النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225228 / تحميل: 6339
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ليسلّمه الى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصّي به حسب ما وصي به إليه الى أن يصل الى صاحب الأمر.

وقال قوم: يجب دفنه لأنّ الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.

وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستّة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته. والثلاثة أقسام الأخر يفرّق على مستحقّيه من أيتام آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

وهذا ممّا ينبغي أن يكون العمل عليه، لأنّ هذه الثلاثة أقسام مستحقّها ظاهر، وإن كان المتولّي لتفريق ذلك فيهم، ليس بظاهر، كما أنّ مستحقّ الزّكاة ظاهر، وإن كان المتولّي لقبضها وتقريقها ليس بظاهر. ولا أحد يقول في الزّكاة: إنّه لا يجوز تسليمها الى مستحقّيها.

ولو أنّ إنسانا استعمل الاحتياط، وعمل على أحد الأقوال المقدّم ذكرها من الدّفن أو الوصاة لم يكن مأثوما. فأمّا التصرّف فيه على ما تضمّنه القول الأوّل، فهو ضدّ الاحتياط، والأولى اجتنابه حسب ما قدّمناه

٢٠١

كتاب الحج

باب وجوب الحج ومن يجب عليه وكيفية وجوبه

الحجّ فريضة على كلّ حرّ بالغ مكلّف مستطيع للحجّ رجلا كان أو امرأة.

ذكرنا كونه بالغا، لأنّ من ليس ببالغ من الرّجال ومن النّساء، لا يجب عليه الحج، فإن حجّ، وهو غير بالغ، أو حجّ به غيره وهو طفل، لم يجزأه ذلك من حجّة الإسلام، وكان عليه الإعادة بعد البلوغ.

وذكرنا كونه حرّا، لأنّ العبد لا يجب عليه الحج. فان حجّ في حال العبوديّة، ثمَّ أعتق بعد ذلك لم يجزأه ذلك عن حجّة الإسلام، وكانت عليه الإعادة، وسواء كانت الحجّة التي حجّها بإذن مولاه أو بغير إذنه، اللهم إلّا أن يلحقه العتاق قبل أن يفوته الوقوف بأحد الموقفين. فإن أدرك أحد الموقفين بعد العتق، فقد أجزأه عن حجّة الإسلام.

وذكرنا كونه مكلّفا، لأنّ من ليس بمكلّف من المجانين وغيرهم، لا تقع حجّتهم الموقع الصّحيح، ولا تجزي عنهم،

٢٠٢

وكانت الحجّة في ذمّتهم إن عادوا الى حال الصّحة وكمال العقل.

وذكرنا كونه مستطيعا، لأنّ من ليس بمستطيع لا يجب عليه الحج.

والاستطاعة هي الزّاد والرّاحلة والرّجوع الى كفاية وتخلية السّرب من جميع الموانع. فإن ملك الزّاد والرّاحلة، ولم يكن معه غيره، لم يجب عليه الحج. اللهم إلّا أن يكون صاحب حرفة وصناعة يرجع إليها، ويمكنه أن يتعيّش بها.

فان حصلت الاستطاعة، ومنعه من الخروج مانع من سلطان أو عدو أو مرض، ولم يتمكّن من الخروج بنفسه، كان عليه أن يخرج رجلا يحج عنه. فإذا زالت عنه بعد ذلك الموانع، كان عليه إعادة الحجّ. لأن الذي أخرجه إنّما كان يجب عليه في ماله، وهذا يلزمه على بدنه وماله. وإن لم تزل الموانع عنه، وأدركه الموت، كان ذلك مجزيا عنه.

فان لم يخرج أحدا عنه، والحال هذه، أو يكون متمكّنا من الخروج فلا يخرج، وأدركه الموت، وجب أن يخرج منه من صلب ماله، وما بقي بعد ذلك يكون ميراثا. فإن لم يخلّف إلّا قدر ما يحجّ به عنه، وكانت الحجّة قد وجبت عليه قبل ذلك، وجب أن يحجّ به عنه. وكذلك الحكم إذا ترك قدر ما يحجّ به من بعض المواقيت، وجب أيضا أن يحجّ عنه من ذلك الموضع. وإن خلّف قدر ما يحجّ به عنه، أو أقلّ من ذلك، ولم

٢٠٣

يكن قد وجب عليه الحجّ قبل ذلك، كان ميراثا لورثته.

