النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225212 / تحميل: 6338
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثالث و الخمسون في الفتن و الشبه و البدع

١٦١

١ في أوّل الباب الثالث من النهج باب المختار

من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج في ساير أغراضه .

قالعليه‌السلام :

كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ قول المصنّف : « باب المختار » هو القسم الأخير من كتابه « من حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام » اقتصر عليه في ( المصرية ) و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم : « و مواعظه » و هو الصحيح لأصحية نسختيهما لا سيما الأخير الذي نسخته بخط المصنف .

و لأنّ فيه مواعظ كثيرة و منها في العنوان ( ١٥٠ ) كلامهعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه الذي قال المصنف فيه « و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة » .

١٦٢

و وصف الشعبي كلامهعليه‌السلام في الحكم و غيرها فقال : تكلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في الحكمة و ثلاث في المناجاة و ثلاث في الأدب ، أما اللائي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه .

و أما اللائي في المناجاة فقال : اللّهم كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللائي في الأدب فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمّن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره(١) .

« و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسألته » ترى أجوبة مسألته في العناوين ( ١٦ ) ( ٣٠ ) ( ٩٤ ) ( ١٢٠ ) ( ١٥٠ ) ( ٢٢٧ ) ( ٢٢٩ ) ( ٢٣٥ ) ( ٢٦٦ ) ( ٢٨٧ ) ( ٢٩٤ ) ( ٣٠٠ ) ( ٣١٨ ) ( ٣٥٦ ) ( ٤٧٠ ) .

« و الكلام القصير » كان حاجب هشام بن عبد الملك يأمر منتجعيه بالإيجاز في الكلام ، فقام أعرابي فقال : إنّ اللَّه تعالى جعل العطاء محبة و المنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه و أجزل له .

« الخارج في سائر أغراضه » أي باقي مقاصده ، و الأصل في ( الغرض ) الهدف و ( سائر ) يأتي بمعنى الجميع و معنى الباقي ، و الأخير هو المراد هنا .

قوله « كن في الفتنة » الأصل في « الفتنة » قولهم « دينار مفتون » فتن بالنار ، و كلّ شي‏ء ادخل النار فقد فتن ، و قالوا « الناس عبيد الفتانين » أي الدرهم و الدينار .

« كابن اللبون » ابن اللبون : ولد الناقة الذكر إذا دخل في الثالثة ، لأن امّه

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٦ .

١٦٣

وضعت غيره فصار لها لبن ، و الانثى بنت اللبون ، و يجمعان بنات اللبون .

« لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب » نظيره قول حاجب بن زرارة في القعقاع :

ما هو رطب فيعصر و لا يابس فيكسر .

و في المثل : لا تكن حلوا فتزدرد و لا مرّا فتلفظ .

و من الأمثال في الاعتزال قولهم : لا ناقة لي في هذا و لا جمل و قالوا : ان كنت من أهل الفطن فلا تدر حول الفتن .

ثم كما لا ينتفع بابن اللبون لصغره كذلك بالثلب لكبره ، و هو الذي انكسرت أنيابه من شدّة هرمه ، و إنما الانتفاع الكامل بالناب الذي في وسط الشباب ، قال بعضهم :

ألم تر أن الناب يحلب علبة

و يترك ثلب لا ضراب و لا ظهر

قال ابن أبي الحديد : أيام الفتنة هي أيام الخصومة بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة ، كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث ، و أما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين(١) .

قلت : إن جانبوا العصبية و أرادوا فهم الحقيقة فأول أيام الفتنة أيام أوّلهم ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مويهبة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث إليّ النبي من جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد امرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السّلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى إلى أن قال ثم انصرف فبدأ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

١٦٤

بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه الذي قبض فيه(١) .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم في ذكره خطبة سيّدة نساء العالمين باتفاق فرق المسلمين لما منعها أبو بكر فدك و في الخطبة : فأنقذكم اللَّه برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب ، كلّما حشوا نارا للحرب أطفأها و نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيّدا في أولياء اللَّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون ، حتى إذا اختار اللَّه تعالى لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلّة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفلين و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير أبلكم و أوردتموها غير شربكم ، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجراح لما يندمل ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين(٢) .

و روى الإسكافي منهم في نقضه ( عثمانية الجاحظ ) عن أبي رافع قال :

أتيت أبا ذر بالربذة اودّعه ، فلما أردت الانصراف قال لي و لا ناس معي :

ستكون فتنة فاتقوا اللَّه و عليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه ، فإني سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة ، و أنت الصدّيق الأكبر ، و أنت الفاروق الذي تفرّق بين الحق و الباطل ،

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٢ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ١٣ ١٤ .

١٦٥

و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين ، و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي(١) .

ثم ما قاله ابن أبي الحديد : من فتنة الحجاج و ابن الأشعث خلاف عقيدة أهل نحلته ، فإنّ عندهم كان قيام ابن الأشعث فتنة ، و أمّا الحجاج فكان عامل من بايعه جميع الناس و كان عندهم خليفة حقّا و أميرا للمؤمنين به .

و كذلك قوله « فتنة عبد الملك و ابن الزبير » غير صحيح عند أهل ملته ، فانّه عندهم كان ابتداء ابن الزبير ولي اللَّه و عبد الملك عدوّ اللَّه ، و لما غلب عبد الملك صار هو ولي اللَّه و ابن الزبير عدوّ اللَّه(٢) .

ففي ( كامل المبرد ) : خرج مصعب بن الزبير إلى باجميراء ، ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه ، فتواقفوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المصعب ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : ضالّ مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل صعب و إنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : يا أعداء اللَّه بالأمس ضال مضل و اليوم امام هدى ، يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللَّه(٣) .

و الخوارج و إن طعنوا عليهم بكون ما عليهم خلاف العقل و خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها ، إلاّ أنّه يقال لهم : إنّ ذلك لازم لكم أيضا بموافقة العامة في إمامة صديقهم و صديقه ، فلا يمكن القول بالملزوم و ترك اللازم .

____________________

( ١ ) نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي : ٢٩٠ ملحقة بالعثمانية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٣ : ١١٠١ ١١٠٢ .

١٦٦

و أما قوله « إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين » فأيضا أهل ملّته غير معترفين به ، فهذا ابن عبد البر من أئمتهم قال في سعد بن أبي وقاص الذي لم يشهد الجمل و صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان ممّن قعد و لزم بيته في الفتنة و أمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشي‏ء حتى تجتمع الامة على إمام(١) .

و قال في ترجمة ابن فاروقهم : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا ؟ فقال : كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة و لا يمنعها من جماعة ، و لم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه(٢) .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي يصير معاوية الذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه في غير موطن و عدوّ الدين أولى بالإمامة من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي جعله اللَّه تعالى في كتابه كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله .( و أنفسنا و أنفسكم . ) (٣) و جعله النبي بمنزلة نفسه في المتواتر منه في قوله للناس : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .

لا يقال : انّما قال « من كنت مولاه فعلي مولاه » لا ما قلت قلت : ما ذكرته ان لم يكن لفظه هو معناه ، ألم يكن قال تلك الجملة بعد قوله للناس « ألست بكم أولى من أنفسكم » و قول الناس له « بلى أنت أولى بنا من أنفسنا » فهل يصير معناها غير ما قلناه .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي هو خلاف ناموس الإنسانية ، حتى ان الحجاج الذي قال عمر بن عبد العزيز الذي هو أحد خلفائهم : لو أنّ جميع الامم جاءت

____________________

( ١ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٩٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

١٦٧

يوم القيامة كلّ واحدة منهم بشرارهم و جئناهم بالحجاج لغلبنا جميعهم لم يرضه ، فقال الاسكافي أحد أئمتهم في نقض ( عثمانيته ) : امتنع ابن عمر من بيعة عليعليه‌السلام و طرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم لأنّه روي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « من مات و لا إمام له مات ميتة جاهلية »(١) و حتى بلغ من احتقار الحجاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال : اصفق بيدك عليها قال و رواه بعضهم و زاد : و لما خرج قال الحجاج : ما أحمق هذا يترك بيعة علي و يأتيني مبايعا في ليله .

٢ الخطبة ( ٩١ ) إِنَّ اَلْفِتَنَ

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْلَ اَلرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أقول : رواه الثقفي في أول ( غاراته ) باسنادين عن زر بن حبيش عنهعليه‌السلام : الأول عن إسماعيل بن ابان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمرو عن ذر و الثاني عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه عن أبن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر قال : خطب عليعليه‌السلام بالنهروان إلى أن قال فقام إليه رجل آخر فقال لهعليه‌السلام : حدّثنا عن الفتن قال : ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات ، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى(٢) .

« ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت » في ( نهاية الجزري ) : التشابه قسمان ، قسم إذا ردّ إلى المحكم يفهم معناه ، و قسم لا سبيل إلى معرفة

____________________

( ١ ) نقض العثمانية : ٣٠١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٧ .

١٦٨

حقيقته ، فالمتتبع له متتبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي إلى شي‏ء تسكن إليه نفسه ، و منه حديث ذكر فيه فتنة « تشبه مقبلة و تبين مدبرة » أي أنّها إذا أقبلت شبهت على القوم و أرتهم أنّهم على الحق حتى يدخلوا فيها و يركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنّه كان على الخطأ(١) .

« ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات » قد عرفت أنّ ( غارات الثقفي ) رواه « يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات » .

« يحمن حول الرياح » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « حوم الرياح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) ، مع أنّه لا معنى لما في ( المصرية ) ، فالفتن لا يدرن حول الرياح بل يدرن حول الناس دور الرياح ، من قولهم « حام الطائر حول الشي‏ء حوما » أي دار .

« يصبن بلدا و يخطئن اخرى » أي كما أن الرياح الشديدة تصيب بلدا و تخطى‏ء بلدا كذلك الفتن يصبن بلدا فيبتلى الناس بوخامتهن و يخطئن بلدا فيسلمون منها .

٣ الحكمة ( ٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْأُمُورَ إِذَا اِشْتَبَهَتْ اُعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا كان العباسيون يدّعون إجراء العدالة إذا ظهروا إلاّ انّه كان حالهم في الآخر معلومة من أوّلها .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير للجزري ٢ : ٤٤٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٣٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٤ الخطبة ( ١٩٢ ) ، أمّا شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ ، بلفظ « حول » ، أما الخطبة ٧٤ بلفظ « حوم » .

١٦٩

و لما بايعت الأوس أبا بكر لئلا يصير الأمر إلى الخزرج و كانت بينهما رقابة من الجاهلية ، قال لهم المنذر بن الحباب : فعلتموها أما و اللَّه لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم و لا يسقون الماء .

و صار كما قال(١) .

٤ الحكمة ( ٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ١ ٧ ٨ : ٢٨ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ اَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَ يَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير « لا يقولن أحدكم اللّهم اني أعوذ بك من الفتنة » قال ابن بابويه في ( توحيده ) :

الفتنة على عشرة أوجه : فوجه الضلال ، و الثاني : الاختبار و هو قوله تعالى .( و فتناك فتونا ) .(٢) ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ) (٣) و الثالث : الحجّة و هو قوله تعالى( ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا

_ ___________________

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٨٦ .

( ٢ ) طه : ٤٠ .

( ٣ ) العنكبوت : ١ ٢ .

١٧٠

 و اللَّه ربنا ما كنّا مشركين ) (١) و الرابع : الشرك و هو قوله تعالى .( و الفتنة أشدّ من القتل ) .(٢) و الخامس : الكفر و هو قوله تعالى .( ألا في الفتنة سقطوا ) .(٣) و السادس : الإحراق بالنار و هو قوله تعالى( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) . .(٤) و السابع : العذاب كقوله تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٥) ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ) (٦) .( و من يرد اللَّه فتنته فلن تملك له من اللَّه شيئا ) . .(٧) و الثامن : القتل كقوله تعالى .( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) .(٨) ( فما آمن لموسى إلاّ ذريّة من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) .(٩) و التاسع : الصدّ كقوله تعالى( و ان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك ) .(١٠) و العاشر : شدّة المحنة كقوله تعالى .( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) (١١) ، و قد زاد علي بن ابراهيم وجها آخر ، و هو المحبة كقوله تعالى .( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(١٢) و عندي أنّه المحنة بالنون لا المحبة بالباء لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد مجبنة مبخلة »(١٣) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٢٣ .

( ٢ ) البقرة : ١٩١ .

( ٣ ) التوبة : ٤٩ .

( ٤ ) البروج : ١٠ .

( ٥ ) الذاريات : ١٣ .

( ٦ ) الذاريات : ١٤ .

( ٧ ) المائدة : ٤١ .

( ٨ ) النساء : ١٠١ .

( ٩ ) يونس : ٨٣ .

( ١٠ ) الاسراء : ٧٣ .

( ١١ ) يونس : ٨٥ .

( ١٢ ) الأنفال : ٢٨ .

( ١٣ ) بحار الأنوار ١٠٤ : ٩٧ رواية ٦٠ ب ٢ .

١٧١

قلت : و المفهوم من الخليل أن الأصل في معناه الإحراق ، فقال : الفتن الإحراق(١) ، قال تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٢) ، و ورق فتين أي فضة محرقة و يقال للحرة فتين كأن حجارتها محرقة .

هذا ، و عن الأصمعي لا يقال أفتنته بل فتنته ، ورد عليه بقول أعشى همدان في سعيد بن جبير :

لئن أفتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم(٣) و عن ام عمرو بنت الأهتم : مررنا بمجلس فيه سعيد بن جبير و نحن جوار و معنا جارية تغني بدف معها و تنشد البيت « لئن أفتنتني . » ، فقال سعيد : كذبتن كذبتن .

« لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة » و لو بالمال أو الولد ، و لأنّ سنته تعالى فتن عباده و لن تجد لسنته تبديلا ، قال تعالى( أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فَليعلمنَّ اللَّه الذين صدقوا و ليعلَمَنَّ الكاذبين ) (٤) .

« و لكن من استعاذ فليستعذ باللَّه من مضلاّت الفتن » كما في فتنة بني اسرائيل بالعجل الذي أضلّهم السامري به حتى تركوا هارون و أرادوا قتله .

و كما في فتنة المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل فتنة بني اسرائيل بجعل الثاني الأول عجله حتى تركوا خليفة نبيّهم و أرادوا قتله ، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم في المتواتر : لتتبعن بني إسرائيل حذوا بحذو حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

____________________

( ١ ) العين لأحمد الفراهيدي ٨ : ١٢٧ مادة ( فتن ) .

( ٢ ) الذاريات : ١٣ .

( ٣ ) العين للفراهيدي ٨ : ١٢٨ مادة ( فتن ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

١٧٢

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في قصة السقيفة فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو لضرب عنقك قال : إذن تقتلون عبد اللَّه و أخا رسوله قال عمر : أما عبد اللَّه فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه ؟ فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح و يبكي و ينادي : يابن امّ إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني إلى آخر ما ذكر(١) .

هذا ، و روى ( توحيد الصدوق ) أنّه تعالى قال : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالفقر و لو أغنيته لأفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى و لو أفقرته لأفسده ، و ان منهم لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم و لو صححت جسده لأفسده ذلك ، و إنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحّة و لو أسقمته لأفسده ، و إنّي ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليم خبير(٢) .

« فإنّ اللَّه سبحانه يقول( و اعلموا أنّما أموالكم و أولادكم فتنة و أن اللَّه عنده أجر عظيم ) (٣) .

« و معنى ذلك أنّه سبحانه » سقطت كلمة « سبحانه » من ( المصرية )(٤) مع وجودها في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )(٥) .

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٣٩٨ ح ١ .

( ٣ ) الأنفال : ٢٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٧٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٢٨٧ .

١٧٣

« يختبرهم » أي : يمتحنهم .

« بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه » في الأموال .

« و الراضي بقسمه » في الأولاد .

« و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم » .( فليعلمن اللَّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) (١) .

« و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب » لأن الجزاء على العمل لا مجرّد النيّة و مقتضى الطوية ، و إن كان هو تعالى يثيب على مجردهما تفضلا و لا يؤاخذ على صرفهما تكرّما .

« لأنّ بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث » حتى قال تعالى( في مثلهم و إذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم يتوارى عن القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (٢) .

قالوا : و لحب الناس الذكور و كراهتم للإناث و كان الواجب عليهم التسليم لمشيته تعالى شأنه قدّم عز و جل هبة الإناث على الذكور فقال .( يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور ) (٣) .

« و بعضهم يحبّ تثمير المال و يكره انثلام الحال » أي وقوع الخلل فيه ، قال تعالى( و إنّه لحبّ الخير لشديد ) (٤) و فسر الخير هنا بالمال .

و قال تعالى في امتحان عبيده بالمال و الولد و غيرهما( و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات

_ ___________________

( ١ ) العنكبوت : ٣ .

( ٢ ) النحل : ٥٨ ٥٩ .

( ٣ ) الشورى : ٤٩ .

( ٤ ) العاديات : ٨ .

١٧٤

 و بشّر الصابرين ) (١) .

« و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير » و لو كان قال ما روي عنهعليه‌السلام بدل ما سمع منهعليه‌السلام كان أحسن .

جعله من غريب التفسير لأنّ المتبادر من كون الأموال فتنة أنّ الانسان يطغى أن رآه استغنى ، و أنّ كثيرا من الناس يميل المال بهم إلى الشهوات كما أنّ كثيرا منهم يصعب عليهم إخراج الحقوق التي أوجب اللَّه تعالى عليهم في المال فيهلكون كما ان المتبادر من كون الأولاد فتنة أنّهم يصيرون سببا للتخلّف عن الجهاد ، و البخل عن الزكاة ، و تحصيل المال لهم من غير طريق المشروع لو ضاق عليه المشروع و لموافقة الآباء غالبا أهواء أبنائهم المهوية ، كما اتفق للزبير مع ابنه ، فقالعليه‌السلام : ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه الميشوم .

و روت العامة في تفسير الآية عن بريدة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب فجاء الحسن و الحسينعليهما‌السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما فأخذهما و وضعهما في حجره على المنبر و قال : صدق اللَّه تعالى( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما(٣) .

هذا ، و مما روي عنهعليه‌السلام من غريب التفسير غير ما مرّ أنّهعليه‌السلام قال :

الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و لو بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية . و اذكر ربّك إذا نسيت .(٤) .

و أنّهعليه‌السلام قال : تستحب المقاربة مع أهله ليلة أول شهر الصيام لقوله

____________________

( ١ ) البقرة : ١٥٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦١٦ ح ٣٧٧٤ .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٤٤٨ الرواية ٦ ، و الآية ٢٤ من سورة الكهف .

١٧٥

تعالى( اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) . .(١) .

٥ في الخطبة ( ١٤٣ ) منها :

وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ وَ اِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا « و ما احدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة » قال ابن أبي الحديد : البدعة كلّ ما لم يكن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنها الحسن كصلاة التراويح و منها القبيح كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية و إن كانت قد تكلّفت الأعذار عنها(٢) .

قلت : صلاة التراويح أيضا من بدع ، قالعليه‌السلام ترك بها سنة ، و كيف تكون حسنة و كانت تشريعا في قبال الدين ، و إنما التشريع للَّه تعالى( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ لكم فيه لما تخيرون ) (٣) .

ما كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشرّع شيئا من قبل نفسه إلاّ بوحي منه تعالى إليه ، فكيف كان لعمر الذي أفحمته مرأة في أنفها فطس في حظره جعل الصداق أكثر من خمسمائة درهم بأنّه تعالى قال .( و آتيتم إحداهن قنطاراً ) .(٤) فقال : كل الناس أفقه من عمر .

و روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه

____________________

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) القلم : ٣٦ ٣٨ .

( ٤ ) النساء : ٢٠ .

١٧٦

ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها تفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي و قليل من شيعتي ، و اللَّه لقد أمرت أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الاسلام لقد غيرت سنّة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و قد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري(١) .

و روى محمد بن علي بن بابويه عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في جماعة بدعة ، و صلاة الضحى بدعة ، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(٢) .

و روى محمد بن يعقوب الكليني : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مر برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة ، فغمز جنبه بالدرة و قال : نحرت صلاة الأوابين نحرك اللَّه(٣) .

و أما أعمال عثمان و لم قال كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية كنفيه أبا ذر و ضربه عمارا و نهبه بيت المال لأقاربه و توليته لهم حتى يصلّوا بالناس سكارى و يصلّوا الصبح أربعا و يغنوا في الصلاة و غيرها من نظائرها فشنائع ينكرها الموحد و الملحد و المسلم و الكافر .

