النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225269 / تحميل: 6343
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ويستحبّ أن يعتمر الإنسان في كلّ شهر إذا تمكّن من ذلك. وقد روي أنّه يجوز أن يعتمر في كلّ عشرة أيّام. فمن عمل على ذلك، لم يكن به بأس.

وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنّه محرم بالعمرة المفردة. وإذا دخل الحرم، قطع التّلبية حسب ما قدّمناه. فإذا دخل مكّة، طاف بالبيت طوافا واحدا للزّيارة، ويسعى بين الصّفا والمروة، ثمَّ يقصّر إن شاء، وإن شاء حلق. والحلق أفضل. ويجب عليه بعد ذلك لتحلّة النّساء طواف، وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه.

باب المحصور والمصدور

المحصور هو الذي يلحقه المرض في الطّريق، فلا يقدر على النّفوذ إلى مكّة. فإذا كان كذلك، فإن كان قد ساق هديا، فليبعث به الى مكّة، ويجتنب هو جميع ما يجتنبه المحرم الى أن يبلغ الهدي محلّه. ومحلّه منى يوم النّحر، إن كان حاجّا. وإن كان معتمرا، فمحلّه مكّة بفناء الكعبة. فإذا بلغ الهدي محلّه، قصر من شعر رأسه، وحلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء، ويجب عليه الحجّ من قابل، إذا كان صرورة. وإن لم يكن صرورة، كان عليه الحجّ من قابل استحبابا، ولم تحلّ له النّساء الى أن يحجّ في القابل، إن كان ممن يجب عليه ذلك، أو

٢٨١

يأمر من يطوف عنه طواف النّساء، إن كان متطوّعا. فإن وجد من نفسه خفّة بعد أن بعث هديه، فليلحق بأصحابه. فإن أدرك مكّة قبل أن ينحر هديه، قضى مناسكه كلّها، وقد وقد أجزأه، وليس عليه الحجّ من قابل.

وإن وجدهم قد ذبحوا الهدي، فقد فاته الحجّ، وكان عليه الحجّ من قابل. وإنما كان الأمر على ذلك، لأن الذّبح إنّما يكون يوم النّحر. فإذا وجدهم قد ذبحوا الهدي، فقد فاته الموقفان، وإن لحقهم قبل الذّبح، يجوز أن يلحق أحد الموقفين. فمتى لم يلحق واحدا منهما، فقد فاته أيضا الحجّ. ومن لم يكن قد ساق الهدي فليبعث بثمنه مع أصحابه، ويواعدهم وقتا بعينه بأن يشتروه ويذبحوا عنه، ثمَّ يحلّ بعد ذلك. فإن ردّوا عليه الدراهم، ولم يكونوا وجدوا الهدي، وكان قد أحلّ، لم يكن عليه شي‌ء. ويجب عليه أن يبعث به في العام القابل، ويمسك ممّا يمسك عنه المحرم الى أن يذبح عنه. وإن كان المحصور معتمرا، فعل ما ذكرناه، وكانت عليه العمرة فرضا في الشّهر الدّاخل، إذا كانت واجبة. وإن كانت نفلا، كان عليه العمرة في الشّهر الدّاخل تطوّعا.

وأمّا المصدود، فهو الذي يصدّه العدوّ عن الدّخول إلى مكّة، كما صدوا رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله . فإذا كان ذلك، ذبح هديه في المكان الذي صدّ فيه، ويحلّ من كلّ

٢٨٢

شي‌ء أحرم منه من النّساء وغيره.

والمحصور إن كان قد أحصر، وقد أحرم بالحجّ قارنا، فليس له أن يحجّ في المستقبل متمتّعا، بل يدخل بمثل ما خرج منه.