ومن لم يملك الاستطاعة، وكان له ولد له مال، وجب عليه أن يأخذ من مال ابنه قدر ما يحجّ به على الاقتصاد، ويحج. فان لم يكن له ولد، وعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج اليه من مئونة الطّريق، وجب عليه أيضا الحج.

ومن ليس معه مال، وحجّ به بعض إخوانه، فقد أجزأه ذلك عن حجّة الإسلام، وإن أيسر بعد ذلك، إلا أنه يستحبّ له أن يحجّ بعد يساره، فإنّه أفضل. ومن فقد الاستطاعة أصلا، وكان متمكّنا من المشي، كان عليه الحجّ استحبابا مؤكّدا. وكذلك إن كان معه من النّفقة ما يركب بعضا ويمشي بعضا، يستحبّ له أن يخرج أيضا الى الحجّ. وإن خرج وتسكّع في الطّريق حتى يحج، كان ذلك أيضا جائزا، إلا أنه متى حجّ والحال على ما وصفناه، ثمَّ وجد بعد ذلك المال، كان عليه إعادة الحج.

ومتى كان الرجل مستطيعا للزّاد والرّاحلة، وأراد أن يحجّ ماشيا، فإن كان ذلك لا يضعفه، ولا يمنعه من أداء الفرائض، كان المشي أفضل له من الرّكوب. وإن أضعفه ذلك عن إقامة الفرائض، كان الرّكوب أفضل له.

ومتى عدم الرّجل الاستطاعة، جاز له أن يحجّ عن غيره، وإن كان صرورة لم يحجّ بعد حجّة الإسلام، وتكون الحجّة

٢٠٤

مجزأة عمّن يحجّ عنه. وهو إذا أيسر بعد ذلك، كان عليه إعادة الحج.

ومتى نذر الرّجل أن يحجّ لله تعالى، وجب عليه الوفاء به. فإن حجّ الذي نذر، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام فقد أجزأت حجّته عن حجّة الإسلام. وإن خرج بعد النّذر بنيّة حجّة الإسلام، لم يجزئه عن الحجّة التي نذر بها، وكانت في ذمّته. ومن نذر أن يحجّ ماشيا، ثمَّ عجز عنه، فليسق بدنة، وليركب، وليس عليه شي‌ء. وإن لم يعجز عن المشي، كان عليه الوفاء به. فإذا انتهى الى مواضع العبور، فليكن فيها قائما، وليس عليه شي‌ء.

ومن حصلت معه الاستطاعة، وجب عليه الحجّ على الفور والبدار دون التراخي. فإن أخّره وهو متمكّن من تقديمه، كان تاركا فريضة من فرائض الإسلام.

ومن حجّ، وهو مخالف لم يعرف الحقّ على الوجه الذي يجب عليه الحج، ولم يخلّ بشي‌ء من أركانه، فقد أجزأته عن حجّة الإسلام، ويستحبّ له إعادة الحجّ بعد استبصاره. وإن كان قد أخلّ بشي‌ء من أركان الحجّ، لم يجزأه ذلك عن حجّة الإسلام، وكان عليه قضاؤها فيما بعد.

باب أنواع الحج

الحج على ثلاثة أضرب: تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وقران، وإفراد.

٢٠٥

فأمّا التّمتّع، فهو فرض الله تعالى على جميع المكلّفين ممّن ليس هو من أهل مكّة وحاضريها. وهو من يكون بمكّة أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلا. ومن وجب عليه التّمتّع، لا يجزئه إفراد ولا قران، إلّا عند الضّرورة وفقد التّمكّن من التّمتّع. فإن كان متمكّنا، وحجّ قارنا أو مفردا، كان عليه إعادة الحجّ.

وأمّا الإفراد والقران، فهو فرض أهل مكّة وحاضريها. وهم الذين قدّمنا ذكرهم، ولا يجوز لهم التّمتّع.

ومن جاور بمكّة سنة واحدة أو سنتين، جاز له أن يتمتّع فيخرج الى الميقات ويحرم بالحجّ متمتّعا. فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التّمتّع، وكان حكمه حكم أهل مكّة وحاضريها.

