النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225250 / تحميل: 6342
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بالقطن. وكلّما وضع عليه القطن عصبه، وكذلك موضع الرأس، يجعل له من القطن شي‌ء كثير. وإن كان الرّأس قد بان من الجسد وهو معه، يغسل الرّأس إذا غسل اليدان وسفله، بدئ بالرأس ثمَّ بالجسد ويوضع القطن فوق الرقبة ويضمّ إليه الرّأس ويجعل في الكفن. وكذلك إذا أنزل إلى القبر يتناول مع الجسد فيدخل اللّحد ويوجّه إلى القبلة.

وإن كان الميّت محرما، غسل كما يغسل المحلّ، ويكفّن كتكفينه، غير أنه لا يقرّب شيئا من الكافور. وإن كان الميّت صبيا غسل كتغسيل الرجال ويكفّن ويحنّط كتكفينهم وتحنيطهم. وإن كان لم يبلغ ستّ سنين صلّي عليه تقية. وإن بلغ ذلك أو زاد عليه، صلّي عليه على كل حال. وإن كان الصّبيّ ابن ثلاث سنين أو أقلّ من ذلك، فلا بأس أن تغسله النساء عند عدم الرّجل مجرّدا من ثيابه. وإن كان سقطا وقد بلغ أربعة أشهر أو ما زاد عليه، غسل وكفّن وحنّط. وإن كان لأقلّ من ذلك، دفن كما هو بدمه.

وغسل المرأة كغسل الرجال سواء، وتكفينها كتكفينهم، إلّا أنّ المرأة تزاد لفافتين أو لفافة ونمطا. ويستحبّ أن تزاد خرقة يشدّ بها ثدياها الى صدرها. ويكثر من القطن لقبلها. وإذا أريد دفنها، جعل سريرها قدّام القبر، وتؤخذ إلى القبر عرضا. ويأخذها من قبل وركيها زوجها أو أحد من ذوي أرحامها.

٤١

ولا يتولّى ذلك أجنبيّ إلّا عند الضرورة. وإن كانت نفساء أو حائضا، غسلت كغسلها طاهرا. وإن كانت حبلى، لا يغمز بطنها في الغسلات، ويعمل بها فيما سوى ذلك ما يعمل بغيرها. وإن كانت صبية لها ثلاث سنين أو دونها، جاز للرّجال تغسيلها عند عدم النساء. فإن زادت على ذلك، لم يجز ذلك على حال. وإن مات الصبيّ معها في بطنها، دفن معها. وإن كانت ذمية، دفنت في مقابر المسلمين لحرمة ولدها إذا كان من مسلم. وإذا ماتت المرأة ولم يمت ولدها، شقّ بطنها من الجانب الأيسر، وأخرج الولد وخيط الموضع، وغسلت ودفنت. فإن مات الولد في بطنها، ولم تمت هي ولم يخرج منها، أدخلت القابلة أو من يقوم مقامها يدها في فرجها، فقطع الصبيّ وأخرجه قطعة قطعة، وغسل وحنّط وكفّن ودفن.

وإذا مات رجل مسلم بين رجال كفار ونساء مسلمات لا ذات رحم له فيهنّ، أمر بعض النّساء رجالا من الكفّار بالاغتسال، ثمَّ تعلّمهم تغسيل أهل الإسلام ليغسلوه كذلك. وإن مات بين نساء مسلمات ورجال كفار، وكان له فيهنّ محرم من زوجة أو غيرها من ذوي الأرحام، غسلنه من وراء الثياب، ولا يجرّدنه من ثيابه. وإن لم يكن له فيهنّ محرم ولا معهنّ رجال مسلمون ولا كفار، دفنه بثياب ولم يغسّله على حال. وإن ماتت امرأة بين رجال مسلمين لا ذا رحم لها فيهم ولا زوج، ونساء

٤٢

كافرات، أمر بعض الرجال نساء كافرات بالاغتسال وتغسيلها غسل أهل الإسلام. فإن ماتت بين رجال مسلمين ونساء كافرات، وكان لها فيهم ذو رحم أو زوج، غسلوها من وراء ثيابها ولم تقربها كافرة. وإن لم يكن فيهم ذو رحم ولا زوج ولا معهم نساء أصلا، دفنوها بثيابها من غير تغسيل. وقد روي انهم يغسلون منها محاسنها يديها ووجهها ثمَّ يدفنونها. فمن عمل على هذه الرواية لم يكن عليه بأس.