و أما ما قاله من تكلّف الأعذار الذي نوريهم ، فالتكلّف لعدم منكرية عداوة أبي جهل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرب إلى العقول منه .

ثم جعلها في عداد البدع كصلاة التراويح في غير محله .

____________________

( ١ ) سليم بن قيس ، لا وجود له في الطبعة النجفية ، لعل المؤلف أخذه من البحار حيث ذكر المجلسي في ٩٦ : ٢٠٣ الرواية ٢١ باب ٢٤ .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٧ الرواية ١٩٦٤ باب ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٤٥٢ رواية ٨ .

١٧٧

« فاتقوا البدع » روى ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام : من مشى إلى صاحب بدعة فوقرها فقد مشى في هدم الإسلام(١) .

« و الزموا المهيع » أي الطريق الواسع و هو طريق الاسلام ، قال تعالى( و إنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) . .(٢) .

« إنّ عوازم الامور أفضلها » قال ابن أبي الحديد : عوازم ما تقادم منها من قولهم « عجوز عوزم » أي مسنّة ، و يجوز أن يكون جمع عازمة بمعنى مفعول أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، و الأول أظهر لأن في مقابلته « و ان محدثاتها » و المحدث في مقابلة القدم(٣) .

قلت : بل الظاهر أن « عوازم » محرف « قدائم » جمع قديم للتشابه الخطي بينهما ، لأن العزم في مقابل الرخصة لا المحدث ، يقال عزائم القرآن و رخصه ، ثم جمع العوزم بالعوازم كما قاله غير معلوم .

٦ الخطبة ( ٥٠ ) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللَّهِ فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا

____________________

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٥٧٢ ح ٤٩٥٧ الباب ٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

١٧٨

ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ٢ ٤ ٢١ : ١٠١ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنى‏ ٦ ٦ ٢١ : ١٠١ أقول : رواه الكليني في ( بدع كافيه ) بإسنادين عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللَّه ، يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم منه الحسنى(١) .

و رواه في ( روضته ) مع زيادات ، فروى عن سليم بن قيس قال : خطب عليعليه‌السلام فقال : إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللَّه ، يتولى فيها رجال رجالا ، إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم الحسنى ، إنّي سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

كيف أنتم إذا لبستكم فتنة تربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري الناس عليها و يتخذونها سنة ، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة ، و قد أتى الناس منكرا ثم تشتدّ البلية و تسبى الذريّة و تدقهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب و كما تدقّ الرحى بثفالها ، و يتفقهون لغير اللَّه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ناقضين بعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٥٤ رواية ١ و أيضا ٨ : ٥٨ الرواية ٢١ .

١٧٩

و الى ما كانت في عهد رسول اللَّه لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة رسوله ، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه و رددت فدك إلى ذريّة فاطمة و رددت صاع رسول اللَّه كما كان و أمضيت قطائع أقطعها النبي لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم ( في الفروج و الأحكام ) و سبيت ذراري بني تغلب و رددت ما قسم من أرض خيبر و محيت دواوين العطاء و أعطيت كما كان النبي يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و ألقيت المساحة و سويت بين المناكح و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللَّه عز و جل و فرضه و رددته إلى ما كان عليه و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سد منه و حرمت المسح على الخفين و حددت على النبيذ و أمرت باحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخرجت من ادخل مع رسول اللَّه في مسجده ممن كان رسول اللَّه أخرجه و أدخلت من اخرج بعد رسول اللَّه و حملت الناس على حكم القرآن ( في ) الطلاق على السنّة و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و حدودها و رددت أهل نجران إلى مواضعهم و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إذن لتفرّقوا عني ، و اللَّه لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و لقد خفت أن

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

محمول على الاستحباب.

وإذا وهبت المرأة لزوجها شيئا، كان ذلك ماضيا. فإن أعطتا شيئا، وشرطت له الانتفاع به، جاز له ذلك، وكان حلالا له التّصرف فيه، والرّبح له. ويكره له أن يشتري بذلك المال جارية يطأها، لأنّ ذلك يرجع بالغمّ على زوجته التي أعطته المال. فإن أذنت له في ذلك، لم يكن به بأس.

باب التصرف في أموال اليتامى

لا يجوز التّصرّف في أموال اليتامى الّا لمن كان وليّا لهم أو وصيّا قد أذن له في التّصرّف في أموالهم. فمن كان وليّا يقوم بأمرهم ويجمع أموالهم وسدّ خلّاتهم وجمع غلّاتهم ومراعاة مواشيهم، جاز له حينئذ أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط.

ومتى اتّجر الإنسان بمال اليتيم نظرا لهم وشفقة عليهم، فربح، كان الرّبح لهم، وإن خسر، كان عليهم. ويستحبّ له أن يخرج من جملته الزّكاة، ومتى اتّجر به لنفسه، وكان متمكّنا في الحال من ضمان ذلك المال وغرامته، إن حدث به حادث، جاز ذلك، وكان المال قرضا عليه. فإن ربح، كان له. وإن خسر، كان عليه، وتلزمه في حصته الزّكاة، كما يلزمه لو كان المال له، ندبا واستحبابا. ومتى اتجر لنفسه

٣٦١

بمالهم، وليس بتمكّن في الحال من مثله وضمانه، كان ضامنا للمال. فإن ربح، كان ذلك للأيتام. وإن خسر، كان عليه دونهم.

ومتى كان لليتامى على إنسان مال، جاز لوليّهم أن يصالحه على شي‌ء يراه صلاحا في الحال ويأخذ الباقي، وتبرأ بذلك ذمّة من كان عليه المال.

وإذا كان لإنسان على غيره مال، ومات، جاز لمن عليه الدّين أن يوصله إلى ورثته، وإن لم يذكر لهم: أنّه كان عليه دينا، ويجعل ذلك على جهة الصّلة لهم والجائزة، ويكون فيما بينه وبين الله تعالى غرضه فكاك رقبته ممّا عليه.

والمتولّي للنّفقة على اليتامى، ينبغي أن يثبت على كلّ واحد منهم، ما يلزمه عليه من كسوته بقدر ما يحتاج إليه. فأما المأكول والمشروب فيجوز أن يسوّى بينهم. ومتى أراد مخالطتهم بنفسه وأولاده، جعلهم كواحد من أولاده، وينفق من ماله بقدر ما ينفق من مال نفسه، ولا يفضّله في ذلك على نفسه وأولاده، بل يفضّل نفسه عليه، فإن ذلك أفضل له.

والمتولّي لأموال اليتامى، والقيّم بأمورهم، يستحقّ أجرة مثله، فيما يقوم به من مالهم، من غير زيادة ولا نقصان فإن نقص نفسه، كان له في ذلك فضل وثواب. وإن لم يفعل كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أجرة المثل. فأما الزيادة،

٣٦٢

فلا يجوز له أخذها على حال.

باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة

كلّ شي‌ء أباحه الله تعالى، أو ندب إليه ورغّب فيه، فالاكتساب به والتّصرّف فيه، حلال جائز سائغ من صناعة وتجارة وغيرهما.

