النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225341 / تحميل: 6346
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الاباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس الا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________

(قوله: إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وقوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا (قوله: لا مجال للتشبث) اشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالايات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الاباحة مطلقا أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك ؟ والاستعمال لا يدل على شئ من ذلك لامكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في اثبات الدعوى (قوله: ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الذي تكون ظاهرة فيه لولا الوقوع عقيب الحظر (قوله: لاجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الا بناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

المرة والتكرار

(قوله: مطلقا) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (قوله: على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (قوله: لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (قوله: لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للامر، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (قوله: لا يذهب عليك) قال في الفصول: الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار... إلى أن قال: وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه، ولان الاكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها، ولانه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه... الخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الامر بل هو مشتق مثلها، والمادة هي الامر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول): ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الاول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور، وأما الثاني فلا غبار عليه لان المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الاول الاتفاق على الاخير (قوله: غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله: ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): - مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذى وضع اولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا ساير الصيغ التى تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________

هذا لا يثبت الاشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (قوله: فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (قوله: مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين: ان الفعل هو الاصل في الاشتقاق أءكد في توجه الاشكال فتأمل (قوله: معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (قوله: جمعه معه) الضمير الاول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الذي) ويمكن العكس (قوله: ومعنى) معطوف على قوله: لفظ، يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (قوله: هو المصدر) خبر أن (قوله: أو الفعل فافهم) لعله اشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الاصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي " ثم " ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة: وهو أولى (قوله: الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الافراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد، وأن الفرد الموجود تدريجا مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الافراد والدفعات ايضا (قوله: والتحقيق أن يقعا) الذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________

*

فيهما بالمعنى الاول، ونسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني، والظاهر ان مراد المصنف (ره) امكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معا إذ ليس له وجه ظاهر (قوله: وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لاثبات ما استظهره (قوله: وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (قوله: فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الامر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الامر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (قوله: باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه الله) تمهيدا لتأتي النزاع على القولين لا ردا على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتى النزاع في المقام بكل معنى (قوله: ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال: الماهية

١٨٤

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها، أما بالمعنى الاول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه (تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو الاجمال

______________________________

من حيث هي ليست الا هي، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها، وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضا لها بما هي هي بل بشرط الوجود، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال: الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (قوله: وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (قوله: في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (قوله: من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لان الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الاول يسقط الامر فلا يكون فعله ثانيا امتثالا وسيجئ له

١٨٥

فالمرجع هو الاصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز الاتيان بها مرة ومرات فانه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________

تتمة (قوله: فالمرجع هو الاصل) يعني الاصل العملي فلو تردد الامر بين الطبيعة والتكرار فالاصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله - بناء على تحقق التكرار به - فاستصحاب الوجوب هو المرجع، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار، وربما يختلف الاصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (قوله: في ذاك المقام) أي في مقام البيان (قوله: في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (قوله: في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الاتيان ثانيا بقصد امتثال الامر لا مجرد الاتيان ثانيا بلا قصد الامر فانه لا ريب في جوازه (قوله: أو مرارا) فيجوز الاتيان ثانيا وثالثا بقصد الامتثال (قوله: فرد أو أفراد) يعني افرادا دفعية (قوله: فانه مع الاتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الاطلاق جواز الاتيان زائدا على المرة، ومرجعه إلى ابداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________

اطلاق المذكور لان الوجود الاول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الامر ايضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الاتيان به بقصد امتثال الامر، وإذا امتنع كون الاتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات " أقول ": يمكن منع الاطلاق المذكور مع قطع النظر عن المانع العقلي وذلك لان اطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل، وأما المانع الذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الاقل والاكثر بكل وجه، وسيأتي الكلام فيه (قوله: كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الامر باحضار الماء: تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد احضاره، واخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانيا من جهة امتناع بقاء الامر مع حصول موضوعه الذي هو صرف الاحضار، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الامر ليس مطلق الاحضار بل الاحضار المترتب عليه الشرب، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلا بين الغرض وموضوع الامر سعة وضيقا لامتناع التفكيك بينهما، وعليه فلا يتعين الاحضار الحاصل لان يكون مأمورا به الا بعد ترتب الغرض عليه، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالاحضار الاول رجاء كونه مأمورا به لا بقصد ذلك، وحينئذ فللمكلف الاتيان ثانيا وثالثا بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الاول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الامر اولا بالاحضار يبعث ثانيا إلى صرف الاحضار المنطبق على بقاء الفرد الاول واحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها باحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________

الغرض الفرد الاول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده، ولازم ذلك الالتزام باوامر طولية بحسب الزمان مادام الغرض باقيا ويكون المراد من بقاء الامر هذا المعنى لا بقاء الامر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيدا.

الفور والتراخى

(قوله: لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي، وعن آخرين التوقف، والتحقيق الاول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (قوله: قضية اطلاقها) يعني اطلاق المادة بالاضافة إلى الزمان (قوله: تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الاطلاق (قوله: ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الاوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا في الزمان الثاني أولا ؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة - على هذا القول - هو وحدة المطلوب

______________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق والا كان تركهما موجبا للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف، بل كان الانسب حينئذ أن يقال: احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق، لا التعبير بما في الآية، إلا أن يقال: ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة، وكذا الحال في الآية الاخرى، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيدا (والاولى) أن يقال: المغفرة في الآية الاولى يراد منها سببها وهو الاطاعة وكما يمتنع اخذ الاطاعة قيدا للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الامر بالاطاعة ارشادي كذلك الامر بالمسارعة فيها، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لان مادة المسارعة إلى الشئ إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى، وكذا الحال في الآية الاخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الاخروية كما هو الظاهر، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم (قوله: الارشادية فافهم) لعله اشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت، (قوله: فهل قضية الامر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الاطراف فيقال: هل ظاهر الامر الاتيان به فورا فلو تركه عصى وسقط الامر أو الاتيان به فورا على نحو لو تركه في الزمان الاول عصى في ترك الفورية وبقي الامر بصرف الطبيعة أو الاتيان به فورا ففورا فلو تركه في الزمان الاول عصى ووجب الاتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذى ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا

______________________________

فورا أيضا... وهكذا، ومبنى الاحتمال الاول ان الفورية في الزمان الاول مقومة لاصل المصلحة فتفوت بفوتها وهذا هو المراد من وحدة المطلوب، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان احداهما قائمة بذات الفعل مطلقا والاخرى قائمة بالفورية في الزمان الاول لا غير، ومبنى الثالث كذلك الا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لاصلها كما هو مبنى الثاني (قوله: أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (قوله: لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الادلة، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد اليهما، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم، ثم انه حيث كان اطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا اشكال واما إذا لم يكن اطلاق كذلك فالمرجع الاصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الاجمالي بالتكليف باحدهما، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع اصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الاقل والاكثر، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من ارادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________

الكلام في الاجزاء

(قوله: مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلا بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الامر (قوله: لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (قوله: قيدا توضيحيا) لان ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (قوله: مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقدا لقصد التقرب وان كان واجدا لجميع ما يعتبر فيه شرعا (قوله: بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيدا للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا (قوله: ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (قوله: عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (قوله: لا مطلق الواجبات) فلا وجه لاخذه قيدا في دعوى الاجزاء مطلقا (قوله: لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الاطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره فانه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع

______________________________

التقادير فتأمل (قوله: المراد من الاقتضاء ههنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم: الامر بالشئ هل يقتضي الاجزاء أولا ؟، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم: الامر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم: الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الاتيان وفي عنوان غيره إلى الامر وحيث أنه لا معنى لتأثير الامر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الامر على أن موضوعه واف بتمام المصلحة بخلاف الاتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لولا كونه علة لحصول الغرض لما كان مامورا به (قوله: هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالاضافة إلى نفس الامر المتعلق بالماتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الامر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (قوله: نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (قوله: صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا: المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهرى الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جدا

______________________________

*

بالامر الاضطراري مأمور به بالامر الواقعي - ولو تنزيلا - والمامور به بالامر الواقعي يقتضي الاجزاء، ينتج: المأمور به بالامر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الامر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الامر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الامر الواقعي، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقا العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معا، وفي الفعل الواقعي على اثبات نفس الكبرى لانه عينها (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الاصولية لان شأن المسائل الاصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوضيفة الفقيه، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الافعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (قوله: الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (احدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانيا (وثانيهما) إسقاط القضاء، وأن المراد هنا أي المعنيين ؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك - تبعا للتقريرات - بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الامر أن ما يكفي عند الماتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به واخرى الامر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (قوله: يكفي فيسقط) يعنى يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (قوله: فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث ههنا في ان الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة اخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا اداء أو

______________________________

*

الغرض فلا يثبت الامر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الامر به قضاء ناسب التعبير باسقاط القضاء (قوله: الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (قوله: بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (قوله: فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتبا على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (قوله: بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (قوله: عملا) متعلق بقوله: موافقا، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملا (قوله: لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (قوله: وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للاداء، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للاداء (قوله: فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للاداء بحث في ان الامر بشئ في وقت

١٩٤

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين اصلا (إذا) عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الاول) أن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانيا، لاستقلال العقل بانه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما اشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________

*

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الاتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الامر به مطلقا لكونه في الوقت أولا يدل ؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الامر، وأين هو من النزاع في المسألة ؟ (قوله: فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والاخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفى الاخرى عقلي " وثالثا " من جهة ان القول بعدم الاجزاء انما في ظرف الاتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الاتيان به (قوله: بالامر الاضطراري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: أو الظاهري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الامر الحقيقي لابد ان يكون حاكيا عن الارادة وأن الارادة حدوثا وبقاء تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالماتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مامورا به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الامر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من الماتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الامر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالاتيان بمتعلقه وهو عين الاجزاء المدعى غاية الامر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لامر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام - كما عرفت - في أن فعل المأمور به مجزئ عن الامر به ثانيا (قوله: لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا اتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الاول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار احبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الاول) في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزئ عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفى خارجه قضاء أولا يجزئ ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________

*

قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الافراد الدفعية التى تكون امتثالا واحدا لعدم المرجح. فتأمل (قوله: وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (قوله: بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (قوله: فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يعلم بعدم ترتب الاثر عليه (قوله: ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال (عليه السلام): صل معهم يختار الله أحبهما إليه، ورواية هشام عنه (عليه السلام): في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (عليه السلام): يصلي معهم ويجعلها الفريضة انشاء الله، ونحوها رواية حفص، وفي مرسلة الصدوق: يحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا به كذلك بل يبقى منه شئ امكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا اعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم فافهم

______________________________

الامر الاضطراري

(قوله: ان يكون التكليف) يعني موضوعه (قوله: كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (قوله: وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارة يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول): ما لا يمكن استيفاؤه ايضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالاقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الاجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (قوله: ولا يخفى) شروع في حكم الاقسام من حيث الاجزاء (قوله: اصلا للتدارك) لان التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (قوله: ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ (قوله: لما فيه من)

١٩٧

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض، وان لم يكن وافيا وقد امكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________

تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (قوله: فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت ؟ لان في تشريعه تفويتا للمصلحة (قوله: هذا كذلك) (أقول): تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه الا ان يكون المراد من تشريعه الامر بفعله في الوقت أو الاذن كذلك الملازمين للاذن في التفويت (قوله: لولا المزاحمة) يعنى انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحة يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (قوله: الاضطرار مطلقا) وعليه يجوز البدار مطلقا (قوله: أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (قوله: أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الاقسام لا تختص بالصورة الاولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت. وقد تكون بشرط الانتظار، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله: وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الاعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________

*

معطوف على قوله: إن كان وافيا (قوله: فلا بد من ايجاب) لاجل تدارك الباقي (قوله: والا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة: والا فيجزئ، بمعنى عدم وجوب الاعادة والقضاء وان كان يستحب (قوله: ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (قوله: وفى الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (قوله: استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (قوله: وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الاشارة إلى ما يكون كالانموذج لادلة البدل الاضطراري (قوله: هو الاجزاء) أما اقصاء ما كان بلسان البدلية مثل: أحد الطهورين، ونحوه فظاهر، فان اطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواص فلا بد من أن يفى بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء " فان قوله ": هذا الاطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا الا انه معارض باطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الاحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته والا جاز تفويت القدرة عليه، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن اطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن اطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل واذ لا مرجح يرجع إلى الاصل ويسقط الاطلاق عن المرجعية " قلت ": نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لانه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولاجل ذلك نقول: لا يجوز تعجيز النفس اختيارا لانه تفويت للتام، فتأمل جيدا. وأما ما كان بلسان الامر فقد يشكل اطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الامر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للامر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الامر ولا يصلح لنفي وجوب الاعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الامر بالاعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتمادا على هذا الاطلاق المقامي المقدم على اطلاق دليل المبدل للحكومة، أو كون الامر واردا مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم، اللهم إلا أن يقال: دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الامر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالاضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن اطلاق دليل المبدل بالاضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ومتى هلكت اللّقطة في مدّة زمان التّعريف من غير تفريط، لم يكن على من وجدها شي‌ء. فإن هلكت بتفريط من قبله، أو يكون قد تصرّف فيه، ضمنه، ووجب عليه غرامته بقيمته يوم هلك.

ومتى اشتري بمال اللّقطة جارية، ثمَّ جاء صاحبها، فوجدها بنته، لم يلزمه أخذها، وكان له أن يطالبه بالمال الذي اشترى به ابنته، ولا تحصل هذه البنت في ملكه، فتكون قد انعتقت به، بل هي حاصلة في ملك الغير، وهو ضامن لماله الذي وجده. فإن أجاز شراءه لها انعتقت بعد ذلك، ولم يجز له بيعها.

ومتى تصرّف في اللّقطة قبل السّنة واستفاد بها ربحا، كان الرّبح لصاحب المال. وإن كان تصرّفه بعد السّنة، كان الرّبح له وعليه ضمان المال حسب ما قدمناه.

ومن وجد كنزا في دار انتقلت اليه بميراث عن أهله، كان له ولشركائه في الميراث، إن كان له شريك فيه. فإن كانت الدّار قد انتقلت اليه بابتياع من قوم، عرّف البائع. فإن عرفه، وإلّا أخرج خمسه الى مستحقّه، وكان له الباقي. وكذلك إن ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة، فذبح شيئا من ذلك، فوجد في جوفه شيئا له قيمة، عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه. فإن عرفه، أعطاه. وإن لم يعرفه، أخرج منه الخمس، وكان له الباقي. فإن ابتاع سمكة، فوجد في جوفها درّة أو سبيكة وما أشبه ذلك،

٣٢١

أخرج منه الخمس، وكان له الباقي.

ومن وجد في داره شيئا، فإن كانت الدّار يدخلها غيره. كان حكمه حكم اللّقطة. وإن لم يدخلها غيره، كان له. وإن وجد في صندوقه شيئا كان حكمه مثل ذلك، ومن وجد طعاما في مفازة، فليقوّمه على نفسه، ويأكله. فإذا جاء صاحبه، ردّ عليه ثمنه. وإن وجد شاة في بريّة، فليأخذها وهو ضامن لقيمتها. ويترك البعير إذا وجده في المفازة، فإنّه يصبر على المشي والجوع. فإن وجد بعيرا قد خلّاه صاحبه من جهد، وكان في كلاء وماء، لم يجز له أخذه. فإن وجده في غير كلاء ولا ماء، كان له أخذه، ولم يكن لأحد بعد ذلك منازعته. وكذلك إن وجد دابّة، فالحكم فيها مثل الحكم في البعير سواء. ويكره أخذ ماله قيمة يسيرة مثل العصا والشّظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباه ذلك، وليس ذلك بمحظور.

ومن أودعه لصّ من اللّصوص شيئا من المغصوب، لم يجز له ردّه عليه. فإن عرف صاحبه، ردّه عليه. وإن لم يعرف، كان حكمه حكم اللّقطة سواء.

والشّاة إذا وجدها، حبسها عنده ثلاثة أيّام. فإن جاء صاحبها ردّها، وإلّا تصدّق بها.

وإذا وجد المسلم لقيطا، فهو حرّ غير مملوك، وينبغي له أن يرفع خبره الى سلطان الإسلام ليطلق له النّفقة عليه من بيت المال.

٣٢٢

فإن لم يوجد سلطان ينفق عليه، استعان بالمسلمين في النّفقة عليه. فإن لم يجد من يعينه على ذلك، أنفق عليه. وكان له الرّجوع بنفقته عليه، إذا بلغ وأيسر، إلّا أن يتبرّع بما أنفقه عليه. وإذا أنفق عليه، وهو يجد من يعينه في النّفقة عليه تبرّعا، فلم يستعن به، فليس له رجوع عليه بشي‌ء من النّفقة.