ولا يقصّ شي‌ء من شعر الميّت ولا من ظفره ولا يسرّح رأسه ولا لحيته. فإن سقط منه شي‌ء جعل معه في أكفانه.

وإذا خرج من الميّت شي‌ء من النجاسة بعد الفراغ من غسله، غسل منه، ولم يجب عليه إعادة الغسل. فإن أصاب ذلك كفنه، قرض الموضع منه بالمقراض.

والجريدة توضع مع جميع الأموات من الرجال والنّساء والصبيان والأطفال مع التمكن. فإن كانت الحال حال التقية ولم يتمكّن من وضعها مع الكفن، طرحت في القبر. فإن لم يمكن ذلك، ترك بغير جريدة. ولا ينبغي للمؤمن ان يغسل أهل الخلاف. فإن اضطرّ، غسله غسل أهل الخلاف، ولم يجعل معه الجريدة على حال.

والميّت إذا لم يوجد له كافور ولا سدر، فلا بأس أن يغسل بالماء القراح ويقتصر عليه.

٤٣

وإذا مات الميت في مركب في البحر، ولم يقدر على الشطّ لدفنه، غسل وحنّط وكفّن وصلّي عليه، ثمَّ نقل وطرح في البحر ليرسب الى قرار الماء.

ولا يجوز حمل ميّتين على جنازة واحدة مع الاختيار، لأنّ ذلك بدعة.

ويستحبّ أن يكون حفر القبر قدر قامة، أو إلى الترقوة. واللّحد ينبغي أن يكون واسعا مقدار ما يتمكّن الرجل فيه من الجلوس. ولا بأس بالاقتصار على الشّق، وإن لم يجعل هناك اللّحد. وإذا كان القبر نديا، فلا بأس أن يفرش بالساج.

ويكره نقل الميّت من الموضع الذي مات فيه إلى بلد آخر إلّا إذا نقل إلى واحد من المشاهد، فإن ذلك مستحب له. فاذا دفن في موضع، فلا يجوز نقله وتحويله من موضعه. وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمّة، سمعناها مذاكرة، والأصل ما ذكرناه.

ولا يترك المصلوب على خشبة أكثر من ثلاثة أيام، ثمَّ ينزل بعد ذلك ويوارى في التراب.

ويكره تجصيص القبور والتظليل عليها والمقام عندها وتجديدها بعد اندراسها. ولا بأس بتطيينها ابتداء.

ويكره أن يحفر قبر مع العلم به، فيدفن فيه ميت آخر، إلّا عند الضرورة إليه.

٤٤

والكفن يؤخذ من نفس التّركة قبل قسمة الميراث وقضاء الدّيون والوصايا، ثمَّ يتبع ذلك بقضاء الدّيون ثمَّ الوصايا ثمَّ الميراث. وإن كان الميّت امرأة، لزم زوجها أكفانها، ولا يلزم ذلك في مالها على حال.

باب التيمم وأحكامه

التيمّم على ضربين: تيمّم هو بدل من الوضوء، وتيمّم هو بدل من الغسل المفروض. ويحتاج فيه إلى العلم بخمسة أشياء!

أوّلها: من يجب عليه التيمّم وما يتبعه من أحكامه.

والثّاني: متى يجب عليه التّيمّم وما يلزمه من أحكامه.

والثّالث: ما يجوز أن يتيمّم به وما لا يجوز.

والرّابع: كيفيّة التّيمّم.

والخامس: ما ينقض التّيمّم.

امّا الذي يجب عليه التّيمّم، فكلّ من عدم الماء من المكلّفين للصّلاة، أو وجده غير أنّه لا يتمكّن من استعماله من برد شديد، أو مشقّة عظيمة تلحقه، أو مرض يخافه، أو لا يكون معه ما يتوصّل به إلى الماء من آلة ذلك أو ثمنه، أو يحول بينه وبين الماء حائل من عدوّ أو سبع أو غير ذلك. فمتى لم يكن شي‌ء ممّا ذكرناه، لم يجز له التّيمّم.