وكلّ شي‌ء حرمة الله تعالى وزهّد فيه، فلا يجوز التكسّب به ولا التصرّف فيه على حال.

فمن المحرّمات الخمر. فالتّصرّف فيها حرام على جميع الوجوه، من البيع والشّراء والهبة والمعاوضة والحمل لها والصنعة لها وغير ذلك من أنواع التّصرّف.

ومن ذلك لحم الخنزير. فبيعه وهبته وأكله حرام. وكذلك كلّ ما كان من الخنزير من شعر وجلد وشحم وغير ذلك.

ومنها عمل جميع أنواع الملاهي والتّجارة فيها والتكسّب بها، مثل العيدان والطنابير وغيرهما من أنواع الأباطيل، محرّم محظور. وعمل الأصنام والصلبان والتّماثيل المجسّمة والصّور والشّطرنج والنّرد وسائر أنواع القمار حتى لعب الصّبيان بالجوز، فالتّجارة فيها والتّصرّف والتكسّب بها حرام محظور.

٣٦٣

وكلّ شراب مسكر حكمه حكم الخمر على السّواء، قليلا كان أو كثيرا. وكذلك حكم الفقّاع حكمه، فإنّ شربه وعمله والتّجارة فيه والتّكسّب به حرام محظور.

وكلّ طعام أو شراب حصل فيه شي‌ء من الأشربة المحظورة أو شي‌ء من المحظورات والنّجاسات، فإنّ شربه وعمله والتّجارة فيه والتّكسّب به والتّصرف فيه حرام محظور.

وجميع النّجاسات محرّم التّصرّف فيها والتّكسّب بها على اختلاف أجناسها، من سائر أنواع العذرة والأبوال وغيرهما، إلّا أبوال الإبل خاصّة، فإنّه لا بأس بشربه والاستشفاء به عند الضّرورة.

وبيع الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والتّصرّف فيه والتّكسّب به حرام محظور. وبيع سائر المسوخ وشراؤها والتّجارة فيها والتّكسّب بها محظور، مثل القردة والفيلة والدّببة وغيرها من أنواع المسوخ.

والرّشا في الأحكام سحت.

وكذلك ثمن الكلب إلّا ما كان سلوقيّا للصّيد، فإنّه لا بأس ببيعه وشرائه وأكل ثمنه والتّكسّب به. وبيع جميع السّباع والتّصرّف فيها والتّكسّب بها محظور، إلّا الفهود خاصّة فإنّه لا بأس بالتّكسّب بها والتّجارة فيها، لأنها تصلح للصّيد. ولا بأس بشري الهرّ وبيعه وأكل ثمنه. وبيع الجرّيّ والمارماهي

٣٦٤

والطّافي. وكلّ سمك لا يحل أكله، وكذلك الضّفادع والسّلاحف، وجميع ما لا يحلّ أكله، حرام بيعه والتّكسّب به والتّصرّف فيه.

ومعونة الظّالمين وأخذ الأجرة على ذلك محرّم محظور. وكلّ شي‌ء غشّ فيه، فالتّجارة فيه والتّكسّب به بالبيع والشّراء وغير ذلك حرام محظور. وتعليم ما حرّمه الله تعالى وتعلّمه، وأخذ الأجرة على ذلك، محظور في شريعة الإسلام. ومعالجة الزّينة للرّجال بما حرّمه الله عليهم حرام. وبيع السّلاح لسائر الكفّار وأعداء الدّين حرام، وكذلك عمله لهم، والتّكسّب بذلك، ومعونتهم على قتال المسلمين وأخذ الأجرة على ذلك حرام.

وكسب المغنّيات وتعلّم الغناء حرام. وكسب النّوائح بالأباطيل حرام. ولا بأس بذلك على أهل الدّين بالحقّ من الكلام.

وأخذ الأجرة على غسل الأموات وحملهم ومواراتهم حرام، لأنّ ذلك فرض على الكفاية على أهل الإسلام. وأخذ الأجر على الأذان والصّلاة بالنّاس حرام.

والتّكسّب بحفظ كتب الضّلال، ونسخه حرام محظور. والتّكسّب بهجاء أهل الإيمان حرام. ولا بأس بهجاء أهل الضّلال وأخذ الأجر على ذلك. وكسب الزّانية ومهور البغايا محرّم محظور. وتعلّم السّحر وتعليمه والتكسّب به وأخذ

٣٦٥

الأجرة عليه حرام محظور. وكذلك التكسب بالكهانة والقيافة والشعبذة وغير ذلك محرّم محظور.

ولا يجوز التّصرّف في شي‌ء من جلود الميتة ولا التكسّب بها على حال.

وأمّا ما هو مباح، فمن ذلك إذا أعطى الإنسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو محتاجا إلى شي‌ء من ذلك، جاز له أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره، ولا يفضّل نفسه على أحد إلّا أن يفضّله صاحب المال. وإن أمر صاحب المال أن يضعه في مواضع مخصوصة، لم يجز له أن يتعدّى ما أمره به على حال.

ولا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السّلاح لأهل الكفر مثل الدّروع. والخفاف. وتجنّب ذلك أفضل على كلّ حال.

وكسب المواشط حلال، إذا لم يغشن ولا يدلّسن في عملهنّ: فيصلن شعر النّساء بشعر غيرهنّ من النّاس، ويوشمن الخدود ويستعملن ما لا يجوز في شريعة الإسلام. فإن وصلن شعورهنّ بشعر غير النّاس، لم يكن بذلك بأس.

وكسب القابلة حلال. وكسب الحجّام حلال، ويكره له أن يشرط. وينبغي لذوي المروّة أن ينزّه نفسه عن أكل كسب الحجّام. فإن كان له غلام ذلك صنعته وكسبه، فلا يأكل هو من كسبه، ويعطيه غيره. وليس ذلك بمحظور.

وكسب صاحب الفحل من الإبل والبقر والغنم إذا أقامه

٣٦٦

للنتاج، ليس به بأس، وتركه أفضل.

ويكره أخذ الأجرة على تعليم شي‌ء من القرآن، وكذلك على نسخ المصاحف، وليس ذلك بمحظور. وإنما يكره ذلك إذا كان هناك شرط. فإن لم يكن هناك شرط، لم يكن به بأس ولا بأس بأخذ الأجر على تعليم الحكم والآداب، وعلى نسخها وتخليدها الكتب. وينبغي للمعلّم أن يسوّي بين الصّبيان في التّعليم والأخذ عليهم، ولا يفضّل بعضهم في ذلك على بعض.

ولا بأس بأخذ الأجر والرّزق على الحكم والقضاء بين النّاس من جهة السّلطان العادل حسب ما قدّمناه. فأمّا من جهة سلطان الجور، فلا يجوز إلّا عند الضّرورة أو الخوف على ما قدّمناه. والتّنزّه عن أخذ الرّزق على ذلك في جميع الأحوال أفضل.

