النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225308 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وإذا اشترى إنسان من غيره شيئا من القصب أطنانا معروفة ولم يتسلّمها، غير أنّه شاهدها، فهلك القصب قبل أن يقبض، كان من مال البائع دون المبتاع، لأنّ الذي اشتري منه في ذمّته. ولا يجوز بيع ما في الآجام من السّمك، لأنّ ذلك مجهول. فإن كان فيها شي‌ء من القصب، فاشتراه واشترى معه ما فيها من السّموك، لم يكن به بأس. وكذلك إن أخذ شيئا من السّمك، وباعه إيّاه مع ما في الاحمة، كان البيع ماضيا. ولا بأس أن يندر لظروف السّمن والزّيت وغيرهما شيئا معلوما، إذا كان ذلك معتادا بين التّجار، ويكون ممّا يزيد تارة وينقص أخرى، ولا يكون ممّا يزيد ولا ينقص. فإن كان ممّا يزيد ولا ينقص، لم يجز ذلك على حال.

ومن وجد عنده سرقة، كان غارما لها إلى أن يأتي ببيّنة أنّه اشتراها. ومتى اشتراها مع العلم بأنّها سرقة، كان لصاحب السّرقة أخذها، ولم يكن له الرّجوع على البائع بالثّمن. فإن لم يعلم أنّها سرقة، كان له الرّجوع على بائعها إذا كان موجودا. فإن كان قد مات، رجع على ورثته بالثّمن. ولا يجوز أن يشتري من الظالم شيئا يعلم أنّه ظلم بعينه. ولا بأس أن يشتري منه إذا لم يعلم كذلك، وإن علم أن بايعه ظالم. وتجنّب ذلك أفضل. ولا بأس بشراء ما يأخذ السّلطان من الغلّات والثّمرات والأنعام على جهة الخراج والزّكاة، وإن كان الأخذ له غير مستحقّ لذلك.

٤٠١

ومن غصب غيره متاعا، وباعه من غيره، ثمَّ وجده صاحب المتاع عند المشتري، كان له انتزاعه من يده. فإن لم يجده، حتّى هلك في يد المبتاع، رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إيّاه، إلّا أن يكون المشتري علم أنّه مغصوب واشتراه، فيلزمه قيمته لصاحبه، ولا درك له على الغاصب فيما غرمه لصاحب المتاع. فإن اختلف في قيمة المتاع، كان القول قول صاحبه مع يمينه بالله تعالى. ومتى أمضى المغصوب منه البيع، لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع، وكان له الرّجوع على الغاصب بما قبضه من الثّمن فيه.

ومن ابتاع بيعا فاسدا، فهلك المبيع في يده، أو حدث فيه فساد، كان ضامنا لقيمته في هلاكه، ولأرش ما نقص من قيمته بفساده.

ولا بأس أن يشترط الإنسان على البائع فيما يشتريه منه شيئا ما أفعاله: مثل أن يشتري ثوبا على أن يقصره أو يخيطه أو يصبغه وما أشبه ذلك، وكان البيع ماضيا، ويلزمه ما شرط له. ولا يجوز له أن يشرط ما ليس في مقدوره: مثل أن يبيع الزّرع على أن يجعله سنبلا والرّطب على أن يجعله تمرا. فإن باع ذلك بشرط أن يدعه في الأرض أو الشّجر الى وقت ما يريد المبتاع، كان البيع صحيحا. ولا بأس أن يبيع الإنسان ثوبا ويستثني منه نصفه أو ثلثه أو ما أراد منه من الأذرع، لأنّ ذلك معلوم. ولا يجوز

٤٠٢

أن يبيع متاعا بدينار غير درهم، لأنّه مجهول.

ولا بأس ببيع الجوارح من الطّير والسّباع من الوحش. ولا يجوز بيع المسوخ منها على حال. ولا بأس ببيع عظام الفيل واتّخاذ الأمشاط منها وغيرها من الآلات. ولا بأس باستعمال ما يعمل منها. ولا يشتري الإنسان الجلود إلّا ممّن يثق من جهته أنّه لا يبيع إلّا ذكيّا. فإن اشتراها ممّن لا يثق به، فلا يجوز له بيعها على أنّها ذكيّة، بل يبيعها كما اشتراها من غير ضمان.