فان وجد الماء بالثّمن، وجب عليه شراؤه. فلا يجوز له

٤٥

التّيمّم، الّا أن يبلغ ثمنه مقدارا يضرّ به في الحال. فان كان معه ماء يسير يحتاج اليه للشّرب، وجب عليه التّيمّم. وكذلك إن كان معه من الماء ما لا يكفيه لطهارته، وجب عليه التّيمّم.

فاذا وجد الماء وجب عليه الطهارة. وليس عليه إعادة شي‌ء من الصّلاة الّتي صلّاها بذلك التّيمّم.

فان كان مريضا وجب عليه التّيمّم والصّلاة به. وليس عليه إعادة شي‌ء من صلاته التي صلاها بتيمّمه.

فان خاف البرد العظيم في سفر وحضر، وجب عليه التّيمّم والصّلاة، وليس عليه إعادة شي‌ء ممّا يصلّي بتيمّمه. فان كان هذا الّذي يخاف البرد يتيمّم، وكان تيمّمه بدلا من الغسل امّا من الاحتلام أو مسّ الأموات أو الحائض أو المستحاضة أو النّفساء، وجب عليه التّيمّم والصّلاة. وليس عليه إعادة شي‌ء من صلاته التي يصلّيها بذلك التّيمّم. فان كان غسله من الجنابة التي تعمّدها، وجب عليه الغسل، وان لحقه برد، إلّا أن يبلغ ذلك حدّا يخاف على نفسه التّلف، فإنّه يجب عليه حينئذ التّيمّم والصّلاة. فإذا زال الخوف، وجب عليه الغسل وإعادة تلك الصّلاة.

وإذا مات الميّت ولم يوجد الماء لغسله، أو وجد غير أنّه لا يمكن الحيّ استعماله لأحد الأسباب التي ذكرناها، وجب ان ان يتيمّم. فإذا تيمّم، كفّن وصلّي عليه ودفن. ويجب على من تيمّمه التّيمّم. فإذا زال عنه المانع، وجب عليه الاغتسال.

٤٦

والمجروح وصاحب القروح والمكسور والمجدور، إذا خافوا على نفوسهم استعمال الماء، وجب عليهم التيمّم عند حضور الصّلاة. وإذا حصل الإنسان يوم الجمعة في المسجد الجامع، فأحدث ما ينقض الوضوء، ولم يتمكّن من الخروج، فليتيمّم، وليصلّ. فإذا انصرف، توضّأ وأعاد الصّلاة.

وإذا احتلم الإنسان في المسجد الحرام أو مسجد الرّسول فلا يجوز له ان يخرج منهما الّا بعد أن يتيمّم. ولا بأس بترك ذلك في غيرهما من المساجد.

وإذا حصل الإنسان في أرض ثلج، ولا يقدر على الماء ولا على التّراب، فليضع يديه جميعا على الثلج باعتماد حتّى تنتديا، ثمَّ يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه الى محادر شعر ذقنه مثل الدّهن، ثمَّ يضع يده اليسرى على الثّلج كما وصفناه، ويمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثمَّ يضع يده اليمنى على الثّلج مثل ذلك، ويمسح بها يده اليسرى من المرفق إلى أطراف الأصابع، ويمسح بباقي نداوتهما رأسه وقدميه. وان كان قد وجب عليه الغسل، فعل بجميع بدنه مثل ذلك. فإن خاف على نفسه من البرد، أخّر الصّلاة إلى ان يجد الماء فيغتسل، أو التّراب فيتيمّم.

والتّيمّم يجب آخر الوقت الى تضيّقه. فلا يجوز التّيمّم قبل دخول وقت الصّلاة ولا بعد دخوله في أوّل وقت. فمن تيمّم

٤٧

قبل دخول الوقت أو بعد دخوله قبل آخر الوقت، وجب عليه إعادة التيمّم، ولم يجز له أن يستبيح بذلك التّيمّم والصّلاة، فإن صلّى بتيمّمه ذلك، وجب عليه إعادة الصلاة بتيمّم مستأنف أو طهارة إن كان قد وجد الماء.

ولا يجوز له التّيمّم في آخر الوقت لا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه ويساره مقدار رمية سهم أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف. فإن خاف، لم يجب أن يتعدّى المكان الذي هو فيه.

