النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225319 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ في الحقيقة تقف على نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّا أنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان.

في البدء يقول تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . سنشير في نهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.

ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موّجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين :( فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ) .

إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى( فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً ) .

وفي بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرون تفسيرين ، فالبعض قالوا : إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى ، تقول بأنّ فرعون وقومه اتّهموا موسى بالساحر ، ومثل هذا الاستخدام وارد وله نظائر في اللغة العربية ، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل ، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتي بمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».

ولكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة «مسحور» بمعناها المفعولي والتي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر ، كما يستفاد من الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه ، والجنون أيضا ،( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

على أي حال ، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس

١٦١

ويفرّقوهم عن الأنبياء.

ولكن موسىعليه‌السلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له :( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ ) .

لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. وعند ما سيسلكون طريق السعادة. وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا :( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) .

(مثبور) من (ثبور) وتعني الهلاك.

ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافة الأعصار ، وذاك قوله تعالى:( فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ) .

«يستفز» من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.

ومن بعد هذا النصر العظيم :( وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) . فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب.

«لفيف» من مادة «لفّ» وهنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص ، ولا من أي قبيلة هم!

* * *

بحوث

1 ـ المقصود من الآيات التسع

لقد ذكر القرآن الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسىعليه‌السلام منها ما يلي :

1 ـ تحوّل العصا إلى ثعبان عظيم يلقف أدوات الساحرين ، كما في الآية

١٦٢

(20) من سورة طه :( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) .

2 ـ اليد البيضاء لموسىعليه‌السلام والتي تشع نورا :( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى ) (1) .

3 ـ الطوفان :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ) (2) .

4 ـ الجراد الذي أباد زراعتهم وأشجارهم( وَالْجَرادَ ) (3) .

5 ـ والقمل الذي هو نوع من الأمراض والآفات التي تصيب النبات : و( الْقُمَّلَ ) (4) .

6 ـ (الضفادع) التي جاءت من النيل وتكاثرت وأصبحت وبالا على حياتهم:( وَالضَّفادِعَ ) (5) .

7 ـ الدم ، أو الابتلاء العام بالرعاف ، أو تبدّل نهر النيل إلى لون الدم ، بحيث أصبح ماؤه غير صالح لا للشرب ولا للزراعة :( وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ) (6) .

8 ـ فتح طريق في البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل العبور منه :( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (7) .

9 ـ نزول ال (منّ) و (السلوى) من السماء ، وقد شرحنا ذلك في نهاية الآية (57) من سورة البقرة( وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (8) .

10 ـ انفجار العيون من الأحجار :( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) (9) .

11 ـ انفصال جزء من الجبل ليظلّلهم :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ

__________________

(1) طه ، 22.

(2) و (3) و (4) و (5) و (6) ـ الأعراف ، 133.

(7) البقرة ، 50.

(8) البقرة ، 57.

(9) البقرة ، 60.

١٦٣

ظُلَّةٌ ) (1) .

12 ـ الجفاف ونقص الثمرات :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ) (2) .

13 ـ عودة الحياة إلى المقتول والذي أصبح قتله سببا للاختلاف بين بني إسرائيل:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (3) .

14 ـ الاستفادة من ظل الغمام في الاحتماء من حرارة الصحراء بشكل إعجازي :( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ) (4) .

ولكن الكلام هنا هو : ما هو المقصود من (الآيات التسع) المذكورة في الآيات التي نبحثها؟

يظهر من خلال التعابير المستخدمة في هذه الآيات أنّ المقصود هو المعاجز المرتبطة بفرعون وأصحابه ، وليست تلك المتعلقة ببني إسرائيل من قبيل نزول المنّ والسلوى وتفجّر العيون من الصخور وأمثال ذلك.

لذا يمكن القول أنّ الآية (133) من سورة الأعراف تتعرض إلى خمسة مواضيع من الآيات التسع وهي : (الطوفان ، القمّل ، الجراد ، الضفادع ، والدم).

كذلك اليد البيضاء والعصا تدخل في الآيات التسع ، يؤيد ذلك ورود تعبير (الآيات التسع) في الآيات (10 ـ 12) من سورة النمل بعد ذكر هاتين المعجزتين الكبيرتين.

وبذلك يصبح مجموع هذه المعاجز ـ الآيات ـ سبعا ، فما هي الآيتان الأخيرتان؟

بلا شك إنّنا لا نستطيع اعتبار غرق فرعون وقومه في عداد الآيات التسع ،

__________________

(1) الأعراف ، 171.

(2) الأعراف ، 130.

(3) البقرة ، 73.

(4) البقرة ، 57.

١٦٤

لأنّ الهدف من الآيات أن تكون دافعا لهدايتهم وسببا لقبولهم بنبوة موسىعليه‌السلام ، لا أن تقوم بهلاك فرعون وقومه.

عند التدقيق في آيات سورة الأعراف التي جاء فيها ذكر العديد من هذه الآيات يظهر أنّ الآيتين الأخريتين هما : (الجفاف) و (نقص الثمرات) حيث أننا نقرأ بعد معجزة العصا واليد البيضاء وقبل تبيان الآيات الخمس (الجراد ، والقمل ...) قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .

وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ الجفاف لا يمكن فصله عن نقص الثمرات وبذا تعتبر الآيتان آية واحدة ، إلّا أنّ الجفاف المؤقت والمحدود ـ كما قلنا في تفسير الآية (130) من سورة الأعراف ـ لا يؤثّر تأثيرا كبيرا في الأشجار ، أمّا عند ما يكون جفافا طويلا فإنّه سيؤدي إلى إبادة الأشجار ، لذا فإنّ الجفاف لوحده لا يؤدي دائما إلى نقص الثمرات.

إضافة إلى ما سبق يمكن أن يكون السبب في نقص الثمرات هو الأمراض والآفات وليس الجفاف.

والنتيجة أنّ الآيات التسع التي وردت الإشارة إليها في الآيات التي نبحثها هي:العصا، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.

ومن نفس سورة الأعراف نعرف أنّ هؤلاء ـ برغم الآيات التسع هذه ـ لم يؤمنوا ، لذلك انتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم بسبب تكذيبهم(1) .

هناك روايات عديدة وردت في مصادرنا حول تفسير هذه الآية ، ولاختلافها فيما بينها لا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الحكم.

__________________

(1) الأعراف ، 136.

١٦٥

2 ـ هل أنّ السائل هو الرّسول نفسه؟

ظاهر الآيات أعلاه يدل على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بسؤال بني إسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت على موسى ، وكيف أنّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسىعليه‌السلام بمختلف الذرائع رغم الآيات.

