النهاية الجزء ١

النهاية0%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

النهاية

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف:

الصفحات: 793
المشاهدات: 216115
تحميل: 5677


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216115 / تحميل: 5677
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

ليسلّمه الى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصّي به حسب ما وصي به إليه الى أن يصل الى صاحب الأمر.

وقال قوم: يجب دفنه لأنّ الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.

وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستّة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته. والثلاثة أقسام الأخر يفرّق على مستحقّيه من أيتام آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

وهذا ممّا ينبغي أن يكون العمل عليه، لأنّ هذه الثلاثة أقسام مستحقّها ظاهر، وإن كان المتولّي لتفريق ذلك فيهم، ليس بظاهر، كما أنّ مستحقّ الزّكاة ظاهر، وإن كان المتولّي لقبضها وتقريقها ليس بظاهر. ولا أحد يقول في الزّكاة: إنّه لا يجوز تسليمها الى مستحقّيها.

ولو أنّ إنسانا استعمل الاحتياط، وعمل على أحد الأقوال المقدّم ذكرها من الدّفن أو الوصاة لم يكن مأثوما. فأمّا التصرّف فيه على ما تضمّنه القول الأوّل، فهو ضدّ الاحتياط، والأولى اجتنابه حسب ما قدّمناه

٢٠١

كتاب الحج

باب وجوب الحج ومن يجب عليه وكيفية وجوبه

الحجّ فريضة على كلّ حرّ بالغ مكلّف مستطيع للحجّ رجلا كان أو امرأة.

ذكرنا كونه بالغا، لأنّ من ليس ببالغ من الرّجال ومن النّساء، لا يجب عليه الحج، فإن حجّ، وهو غير بالغ، أو حجّ به غيره وهو طفل، لم يجزأه ذلك من حجّة الإسلام، وكان عليه الإعادة بعد البلوغ.

وذكرنا كونه حرّا، لأنّ العبد لا يجب عليه الحج. فان حجّ في حال العبوديّة، ثمَّ أعتق بعد ذلك لم يجزأه ذلك عن حجّة الإسلام، وكانت عليه الإعادة، وسواء كانت الحجّة التي حجّها بإذن مولاه أو بغير إذنه، اللهم إلّا أن يلحقه العتاق قبل أن يفوته الوقوف بأحد الموقفين. فإن أدرك أحد الموقفين بعد العتق، فقد أجزأه عن حجّة الإسلام.

وذكرنا كونه مكلّفا، لأنّ من ليس بمكلّف من المجانين وغيرهم، لا تقع حجّتهم الموقع الصّحيح، ولا تجزي عنهم،

٢٠٢

وكانت الحجّة في ذمّتهم إن عادوا الى حال الصّحة وكمال العقل.

وذكرنا كونه مستطيعا، لأنّ من ليس بمستطيع لا يجب عليه الحج.

والاستطاعة هي الزّاد والرّاحلة والرّجوع الى كفاية وتخلية السّرب من جميع الموانع. فإن ملك الزّاد والرّاحلة، ولم يكن معه غيره، لم يجب عليه الحج. اللهم إلّا أن يكون صاحب حرفة وصناعة يرجع إليها، ويمكنه أن يتعيّش بها.

فان حصلت الاستطاعة، ومنعه من الخروج مانع من سلطان أو عدو أو مرض، ولم يتمكّن من الخروج بنفسه، كان عليه أن يخرج رجلا يحج عنه. فإذا زالت عنه بعد ذلك الموانع، كان عليه إعادة الحجّ. لأن الذي أخرجه إنّما كان يجب عليه في ماله، وهذا يلزمه على بدنه وماله. وإن لم تزل الموانع عنه، وأدركه الموت، كان ذلك مجزيا عنه.

فان لم يخرج أحدا عنه، والحال هذه، أو يكون متمكّنا من الخروج فلا يخرج، وأدركه الموت، وجب أن يخرج منه من صلب ماله، وما بقي بعد ذلك يكون ميراثا. فإن لم يخلّف إلّا قدر ما يحجّ به عنه، وكانت الحجّة قد وجبت عليه قبل ذلك، وجب أن يحجّ به عنه. وكذلك الحكم إذا ترك قدر ما يحجّ به من بعض المواقيت، وجب أيضا أن يحجّ عنه من ذلك الموضع. وإن خلّف قدر ما يحجّ به عنه، أو أقلّ من ذلك، ولم

٢٠٣

يكن قد وجب عليه الحجّ قبل ذلك، كان ميراثا لورثته.