ومن أراد أن يبعث بهدي تطوّعا، فليبعثه، ويواعد أصحابه يوما بعينه، ثمَّ ليجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من الثّياب والنّساء والطّيب وغيره، إلّا أنّه لا يلبّي. فإن فعل شيئا ممّا يحرم عليه، كانت عليه الكفّارة، كما يجب على المحرم سواء. فإذا كان اليوم الذي واعدهم، أحلّ. وإن بعث بالهدي من أفق من الآفاق، يواعدهم يوما بعينه بإشعاره وتقليده. فإذا كان ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم الى أن يبلغ الهدي محلّه، ثمَّ إنّه قد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه.

باب آخر من فقه الحج

إذا وصّى الرّجل بحجّة، وكانت حجّة الإسلام، أخرجت من أصل المال. وإن كانت نافلة، أخرجت من الثّلث. فإن لم يبلغ الثلث ما يحجّ به عنه من موضعه، حجّ عنه من بعض الطّريق. فإن لم يمكن أن يحجّ به أصلا، صرف في وجوه البر. ومن نذر أن يحجّ الله تعالى، ثمَّ مات قبل أن يحجّ، ولم يكن أيضا قد حجّ حجّة الإسلام، أخرجت عنه حجّة

٢٨٣

الإسلام من صلب المال، وما نذر فيه من ثلثه. فإن لم يكن المال إلّا بقدر ما يحجّ به عنه حجّة الإسلام، حجّ به. ويستحبّ لوليّه أن يحجّ عنه ما نذر فيه. ومن وجبت عليه حجّة الإسلام، فخرج لأدائها، فمات في الطّريق، فان كان قد دخل الحرم، فقد أجزأ عنه، وإن لم يكن قد دخل الحرم، كان على وليّه أن يقضي عنه حجّة الإسلام من تركته.

ومن أوصى أن يحجّ عنه كلّ سنة من وجه بعينه. فلم يسع ذلك المال الحجّ في كلّ سنة جاز أن يجعل مال سنتين لسنة واحدة. ومن أوصى أن يحج عنه، ولم يذكر كم مرّة ولا بكم من ماله، وجب عليه أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء يمكن أن يحجّ به.

ومن أحدث حدثا في غير الحرم، فلجأ الى الحرم، فليضيّق عليه في المطعم والمشرب، حتى يخرج، فيقام عليه الحدّ.

فإن أحدث في الحرم ما يجب عليه إقامة الحدّ، أقيم عليه فيه. ولا ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئا من دور مكّة ومنازلها لأنّ الله تعالى قال:( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) . ولا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة.

ومن وجد شيئا في الحرم، فلا يجوز له أخذه. فإن أخذه، فليعرّفه سنة. فإن جاء صاحبه، وإلا تصدق به، وكان ضامنا،

٢٨٤

إذا جاء صاحبه، ولم يرض بفعله. وإذا وجد في غير الحرم فليعرّفه سنة، ثمَّ هو كسبيل ماله يعمل به ما شاء، إلّا أنّه ضامن له، إذا جاء صاحبه. وتكره الصّلاة في ثلاثة مواضع: في طريق مكّة: البيداء، وذات الصّلاصل، وضجنان.

ويستحبّ الإتمام في الحرمين: مكّة والمدينة ما دام مقيما وإن لم ينو المقام عشرة أيّام. فإن لم يفعل وقصّر، لم يكن عليه شي‌ء. وكذلك يستحبّ الإتمام في مسجد الكوفة والحائر. وقد رويت رواية في الإتمام في حرم أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وحرم الحسين،عليه‌السلام . فعلى هذه الرّواية يجوز الإتمام في نفس المشهد بالنّجف وخارج الحير، إلّا أنّ الأحوط ما قدّمناه.

ويكره الحجّ والعمرة على الإبل الجلّالات.

ويستحبّ لمن حجّ على طريق العراق أن يبدأ أوّلا بزيارة النّبيّعليه‌السلام بالمدينة، فإنّه لا يأمن أن لا يتمكّن من العود إليها. فإن بدأ بمكّة، فلا بدّ له من العود إليها للزّيارة.