ولا بأس ببيع الخشب ممّن يتّخذه ملاهي، وكذلك بيع العنب ممّن يجعله خمرا، ويكون الإثم على من يجعله كذلك، واجتناب ذلك أفضل.

ويكره استعمال الصّور وشراء ما عليه التّماثيل. ولا بأس باستعماله في الفرش وما يوطأ بالأرجل. ولا بأس ببيع الحرير والدّيباج وأنواع الإبريسم. ولا يجوز لبسه للرّجال ولا الصّلاة فيه، إلّا ما كان مختلطا حسب ما بيّنّاه فيما مضى من « كتاب الصّلاة ». ولا يجوز بيع شي‌ء من الكلاب إلّا كلب الصّيد خاصّة، فإنّه لا بأس ببيعه والانتفاع بثمنه.

والمجوسيّ إذا باع ما لا يجوز للمسلم بيعه من الخمر والخنزير وغير ذلك، ثمَّ أسلم، كان له المطالبة بالثّمن، وكان حلالا له. وإذا أسلم وفي ملكه شي‌ء من ذلك، لم يجز له بيعه على حال. فإن

٤٠٣

كان عليه دين، جاز أن يتولّى بيع ذلك غيره ممّن ليس بمسلم، ويقضي بذلك دينه. ولا يجوز له أن يتولّاه بنفسه، ولا أن يتولّى عنه غيره من المسلمين.

ومن غصب غيره مالا، واشترى به جارية، كان الفرج له حلالا، وعليه وزر المال. ولا يجوز له أن يحجّ به. فإن حجّ به، لم يجزئه عن حجّة الإسلام.

وكلّ شي‌ء من المطعوم والمشروب يمكن الإنسان اختباره من غير إفساد له، كالأدهان الطّيّبة المستخبرة بالشّمّ وصنوف الطّيب والحلاوات والحموضات، فإنّه لا يجوز بيعه بغير اختبار له. فإن بيع من غير اختبار، كان البيع غير صحيح. والمتبايعان فيه بالخيار. فإن تراضيا بذلك، لم يكن به بأس.

وما لا يمكن اختباره إلّا بإفساده وإهلاكه كالبيض والبطّيخ والقثّاء والباذنجان وأشباه ذلك، فابتياعه جائز على شرط الصّحّة أو البراء من العيوب. فإن وجد فيه فاسد، كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا. وإن شاء ردّ الجميع واسترجع الثّمن وليس له ردّ المعيب دون ما سواه.

ولا بأس بابتياع الأعمى بشرط الصّحّة أو البراء من العيوب اليه. والأفضل أن يوكّل الأعمى من يشتري له ما يريد، ولا يتولّى ذلك بنفسه مع التّمكّن وحال الاختيار. وإذا ابتاع الأعمى شيئا بشرط الصّحّة، فكان معيبا، كان بالخيار في رده أو أرش

٤٠٤

العيب، إلّا أن يكون تصرّف فيه على ما بيّنّاه في « باب العيوب » وإذا ابتاع الأعمى شيئا بشرط البراء من العيوب، لم يكن له بعد ذلك ردّه ولا أرش العيب مثل البصراء سواء.

ولا بأس أن يبتاع الإنسان من غيره متاعا أو حيوانا أو غير ذلك بالنّقد والنّسيئة، ويشرط أن يسلفه البائع شيئا في مبيع، أو يستسلف منه في شي‌ء، أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل، أو يستقرض منه. وإذا ابتاع على ذلك، كان البيع صحيحا، ووجب عليهما الوفاء بما اشترطا فيه.

وإذا ابتاع الإنسان أرضا، فبنى فيها، أو غرس، وأنفق عليها، فاستحقّها عليه إنسان آخر، كان للمستحقّ الأوّل قلع البناء والغرس، ويرجع المبتاع على البائع بقيمة ما ذهب منه. فإن كان ما غرسه قد أثمر، كان ذلك لربّ الأرض، وعليه للغارس ما أنفقه وأجر مثله في عمله. فإن فسدت الأرض بالغرس، كان لربّها عليه أرش ما أفسد، ويرجع هو على البائع له بذلك.