ومن لم يملك الاستطاعة، وكان له ولد له مال، وجب عليه أن يأخذ من مال ابنه قدر ما يحجّ به على الاقتصاد، ويحج. فان لم يكن له ولد، وعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج اليه من مئونة الطّريق، وجب عليه أيضا الحج.

ومن ليس معه مال، وحجّ به بعض إخوانه، فقد أجزأه ذلك عن حجّة الإسلام، وإن أيسر بعد ذلك، إلا أنه يستحبّ له أن يحجّ بعد يساره، فإنّه أفضل. ومن فقد الاستطاعة أصلا، وكان متمكّنا من المشي، كان عليه الحجّ استحبابا مؤكّدا. وكذلك إن كان معه من النّفقة ما يركب بعضا ويمشي بعضا، يستحبّ له أن يخرج أيضا الى الحجّ. وإن خرج وتسكّع في الطّريق حتى يحج، كان ذلك أيضا جائزا، إلا أنه متى حجّ والحال على ما وصفناه، ثمَّ وجد بعد ذلك المال، كان عليه إعادة الحج.

ومتى كان الرجل مستطيعا للزّاد والرّاحلة، وأراد أن يحجّ ماشيا، فإن كان ذلك لا يضعفه، ولا يمنعه من أداء الفرائض، كان المشي أفضل له من الرّكوب. وإن أضعفه ذلك عن إقامة الفرائض، كان الرّكوب أفضل له.

ومتى عدم الرّجل الاستطاعة، جاز له أن يحجّ عن غيره، وإن كان صرورة لم يحجّ بعد حجّة الإسلام، وتكون الحجّة

٢٠٤

مجزأة عمّن يحجّ عنه. وهو إذا أيسر بعد ذلك، كان عليه إعادة الحج.

ومتى نذر الرّجل أن يحجّ لله تعالى، وجب عليه الوفاء به. فإن حجّ الذي نذر، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام فقد أجزأت حجّته عن حجّة الإسلام. وإن خرج بعد النّذر بنيّة حجّة الإسلام، لم يجزئه عن الحجّة التي نذر بها، وكانت في ذمّته. ومن نذر أن يحجّ ماشيا، ثمَّ عجز عنه، فليسق بدنة، وليركب، وليس عليه شي‌ء. وإن لم يعجز عن المشي، كان عليه الوفاء به. فإذا انتهى الى مواضع العبور، فليكن فيها قائما، وليس عليه شي‌ء.

ومن حصلت معه الاستطاعة، وجب عليه الحجّ على الفور والبدار دون التراخي. فإن أخّره وهو متمكّن من تقديمه، كان تاركا فريضة من فرائض الإسلام.

ومن حجّ، وهو مخالف لم يعرف الحقّ على الوجه الذي يجب عليه الحج، ولم يخلّ بشي‌ء من أركانه، فقد أجزأته عن حجّة الإسلام، ويستحبّ له إعادة الحجّ بعد استبصاره. وإن كان قد أخلّ بشي‌ء من أركان الحجّ، لم يجزأه ذلك عن حجّة الإسلام، وكان عليه قضاؤها فيما بعد.

باب أنواع الحج

الحج على ثلاثة أضرب: تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وقران، وإفراد.

٢٠٥

فأمّا التّمتّع، فهو فرض الله تعالى على جميع المكلّفين ممّن ليس هو من أهل مكّة وحاضريها. وهو من يكون بمكّة أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلا. ومن وجب عليه التّمتّع، لا يجزئه إفراد ولا قران، إلّا عند الضّرورة وفقد التّمكّن من التّمتّع. فإن كان متمكّنا، وحجّ قارنا أو مفردا، كان عليه إعادة الحجّ.

وأمّا الإفراد والقران، فهو فرض أهل مكّة وحاضريها. وهم الذين قدّمنا ذكرهم، ولا يجوز لهم التّمتّع.

