النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225313 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

محمول على الاستحباب.

وإذا وهبت المرأة لزوجها شيئا، كان ذلك ماضيا. فإن أعطتا شيئا، وشرطت له الانتفاع به، جاز له ذلك، وكان حلالا له التّصرف فيه، والرّبح له. ويكره له أن يشتري بذلك المال جارية يطأها، لأنّ ذلك يرجع بالغمّ على زوجته التي أعطته المال. فإن أذنت له في ذلك، لم يكن به بأس.

باب التصرف في أموال اليتامى

لا يجوز التّصرّف في أموال اليتامى الّا لمن كان وليّا لهم أو وصيّا قد أذن له في التّصرّف في أموالهم. فمن كان وليّا يقوم بأمرهم ويجمع أموالهم وسدّ خلّاتهم وجمع غلّاتهم ومراعاة مواشيهم، جاز له حينئذ أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط.

ومتى اتّجر الإنسان بمال اليتيم نظرا لهم وشفقة عليهم، فربح، كان الرّبح لهم، وإن خسر، كان عليهم. ويستحبّ له أن يخرج من جملته الزّكاة، ومتى اتّجر به لنفسه، وكان متمكّنا في الحال من ضمان ذلك المال وغرامته، إن حدث به حادث، جاز ذلك، وكان المال قرضا عليه. فإن ربح، كان له. وإن خسر، كان عليه، وتلزمه في حصته الزّكاة، كما يلزمه لو كان المال له، ندبا واستحبابا. ومتى اتجر لنفسه

٣٦١

بمالهم، وليس بتمكّن في الحال من مثله وضمانه، كان ضامنا للمال. فإن ربح، كان ذلك للأيتام. وإن خسر، كان عليه دونهم.

ومتى كان لليتامى على إنسان مال، جاز لوليّهم أن يصالحه على شي‌ء يراه صلاحا في الحال ويأخذ الباقي، وتبرأ بذلك ذمّة من كان عليه المال.

وإذا كان لإنسان على غيره مال، ومات، جاز لمن عليه الدّين أن يوصله إلى ورثته، وإن لم يذكر لهم: أنّه كان عليه دينا، ويجعل ذلك على جهة الصّلة لهم والجائزة، ويكون فيما بينه وبين الله تعالى غرضه فكاك رقبته ممّا عليه.

والمتولّي للنّفقة على اليتامى، ينبغي أن يثبت على كلّ واحد منهم، ما يلزمه عليه من كسوته بقدر ما يحتاج إليه. فأما المأكول والمشروب فيجوز أن يسوّى بينهم. ومتى أراد مخالطتهم بنفسه وأولاده، جعلهم كواحد من أولاده، وينفق من ماله بقدر ما ينفق من مال نفسه، ولا يفضّله في ذلك على نفسه وأولاده، بل يفضّل نفسه عليه، فإن ذلك أفضل له.

والمتولّي لأموال اليتامى، والقيّم بأمورهم، يستحقّ أجرة مثله، فيما يقوم به من مالهم، من غير زيادة ولا نقصان فإن نقص نفسه، كان له في ذلك فضل وثواب. وإن لم يفعل كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أجرة المثل. فأما الزيادة،

٣٦٢

فلا يجوز له أخذها على حال.

باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة

كلّ شي‌ء أباحه الله تعالى، أو ندب إليه ورغّب فيه، فالاكتساب به والتّصرّف فيه، حلال جائز سائغ من صناعة وتجارة وغيرهما.

وكلّ شي‌ء حرمة الله تعالى وزهّد فيه، فلا يجوز التكسّب به ولا التصرّف فيه على حال.

فمن المحرّمات الخمر. فالتّصرّف فيها حرام على جميع الوجوه، من البيع والشّراء والهبة والمعاوضة والحمل لها والصنعة لها وغير ذلك من أنواع التّصرّف.

ومن ذلك لحم الخنزير. فبيعه وهبته وأكله حرام. وكذلك كلّ ما كان من الخنزير من شعر وجلد وشحم وغير ذلك.

ومنها عمل جميع أنواع الملاهي والتّجارة فيها والتكسّب بها، مثل العيدان والطنابير وغيرهما من أنواع الأباطيل، محرّم محظور. وعمل الأصنام والصلبان والتّماثيل المجسّمة والصّور والشّطرنج والنّرد وسائر أنواع القمار حتى لعب الصّبيان بالجوز، فالتّجارة فيها والتّصرّف والتكسّب بها حرام محظور.

٣٦٣

وكلّ شراب مسكر حكمه حكم الخمر على السّواء، قليلا كان أو كثيرا. وكذلك حكم الفقّاع حكمه، فإنّ شربه وعمله والتّجارة فيه والتّكسّب به حرام محظور.

وكلّ طعام أو شراب حصل فيه شي‌ء من الأشربة المحظورة أو شي‌ء من المحظورات والنّجاسات، فإنّ شربه وعمله والتّجارة فيه والتّكسّب به والتّصرف فيه حرام محظور.

وجميع النّجاسات محرّم التّصرّف فيها والتّكسّب بها على اختلاف أجناسها، من سائر أنواع العذرة والأبوال وغيرهما، إلّا أبوال الإبل خاصّة، فإنّه لا بأس بشربه والاستشفاء به عند الضّرورة.

وبيع الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والتّصرّف فيه والتّكسّب به حرام محظور. وبيع سائر المسوخ وشراؤها والتّجارة فيها والتّكسّب بها محظور، مثل القردة والفيلة والدّببة وغيرها من أنواع المسوخ.

والرّشا في الأحكام سحت.

وكذلك ثمن الكلب إلّا ما كان سلوقيّا للصّيد، فإنّه لا بأس ببيعه وشرائه وأكل ثمنه والتّكسّب به. وبيع جميع السّباع والتّصرّف فيها والتّكسّب بها محظور، إلّا الفهود خاصّة فإنّه لا بأس بالتّكسّب بها والتّجارة فيها، لأنها تصلح للصّيد. ولا بأس بشري الهرّ وبيعه وأكل ثمنه. وبيع الجرّيّ والمارماهي

٣٦٤

والطّافي. وكلّ سمك لا يحل أكله، وكذلك الضّفادع والسّلاحف، وجميع ما لا يحلّ أكله، حرام بيعه والتّكسّب به والتّصرّف فيه.

ومعونة الظّالمين وأخذ الأجرة على ذلك محرّم محظور. وكلّ شي‌ء غشّ فيه، فالتّجارة فيه والتّكسّب به بالبيع والشّراء وغير ذلك حرام محظور. وتعليم ما حرّمه الله تعالى وتعلّمه، وأخذ الأجرة على ذلك، محظور في شريعة الإسلام. ومعالجة الزّينة للرّجال بما حرّمه الله عليهم حرام. وبيع السّلاح لسائر الكفّار وأعداء الدّين حرام، وكذلك عمله لهم، والتّكسّب بذلك، ومعونتهم على قتال المسلمين وأخذ الأجرة على ذلك حرام.

وكسب المغنّيات وتعلّم الغناء حرام. وكسب النّوائح بالأباطيل حرام. ولا بأس بذلك على أهل الدّين بالحقّ من الكلام.

وأخذ الأجرة على غسل الأموات وحملهم ومواراتهم حرام، لأنّ ذلك فرض على الكفاية على أهل الإسلام. وأخذ الأجر على الأذان والصّلاة بالنّاس حرام.

والتّكسّب بحفظ كتب الضّلال، ونسخه حرام محظور. والتّكسّب بهجاء أهل الإيمان حرام. ولا بأس بهجاء أهل الضّلال وأخذ الأجر على ذلك. وكسب الزّانية ومهور البغايا محرّم محظور. وتعلّم السّحر وتعليمه والتكسّب به وأخذ

٣٦٥

الأجرة عليه حرام محظور. وكذلك التكسب بالكهانة والقيافة والشعبذة وغير ذلك محرّم محظور.

ولا يجوز التّصرّف في شي‌ء من جلود الميتة ولا التكسّب بها على حال.

