فيه على العمد والنسيان

الذي يجري مجرى ذلك: صيام شهرين متتابعين فيمن قتل خطأ إذا لم يجد العتق، وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظّهار على من لم يجد عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا إذا لم يعتق ولم يطعم. فمن وجب عليه شي‌ء من هذا الصّيام، وجب عليه أن يصومه متتابعا. فإن لم يتمكّن من صيامه متتابعا، صام الشّهر الأوّل ومن الشّهر الثّاني شيئا، ثمَّ فرّق ما بقي عليه. فإن أفطر في الشّهر الأوّل أو الثّاني قبل أن يصوم منه شيئا، كان عليه الاستيناف. اللهمّ إلّا أن يكون سبب إفطاره المرض أو شيئا من قبل الله تعالى، فإنّه يبني عليه على كلّ حال.

وليس على من وجب عليه صوم هذه الأشياء أن يصومه في السّفر، ولا أن يصوم أيّام العيدين ولا أيّام التّشريق إذا كان بمنى. فإن وافق صومه أحد هذه الأيّام، وجب عليه أن يفطر، ثمَّ ليقض يوما مكانه، إلّا أن يكون الذي وجب عليه الصّيام القابل في أشهر الحرم، فإنه يجب عليه صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم، وإن دخل فيها صيام يوم العيد وأيّام التّشريق. والمرأة إذا حاضت، وهي تصوم شهرين متتابعين، أفطرت أيّام

١٦٦

حيضها، ثمَّ لتقضها بعد انقضاء حيضها.

ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أوّل شعبان، فليتركه إلى انقضاء شهر رمضان، ثمَّ يصوم شهرين متتابعين. فإن صام شعبان ورمضان، لم يجزئه، إلّا أن يكون قد صام مع شعبان شيئا ممّا تقدّم من الأيّام، فيكون قد زاد على الشّهر، فيجوز له البناء عليه، ويتمّم شهرين.

ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا، فصام خمسة عشر يوما، وعرض له ما يفطر فيه، وجب عليه صيام ما بقي من الشّهر. وإن كان صومه أقلّ من خمسة عشر يوما كان عليه الاستيناف.

فأما صيام النّذر فقد بيّنّا حكمه فيما تقدّم. فمن أفطر في يوم قد نذر صومه متعمّدا، وجب عليه ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا. فان لم يتمكّن، صام ثمانية عشر يوما، أو تصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يستطع، استغفر الله، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر أن يصوم حينا من الزّمان، وجب عليه أن يصوم ستّة أشهر. فإن نذر أن يصوم زمانا، كان عليه أن يصوم خمسة أشهر.

ومن نذر أن يصوم بمكّة أو بالمدينة أو أحد المواضع المعيّنة شهرا بعينه، فحضره، وصام بعضه، ولم يتمكّن من المقام،

١٦٧

جاز له أن يخرج. فاذا رجع الى بلده، قضاه على التّمام.

ومتى عجز الإنسان عن صيام ما نذر فيه، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام.

وصوم كفّارة اليمين واجب أيضا. وهو ثلاثة أيام متتابعات. ولا يجوز الفصل بينهما بالإفطار. فمن فعل ذلك، استأنف الصّيام.

وصيام أذى حلق الرّأس واجب، إذا لم ينسك، ولم يتصدّق. وصيام ثلاثة أيّام لمن لم يجد دم المتعة في الحجّ متتابعات أيضا، وصوم جزاء الصّيد بحسب قيمة جزأيه وبحسب ما يلزمه من الصّيام.

وصوم الاعتكاف واجب أيضا، وسنفرد له بابا إن شاء الله.

باب صيام التطوع وما يكون صاحبه فيه بالخيار وصوم التأديب والاذن وما لا يجوز صيامه

صوم ثلاثة أيّام في الشّهر مستحب مندوب اليه مرغّب فيه. وهو أوّل خميس في العشر الأوّل، وأوّل أربعاء في العشر الثّاني، وآخر خميس في العشر الأخير. فينبغي أن لا يتركه الإنسان مع الاختيار. فإن لم يقدر على صيام هذه الأيّام في أوقاتها، جاز له تأخيرها من شهر إلى شهر، ثمَّ يقضيها. وكذلك لا بأس أن يؤخرها من الصّيف الى الشّتاء، ثمَّ يقضيها بحسب ما فاته. فان

١٦٨

عجز عن الصّيام، جاز له أن يتصدّق عن كلّ يوم بدرهم أو بمدّ من طعام. فإن لم يقدر على ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

ويستحبّ صيام الأربعة أيّام في السّنة، وهي: يوم السّابع والعشرين من رجب، وهو يوم مبعث النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوم السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل، وهو يوم مولده، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وهو يوم دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة، ويوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم الغدير، نصب فيه رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، إماما للأنام.