وإذا بلغ اللّقيط، تولّى من شاء من المسلمين، ولم يكن للّذي أنفق عليه ولاؤه إلّا أن يتوالاه. فإن لم يتوال أحدا حتى مات، كان ولاؤه للمسلمين.

وإن ترك مالا ولم يترك ولدا ولا قرابة له من المسلمين كان ما تركه لبيت المال.

ومن وجد شيئا من اللّقطة والضّالّة، ثمَّ ضاع من غير تفريط، أو أبق العبد من غير تعدّ منه عليه، لم يكن عليه شي‌ء. فإن كان هلاك ما هلك بتفريط من جهته، كان ضامنا. وإن كان إباق العبد بتعد منه، كان عليه مثل ذلك. وإن لم يعلم أنّه كان لتعد منه أو لغيره، وجب عليه اليمين بالله: أنّه ما تعدّى فيه، وبرئت عهدته.

ولا بأس للإنسان أن يأخذ الجعل على ما يجده من الآبق والضّالّ. فإن جرت هناك موافقة، كان على حسب ما اتّفق عليه. فإن لم تجر موافقة، وكان قد وجد عبدا أو بعيرا في المصر، كان جعله دينارا قيمته عشرة دراهم. فإن كان خارج المصر، فأربعة

٣٢٣

دنانير قيمتها أربعون درهما فضة. وفيما عدا العبد والبعير، ليس فيه شي‌ء موظّف، بل يرجع فيه الى العادة حسب ما جرت في أمثاله، فأعطي إياه.

ومن وجد شيئا ممّا يحتاج إلى النّفقة عليه، فسبيله أن يرفع خيره الى السّلطان لينفق عليه من بيت المال. فإن لم يجد وأنفق هو عليه، كان له الرّجوع على صاحبه بما أنفقه عليه. وإن كان من أنفق عليه قد انتفع بشي‌ء من جهته إما بخدمته أو ركوبه أو لبنه، كان ذلك بإزاء ما أنفق عليه، ولم يكن له الرّجوع على صاحبه.

٣٢٤

كتاب الشهادات

باب تعديل الشهود ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل

العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم، هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثمَّ يعرف بالسّتر والصّلاح والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللّسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار: من شرب الخمر والزّنا والرّبا وعقوق الوالدين والفرار من الزّحف وغير ذلك، السّاتر لجميع عيوبه، ويكون متعاهدا للصلوات الخمس مواظبا عليهنّ، حافظا لمواقيتهن، متوفّرا على حضور جماعة المسلمين، غير متخلّف عنهم إلّا لمرض أو علّة أو عذر.

ويعتبر في شهادة النّساء الإيمان والسّتر والعفاف وطاعة الأزواج وترك البذاء والتّبرّج إلى أنديه الرّجال.

ولا يجوز قبول شهادة الظّنين والمتّهم والخصم والخائن والأجير. ولا تقبل شهادة الفسّاق إلّا على أنفسهم. ولا تقبل شهادة ماجن ولا فحّاش. وتردّ شهادة اللاعب بالنّرد والشّطرنج وغيرهما من أنواع القمار والأربعة عشر والشّاهين.

٣٢٥

ولا بأس بشهادة أرباب الصّنائع أيّ صنعة كانت إذا جمعوا الشّرائط التي ذكرناها.

ولا يجوز شهادة من يبغي على الأذان الأجر، ولا من يرتشي في الأحكام. ولا يجوز شهادة السّائلين على أبواب الدّور وفي الأسواق.

ويجوز شهادة ذوي الفقر والمسكنة المتجمّلين السّاترين لأحوالهم، إذا حصل فيهم شرائط العدالة. ولا يجوز شهادة ولد الزّنا. فإن عرفت منه عدالة، قبلت شهادته في الشي‌ء الدون. ولا بأس بشهادة القاذف إذا تاب وعرفت توبته. وحدّ توبته من القذف أن يكذّب نفسه فيما كان قذف به. فإذا فعل ذلك، جاز قبول شهادته بعد ذلك.

ولا يجوز شهادة الشّريك لشريكه فيما هو شريك فيه. ولا بأس بشهادته له فيما ليس بشريك فيه. ومن قطع به الطّريق فأخذوا اللّصوص فشهد بعضهم لبعض عليهم، لم تقبل شهادتهم. وإنّما تقبل شهادة غيرهم، أو يحكم بإقرار اللّصوص. ولا بأس بشهادة الوصيّ على من هو وصيّ له وله. غير أنّ ما يشهد به عليه يحتاج أن يكون معه غيره من أهل العدالة. ثمَّ يحلّف الخصم على ما يدّعيه. وما يشهد للورثة مع غيره من أهل العدالة لم يجب مع ذلك يمين.

ولا بأس بشهادة ذوي الآفات والعاهات في الخلق، إذا

٣٢٦

كانوا من أهل العدالة. ولا بأس بشهادة الأعمى إذا أثبت ولم تكن شهادته فيما يحتاج فيه الى الرّؤية. وإن كانت شهادته في حال صحّته، ثمَّ عمي، جاز قبول شهادته فيما يعتبر الرّؤية فيه. ولا بأس بشهادة الأصمّ. غير أنّه يؤخذ بأوّل قوله، ولا يؤخذ بثانيه.

ومن أشهد أجيرا له على شهادة، ثمَّ فارقه، جازت شهادته له. وتجوز شهادته عليه، وإن لم يفارقه. ولا بأس بشهادة الضّيف إذا كان من أهلها.

ولا يجوز شهادة من خالف الحقّ من أهل البدع والاعتقادات الباطلة، وإن كانوا على ظاهر الإسلام والسّتر والعفاف.