وأمّا ما هو مباح، فمن ذلك إذا أعطى الإنسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو محتاجا إلى شي‌ء من ذلك، جاز له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره، ولا يفضّل نفسه على أحد إلّا أن يفضّله صاحب المال. وإن أمر صاحب المال أن يضعه في مواضع مخصوصة، لم يجز له أن يتعدّى ما أمره به على حال.

ولا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السّلاح لأهل الكفر مثل الدّروع. والخفاف. وتجنّب ذلك أفضل على كلّ حال.

وكسب المواشط حلال، إذا لم يغشن ولا يدلّسن في عملهنّ: فيصلن شعر النّساء بشعر غيرهنّ من النّاس، ويوشمن الخدود ويستعملن ما لا يجوز في شريعة الإسلام. فإن وصلن شعورهنّ بشعر غير النّاس، لم يكن بذلك بأس.

وكسب القابلة حلال. وكسب الحجّام حلال، ويكره له أن يشرط. وينبغي لذوي المروّة أن ينزّه نفسه عن أكل كسب الحجّام. فإن كان له غلام ذلك صنعته وكسبه، فلا يأكل هو من كسبه، ويعطيه غيره. وليس ذلك بمحظور.

وكسب صاحب الفحل من الإبل والبقر والغنم إذا أقامه

٣٦٦

للنتاج، ليس به بأس، وتركه أفضل.

ويكره أخذ الأجرة على تعليم شي‌ء من القرآن، وكذلك على نسخ المصاحف، وليس ذلك بمحظور. وإنما يكره ذلك إذا كان هناك شرط. فإن لم يكن هناك شرط، لم يكن به بأس ولا بأس بأخذ الأجر على تعليم الحكم والآداب، وعلى نسخها وتخليدها الكتب. وينبغي للمعلّم أن يسوّي بين الصّبيان في التّعليم والأخذ عليهم، ولا يفضّل بعضهم في ذلك على بعض.

ولا بأس بأخذ الأجر والرّزق على الحكم والقضاء بين النّاس من جهة السّلطان العادل حسب ما قدّمناه. فأمّا من جهة سلطان الجور، فلا يجوز إلّا عند الضّرورة أو الخوف على ما قدّمناه. والتّنزّه عن أخذ الرّزق على ذلك في جميع الأحوال أفضل.

ولا بأس بأخذ الأجر على نسخ كتب العلوم الدّينيّة والدنيويّة. ولا يجوز نسخ كتب الكفر والضّلال وتخليدها إلّا ثبات الحجج بذلك على الخصم أو النّقض له. ولا بأس بمدائح أهل الإيمان وأخذ الأجر على ذلك بالصّدق من الأقوال. ولا بأس بأخذ الأجر على الخطب في الاملاكات وعقود النكاح.

ولا بأس بأجر المغنّية في الأعراس، إذا لم يغنّين بالأباطيل ولا يدخلن على الرّجال ولا يدخل الرّجال عليهنّ. ولا بأس بأخذ الأجر على ختن الرّجال وخفض الجواري.

٣٦٧

ويكره من المكاسب مباشرة الصّروف، لأنّ صاحبها لا يكاد يسلم من الرّبا. ويكره بيع الأكفان، لأنّ صاحبها لا يسلم من تمنيّ موت الأحياء. ويكره بيع الطّعام، لأنّه لا يسلم معه من الاحتكار. ويكره بيع الرّقيق وشراؤهم. وكذلك يكره صنعة الذّبح والنّحر، لأنهما يسلبان الرّحمة من القلب. وكلّ ذلك ليس بمحظور، إذا أدّى الإنسان فيه الأمانة، واستعمل ما يسوغ في شرع الإسلام.

وكذلك كلّ صنعة من الصّنائع المباحة، إذا أدّى فيها الأمانة، لم يكن بها بأس. فإن لم يؤدّ فيها الأمانة أو لا يتمكّن معها من القيام بالواجبات وترك المقبّحات، فلا يجوز له التعرّض لشي‌ء منها. ولا بأس بالحياكة والنّساجة، والتّنزّه عنهما أفضل.

ولا بأس بشراء المصاحف وبيعها والتكسّب بها، غير أنّه لا يجوز أن يبيع المكتوب، بل ينبغي له أن يبيع الجلد والورق وأمّا غيرها من الكتب، فلا بأس ببيعها وشرائها بالإطلاق وكسب الصّبيان من المماليك وغيرهم مكروه.

ومن جمع مالا من حلال وحرام، ثمَّ لم يتميّز له، أخرج منه الخمس، وحلّ له الباقي. فإن تميّز له الحرام منه، وجب عليه ردّه على صاحبه، لا يسوغ له سواه. فإن لم يجده ردّه على ورثته. فإن لم يجد له وارثا، تصدّق به عنه.

٣٦٨

ولا يجوز أخذ شي‌ء، ممّا ينثر في الأعراس والإملاكات إلّا ما أعطي باليد أو علم من قصد صاحبه الإباحة لأخذه.

ولا بأس بأجر العقارات من الدّور والمساكن، إلّا إذا عمل فيها شي‌ء من المحظورات والمحرّمات. وكذلك لا بأس بأجرة السّفن والحمولات، إلّا ما علم أنّه يحمل فيها وعليها شي‌ء من المحرّمات. ولا بأس ببيع الخشب لمن يجعله صنما أو صليبا أو شيئا من الملاهي، لأنّ الوزر على من يجعله كذلك، لا على الذي باع الآلة.

ولا بأس ببيع عظام الفيل والتكسّب بصنعته واتخاذ الأمشاط منها وغير ذلك. ولا بأس ببيع جلود السّباع، مثل الفهد والأسد والنّمر وغير ذلك، إذا كانت مذكّاة.

ولا يجوز بيع السّرقة والخيانة وشراؤهما، إذا عرفهما الإنسان بعينهما. فإذا لم يعرفهما بعينهما، لم يكن به بأس. ومن وجد عنده سرقة، كان ضامنا لها، إلّا أن يأتي على شرائها ببيّنة.

ولا بأس أن يشتري من السّلطان الإبل والغنم والبقر، إذا أخذها من الصّدقة، وإن لم يكن هو مستحقا لها. وكذلك الحكم في الأطعمة والحبوب.

ولا بأس بعمل الأشربة المباحة وأخذ الأجر عليها.

ويكره ركوب البحر للتّجارة. ولا يجوز سلوك طريق

٣٦٩

خطر مع ظهور أمارة الخوف فيها.

ولا بأس بأخذ الأجرة في النّيابة عن إنسان في وكالة بالشّري والبيع وغير ذلك. ولا يجوز لأجير الإنسان في وقت معلوم أن يعمل لغيره في ذلك الوقت عملا. فإن أذن له المستأجر في ذلك، كان جائزا.

ولا يجوز بيع تراب الصّاغة. ومتى باعوه، وجب عليهم أن يتصدّقوا بثمنه.

وإذا مزّ الإنسان بالثّمرة، جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ولا يحمل شيئا على حال.

ويكره للإنسان أن ينزّي الحمير على الدّواب، وليس ذلك بمحظور.

ولا بأس أن يبذرق الإنسان القوافل، ويأخذ على ذلك الأجر.

ومن آجر مملوكا له، فأفسد المملوك شيئا، لم يكن على مولاه ضمان ما أفسده، لكنّه يستسعى العبد في مقدار ما أفسده.

ولا بأس ببيع جوارح الطّير كلّها وأخذ ثمنها والتكسّب بها بجميع الوجوه.

٣٧٠

كتاب المتاجر

باب آداب التجارة

ينبغي للإنسان إذا أراد التّجارة أن يبتدئ أوّلا، فيتفقّه في دينه، ليعرف كيفيّة الاكتساب، ويميّز بين العقود الصّحيحة والفاسدة، ويسلم من الرّبا الموبق ولا يرتكب المأثم من حيث لا يعلم به.

فإنّه روي عن أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، أنّه قال: « من اتّجر بغير علم، ارتطم في الرّبا ثمَّ ارتطم ».