وإذا ترك النّاس الحجّ، وجب على الإمام أن يخبرهم على ذلك. وكذلك إن تركوا زيارة النّبيّ، كان عليه إجبارهم عليها. ولا بأس أن يستدين الرّجل ما يحجّ به، إذا كان من ورائه ما إن مات قضي عنه. فإن لم يكن له ذلك، كره له الاستدانة للحجّ. ويستحبّ الاجتماع يوم عرفة، والدعاء عند

٢٨٥

مشاهد الأئمّةعليهم‌السلام . وليس ذلك بواجب. ويستحبّ للرّجل إذا انصرف من الحجّ أن يعزم على العود إليها، ويسأل الله تعالى ذلك.

وأشهر الحجّ قد بيّنّا أنها شوّال وذو القعدة وذو الحجّة. والأيام المعلومات أيّام التّشريق. والأيّام المعدودات هي عشر ذي الحجّة.

ومن جاور بمكّة، فالطّواف له أفضل من الصّلاة، ما لم يجاوز ثلاث سنين. فإن جاوزها، أو كان من أهل مكّة، كانت الصّلاة له أفضل. ولا بأس أن يحجّ الإنسان عن غيره تطوّعا، إذا كان ميّتا، فإنّه يلحقه ثواب ذلك، إلّا أن يكون مملوكا، فإنّه لا يحجّ عنه. وتكره المجاورة بمكّة.

ويستحبّ للإنسان إذا فرغ من مناسكه الخروج منها، ومن أخرج شيئا من حصى المسجد الحرام، كان عليه ردّه اليه. ويكره للإنسان أن يخرج من الحرمين بعد طلوع الشّمس قبل أن يصلّي الصّلاتين. فإذا صلاهما، خرج إن شاء.

فإذا خرج الإنسان من مكّة فليتوجّه إلى المدينة لزيارة النّبيّعليه‌السلام . فإذا بلغ الى المعرّس، فليدخله وليصل فيه ركعتين استحبابا ليلا كان أو نهارا. فإن جازه ونسي، فليرجع، وليصلّ فيه ركعتين. وليضطجع فيه قليلا. وإذا انتهى الى مسجد الغدير، فليدخله وليصلّ فيه ركعتين. واعلم

٢٨٦

أنّ للمدينة حرما مثل حرم مكّة. وحدّه ما بين لابتيها وهو من ظلّ عائر إلى ظلّ وعير. لا يعضد شجرها. ولا بأس أن يؤكل صيدها، إلّا ما صيد بين الحرّتين.

ويستحبّ ألّا يدخل الإنسان المدينة إلّا بغسل. وكذلك إذا أراد دخول مسجد النّبي،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا دخله، أتى قبر النّبي،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزاره. فإذا فرغ من زيارته أتى المنبر فمسحه استحبابا. ويمسح أيضا رمّانتيه. ويستحبّ أن يصلّي ما بين القبر والمنبر ركعتين. فإن فيه روضة من رياض الجنّة. وقد روي أنّ فاطمة،عليها‌السلام ، مدفونة هناك. وقد روي أنّها مدفونة في بيتها. وقد روي أنّها مدفونة بالبقيع. وهذا بعيد. والروايتان الأوليان أشبه وأقرب الى الصّواب. وينبغي أن يزور فاطمة،عليها‌السلام ، من عند الروضة.

ويستحبّ المجاورة في المدينة وإكثار الصّلاة في مسجد النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله . ويكره النّوم في مسجد النّبيّ، عليه وآله السّلام. ويستحبّ لمن له مقام بالمدينة أن يصوم ثلاثة أيّام: الأربعاء والخميس والجمعة. ويصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة. وهي أسطوانة التّوبة. ويقعد عندها يوم الأربعاء، ويأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصلّاه. ويصلّي عندها

٢٨٧

ويصلّي ليلة الجمعة عند مقام النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستحبّ أن تكون هذه الثّلاثة أيّام معتكفا في المسجد. ولا يخرج منه الا لضرورة.