ومن كان له على غيره مال أو متاع إلى أجل، فدفعه اليه قبل حلول الأجل، كان بالخيار بين قبضه وبين تركه الى وقت حلول الأجل، وكان ذلك في ضمان المديون عليه، وليس لأحد أن يجبره على قبضه قبل حلول أجله. وإذا كان له على غيره مال بأجل، فسأله تأخيره عنه إلى أجل ثان، فأجابه الى ذلك، كان بالخيار: إن شاء أمضى الأجل الثّاني، وإن شاء لم يمضه

٤٠٥

ومتى تقايل المتبايعان البيع، انفسخ البيع. فإن عقداه بعد الإقالة بأجل لم يكن للبائع الرّجوع فيه، ووجب عليه الوفاء به.

ولا يصحّ بيع بإكراه، ولا يثبت إلّا بإيثار صاحبه.

وإذا باع إنسان ملكا لغيره، والمالك حاضر، فسكت، ولم يطالب، ولا أنكر ذلك، لم يكن ذلك دلالة على إجازته البيع، ولا دليلا على أنّه ليس المبيع ملكا له. وكذلك، لو صالح عليه مصالح، وهو ساكت، لم يمض الصّلح عليه، وكان له المطالبة به. وبيع الأب على الابن إذا كان كبيرا غير جائز، فإن كان صغيرا، جاز بيعه عليه.

باب أجرة السمسار والدلال والناقد والمنادي

أجرة الكيّال ووزّان المتاع على البائع، لأنّ عليه توفية المتاع. وأجرة النّاقد ووزّان المال على المبتاع، لأنّ عليه توفيه المال على الكمال. ومن نصب نفسه لبيع الأمتعة، كان له أجر البيع على البائع دون المبتاع. ومن كان منتصبا للشّرى، كان أجره على المبتاع دون البائع. فإن كان ممّن يبيع ويشتري للنّاس، كان له أجره على ما يبيع من جهة البائع، وأجره على ما يشتري من جهة المبتاع.

وإذا دفع الإنسان إلى السّمسار متاعا، ولم يأمره ببيعه، فباعه، كان بالخيار بين إمضاء البيع وبين فسخه. فإن أمره ببيعه، ولم يذكر له لا نقدا ولا نسيئة، فباع نسيئة، كان صاحب

٤٠٦

السّلعة بالخيار: إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أمضاه. وكذلك إن قال له: « بعها نقدا »، فباعها نسيئة، كان أيضا بالخيار بين إمضاء البيع وبين فسخه على ما قدّمناه. فإن قال له: بعها نسيئة بدراهم معلومة، فباعها نقدا بدون ذلك، كان مخيّرا في ذلك بين إمضاء البيع وفسخه. فإن أمضى البيع، كان له مطالبة الوسيط بتمام المال. وإن باعها نقدا بأكثر ممّا سمّى له، كان ذلك لصاحب السّلعة إلّا أن يفسخ البيع لمخالفة الوسيط له وخلافه شرطه.

وإذا اختلف الواسطة وصاحب المتاع، فقال الواسطة: قلت لي: بعه بكذا وكذا، وقال صاحب المال: بل قلت: بعه بكذا وأكثر من الذي قال، ولم يكن لأحدهما بيّنة على دعواه، كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه بالله. وله أن يأخذ المتاع، إن وجده بعينه. وإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو استهلك، ضمن الواسطة من الثّمن ما حلف عليه صاحب المتاع. وكذلك الحكم إذا اختلفا في النّقد.

ومتى هلك المتاع من عند الواسطة من غير تفريط من جهته، كان من مال صاحب المتاع، ولم يلزم الواسطة شي‌ء. فإن كان هلاكه بتفريط من جهة الواسطة كان ضامنا لقيمته. فإن اختلفا في ذلك، كان على صاحب المتاع البيّنة أنّه فرّط فيه. فإن عدمها، فعلى الواسطة اليمين بأنّه لم يفرّط في ذلك.

٤٠٧

وإذا قال الإنسان لغيره: بع لي هذا المتاع، ولم يسمّ له ثمنا. فباعه بفضل من قيمته، كان البيع ماضيا، والثّمن على تمامه لصاحب المتاع. وإن باعه بأقلّ من ثمنه، كان ضامنا لتمام القيمة، حتّى يسلّمها الى صاحب المتاع على الكمال.