وإقرار العقلاء جائز على نفوسهم فيما يوجب حكما في شريعة الإسلام، سواء كان ملّيّا أو كافرا، أو مطيعا كان أو عاصيا، وعلى كلّ حال. إلّا أن يكون عبدا، فإنّه لا يقبل إقراره على نفسه، لأنّ إقراره على نفسه إقرار على الغير، لأنّه لا يملك من نفسه شيئا.

والفاسق إذا شهد على غيره في حال فسقه، ثمَّ أقام الشّهادة وهو عدل، قبلت شهادته. وتقبل شهادة من يلعب بالحمام إذا لم يعرف منه فسق. ولا بأس بشهادة المراهن في الخفّ والحافر والرّيش، وما عدا ذلك فهو قمار.

٣٢٧

باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها

لا يجوز أن يمتنع الإنسان من الشّهادة، إذا دعي إليها ليشهد، إذا كان من أهلها، إلّا أن يكون حضوره مضرّا بشي‌ء من أمر الدّين أو بأحد من المسلمين. وإذا حضر، فلا يجوز له أن يشهد إلّا على من يعرفه. فإن أشهد على من لا يعرفه. فليشهد بتعريف من يثق إليه من رجلين مسلمين. وإذا أقام الشّهادة، أقامها كذلك.

وإذا أشهد على امرأة، وكان يعرفها بعينها، جاز له أن يشهد عليها، وإن لم ير وجهها. فإن شكّ في حالها، لم يجز له أن يشهد إلّا بعد أن تسفر عن وجهها ويتبيّنها بصفتها. فإن عرّفها من يثق به، جاز له أن يشهد، وإن لم تسفر أيضا عن وجهها، غير أنّ الأحوط ما قدّمناه.

ويجوز أن يشهد الإنسان على الأخرس، إذا عرف من إشارته الإقرار. ويقيم شهادته كذلك، ولا يقيمها بمجرّد الإقرار، لأنّ ذلك كذب.

ويجوز أن يشهد على شهادة رجل آخر، غير أنّه ينبغي أن يشهد رجلان على شهادة رجل واحد ليقوما مقامه. فأمّا واحد فلا يقوم مقام واحد. وذلك لا يكون أيضا إلّا في الدّيون والأملاك والعقود. فأمّا الحدود، فلا يجوز أن يقبل فيها شهادة على

٣٢٨

شهادة. ولا يجوز شهادة على شهادة في شي‌ء من الأشياء. ومن شهد على شهادة آخر. وأنكر ذلك الشّاهد الأوّل، قبلت شهادة أعدلهما. فإن كانت عدالتهما سواء، طرحت شهادة الشّاهد الثّاني. ولا بأس بالشهادة على شهادة، وإن كان الشّاهد الأوّل حاضرا غير غائب، إذا منعه من إقامة الشّهادة مانع من مرض وغيره.

ومن رأى في يد غيره شيئا، ورآه يتصرّف فيه تصرّف الملّاك، جاز له أن يشهد بأنّه ملكه، كما أنّه يجوز أن يشتريه على أنّه ملكه. ولا بأس أن يشهد الإنسان على مبيع، وإن لم يعرفه، ولا عرف حدوده ولا موضعه، إذا عرف البائع والمشتري ذلك.

ويكره للمؤمن أن يشهد لمخالف له في الاعتقاد، لئلّا يلزمه إقامتها، فربّما ردّت شهادته، فيكون قد أذلّ نفسه.

ومتى دعي الإنسان لإقامة شهادة، لم يجز له الامتناع منها على حال، إلّا أنّ يعلم: أنّه إن أقامها أضرّ ذلك بمؤمن ضررا غير مستحقّ، بأن يكون ذلك عليه دين وهو معسر، ويعلم: إن شهد عليه، حبسه الحاكم، فاستضرّ به هو وعياله، لم يجز له إقامتها.

وإذا أراد إقامة شهادة، لم يجز له أن يقيم، إلّا على ما يعلم. ولا يعوّل على ما يجد خطّه به مكتوبا. فإن وجد خطّه

٣٢٩

مكتوبا، ولم يذكر الشّهادة، لم يجز له إقامتها. فإن لم يذكر، شهد معه آخر ثقة، جاز له حينئذ إقامة الشّهادة.

ومن علم شيئا من الأشياء، ولم يكن قد أشهد عليه، ثمَّ دعي الى أن يشهد، كان بالخيار في إقامتها وفي الامتناع منها. اللهمّ إلّا أن يعلم: أنّه إن لم يقمها، بطل حقّ مؤمن، فحينئذ يجب عليه إقامة الشّهادة.

ولا يجوز للشّاهد أن يشهد قبل أن يسأل عن الشّهادة، كما لا يجوز له كتمانها، وقد دعي إلى إقامتها، إلّا أن تكون شهادته تبطل حقا قد علمه فيما بينه وبين الله تعالى، أو يؤدّي الى ضرر على المشهود عليه لا يستحقّه. فإنّه لا يجوز له حينئذ إقامة الشّهادة، وإن دعي إليها.

باب شهادة الولد لوالده وعليه، والوالد لولده وعليه والمرأة لزوجها وعليه، والزوج لزوجته وعليها

لا بأس بشهادة الوالد لولده وعليه مع غيره من أهل الشّهادة ولا بأس بشهادة الولد لوالده. ولا يجوز شهادته عليه. ولا بأس بشهادة الأخ لأخيه وعليه، إذا كان معه غيره من أهل الشهادات. ولا بأس بشهادة الرّجل لامرأته وعليها، إذا كان معه غيره من أهل العدالة. ولا بأس بشهادتها له وعليه فيما يجوز قبول شهادة النّساء فيه، إذا كان معها غيرها من أهل الشّهادة

٣٣٠

باب شهادة العبيد والإماء والمكاتبين والصبيان

لا بأس بشهادة العبيد، إذا كانوا عدولا وعلى ظاهر الإيمان، لساداتهم وعلى غير ساداتهم ولهم. ولا يجوز قبول شهادتهم على ساداتهم. وإذا شهد العبد على سيّده بعد أن يعتق، قبلت شهادته عليه.