ويستحبّ صيام أوّل يوم من ذي الحجّة، وهو يوم ولد فيه إبراهيم الخليل،عليه‌السلام . ويستحبّ صيام رجب بأسره لمن تمكّن من ذلك. ومن لم يتمكّن، صام أوّل يوم منه، ويوم الثالث عشر منه، وهو يوم ولد فيه أمير المؤمنين،عليه‌السلام . ويستحبّ صيام شعبان وصلته بشهر رمضان. فمن صامه، ووصله بشهر رمضان، كان توبة من الله، ومن لم يتمكّن من صومه كلّه، صام منه ما استطاع.

والصّوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار، فيوم الجمعة والخميس وأيام البيض من كلّ شهر وستّة أيام من شوّال وصوم يوم عرفة ويوم عاشوراء.

وأما صوم الإذن، فلا تصوم المرأة تطوّعا إلا بإذن زوجها.

١٦٩

فان صامت من غير إذنه، جاز له أن يفطرها، ويواقعها. وإن كانت صائمة من قضاء شهر رمضان، لم يكن له ذلك. والعبد لا يصوم تطوّعا إلا بإذن مولاه. والضّيف لا يصوم تطوّعا إلا بإذن مضيفه.

وأمّا صوم التأديب، فأن يؤخذ الصّبيّ إذا راهق بالصّوم تأديبا، وليس بفرض. وكذلك من أفطر لمرض في أول النهار ثمَّ قوي بقيّة نهاره، أمر بالإمساك عن الطّعام والشّراب بقيّة يومه تأديبا، وليس بفرض وكذلك المسافر، إذا أكل من أوّل النّهار، ثمَّ قدم أهله، أمسك بقيّة يومه تأديبا. وكذلك الحائض إذا أفطرت في أوّل النّهار، ثمَّ طهرت في بقيّة يومها، أمسكت تأديبا، وعليها قضاؤه.

وأمّا الذي لا يجوز صيامه على حال: فيوم الفطر ويوم الأضحى، وثلاثة أيّام التّشريق لمن كان بمنى، وصوم يوم الشّكّ على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، وصوم الوصال وهو أن يجعل عشاءه سحوره، وصوم الصّمت، وصوم نذر المعصية، وصوم الدّهر.

باب الاعتكاف

الاعتكاف مستحبّ مندوب اليه مرغّب فيه. وأفضل ما يعتكف الإنسان فيه من الأوقات، العشر الأواخر من شهر رمضان. فإن اعتكف في غيرها، كان أيضا جائزا. وفيه فضل

١٧٠

كبير. والمواضع التي يجوز فيها الاعتكاف، كلّ مسجد جمّع الإمام العادل فيه بالنّاس صلاة جمعة يوم الجمعة، وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة. وقد روي في بعض الأخبار مسجد المدائن. والمعوّل على المساجد الّتي ذكرناها. ولا يجوز الاعتكاف فيما عدا هذه المساجد التي قدّمنا ذكرها.

ومتى أراد الإنسان الاعتكاف، فلا يعتكف أقلّ من ثلاثة أيّام، فإنه لا اعتكاف أقلّ منها. ولا بدّ أن يصوم واجبا، لأنه لا اعتكاف إلّا بصوم. فمن اعتكف ثلاثة أيّام، كان فيما زاد عليها بالخيار: إن أراد أن يزداد ازداد، وإن أراد أن يرجع رجع. فإن صام بعد الثّلاثة أيّام يومين آخرين، لم يجز له الرّجوع، وكان عليه تمام ثلاثة أيّام أخر. وان كان قد زاد يوما واحدا، جاز له أن يفسخ الاعتكاف.

وينبغي للمعتكف أن يشترط على ربّه في حال ما يعزم على الاعتكاف كما يشترط في حال الإحرام: بأنه إن عرض له مرض وما أشبهه، كان له الرّجوع فيه. فإنّه متى فعل ذلك، ثمَّ عرض له مرض: جاز له أن يرجع فيه أيّ وقت شاء. فان لم يشترط، لم يكن له الرّجوع فيه، الّا أن يكون أقلّ من يومين. فإن مضت عليه يومان، وجب عليه أيضا تمام ثلاثة أيّام حسب ما قدّمناه.