ولا ضمان على الواسطة فيما يغلبه عليه ظالم. والدّرك في جودة المال والمبيع على المبتاع والبائع دون الواسطة في الابتياع

باب ابتياع الحيوان وأحكامه

قد بيّنّا أنّ الشّرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام. فإن حدث في هذه الثّلاثة أيّام فيه حدث أو هلك عينه، كان من مال البائع دون المشتري، ما لم يحدث فيه المشتري حدثا. فإن أحدث فيه حدثا، كان ذلك رضا منه بالبيع، ولم يكن له بعد ذلك ردّه، إلّا أن يجد فيه عيبا يوجب الرّدّ على ما ذكرناه فيما مضى.

ولا يصحّ أن يملك الإنسان أحد والديه، ولا واحدا من أولاده ذكرا كان أو أنثى، ولا واحدة من المحرّمات عليه مثل الأخت وبناتها وبنات الأخ والعمّة والخالة. ويصحّ أن يملك من الرّجال من عدا الوالد والولد من الأخ والعمّ والخال. ومهما حصل واحدة من المحرمات اللّاتي ذكرناهنّ في ملكه، فإنّهنّ ينعتقن في الحال.

ويكره للإنسان أن يملك أحدا من ذوي أرحامه. ويستحبّ

٤٠٨

له متى ملكه أن يعتقه في الحال. وكلّ من ذكرناه ممّن لا يصحّ ملكه من جهة النّسب، فكذلك لا يصح ملكه من جهة الرضاع. ولا يصحّ أيضا أن يملك الرّجل زوجته إذا كانت أمة، ولا المرأة أن تملك زوجها. فمتى ملك واحد منهما زوجة، بطل العقد بينهما في الحال.

وكل من اشترى شيئا من الحيوان، وكان حاملا من الأناسي غيره، ولم يشرط الحمل، كان ما في بطنه للبائع دون المبتاع. فإن اشترط المبتاع ذلك كان له.

ولا يجوز ان يشتري الإنسان عبدا آبقا على الانفراد. فإن اشتراه، لم ينعقد البيع. ومتى اشتراه مع شي‌ء آخر من متاع أو، غيره، كان العقد ماضيا. ومن ابتاع عبدا أو أمة، وكان لهما مال، كان مالهما للبائع دون المبتاع. اللهمّ إلّا أن يشرط المبتاع ماله، فيكون حينئذ له دون البائع، سواء كان ما معه أكثر من ثمنه أو أقلّ منه. ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان كما يصحّ ابتياع جميعه، وكذلك يصحّ الشّركة فيه. وإذا ابتاع اثنان عبدا أو أمة، ووجدا به عيبا، وأراد أحدهما الأرش والآخر الرّدّ، لم يكن لهما إلّا واحد من الأمرين حسب ما يتراضيان عليه.

ومن اشترى جارية، لم يجز له وطؤها إلّا بعد أن يستبرئها بحيضة ان كانت ممّن تحيض. وإن كانت ممّن لا تحيض فخمسة وأربعين يوما. وإن كانت آيسة من المحيض ومثلها

٤٠٩

لا تحيض، لم يكن عليها استبراء. ويجب على البائع أن يستبرئ الأمة قبل بيعها. ومتى استبرأها، وكان عدلا مرضيّا، جاز للمبتاع أن يعوّل على قوله، ولا يستبرئها. والأحوط له استبراؤها فيما بعد.

ومن اشترى من سوق المسلمين عبدا أو أمة، فادّعيا الحرّيّة، لم يلتفت الى دعواهما إلّا ببيّنة. ولا يجوز التّفرقة بين الأطفال وأمّهاتهم إذا ملكوا حتّى يستغنوا عنهنّ. ومن اشترى جارية فأولدها، ثمَّ ظهر له أنّها كانت مغصوبة لم تكن لبائعها، كان لمالكها انتزاعها من يد المبتاع وقبض ولدها، إلّا أن يرضيه الأب بشي‌ء عن ذلك، وللمبتاع الرّجوع على البائع بما قبضه من ثمنها وغرمه ولدها.