ومن جاور بمكّة سنة واحدة أو سنتين، جاز له أن يتمتّع فيخرج الى الميقات ويحرم بالحجّ متمتّعا. فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التّمتّع، وكان حكمه حكم أهل مكّة وحاضريها.

ومن كان من أهل مكّة أو حاضريها، ثمَّ نأى عن منزله إلى مثل المدينة أو غيرها من البلاد، ثمَّ أراد الرّجوع الى مكّة، وأراد أن يحجّ متمتّعا، جاز له ذلك.

فإذا أراد الإنسان أن يحجّ متمتّعا، فعليه أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة، وهو لا يمسّ شيئا منهما. فاذا جاء الى ميقات أهله، أحرم بالحجّ متمتّعا، ومضى إلى مكّة. فإذا شاهد بيوت مكّة، فليقطع التّلبية ثمَّ ليدخلها. فإذا دخلها، طاف بالبيت سبعا، وصلّى عند المقام ركعتين، ثمَّ سعى بين الصّفا والمروة، وقصّر من شعر رأسه. وقد أحلّ من جميع ما أحرم

٢٠٦

منه من النّساء والطّيب وغير ذلك إلّا الصّيد، فإنّه لا يجوز له ذلك، لكونه في الحرم. ثمَّ يكون على هيئته هذه إلى يوم التّروية عند الزّوال. فإذا كان ذلك الوقت صلّى الظّهر، وأحرم بعده بالحجّ ومضى إلى منى.

ثمَّ ليعد الى عرفات فيصلّي بها الظّهر والعصر، فيقف بها الى غروب الشّمس. ثمَّ يفيض الى المشعر الحرام، فيقف بها تلك اللّيلة. فإذا أصبح، غدا منها إلى منى، فقضى مناسكه هناك.

ثمَّ يجي‌ء يوم النّحر أو من الغد لا يؤخّر ذلك الى مكّة. ويطوف بالبيت طواف الحجّ، ويصلّي ركعتي الطّواف. ويسعى بين الصّفا والمروة. وقد فرغ من مناسكه كلّها، وحلّ له كلّ شي‌ء إلّا النساء والصّيد، وبقي عليه لتحلّة النّساء طواف. فليطف أيّ وقت شاء في مدّة مقامه بمكّة. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له النساء.

وعليه هدي واجب ينحره بمنى يوم النّحر. فإن لم يتمكّن منه، كان عليه صيام عشرة أيّام: ثلاثة في الحجّ يوم قبل التّروية ويوم التّروية ويوم عرفة، وسبعة إذا رجع الى أهله.

والمتمتّع إنّما يكون متمتّعا إذا وقعت عمرته في أشهر الحجّ، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة. فإن وقعت عمرته في غير هذه الأشهر، لم يجز له أن يكون متمتّعا بتلك العمرة وكان عليه لحجّته عمرة أخرى، يبتدئ بها في الأشهر التي قدّمناها.

٢٠٧

وكذلك لا يجوز الإحرام بالحجّ مفردا ولا قارنا، إلّا في هذه الأشهر. فإن أحرم في غيرها، فلا حجّ له. اللهمّ إلّا أن يجدّد الإحرام عند دخول هذه الأشهر عليه. فيكون ذلك مجزيا عنه.

وأمّا القارن، فعليه أن يحرم من ميقات أهله، ويسوق معه هديا يشعره من موضع الإحرام، يشقّ سنامه ويلطّخه بالدّم، ويعلّق في رقبته نعلا ممّا كان يصلّي فيه. وليسق الهدي معه إلى منى. ولا يجوز له ان يحلّ إلى أن يبلغ الهدي محلّه. فإن أراد أن يدخل مكّة، جاز له ذلك. لكنّه لا يقطع التّلبية. وإن أراد أن يطوف بالبيت تطوّعا، فعل، إلّا أنّه كلّما طاف بالبيت، لبّى عند فراغه من الطّواف ليعقد إحرامه بالتّلبية. وإنّما يفعل ذلك لأنّه لو لم يفعل ذلك، دخل في كونه محلا، وبطلت حجّته، وصارت عمرة. وقد بيّنا أنّه ليس له أن يحلّ الى أن يبلغ الهدي محلّه من يوم النّحر. وليقض مناسكه كلّها من الوقوف بالموقفين وما يجب عليه من المناسك بمنى، ثمَّ يعود إلى مكّة، فيطوف بالبيت سبعا، ويسعى بين الصّفا والمروة سبعا، ثمَّ يطوف طواف النّساء، وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه، وكانت عليه العمرة بعد ذلك.