وإذا أشهد رجل عبدين له على نفسه بالإقرار بوارث، فردت شهادتهما، وحاز الميراث غير المقرّ له، فأعتقهما بعد ذلك، ثمَّ شهدا للمقرّ له، قبلت شهادتهما له، ورجع بالميراث على من كان أخذه، ورجعا عبدين. فإن ذكرا: أنّ مولاهما كان أعتقهما في حال ما أشهدهما، لم يجز للمقرّ له أن يردّهما في الرّقّ، وتقبل شهادتهما في ذلك، لأنّهما أحييا حقّه.

ولا بأس بشهادة المكاتبين والمدبّرين. وتقبل شهادة المكاتبين بمقدار ما عتقوا على ساداتهم. وكلّ من ذكرنا من العبيد والمكاتبين والمدبّرين، تقبل شهادتهم على أهل الإسلام، إلّا من استثنيناه من سادتهم، ولأهل الإسلام ولمن خالف الإسلام من الأحرار والعبيد في سائر الحقوق والحدود وغير ذلك ممّا يراعى فيه الشّهادة.

ويجوز شهادة الصّبيان إذا بلغوا عشر سنين فصاعدا الى أن يبلغوا في الشّجاج والقصاص. ويؤخذ بأوّل كلامهم ولا يؤخذ

٣٣١

بآخره. ولا تقبل شهادتهم فيما عدا ذلك من الدّيون والحقوق والحدود. وإذا أشهد الصّبيّ على حقّ، ثمَّ بلغ، وذكر ذلك، جاز له أن يشهد بذلك، وقبلت شهادته، إذا كان من أهلها.

باب شهادة النساء

شهادة النّساء على ثلاثة أضرب:

فضرب منها لا يجوز قبولها على وجه.

وضرب يجوز قبولها إذا كان معهنّ الرّجال.

وضرب يجوز قبولها وان لم يكن معهنّ رجال.

فأمّا ما لا يجوز قبول شهادة النّساء فيه على وجه، كان معهنّ رجال أو لم يكن، فرؤية الهلال والطّلاق، فإنّه لا يجوز قبول شهادة النّساء في ذلك، وإن كثرت.

وأمّا ما يراعى فيه مع شهادة النّساء شهادة الرّجال، فكا الرّجم. فإنّه إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان على رجل بالزّنا، قبلت شهادتهم، ووجب على الرّجل الرّجم إن كان محصنا. وان شهد رجلان وأربع نسوة بذلك، قبلت أيضا شهادتهنّ. ولا يرجم المشهود عليه، بل يحدّ حدّ الزّاني. فإن شهد رجل وستّ نساء أو أكثر من ذلك، لم يجز قبول شهادتهم، وجلّدوا كلّهم حدّ الفرية. وإذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزّنا، فادّعت أنّها بكر، أمر النّساء بأن ينظرن إليها: فإن كانت كما قالت،

٣٣٢

درئ عنها الرّجم والحدّ، وجلد الأربعة حدّ الفرية. وان لم تكن كذلك، رجمت أو حدّت. ويجوز شهادة النّساء في القتل والقصاص إذا كان معهنّ رجال أو رجل: بأن يشهد رجل وامرأتان على رجل بالقتل أو الجراح. فأمّا شهادتهنّ على الانفراد فإنّها لا تقبل على حال.

وتقبل شهادتهنّ في الدّيون مع الرّجال وعلى الانفراد. فإن شهد رجل وامرأتان بدين، قبلت شهادتهم. فإن شهد امرأتان، قبلت شهادتهما، ووجب على الذي تشهدان له اليمين، كما يجب عليه اليمين إذا شهد له رجل واحد.

وأمّا ما تقبل فيه شهادة النّساء على الانفراد، فكلّ ما لا يستطيع الرّجال النّظر اليه، مثل العذرة والأمور الباطنة بالنّساء. وتقبل شهادة القابلة وحدها في استهلال الصّبيّ في ربع ميراثه. وتقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصيّة، وشهادة امرأتين في نصف ميراث المستهلّ ونصف الوصية، ثمَّ على هذا الحساب، وذلك لا يجوز الا عند عدم الرّجال. ولا يجوز شهادة النّساء في شي‌ء من الحدود سوى ما قدّمناه من الرّجم، وحدّ الزّنا والدّم خاصّة، لئلّا يبطل دم امرئ مسلم، غير أنّه لا يثبت بشهادتهنّ القود، وتجب بها الدّية على الكمال.

٣٣٣

باب شهادة من خالف الإسلام

لا يجوز قبول شهادة من خالف الإسلام على المسلمين في حال الاختيار. ويجوز قبول شهادتهم في حال الضّرورة في الوصيّة خاصّة، ولا يجوز في غيرها من الأحكام. ويجوز شهادة المسلمين عليهم ولهم. ويجوز شهادة بعضهم على بعض ولهم، وكلّ أهل ملّة على أهل ملّته خاصّة ولهم. ولا تقبل شهادة أهل ملّة منهم لغير أهل ملّتهم ولا عليهم، إلّا المسلمين خاصّة حسب ما قدّمناه، فإنّه تقبل شهادتهم لهم وعلى غيرهم من أصناف الكفّار. وتقبل لهم من أحكام المسلمين في الوصيّة خاصّة حسب ما قدّمناه. والذّمّي إذا أشهد ثمَّ أسلم، جاز قبول شهادته على المسلمين.