ولا بأس ببيع أمّهات الأولاد بعد موت أولادهنّ على كلّ حال. ولا يجوز بيعهنّ مع وجود أولادهن إلّا في ثمن رقبتهنّ بأن يكون دينا على مولاها. وإذا مات السّيد وخلّف أمّ ولد وولدها وأولادا، جعلت في نصيب ولدها. فإذا حصلت من نصيبه انعتقت في الحال. وإن لم يخلّف الميّت غيرها، انعتقت بنصيب ولدها، واستسعيت فيما بقي لباقي الورثة من غيرها.

ولا بأس أن يشتري الإنسان ما يسبيه الظّالمون إذا كانوا مستحقّين للسّبي. ولا بأس بوطي من هذه صفتها، وإن كان فيها الخمس لمستحقّيه لم يصل إليهم، لأنّ ذلك قد جعلوه

٤١٠

لشيعتهم من ذلك في حلّ وسعة.

ومن قال لغيره: اشتر حيوانا بشركتي، والرّبح بيني وبينك، فاشتراه، ثمَّ هلك الحيوان، كان الثّمن بينها، كما لو زاد في ثمنه، كان أيضا بينهما على ما اشترطا عليه. فإن اشترط عليه أنّه يكون له الرّبح إن ربح، وليس عليه من الخسران شي‌ء، كان على ما اشترطا عليه.

والوصيّ والمتولّي في أموال اليتامى، لا بأس أن يبيع من مالهم العبد والأمة إذا رأى ذلك صلاحا لهم. ولا بأس لمن يشتري الجارية منه أن يطأها، ويستخدمها منه من غير حرج في ذلك.

ولا بأس بشراء المماليك من الكفّار إذا أقرّوا لهم بالعبوديّة. وإذا اشتريت مملوكا فلا ترينّ ثمنه في الميزان، لأنّه لا يفلح على ما جاء في الأخبار.

ومن اشترى من رجل عبدا، وكان عند البائع عبدان، فقال للمبتاع: اذهب بهما، فاختر أيّهما شئت، وردّ الآخر وقبض المال، فذهب بهما المشتري، فأبق أحدهما من عنده، فليردّ الذي عنده منهما، ويقبض نصف الثّمن ممّا أعطى، ويذهب في طلب الغلام: فإن وجده، اختار حينئذ أيهما شاء، وردّ النّصف الذي أخذ، وإن لم يجد، كان بينهما نصفين.

وإذا كانت الجارية بين شركاء، فتركوها عند واحد منهم، فوطئها، فإنّه يدرأ عنه من الحدّ بقدر ماله منها من

٤١١

الثّمن، ويضرب بمقدار ما لغيره من القيمة، وتقوّم الأمة قيمة عادلة، ويلزمها. فإن كانت القيمة أقلّ من الثّمن الذي اشتريت به. ألزم ثمنها الأوّل. وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه أكثر من ثمنها، ألزم ذلك الأكثر. فإن أراد واحد من الشّركاء الجارية، كان له أخذها، ولا يلزمه إلّا ثمنها الذي يسوى في الحال.

والمملوكان إذا كانا مأذونين في التّجارة، فاشترى كلّ واحد منهما صاحبه من مولاه، فكلّ من سبق منهما بالبيع، كان البيع له، وكان الآخر مملوكا له. فإن اتّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة، أقرع بينهما. فمن خرج اسمه، كان البيع له، ويكون الآخر مملوكه. وقد روي: أنّه إذا اتّفق العقدان في حالة واحدة، كانا باطلين. والأحوط ما قدّمناه وإذا قال مملوك إنسان لغيره: اشترني! فإنّك إذا اشتريتني كان لك عليّ شي‌ء معلوم، فاشتراه، فإن كان للملوك في حال ما قال ذلك له مال، لزمه أن يعطيه ما شرط له، وإن لم يكن له مال في تلك الحال، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا أراد الإنسان شراء أمة، جاز له أن ينظر إلى وجهها ومحاسنها نظرا من غير شهوة. ولا يجوز له النّظر إليها، وهو لا يريد شرائها على حال. وإن كان لإنسان جارية، فجاءت بولد من الزّنا، جاز له بيعها وبيع الولد. ويجوز له أن يحج

٤١٢

بذلك الثّمن، ويتصدّق به، وينفقه على نفسه حسب ما أراد والتّنزّه عن ذلك أفضل لي كلّ حال ويجتنب أيضا من وطي من ولد من الزّنا مخافة العار بالعقد والملك معا. فإن كان لا بدّ فاعلا، فليطأهن بالملك دون العقد، وليعزل عنهنّ.