ويستحبّ إتيان المشاهد كلّها بالمدينة: مسجد قبا، ومشربة أمّ إبراهيم، ومسجد الأحزاب، وهو مسجد الفتح، ومسجد الفضيخ، وقبور الشّهداء كلّهم. ويأتي قبر حمزة بأحد، ولا يتركه إلّا عند الضّرورة، إن شاء الله.

٢٨٨

كتاب الجهاد وسيرة الإمام

باب فرض الجهاد ومن يجب عليه وشرائط وجوبه وحكم الرباط

الجهاد فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركانه وهو، فرض على الكفاية. ومعنى ذلك أنّه إذا قام به من في قيامه كفاية وغناء عن الباقين، ولا يؤدّي الى الإخلال بشي‌ء من أمر الدين، سقط عن الباقين. ومتى لم يقم به أحد، لحق جميعهم الذّمّ، واستحقّوا بأسرهم العقاب. ويسقط الجهاد عن النّساء والصبيان والشّيوخ الكبار والمجانين والمرضى ومن ليس به نهضة الى القيام بشرطه.

ومن كان متمكّنا من إقامة غيره مقامه في الدّفاع عنه، وهو غير متمكّن من القيام به بنفسه، وجب عليه إقامته، وإزاحة علّته في ما يحتاج اليه. ومن تمكّن من القيام بنفسه، فأقام غيره مقامه، سقط فرضه، إلّا أن يلزمه النّاظر في أمر المسلمين القيام بنفسه، فحينئذ يجب عليه أن يتولّى هو الجهاد ولا يكفيه إقامة غيره.

٢٨٩

ومن وجب عليه الجهاد إنّما يجب عليه عند شروط، وهي أن يكون الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلّا بأمره ولا يسوغ لهم الجهاد من دونه ظاهرا، أو يكون من نصبه الإمام للقيام بأمر المسلمين حاضرا، ثمَّ يدعوهم الى الجهاد، فيجب عليهم حينئذ القيام به. ومتى لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاضرا، لم يجز مجاهدة العدوّ. والجهاد مع أئمّة الجور أو من غير إمام، خطأ يستحقّ فاعله به الإثم. وإن أصاب لم يؤجر عليه. وإن أصيب كان مأثوما. اللهمّ إلّا أن يدهم المسلمين أمر من قبل العدوّ يخاف منه على بيضة الإسلام ويخشى بواره، أو يخاف على قوم منهم، وجب حينئذ أيضا جهادهم ودفاعهم. غير أنّه يقصد المجاهد، والحال على ما وصفناه، الدّفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين، ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر، ولا مجاهدتهم ليدخلهم في الإسلام.

والمرابطة في سبيل الله، فيها فضل كبير وثواب جزيل. غير أنّ الفضل فيها يكون حال كون الإمام ظاهرا. وحدّها ثلاثة أيّام إلى أربعين يوما. فإن زاد على ذلك، كان حكمه حكم المجاهدين وثوابه ثوابهم.

ومتى لم يكن الإمام ظاهرا، لم يكن فيه ذلك الفضل. فإن نذر في حال استتار الامام وانقباض يده عن التّصرف أن

٢٩٠

يرابط، وجب عليه الوفاء به. غير أنّه يكون حكمه ما ذكرناه من أنّه لا يبدأ العدوّ بالقتال، وإنّما يدفعهم إذا خاف سطوتهم.

وإن نذر أن يصرف شيئا من ماله الى المرابطين في حال ظهور الإمام، وجب عليه الوفاء به. وإن نذر ذلك في حال انقباض يد الإمام، صرف ذلك في وجوه البر. اللهمّ إلّا أن يكون قد نذر ظاهرا ويخاف في الإخلال به الشّنعة عليه. فحينئذ يجب الوفاء به.

ومن أخذ من إنسان شيئا، ليرابط عنه في حال انقباض يد الإمام، فليردّ عليه، ولا يلزمه الوفاء به. فإن لم يجد من أخذه منه، وجب عليه الوفاء به، ولزمته المرابطة.