١٧١

وعلى المعتكف أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من النّساء والطّيب والرّياحين والكلام الفحش والمماراة والبيع والشّراء، ولا يفعل شيئا من ذلك.

ولا يجوز له أن يخرج من المسجد الذي اعتكف فيه، إلّا لضرورة تدعوه إلى ذلك من تشييع أخ أو جنازة أو عيادة مريض أو قضاء حاجة لا بدّ له منها. فمتى خرج لإحدى الأشياء التي ذكرناها، فلا يقعد في موضع، ولا يمشي تحت الظّلال.

ولا يقف فيها إلّا عند الضرورة الى أن يعود إلى المسجد. ولا يصلّي المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه، إلا بمكّة خاصّة، فإنه يجوز له أن يصلّي بمكّة في أيّ بيوتها شاء.

ومتى اعتلّ المعتكف جاز له أن يخرج من المسجد الى بيته. فإذا برأ قضى اعتكافه وصومه.

واعتكاف المرأة كاعتكاف الرّجل سواء، وحكمها حكمه في جميع الأشياء. فإن طمثت، خرجت من المسجد. فإذا طهرت، عادت، وقضت الاعتكاف والصّوم.

ولا يجوز للمعتكف مواقعة النّساء لا باللّيل ولا بالنّهار. فمتى واقع الرّجل امرأته، وهو معتكف ليلا، كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان: عتق رقبة، أو صيام شهرين أو إطعام ستّين مسكينا. وإن كانت مواقعته لها بالنّهار في شهر رمضان، كان عليه كفّارتان.

١٧٢

كتاب الزكاة

الزّكاة على ضربين: مفروض ومسنون. وكلّ واحد منهما ينقسم قسمين: فقسم منهما زكاة الأموال، والثاني زكاة الرّءوس.

فأمّا زكاة الأموال، فيحتاج في معرفتها إلى ستّة أشياء: أحدها معرفة وجوب الزّكاة. والثّاني معرفة من تجب عليه، ومن لا تجب عليه. والثّالث معرفة ما تجب فيه، وما لا تجب والرّابع معرفة المقدار الذي تجب فيه، ومعرفة مقدار ما لا تجب. والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه. والسّادس معرفة من يستحقّ ذلك ومقدار ما يعطى من أقلّ أو أكثر.

وأمّا زكاة الرّءوس فيحتاج فيها أيضا إلى معرفة ستّة أشياء: أحدها معرفة وجوبها. والثّاني معرفة من تجب عليه. والثّالث معرفة ما يجوز إخراجه وما لا يجوز. والرّابع معرفة مقدار ما تجب. والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه. والسّادس من المستحقّ له، وكم أقلّ ما يعطى وأكثر. وليس

١٧٣

يخرج من هذه الأقسام شي‌ء ممّا يتعلّق بأبواب الزّكاة. ونحن نبيّن قسما قسما من ذلك، ونستوفيه على حقّه إن شاء الله.

باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه

الزّكاة المفروضة في شريعة الإسلام، واجبة على كلّ مكلّف حرّ بالغ، رجلا كان أو امرأة. وهم ينقسمون قسمين: قسم منهم إذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزّكاة، كان ثابتا في ذمّتهم. وهم جميع من كان على ظاهر الإسلام. والباقون هم الذين متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزّكاة، لم يلزمهم قضاؤه. وهم جميع من خالف الإسلام. فإن الزّكاة، وإن كانت واجبة عليهم بشرط الإسلام، ولم يخرجوها لكفرهم، فمتى أسلموا لم يلزمهم إعادتها.

وأمّا المجانين، ومن ليس بكامل العقل، فلا تجب عليهم الزّكاة في أموالهم المودعة. وتجب فيما يحصل لهم من الغلّات والمواشي. وحكم الأطفال حكم من ليس بعاقل من المجانين أو غيرهم. فإنه لا تجب في أموالهم الصّامتة زكاة.