وكان،عليه‌السلام ، يقول: « التّاجر فاجر، والفاجر في النّار، إلّا من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ ».

وكانعليه‌السلام يقول: « معاشر النّاس! الفقه ثمَّ المتجر، الفقه ثمَّ المتجر. والله للرّبا في هذه الأمّة أخفى من دبيب النّمل على الصّفا ».

وكانعليه‌السلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، ومعه الدرّة على عاتقه، فيقف على أهل كلّ سوق فينادي: « يا معشر التّجار!

٣٧١

اتّقوا اللهعزوجل ! » فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وتسمّعوا بآذانهم، فيقول: « قدّموا الاستخارة، وتبرّكوا بالسّهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظّلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الرّبا، و( أوفوا الكيل والميزان ) ،( ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ،ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ». فيطوف جميع الأسواق ثمَّ يرجع فيقعد للنّاس.

وروي عن الصّادق،عليه‌السلام ، أنّه قال: من لم يتفقّه في دينه، ثمَّ اتّجر، تورّط في الشّبهات ».

وينبغي أن يجتنب الإنسان في تجارته خمسة أشياء: مدح البائع، وذمّ المشتري، وكتمان العيوب، واليمين على البيع، والرّبا. ولا يجوز لأحد أن يغشّ أحدا من النّاس فيما يبيعه أو يشتريه. ويجب عليه النّصيحة فيما يفعله لكلّ أحد. وإذا قال إنسان للتّاجر: اشتر لي متاعا، فلا يعطه من عنده، وإن كان الذي عنده خيرا ممّا يجده، إلّا بعد أن يبيّن أن ذلك من عنده ومن خاصّ ماله. ويجتنب بيع الثّياب في المواضع المظلمة التي يستر فيها العيوب.

وينبغي أن يسوي بين النّاس في البيع والشّراء. فيكون الصّبيّ عنده بمنزلة الكبير، والسّاكت بمنزلة المماكس، والمستحيي بمنزلة البصير المداقّ، ولا يفضّل بعضها منهم

٣٧٢

على بعض. وإذا قال لغيره: هلمّ أحسن إليك، باعه من غير ربح. وكذلك إذا عامله مؤمن، فليجتهد ألا يربح عليه إلّا في حال الضّرورة، ويقنع أيضا مع الاضطرار بما لا بدّ له من اليسير. وينبغي أن يقيل من استقاله. ويكره السّوم فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشّمس. وإذا غدا إلى سوقه، فلا يكون أوّل من يدخلها. وإذا دخلها، سأل الله تعالى من خيرها وخير أهلها، وتعوذ به من شرّها وشرّ أهلها. وإذا اشترى شيئا، شهد الشّهادتين، وكبر الله تعالى، فإنّه أبرك له فيما يشتريه. وسأل الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه.

وينبغي أن يتجنّب مخالطة السّفلة من النّاس والأدنين منهم، ولا يعامل إلّا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات والمحارفين. ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنّب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم. وينبغي لمن أخذ شيئا بالوزن ألّا يأخذه إلّا ناقصا، وإذا أعطاه لا يعطيه إلّا راجحا، وإذا كان لا يكيل إلّا وافيا. فإن كان ممّن لا يحسن الكيل والوزن، فلا يتعرّض له، ويوليه غيره.

ولا ينبغي أن يزين متاعه بأن يري خيره ويكتم رديّه، بل ينبغي أن يخلّط جيّده برديّه، ويكون كلّه ظاهرا. ولا يجوز أن يشوب اللّبن بالماء، لأنّ ذلك لا يبين العيب فيه.

٣٧٣

وينبغي ألّا يطلب الغاية فيما يبيع ويشتري من الرّبح، وليقنع باليسير. وإذا تعسّر عليه نوع من التّجارة، فليتحوّل منه إلى غيره. ويكره الاستحطاط من الثّمن بعد الصّفقة وعقد البيع. ومن باع لغيره شيئا، فلا يشتره لنفسه، وإن زاد في ثمنه على ما يطلب في الحال، إلّا بعلم من صاحبه وإذن من جهته. وإذا نادى المنادي على المتاع، فلا يزيد في المتاع. فإذا سكت المنادي، زاد حينئذ إن شاء. ولا يجوز لأحد أن يدخل في سوم أخيه المؤمن.

باب الاحتكار والتلقي

الاحتكار هو حبس الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والسّمن من البيع. ولا يكون الاحتكار في شي‌ء سوى هذه الأجناس. وإنّما يكون الاحتكار، إذا كان بالنّاس حاجة شديدة إلى شي‌ء منها، ولا يوجد في البلد غيره. فأمّا مع وجود أمثاله، فلا بأس أن يحبسه صاحبه، ويطلب بذلك الفضل.

ومتى ضاق على النّاس الطّعام، ولم يوجد إلّا عند من احتكره، كان على السّلطان أن يجبره على بيعه، ويكرهه عليه. ولا يجوز له أن يجبره على سعر بعينه، بل يبيعه بما يرزقه الله تعالى، ولا يمكّنه من حبسه أكثر من ذلك.

وحدّ الاحتكار في الغلاء وقلّة الأطعمة ثلاثة أيّام، وفي

٣٧٤

الرّخص وحال السّعة أربعون يوما. وأمّا ما عدا الأجناس التي ذكرناها، فلا احتكار فيها. ولأصحابها أن يبيعوها بما شاءوا من الأسعار وفي أيّ وقت شأوه. وليس للسّلطان أن يحملهم على شي‌ء منها.

وأمّا التّلقي، فهو أن يستقبل الإنسان الأمتعة والمتاجر على اختلاف أجناسها خارج البلد، فيشتريها من أربابها، ولا يعلمون هم بسعر البلد. فمن فعل ذلك، فقد ارتكب مكروها لما في ذلك من المغالطات والمغابنات. وكذلك أيضا يكره أن يبيع حاضر لباد لقلّة بصيرته بما يباع في البلاد، وإن لم يكن شي‌ء من ذلك محظورا، لكن ذلك من المسنونات. وحدّ التّلقي روحة، وحدّها أربعة فراسخ. فإن زاد على ذلك، كان تجارة وجلبا، ولم يكن تلقّيا.

باب الربا وأحكامه وما يصح فيه وما لا يصح

الرّبا محظور في شريعة الإسلام، قال الله تعالى:( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وقال تعالى:( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) وقال:( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) وقال تعالى:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) الآية. وروي عن الصّادق،عليه‌السلام : أنّه قال: درهم ربا أعظم عند الله

٣٧٥

تعالى من سبعين زنية كلّها بذات محرم. فينبغي أن يعرفه الإنسان ليجتنبه ويتنزّه عنه.

فمن ارتكب الرّبا بجهالة، ولم يعلم أنّ ذلك محظور، فليستغفر الله تعالى في المستقبل، وليس عليه فيما مضى شي‌ء. ومتى علم: أنّ ذلك حرام ثمَّ استعمله، فكلّ ما يحصل له من ذلك محرّم عليه، ويجب عليه ردّه على صاحبه. فإن لم يعرف صاحبه، تصدّق به عنه. وإن عرفه ولا يعرف مقدار ما أربى عليه، فليصالحه وليستحلّه. وإن علم أنّ في ماله ربا، ولا يعرف مقداره ولا من أربى عليه، فليخرج خمس ذلك المال، ويضعه في أهله، وحلّ له ما يبقى بعد ذلك.

ولا ربا بين الولد ووالده، لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. ولا بين العبد وسيّده، لأنّ مال العبد لسيّده. ولا بين الرّجل وأهله. ولا ربا أيضا بين المسلم وبين أهل الحرب، لأنهم في الحقيقة في‌ء للمسلمين، وإنّما لا يتمكّن منهم. والرّبا يثبت بين المسلم وأهل الذّمة كثبوته بينه وبين مسلم مثله.