ومن كان من أهل مكّة أو حاضريها، ثمَّ نأى عن منزله إلى مثل المدينة أو غيرها من البلاد، ثمَّ أراد الرّجوع الى مكّة، وأراد أن يحجّ متمتّعا، جاز له ذلك.

فإذا أراد الإنسان أن يحجّ متمتّعا، فعليه أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة، وهو لا يمسّ شيئا منهما. فاذا جاء الى ميقات أهله، أحرم بالحجّ متمتّعا، ومضى إلى مكّة. فإذا شاهد بيوت مكّة، فليقطع التّلبية ثمَّ ليدخلها. فإذا دخلها، طاف بالبيت سبعا، وصلّى عند المقام ركعتين، ثمَّ سعى بين الصّفا والمروة، وقصّر من شعر رأسه. وقد أحلّ من جميع ما أحرم

٢٠٦

منه من النّساء والطّيب وغير ذلك إلّا الصّيد، فإنّه لا يجوز له ذلك، لكونه في الحرم. ثمَّ يكون على هيئته هذه إلى يوم التّروية عند الزّوال. فإذا كان ذلك الوقت صلّى الظّهر، وأحرم بعده بالحجّ ومضى إلى منى.

ثمَّ ليعد الى عرفات فيصلّي بها الظّهر والعصر، فيقف بها الى غروب الشّمس. ثمَّ يفيض الى المشعر الحرام، فيقف بها تلك اللّيلة. فإذا أصبح، غدا منها إلى منى، فقضى مناسكه هناك.

ثمَّ يجي‌ء يوم النّحر أو من الغد لا يؤخّر ذلك الى مكّة. ويطوف بالبيت طواف الحجّ، ويصلّي ركعتي الطّواف. ويسعى بين الصّفا والمروة. وقد فرغ من مناسكه كلّها، وحلّ له كلّ شي‌ء إلّا النساء والصّيد، وبقي عليه لتحلّة النّساء طواف. فليطف أيّ وقت شاء في مدّة مقامه بمكّة. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له النساء.

وعليه هدي واجب ينحره بمنى يوم النّحر. فإن لم يتمكّن منه، كان عليه صيام عشرة أيّام: ثلاثة في الحجّ يوم قبل التّروية ويوم التّروية ويوم عرفة، وسبعة إذا رجع الى أهله.

والمتمتّع إنّما يكون متمتّعا إذا وقعت عمرته في أشهر الحجّ، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة. فإن وقعت عمرته في غير هذه الأشهر، لم يجز له أن يكون متمتّعا بتلك العمرة وكان عليه لحجّته عمرة أخرى، يبتدئ بها في الأشهر التي قدّمناها.

٢٠٧

وكذلك لا يجوز الإحرام بالحجّ مفردا ولا قارنا، إلّا في هذه الأشهر. فإن أحرم في غيرها، فلا حجّ له. اللهمّ إلّا أن يجدّد الإحرام عند دخول هذه الأشهر عليه. فيكون ذلك مجزيا عنه.

وأمّا القارن، فعليه أن يحرم من ميقات أهله، ويسوق معه هديا يشعره من موضع الإحرام، يشقّ سنامه ويلطّخه بالدّم، ويعلّق في رقبته نعلا ممّا كان يصلّي فيه. وليسق الهدي معه إلى منى. ولا يجوز له ان يحلّ إلى أن يبلغ الهدي محلّه. فإن أراد أن يدخل مكّة، جاز له ذلك. لكنّه لا يقطع التّلبية. وإن أراد أن يطوف بالبيت تطوّعا، فعل، إلّا أنّه كلّما طاف بالبيت، لبّى عند فراغه من الطّواف ليعقد إحرامه بالتّلبية. وإنّما يفعل ذلك لأنّه لو لم يفعل ذلك، دخل في كونه محلا، وبطلت حجّته، وصارت عمرة. وقد بيّنا أنّه ليس له أن يحلّ الى أن يبلغ الهدي محلّه من يوم النّحر. وليقض مناسكه كلّها من الوقوف بالموقفين وما يجب عليه من المناسك بمنى، ثمَّ يعود إلى مكّة، فيطوف بالبيت سبعا، ويسعى بين الصّفا والمروة سبعا، ثمَّ يطوف طواف النّساء، وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه، وكانت عليه العمرة بعد ذلك.