باب الحكم بالشاهد الواحد مع اليمين والقسامة

إذا شهد لصاحب الدّين شاهد واحد، قبلت شهادته، وحلّف مع ذلك، وقضي له به. وذلك في الدّين خاصّة. ولا يجوز قبول شهادة واحد والحكم بها في الهلال والطّلاق والحدود والقصاص وغير ذلك من الأحكام. والقسامة لا تقبل إلّا في الدّماء خاصّة.

وصفة القسامة أنّه إذا لم يوجد في الدّم رجلان عدلان يشهدان بالقتل، فأحضر وليّ المقتول خمسين رجلا من قومه يقسمون بالله تعالى على أنّه قتل صاحبهم، فاذا حلفوا، قضي

٣٣٤

لهم بالدّية. فإن حضر دون الخمسين، حلّف وليّ الدّم بالله من الأيمان ما يتمّ بها الخمسين، وكان له الدّية. فإن لم يكن له أحد يشهد له، حلف هو خمسين يمينا، ووجبت له الدّية.

ولا تكون القسامة إلّا مع التّهمة للمطالب بالدّم والشّبهة في ذلك. والقسامة فيما دون النّفس يكون بحساب ذلك. وسنبيّن ذلك في كتاب الدّيات إن شاء الله.

باب شهادات الزور

لا يجوز لأحد أن يشهد بالزّور وبما لا يعلم، في أي شي‌ء كان قليلا أو كثيرا، وعلى من كان موافقا كان أو مخالفا. فمتى شهد بذلك، أثم، وكان ضامنا. فإن شهد أربعة رجال على رجل بالزّنا، وكان محصنا، فرجم، ثمَّ رجع أحدهم، فقال: تعمّدت ذلك، قتل وأدّى الى ورثته الثّلاثة الباقون ثلاثة أرباع الدّية. وإن قال: أوهمت، ألزم ربع الدّية. وإن رجع اثنان وقال: أوهمنا، ألزما نصف الدّية. وإن قالا: تعمّدنا، وأراد أولياء المقتول بالرّجم قتلهما، قتلوهما، وأدوا إلى ورثتهما دية كاملة يتقاسمان بينهما على السّوية، ويؤدّي الشّاهدان الآخران على ورثتهما أيضا نصف الدّية، يتقاسمان بينهما بالسّويّة. وإن اختار أولياء المقتول قتل واحد منهما، قتله، وأدّى الآخر مع الباقين من الشّهود على ورثة المقتول الثّاني ثلاثة أرباع ديته وإن رجع الكلّ عن شهادتهم، كان حكمهم حكم الاثنين سواء.

٣٣٥

وإن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدّت، وتزوّجت ودخل بها، ثمَّ رجعا، وجب عليهما الحدّ، وضمنا المهر للزوج الثّاني، وترجع المرأة إلى الأوّل بعد الاستبراء بعدة من الثّاني.

فإن شهدا بسرقة، فقطع المشهود عليه، ثمَّ رجعا، ألزما دية يد المقطوع. فإن رجع أحدهما، ألزم نصف دية يده. هذا إذا قالا: وهمنا في الشهادة. فإن قالا: تعمّدنا، قطع يد واحد منهما بيد المقطوع وأدّى الآخر نصف ديته على المقطوع الثّاني. وإن أراد المقطوع الأوّل قطعهما، قطعهما، وأدّى إليهما دية يد واحدة يتقاسمان بينهما على السّواء.

وكذلك إن شهدا على رجل بدين ثمَّ رجعا، ألزما مقدار ما شهدا به. فإن رجع أحدهما، ألزم بمقدار ما يصيبه من الشّهادة وهو النّصف. ومتى شهدا على رجل بدين، ثمَّ رجعا قبل أن يحكم الحاكم، طرحت شهادتهما، ولم يلزما شيئا، بل يتوقّف الحاكم عن إنفاذ الحكم. وإن كان رجوعهما بعد حكم الحاكم: غرّما ما شهدا به، إذا لم يكن الشّي‌ء قائما بعينه. فإن كان الشّي‌ء قائما بعينه، ردّ على صاحبه، ولم يلزما شيئا.

وإذا شهدا على رجل بسرقة، فقطع، ثمَّ جاء بآخر، وقالا: هذا الذي سرق، وإنّما وهمنا على ذلك، غرّما دية اليد، ولم تقبل شهادتهما على الآخر.

وينبغي للإمام أن يعزر شهود الزّور ويشهّرهم في أهل محلّتهم، لكي يرتدع غيرهم عن مثله في مستقبل الأوقات.

٣٣٦

كتاب القضايا والاحكام

باب آداب القضاء وما يجب أن يكون القاضي عليه من الأحوال

قد بيّنّا في كتاب الجهاد من له تولّي القضاء والأحكام بين النّاس ومن ليس له ذلك.

وينبغي أن لا يتعرّض للقضاء أحد حتّى يثق من نفسه بالقيام به. وليس يثق أحد بذلك من نفسه حتى يكون عاقلا كاملا، عالما بالكتاب وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه، وندبه وإيجابه، ومحكمه ومتشابهه، عارفا بالسّنّة وناسخها ومنسوخها، عالما باللغة، مضطلعا بمعاني كلام العرب، بصيرا بوجوه الإعراب، ورعا من محارم الله تعالى، زاهدا في الدّنيا، متوفّرا على الأعمال الصّالحات، مجتنبا للكبائر والسّيّئات، شديد الحذر من الهوى، حريصا على التّقوى. فإذا كان بالصّفات التي ذكرناها، جاز له أن يتولّى القضاء، والفصل بين النّاس.