ولا يكون الرّبا إلّا فيما يكال أو يوزن. فأمّا ما عداهما فلا ربا فيه. وكلّ ما يكال أو يوزن، فإنّه يحرم التّفاضل فيه والجنس واحد نقدا ونسيئة، مثل بيع درهم بدرهم وزيادة عليه، ودينار بدينار وزيادة عليه،

٣٧٦

وقفيز حنطة بقفيز منها وزيادة عليه، ومكّوك شعير بمكّوك منه وزيادة. وكذلك حكم جميع المكيلات والموزونات. وإذا اختلف الجنسان، فلا بأس بالتفاضل فيهما نقدا ونسيئة، إلّا الدّراهم والدّنانير والحنطة والشّعير، فإنّه لا يجوز بيع دينار بدراهم نسيئة، ويجوز ذلك نقدا بأيّ سعر كان. وكذلك الحكم في الحنطة والشّعير، فإنّه لا يجوز التّفاضل فيهما لا نقدا ولا نسيئة، لأنّهما كالجنس الواحد. ولا بأس ببيع قفيز من الذّرة أو غيرها من الحبوب بقفيزين من الحنطة والشعير أو غيرهما من الحبوب يدا. ويكره ذلك نسيئة.

وأمّا ما لا يكال ولا يوزن، فلا بأس بالتفاضل فيه والجنس واحد نقدا، ولا يجوز ذلك نسيئة، مثل ثوب بثوبين ودابّة بدابتين ودار بدارين وعبد بعبدين، وما أشبه ذلك ممّا لا يدخل تحت الكيل والوزن. والأحوط في ذلك أن يقوّم ما يبتاعه بالدّراهم أو الدّنانير أو غيرهما من السّلع ويقوّم ما يبيعه بمثل ذلك. وإن لم يفعل، لم يكن به بأس.

وما يكال ويوزن، فبيع المثل بالمثل جائز حسب ما قدمناه يدا: ولا يجوز ذلك نسيئة.

ولا بأس ببيع الأمتعة والعقارات والحبوب وغير ذلك بالدّراهم والدّنانير نقدا ونسيئة. ولا يجوز بيع الغنم باللّحم ولا وزنا ولا جزافا. ولا يجوز أيضا بيع الرّطب بالتّمر مثلا

٣٧٧

بمثل، لأنّه إذا جفّ نقص. ولا بأس ببيع الحنطة بالدّقيق والسّويق مثلا بمثل، ولا يجوز التّفاضل فيه، ويكون ذلك نقدا ولا يجوز نسيئة. ولا بأس ببيع الحنطة والدّقيق بالخبز مثلا بمثل نقدا، ولا يجوز نسيئة. والتّفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة. ولا بأس ببيع اللّبن والسّمن والزّبد كلّه مثلا بمثل، ولا يجوز نسيئة، والتّفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة. واللّحمان إذا اتفق أجناسها، جاز بيع بعضها ببعض مثلا بمثل يدا بيد، ولا يجوز ذلك نسيئة، ولا يجوز التّفاضل فيها لا نقدا ولا نسيئة. وإذا اختلف أجناسها، جاز التّفاضل فيها نقدا، ولا يجوز نسيئة، مثل رطل من لحم الغنم برطلين من لحم البقر نقدا، ولا يجوز ذلك نسيئة. ولا بأس ببيع الغزل بالثّوب، وإن كان الثّوب أكثر وزنا منه. وإن كان الشي‌ء يباع في بلد جزافا وفي بلد آخر كيلا أو وزنا، فحكمه حكم المكيل والموزون في تحريم التّفاضل فيه. ويجوز بيع المثل بالمثل نقدا ولا نسيئة.

وكلّ ما يكال أو يوزن، فلا يجوز بيعه جزافا. وكذلك ما يباع عددا، فلا يجوز بيعه جزافا. فإن كان ما يباع بالعدد يصعب عدّة، فلا بأس أن يكال أو يوزن منه مقدار بعينه ثمَّ يعدّ، ويؤخذ الباقي بحسابه.

ولا بأس ببيع السّمن بالزّيت متفاضلا يدا بيد، ولا

٣٧٨

يجوز ذلك نسيئة. ولا يجوز التّفاضل في الأدهان إذا كان الأصل يرجع إلى جنس واحد، مثل أن يباع الشّيرج بالبنفسج أو دهن الورد، وما أشبه ذلك ممّا كان الأصل فيه دهن الشّيرج ولا يجوز بيع السّمسم بالشّيرج، ولا الكتّان بدهنه، بل أن يقوّم كلّ واحد منهما على انفراده.

ولا يجوز بيع البسر بالتّمر متفاضلا، وإن اختلف جنسه، ولا بيع نوع من تمر بأكثر منه من غير ذلك، لأن ما يكون من النّخل في حكم النّوع الواحد. وحكم الزّبيب وتحريم التّفاضل فيه، وإن اختلف جنسه، مثل التّمر سواء، لأنّ جميعه في حكم الجنس الواحد. ولا يجوز بيع الدّبس المعمول من التّمر بالتّمر متفاضلا. ولا بأس ببيعه مثلا بمثل يدا، ولا يجوز نسيئة.

ولا بأس ببيع التّمر بالزّبيب متفاضلا نقدا، ولا يجوز نسيئة. وكذلك لا بأس ببيع الزّبيب بالدّبس المعمول من التّمر متفاضلا، ولا يجوز بيعه بما يعمل من الزّبيب من الدّبوس متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة.

ولا يجوز بيع العنب بالزّبيب إلّا مثلا بمثل، وتجنّبه أفضل. والعصير والبختج لا يجوز التّفاضل فيهما. ويجوز بيع ذلك مثلا بمثل يدا، ولا يجوز نسيئة.

وما يباع بالعدد فلا بأس بالتّفاضل فيه يدا بيد، والجنس

٣٧٩

واحد، ولا يجوز ذلك نسيئة، مثل البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين والحلّة بالحلّتين وما أشبه ذلك مما قد بيّنّاه فيما مضى.

باب الصرف وأحكامه

قد بيّنّا أنّه لا يجوز بيع درهم بدرهمين لا نقدا ولا نسيئة ولا بيع درهم بدرهم نسيئة، ولا بأس بذلك نقدا. وكذلك لا يجوز بيع دينار بدينارين لا نقدا ولا نسيئة، ولا بيع دينار بدينار نسيئة. ولا بأس بذلك نقدا. ولا بأس ببيع دينار بدراهم نقدا، ولا يجوز ذلك نسيئة. وإذا كان للإنسان على غيره دراهم جاز له أن يأخذ بها دنانير وكذلك إن كان له دنانير فيأخذ بها دراهم، لم يكن به بأس. فإن كان له دنانير، وأخذ الدّراهم، ثمَّ تغيرت الأسعار، كان له سعر يوم قبض الدّراهم من الذي كان له عليه المال.

وإذا كان لإنسان على صيرفيّ دراهم أو دنانير، فيقول له: حوّل الدّنانير إلى الدّراهم أو الدّراهم إلى الدّنانير، وساعره على ذلك، كان ذلك جائزا، وإن لم يوازنه في الحال، ولا يناقده، لأن النقدين جميعا من عنده. وإذا أخذ إنسان من غيره دراهم وأعطاه الدّنانير أكثر من قيمة الدّراهم، أو أخذ منه الدّنانير وأعطاه الدّراهم مثل ما له أو أكثر من ذلك،

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

فهنا شبه المعاندين والمغرورين كمن يسير في جادّة متعرّجة غير مستوية كثيرة المنعطفات وقد وقع على وجهه ، يحرّك يديه ورجليه للاهتداء إلى سبيله ، لأنّه لا يبصر طريقه جيّدا ، وليس بقادر على السيطرة على نفسه ، ولا بمطّلع على العقبات والموانع ، وليست لديه القوّة للسير سريعا ، وبذلك يتعثّر في سيره يمشي قليلا ثمّ يتوقّف حائرا.

كما شبّه المؤمنين برجال منتصبي القامات ، يسيرون في جادّة مستوية ومستقيمة ليس فيها تعرّجات واعوجاج ، ويمشون فيها بسرعة ووضوح وقدرة ووعي وعلم وراحة تامّة.