ومن لا يمكنه المرابطة بنفسه، فرابط دابّة، أو أعان المرابطين بشي‌ء يقوم بأحوالهم، كان له في ذلك أجر كبير.

ومن دخل أرض العدوّ بأمان من جهتهم، فغزاهم قوم آخرون من الكفّار، جاز له قتالهم، ويكون قصده بذلك الدّفاع عن نفسه، ولا يقصد معاونة المشركين والكفّار.

باب من يجب قتاله من المشركين وكيفية قتالهم

كلّ من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفّار يجب مجاهدتهم وقتالهم. غير أنّهم ينقسمون قسمين:

قسم لا يقبل منهم إلّا الإسلام والدّخول فيه، أو يقتلون

٢٩١

وتسبى ذراريّهم وتؤخذ أموالهم. وهم جميع أصناف الكفّار، إلّا اليهود والنّصارى والمجوس.

والقسم الآخر هم الذين تؤخذ منهم الجزية. وهم الأجناس الثلاثة الذين ذكرناهم. فإنّهم متى انقادوا للجزية وقبلوها وقاموا بشرائطها، لم يجز قتالهم، ولم يسغ سبي ذراريهم. ومتى أبوا الجزية أو أخلّوا بشرائطها، كان حكمهم حكم غيرهم من الكفّار في أنّه يجب عليهم القتل وسبي الذراري وأخذ الأموال.

ولا يجوز قتال أحد من الكفّار إلّا بعد دعائهم إلى الإسلام وإظهار الشّهادتين والإقرار بالتّوحيد والعدل والتزام جميع شرائع الإسلام. فمتى دعوا الى ذلك، فلم يجيبوا حلّ قتالهم. ومتى لم يدعوا، لم يجز قتالهم. والدّاعي ينبغي أن يكون الإمام أو من يأمره الإمام.

ولا يجوز قتال النّساء. فإن قاتلن المسلمين وعاونّ أزواجهنّ ورجالهنّ، أمسك عنهنّ. فإن اضطرّوا الى قتلهنّ، جاز حينئذ قتلهنّ، ولم يكن به بأس.

وشرائط الذّمّة الامتناع من مجاهرة المسلمين بأكل لحم الخنزير وشرب الخمور وأكل الرّبا ونكاح المحرّمات في شريعة الإسلام. فمتى فعلوا شيئا من ذلك، فقد خرجوا من الذّمّة، وجرى عليهم أحكام الكفّار.

ومن أسلم من الكفّار وهو بعد في دار الحرب، كان إسلامه

٢٩٢

حقنا لدمه من القتل، وولده الصّغار من السّبي، فأمّا الكبار منهم والبالغون، فحكمهم حكم غيرهم من الكفّار، وماله من الأخذ، كلّ ما كان صامتا أو متاعا أو أثاثا، وما يمكن نقله الى دار الإسلام. واما الأرضون والعقارات وما لا يمكن نقله، فهو في‌ء للمسلمين.

ويجوز قتال الكفّار بسائر أنواع القتل إلّا السمّ، فإنّه لا يجوز أن يلقى في بلادهم السّم. ومتى استعصى على المسلمين موضع منهم، كان لهم أن يرموهم بالمناجيق والنّيران وغير ذلك ممّا يكون فيه فتح لهم، وإن كان في جملتهم قوم من المسلمين النّازلين عليهم. ومتى هلك المسلمون فيما بينهم، أو هلك لهم من أموالهم شي‌ء، لم يلزم المسلمين ولا غيرهم غرامتهم من الدّية والأرش، وكان ضائعا.