وإذا أراد أن يجلس للقضاء، ينبغي أن ينجز حوائجه التي تتعلّق نفسه بها، ليفرغ للحكم، ولا يشتغل قلبه بغيره، ثمَّ يتوضّأ وضوء الصّلاة، ويلبس أحسن ثيابه وأطهرها،

٣٣٧

ويخرج الى المسجد الأعظم في البلد الذي يحكم فيه. فإذا دخله، صلّى ركعتين، ويجلس مستدير القبلة، لتكون وجوه الخصم إذا وقفوا بين يديه مستقبلة القبلة.

ولا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بتجارة ولا خوف ولا حزن ولا فكر في شي‌ء من الأشياء. وليجلس وعليه هدي وسكينة وقار.

فإذا جلس، تقدّم الى من يأمر كلّ من حضر للتّحاكم اليه أن يكتب اسمه واسم أبيه وما يعرف به من الصّفات الغالبة عليه دون الألقاب المكروهة. فإذا فعلوا ذلك، وكتبوا أسماءهم وأسماء خصومهم في الرّقاع، قبض ذلك كلّه، وخلط الرّقاع، وجعلها تحت شي‌ء يسترها به عن بصره. ثم يأخذ منها رقعة، فينظر فيها، ويدعوا باسم صاحبها وخصمه، فينظر بينهما.

وإذا دخل الخصمان عليه، وجلسا، وأراد كلّ واحد منهما الكلام، ينبغي له أن يأذن للذي سبق بالدّعوى. فإن ادّعيا جميعا في وقت واحد، أمر من هو على يمين صاحبه أن يتكلّم، ويأمر الآخر بالسّكوت الى أن يفرغ من دعواه.

وإذا دخل عليه الخصمان، فلا يبدأ أحدهما بالكلام. فإن سلّما أو سلّم أحدهما، ردّ السّلام دون ما سواه. وليكن نظره إليهما واحدا ومجلسهما بين يديه على السّواء.

ولا ينبغي للحاكم أن يسأل الخصمين، بل يتركهما حتى

٣٣٨

يبدءا بالكلام. فإن صمتا ولم يتكلّما، قال حينئذ لهما: إن كنتما حضرتما لشي‌ء، فاذكراه. فإن ابتدأ أحدهما بالدّعوى على صاحبه، سمعها، ثمَّ أقبل على صاحبه، فسأله عمّا عنده فيما ادّعاه خصمه.

فإن أقرّ به، ولم يرتب بعقله واختياره، ألزمه الخروج اليه منه. فإن خرج، وإلّا أمر خصمه بملازمته حتى يرضيه. فإن التمس الخصم حبسه على الامتناع من أداء ما أقرّ به، حبسه له. فإن ظهر له بعد أن حبسه: أنّه معدم فقير لا يرجع إلى شي‌ء، ولا يستطيع الخروج ممّا أقرّ به، خلّى سبيله، وأمره: أن يتحمّل حقّ خصمه، ويسعى في الخروج ممّا عليه.

وإن ارتاب الحاكم بكلام المقرّ، وشكّ في صحّة عقله أو اختياره للإقرار، توقّف عن الحكم عليه، حتّى يستبرئ حاله.

وإن أنكر المدّعى عليه ما ادّعاه المدّعي، سأله: ألك بيّنة على ذلك؟ فإن قال: نعم هي حاضرة، نظر في بيّنته. وإن قال: نعم، غير أنّها ليست حاضرة، قال له: أحضرها. فإن قال: نعم، أقامه، ونظر في حكم غيره إلى أن يحضر الأوّل بيّنته. وإن قال المدّعي: لست أتمكّن من إحضارها، جعل معه مدة من الزّمان ليحضر فيه بيّنته، ويكفّل بخصمه. فإن أحضرها، نظر فيها. وإن لم يحضرها عند انقضاء الأجل، خرج خصمه عن حدّ الكفالة.

وإن قال: لا بيّنة لي، قال له: فما تريد؟ فإن قال: تأخذ لي

٣٣٩

بحقّي من خصمي، قال للمنكر، أتحلف له؟ فإن قال: نعم، أقبل على صاحب الدّعوى، فقال له: قد سمعت، أفتريد يمينه؟ فإن قال: لا، أقامهما، ونظر في حكم غيرهما. وإن قال: نعم، أريد يمينه، رجع اليه، فوعظه وخوّفه بالله. فإن أقرّ الخصم بدعواه، ألزمه الخروج اليه من الحقّ. وإن حلف، فرّق بينهما. وإن نكل عن اليمين، ألزمه الخروج إلى خصمه ممّا ادّعاه عليه. فإن قال المنكر عند توجّه اليمين عليه: « يحلف هذا المدّعي على صحّة دعواه، وأنا أدفع اليه ما ادّعاه »، قال الحاكم للمدّعي: أتحلف على صحّة دعواك؟ فإن حلف، ألزم خصمه الخروج اليه ممّا حلف عليه. وإن أبى اليمين، بطلت دعواه.

وإن أقام المدّعي البيّنة، فذكر المدّعى عليه: أنّه قد خرج اليه من حقّه، كان عليه البيّنة بأنّه قد وفّاه الحق. فإن لم تكن له بيّنة، وطالب صاحب البيّنة بأن يحلف بأنّه: ما استوفى ذلك الحقّ منه، كان له ذلك. فإن امتنع من ذلك خصمه، وأبى أن يحلف أنّه: لم يأخذ حقّه، بطل حقّه.

وإن قال المدّعي: ليس معي بيّنة، وطلب من خصمه اليمين، فحلّفه الحاكم، ثمَّ أقام بعد ذلك البيّنة على صحّة ما كان يدّعيه، لم يلتفت إلى بيّنته، وأبطلت.

وإن اعترف المنكر بعد يمينه بالله بدعوى خصمه عليه، وندم على إنكاره، لزمه الحقّ والخروج منه إلى خصمه. فإن لم يخرج

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793