والمتمتّع إذا تمتّع، سقط عنه فرض العمرة. لأن عمرته التي يتمتّع بها بالحجّ، قامت مقام العمرة المبتولة، ولم يلزمه

٢٠٨

إعادتها.

فأمّا المفرد، فإن عليه ما على القارن سواء لا يختلف حكمها في شي‌ء من مناسك الحج.

وانما يتميّز القارن من المفرد بسياق الهدي. فأمّا باقي المناسك، فهما مشتركان فيه على السّواء. ولا يجوز لهما أن يقطعا التّلبية إلّا بعد الزّوال من يوم عرفة، وليس عليهما هدي وجوبا. فان ضحيا استحبابا، كان لهما فيه فضل، وليس ذلك بواجب.

باب المواقيت

معرفة المواقيت واجبة، لأنّ الإحرام لا يجوز إلّا منها. فلو أنّ إنسانا أحرم قبل ميقاته، كان إحرامه باطلا، واحتاج الى استيناف الإحرام من الميقات. اللهمّ إلّا أن يكون قد نذر لله تعالى على نفسه أن يحرم من موضع بعينه. فإنّه يلزمه الوفاء به حسب ما نذره. ومن أراد أن يحرم بالعمرة في رجب، وقد قارب تقضّيه قبل أن يبلغ الميقات، جاز له أن يقدّم إحرامه قبل أن يبلغ الميقات. ومن عرض له مانع من الإحرام، جاز له أن يؤخّره أيضا عن الميقات. فإذا زال المنع، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه. وإذا أحرم قبل الوقت، وأصاب صيدا، لم يكن عليه شي‌ء. وإن أخّر إحرامه عن الميقات، وجب عليه أن يرجع اليه، ويحرم

٢٠٩

منه، متعمّدا كان أو ناسيا. فان لم يمكنه الرّجوع الى الميقات، وكان قد ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن كان قد تركه ناسيا، فليحرم من الموضع الذي انتهى اليه. فإن كان قد دخل مكّة، ثمَّ ذكر أنّه لم يحرم، ولم يمكنه الرّجوع الى الميقات للخوف أو لضيق الوقت، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج اليه. وإن لم يمكنه ذلك، أيضا أحرم من موضعه، وليس عليه شي‌ء.

وقد وقّت رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكل قوم ميقاتا على حسب طرقهم:

فوقّت لأهل العراق ومن حجّ على طريقهم، العقيق. وله ثلاثة أوقات: أوّلها المسلح، وهو أفضلها. ولا ينبغي أن يؤخّر الإنسان الإحرام منه إلّا عند الضّرورة. وأوسطه غمرة. وآخره ذات عرق. ولا يجعل إحرامه من ذات عرق إلا عند الضّرورة والتّقية. ولا يتجاوز ذات عرق إلّا محرما على حال.

ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشّجرة. ووقّت لمن حجّ على هذا الطّريق عند الضّرورة الجحفة. ولا يجوز أن يجوز الجحفة إلّا محرما. ولا يجوز لمن خرج من المدينة أن يحرم إلّا من ميقات أهلها. وليس له أن يعدل الى العقيق فيحرم منها.

ووقّت لأهل الشّام الجحفة وهي المهيعة، ولأهل الطائف قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم.

٢١٠

ومن كان منزله دون هذه المواقيت إلى مكّة، فميقاته منزله، فعليه أن يحرم منه.

والمجاور بمكّة إذا أراد أن يحجّ، فعليه أن يخرج الى ميقات أهله، وليحرم منه. فإن لم يتمكّن، فليخرج الى خارج الحرم ويحرم منه وإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، أحرم من مسجد الحرام.

ومن جاء الى الميقات، ولم يقدر على الإحرام لمرض أو غيره، فليحرم عنه وليّه، ويجنّبه ما يجتنبه المحرم، وقد تمَّ إحرامه.

باب كيفية الإحرام

الإحرام فريضة لا يجوز تركه. فمن تركه متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، كان حكمه ما ذكرناه في الباب الأول إذا ذكر. فإن لم يذكر أصلا حتّى يفرغ من جميع مناسكه، فقد تمَّ حجّه. ولا شي‌ء عليه، إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام.