ولا بأس بقتال المشركين في أيّ وقت كان، وفي أيّ شهر كان، إلّا الأشهر الحرم. فإن من يري منهم خاصّة لهذه الأشهر حرمة لا يبتدءون فيها بالقتال. فإن بدءوهم بقتال المسلمين، جاز حينئذ قتالهم. وإن لم يبتدءوا أمسك عنهم الى انقضاء هذه الأشهر. فأمّا غيرهم من سائر أصناف الكفّار فإنّهم يبتدءون فيها بالقتال على كلّ حال. ولا بأس بالمبارزة بين الصّفّين في حال القتال، ولا يجوز له أن يطلب المبارزة، إلّا بإذن الإمام. ولا يجوز لأحد أن يؤمن إنسانا على نفسه ثمَّ يقتله، فإنّه يكون غادرا. ويلحق

٢٩٣

بالذّراريّ من لم يكن قد أنبت بعد. ومن أنبت، ألحق بالرّجال، وأجري عليه أحكامهم. ويكره قتل من يجب قتله صبرا. وإنّما يقتل على غير ذلك الوجه. ولا يجوز أن يفرّ واحد من واحد ولا اثنين. فإن فرّ منهما، كان مأثوما. ومن فرّ من أكثر من اثنين، لم يكن عليه شي‌ء.

باب قسمة الفي‌ء وأحكام الأسارى

قد بيّنّا في كتاب الزّكاة كيفيّة قسمة الفي‌ء على التفصيل، غير أنّا نذكره هاهنا مجملا، ونزيد عليه ما يحتاج اليه ممّا يليق بهذا المكان.

كلّ ما غنمه المسلمون من المشركين، ينبغي للإمام أن يخرج منه الخمس، فيصرفه إلى أهله ومستحقّيه حسب ما قدّمناه في كتاب الزّكاة.

والباقي على ضربين:

ضرب منه للمقاتلة خاصّة دون غيرهم من المسلمين.

وضرب هو عام لجميع المسلمين مقاتلتهم وغير مقاتلتهم.

فالذي هو عامّ لجميع المسلمين، فكلّ ما عدا ما حوى العسكر من الأرضين والعقارات وغير ذلك، فإنّه بأجمعه في‌ء للمسلمين: من غاب منهم ومن حضر على السّواء.

وما حوى العسكر يقسم بين المقاتلة خاصّة، ولا يشركهم

٢٩٤

فيه غيرهم. فإن قاتلوا، وغنموا، فلحقهم قوم آخرون لمعاونتهم، كان لهم من القسمة مثل ما لهم، يشاركونهم فيها. وينبغي للإمام أن يسوّي بين المسلمين في القسمة، ولا يفضّل أحدا منهم لشرفه أو علمه أو زهده على من ليس كذلك في قسمة الفي‌ء.

وينبغي أن يقسم للفارس سهمين وللرّاجل سهما: فإن كان مع الرّجل أفراس جماعة لم يسهم منها الّا لفرسين منها. ومن ولد في أرض الجهاد، كان له من السّهم مثل ما للمقاتل على السّواء. وإذا قاتل قوم من المسلمين المشركين في السفينة، فغنموا. وفيهم الفرسان والرّجّالة، كان قسمتهم مثل قسمتهم لو قاتلوا على البرّ، سواء: للفارس سهمان، وللرّجل سهم.

وعبيد المشركين، إذا لحقوا بالمسلمين قبل مواليهم، وأسلموا كانوا أحرارا، وحكمهم حكم المسلمين، وإن لحقوا بهم بعد مواليهم كان حكمهم حكم العبيد.

ومتى أغار المشركون على المسلمين، فأخذوا منهم ذراريّهم وعبيدهم وأموالهم، ثمَّ ظفر بهم المسلمون، فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم المشركون، فإنّ أولادهم يردّون إليهم بعد أن يقيموا بذلك بيّنة، ولا يسترقّون. فأمّا العبيد فإنّهم يقوّمون في سهام المقاتلة. ويعطي الإمام مواليهم أثمانهم من بيت المال. وكذلك الحكم في أمتعتهم وأثاثاتهم على السّواء.