والمتمتّع إذا تمتّع، سقط عنه فرض العمرة. لأن عمرته التي يتمتّع بها بالحجّ، قامت مقام العمرة المبتولة، ولم يلزمه

٢٠٨

إعادتها.

فأمّا المفرد، فإن عليه ما على القارن سواء لا يختلف حكمها في شي‌ء من مناسك الحج.

وانما يتميّز القارن من المفرد بسياق الهدي. فأمّا باقي المناسك، فهما مشتركان فيه على السّواء. ولا يجوز لهما أن يقطعا التّلبية إلّا بعد الزّوال من يوم عرفة، وليس عليهما هدي وجوبا. فان ضحيا استحبابا، كان لهما فيه فضل، وليس ذلك بواجب.

باب المواقيت

معرفة المواقيت واجبة، لأنّ الإحرام لا يجوز إلّا منها. فلو أنّ إنسانا أحرم قبل ميقاته، كان إحرامه باطلا، واحتاج الى استيناف الإحرام من الميقات. اللهمّ إلّا أن يكون قد نذر لله تعالى على نفسه أن يحرم من موضع بعينه. فإنّه يلزمه الوفاء به حسب ما نذره. ومن أراد أن يحرم بالعمرة في رجب، وقد قارب تقضّيه قبل أن يبلغ الميقات، جاز له أن يقدّم إحرامه قبل أن يبلغ الميقات. ومن عرض له مانع من الإحرام، جاز له أن يؤخّره أيضا عن الميقات. فإذا زال المنع، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه. وإذا أحرم قبل الوقت، وأصاب صيدا، لم يكن عليه شي‌ء. وإن أخّر إحرامه عن الميقات، وجب عليه أن يرجع اليه، ويحرم

٢٠٩

منه، متعمّدا كان أو ناسيا. فان لم يمكنه الرّجوع الى الميقات، وكان قد ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن كان قد تركه ناسيا، فليحرم من الموضع الذي انتهى اليه. فإن كان قد دخل مكّة، ثمَّ ذكر أنّه لم يحرم، ولم يمكنه الرّجوع الى الميقات للخوف أو لضيق الوقت، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج اليه. وإن لم يمكنه ذلك، أيضا أحرم من موضعه، وليس عليه شي‌ء.

وقد وقّت رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكل قوم ميقاتا على حسب طرقهم:

فوقّت لأهل العراق ومن حجّ على طريقهم، العقيق. وله ثلاثة أوقات: أوّلها المسلح، وهو أفضلها. ولا ينبغي أن يؤخّر الإنسان الإحرام منه إلّا عند الضّرورة. وأوسطه غمرة. وآخره ذات عرق. ولا يجعل إحرامه من ذات عرق إلا عند الضّرورة والتّقية. ولا يتجاوز ذات عرق إلّا محرما على حال.

ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشّجرة. ووقّت لمن حجّ على هذا الطّريق عند الضّرورة الجحفة. ولا يجوز أن يجوز الجحفة إلّا محرما. ولا يجوز لمن خرج من المدينة أن يحرم إلّا من ميقات أهلها. وليس له أن يعدل الى العقيق فيحرم منها.

ووقّت لأهل الشّام الجحفة وهي المهيعة، ولأهل الطائف قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم.

٢١٠

ومن كان منزله دون هذه المواقيت إلى مكّة، فميقاته منزله، فعليه أن يحرم منه.

والمجاور بمكّة إذا أراد أن يحجّ، فعليه أن يخرج الى ميقات أهله، وليحرم منه. فإن لم يتمكّن، فليخرج الى خارج الحرم ويحرم منه وإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، أحرم من مسجد الحرام.