فإن اتّجر متّجر بأموالهم نظرا لهم، يستحبّ له أن يخرج من أموالهم الزّكاة، وجاز له أن يأخذ من الرّبح بقدر ما يحتاج اليه على قدر الكفاية. وإن اتّجر لنفسه دونهم، وكان في الحال متمكّنا من ضمان ذلك المال، كانت الزّكاة عليه،

١٧٤

والرّبح له. وإن لم يكن متمكّنا في الحال من مقدار ما يضمن به مال الطّفل، وتصرّف فيه لنفسه من غير وصيّة ولا ولاية، لزمه ضمانه، وكان الرّبح لليتيم، ويخرج منه الزّكاة.

فأما ما عدا الأموال الصّامتة من الغلّات والمواشي، فإنّه يجب على من سمّيناه الزّكاة في أموالهم، وعلى أوليائهم أن يخرجوها ويسلّموها إلى مستحقّيها.

باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وما يستحب فيه الزكاة

الذي تجب فيه الزّكاة فرضا لازما تسعة أشياء:

الذهب والفضّة، إذا كانا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين. فإذا كانا سبائك أو حليّا، فلا تجب فيهما الزّكاة، إلا أن يقصد صاحبهما الفرار به من الزّكاة. فمتى فعل ذلك حال وجوب الزّكاة، استحبّ له أن يخرج منهما الزّكاة. وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت، لزمته الزّكاة على كلّ حال.

والحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والإبل والبقر والغنم.

وكلّ ما عدا هذه التسعة أشياء، فإنه لا تجب فيه الزّكاة.

ولا زكاة على مال غائب، إلّا إذا كان صاحبه متمكّنا منه أيّ وقت شاء. فإن كان متمكّنا منه لزمته الزّكاة. فإن لم يكن

١٧٥

متمكّنا، وغاب منه سنين، ثمَّ حصل عنده، يخرج منه زكاة سنة واحدة.

ومن ورث مالا، ولا يصل اليه إلّا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال، فليس عليه زكاة، إلا أن يصل إليه ويحول عليه حول.

ومال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه، بل تجب على المستقرض الزّكاة، إن تركه بحاله حتّى يحول عليه الحول. وإن تصرّف فيه بتجارة وما أشبهها، لزمته الزّكاة استحبابا.

وكلّ ما يملكه الإنسان مما عدا التّسعة أشياء التي ذكرناها، فإنّه يستحبّ له أن يخرج منه الزّكاة.

فإن كان معه مال يديره في التّجارة، استحبّ له إخراج الزّكاة منه، إذا دخل وقتها، وكان رأس المال حاصلا، أو يكون معه الرّبح. فإن كان قد نقص ماله، أو كان ما اشتراه طلب بأقلّ من رأس المال، فليس عليه فيه شي‌ء، فإن بقي عنده على هذا الوجه أحوالا، ثمَّ باعه، أخرج منه الزّكاة لسنة واحدة.

وكلّ ما يدخل فيه المكيال والميزان من الحبوب وغيرها مثل الجاورس والذرّة والسّلت والأرزّ والباقلا والسّمسم والكتّان وما أشبه ذلك، يستحبّ له أن يخرج منه الزّكاة سنّة مؤكّدة.

وأمّا الخضروات مثل القضب والباذنجان والبقول كلّها وما

١٧٦

أشبهها، فليس في شي‌ء منها زكاة، وإن بلغ ثمنه شيئا كثيرا، إلّا أن يباع ويحول على ثمنه الحول.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، إلّا إذا كانت سائمة، ويكون قد حال عليه الحول فصاعدا.

فإمّا المعلوفة منها فليس في شي‌ء منها زكاة على حال.

وحكم الجواميس حكم البقر في وجوب الزّكاة عليها.

وأمّا الخيل. ففيها الزّكاة مستحبّة، إذا كانت إناثا سائمة فإن كانت معلوفة، فليس فيها شي‌ء.

وليس على الإنسان زكاة فيما يملكه من خادم يخدمه أو دار يسكنها، إلّا أن تكون دار غلّة. فإن كان كذلك، يستحبّ أن يخرج منها الزّكاة. فأما زكاة الحليّ، فإعارته لمن يحتاج إليه إذا كان مأمونا.

باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب

أمّا الذّهب فليس في شي‌ء منه زكاة، ما لم يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ ذلك، كان فيه نصف دينار. ثمَّ ليس فيه شي‌ء ما لم تزد عليه أربعة دنانير. فإذا زاد ذلك، كان فيه ستّة أعشار. ثمَّ على هذا الحساب كلّما زادت أربعة دنانير، كان فيها زيادة عشر دينار بالغا ما بلغ. وليس فيما دون ذلك شي‌ء.