٢٩٥

والأسارى على ضربين: ضرب منهم هو كلّ أسير أخذ قبل أن( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، وينقضي القتال، فإنّه لا يجوز للإمام استبقاءهم، ويكون مخيّرا بين أن يضرب رقابهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم، ويتركهم حتّى ينزفوا ويموتوا. والضّرب الآخر هو كلّ أسير أخذ بعد أن وضعت( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، فإنّه يكون الإمام فيه مخيّرا: إن شاء منّ عليه فأطلقه، وإن شاء استبعده، وإن شاء فاداه.

ومن أخذ أسيرا، فعجز عن المشي، ولم يكن معه ما يحمله عليه الى الإمام، فليطلقه، فإنّه لا يدري: ما حكم الإمام فيه. ومن كان في يده أسير، وجب عليه أن يطعمه ويسقيه، وإن أرادوا قتله بعد لحظة.

والمسلم إذا أسره المشركون، لم يجز له أن يتزوّج فيما بينهم. فإن اضطرّ، جاز له أن يتزوّج في اليهود والنّصارى. فأمّا غيرهم فلا يقربهم على حال.

باب قتال أهل البغي والمحاربين وكيفية قتالهم والسيرة فيهم

كلّ من خرج على إمام عادل، ونكث بيعته، وخالفه في أحكامه، فهو باغ، وجاز للإمام قتاله ومجاهدته. ويجب على من يستنهضه الإمام في قتالهم، النّهوض معه. ولا يسوغ له

٢٩٦

التّأخّر عن ذلك. ومن خرج على إمام جائر، لم يجز قتالهم على حال. ولا يجوز لأحد قتال أهل البغي إلّا بأمر الإمام. ومن قاتلهم، فلا ينصرف عنهم إلّا بعد الظّفر أو يفيئوا إلى الحقّ. ومن رجع عنهم من دون ذلك، كان فارّا من الزّحف.

وأهل البغي على ضربين: ضرب منهم يقاتلون ولا تكون لهم فئة يرجعون اليه. والضّرب الآخر تكون لهم فئة يرجعون إليه.

فإذا لم يكن لهم فئة يرجعون إليه، فإنّه لا يجاز على جريحهم ولا يتّبع مدبرهم ولا تسبى ذراريّهم، ولا يقتل أسيرهم.

ومتى كان لهم فئة يرجعون اليه، جاز للإمام أن يجيز على جرحاهم وأن يتّبع مدبرهم وأن يقتل أسيرهم. ولا يجوز سبي الذّراري على حال. ويجوز للإمام أن يأخذ من أموالهم ما حوى العسكر، ويقسم على المقاتلة حسب ما قدّمناه. وليس له ما لم يحوه العسكر، ولا له اليه سبيل على حال.

والمحارب هو كلّ من قصد إلى أخذ مال الإنسان وأشهر السّلاح في برّ أو بحر أو سفر أو حضر. فمتى كان شي‌ء من ذلك، جاز للإنسان دفعه عن نفسه وعن ماله. فإن أدّى ذلك الى قتل اللّصّ، لم يكن عليه شي‌ء. وإن أدّى الى قتله هو، كان شهيدا، وثوابه ثواب الشّهداء.

٢٩٧

باب من الزيادات في ذلك

يجوز للإمام أن يذمّ لقوم من المشركين، ويجوز له أن يصالحهم على ما يراه. ولا يجوز لأحد أن يذمّ عليه إلّا بإذنه وإذا كانوا جماعة من المسلمين في سريّة، فأذمّ واحد منهم لمشرك، كانت ذمّته ماضية على الكلّ، ولم يجز لأحد منهم الخلاف عليهم، وإن كان أدونهم في الشّرف، حرّا كان أو عبدا. ومتى استذمّ قوم من المشركين الى المسلمين، فقال لهم المسلمون لا نذمّكم، فجاءوا إليهم ظنّا منهم أنّهم أذمّوهم، كانوا مأمونين ولم يكن عليهم سبيل. ومن أذمّ مشركا أو غير مشرك، ثمَّ أخفره ونقض ذمامه، كان غادرا آثما.