ومن جاء الى الميقات، ولم يقدر على الإحرام لمرض أو غيره، فليحرم عنه وليّه، ويجنّبه ما يجتنبه المحرم، وقد تمَّ إحرامه.

باب كيفية الإحرام

الإحرام فريضة لا يجوز تركه. فمن تركه متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، كان حكمه ما ذكرناه في الباب الأول إذا ذكر. فإن لم يذكر أصلا حتّى يفرغ من جميع مناسكه، فقد تمَّ حجّه. ولا شي‌ء عليه، إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام.

فإذا أراد الإنسان أن يحرم بالحجّ متمتّعا، فاذا انتهى الى ميقاته، تنظّف، وقصّ أظفاره، وأخذ شيئا من شاربه، ولا يمسّ شعر رأسه حسب ما قدّمناه، ويزيل الشّعر من جسده وتحت يديه. وإن كان قد تنظّف واطّلى قبل الإحرام بيوم أو يومين إلى خمسة عشر يوما، كان أيضا جائزا. إلا أنّ إعادة ذلك أفضل في الحال.

٢١١

ثمَّ ليغتسل، ويلبس ثوبي إحرامه: يأتزر بأحدهما ويتوشّح بالآخر أو يرتدي به. ولا بأس أن يغتسل قبل بلوغه الى الميقات إذا خاف عوز الماء، وأن يلبس قميصه وثيابه. فإذا انتهى الى الميقات، نزع ثيابه، ولبس ثوبي إحرامه. وإن لبس ثوبي إحرامه من الموضع الذي اغتسل فيه، كان أفضل. وإن وجد الماء عند الإحرام، أعاد الغسل، فإنّه أفضل. وإذا اغتسل بالغداة، كان غسله كافيا لذلك اليوم. أي وقت أراد أن يحرم فيه، فعل. وكذلك إذا اغتسل في أوّل اللّيل، كان جائزا له إلى آخره ما لم ينم. فإن نام بعد الغسل قبل أن يعقد الإحرام، كان عليه إعادة الغسل استحبابا. ومتى اغتسل للإحرام، ثمَّ أكل طعاما لا يجوز للمحرم أكله، أو لبس ثوبا لا يجوز له لبسه، يستحبّ له إعادة الغسل استحبابا. ولا بأس أن يلبس المحرم أكثر من ثوبي إحرامه ثلاثة أو أربعة إذا اتّقى بذلك الحرّ أو البرد. ولا بأس أيضا أن يغيّر ثيابه وهو محرم. فإذا دخل الى مكّة، وأراد الطّواف، فلا يطوفنّ إلّا في ثوبيه اللذين أحرم فيهما.

وأفضل الأوقات التي يحرم الإنسان فيها، عند زوال الشّمس. ويكون ذلك بعد الفراغ من فريضة الظّهر. فإن اتّفق أن يكون في غير هذا الوقت، كان أيضا جائزا.

والأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة. فإن لم تكن صلاة فريضة، صلّى ستّ ركعات من النّوافل، وأحرم في دبرها.

٢١٢

فإن لم يتمكّن من ذلك، أجزأه ركعتان. فليصلّهما، وليقرأ في الأولة منهما بعد التّوجّه الحمد وقل هو الله أحد. وفي الثّانية الحمد وقل يا أيها الكافرون. فإذا فرغ منهما، أحرم عقيبهما بالتّمتّع الى الحجّ، فيقول: « اللهمّ إني أريد ما أمرت به من التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ. اللهمّ إن لم تكن حجّة، فعمرة. أحرم لك شعري وجسدي وبشري من النّساء والطّيب والثّياب. أبتغي بذلك وجهك والدّار الآخرة ». وإن كان قارنا، فليقل: « اللهمّ إني أريد ما أمرت به من الحجّ قارنا ». وإن كان مفردا، فليذكر ذلك في إحرامه.

ومن أحرم من غير صلاة وغير غسل، كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل. ولا بأس أن يصلّي الإنسان صلاة الإحرام أيّ وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيّق. فإن تضيّق الوقت، بدأ بالفريضة ثمَّ بصلاة الإحرام. وإن لم يكن قد تضيّق، بدأ بصلاة الإحرام ثمَّ بصلاة الفريضة.