فإذا أراد الإنسان أن يحرم بالحجّ متمتّعا، فاذا انتهى الى ميقاته، تنظّف، وقصّ أظفاره، وأخذ شيئا من شاربه، ولا يمسّ شعر رأسه حسب ما قدّمناه، ويزيل الشّعر من جسده وتحت يديه. وإن كان قد تنظّف واطّلى قبل الإحرام بيوم أو يومين إلى خمسة عشر يوما، كان أيضا جائزا. إلا أنّ إعادة ذلك أفضل في الحال.

٢١١

ثمَّ ليغتسل، ويلبس ثوبي إحرامه: يأتزر بأحدهما ويتوشّح بالآخر أو يرتدي به. ولا بأس أن يغتسل قبل بلوغه الى الميقات إذا خاف عوز الماء، وأن يلبس قميصه وثيابه. فإذا انتهى الى الميقات، نزع ثيابه، ولبس ثوبي إحرامه. وإن لبس ثوبي إحرامه من الموضع الذي اغتسل فيه، كان أفضل. وإن وجد الماء عند الإحرام، أعاد الغسل، فإنّه أفضل. وإذا اغتسل بالغداة، كان غسله كافيا لذلك اليوم. أي وقت أراد أن يحرم فيه، فعل. وكذلك إذا اغتسل في أوّل اللّيل، كان جائزا له إلى آخره ما لم ينم. فإن نام بعد الغسل قبل أن يعقد الإحرام، كان عليه إعادة الغسل استحبابا. ومتى اغتسل للإحرام، ثمَّ أكل طعاما لا يجوز للمحرم أكله، أو لبس ثوبا لا يجوز له لبسه، يستحبّ له إعادة الغسل استحبابا. ولا بأس أن يلبس المحرم أكثر من ثوبي إحرامه ثلاثة أو أربعة إذا اتّقى بذلك الحرّ أو البرد. ولا بأس أيضا أن يغيّر ثيابه وهو محرم. فإذا دخل الى مكّة، وأراد الطّواف، فلا يطوفنّ إلّا في ثوبيه اللذين أحرم فيهما.

وأفضل الأوقات التي يحرم الإنسان فيها، عند زوال الشّمس. ويكون ذلك بعد الفراغ من فريضة الظّهر. فإن اتّفق أن يكون في غير هذا الوقت، كان أيضا جائزا.

والأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة. فإن لم تكن صلاة فريضة، صلّى ستّ ركعات من النّوافل، وأحرم في دبرها.

٢١٢

فإن لم يتمكّن من ذلك، أجزأه ركعتان. فليصلّهما، وليقرأ في الأولة منهما بعد التّوجّه الحمد وقل هو الله أحد. وفي الثّانية الحمد وقل يا أيها الكافرون. فإذا فرغ منهما، أحرم عقيبهما بالتّمتّع الى الحجّ، فيقول: « اللهمّ إني أريد ما أمرت به من التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ. اللهمّ إن لم تكن حجّة، فعمرة. أحرم لك شعري وجسدي وبشري من النّساء والطّيب والثّياب. أبتغي بذلك وجهك والدّار الآخرة ». وإن كان قارنا، فليقل: « اللهمّ إني أريد ما أمرت به من الحجّ قارنا ». وإن كان مفردا، فليذكر ذلك في إحرامه.

ومن أحرم من غير صلاة وغير غسل، كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل. ولا بأس أن يصلّي الإنسان صلاة الإحرام أيّ وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيّق. فإن تضيّق الوقت، بدأ بالفريضة ثمَّ بصلاة الإحرام. وإن لم يكن قد تضيّق، بدأ بصلاة الإحرام ثمَّ بصلاة الفريضة.

ويستحبّ للإنسان أن يشترط في الإحرام بالحج: إن لم تكن حجة فعمرة، وأن يحله حيث حبسه، سواء كانت حجّته تمتّعا أو قرانا أو إفرادا. وكذلك الحكم في العمرة. ولم يكن الاشتراط لسقوط فرض الحجّ في العام المقبل. فانّ من حجّ حجّة الإسلام

٢١٣

وأحصر، لزمه الحجّ من قابل. وإن كانت تطوّعا، لم يكن عليه ذلك.