ولكن بما أنّ لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والعقل بحيث أنّه لا يحتاج إلى السؤال ، لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهب الى أن المأمور بالسؤال هم المخاطبون الآخرون.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكن لنفسه ، بل للمشركين ، لذلك فما المانع من أن يكون شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يسأل حتى يعلم المشركون أنّه عند ما لم يوافق على اقتراحاتهم ، فذلك لأنّها اقتراحات باطلة قائمة على التعصّب والعناد ، كما قرأنا في قصّة موسى وفرعون ونظير ذلك.

3 ـ ما المراد ب (الأرض) المذكورة في الآيات؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ الله أمر بني إسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض ، فهل الغرض من الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية السابقة والتي بيّنت أنّ فرعون أراد أن يخرجهم من تلك الأرض.

وبنفس المعنى أشارت آيات أخرى إلى أنّ بني إسرائيل ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إشارة إلى الأرض المقدّسة فلسطين ، لأنّ بني إسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها.

بالنسبة لنا فإنّنا لا نستبعد أيّا من الاحتمالين ، لأنّ بني إسرائيل ـ بشهادة الآيات القرآنية ـ ورثوا أراضي فرعون وقومه ، وامتلكوا أرض فلسطين أيضا.

١٦٦

4 ـ هل تعني كلمة (وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟

ظاهرا إنّ الإجابة بالإيجاب ، حيث أنّ جملة( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) قرينة على هذا الموضوع ، ومؤيّدة لهذا الرأي. إلّا أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ (وعد الآخرة) إشارة إلى ما أشرنا إليه في بداية هذه السورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى قد توعّد بني إسرائيل بالنصر والهزيمة مرّتين ، وقد سمى الأولى بـ «وعد الأولى» والثّانية بـ «وعد الآخرة» ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى :( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) (فدقق في ذلك).

* * *

١٦٧

الآيات

( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) )

التّفسير

عشاق الحق

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) ، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) .

ثمّ تقول :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) إذ ليس لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

١٦٨

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) والجملة الثّانية :( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) منها :

1 ـ المراد من الجملة الأولى : إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق ، لذا فإنّ التعبير الأوّل يشير إلى التقدير ، بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل والتحقق(1) .

2 ـ الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق ، أمّا التعبير الثّاني فانّه يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضا(2) .

3 ـ الرأي الثّالث يرى أنّ الجملة الأولى تقول : إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول : إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتدخل في الحق ولم يتصرف به ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير ، وهو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما ، ولكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب من ضعفه ، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء ، فإنّه يبدأ بداية صحيحة ، وينهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماء صافيا من أحد العيون ، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعه من التلوث ، فيصل الماء في هذه الحالة إلى الآخرين وهو ملوّث. إلّا أنّ الشخص القادر والمحيط بالأمور ، يحافظ على بقاء الماء صافيا وبعيدا عن عوامل التلوث حتى يصل إلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحق من قبل الخالق ، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين ، أو المرحلة التي كان

__________________

(1) يراجع تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 3955.

(2) في ظلال القرآن ، أننا تفسير الآية.

١٦٩

الرّسول فيها هو المتلقي ، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إليه بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل منذ عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة من ذرائع المعارضين وحججهم ، إذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولماذا كان نزوله تدريجيا؟ كما تشير إلى ذلك الآية (32) من سورة الفرقان التي تقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فيقول الله في جواب هؤلاء:( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) (1) حتى يدخل القلوب والأفكار ويترجم عمليا بشكل كامل.

ومن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحن:( وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

إنّ القرآن كتاب السماء إلى الأرض ، وهو أساس الإسلام ودليل لجميع البشر ، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين ، لذلك فإنّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دفعة واحدة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاب عليها من خلال النقاط الآتية :

أوّلا : بالرغم من أنّ القرآن هو كتاب ، إلّا أنّه ليس ككتب الإنسان المؤلّفة حيث يجلس المؤلّف ويفكّر ويكتب موضوعا ، ثمّ ينظّم فصول الكتاب وأبوابه لينتهي من تحرير الكتاب ، بل القرآن له ارتباط دقيق بعصره ، أي ارتباط ب (23) سنة ، هي عصر نبوة نبي الإسلام بكل ما كانت تتمخض به من حوادث وقضايا.

__________________

(1) مجيء كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يفسّره المفسّرين بأنّه مفعول لفعل مقدّر تقديره (فرقناه) ، وبذلك تصبح الجملة هكذا : (وفرقناه قرآنا).

١٧٠

لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد ، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إنّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية ، وآيات تختص بالمنافقين ، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأوّل؟

ثانيا : ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب ، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفّذ بعد نزولها ، فإذا كان القرآن قد نزل مرّة واحدة ، فينبغي أن يتمّ العمل به مرّة واحدة أيضا ، ونعلم بأنّ هذا محال ، لأنّ إصلاح مجتمع مليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد ، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأوّل إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.

ثالثا : بدون شك ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عند ما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا ، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنّه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل ، إلّا أنّه برغم ذلك فإنّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعا : النّزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مصدر الوحي ، إلّا أنّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرّة واحدة.

آخر الآية (32) من سورة الفرقان تقول :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

١٧١

تَرْتِيلاً ) وهي إشارة إلى السبب الثّالث ، بينما الآية التي نبحثها تشير إلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنّ مجموع هذه العوامل تكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول :( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

* * *

ملاحظات

في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية :

أوّلا : يعتقد المفسّرون أنّ جملة( آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة ، إذ قال بعضهم : إن المعنى هو : سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق.

بينما قال البعض : إنّ التقدير يكون : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها ، وهي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. وبعبارة أخرى : يكون المعنى : إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون به.

ثانيا : إنّ المقصود من( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) هم مجموعة من علماء اليهود والنصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن ، وشاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة والإنجيل ، والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ، وأصبحوا من علماء الإسلام.

وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما في قوله

١٧٢

تعالى في الآية (113) من سورة آل عمران :( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) .

ثالثا : «يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم ، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة ، هي أنّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالقعزوجل ينجذبون إليه ويولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار(1) .

رابعا : (أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أن تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.

بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض ، ولكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون)(2) .

الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون :( وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ) (3) . هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمعاد. والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.

وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي

__________________

(1) يقول الراغب في (المفردات) : «يخرون» من مادة «خرير» ويقال لصوت الماء والريح وغير ذلك ممّا يسقط من علّو. وقوله تعالى :( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر. ودليله قوله تعالى فيما بعد:( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) .

(2) تفسير المعاني ، ج 15 ، ص 175.

(3) (إنّ) في قوله :( إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا ) غير شرطية ، بل هي تأكيدية ، وهي مخففة من الثقيلة.

١٧٣

يسجدونها تقول الآية التي بعدها :( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) .

إنّ تكرار جملة( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ) دليل على التأكيد ، وعلى الاستمرار أيضا.

الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.

واستخدام الفعل المضارع في جملة( يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة ، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل ، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).

* * *

بحثان :

1 ـ التخطيط للتربية والتعلم

من الدروس المهمّة التي نستفيدها من الآيات أعلاه ، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية ، فإذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إنّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة بالرغم من أنّه كان موجودا في مخزون علم الله كاملا ، وقد تمّ عرضه في ليلة القدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة واحدة ، إلّا أنّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة ، وضمن مراحل زمنية مختلفة وفي إطار برنامج عملي دقيق.

وعند ما يقوم الخالق جلّ وعلا بهذا العمل بالرغم من عمله وقدرته المطلقة وغير المتناهية عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحن إزاء هذا المبدأ. وعادة ما يكون هذا قانونا وتكليفا إلهيا ، حيث أنّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع

١٧٤

وحسب ، بل في عالم التكوين أيضا. إنّه من غير المتوقع أن تنصلح أمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وهذا الكلام يعني أنّنا إذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المثابرة. وينبغي أن نلتفت إلى أنّ الانتصارات النهائية والكاملة تكون عادة لأصحاب النفس الطويل.

2 ـ علاقة العلم بالإيمان

الموضوع الآخر الذي يمكن أن نستفيده من الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإيمان، إذ تقول الآيات : إنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإنّ العلماء سيؤمنون بالله إلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضا ساجدين من شدّة الوله والحبّ ، وتجري الدّموع من أعينهم، وإنّ هذا الخشوع والتأدّب يتصف بالاستمرار في كل عصر وزمان.

إنّ الجهلة ـ فقط ـ هم الذين لا يعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالاستهزاء والسخرية ، وإذا أثّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإنّه سيكون تأثيرا ضعيفا خاليا من الحبّ والحرارة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف من المجهول. أمّا القرآن فإنّه يؤكّد على عكس ذلك تماما ، إذ يقول في مواقع متعدّدة : إنّ العلم والإيمان توأمان ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إيمان عميق ثابت من دون علم ، والعلم في مراحلة المتقدمة يحتاج إلى الإيمان. (فدقق في ذلك).

* * *

١٧٥

الآيتان

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) )

سبب النّزول

وردت آراء متعدّدة في سبب نزول هاتين الآيتين منها ما نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجدا ذات ليلة بمكّة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون متهمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يدعونا إلى إله واحد ، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(1) .

__________________

(1) يراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.

١٧٦

التّفسير

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالق بأسماء متعدّدة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك ، هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم ، وهو وحدهعزوجل الذي يدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساسا ، فانّ الله تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبّر عن ذاته ، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له ، وإنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه ، نراه يقول : «ما عرفناك حق معرفتك».

إنّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة ، بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته ، وذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم ، ومن خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنّ كل هذه أسماء الله ، وأحد معاني الأسماء العلّامة ، لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطاهرة ، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة

١٧٧

واحدة ، وهي لا تقلّل من شأن توحيد الذات والصفات.

وهناك قسم من هذه الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر ، حيث تعطينا معرفة ووعيا أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية ، بالأسماء الحسنى ، وهناك رواية معروفة عن رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضمونها : «إن الله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مفصل للأسماء الحسنى ، والأسماء التسعة والتسعين بالذات ، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) من سورة الأعراف ، في قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

لكن علينا أن نفهم أنّ الغرض من عد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب ، حتى يصبح الإنسان من أهل الجنّة ومستجاب الدعوة ، بل إنّ الهدف هو التخلّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات من هذه الأسماء ، مثل (العالم ، والرحمن ، والرحيم ، والجواد،والكريم) في وجودنا حتى نصبح من أهل الجنّة ومستجابي الدعوة.

وهناك كلام ينقله الشيخ الصدوقرحمه‌الله في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاء فيه :

يقول هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره واشتقاقها فقلت : الله ممّا هو مشتق؟

قالعليه‌السلام : «يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد.

أفهمت يا هشام؟».

قال هشام : قلت : زدني.

قالعليه‌السلام : «للهعزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان

١٧٨

كلّ اسم منها هو إلها ، ولكن اللهعزوجل معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره.

يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق»(1) .

والآن لنعد إلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : إنّه يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته ، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

لذلك فإنّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إنّ المقصود منها يتعلق بالإفراط والتفريط في الجهر والإخفات ، فهي تقول : لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ ، ولا أقل من الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيّد هذا المعنى.(2)

وهناك آيات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام وتؤيد هذا المعنى وتشير إليه(3) .

لذا فإنا نستبعد التفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الاعتدال ، وما هو الجهر والإخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنّ الجهر هو بمعنى (الصراخ) ، و (الإخفات) هو من السكون بحيث لا يسمعه حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآية :

__________________

(1) توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

(2) ـ يمكن مراجعة نور الثقلين ، ج 3 ، ص 233 فما بعد.

١٧٩

«الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت بها ما لم تسع نفسك ، واقرأ بين ذلك»(1) .

أمّا الإخفات والجهر في الصلوات اليومية ، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ له حكم آخر، أو مفهوم آخر ، أي له أدلة منفصلة ، حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

* * *

ملاحظة

هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين :

الأولى : لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء ، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم ، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب ، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت ، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين ، هم على خطأ ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات ، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية : يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط ، إذ الأساس هو :( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

أخيرا نصل إلى الآية الأخيرة من سورة الإسراء ، هذه الآية تنهي السورة المباركة بحمد الله ، كما افتتحت بتسبيحه وتنزيه ذاتهعزوجل . إنّ هذه الآية ـ في

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 234.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أطراف أنفها، ولا تتنقّب على حال. فإن غطّى الرّجل رأسه ناسيا، ألقى القناع عن رأسه، وجدّد التّلبية، وليس عليه شي‌ء. ولا بأس أن يغطّي وجهه ويعصّب رأسه عند حاجته إليه.