فمتى لم يطلب الماء وتيمّم وصلّى، وجب عليه إعادة الصّلاة فإن نسي الماء في رحله، وقد تيمّم وصلّى، ثمَّ علم بعد ذلك، والوقت باق، وجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة.

فإن وجد الماء، وقد دخل في الصّلاة وركع، لم يجب عليه الانصراف، بل يجب عليه المضيّ فيها. فإذا فرغ منها، توضّأ لما يستأنف من الصّلاة. فإن وجد الماء قبل الرّكوع، وجب عليه الانصراف والتوضّؤ واستقبال الصّلاة.

فإن أحدث في الصّلاة حدثا ينقض الطّهارة ناسيا، وجب عليه الطهارة والبناء على ما انتهى اليه من الصّلاة ما لم يستدبر القبلة أو يتكلّم بما يفسد الصّلاة. وان كان حدثه متعمّدا، وجب عليه الطّهارة واستيناف الصّلاة.

وامّا الذي يتيمّم به، فهو الصّعيد الطيب الذي ذكره الله في كتابه جلّ ذكره وهو التّراب الطّاهر. ويستحبّ أن يكون ذلك

٤٨

من ربا الأرض وعواليها. ولا يكون ذلك من مهابطها. فإن تيمّم من مهابط الأرض وكان الموضع طاهرا، لم يكن به بأس. ولا بأس بالتّيمّم بالأحجار ولا بالأرض الجصّيّة، ولا بأرض النّورة، إذا لم يقدر على التّراب.

فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها ولا صخر، وكانت معه دابة، فلينفض عرفها أو لبد سرجها، ويتيمّم بغبرته. فإن لم يكن معه دابّة وكان معه ثوب، تيمّم منه. فإن لم يكن معه شي‌ء من ذلك، وضع يده جميعا على الوحل، ويمسح إحديهما بالأخرى، وينقضهما حتّى يزول عنهما الوحل، ثمَّ يتيمّم ولا يجوز التّيمّم بما لا يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق سوى ما ذكرناه. ولا يجوز التّيمّم من المعادن كلّها. ولا يجوز التّيمّم بالرّماد ولا بالأشنان، ولا بالدّقيق، ولا بما أشبهه في نعومته وانسحاقه، ولا بالزّرنيخ. ويكره التّيمّم من الأرض الرّملة. وكذلك يكره من الأرض السّبخة.

فإذا أراد التيمم، فليضع يديه جميعا مفرّجا أصابعه على التراب، وينفضهما، ثمَّ يمسح إحديهما على الأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه الى طرف أنفه، ثمَّ يضع كفّه اليسرى على ظهر كفّه اليمنى فيمسحهما من الزّند إلى أطراف الإصبع مرة واحدة.

هذا إذا كان تيمّمه بدلا من الوضوء. فإن كان بدلا من

٤٩

الغسل، ضرب بيده على الأرض مرتين: مرة للوجه يمسح بهما على ما وصفناه، ومرة لليدين على ما بيناه.

والتيمّم يكون بعد الفراغ من الاستنجاء إما بالأحجاز أو بالخزف أو ما أشبههما. ولا يترك الاستنجاء على حال. وكذلك إن كان تيمّمه بدلا من غسل الجنابة، وجب عليه أن يستبرئ نفسه بالبول ويتنشّف، ثمَّ يتيمّم بعد ذلك.

وإذا تيمّم على ما وصفناه، جاز له أن يؤدّي به صلوات اللّيل والنّهار ما لم ينقض تيمّمه. وإن تيمّم لكلّ صلاة، كان أفضل.

والترتيب واجب في التيمم كوجوبه في الطّهارة. فإن قدّم مسح اليدين، وجب عليه مسح الوجه ثمَّ مسح اليدين.

وكلّ ما ينقض الوضوء. فإن ينقض التيمم، وينقضه زائدا على ذلك وجود الماء مع التمكّن من استعماله. فإن وجد الماء منه ولم يتطهّر، ثمَّ عدمه ودخل وقت صلاة أخرى، وجب عليه إعادة التيمم. فإن أحدث المتيمّم من الجنابة حدثا ينقض الوضوء وكان معه من الماء مقدار ما يكفيه للوضوء دون الغسل، وجب عليه استيناف التيمم دون الوضوء.