ويستحبّ للإنسان أن يشترط في الإحرام بالحج: إن لم تكن حجة فعمرة، وأن يحله حيث حبسه، سواء كانت حجّته تمتّعا أو قرانا أو إفرادا. وكذلك الحكم في العمرة. ولم يكن الاشتراط لسقوط فرض الحجّ في العام المقبل. فانّ من حجّ حجّة الإسلام

٢١٣

وأحصر، لزمه الحجّ من قابل. وإن كانت تطوّعا، لم يكن عليه ذلك.

ولا بأس أن يأكل الإنسان لحم الصيد وينال النّساء ويشمّ الطّيب بعد عقد الإحرام ما لم يلبّ. فإذا لبّى، حرم عليه جميع ذلك.

وإن كان الحاجّ قارنا، فإذا ساق، وأشعر البدنة أو قلّدها، حرم أيضا عليه ذلك، وإن لم يلبّ، لأنّ ذلك يقوم مقام التّلبية.

والإشعار هو أن يشقّ سنام البدنة من الجانب الأيمن. فإن كانت بدنا كثيرة، جاز للرّجل أن يدخل بين كلّ بدنتين، فيشعر إحداهما من جانبها الأيمن والأخرى من جانبها الأيسر. وينبغي إذا أراد الإشعار، أن يشعرها وهي باركة، وإذا أراد نحرها، نحرها وهي قائمة.

والتّقليد يكون بنعل قد صلّى فيه، ولا يجوز غيره.

وإذا أراد المحرم أن يلبّي، وكان حاجّا على طريق المدينة، فإن أراد أن يلبّي من الموضع الذي صلّى فيه، جاز له ذلك. والأفضل أن يلبّي إذا أتى البيداء عند الميل. فامّا الماشي، فلا بأس به أن يلبّي من موضعه، والأفضل للرّاكب أن يلبّي إذا علت به راحلته البيداء. وإذا كان حاجّا على طريق المدينة، لبّى من موضعه إن أراد. وإن مشى خطوات ثمَّ لبّى، كان أفضل. فإذا أراد التّلبية،

٢١٤

فليرفع صوته بها.

والتّلبية فريضة لا يجوز تركها على حال. والجهر بها سنّة مؤكّدة للرّجال، وليس ذلك على النّساء. ويقول: « لبّيك اللهمّ لبّيك، لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك » فهذه التّلبيات الأربع فريضة لا بدّ منها. وإن زاد عليها من التّلبيات الأخر، كان فيه فضل كثير.

وأفضل ما يذكره في التّلبية الحجّ والعمرة معا. فإن لم يمكنه للتّقيّة أو غيرها، واقتصر على ذكر الحجّ، جاز. فإذا دخل مكّة، طاف وسعى وقصّر، وجعلها عمره، كان أيضا جائزا. فإن لم يذكر لا حجّا ولا عمرة، ونوى التّمتّع، لم يكن به بأس وان لبّى بالعمرة وحدها، ونوى التّمتّع، لم يكن به بأس. وإذا لبّى بالتّمتع، ودخل الى مكّة وطاف وسعى، ثمَّ لبّى بالحجّ قبل أن يقصّر، فقد بطلت متعته، وكانت حجّة مبتولة. هذا إذا فعل ذلك متعمّدا. فإن فعله ناسيا، فليمض فيما أخذ فيه، وقد تمّت متعته، وليس عليه شي‌ء. ومن لبّى بالحجّ مفردا، ودخل مكّة وطاف وسعى، جاز له أن يقصّر ويجعلها عمرة ما لم يلبّ بعد الطّواف. فإن لبّى بعده، فليس له متعة، وليمض في حجّته.

وينبغي أن يلبّي الإنسان في كلّ وقت، وعند كلّ صلاة، وإذا هبط واديا، أو صعد تلعة، وفي الأسحار. والأخرس يجزيه في تلبيته تحريك لسانه وإشارته بالإصبع. ولا بأس أن

٢١٥

يلبّي الإنسان وهو على غير طهر. ولا يقطع المتمتّع التّلبية إلّا إذا شاهد بيوت مكّة. فإذا شاهدها. قطعها. وإن كان قارنا أو مفردا فليقطع تلبيته يوم عرفة بعد الزّوال. وإذا كان معتمرا، فليقطع تلبيته إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم. فإن كان المعتمر ممّن قد خرج من مكّة ليعتمر، فلا يقطع التّلبية إلّا إذا شاهد الكعبة.