ولا يجوز للمحرم أن يظلّل على نفسه إلّا إذا خاف الضّرر العظيم. ويجوز له أن يمشي تحت الظّلال. والمحرم إذا كان مزاملا لعليل، جاز له أن يظلّل على العليل، ولا يظلّل على نفسه. وقد رخّص في الظّلال للنّساء على كلّ حال. واجتنابه أفضل.

ولا يحكّ المحرم جلده حكّا يدميه، ولا يستاك سواكا يدمي فاه، ولا يدلك وجهه ولا رأسه في الوضوء والغسل، لئلّا يسقط منهما شي‌ء من الشّعر. ولا يجوز له قصّ الأظافير على حال.

ولا يجوز للمحرم أن يتزوّج أو يزوّج. فإن فعل، كان العقد باطلا ولا يجوز له أيضا أن يشهد العقد. ولا بأس به أن يشتري الجواري. ويجوز له تطليق النّساء.

ويكره للمحرم دخول الحمّام. فإن دخله، فلا يدلك جسده، بل يصبّ عليه الماء صبّا.

والمحرم إذا مات، غسّل كتغسيل المحلّ، ويكفّن تكفينه غير أنّه لا يقرّب شيئا من الكافور.

ويكره للمحرم أن يلبّي من دعاه، بل يقول « يا سعد ».

٢٢١

ولا يجوز للمحرم لبس السّلاح إلّا عند الضّرورة والخوف. ولا بأس أن يؤدّب الرّجل غلامه وخادمه وهو محرم، غير أنّه لا يزيد على عشرة أسواط.

باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله عمدا أو خطأ

إذا صاد المحرم نعامة فقتلها، كان عليه جزور. فإن لم يقدر على ذلك، قوّم الجزاء وفضّ ثمنه على الحنطة، وتصدّق به على كلّ مسكين نصف صاع. فإن زاد ذلك على إطعام ستّين مسكينا، لم يلزمه شي‌ء أكثر منه. وإن كان أقلّ منه، فقد أجزأه. فإن لم يقدر على إطعام ستّين مسكينا، صام عن كلّ نصف صاع يوما. فإن لم يقدر على ذلك، صام ثمانية عشر يوما.

فإن صاد بقرة وحش أو حمار وحش، فقتله، كان عليه دم بقرة. فإن لم يقدر عليه، قوّمها، وفضّ ثمنها على الطّعام، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع. فإن زاد ذلك على إطعام ثلاثين مسكينا، لم يكن عليه أكثر من ذلك. فإن لم يقدر على ذلك أيضا، صام عن كلّ نصف صاع يوما. فإن لم يقدر على ذلك، صام تسعة أيّام.

ومن أصاب ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا، كان عليه دم شاة.

٢٢٢

فإن لم يقدر على ذلك، قوّم الجزاء، وفضّ ثمنه على البرّ، وأطعم كلّ مسكين منه نصف صاع. فإن زاد ذلك على إطعام عشرة مساكين، فليس عليه غير ذلك. وإن نقص عنه، لم يلزمه أيضا أكثر منه. فإن لم يقدر عليه، صام عن كلّ نصف صاع يوما. فإن لم يقدر على ذلك، صام ثلاثة أيّام.

ومن أصاب قطاة وما أشبهها كان عليه حمل قد فطم ورعى من الشّجر. ومن أصاب يربوعا أو قنفذا أو ضبّا وما أشبهه، كان عليه جدي. ومن أصاب عصفورا أو صعوة أو قنبرة وما أشبهها، كان عليه مدّ من طعام. ومن قتل زنبورا خطأ، لم يكن عليه شي‌ء. فإن قتله عمدا، كان عليه كفّ من طعام. ومن أصاب حمامة، وهو محرم في الحلّ، كان عليه دم. فإن أصابها وهو محل في الحرم، كان عليه درهم. فإن أصابها وهو محرم في الحرم، كان عليه دم والقيمة. وإن قتل فرخا وهو محرم في الحلّ، كان عليه حمل. فإن قتله في الحرم وهو محلّ، كان عليه نصف درهم. وإن قتله وهو محرم في الحرم، كان عليه الجزاء والقيمة. وإن أصاب بيض الحمام وهو محرم في الحلّ، كان عليه درهم. فإن أصابه وهو محلّ في الحرم، كان عليه ربع درهم. وإن أصابه وهو محرم في الحرم كان عليه الجزاء والقيمة معا. ولا يختلف الحكم في هذا، سواء كان الحمام أهليّا أو من حمام الحرم، إلّا أنّ حمام

٢٢٣

الحرم يشترى بقيمته علف لحمام الحرم. والطّير الأهليّ يتصدّق بثمنه على المساكين.

وكلّ من كان معه شي‌ء من الصّيد وأدخله الحرم، وجب عليه تخليته. فإن كان معه طير، وكان مقصوص الجناح، فليتركه حتّى ينبت ريشه، ثمَّ يخلّيه. ولا يجوز صيد حمام الحرم وإن كان في الحلّ. ومن نتف ريشة من حمام الحرم، كان عليه صدقة يتصدق بها باليد التي نتف بها. ولا يجوز أن يخرج شي‌ء من حمام الحرم من الحرم. فمن أخرج شيئا منه، كان عليه ردّه. فإن مات، كان عليه قيمته. ويكره شرى القماري وما أشبهها وإخراجها من مكّة. ومن أدخل طيرا الحرم، كان عليه تخليته، وليس له أن يخرجه منه. فإن أخرجه، كان عليه دم شاة. ومن أغلق بابا على حمام من حمام الحرم، وفراخ وبيض، فهلكت، فإن كان أغلق عليها قبل أن يحرم، فإنّ عليه لكلّ طير درهما. ولكلّ فرخ نصف درهم، ولكلّ بيضة ربع درهم، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم، فإنّ عليه لكلّ طير شاة، ولكلّ فرخ حملا، ولكلّ بيضة درهما. ومن نفّر حمام الحرم، فعليه دم شاة إذا رجعت. فإن لم ترجع، فعليه لكلّ طير شاة. ومن دلّ على صيد، فقتل كان عليه فداؤه.