وإذا اجتمع ميّت ومحدث وجنب، ومعهم من الماء مقدار ما يكفي أحدهم، فليغتسل الجنب وليتيمّم المحدث، ويدفن الميت بعد أن ييمم حسب ما قدمناه. ويكره أن يؤمّ المتيمّم المتوضّين ولا بأس أن يأتمّ بهم. وكذلك لا بأس أن يؤمّ المتيمّم المتيمّمين،

٥٠

وأن يأتمّ بهم على كل حال.

باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني

إذا أصاب ثوب الإنسان أو جسده بول أو غائط أو منيّ، وجب إزالته، قليلا كان ما أصابه أو كثيرا، وكذلك أبوال كلّ شي‌ء يجب إزالتها سوى أبوال ما يؤكل لحمه، وكذلك حكم الأرواث. فأما أبوال الحمير والبغال والخيول وأرواثها، فإنه يجب إزالتها. ولا بأس بذرق كلّ شي‌ء من الطيور مما أكل لحمه، وكذلك أبوالها، سوى ذرق الدّجاج خاصة، فإنه يجب إزالته على كلّ حال. فأما ما لا يؤكل لحمه فإنه يجب إزالة بوله وروثه وذرقه عن الثّياب والبدن معا.

ومتى أصاب ثوب الإنسان أو بدنه شي‌ء من الخمر أو الشراب المسكر أو الفقّاع قليلا كان أو كثيرا، فإنه يجب إزالته عن الثوب والبدن معا.

وإن أصاب الثوب دم وكان دم حيض أو استحاضة أو نفاس وجب إزالته قليلا أو كثيرا. فإن بقي له أثر، يستحبّ أن يصبغ بشي‌ء من الأصباغ يذهب أثره. وإن كان دم سمك أو بثور أو قروح دامية أو جراح لازمة أو دم براغيث، فإنه لا يجب ازالته قليلا كان أو كثيرا. وإن كان دم رعاف أو فصد أو غيرهما من الدّماء. وكان دون مقدار الدرهم مجتمعا في مكان، فإنه

٥١

لا يجب إزالته إلّا أن يتفاحش ويكثر. فإن بلغ مقدار الدرهم فصاعدا، وجبت إزالته.

وكلّ هذه النجاسات التي ذكرناها، فإنه يجب إزالتها بالماء المطلق، ولا يجوز بغيره. فإن أزيل بغيره، لم تجز الصلاة في ذلك الثوب.

ومتى حصل في الثوب شي‌ء من النجاسات التي يجب إزالتها، وجب غسل الموضع الذي أصابته. وإن لم يتيقّن الموضع، وكان حصول النجاسة فيه معلوما، وجب غسل الثّوب كلّه. وإن كان حصولها مشكوكا فيه، فإنه يستحبّ أن يرشّ الثوب بالماء.

ومتى صلّى الإنسان في ثوب فيه نجاسة مع العلم بذلك، وجب عليه إعادة الصلاة. فإن كان علم بحصول النجاسة في الثوب، فلم يزله ونسي، ثمَّ صلّى في الثوب، ثمَّ ذكر بعد ذلك، وجب عليه إعادة الصلاة، فإن لم يعلم حصولها في الثوب وصلّى، ثمَّ علم أنه كان فيه نجاسة: لم يلزمه إعادة الصلاة.

وإذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وكان رطبا، وجب غسل الموضع الذي أصابه. فإن لم يتعيّن الموضع، وجب غسل الثوب كلّه. وإن كان يابسا، وجب أن يرشّ الموضع بعينه. فإن لم يتعيّن رشّ الثوب كلّه. وكذلك إن مسّ الإنسان بيده أحد ما ذكرناه، أو صافح ذميا أو ناصبا معلنا بعداوة آل محمد، وجب عليه غسل

٥٢

يده إن كان رطبا. وإن كان يابسا، مسحها بالتراب.

وإذا أصاب ثوب الإنسان ميت من الناس بعد برده وقبل تطهيره بالغسل أو غيره من الأموات، وجب عليه غسل الموضع الذي أصابه. فإن لم يتعيّن الموضع، وجب غسل الثوب كلّه. وإن مسّ الإنسان بيده ميتا من الناس بعد البرد بالموت، أو مس قطعة فيها عظم، أو مسّ ما قطع من حيّ وفيها عظم: وجب عليه الغسل حسب ما قدّمناه. وإن كان بعد الغسل أو قبل برده، لم يجب عليه الغسل، وان كان ما مسه من القطعة الميتة لا عظم فيه، لم يجب عليه الغسل، ولكن يجب غسل يده. وإن كان الميت من غير الناس، وجب عليه غسل ما مسه به.