واللّقيط لا يجوز بيعه ولا شراؤه، لأنّه حرّ حكمه حكم الأحرار.

ولا يجوز للإنسان أن يشتري شيئا من الغنم أو غيره من الحيوان من جملة القطيع بشرط أن ينتقي خيارها، لأن ذلك مجهول، بل ينبغي أن يميّز ما يريد شراءه أو يعيّنه بالصّفة وإذا اشترك نفسان في شراء إبل أو بقر أو غنم، ووزنا المال، وقال واحد منهما: إنّ لي الرّأس والجلد بمالي من الثّمن، كان ذلك باطلا، ويقسم ما اشترياه على أصل المال بالسّوية.

ومتى اشترى الإنسان حيوانا، فهلك في مدّة الثّلاثة أيّام، كان لصاحبه أن يحلّفه بالله تعالى: أنّه ما كان أحدث فيه حدثا. فإن حلف، برئ من الضّمان، وكان من مال البائع. وإن امتنع من اليمين، لزمه البيع، ووجب عليه الثّمن.

وإذا باع الإنسان بعيرا أو بقرا أو غنما، واستثنى الرّأس والجلد، كان شريكا للمبتاع بمقدار الرّأس والجلد.

وإذا اشترى الإنسان ثلاث جوار مثلا كلّ واحدة منهنّ بثمن معلوم، ثمَّ حملهنّ إلى البيع وقال له: بيع هؤلاء الجواري

٤١٣

ولك عليّ نصف الرّبح، فباع الثّنتين منها بفضل، وأحبل هو الثّالثة، لزمه أن يعطيه نصف الرّبح فيما باع، وليس عليه فيما أحبل شي‌ء من الرّبح. ومن اشترى جارية كانت سرقت من أرض الصّلح، كان له ردّها على من اشتراها منه واسترجاع ثمنها. وإن كان قد مات، فعلى ورثته. فإن لم يخلّف وارثا استسعيت الجارية في ثمنها.

ومن أعطى مملوك غيره مأذونا له في التّجارة مالا ليعتق عنه نسمة ويحجّ، فاشترى المملوك أباه، وأعتقه، وأعطاه بقيّة المال ليحجّ عن صاحب المال، ثمَّ اختلف مولى المملوك وورثة الآمر ومولى الأب الذي اشتراه منه، فكلّ واحد منهم قال: إنّ المملوك اشتري بمالي، كان الحكم يردّ المعتق على مولاه الذي كان عنده، يكون رقّا له كما كان، ثمَّ أيّ الفريقين الباقيين منهما أقام البيّنة بأنّه اشترى بماله، سلّم إليه، وإن كان المعتق قد حجّ ببقيّة المال، لم يكن إلى ردّها سبيل.

باب بيع الثمار

إذا أراد الإنسان بيع ثمرة من شجرة بعينها فلا يبعها إلّا بعد أن يبدو صلاحها إذا باعها سنة واحدة. وحدّ بدوّ صلاحها إن كان كرما أن ينعقد الحصرم، وإن كان شجر الفواكه أن ينعقد بعد ما يسقط عنه الورد، وإن كان نخلا فحين يصفرّ

٤١٤

البسر ويتلوّن. فإن باع قبل أن يبدو صلاحها، لم يكن البيع ماضيا. ومتى هلكت الثّمرة، والحال هذه، كانت من مال البائع دون مال المبتاع. ومتى باعها بعد بدوّ صلاحها ثمَّ هلكت، كان من مال المبتاع دون البائع. ومتى أراد بيع الثّمرة سنتين فصاعدا، جاز أن يبيعها وإن لم يبد صلاحها. فإن خاست في سنة، زكت في الأخرى. وإن أراد بيعها في سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها، ويكون معها شي‌ء من غلة الأرض من الخضر أو غيرها، كان أيضا جائزا. وإذا كانت الثّمرة أنواعا كثيرة، وبدا صلاح بعضها وأدرك، جاز بيع الجميع. فإن هلك منها نوع أو خاس، كان الثّمن في النوع الآخر.

ومتى باع الإنسان نخلا قد أبّر ولقّح، كانت ثمرته للبائع دون المبتاع، إلّا أن يشرط المبتاع الثّمرة. فإن شرط، كان له على ما شرط. وكذلك الحكم فيما عدا النّخل من شجرة الفواكه.