٢٢٤

وإذا اجتمع جماعة محرمون على صيد، فقتلوه، وجب على كلّ واحد منهم الفداء. ومتى اشتروا لحم صيد وأكلوه، كان أيضا على كلّ واحد منهم الفداء. وإذا رمى اثنان صيدا، فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر، كان على كلّ واحد منهما الفداء وإذا قتل اثنان صيدا، أحدهما محلّ والآخر محرم في الحرم، كان على المحرم الفداء والقيمة، وعلى المحلّ القيمة. ومن ذبح صيدا في الحرم وهو محلّ، كان عليه دم لا غير. وإذا أوقد جماعة نارا، فوقع فيها طائر، ولم يكن قصدهم ذلك، كان عليهم كلّهم فداء واحد. وإن كان قصدهم ذلك، كان على كلّ واحد منهم الفداء.

وفي فراخ النّعامة مثل ما في النّعامة سواء. وقد روي أنّ فيه من صغار الإبل. والأحوط ما قدّمناه. وإذا أصاب المحرم بيض نعامة، فعليه أن يعتبر حال البيض. فإن كان، قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإبل. وإن لم يكن تحرّك، فعليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض، فما خرج، كان هديا لبيت الله تعالى. فإن لم يقدر على ذلك، كان عليه عن كلّ بيضة شاة. فإن لم يقدر على ذلك، كان عليه إطعام عشرة مساكين. فإن لم يقدر على ذلك، كان عليه صيام ثلاثة أيام. وإذا اشترى محلّ لمحرم بيض نعام، فأكله المحرم، كان على المحلّ لكلّ بيضة درهم

٢٢٥

وعلى المحرم لكل بيضة شاة.

وكلّ ما يصيبه المحرم من الصّيد في الحلّ، كان عليه الفداء لا غير. وإن أصابه في الحرم، كان عليه الفداء والقيمة معا. ومن ضرب بطير على الأرض وهو محرم في الحرم، فقتله، كان عليه دم وقيمتان: قيمة لحرمة الحرم، وقيمة لاستصغاره إيّاه، وكان عليه التّعزير. ومن شرب لبن ظبية في الحرم، كان عليه دم وقيمة اللّبن معا. وما لا يجب فيه دم مثل العصفور وما أشبهه، إذا أصابه المحرم في الحرم، كان عليه قيمتان. وما يجب فيه التّضعيف، هو ما لم يبلغ بدنه. فإذا بلغ ذلك، لم يجب عليه غير ذلك. وكلّ ما تكرّر من المحرم الصّيد، كان عليه الكفّارة، إذا كان ذلك منه نسيانا. فإن فعله متعمّدا مرّة، كان عليه الكفّارة. وإن فعله مرّتين، فهو ممّن ينتقم الله منه، وليس عليه الجزاء.

ومن وجب عليه جزاء صيد أصابه، وهو محرم، فإن كان حاجّا، نحر ما وجب عليه بمنى. وإن كان معتمرا، نحره بمكّة قبالة الكعبة. فإن أراد أن ينحر أو يذبح بمنى، فلينحر أيّ مكان شاء. وكذلك بمكّة ينحر هديه بها حيث شاء، غير أنّ الأفضل أن ينحر قبالة الكعبة في الموضع المعروف بالحزورة. وما يجب على المحرم بالعمرة في غير كفّارة الصيد، جاز له أن ينحره بمنى.

٢٢٦

ومن قتل صيدا وهو محرم في غير الحرم، كان عليه فداء واحد. فإن أكله، كان عليه فداء آخر.

والمحلّ إذا قتل صيدا في الحرم، كان عليه فداؤه. وإذا كسر المحرم قرني الغزال، كان عليه نصف قيمته. فإن كسر أحدهما، كان عليه ربع القيمة. فإن فقأ عينيه، كان عليه القيمة. فإن فقأ واحدة منهما، كان عليه نصف القيمة. فإن كسر إحدى يديه، كان عليه نصف قيمته. فإن كسرهما جميعا، كان عليه قيمته. فإن كسر إحدى رجليه، كان عليه نصف قيمته. فإن كسرهما جميعا، كان عليه قيمته. فإن قتله. لم يكن عليه أكثر من قيمة واحدة.

وإذا أصاب المحرم بيض القطاة أو القبج، فعليه أن يعتبر حال البيض: فإن كان قد تحرّك فيها فرخ، كان عليه عن كلّ بيضة مخاض من الغنم، فإن لم يكن تحرّك فيها شي‌ء، كان عليه أن يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى، فإن لم يقدر كان حكمه حكم بيض النّعام سواء. وقد بيّنّا ما يلزم من كسر بيض الحمام، وينبغي أن يعتبر حاله: فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ، لزمته عن كلّ بيضة شاة، وإن لم يكن قد تحرّك، لم يكن عليه إلّا القيمة حسب ما قدّمناه.

ومن رمى صيدا فأصابه، ولم يؤثّر فيه، ومشى مستويا،

٢٢٧

لم يكن عليه شي‌ء، وليستغفر الله تعالى. فإن لم يعلم هل أثّر فيه أو لا، ومضى على وجهه، كان عليه الفداء. فإن أثر فيه بأن دمّاه أو كسر يده أو رجله، ثمَّ رآه بعد ذلك قد صلح، كان عليه ربع الفداء.

ولا يجوز لأحد أن يرمي الصّيد والصّيد يؤمّ الحرم وإن كان محلّا. فإن رماه أو أصابه، ودخل الحرم، ثمَّ مات، كان لحمه حراما، وعليه الفداء. ومن ربط صيدا بجنب الحرم فدخل الحرم، صار لحمه وثمنه حراما، ولا يجوز له إخراجه منه. ومن أصاب صيدا وهو محلّ فيما بينه وبين الحرم على بريد، كان عليه الفداء. فإن أصاب شيئا منه بأن فقأ عينه أو كسر قرنه فيما بين البريد الى الحرم، كان عليه صدقة. والمحلّ إذا كان في الحرم، فرمى صيدا في الحلّ، كان عليه الفداء.

ومن كان معه صيد، فلا يحرم حتّى يخلّيه، ولا يدخله معه الحرم. فإن أدخله، وجب عليه أن يخلّيه حسب ما قدّمناه. فإن لم يفعل ومات، كان عليه الفداء. فإن لم يكن الصّيد معه حاضرا، بل يكون في منزله، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن أصاب جرادة، فعليه أن يتصدق بتمرة. فإن أصاب جرادا كثيرا، أو أكله، كان عليه دم شاة. ومن قتل الجراد على وجه لا يمكنه التحرّز منه، بأن يكون في طريقه ويكون

٢٢٨

كثيرا، لم يكن عليه شي‌ء.