ولا بأس بعرق الجنب والحائض في الثّوب، واجتنابه أفضل، اللهمّ إلا أن تكون الجنابة من حرام، فإنّه يجب عليه غسل الثّوب، إذا عرق فيه. وإذا أصاب الثّوب عرق الإبل الجلّالة، وجب عليه إزالته.

ومتى أصاب الأواني شي‌ء من هذه النّجاسات، وجب غسلها حسب ما قدّمناه. وتغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات: أولاهنّ بالتّراب. وإن أصابها خمر أو شي‌ء من الشّراب المسكر، وجب غسلها سبع مرّات.

وإذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية بول، وطلعت الشّمس عليه وجفّفته، فإنّه لا بأس بالصّلاة عليه وبالسّجود. وإن

٥٣

كان قد جفّفته غير الشمس، لم يجز عليه السّجود، وجاز الوقوف عليه. وكذلك حكم الفراش إذا أصابته نجاسة، لم يكن بالوقوف عليه بأس في حال الصلاة، اللهمّ إلّا أن تكون النجاسة رطبة تتعدّى إلى الثوب، فإنه لا يجوز الوقوف عليه.

وإذا أصاب ثوب الإنسان أو بدنه مذي أو وذي، لم يجب إزالته. فإن أزاله، كان أفضل. والقي‌ء إذا أصاب الثوب أو البدن، لم يكن بالصّلاة فيه بأس.

وإذا أصاب خفّ الإنسان أو جوربه أو تكّته أو قلنسوته أو ما لا تتمّ الصّلاة فيه مفردا، شي‌ء من النّجاسة، فإنّه لا بأس بالصّلاة فيه وإن لم يزله. فإن أزاله، كان أفضل.

وكلّ ما ليس له نفس سائلة من الأموات، فإنّه لا ينجّس الثّوب ولا البدن ولا الشّراب والماء إذا وقع فيه سوى الوزغ والعقرب اللذين استثنيناهما فيما مضى.

وإذا أصاب ثوب الإنسان طين الطريق فلا بأس بالصّلاة فيه ما لم يعلم فيه نجاسة. فإذا أتي عليه ثلاثة أيّام. يستحبّ إزالته على كلّ حال.

وإذا أصاب ثوب الإنسان ماء المطر وقد خالطه شي‌ء من النجاسات، فلا بأس بالصّلاة فيه، ما لم يغلب النّجاسة على الماء. فإذا غلبت عليه، وجب إزالته على كلّ حال. وإذا رجع على ثوب الإنسان أو بدنه من الماء الذي يستنجى به أو يغتسل به من

٥٤

الجنابة، فإنّه لا بأس بالصّلاة فيه. فإن وقع الماء على نجاسة ظاهرة ثمَّ رجع على الثوب أو البدن، وجب إزالته.

وإذا كان مع الإنسان ثوبان، وحصلت في واحد منها نجاسة، ولم يعلمه بعينه، وجب عليه غسلهما معا. فإن لم يقدر على الماء صلّى في كلّ واحد منهما على الانفراد. وإن كان معه ثوب واحد، وأصابته نجاسة، ولم يقدر على الماء، وجب عليه نزعه، وإن يصلّي عريانا. فإن لم يتمكّن من نزعه، صلّى فيه. فإذا تمكّن من نزعه أو غسله، نزعه أو غسله وأعاد الصّلاة.

وإذا أصاب الثوب بول الخفّاش، وجب غسل الموضع الذي أصابه. فإن لم يعرفه بعينه، غسل الثّوب كلّه. والمرأة المربّية للصّبيّ إذا كان عليها ثوب لا تملك غيره، وتصيبه النجاسة في كلّ وقت، ولا يمكنها التحرّز من ذلك، ولا تقدر على غسله في كلّ حال، فلتغسل ثوبها في كلّ يوم مرّة واحدة، وتصلّي فيه، وليس عليها شي‌ء.