إنّه ـ حقّا ـ لتشبيه لطيف فذّ ، حيث إنّ آثار هذين السبيلين واضحة تماما ، وانعكاساتها جليّة في حياة هذين الفريقين ، وذلك ما نلاحظه بأمّ أعيننا.

ويرى البعض أنّ مصداق هاتين المجموعتين هما : (الرّسول الأكرم) و (أبو جهل) فهما مصاديق واضحة للآية الكريمة ، إلّا أنّ ذلك لا يحدّد عمومية الآية.

وذكرت احتمالات متعدّدة في تفسير (مكبّا على وجهه). إلّا أنّ أكثر الاحتمالات المنسجمة مع المفهوم اللغوي للآية هو ما ذكرناه أعلاه ، وهو أنّ الإنسان غير المؤمن يكون مكبّا على وجهه ويمشي زاحفا بيده ورجليه وصدره.

وقيل أنّ المقصود من (مكبّا) هو المشي الاعتيادي ولكنّه مطأطئ الرأس لا يشخّص مسيره بوضوح أبدا.

كما يرى آخرون أنّ المقصود بـ (مكبّا) هو الشخص الذي لا يستطيع أن يحفظ توازنه في السير ، فهو يخطو خطوات معدودة ثمّ ما يلبث أن يسقط على الأرض وينهض ليمشي ، ثمّ تتكرّر هذه الحالة.

ويستفاد ممّا ذكره الراغب في مفرداته أنّ المقصود بـ (مكبّا) هو الشخص الذي يدور حول محور الذات والأنانية ، معرضا عن الاهتمام بغيره.

٥٠١

إلّا أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر ، وذلك بقرينة المقابلة مع وضع المؤمنين والذين عبّرت عنهم الآية بـ (سويّا).

وعلى كلّ حال ، فهل أنّ هذه الحالة (مكبّا) و (سويّا) تمثّل وضع الكفّار والمؤمنين في الآخرة فقط؟ أم في العالمين (الدنيا والآخرة)؟ لا دليل على محدودية مفهوم الآية وانحصارها في الآخرة ، فهما في الدنيا كما هما في الآخرة.

إنّ هؤلاء الأنانيين المنشدّين إلى مصالحهم الماديّة والمنغمسين في شهواتهم ، السائرين في درب الضلال والهوى ، كمن يروم العبور من مكان مليء بالأحجار زاحفا على صدره ، بخلاف من تحرّر من قيد الهوى في ظلّ الإيمان حيث يكون مسيره واضحا ومستقيما ونظراته عميقة وثاقبة.

ثمّ يوجّه الله تعالى الخطاب إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية اللاحقة فيقول :( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ) .

إنّ الله تعالى جعل لكم وسيلة للمشاهدة والإبصار (العين) وكذلك وسيلة وقناة للاطّلاع على أفكار الآخرين ومعرفة وجهات نظرهم من خلال الاستماع (الإذن) ثمّ وسيلة اخرى للتفكّر والتدبّر في العلوم والمحسوسات واللامحسوسات (القلب).

وخلاصة الأمر إنّ الله تعالى قد وضع جميع الوسائل اللازمة لكم لتتعرّفوا على العلوم العقلية والنقلية ، إلّا أنّ القليل من الأشخاص من يدرك هذه النعم العظيمة ويشكر الله المنعم ، حيث أنّ شكر النعمة الحقيقي يتجسّد بتوجيه النعمة نحو الهدف الذي خلقت من أجله ، ترى من هو المستفيد من هذه الحواس (العين والاذن والعقل) بصورة صحيحة في هذا الطريق؟

ثمّ يخاطب الرّسول مرّة اخرى حيث يقول تعالى :( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .

وفي الحقيقة فإنّ الآية الاولى تعيّن (المسير) ، والثانية تتحدّث عن (وسائل

٥٠٢

العمل) أمّا الآية ـ مورد البحث ـ فإنّها تشخّص (الهدف والغاية) وذلك بالتأكيد على أنّ السير يجب أن يكون في الطريق المستقيم ، والصراط الواضح المتمثّل بالإسلام والإيمان ، وبذل الجهد للاستفادة من جميع وسائل المعرفة بهذا الاتّجاه ، والتحرّك نحو الحياة الخالدة.

والجدير بالملاحظة هنا أنّ التعبير في الآية السابقة ورد بـ (أنشأكم) وفي الآية مورد البحث بـ (ذرأكم) ، ولعلّ تفاوت هذين التعبيرين هو أنّه في الأولى إشارة إلى الإنشاء والإيجاد من العدم (أي إنّكم لم تكونوا شيئا وقد خلقكم الله تعالى) وفي الثانية إشارة إلى خلق الإنسان من مادّة التراب ، وذلك يعني أنّ الله خلق الإنسان من التراب.

ثمّ يستعرض سبحانه قول المشركين في هذا المجال والردّ عليهم ، فيقول تعالى :( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

إنّ المشركين يطالبون بتعيين التاريخ بصورة دقيقة ليوم القيامة ، كما أنّهم يطالبون بحسم هذا الأمر الذي يتعلّق بمصير الجميع( مَتى هذَا الْوَعْدُ؟ ) .

وذكروا احتمالين في المقصود من (هذا الوعد) : الأوّل : هو وعد يوم القيامة ، والآخر : هو تنفيذ الوعد بالنسبة للعقوبات الدنيوية المختلفة ، كوقوع الزلازل والصواعق والطوفانات. إلّا أنّ المعنى الأوّل أكثر تناسبا حسب الظاهر ، وذلك بلحاظ ما ورد في الآية السابقة. كما أنّ بالإمكان الجمع بين المعنيين.

ويجيبهم الله سبحانه على تساؤلهم هذا بقوله تعالى :( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ هذا التعبير يشبه تماما ما ورد في الآيات القرآنية العديدة التي من جملتها

٥٠٣

قوله تعالى :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ) (١) .

ولا بدّ أن يكون الجواب بهذه الصورة ، حيث أنّ تحديد تأريخ يوم القيامة إن كان بعيدا فإنّ الناس سيغرقون بالغفلة ، وإن كان قريبا فإنّهم سيعيشون حالة الهلع والاضطراب. وعلى كلّ حال فإنّ الأهداف التربوية تتعطّل في الحالتين.

ويضيف في آخر آية من هذه الآيات بأنّ الكافرين حينما يرون العذاب والوعد الإلهي من قريب تسودّ وجوههم :( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فسيماهم طافحة بآثار الحزن والندم( وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) .

«تدعون» من مادّة (دعاء) يعني أنّكم كنتم تدعون وتطلبون دائما أن يجيء يوم القيامة ، وها هو قد حان موعده ، ولا سبيل للفرار منه(٢) .

وهذا المضمون يشبه ما جاء في قوله تعالى مخاطبا الكفّار في يوم القيامة :( هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) (٣) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية الشريفة ناظرة إلى عذاب يوم القيامة كما ذهب إليه أغلب المفسّرين ، وهذا دليل على أنّ جملة( مَتى هذَا الْوَعْدُ ) إشارة إلى موعد يوم القيامة.

يقول الحاكم أبو القاسم الحسكاني : عند ما شاهد الكفّار شأن ومقام الإمام عليعليه‌السلام عند الله تعالى. اسودّت وجوههم (من شدّة الغضب)(٤) .

ونقل هذا المعنى أيضا في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّ هذه الآية نزلت

__________________

(١) الأعراف ، الآية ١٨٧.

(٢) «تدعون» من باب (افتعال) ، ومن مادّة دعاء ، بمعنى الطلب والرجاء ، أو من مادّة (دعوا) بمعنى الطلب أو إنكار شيء معيّن.

(٣) الذاريات ، الآية ١٤.

(٤) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٠.

٥٠٤

بحقّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأصحابه(١) .