ولا يجوز بيع الخضراوات قبل أن يبدو صلاحها. ولا بأس ببيع ما يخرج حملا بعد حمل، كالباذنجان والقثّاء والخيار والبطّيخ وأشباهها. والأحوط بيع كلّ حمل منه، إذا بدا صلاحه وخرج.

ولا بأس ببيع الزّرع قصيلا، وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل. فإن لم يقطعه، كان البائع بالخيار: إن شاء قطعه، وإن شاء تركه، وكان على المبتاع خراجه. وإن اشترى الإنسان

٤١٥

نخلا على أن يقطعه أجذاعا، فتركه حتى أثمر، كانت الثّمرة له، دون صاحب الأرض. فإن كان صاحب الأرض ممّن قام بسقيه ومراعاته، كان له أجرة المثل. ولا بأس ببيع الرّطبة الجزّة والجزّتين وكذلك ورق الشّجر من التّوت والآس والحنّاء وغير ذلك. ولا بأس ببيعها خرطة وخرطتين.

ولا بأس أن يبيع الإنسان ما ابتاعه من الثّمرة بزيادة ممّا اشتراه وإن كان قائما في الشّجر. ولا يجوز بيع الثّمرة في رءوس النّخل بالتّمر كيلا ولا جزافا، وهي المزابنة التي نهى النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عنها. وكذلك لا يجوز بيع الزّرع بالحنطة من تلك الأرض لا كيلا ولا جزافا، وهي المحاقلة. فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض، لم يكن به بأس. وكذلك إن باع التّمرة بالتّمر من غير ذلك النّخل، لم يكن أيضا به بأس. ولا بأس أن يبيع الإنسان الثّمرة ويستثني منها أرطالا معلومة أو كيلا معلوما. واستثناء الرّبع أو الثّلث أو النّصف أحوط. ولا بأس أن يبيع النّخل ويستثني منه نخلة بعينها أو عددا منه مذكورا إذا خصّصه وعيّنه بالذّكر. ومتى استثنى شيئا من النّخل ولم يعيّنه بالصّفة، كان الاستثناء باطلا. ومتى اشترى الثّمرة، فهلكت، لم يكن للمبتاع رجوع على البائع. فإن كان قد استثنى من ذلك شيئا، كان له من ذلك بحسابه من غير زيادة ولا نقصان.

٤١٦

وإذا مرّ الإنسان بشي‌ء من الفواكه، جاز له أن يأكل منها مقدار كفايته من غير إفساد. ولا يجوز له أن يحمل منها شيئا معه، إلّا بإذن صاحبه.

وإذا كان بين نفسين نخل أو شجر فاكهة، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني هذا النّخل بكذا وكذا رطلا، أو خذ منّي أنت بذلك، فأيّ الأمرين فعل، كان ذلك جائزا.

باب بيع المياه والمراعي وحريم الحقوق وأحكام الأرضين وغير ذلك

إذا كان للإنسان شرب في قناة، فاستغنى عنه، جاز له أن يبيعه بذهب أو فضّة أو حنطة أو شعير أو غير ذلك. وكذلك، إن أخذ الماء من نهر عظيم في ساقية يعملها، ولزم عليها مئونة، ثمَّ استغنى عن الماء، جاز له بيعه. والأفضل أن يعطيه لمن يحتاج إليه من غير بيع عليه. وهذه هي النّطاف والأربعاء التي نهى النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عنهما. وقضى رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في سبيل وادي مهزور: أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنّخل إلى الكعب، وللزّرع إلى الشّراك، ثمَّ يرسل الماء إلى من هو دونه، ثمَّ كذلك يعمل من هو دونه مع من هو أدون منه. قال ابن أبي عمير: المهزور موضع الوادي.

٤١٧

ولا بأس أن يحمي الإنسان الحمى من المرعى والكلاء إذا كان في أرضه وسقاه بمائه. فأما غير ذلك، فلا يجوز بيعه، لأنّ النّاس كلّهم فيه شرع سواء.