ولا بأس أن يأكل الإنسان لحم الصيد وينال النّساء ويشمّ الطّيب بعد عقد الإحرام ما لم يلبّ. فإذا لبّى، حرم عليه جميع ذلك.

وإن كان الحاجّ قارنا، فإذا ساق، وأشعر البدنة أو قلّدها، حرم أيضا عليه ذلك، وإن لم يلبّ، لأنّ ذلك يقوم مقام التّلبية.

والإشعار هو أن يشقّ سنام البدنة من الجانب الأيمن. فإن كانت بدنا كثيرة، جاز للرّجل أن يدخل بين كلّ بدنتين، فيشعر إحداهما من جانبها الأيمن والأخرى من جانبها الأيسر. وينبغي إذا أراد الإشعار، أن يشعرها وهي باركة، وإذا أراد نحرها، نحرها وهي قائمة.

والتّقليد يكون بنعل قد صلّى فيه، ولا يجوز غيره.

وإذا أراد المحرم أن يلبّي، وكان حاجّا على طريق المدينة، فإن أراد أن يلبّي من الموضع الذي صلّى فيه، جاز له ذلك. والأفضل أن يلبّي إذا أتى البيداء عند الميل. فامّا الماشي، فلا بأس به أن يلبّي من موضعه، والأفضل للرّاكب أن يلبّي إذا علت به راحلته البيداء. وإذا كان حاجّا على طريق المدينة، لبّى من موضعه إن أراد. وإن مشى خطوات ثمَّ لبّى، كان أفضل. فإذا أراد التّلبية،

٢١٤

فليرفع صوته بها.

والتّلبية فريضة لا يجوز تركها على حال. والجهر بها سنّة مؤكّدة للرّجال، وليس ذلك على النّساء. ويقول: « لبّيك اللهمّ لبّيك، لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك » فهذه التّلبيات الأربع فريضة لا بدّ منها. وإن زاد عليها من التّلبيات الأخر، كان فيه فضل كثير.

وأفضل ما يذكره في التّلبية الحجّ والعمرة معا. فإن لم يمكنه للتّقيّة أو غيرها، واقتصر على ذكر الحجّ، جاز. فإذا دخل مكّة، طاف وسعى وقصّر، وجعلها عمره، كان أيضا جائزا. فإن لم يذكر لا حجّا ولا عمرة، ونوى التّمتّع، لم يكن به بأس وان لبّى بالعمرة وحدها، ونوى التّمتّع، لم يكن به بأس. وإذا لبّى بالتّمتع، ودخل الى مكّة وطاف وسعى، ثمَّ لبّى بالحجّ قبل أن يقصّر، فقد بطلت متعته، وكانت حجّة مبتولة. هذا إذا فعل ذلك متعمّدا. فإن فعله ناسيا، فليمض فيما أخذ فيه، وقد تمّت متعته، وليس عليه شي‌ء. ومن لبّى بالحجّ مفردا، ودخل مكّة وطاف وسعى، جاز له أن يقصّر ويجعلها عمرة ما لم يلبّ بعد الطّواف. فإن لبّى بعده، فليس له متعة، وليمض في حجّته.

وينبغي أن يلبّي الإنسان في كلّ وقت، وعند كلّ صلاة، وإذا هبط واديا، أو صعد تلعة، وفي الأسحار. والأخرس يجزيه في تلبيته تحريك لسانه وإشارته بالإصبع. ولا بأس أن

٢١٥

يلبّي الإنسان وهو على غير طهر. ولا يقطع المتمتّع التّلبية إلّا إذا شاهد بيوت مكّة. فإذا شاهدها. قطعها. وإن كان قارنا أو مفردا فليقطع تلبيته يوم عرفة بعد الزّوال. وإذا كان معتمرا، فليقطع تلبيته إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم. فإن كان المعتمر ممّن قد خرج من مكّة ليعتمر، فلا يقطع التّلبية إلّا إذا شاهد الكعبة.