ولا بأس بأخذ الأجر على نسخ كتب العلوم الدّينيّة والدنيويّة. ولا يجوز نسخ كتب الكفر والضّلال وتخليدها إلّا ثبات الحجج بذلك على الخصم أو النّقض له. ولا بأس بمدائح أهل الإيمان وأخذ الأجر على ذلك بالصّدق من الأقوال. ولا بأس بأخذ الأجر على الخطب في الاملاكات وعقود النكاح.

ولا بأس بأجر المغنّية في الأعراس، إذا لم يغنّين بالأباطيل ولا يدخلن على الرّجال ولا يدخل الرّجال عليهنّ. ولا بأس بأخذ الأجر على ختن الرّجال وخفض الجواري.

٣٦٧

ويكره من المكاسب مباشرة الصّروف، لأنّ صاحبها لا يكاد يسلم من الرّبا. ويكره بيع الأكفان، لأنّ صاحبها لا يسلم من تمنيّ موت الأحياء. ويكره بيع الطّعام، لأنّه لا يسلم معه من الاحتكار. ويكره بيع الرّقيق وشراؤهم. وكذلك يكره صنعة الذّبح والنّحر، لأنهما يسلبان الرّحمة من القلب. وكلّ ذلك ليس بمحظور، إذا أدّى الإنسان فيه الأمانة، واستعمل ما يسوغ في شرع الإسلام.

وكذلك كلّ صنعة من الصّنائع المباحة، إذا أدّى فيها الأمانة، لم يكن بها بأس. فإن لم يؤدّ فيها الأمانة أو لا يتمكّن معها من القيام بالواجبات وترك المقبّحات، فلا يجوز له التعرّض لشي‌ء منها. ولا بأس بالحياكة والنّساجة، والتّنزّه عنهما أفضل.

ولا بأس بشراء المصاحف وبيعها والتكسّب بها، غير أنّه لا يجوز أن يبيع المكتوب، بل ينبغي له أن يبيع الجلد والورق وأمّا غيرها من الكتب، فلا بأس ببيعها وشرائها بالإطلاق وكسب الصّبيان من المماليك وغيرهم مكروه.

ومن جمع مالا من حلال وحرام، ثمَّ لم يتميّز له، أخرج منه الخمس، وحلّ له الباقي. فإن تميّز له الحرام منه، وجب عليه ردّه على صاحبه، لا يسوغ له سواه. فإن لم يجده ردّه على ورثته. فإن لم يجد له وارثا، تصدّق به عنه.

٣٦٨

ولا يجوز أخذ شي‌ء، ممّا ينثر في الأعراس والإملاكات إلّا ما أعطي باليد أو علم من قصد صاحبه الإباحة لأخذه.

ولا بأس بأجر العقارات من الدّور والمساكن، إلّا إذا عمل فيها شي‌ء من المحظورات والمحرّمات. وكذلك لا بأس بأجرة السّفن والحمولات، إلّا ما علم أنّه يحمل فيها وعليها شي‌ء من المحرّمات. ولا بأس ببيع الخشب لمن يجعله صنما أو صليبا أو شيئا من الملاهي، لأنّ الوزر على من يجعله كذلك، لا على الذي باع الآلة.

ولا بأس ببيع عظام الفيل والتكسّب بصنعته واتخاذ الأمشاط منها وغير ذلك. ولا بأس ببيع جلود السّباع، مثل الفهد والأسد والنّمر وغير ذلك، إذا كانت مذكّاة.

ولا يجوز بيع السّرقة والخيانة وشراؤهما، إذا عرفهما الإنسان بعينهما. فإذا لم يعرفهما بعينهما، لم يكن به بأس. ومن وجد عنده سرقة، كان ضامنا لها، إلّا أن يأتي على شرائها ببيّنة.

ولا بأس أن يشتري من السّلطان الإبل والغنم والبقر، إذا أخذها من الصّدقة، وإن لم يكن هو مستحقا لها. وكذلك الحكم في الأطعمة والحبوب.

ولا بأس بعمل الأشربة المباحة وأخذ الأجر عليها.

ويكره ركوب البحر للتّجارة. ولا يجوز سلوك طريق

٣٦٩

خطر مع ظهور أمارة الخوف فيها.

ولا بأس بأخذ الأجرة في النّيابة عن إنسان في وكالة بالشّري والبيع وغير ذلك. ولا يجوز لأجير الإنسان في وقت معلوم أن يعمل لغيره في ذلك الوقت عملا. فإن أذن له المستأجر في ذلك، كان جائزا.

ولا يجوز بيع تراب الصّاغة. ومتى باعوه، وجب عليهم أن يتصدّقوا بثمنه.

وإذا مزّ الإنسان بالثّمرة، جاز له أن يأكل منها قدر كفايته ولا يحمل شيئا على حال.

ويكره للإنسان أن ينزّي الحمير على الدّواب، وليس ذلك بمحظور.

ولا بأس أن يبذرق الإنسان القوافل، ويأخذ على ذلك الأجر.

ومن آجر مملوكا له، فأفسد المملوك شيئا، لم يكن على مولاه ضمان ما أفسده، لكنّه يستسعى العبد في مقدار ما أفسده.

ولا بأس ببيع جوارح الطّير كلّها وأخذ ثمنها والتكسّب بها بجميع الوجوه.

٣٧٠

كتاب المتاجر

باب آداب التجارة

ينبغي للإنسان إذا أراد التّجارة أن يبتدئ أوّلا، فيتفقّه في دينه، ليعرف كيفيّة الاكتساب، ويميّز بين العقود الصّحيحة والفاسدة، ويسلم من الرّبا الموبق ولا يرتكب المأثم من حيث لا يعلم به.

فإنّه روي عن أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، أنّه قال: « من اتّجر بغير علم، ارتطم في الرّبا ثمَّ ارتطم ».

وكان،عليه‌السلام ، يقول: « التّاجر فاجر، والفاجر في النّار، إلّا من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ ».

وكانعليه‌السلام يقول: « معاشر النّاس! الفقه ثمَّ المتجر، الفقه ثمَّ المتجر. والله للرّبا في هذه الأمّة أخفى من دبيب النّمل على الصّفا ».

وكانعليه‌السلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، ومعه الدرّة على عاتقه، فيقف على أهل كلّ سوق فينادي: « يا معشر التّجار!

٣٧١

اتّقوا اللهعزوجل ! » فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وتسمّعوا بآذانهم، فيقول: « قدّموا الاستخارة، وتبرّكوا بالسّهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظّلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الرّبا، و( أوفوا الكيل والميزان ) ،( ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ،ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ». فيطوف جميع الأسواق ثمَّ يرجع فيقعد للنّاس.

وروي عن الصّادق،عليه‌السلام ، أنّه قال: من لم يتفقّه في دينه، ثمَّ اتّجر، تورّط في الشّبهات ».