وكلّ صيد يكون في البحر فلا بأس بأكله طريّه ومالحه. وكلّ صيد يكون في البرّ والبحر معا، فإن كان ممّا يبيض ويفرّخ في البحر، فلا بأس بأكله، وإن كان ممّا يبيض ويفرّخ في البرّ، لم يجز صيده ولا أكله.

وإذا أمر السّيّد غلامه بالإحرام، فأصاب صيدا، كان على السّيّد الفداء. وكذلك إذا أمر المحرم غلامه بالصّيد، كان عليه الفداء، وإن كان الغلام محلا. ومن قتل زنبورا أو زنابير خطأ، لم يكن عليه شي‌ء. فإن قتله عمدا، فليتصدّق بشي‌ء.

وجميع ما قدّمناه من الصّيد، يجب فيه الفداء، ناسيا كان من أصابه أو متعمّدا، كان عالما أو جاهلا.

ولا بأس أن يقتل الإنسان جميع ما يخافه في الحرم، وإن كان محرما مثل السّباع والهوام والحيّات والعقارب. ويرمي الغراب رميا، ولا يجوز له قتله. ومن قتل أسدا لم يرده، كان عليه كبش. ولا يجوز للمحرم أن يقتل البقّ والبرغوث وما أشبههما في الحرم. فإن كان محلا، لم يكن به بأس. وكلّ ما يجوز للمحلّ ذبحه أو نحره في الحرم، كان أيضا ذلك للمحرم جائزا مثل الإبل والبقر والغنم والدّجاج الحبشيّ. وكلّ ما يدخله المحرم الحرم أسيرا من السّباع، أو اشتراه فيه، فلا بأس بإخراجه، مثل السّباع والفهود أو ما أشبههما.

٢٢٩

وإذا اضطرّ المحرم إلى أكل الميتة والصّيد، أكل الصّيد فداه، ولا يأكل الميتة. فإن لم يتمكّن من الفداء، جاز له أن يأكل الميتة. وإذا ذبح المحرم صيدا في غير الحرم، أو ذبحه محلّ في الحرم، لم يجز أكله، وكان حكمه حكم الميتة سواء.

وإذا جامع المحرم امرأته متعمّدا قبل الوقوف بالمزدلفة، فإن كان جماعة في الفرج، كان عليه بدنة والحجّ من قابل، سواء كانت حجّته حجة الإسلام أو كانت تطوّعا، وتكون حجّته الأولى له، والثّانية تكون عقوبة. فإن كان قد استكره امرأته على الجماع، كان عليه كفّارة أخرى وإن طاوعته، كان على كلّ واحد منهما بدنة والحجّ من قابل. وينبغي أن يفترقا، إذا انتهيا الى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا، إلى أن يقضيا المناسك. وحدّ الافتراق ألّا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث. وإن كان جماعه فيما دون الفرج، كان عليه بدنة ولم يكن عليه الحجّ من قابل. وإن كان جماعه في الفرج بعد الوقوف بالمشعر الحرام، كان عليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل. وإن كان مجامعته ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا جامع الرّجل أمته وهي محرمة بأمره، وكان الرّجل محلا، كان عليه بدنة. وإن كان إحرامها من غير إذنه، لم لم يكن عليه شي‌ء. فإن لم يقدر على بدنة، كان عليه دم شاة

٢٣٠

أو صيام ثلاثة أيّام.

ومتى جامع الرّجل قبل طواف الزّيارة، كان عليه جزور. فإن لم يتمكّن، كان عليه بقرة. فإن لم يتمكّن، كان عليه شاة. ومتى طاف الإنسان من طواف الزّيارة شيئا، ثمَّ واقع أهله قبل أن يتمّه، كان عليه بدنة وإعادة الطّواف. وإن كان سعى من سعيه شيئا، ثمَّ جامع، كان عليه الكفّارة، ويبني على ما سعى. وإن كان قد انصرف من السّعي ظنّا منه انه تمّمه، ثمَّ جامع، يلزمه الكفّارة، وكان عليه تمام السّعي.

ومتى جامع الرّجل بعد قضاء مناسكه قبل طواف النّساء، كان عليه بدنة. فإن كان قد طاف من طواف النّساء شيئا، فإن كان أكثر من النّصف، بنى عليه بعد الغسل، ولم تلزمه الكفّارة، وإن كان قد طاف أقلّ من النّصف، كان عليه الكفّارة وإعادة الطّواف. ومن جامع امرأته، وهو محرم بعمرة مبتولة، قبل أن يفرغ من مناسكها، فقد بطلت عمرته، وكان عليه بدنة، والمقام بمكّة إلى الشّهر الدّاخل الى أن يقضي عمرته، ثمَّ ينصرف إن شاء.

ومن عبث بذكره حتّى أمنى، كان حكمه حكم من جامع على السّواء في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في أنّه يلزمه الحجّ من قابل. وإن كان بعد ذلك، لم يكن عليه غير الكفّارة شي‌ء. ومن نظر الى غير أهله فأمنى، كان عليه بدنة، فإن لم

٢٣١

يجد، فبقرة. فإن لم يجد فشاة. وإذا نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى، لم يكن عليه شي‌ء، إلّا أن يكون نظر إليها بشهوة فأمنى، فإنّه تلزمه الكفّارة، وهي بدنة. فإن مسّها بشهوة، كان عليه دم يهريقه، أنزل أو لم ينزل. وإن مسّها من غير شهوة، لم يكن عليه شي‌ء، أمنى أو لم يمن.

ومن قبّل امرأته من غير شهوة، كان عليه دم شاة. فإن قبّلها بشهوة، كان عليه جزور. ومن لاعب امرأته فأمنى من غير جماع، كان عليه الكفّارة. ومن تسمّع لكلام امرأة، أو استمع على من يجامع من غير رؤية لهما، فأمنى، لم يكن عليه شي‌ء. ولا بأس أن يقبّل الرّجل أمّه وهو محرم.

ومن تزوّج امرأة وهو محرم، فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبدا، إذا كان عالما بتحريم ذلك عليه. فان لم يكن عالما به، جاز له أن يعقد عليها بعد الإحلال. والمحرم إذا عقد لمحرم على زوجة، ودخل بها الزّوج، كان على العاقد بدنة. ولا يجوز للمحرم أن يعقد لغيره على امرأة. فإن فعل ذلك، كان النّكاح باطلا.