وهذا التّفسير نقل عن طرق الشيعة وأهل السنّة ، وهو نوع من التطبيق المصداقي ، وإلّا فإنّ هذه الآية تناولت موضوع (القيامة) ومثل هذه التطبيقات ليست قليلة في عالم الروايات.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٥.

٥٠٥

الآيات

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠) )

التّفسير

من الذي يأتيكم بالمياه الجارية؟

إنّ الآيات أعلاه ، التي هي آخر آيات سورة الملك ، تبدأ جميعها بكلمة (قل) مخاطبة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أنّها تمثّل استمرارا للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة حول الكفّار ، وتعكس هذه الآيات الكريمة جوانب اخرى من البحث.

يخاطب البارئعزوجل ـ في البداية ـ الأشخاص الذين يرتقبون وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، ويتصوّرون أنّ بوفاته سوف يمحى دين الإسلام وينتهي كلّ شيء. وهذا الشعور كثيرا ما ينتاب الأعداء المخذولين إزاء القيادات

٥٠٦

القويّة والمؤثّرة ، يقول تعالى مخاطبا إيّاهم :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) .

ورد في بعض الروايات أنّ كفّار مكّة ، كانوا دائما يسبّون الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ، وكانوا يتمنّون موته ظنّا منهم أنّ رحيله سينهي دعوته كذلك ، لذا جاءت الآية أعلاه ردّا عليهم.

كما جاء شبيه هذا المعنى في قوله تعالى :( أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) (١) .

لقد كانوا غافلين عن وعد الله سبحانه لرسوله الأمين ، بأنّ اسمه سيكون مقترنا مع مبدأ الحقّ الذي لا يعتريه الفناء وإذا جاء أجله فإنّ ذكره لن يندرس ، نعم ، لقد وعده الله سبحانه بانتصار هذا المبدأ ، وأن ترفرف راية هذا الدين على كلّ الدنيا ، وحياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو موته لن يغيّرا من هذه الحقيقة شيئا.

كما ذكر البعض تفسيرا آخر لهذه الآية وهو : إنّ خطاب الله لرسوله الكريم ـ الذي يشمل المؤمنين أيضا ـ مع ما عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإيمان الراسخ ، كان يعكس الخوف والرجاء معا في آن واحد. فكيف بكم أنتم أيّها الكافرون؟ وما الذي تفكّرون به لأنفسكم؟

ولكن التّفسير الأوّل أنسب حسب الظاهر.

واستمرارا لهذا البحث ، يضيف تعالى :( قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

وهذا يعني أنّنا إذا آمنا بالله ، واتّخذناه وليّا ووكيلا لنا ، فإنّ ذلك دليل واضح على أنّه الربّ الرحمن ، شملت رحمته الواسعة كلّ شيء ، وغمر فيض ألطافه ونعمه الجميع (المؤمن والكافر) ، إنّ نظرة عابرة إلى عالم الوجود وصفحة الحياة تشهد

__________________

(١) الطور ، الآية ٣٠.

٥٠٧

على هذا المدّعى ، أمّا الذين تعبدونهم من دون الله فما ذا عملوا؟ وما ذا صنعوا؟

وبالرغم من أنّ ضلالكم واضح هنا في هذه الدنيا ، إلّا أنّه سيتّضح بصورة أكثر في الدار الآخرة. أو أنّ هذا الضلال وبطلان دعاواكم الفارغة ستظهر في هذه الدنيا عند ما ينتصر الإسلام بالإمدادات الإلهية على جيش الكفر بشكل إعجازي وخارق للعادة ، عندئذ ستتبيّن الحقيقة أكثر للجميع.

إنّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ نوع من المواساة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، كي لا يظنّوا أو يتصوّروا أنّهم وحدهم في هذا الصراع الواسع بين الحقّ والباطل ، حيث أنّ الرحمن الرحيم خير معين لهم ونعم الناصر.

ويقول تعالى في آخر آية ، عارضا لمصداق من رحمته الواسعة ، والتي غفل عنها الكثير من الناس :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) .

إنّ للأرض في الحقيقة قشرتين متفاوتين : (قشرة قابلة للنفوذ) يدخل فيها الماء ، واخرى (غير قابلة للنفوذ) تحفظ بالماء ، وجميع العيون والآبار والقنوات تولّدت من بركات هذا التركيب الخاصّ للأرض ، إذ لو كانت القشرة القابلة للنفوذ لوحدها على سطح الكرة الأرضية جميعا ولأعماق بعيدة ، فإنّ جميع المياه التي تدخل جوف الأرض لا يقرّ لها قرار ، وعندئذ لا يمكن أن يحصل أحد على قليل من الماء. ولو كانت قشرة الأرض غير قابلة للنفوذ لتجمّعت المياه على سطحها وتحوّلت إلى مستنقع كبير ، أو أنّ المياه التي تكون على سطحها سرعان ما تصبّ في البحر ، وهكذا يتمّ فقدان جميع الذخائر التي هي تحت الأرض.

إنّ هذا نموذج صغير من رحمة الله الواسعة يتعلّق بموت الإنسان وحياته.

«معين» من مادّة (معن) ، على وزن (طعن) بمعنى جريان الماء.

وقال آخرون : إنّها مأخوذة من (عين) والميم زائدة. لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ معنى (معين) تعني الماء الذي يشاهد بالعين بغضّ النظر عن جريانه.

إلّا أنّ الغالبية فسّروه بالماء الجاري.

٥٠٨

وبالرغم من أنّ الماء الصالح للشرب لا ينحصر بالماء الجاري ، إلّا أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الماء الجاري يمثّل أفضل أنواع ماء الشرب ، سواء كان من العيون أو الأنهار أو القنوات أو الآبار المتدفّقة

ونقل بعض المفسّرين أنّ أحد الكفّار عند ما سمع قوله تعالى :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) قال : (رجال شداد ومعاول حداد) وعند نومه ليلا نزل الماء الأسود في عينيه ، وفي هذه الأثناء سمع من يقول : أتي بالرجال الشداد والمعاول الحداد ليخرجوا الماء من عينيك.

ومن الواضح أنّه في حالة عدم وجود القشرة الصلبة وغير القابلة للنفوذ ، فإنّه لا يستطيع أي إنسان قوي ولا أي معول حادّ أن يستخرج شيئا من الماء(١) .

* * *

تعقيب

جاء في الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ المراد من الآية الأخيرة من هذه السورة هو ظهور الإمام المهديعليه‌السلام وعدله الذي سيعمّ العالم.

فقد جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «نزلت في الإمام القائمعليه‌السلام ، يقول : إن أصبح إمامكم غائبا عنكم ، لا تدرون أين هو؟ فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السموات والأرض ، وحلال الله وحرامه؟ ثمّ قال : والله ما جاء تأويل هذه الآية ، ولا بدّ أن يجيء تأويلها»(٢) .

والروايات في هذا المجال كثيرة ، وممّا يجدر الانتباه له أنّ هذه الروايات هي من باب (التطبيق).

وبعبارة اخرى فإنّ ظاهر الآية مرتبط بالماء الجاري ، والذي هو علّة حياة

__________________

(١) أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٢١٩.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٧.

٥٠٩

الموجودات الحيّة. أمّا باطن الآية فإنّه يرتبط بوجود الإمامعليه‌السلام وعلمه وعدالته التي تشمل العالم ، والتي هي الاخرى تكون سببا لحياة وسعادة المجتمع الإنساني.

ولقد ذكرنا مرّات عدّة أنّ للآيات القرآنية معاني متعدّدة ، حيث لها معنى باطن وظاهر ، إلّا أنّ فهم باطن الآيات غير ممكن إلّا للرسول والإمام المعصوم ، ولا يحقّ لأي أحد أن يطرح تفسيرا ما لباطن الآيات. وما نستعرضه هنا مرتبط بظاهر الآيات ، أمّا ما يرتبط بباطن الآيات فعلينا أن نأخذه من المعصومينعليهم‌السلام فقط.

لقد بدأت سورة الملك بحاكمية الله ومالكيته تعالى ، وانتهت برحمانيته ، والتي هي الاخرى فرع من حاكميته ومالكيته سبحانه ، وبهذا فإنّ بدايتها ونهايتها منسجمتان تماما.