١٧٧

وأمّا زكاة الفضّة، فليس فيها شي‌ء ما لم تبلغ مائتي درهم. فإذا بلغت ذلك، كان فيها خمسة دراهم. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى ان تزيد أربعون درهما. فإذا زاد ذلك، كان فيها ستّة دراهم. ثمَّ على هذا الحساب، كلّما زادت أربعون درهما، كان فيها زيادة درهم بالغا ما بلغ. وليس فيما دون الأربعين بعد المأتين شي‌ء من الزّكاة.

وإذا خلّف الرّجل دراهم أو دنانير نفقة لعياله، لسنة أو سنتين أو أكثر من ذلك، مقدار ما تجب فيه الزّكاة، وكان الرّجل غالبا، لم تجب فيها زكاة. فإن كان حاضرا، وجبت عليه الزّكاة.

وأمّا زكاة الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فعلى حدّ سواء. وليس في شي‌ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان وإخراج المؤن عنها. كلّ وسق ستّون صاعا كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقيّ، يكون مبلغه ألفين وسبعمائة رطل. فإذا بلغ ذلك، كان فيه العشر، إن كان سقي سيحا أو شرب بعلا. وإن كان ممّا قد سقي بالغرب والدّوالي والنّواضح وما أشبه ذلك، كان فيه نصف العشر. وإن كان ممّا قد سقي سيحا وغير سيح، اعتبر الأغلب في سقيه. فإن كان سقيه سيحا أكثر، كان حكمه حكمه، يؤخذ منه العشر. وإن كان

١٧٨

سقيه بالغرب والدّوالي وما أشبههما أكثر، كان حكمه حكمه، يؤخذ منه نصف العشر فإن استويا في ذلك، يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر، ومن النّصف الآخر بحساب نصف العشر. وما زاد على خمسة أوسق، كان حكمه حكم الخمسة أوسق في أن يؤخذ منه العشر أو نصف العشر، قليلا كان أو كثيرا.

وأمّا زكاة الإبل، فليس في شي‌ء منها زكاة الى أن تبلغ خمسا. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. وليس فيما يزيد عليها شي‌ء الى أن تبلغ عشرا. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاتان. وليس فيما زاد عليها شي‌ء الى ان تبلغ خمس عشرة. فإذا بلغت ذلك، كان فيها ثلاث شياه. ثمَّ كذلك ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ عشرين. فاذا بلغت ذلك، كان فيها أربع شياه. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى ان تبلغ خمسا وعشرين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها خمس شياه. فإن زادت على خمس وعشرين واحدة، كان فيها بنت مخاض. وليس فيها شي‌ء بعد ذلك الى أن تبلغ خمسا وثلاثين، وتزيد واحدة. فإذا بلغت، كان فيها بنت لبون. وليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ ستّا وأربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها حقّة. وليس فيما زاد عليها شي‌ء الى أن تبلغ إحدى وستّين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها جذعة، ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ ستّا وسبعين. فإذا

١٧٩

بلغت ذلك، كان فيها بنتا لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ إحدى وتسعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها حقّتان. ثمَّ ليس فيها شي‌ء إلى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين. فاذا بلغت ذلك، تركت هذه العبرة، وأخذت من كلّ خمسين حقّة، ومن كلّ أربعين بنت لبون.

فإن كان الذي تجب عليه زكاة الإبل ليس معه عين ما يجب عليه، جاز أن يؤخذ منه قيمته. فإن لم تكن معه القيمة وكان معه من غير السّنّ الذي وجب عليه، جاز أن يؤخذ منه. فإن كان دون ما يستحقّ عليه، أخذ منه مع ذلك، ما يكون تماما للذي وجب عليه. وإن كان فوق الّذي يجب عليه، أخذ منه، وردّ عليه ما فضل له. مثال ذلك أنّه إذا وجبت عليه بنت مخاض، وليست عنده، وعنده ابن لبون ذكر، أخذ منه ذلك وليس عليه شي‌ء. فإن كان عنده بنت لبون، وقد وجبت عليه بنت مخاض، أخذت منه، وأعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما. فإن كان قد وجبت عليه بنت لبون، وعنده بنت مخاض، أخذت منه، وأخذ معها شاتان أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه حقّة، وليست عنده، وعنده بنت لبون، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. وإن كان قد وجبت عليه بنت لبون وعنده حقّة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه جذعة، وليست عنده،

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793