ومن قلّم ظفرا من أظفاره، كان عليه مدّ من طعام. وكذلك الحكم فيما زاد عليه. وإذا قلّم أظفار يديه جميعا، كان عليه دم شاة. فإن قلّم أظفار يديه ورجليه جميعا، وكان في مجلس واحد، كان عليه دم. وإن كان ذلك منه في مجلسين

٢٣٢

كان عليه دمان. ومتى كان تقليمه للأظفار نسيانا، لم يكن عليه شي‌ء. ومن أفتى غيره بتقليم ظفره، فقلّمه المستفتي، فأدمى إصبعه، كان عليه دم شاة.

ومن حلق رأسه لأذى، كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو يتصدّق على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّ من طعام: أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. وقد روي أنّ الإطعام يكون على عشرة مساكين. وهو الأحوط.

ومن ظلّل على نفسه، كان عليه دم يهريقه.

ومن جادل محرما صادقا مرّة أو مرّتين، فليس عليه شي‌ء، وليستغفر الله. فإن جادل ثلاث مرّات فصاعدا صادقا، كان عليه دم شاة. وإن جادل ذلك كاذبا مرّة، كان عليه دم شاة، فإن جادل مرتين كاذبا، كان عليه دم بقرة. فإن جادل ثلاث مرّات كاذبا، كان عليه بدنة.

ومن نحى عن جسمه قمّلة، فرمى بها، أو قتلها، كان عليه كفّ من طعام. ولا بأس أن يحولها من موضع من جسده الى موضع آخر. ولا بأس أن ينزع الرّجل القراد عن بدنه وعن بعيره.

وإذا مسّ المحرم لحيته أو رأسه، فوقع منهما شي‌ء من شعره، كان عليه أن يطعم كفّا من طعام أو كفّين. فإن سقط شي‌ء من شعر رأسه أو لحيته بمسّه لهما في حال الوضوء، لم

٢٣٣

يكن عليه شي‌ء. والمحرم إذا نتف إبطه، كان عليه أن يطعم ثلاث مساكين. فإن نتف إبطيه جميعا، كان عليه دم شاة.

ومن لبس ثوبا لا يحلّ لبسه له وهو محرم، أو أكل طعاما لا يحلّ له أكله، كان عليه دم شاة.

والشّجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحلّ، لم يجز قلعها. وكذلك إذا كان أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم، لا يجوز قلعها على حال. وكلّ شي‌ء ينبت في الحرم من الأشجار والحشيش، فلا يجوز قلعه على حال، إلا النّخل وشجر الفواكه والإذخر. ولا بأس أن تقلع ما أنبتّه أنت في الحرم من الأشجار. ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الإنسان بعد بنائه لها، إذا كانت ملكه. فإن كان نابتا قبل بنائه لها، لم يجز له قلعه. ولا بأس أن يخلّي الإنسان إبله لترعى. ولا يجوز له أن يقلع الحشيش ويعلفه إبله. ومن قلع شجرة من الحرم، كان عليه كفّارة بذبح بقرة.

وحدّ الحرم الذي لا يجوز قلع الشّجرة منه، بريد في بريد ومن رمى طيرا على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحلّ، كان عليه الفداء وإن كان الطير في الحلّ.

وإذا لبس المحرم قميصا، كان عليه دم شاة. فإن لبس ثيابا جماعة في موضع واحد، كان عليه أيضا دم واحد. فإن لبسها في مواضع متفرّقة، كان عليه لكلّ ثوب منها فداء.

٢٣٤

ومن قلع ضرسه، كان عليه دم يهريقه.

وإذا استعمل المحرم دهنا طيّبا، كان عليه دم، وإن استعمله في حال الاضطرار.

باب دخول مكة والطواف بالبيت

يستحبّ للمحرم إذا أراد دخول الحرم أن يكون على غسل، إن تمكّن من ذلك. فإن لم يتمكّن، جاز له أن يؤخّر الغسل الى بعد الدّخول، ثمَّ يغتسل إمّا من بئر ميمون أو فخّ. فإن لم يتمكّن اغتسل في منزله. ويستحبّ لمن أراد دخول الحرم أن يمضغ شيئا من الإذخر ليطيب به فمه. وإذا أراد دخول مكّة، فليدخلها من أعلاها. وإذا أراد الخروج منها، خرج من أسفلها. ويستحبّ له أن لا يدخل مكّة إلّا على غسل. ويستحبّ له أن يخلع نعليه، ويمشي حافيا على السّكينة والوقار. فإن اغتسل لدخول مكّة، ثمَّ نام قبل دخولها، أعاد الغسل. فإذا أراد دخول المسجد الحرام، فليغتسل أيضا. وليكن دخوله من باب بني شيبة. ويدخله حافيا على سكينة ووقار. فإذا انتهى الى الباب فليقل: « السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته » الى آخر الدّعاء التي ذكرناه في « كتاب تهذيب الأحكام ».

فإذا أراد الطّواف بالبيت، فليفتتحه من الحجر الأسود. فإذا دنا منه، رفع يديه، وحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على

٢٣٥

النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسأله أن يتقبّل منه، ويستلم الحجر الأسود ويقبّله. فإن لم يستطع استلمه بيده. فإن لم يقدر على ذلك أيضا، أشار إليه بيده، وقال: « أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة. اللهمّ تصديقا بكتابك » إلى آخر الدّعاء. ثمَّ يطوف بالبيت سبعة أشواط ويقول في طوافه: « اللهمّ إنّي أسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض » إلى آخر الدّعاء. وكلّما انتهيت إلى باب الكعبة، صلّيت على النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعوت. فإذا انتهيت إلى مؤخّر الكعبة، وهو المستجار دون الرّكن اليماني، في الشّوط السّابع، بسطت يديك على الأرض، وألصقت خدّك وبطنك بالبيت، وقلت: « اللهمّ البيت بيتك، والعبد عبدك » إلى آخر الدّعاء. فإن لم يقدر على ذلك، لم يكن عليه شي‌ء. فإن جاز الموضع، ثمَّ ذكر أنّه لم يلتزم، لم يكن عليه الرّجوع.

وينبغي أن يختم الطّواف بالحجر الأسود كما بدأ به. ويستحبّ له أن يستلم الأركان كلّها. وأشدّها تأكيدا الرّكن الذي فيه الحجر الأسود، ثمَّ الرّكن اليماني، فإنّه لا يترك استلامها مع الاختيار. ومن كان مقطوع اليد، استلم الحجر بموضع القطع. فإن كان مقطوعا من المرفق، استلمه بشماله.

٢٣٦

وينبغي أن يكون الطّواف بالبيت فيما بين المقام والبيت، ولا يجوزه. فإن جاز المقام أو تباعد عنه، لم يكن طوافه شيئا. وينبغي أن يكون الطّواف بالبيت على سكون لا سرع فيه ولا إبطاء.