اللهمّ ، أدخلنا في رحمتك العامّة والخاصّة ، وأرو ظمآنا من كوثر ولاية أولياءك.

ربّنا ، عجّل لنا ظهور عين ماء الحياة الإمام المهدي ، واطفئ عطشنا بنور جماله

ربّنا ، ارزقنا اذنا صاغية وعينا بصيرة وعقلا كاملا ، فأقشع عن قلوبنا حجب الأنانية والغرور لنرى الحقائق كما هي ، ونسلك إليك على الصراط المستقيم بخطوات محكمة وقامة منتصبة

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة الملك

* * *

٥١٠
٥١١

سورة

القلم

مكيّة

وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية

٥١٢

«سورة القلم»

محتوى السورة :

بالرغم من أنّ بعض المفسّرين شكّك في كون السورة بأجمعها نزلت في مكّة ، إلّا أنّ نسق السورة ومحتوى آياتها ينسجم تماما مع السور المكيّة ، لأنّ المحور الأساسي فيها يدور حول مسألة نبوّة رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومواجهة الأعداء الذين كانوا ينعتونه بالجنون وغيره ، والتأكيد على الصبر والاستقامة وتحدّي الصعاب ، وإنذار وتهديد المخالفين لهذه الدعوة المباركة بالعذاب الأليم.

وبشكل عامّ يمكن تلخيص مباحث هذه السورة بسبعة أقسام :

١ ـ في البداية تستعرض السورة بعض الصفات الخاصّة لرسول الإنسانية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصا أخلاقه البارّة السامية الرفيعة ، ولتأكيد هذا الأمر يقسم البارئعزوجل في هذا الصدد.

٢ ـ ثمّ تتعرّض بعض الآيات الواردة في هذه السورة إلى قسم من الصفات السيّئة والأخلاق الذميمة لأعدائه.

٣ ـ كما يبيّن قسم آخر من الآيات الشريفة قصّة (أصحاب الجنّة) والتي هي بمثابة توجيه إنذار وتهديد للسالكين طريق العناد من المشركين.

٤ ـ وفي قسم آخر من السورة ذكرت عدّة امور حول القيامة والعذاب الأليم للكفّار في ذلك اليوم.

٥ ـ كما جاء في آيات اخرى جملة إنذارات وتهديدات للمشركين.

٥١٣

٦ ـ ونلاحظ في آيات اخرى من السورة الأمر الإلهي للرسول العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يواجه الأعداء بصبر واستقامة وقوّة وصلابة.

٧ ـ وأخيرا تختتم السورة موضوعاتها بحديث حول عظمة القرآن الكريم ، وطبيعة المؤامرات التي كان يحوكها الأعداء ضدّ الرّسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

انتخاب (القلم) اسما لهذه السورة المباركة ، كان بلحاظ ما ورد في أوّل آية منها ، وذكر البعض الآخر أنّ اسمها (ن).

ويستفاد من بعض الروايات التي وردت في فضيلة هذه السورة أنّ اسمها «ن والقلم».

فضيلة تلاوة سورة القلم :

نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضيلة تلاوة هذه السورة أنّه قال : «من قرأ (ن والقلم) أعطاه الله ثواب الذين حسن أخلاقهم»(١) .

كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة (ن والقلم) في فريضة أو نافلة ، آمنه الله أن يصيبه في حياته فقر أبدا ، وأعاذه إذا مات من ضمّة القبر ، إن شاء الله»(٢) .

وهذا الأجر والجزاء يتناسب تناسبا خاصّا مع محتوى السورة ، والهدف من التأكيد على هذا النوع من الأجر من تلاوة السورة هو أن تكون التلاوة مقرونة بالوعي والمعرفة ومن ثمّ العمل بمحتواها.

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٧.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٠.

٥١٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) )

التّفسير

عجبا لأخلاقك السامية :

هذه السورة هي السورة الوحيدة التي تبدأ بحرف (ن) حيث يقول تعالى :( ن ) .

وقد تحدّثنا مرّات عديدة حول الحروف المقطّعة ، خصوصا في بداية سورة (البقرة) و (آل عمران) و (الأعراف) والشيء الذي يجدر إضافته هنا هو ما اعتبره البعض من أنّ (ن) هنا تخفيف لكلمة (الرحمن) فهي إشارة لذلك. كما أنّ البعض الآخر فسّرها بمعنى (اللوح) أو (الدواة) أو (نهر في الجنّة) إلّا أنّ كلّ تلك الأقوال ليس لها دليل واضح.

٥١٥

وبناء على هذا فإنّ الحرف المقطّع هنا لا يختلف عن تفسير بقيّة الحروف المقطّعة والتي أشرنا إليها سابقا.

ثمّ يقسم تعالى بموضوعين يعتبران من أهمّ المسائل في حياة الإنسان ، فيقول تعالى :( وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ) .

كم هو قسم عجيب؟ وقد يتصوّر أنّ القسم هنا يتعلّق ظاهرا بمواضيع صغيرة ، أي قطعة من القصب ـ أو شيء يشبه ذلك ـ وبقليل من مادّة سوداء ، ثمّ السطور التي تكتب وتخطّ على صفحة صغيرة من الورق.

إلّا أنّنا حينما نتأمّل قليلا فيه نجده مصدرا لجميع الحضارات الإنسانية في العالم أجمع ، إنّ تطور وتكامل العلوم والوعي والأفكار وتطور المدارس الدينية والفكرية ، وبلورة الكثير من المفاهيم الحياتية كان بفضل ما كتب من العلوم والمعارف الإنسانية في الحقول المختلفة ، ممّا كان له الأثر الكبير في يقظة الأمم وهداية الإنسان وكان ذلك بواسطة (القلم).

لقد قسّمت حياة الإنسان إلى عصرين : (عصر التأريخ) و (عصر ما قبل التأريخ) وعصر تأريخ البشر يبدأ منذ أن اخترع الإنسان الخطّ واستطاع أن يدوّن قصّة حياته وأحداثها على الصفحات ، وبتعبير آخر ، يبدأ عند ما أخذ الإنسان القلم بيده ، ودوّن للآخرين ما توصّل إليه (وما يسطرون) تخليدا لماضيه.

وتتّضح عظمة هذا القسم بصورة أكثر عند ما نلاحظ أنّ هذه الآيات المباركة حينما نزلت لم يكن هنالك كتاب ولا أصحاب قلم ، وإذا كان هنالك أشخاص يعرفون القراءة والكتابة ، فإنّ عددهم في كلّ مكّة ـ التي تمثّل المركز العبادي والسياسي والاقتصادي لأرض الحجاز ـ لم يتجاوز ال (٢٠) شخصا. ولذا فإنّ القسم بـ (القلم) في مثل ذلك المحيط له عظمة خاصّة.

والرائع هنا أنّ الآيات الاولى التي نزلت على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في (جبل النور) أو (غار حراء) قد أشير فيها أيضا إلى المنزلة العليا للقلم ، حديث يقول تعالى :

٥١٦

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) (١) .

والأروع من ذلك كلّه أنّ هذه الكلمات كانت تنطلق من فمّ شخص لم يكن يقرأ أو يكتب ، ولم يذهب للمكاتب من أجل التعليم قطّ ، وهذا دليل أيضا على أنّ ما ينطق به لم يكن غير الوحي السماوي.

وذكر بعض المفسّرين أنّ كلمة (القلم) هنا يقصد بها : (القلم الذي تخطّ به ملائكة الله العظام الوحي السماوي) ، (أو الذي تكتب به صفحة أعمال البشر) ، ولكن من الواضح أنّ للآية مفهوما واسعا ، وهذه الآراء تبيّن مصاديقها.

كما أنّ لجملة( ما يَسْطُرُونَ ) مفهوما واسعا أيضا ، إذ تشمل جميع ما يكتب في طريق الهداية والتكامل الفكري والأخلاقي والعلمي للبشر ، ولا ينحصر بالوحي السماوي أو صحائف أعمال البشر(٢) .