وينبغي أن يجتنب الإنسان في تجارته خمسة أشياء: مدح البائع، وذمّ المشتري، وكتمان العيوب، واليمين على البيع، والرّبا. ولا يجوز لأحد أن يغشّ أحدا من النّاس فيما يبيعه أو يشتريه. ويجب عليه النّصيحة فيما يفعله لكلّ أحد. وإذا قال إنسان للتّاجر: اشتر لي متاعا، فلا يعطه من عنده، وإن كان الذي عنده خيرا ممّا يجده، إلّا بعد أن يبيّن أن ذلك من عنده ومن خاصّ ماله. ويجتنب بيع الثّياب في المواضع المظلمة التي يستر فيها العيوب.

وينبغي أن يسوي بين النّاس في البيع والشّراء. فيكون الصّبيّ عنده بمنزلة الكبير، والسّاكت بمنزلة المماكس، والمستحيي بمنزلة البصير المداقّ، ولا يفضّل بعضها منهم

٣٧٢

على بعض. وإذا قال لغيره: هلمّ أحسن إليك، باعه من غير ربح. وكذلك إذا عامله مؤمن، فليجتهد ألا يربح عليه إلّا في حال الضّرورة، ويقنع أيضا مع الاضطرار بما لا بدّ له من اليسير. وينبغي أن يقيل من استقاله. ويكره السّوم فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشّمس. وإذا غدا إلى سوقه، فلا يكون أوّل من يدخلها. وإذا دخلها، سأل الله تعالى من خيرها وخير أهلها، وتعوذ به من شرّها وشرّ أهلها. وإذا اشترى شيئا، شهد الشّهادتين، وكبر الله تعالى، فإنّه أبرك له فيما يشتريه. وسأل الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه.

وينبغي أن يتجنّب مخالطة السّفلة من النّاس والأدنين منهم، ولا يعامل إلّا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات والمحارفين. ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنّب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم. وينبغي لمن أخذ شيئا بالوزن ألّا يأخذه إلّا ناقصا، وإذا أعطاه لا يعطيه إلّا راجحا، وإذا كان لا يكيل إلّا وافيا. فإن كان ممّن لا يحسن الكيل والوزن، فلا يتعرّض له، ويوليه غيره.

ولا ينبغي أن يزين متاعه بأن يري خيره ويكتم رديّه، بل ينبغي أن يخلّط جيّده برديّه، ويكون كلّه ظاهرا. ولا يجوز أن يشوب اللّبن بالماء، لأنّ ذلك لا يبين العيب فيه.

٣٧٣

وينبغي ألّا يطلب الغاية فيما يبيع ويشتري من الرّبح، وليقنع باليسير. وإذا تعسّر عليه نوع من التّجارة، فليتحوّل منه إلى غيره. ويكره الاستحطاط من الثّمن بعد الصّفقة وعقد البيع. ومن باع لغيره شيئا، فلا يشتره لنفسه، وإن زاد في ثمنه على ما يطلب في الحال، إلّا بعلم من صاحبه وإذن من جهته. وإذا نادى المنادي على المتاع، فلا يزيد في المتاع. فإذا سكت المنادي، زاد حينئذ إن شاء. ولا يجوز لأحد أن يدخل في سوم أخيه المؤمن.

باب الاحتكار والتلقي

الاحتكار هو حبس الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والسّمن من البيع. ولا يكون الاحتكار في شي‌ء سوى هذه الأجناس. وإنّما يكون الاحتكار، إذا كان بالنّاس حاجة شديدة إلى شي‌ء منها، ولا يوجد في البلد غيره. فأمّا مع وجود أمثاله، فلا بأس أن يحبسه صاحبه، ويطلب بذلك الفضل.

ومتى ضاق على النّاس الطّعام، ولم يوجد إلّا عند من احتكره، كان على السّلطان أن يجبره على بيعه، ويكرهه عليه. ولا يجوز له أن يجبره على سعر بعينه، بل يبيعه بما يرزقه الله تعالى، ولا يمكّنه من حبسه أكثر من ذلك.

وحدّ الاحتكار في الغلاء وقلّة الأطعمة ثلاثة أيّام، وفي

٣٧٤

الرّخص وحال السّعة أربعون يوما. وأمّا ما عدا الأجناس التي ذكرناها، فلا احتكار فيها. ولأصحابها أن يبيعوها بما شاءوا من الأسعار وفي أيّ وقت شأوه. وليس للسّلطان أن يحملهم على شي‌ء منها.

وأمّا التّلقي، فهو أن يستقبل الإنسان الأمتعة والمتاجر على اختلاف أجناسها خارج البلد، فيشتريها من أربابها، ولا يعلمون هم بسعر البلد. فمن فعل ذلك، فقد ارتكب مكروها لما في ذلك من المغالطات والمغابنات. وكذلك أيضا يكره أن يبيع حاضر لباد لقلّة بصيرته بما يباع في البلاد، وإن لم يكن شي‌ء من ذلك محظورا، لكن ذلك من المسنونات. وحدّ التّلقي روحة، وحدّها أربعة فراسخ. فإن زاد على ذلك، كان تجارة وجلبا، ولم يكن تلقّيا.

باب الربا وأحكامه وما يصح فيه وما لا يصح

الرّبا محظور في شريعة الإسلام، قال الله تعالى:( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وقال تعالى:( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) وقال:( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) وقال تعالى:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) الآية. وروي عن الصّادق،عليه‌السلام : أنّه قال: درهم ربا أعظم عند الله

٣٧٥

تعالى من سبعين زنية كلّها بذات محرم. فينبغي أن يعرفه الإنسان ليجتنبه ويتنزّه عنه.

فمن ارتكب الرّبا بجهالة، ولم يعلم أنّ ذلك محظور، فليستغفر الله تعالى في المستقبل، وليس عليه فيما مضى شي‌ء. ومتى علم: أنّ ذلك حرام ثمَّ استعمله، فكلّ ما يحصل له من ذلك محرّم عليه، ويجب عليه ردّه على صاحبه. فإن لم يعرف صاحبه، تصدّق به عنه. وإن عرفه ولا يعرف مقدار ما أربى عليه، فليصالحه وليستحلّه. وإن علم أنّ في ماله ربا، ولا يعرف مقداره ولا من أربى عليه، فليخرج خمس ذلك المال، ويضعه في أهله، وحلّ له ما يبقى بعد ذلك.

ولا ربا بين الولد ووالده، لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. ولا بين العبد وسيّده، لأنّ مال العبد لسيّده. ولا بين الرّجل وأهله. ولا ربا أيضا بين المسلم وبين أهل الحرب، لأنهم في الحقيقة في‌ء للمسلمين، وإنّما لا يتمكّن منهم. والرّبا يثبت بين المسلم وأهل الذّمة كثبوته بينه وبين مسلم مثله.