ويجرّد الصّبيان من فخّ إذا أرادوا الحجّ بهم، ويجنّبون كلّ ما يجتنبه المحرم، ويفعل بهم ما يجب على المحرم فعله. وإذا فعلوا ما يجب فيه الكفّارة، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم. فإن كان الصّبيّ لا يحسن التّلبية، أو لا يتأتّى له، لبّى عنه وليّه. وكذلك يطوف به ويصلّي عنه، إذا لم يحسن ذلك. وإن حجّ بهم متمتعين، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغارا. وإذا كانوا كبارا، جاز أن يؤمروا بالصّيام. وينبغي أن يوقف الصّبيّ بالموقفين معا، ويحضر المشاهد كلّها، ويرمى عنه، ويناب عنه في جميع ما يتولّاه الرّجل بنفسه. وإذا لم يوجد لهم هدي، ولا يقدرون على الصّوم، كان على وليّهم أن يصوم عنهم.

باب ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب

إذا عقد المحرم إحرامه بالتّلبية أو الإشعار أو التّقليد،

٢١٦

حرم عليه لبس الثّياب المخيطة والنّساء والطّيب والصّيد، لا يحل له شي‌ء من ذلك. وأفضل ما يحرم الإنسان فيه من الثّياب ما يكون قطنا محضا بيضا. فإن كان غير بيض، كان جائزا. إلا أن تكون سودا، فإنّه لا يجوز الإحرام فيها، أو تكون مصبوغة بصبغ فيه طيب مثل الزّعفران وما أشبهه. فإن كان الثّوب قد صبغ بطيب وذهبت رائحته، لم يكن به بأس وكذلك إذا أصاب الثّوب طيب وذهبت رائحته. لم يكن به بأس. ويكره الإحرام في الثّياب المصبّغة بالعصفر وما أشبهه، لأجل الشّهرة، وإن لم يكن ذلك محظورا.

وكلّ ثوب يجوز الصّلاة فيه، فإنّه يجوز الإحرام فيه. وما لا يجوز الصّلاة فيه، لا يجوز الإحرام فيه، مثل الخزّ المغشوش والإبريسم المحض وما أشبههما. ولا يحرم الإنسان إلّا في ثياب طاهرة نظيفة. فإن كانت وسخة، غسلها قبل الإحرام. وإن توسّخت بعد الإحرام، فلا يغسلها إلّا إذا أصابها شي‌ء من النجّاسة. ولا بأس أن يستبدل بثيابه في حال الإحرام، غير أنّه إذا طاف لا يطوف إلّا فيما أحرم فيه. ولا بأس أن يلبس المحرم طيلسانا له أزرار، غير أنّه لا يجوز له أن يزرّه على نفسه. ويكره للمحرم النّوم على الفرش المصبوغة. وإن أصاب ثوب المحرم شي‌ء من خلوق الكعبة وزعفرانها، لم يكن به بأس.

٢١٧

وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام، وكان معه قباء، فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل يديه في يدي القباء. ولا يجوز له أن يلبس السّراويل إلّا إذا لم يجد الإزار. فان لم يجده، لم يكن عليه بأس بلبسه.

ويكره لبس الثّياب المعلمة في حال الإحرام. ولا يجوز أن يلبس الرّجل الخاتم يتزيّن به. فإن لبسه للسّنة لم يكن به بأس. ولا يجوز للمحرم أن يلبس الخفّين، وعليه أن يلبس النّعلين، فإن لم يجدهما، واضطرّ إلى لبس الخفّ، لم يكن به بأس.

ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثّياب جميع ما يحرم على الرّجل، ويحلّ لها ما يحلّ له. ولا يجوز لها أن تلبس القفّازين ولا شيئا من الحليّ ممّا لم يجر عادتها بلبسه. فأمّا ما كانت تعتاد لبسه، فلا بأس به، غير أنّها لا تظهره لزوجها، ولا تقصد به الزّينة. فإن قصدت به الزّينة، كان أيضا غير جائز. ويكره لها أن تلبس الثّياب المصبوغة المفدّمة. وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنّساء. والأصل ما قدّمناه. فأما السّراويل فلا بأس بلبسه لهنّ على كلّ حال. ولا بأس أن تلبس المرأة الخاتم وإن كان من ذهب. ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تقي ثيابها من النّجاسات.

ويحرم على المحرم الرّفث وهو الجماع وتقبيل النّساء

٢١٨

ومباشرتهنّ. ولا يجوز له ملامسة شي‌ء من أجسادهنّ بالشّهوة. ولا بأس بذلك من غير شهوة. ويحرم أيضا عليه الفسوق، وهو الكذب والجدال، وهو قول الرّجل: « لا والله وبلى والله » ولا يجوز له قتل شي‌ء من الدّواب، ولا يجوز له أن ينحّي عن بدنه القمّل والبراغيث وما أشبههما. ولا بأس أن ينحّي عنه القراد والحلمة.

ولا يجوز له أن يمسّ شيئا من الطّيب. والطّيب الذي يحرم مسّه وشمّه وأكل طعام يكون فيه: المسك والعنبر والزّعفران والورس والعود والكافور. فأمّا ما عدا هذا من الطّيب والرّياحين، فمكروه. يستحبّ اجتنابه، وإن لم يلحق في الحظر بالأوّل. فإن اضطرّ إلى أكل طعام يكون فيه طيب، أكله، غير أنّه يقبض على أنفه، ولا بأس بالسّعوط وإن كان فيه طيب عند الحاجة اليه. ومتى أصاب ثوب الإنسان شي‌ء من الطّيب، كان عليه إزالته، ومتى اجتاز المحرم في موضع يباع فيه الطّيب، لم يكن عليه فيه شي‌ء. فإن باشره بنفسه، أمسك على أنفه منه. ولا يمسك على أنفه من الرّوائح الكريهة.

ولا بأس للمحرم باستعمال الحنّاء للتّداوي به. ويكره ذلك للزّينة. ويكره للمرأة الخضاب، إذا قاربت حال الإحرام.

ولا يجوز للإنسان الصّيد، ولا الإشارة اليه، ولا أكل ما صاده غيره. ولا يجوز له أن يذبح شيئا من الصّيد. فان

٢١٩

ذبحه، كان ميتا، ولم يجز لأحد أكله.

ولا يجوز للرّجل ولا للمرأة أن يكتحلا بالسّواد، إلّا عند الحاجة الدّاعية الى ذلك. ولا بأس بأن يكتحلا بكحل ليس بأسود، إلّا إذا كان فيه طيب، فإنّه لا يجوز له ذلك على حال.

ولا يجوز للمحرم النّظر في المرآة، ولا استعمال الأدهان التي فيها طيب قبل أن يحرم، إذا كان ممّا تبقى رائحته الى بعد الإحرام. ولا بأس باستعمال سائر الأدهان التي ليست طيّبة في تلك الحال وبعد الإحرام، ما لم يلب. فإذا لبّى، حرم عليه استعمال الأدهان كلّها، إلّا عند الضّرورة، فإنّه لا بأس باستعمال ما ليس بطيّب منها مثل الشّيرج والسّمن. فامّا أكلها، فلا بأس به على جميع الأحوال. والأدهان الطيّبة إذا زالت عنها الرّائحة. جاز استعمالها.

ولا يجوز للمحرم أن يحتجم إلّا إذا خاف ضررا على نفسه. ولا يجوز له إزالة شي‌ء من الشّعر في حال الإحرام. فإن اضطرّ الى ذلك بأن يريد مثلا أن يحتجم ولا يتأتّى له ذلك، إلّا بعد إزالة شي‌ء من الشّعر، فليزله وليس عليه شي‌ء.

ولا يجوز للمحرم أن يرتمس في الماء، ولا يجوز له أن يغطّي رأسه. فأمّا المرأة، فلا بأس بها أن تغطّي رأسها غير أنّها تسفر عن وجهها، وتطرح ثوبا على رأسها وتسدله إلى

٢٢٠