ثمّ يتطرّق سبحانه لذكر الأمر الذي أقسم من أجله فيقول تعالى :( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) .

إنّ الذين نسبوا إليك هذه النسبة القبيحة هم عمي القلوب والأبصار ، وإلّا فأين هم من كلّ تلك النعم الإلهية التي وهبها الله لك؟ نعمة العقل والعلم الذي تفوّقت بها على جميع الناس ونعمة الأمانة والصدق والنبوّة ومقام العصمة إنّ الذين يتّهمون صاحب هذا العقل الجبّار بالجنون هم المجانين في الحقيقة ، إنّ ابتعادهم عن دليل الهداية وموجّه البشرية لهو الحمق بعينه.

ثمّ يضيف تعالى بعد ذلك :( وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ) أي غير منقطع ، ولم لا

__________________

(١) العلق ، الآية ١ ـ ٥.

(٢) اعتبر البعض أنّ (ما) في (ما يسطرون) مصدرية ، واعتبرها بعض آخر بأنّها (موصولة) والمعنى الثاني أنسب ، والتقدير هكذا : (ما يسطرونه) ، كما اعتبرها البعض أيضا بمعنى (اللوح) أو (القرطاس) الذي يكتب عليه ، وفي التقدير (ما يسطرون فيه) كما اعتبر البعض (ما) هنا إشارة لذوي العقول والأشخاص الذين يكتبون هذه السطور ، إلّا أنّ المعنى الذي ذكرناه في المتن أنسب من الجميع حسب الظاهر.

٥١٧

يكون لك مثل هذا الأجر ، في الوقت الذي وقفت صامدا أمام تلك التّهم والافتراءات اللئيمة ، وأنت تسعى لهدايتهم ونجاتهم من الضلال وواصلت جهدك في هذا السبيل دون تعب أو ملل؟

«ممنون» من مادّة (منّ) بمعنى (القطع) ويعني الأجر والجزاء المستمرّ الذي لا ينقطع أبدا ، وهو متواصل إلى الأبد ، يقول البعض : إنّ أصل هذا المعنى مأخوذ من «المنّة» ، بلحاظ أنّ المنّة توجب قطع النعمة.

وقال البعض أيضا : إنّ المقصود من( غَيْرَ مَمْنُونٍ ) هو أنّ الله تعالى لم تكن لديه منّة مقابل هذا الأجر العظيم. إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

وتعرض الآية اللاحقة وصفا آخر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بقوله تعالى :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

تلك الأخلاق التي لا نظير لها ، ويحار العقل في سموّها وعظمتها من صفاء لا يوصف ، ولطف منقطع النظير ، وصبر واستقامة وتحمّل لا مثيل لها ، وتجسيد لمبادئ الخير حيث يبدأ بنفسه أوّلا فيما يدعو إليه ، ثمّ يطلب من الناس العمل بما دعا إليه والالتزام به.

عند ما دعوت ـ يا رسول الله ـ الناس ـ لعبادة الله ، فقد كنت أعبد الناس جميعا ، وإذ نهيتهم عن سوء أو منكر فإنّك الممتنع عنه قبل الجميع ، تقابل الأذى بالنصح ، والإساءة بالصفح ، والتضرّع إلى الله بهدايتهم ، وهم يؤلمون بدنك الطاهر رميا بالحجارة ، واستهزاء بالرسالة ، وتقابل وضعهم للرماد الحارّ على رأسك الشريف بدعائك لهم بالرشد.

نعم لقد كنت مركزا للحبّ ومنبعا للعطف ومنهلا للرحمة ، فما أعظم أخلاقك؟

«خلق» من مادّة (الخلقة) بمعنى الصفات التي لا تنفكّ عن الإنسان ، وهي ملازمة له ، كخلقة الإنسان.

وفسّر البعض الخلق العظيم للنبي بـ (الصبر في طريق الحقّ ، وكثرة البذل

٥١٨

والعطاء ، وتدبير الأمور ، والرفق والمداراة ، وتحمّل الصعاب في مسير الدعوة الإلهية ، والعفو عن المتجاوزين ، والجهاد في سبيل الله ، وترك الحسد والبغض والغلّ والحرص ، وبالرغم من أنّ جميع هذه الصفات كانت متجسّدة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أنّ الخلق العظيم له لم ينحصر بهذه الأمور فحسب ، بل أشمل منها جميعا.

وفسّر الخلق العظيم أيضا بـ (القرآن الكريم) أو (مبدأ الإسلام) ومن الممكن أن تكون الموارد السابقة من مصاديق المفهوم الواسع للآية أعلاه.

وعلى كلّ حال فإنّ تأصّل هذا (الخلق العظيم) في شخصية الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو دليل واضح على رجاحة العقل وغزارة العلم له ونفي جميع التّهم التي تنسب من قبل الأعداء إليه.

ثمّ يضيف سبحانه بقوله :( فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ) .

( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) أي من منكم هو المجنون(١) .

«مفتون» : اسم مفعول من (الفتنة) بمعنى الابتلاء ، وورد هنا بقصد الابتلاء بالجنون.

نعم ، إنّهم ينسبون هذه النسب القبيحة إليك ليبعدوا الناس عنك ، إلّا أنّ للناس عقلا وإدراكا ، يقيّمون به التعاليم التي يتلقّونها منك ، ثمّ يؤمنون بها ويتعلّمونها تدريجيّا ، وعندئذ تتّضح الحقائق أمامهم ، وهي أنّ هذه التعاليم العظيمة مصدرها البارئعزوجل ، أنزلها على قلبك الطاهر بالإضافة إلى ما منحك من نصيب عظيم في العقل والعلم.

كما أنّ مواقفك وتحرّكاتك المستقبلية المقرونة بالتقدّم السريع لانتشار الإسلام ، ستؤكّد بصورة أعمق أنّك منبع العلم والعقل الكبيرين ، وأنّ هؤلاء الأقزام

__________________

(١) (الباء) في (بأيّكم) زائدة و (أيّكم) مفعول للفعلين السابقين.

٥١٩

الخفافيش هم المجانين ، لأنّهم تصدّوا لمحاربة نور هذه الشمس العظيمة المتمثّلة بالحقّ الإلهي والرسالة المحمّدية.

ومن الطبيعي فإنّ هذه الحقائق ستتوضّح أمامهم يوم القيامة بصورة دامغة ، ويخسر هنالك المبطلون ، حيث تتبيّن الأمور وتظهر الحقيقة.

وللتأكيد على المفهوم المتقدّم يقول سبحانه مرّة اخرى :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .

وبلحاظ معرفة البارئعزوجل بسبيل الحقّ وبمن سلكه ومن جانبه وتخلّف أو انحرف عنه ، فإنّه يطمئن رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه والمؤمنون في طريق الهداية والرشد ، أمّا أعداؤه فهم في متاه الضلالة والغواية.

وجاء في حديث مسند أنّ قريشا حينما رأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدم الإمام عليعليه‌السلام على الآخرين ويجلّه ويعظّمه ، غمزه هؤلاء وقدحوا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : (لقد فتن محمّد به) هنا أنزل الله تعالى قرآنا وذلك قوله :( ن وَالْقَلَمِ ) وأقسم بذلك ، وإنّك يا محمّد غير مفتون ومجنون حتّى قوله تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) حيث الله هو العالم بالأشخاص الذين ضلّوا وانحرفوا عن سواء السبيل ، وهي إشارة إلى قريش التي كانت تطلق هذه الاتّهامات ، كما أنّه تعالى أعرف بمن اهتدى ، وهي إشارة إلى الإمام عليعليه‌السلام (١) .

* * *

بحثان

١ ـ دور القلم في حياة الإنسان

إنّ من أهمّ معالم التطور في الحياة البشرية ـ كما أشرنا سابقا ـ هو ظهور

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٤ ، (نقل الطبرسي هذا الحديث بسنده عن أهل السنّة).

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793