ويجرّد الصّبيان من فخّ إذا أرادوا الحجّ بهم، ويجنّبون كلّ ما يجتنبه المحرم، ويفعل بهم ما يجب على المحرم فعله. وإذا فعلوا ما يجب فيه الكفّارة، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم. فإن كان الصّبيّ لا يحسن التّلبية، أو لا يتأتّى له، لبّى عنه وليّه. وكذلك يطوف به ويصلّي عنه، إذا لم يحسن ذلك. وإن حجّ بهم متمتعين، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغارا. وإذا كانوا كبارا، جاز أن يؤمروا بالصّيام. وينبغي أن يوقف الصّبيّ بالموقفين معا، ويحضر المشاهد كلّها، ويرمى عنه، ويناب عنه في جميع ما يتولّاه الرّجل بنفسه. وإذا لم يوجد لهم هدي، ولا يقدرون على الصّوم، كان على وليّهم أن يصوم عنهم.

باب ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب

إذا عقد المحرم إحرامه بالتّلبية أو الإشعار أو التّقليد،

٢١٦

حرم عليه لبس الثّياب المخيطة والنّساء والطّيب والصّيد، لا يحل له شي‌ء من ذلك. وأفضل ما يحرم الإنسان فيه من الثّياب ما يكون قطنا محضا بيضا. فإن كان غير بيض، كان جائزا. إلا أن تكون سودا، فإنّه لا يجوز الإحرام فيها، أو تكون مصبوغة بصبغ فيه طيب مثل الزّعفران وما أشبهه. فإن كان الثّوب قد صبغ بطيب وذهبت رائحته، لم يكن به بأس وكذلك إذا أصاب الثّوب طيب وذهبت رائحته. لم يكن به بأس. ويكره الإحرام في الثّياب المصبّغة بالعصفر وما أشبهه، لأجل الشّهرة، وإن لم يكن ذلك محظورا.

وكلّ ثوب يجوز الصّلاة فيه، فإنّه يجوز الإحرام فيه. وما لا يجوز الصّلاة فيه، لا يجوز الإحرام فيه، مثل الخزّ المغشوش والإبريسم المحض وما أشبههما. ولا يحرم الإنسان إلّا في ثياب طاهرة نظيفة. فإن كانت وسخة، غسلها قبل الإحرام. وإن توسّخت بعد الإحرام، فلا يغسلها إلّا إذا أصابها شي‌ء من النجّاسة. ولا بأس أن يستبدل بثيابه في حال الإحرام، غير أنّه إذا طاف لا يطوف إلّا فيما أحرم فيه. ولا بأس أن يلبس المحرم طيلسانا له أزرار، غير أنّه لا يجوز له أن يزرّه على نفسه. ويكره للمحرم النّوم على الفرش المصبوغة. وإن أصاب ثوب المحرم شي‌ء من خلوق الكعبة وزعفرانها، لم يكن به بأس.

٢١٧

وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام، وكان معه قباء، فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل يديه في يدي القباء. ولا يجوز له أن يلبس السّراويل إلّا إذا لم يجد الإزار. فان لم يجده، لم يكن عليه بأس بلبسه.

ويكره لبس الثّياب المعلمة في حال الإحرام. ولا يجوز أن يلبس الرّجل الخاتم يتزيّن به. فإن لبسه للسّنة لم يكن به بأس. ولا يجوز للمحرم أن يلبس الخفّين، وعليه أن يلبس النّعلين، فإن لم يجدهما، واضطرّ إلى لبس الخفّ، لم يكن به بأس.

ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثّياب جميع ما يحرم على الرّجل، ويحلّ لها ما يحلّ له. ولا يجوز لها أن تلبس القفّازين ولا شيئا من الحليّ ممّا لم يجر عادتها بلبسه. فأمّا ما كانت تعتاد لبسه، فلا بأس به، غير أنّها لا تظهره لزوجها، ولا تقصد به الزّينة. فإن قصدت به الزّينة، كان أيضا غير جائز. ويكره لها أن تلبس الثّياب المصبوغة المفدّمة. وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنّساء. والأصل ما قدّمناه. فأما السّراويل فلا بأس بلبسه لهنّ على كلّ حال. ولا بأس أن تلبس المرأة الخاتم وإن كان من ذهب. ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تقي ثيابها من النّجاسات.