ولا يكون الرّبا إلّا فيما يكال أو يوزن. فأمّا ما عداهما فلا ربا فيه. وكلّ ما يكال أو يوزن، فإنّه يحرم التّفاضل فيه والجنس واحد نقدا ونسيئة، مثل بيع درهم بدرهم وزيادة عليه، ودينار بدينار وزيادة عليه،

٣٧٦

وقفيز حنطة بقفيز منها وزيادة عليه، ومكّوك شعير بمكّوك منه وزيادة. وكذلك حكم جميع المكيلات والموزونات. وإذا اختلف الجنسان، فلا بأس بالتفاضل فيهما نقدا ونسيئة، إلّا الدّراهم والدّنانير والحنطة والشّعير، فإنّه لا يجوز بيع دينار بدراهم نسيئة، ويجوز ذلك نقدا بأيّ سعر كان. وكذلك الحكم في الحنطة والشّعير، فإنّه لا يجوز التّفاضل فيهما لا نقدا ولا نسيئة، لأنّهما كالجنس الواحد. ولا بأس ببيع قفيز من الذّرة أو غيرها من الحبوب بقفيزين من الحنطة والشعير أو غيرهما من الحبوب يدا. ويكره ذلك نسيئة.

وأمّا ما لا يكال ولا يوزن، فلا بأس بالتفاضل فيه والجنس واحد نقدا، ولا يجوز ذلك نسيئة، مثل ثوب بثوبين ودابّة بدابتين ودار بدارين وعبد بعبدين، وما أشبه ذلك ممّا لا يدخل تحت الكيل والوزن. والأحوط في ذلك أن يقوّم ما يبتاعه بالدّراهم أو الدّنانير أو غيرهما من السّلع ويقوّم ما يبيعه بمثل ذلك. وإن لم يفعل، لم يكن به بأس.

وما يكال ويوزن، فبيع المثل بالمثل جائز حسب ما قدمناه يدا: ولا يجوز ذلك نسيئة.

ولا بأس ببيع الأمتعة والعقارات والحبوب وغير ذلك بالدّراهم والدّنانير نقدا ونسيئة. ولا يجوز بيع الغنم باللّحم ولا وزنا ولا جزافا. ولا يجوز أيضا بيع الرّطب بالتّمر مثلا

٣٧٧

بمثل، لأنّه إذا جفّ نقص. ولا بأس ببيع الحنطة بالدّقيق والسّويق مثلا بمثل، ولا يجوز التّفاضل فيه، ويكون ذلك نقدا ولا يجوز نسيئة. ولا بأس ببيع الحنطة والدّقيق بالخبز مثلا بمثل نقدا، ولا يجوز نسيئة. والتّفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة. ولا بأس ببيع اللّبن والسّمن والزّبد كلّه مثلا بمثل، ولا يجوز نسيئة، والتّفاضل فيه لا يجوز لا نقدا ولا نسيئة. واللّحمان إذا اتفق أجناسها، جاز بيع بعضها ببعض مثلا بمثل يدا بيد، ولا يجوز ذلك نسيئة، ولا يجوز التّفاضل فيها لا نقدا ولا نسيئة. وإذا اختلف أجناسها، جاز التّفاضل فيها نقدا، ولا يجوز نسيئة، مثل رطل من لحم الغنم برطلين من لحم البقر نقدا، ولا يجوز ذلك نسيئة. ولا بأس ببيع الغزل بالثّوب، وإن كان الثّوب أكثر وزنا منه. وإن كان الشي‌ء يباع في بلد جزافا وفي بلد آخر كيلا أو وزنا، فحكمه حكم المكيل والموزون في تحريم التّفاضل فيه. ويجوز بيع المثل بالمثل نقدا ولا نسيئة.

وكلّ ما يكال أو يوزن، فلا يجوز بيعه جزافا. وكذلك ما يباع عددا، فلا يجوز بيعه جزافا. فإن كان ما يباع بالعدد يصعب عدّة، فلا بأس أن يكال أو يوزن منه مقدار بعينه ثمَّ يعدّ، ويؤخذ الباقي بحسابه.

ولا بأس ببيع السّمن بالزّيت متفاضلا يدا بيد، ولا

٣٧٨

يجوز ذلك نسيئة. ولا يجوز التّفاضل في الأدهان إذا كان الأصل يرجع إلى جنس واحد، مثل أن يباع الشّيرج بالبنفسج أو دهن الورد، وما أشبه ذلك ممّا كان الأصل فيه دهن الشّيرج ولا يجوز بيع السّمسم بالشّيرج، ولا الكتّان بدهنه، بل أن يقوّم كلّ واحد منهما على انفراده.

ولا يجوز بيع البسر بالتّمر متفاضلا، وإن اختلف جنسه، ولا بيع نوع من تمر بأكثر منه من غير ذلك، لأن ما يكون من النّخل في حكم النّوع الواحد. وحكم الزّبيب وتحريم التّفاضل فيه، وإن اختلف جنسه، مثل التّمر سواء، لأنّ جميعه في حكم الجنس الواحد. ولا يجوز بيع الدّبس المعمول من التّمر بالتّمر متفاضلا. ولا بأس ببيعه مثلا بمثل يدا، ولا يجوز نسيئة.

ولا بأس ببيع التّمر بالزّبيب متفاضلا نقدا، ولا يجوز نسيئة. وكذلك لا بأس ببيع الزّبيب بالدّبس المعمول من التّمر متفاضلا، ولا يجوز بيعه بما يعمل من الزّبيب من الدّبوس متفاضلا لا نقدا ولا نسيئة.

ولا يجوز بيع العنب بالزّبيب إلّا مثلا بمثل، وتجنّبه أفضل. والعصير والبختج لا يجوز التّفاضل فيهما. ويجوز بيع ذلك مثلا بمثل يدا، ولا يجوز نسيئة.

وما يباع بالعدد فلا بأس بالتّفاضل فيه يدا بيد، والجنس

٣٧٩

واحد، ولا يجوز ذلك نسيئة، مثل البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين والحلّة بالحلّتين وما أشبه ذلك مما قد بيّنّاه فيما مضى.

باب الصرف وأحكامه

قد بيّنّا أنّه لا يجوز بيع درهم بدرهمين لا نقدا ولا نسيئة ولا بيع درهم بدرهم نسيئة، ولا بأس بذلك نقدا. وكذلك لا يجوز بيع دينار بدينارين لا نقدا ولا نسيئة، ولا بيع دينار بدينار نسيئة. ولا بأس بذلك نقدا. ولا بأس ببيع دينار بدراهم نقدا، ولا يجوز ذلك نسيئة. وإذا كان للإنسان على غيره دراهم جاز له أن يأخذ بها دنانير وكذلك إن كان له دنانير فيأخذ بها دراهم، لم يكن به بأس. فإن كان له دنانير، وأخذ الدّراهم، ثمَّ تغيرت الأسعار، كان له سعر يوم قبض الدّراهم من الذي كان له عليه المال.

وإذا كان لإنسان على صيرفيّ دراهم أو دنانير، فيقول له: حوّل الدّنانير إلى الدّراهم أو الدّراهم إلى الدّنانير، وساعره على ذلك، كان ذلك جائزا، وإن لم يوازنه في الحال، ولا يناقده، لأن النقدين جميعا من عنده. وإذا أخذ إنسان من غيره دراهم وأعطاه الدّنانير أكثر من قيمة الدّراهم، أو أخذ منه الدّنانير وأعطاه الدّراهم مثل ما له أو أكثر من ذلك،

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793