وقد رخّص النّبيّ،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن تشترى العرايا بخرصها تمرا. والعرايا جمع عريّة، وهي النّخلة تكون في دار إنسان لرجل آخر، فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا، ولا يجوز ذلك في غيرها. ومن باع نخيلا فاستثنى منها نخلة معيّنة في وسطها، كان له الممرّ إليها والمخرج منها وله مدى جرائدها من الأرض.

وحدّ ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعا، وما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع، إذا كانت الأرض صلبة. فإن كانت رخوة فألف ذراع. والطّريق إذا تشاح عليه أهله، فحدّه سبع أذرع.

وإذا كان للإنسان رحا على نهر، والنّهر لغيره، وأراد صاحب النّهر أن يسوق الماء في نهر آخر إلى القرية، لم يكن له ذلك إلّا برضا صاحب الرّحا وموافقته.

والأرضون على أقسام أربعة:

قسم منها أرض الخراج. وهي كلّ أرض أخذت عنوة بالسّيف وعن قتال. فهي أرض للمسلمين قاطبة، لا يجوز

٤١٨

بيعها ولا شراؤها، والتّصرّف فيها، إلّا بإذن النّاظر في أمر المسلمين. وللنّاظر أن يقبّلها بما شاء من ثلث أو ربع أو نصف أو أقلّ أو أكثر مدّة من الزّمان. وله أن ينقل من متقبّل إلى غيره ويزيد عليه وينقص إذا مضى مدة زمان القبالة، ليس عليه اعتراض في ذلك.

ومنها أرض الصّلح. وهي أرض أهل الذّمّة يصالحهم الإمام على أن يأخذ منهم شيئا معلوما بحسب ما يراه من المصلحة قلّ ذلك أم كثر. وله أن يزيد عليهم وينقص بحسب ما يراه صلاحا. ولأرباب هذه الأرضين أن يبيعوها. ومتى باعوها انتقلت الجزية عنها إلى رءوسهم وأموالهم. وإن اشتراها مسلم، كانت ملكا له، يجوز له التّصرّف فيها كما يتصرّف في سائر الأملاك. وليس عليه فيها أكثر من الزّكاة: العشر أو نصف العشر، حسب ما قدّمناه فيما مضى من الكتاب.

ومنها أرض من أسلم عليها طوعا، فهم أملك بها، وكانت ملكا لهم. وليس عليهم أكثر من الزّكاة: العشر أو نصف العشر. ويجوز لهم بيعها وهبتها ووقفها والبناء فيها حسب ما يريدون من أنواع التصرف.

ومنها أرض الأنفال، وهي كلّ أرض انجلى أهلها عنها من غير قتال، والأرضون الموات ورءوس الجبال والآجام والمعادن وقطائع الملوك. وهذه كلّها خاصّة للإمام، يقبّلها من شاء بما

٤١٩

أراد، ويهبها ويبيعها إن شاء حسب ما أراد.

ومن أحيا أرضا ميتا، كان أملك بالتصرّف فيها من غيره. فإن كانت الأرض لها مالك معروف كان عليه أن يعطي صاحب الأرض طسق الأرض، وليس للمالك انتزاعها من يده ما دام هو راغبا فيها. وإن لم يكن لها مالك، وكانت للإمام، وجب على من أحياها أن يؤدّي إلى الإمام طسقها، ولا يجوز للإمام انتزاعها من يده إلى غيره، إلّا أن لا يقوم بعمارتها كما يقوم غيره أو لا يقبل عليها ما يقبله الغير.

ومتى أراد المحيي لأرض من هذا الجنس الذي ذكرناه، أن يبيع شيئا منها، لم يكن له أن يبيع رقبة الأرض، وجاز له أن يبيع ما له من التّصرّف فيها. وإذا اشترى الإنسان من غيره جربانا معلومة من الأرض، ووزن الثّمن، ثمَّ مسح الأرض، فنقص عن المقدار الذي اشتراه، كان بالخيار: بين ان يردّ الأرض ويسترجع الثّمن بالكليّة، وبين أن يطالب بردّ ثمن ما نقص من الأرض. وإن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض وجب عليه أن يوفّيه تمام ما باعه إيّاه.

١ ـ وكتب محمّد بن الحسن الصّفار الى أبي محمد العسكريّ،عليه‌السلام : رجل اشترى من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه، وفوقه بيت آخر، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل، أم لا؟ فوقّععليه‌السلام : ليس له

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793