ويحرم على المحرم الرّفث وهو الجماع وتقبيل النّساء

٢١٨

ومباشرتهنّ. ولا يجوز له ملامسة شي‌ء من أجسادهنّ بالشّهوة. ولا بأس بذلك من غير شهوة. ويحرم أيضا عليه الفسوق، وهو الكذب والجدال، وهو قول الرّجل: « لا والله وبلى والله » ولا يجوز له قتل شي‌ء من الدّواب، ولا يجوز له أن ينحّي عن بدنه القمّل والبراغيث وما أشبههما. ولا بأس أن ينحّي عنه القراد والحلمة.

ولا يجوز له أن يمسّ شيئا من الطّيب. والطّيب الذي يحرم مسّه وشمّه وأكل طعام يكون فيه: المسك والعنبر والزّعفران والورس والعود والكافور. فأمّا ما عدا هذا من الطّيب والرّياحين، فمكروه. يستحبّ اجتنابه، وإن لم يلحق في الحظر بالأوّل. فإن اضطرّ إلى أكل طعام يكون فيه طيب، أكله، غير أنّه يقبض على أنفه، ولا بأس بالسّعوط وإن كان فيه طيب عند الحاجة اليه. ومتى أصاب ثوب الإنسان شي‌ء من الطّيب، كان عليه إزالته، ومتى اجتاز المحرم في موضع يباع فيه الطّيب، لم يكن عليه فيه شي‌ء. فإن باشره بنفسه، أمسك على أنفه منه. ولا يمسك على أنفه من الرّوائح الكريهة.

ولا بأس للمحرم باستعمال الحنّاء للتّداوي به. ويكره ذلك للزّينة. ويكره للمرأة الخضاب، إذا قاربت حال الإحرام.

ولا يجوز للإنسان الصّيد، ولا الإشارة اليه، ولا أكل ما صاده غيره. ولا يجوز له أن يذبح شيئا من الصّيد. فان

٢١٩

ذبحه، كان ميتا، ولم يجز لأحد أكله.

ولا يجوز للرّجل ولا للمرأة أن يكتحلا بالسّواد، إلّا عند الحاجة الدّاعية الى ذلك. ولا بأس بأن يكتحلا بكحل ليس بأسود، إلّا إذا كان فيه طيب، فإنّه لا يجوز له ذلك على حال.

ولا يجوز للمحرم النّظر في المرآة، ولا استعمال الأدهان التي فيها طيب قبل أن يحرم، إذا كان ممّا تبقى رائحته الى بعد الإحرام. ولا بأس باستعمال سائر الأدهان التي ليست طيّبة في تلك الحال وبعد الإحرام، ما لم يلب. فإذا لبّى، حرم عليه استعمال الأدهان كلّها، إلّا عند الضّرورة، فإنّه لا بأس باستعمال ما ليس بطيّب منها مثل الشّيرج والسّمن. فامّا أكلها، فلا بأس به على جميع الأحوال. والأدهان الطيّبة إذا زالت عنها الرّائحة. جاز استعمالها.

ولا يجوز للمحرم أن يحتجم إلّا إذا خاف ضررا على نفسه. ولا يجوز له إزالة شي‌ء من الشّعر في حال الإحرام. فإن اضطرّ الى ذلك بأن يريد مثلا أن يحتجم ولا يتأتّى له ذلك، إلّا بعد إزالة شي‌ء من الشّعر، فليزله وليس عليه شي‌ء.

ولا يجوز للمحرم أن يرتمس في الماء، ولا يجوز له أن يغطّي رأسه. فأمّا المرأة، فلا بأس بها أن تغطّي رأسها غير أنّها تسفر عن وجهها، وتطرح ثوبا على رأسها وتسدله إلى

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية 35 و 82 من سورة المؤمنون 7 ـ 2 النمل 6 ـ 1 و 53 الصافات ـ 3 ق 7 ـ 4 الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (29) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

2 ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(1) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، المجلد 5 و 6 ، ص 278 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص 3514.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(7) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

1 ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

2 ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

1 ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

2 ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

3 ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة 12 : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(1) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(1) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص 87 وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (1) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(2) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(1) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(2) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(1) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (2) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

1 ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 2 ، صفحة 485.

(2) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

2 ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية 21 سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

3 ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

4 ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (1) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(1) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

1 ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

2 ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

1 ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (15) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

2 ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (2 O 2 H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

3 ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793