ومن طاف بالبيت ستّة أشواط ناسيا وانصرف، فليضف اليه شوطا آخر، ولا شي‌ء عليه. فإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله، أمر من يطوف عنه. فإن ذكر أنّه طاف أقل من سبعة. وذكر في حال السّعي، رجع فتمّم، إن كان طوافه أربعة أشواط فصاعدا. وإن كان أقلّ منه، استأنف الطّواف، ثمَّ عاد إلى السّعي فتمّمه.

ومن شكّ في طوافه، فلم يدر أستّة طاف أم سبعة، وهو في حال الطّواف، فإن كان طوافه طواف فريضة، أعاد من أوّله، وإن كان نافلة بنى على الأقلّ، وتمّم أسبوعا. وإن كان شكّه بعد الانصراف، لم يلتفت اليه، ومضى على طوافه. والحكم فيما نقص من الستّة أشواط، إذا شكّ فيه، حكمه على السّواء. في أنّه يعيد الطّواف، إذا كان طواف فريضة. وإن كان طواف نافلة، بنى على الأقل حسب ما قدّمناه.

ومن طاف ثمانية أشواط متعمّدا، كان عليه إعادة الطّواف. فإن طافه ناسيا، أضاف إليها ستّة أشواط أخر، وصلّى معها أربع ركعات. يصلّي ركعتين منها عند الفراغ من الطّواف

٢٣٧

لطواف الفريضة، ويمضي إلى الصّفاء فيسعى. فإذا فرغ من سعيه، عاد فصلى ركعتين أخراوين. ومن ذكر في الشّوط الثّامن قبل أن يبلغ الرّكن: أنّه طاف سبعا، قطع الطّواف. وإن لم يذكر حتّى يجوزه، تمّم أربعة عشر شوطا حسب ما قدّمناه.

ومن شكّ، فلم يعلم: سبعة طاف أم ثمانية، قطع الطّواف وصلّى ركعتين، وليس عليه شي‌ء. ومن شكّ فلم يعلم: ستّة طاف، أم سبعة، أم ثمانية، أعاد الطّواف، حتّى يستيقن أنّه طاف سبعا.

ولا يجوز أن يقرن بين طوافين في فريضة. ولا بأس بذلك في النّوافل، وإن كان الأفضل أن يفصل بين كلّ طوافين بصلاة. فإن كان في حال تقيّة، فلا بأس أن يقرن في الطّواف ما شاء. ومن زاد على أسبوع في طواف النّافلة، فالأفضل ان لا ينصرف الّا على المفرد، ولا ينصرف على الشّفع، مثلا أن ينصرف على أسبوعين، بل يتمّم ثلاثة أسابيع.

ومن طاف على غير وضوء، أو طاف جنبا، فإن كان طوافه طواف فريضة، توضّأ أو اغتسل، وأعاد الطّواف. وإن كان نافلة، اغتسل أو توضأ وصلّى، وليس عليه إعادة الطّواف. ومن أحدث في طواف الفريضة بما ينقض الوضوء، وقد طاف

٢٣٨

بعضه، فإن كان قد جاز النّصف، فليتوضّأ، ويتمّم ما بقي، وإن كان حدثه قبل أن يبلغ النّصف، فعليه إعادة الطّواف من أوّله.

ومن طاف طواف الفريضة وصلّى، ثمَّ تبيّن أنّه كان على غير وضوء، توضّأ، وأعاد الطّواف والصّلاة. وإن كان طوافه طواف النّافلة، توضّأ، وأعاد الصّلاة.

ومن قطع طوافه بدخول البيت، أو بالسّعي في حاجة له أو لغيره، فإن كان قد جاز النّصف، بنى عليه، وإن لم يكن جاز النّصف وكان طواف الفريضة، أعاد الطّواف، وإن كان طواف نافلة، بنى عليه على كلّ حال.

ومن كان في الطّواف، فدخل عليه وقت الصّلاة، فليقطعه وليصلّ، ثمَّ يتمّم الطّواف من حيث انتهى اليه. وكذلك من كان في حال الطّواف، وتضيّق عليه وقت الوتر، وقارب طلوع الفجر، أو طلع عليه الفجر، أوتر وصلّى الفجر، ثمَّ ثمَّ بنى على طوافه.

والمريض الذي يستمسك الطّهارة، فإنّه يطاف به ولا يطاف عنه. وإن كان مرضه ممّا لا يمكنه معه استمساك الطّهارة ينتظر به: فإن صلح طاف هو بنفسه، وإن لم يصلح، طيف عنه، ويصلّي هو الرّكعتين، وقد أجزأه. ومن طاف بالبيت أربعة أشواط، ثمَّ اعتلّ، ينتظر به يوم أو يومان: فإن صلح،

٢٣٩

تمّم طوافه، وإن لم يصلح، أمر من يطوف عنه ما بقي عليه، ويصلّي هو الرّكعتين. وإن كان طوافه أقلّ من ذلك وبرأ، أعاد الطواف من أوّله، وإن لم يبرأ، أمر من يطوف عنه أسبوعا.

ومن حمل غيره فطاف به ونوى لنفسه أيضا الطّواف، كان ذلك مجزيا عنه.

ولا يجوز للرجل أن يطوف بالبيت وهو غير مختون. ولا بأس بذلك للنّساء. ولا يجوز للرجل أن يطوف وفي ثوبه شي‌ء من النّجاسة. فإن لم يعلم به، ورأى في حال الطّواف النّجاسة، رجع فغسل ثوبه، ثمَّ عاد فتمّم طوافه. فإن علم بعد فراغه من الطّواف، كان طوافه جائزا، ويصلّي في ثوب طاهر. ويكره الكلام في حال الطّواف إلّا بذكر الله تعالى وقراءة القرآن.

ومن نسي طواف الزّيارة حتّى رجع إلى أهله، وواقع أهله، يجب عليه بدنة، والرّجوع الى مكّة، وقضاء طواف الزّيارة. وإن كان طواف النّساء، وذكر بعد رجوعه إلى أهله، جاز له ان يستنيب غيره فيه ليطوف عنه. فإن أدركه الموت، قضى عنه وليّه.

ومن طاف بالبيت، جاز له أن يؤخّر السّعي الى بعد ساعة، ولا يجوز أن يؤخّر ذلك الى غد يومه. ولا يجوز تقديم السّعي على الطّواف. فإن قدّم سعيه على الطّواف، كان عليه أن يطوف

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793