ويكره أن يعرقب الإنسان الدّابة على جميع الأحوال. فإن وقفت عليه في أرض العدوّ، فليخلّها ولا يعرقبها.

وإذا اشتبه قتلى المشركين بقتلى المسلمين، فليوار منهم من كان صغير الذّكر على ما روي في بعض الأخبار.

ولا بأس أن يغزو الإنسان عن غيره، ويأخذ منه على ذلك الجعل.

ويكره تبييت العدوّ ليلا، وإنّما يلاقون بالنّهار. ويستحبّ ألّا يؤخذ في القتال إلّا بعد زوال الشّمس، فإن اقتضت المصلحة تقديمه قبل الزّوال، لم يكن به بأس. ولا يجوز التّمثيل

٢٩٨

بالكفّار ولا الغدر بهم ولا الغلول منهم. ولا ينبغي أن تقطع المثمرة في أرض العدوّ والإضرار بهم، إلّا عند الحاجة إليها. ولا ينبغي تغريق المساكن والزّروع إلّا عند الحاجة الشّديدة الى ذلك.

وليس للأعراب من الغنيمة شي‌ء، وإن قاتلوا مع المهاجرين.

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن له اقامة الحدود والقضاء ومن ليس له ذلك

الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرضان من فرائض الإسلام، وهما فرضان على الأعيان، لا يسع أحدا تركهما والإخلال بهما.

والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يجبان بالقلب واللّسان واليد، إذا تمكّن المكلّف من ذلك، وعلم أنّه لا يؤدّي الى ضرر عليه ولا على أحد من المؤمنين لا في الحال ولا في مستقبل الأوقات، أو ظنّ ذلك. فإن علم الضّرر في ذلك، إمّا عليه أو على غيره، إمّا في الحال أو في مستقبل الأوقات، أو غلب على ظنّه. لم يجب عليه من هذه الأنواع، إلّا ما يأمن معه الضّرر على كلّ حال.

والأمر بالمعروف يكون باليد واللّسان. فأمّا باليد، فهو أن يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسّى به النّاس. وأمّا باللّسان، فهو أن يدعو النّاس الى المعروف، ويعدهم على فعله المدح والثّواب، ويزجرهم، ويحذرهم في الإخلال به من العقاب.

٢٩٩

فمتى لم يتمكّن من هذين النّوعين، بأن يخاف ضررا عليه أو على غيره، اقتصر على اعتقاد وجوب الأمر بالمعروف بالقلب، وليس عليه أكثر من ذلك.

وقد يكون الأمر بالمعروف باليد بأن يحمل النّاس على ذلك بالتأديب والرّدع وقتل النّفوس وضرب من الجراحات، إلّا أنّ هذا الضّرب لا يجب فعله إلّا بإذن سلطان الوقت المنصوب للرّئاسة. فإن فقد الإذن من جهته، اقتصر على الأنواع التي ذكرناها.

وإنكار المنكر يكون بالأنواع الثلاثة التي ذكرناها: فأمّا باليد، فهو أن يؤدّب فاعله بضرب من التأديب: إمّا الجراح أو الألم أو الضّرب، غير أنّ ذلك مشروط بالإذن من جهة السّلطان حسب ما قدّمناه. فمتى فقد الإذن من جهته اقتصر على الإنكار باللّسان والقلب. ويكون الإنكار باللّسان، بالوعظ والإنذار والتّخويف من فعله بالعقاب والذّمّ. وقد يجب عليه إنكار المنكر بضرب من الفعل، وهو أن يهجر فاعله، ويعرض عنه وعن تعظيمه، ويفعل معه من الاستخفاف ما يرتدع معه من المناكير. وإن خاف الفاعل للإنكار باللّسان ضررا، اقتصر على الإنكار بالقلب حسب ما قدّمناه في المعروف سواء.

فأمّا إقامة الحدود، فليس يجوز لأحد إقامتها، إلّا لسلطان الزّمان المنصوب من قبل الله تعالى، أو من نصبه الإمام لإقامتها

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793