وبول الصّبيّ قبل أن يطعم، لا يجب غسل الثّوب منه، بل يصبّ الماء عليه صبّا. وبول الصّبية يجب غسله على كلّ حال

٥٥

كتاب الصلاة

العلم بالصّلاة علم بفرائضها وسننها. وهو ينقسم قسمين: قسم يتقدّم حال الصّلاة، وقسم يقارن حال الصّلاة.

فأمّا الذي يتقدّم حال الصّلاة، فخمسة أشياء: أربعة منها يشتمل على المفروض والمسنون، والخامس مسنون ليس بمفروض.

فالأوّل منها العلم بالطّهارة وأحكامها. والثاني العلم بأعداد الصّلاة. والثالث العلم بأوقات الصّلاة. والرابع العلم بالقبلة وأحكامها. والقسم الخامس معرفة الأذان والإقامة وأحكامها.

وأمّا العلم بالطّهارة فقد قدّمناه مستوفى. وما بقي من الأقسام الأخر، فنحن نفرد لكلّ قسم منها بابا، ونذكر ما فيه مستوفى، ونفرّق بين المفروض منه والمسنون، ثمَّ نتبع ذلك بما يقارن حال الصّلاة من الفرائض والسّنن. إن شاء الله تعالى.

باب أعداد الصلاة وعدد ركعاتها من المفروض والمسنون

الصّلاة تنقسم قسمين: مفروض ومسنون. وكلّ واحد منهما ينقسم قسمين: فرائض الحضر وسننه، وفرائض السّفر وسننه.

فأمّا فرائض الحضّر فسبع عشرة ركعة: الظهر اربع ركعات

٥٦

بتشهّدين: أحدهما في الثّانية بغير تسليم، والثّاني في الرّابعة بتسليم بعده. وفريضة العصر مثل ذلك. وفريضة المغرب ثلاث ركعات بتشهّدين: أحدهما في الثّانية بغير تسليم. والثّاني في الثّالثة بتسليم بعده. وفريضة العشاء الآخرة مثل فريضة الظّهر والعصر. وفريضة الغداة ركعتان بتشهّد في الثانية وتسليم بعده.

وأمّا سنن الحضر فأربع وثلاثون ركعة: ثمان ركعات بعد زوال الشّمس قبل الفريضة، وثمان ركعات بعد الفريضة قبل فريضة العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة، وإحدى عشرة ركعة صلاة اللّيل، وركعتان صلاة الفجر بتشهّد في كلّ ركعتين من من هذه النوافل كلّها وتسليم بعده.

وأمّا فرائض السفر فإحدى عشرة ركعة: الظهر ركعتان بتشهّد في الثانية وتسليم بعده، وكذلك العصر. والمغرب ثلاث ركعات كحالها في الحضر. والعشاء الآخرة ركعتان كالظهر والعصر. وركعتان صلاة الغداة كحالها في الحضر.

وأمّا سنن السّفر فسبع عشرة ركعة: أربع ركعات بعد المغرب كحالها في الحضر، وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل وركعتا صلاة الفجر. فهذه سبع عشرة ركعة. ويجوز أن يصلّي الركعتين من جلوس الّتي يصلّيهما في الحضر بعد العشاء الآخرة. فإن لم يفعلها، لم يكن به بأس.

٥٧

باب أوقات الصلاة

اعلم أن لكلّ صلاة من الصّلوات المفروضة وقتين: أوّلا وآخرا. فالوقت الأول وقت من لا عذر له. والثّاني وقت لمن له عذر من المرض أو السّفر أو غير ذلك. ولا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخّر الصّلاة من أوّل وقتها إلى آخره مع الاختيار. فإن أخّرها كان مخطئا مهملا لفضيلة عظيمة وإن لم يستحقّ به العقاب، لأنّ الله تبارك وتعالى قد عفا له عن ذلك. وصاحب العذر يجوز له تأخير الصّلاة إلى آخر الوقت على كل حال.

واعلم أنّ وقت صلاة الظّهر إذا زالت الشّمس. ويعلم زوالها إمّا بالأصطرلاب أو الدائرة الهنديّة أو ميزان الشّمس، أو يستقبل الإنسان القبلة ويراقب الشّمس. فإذا وجدها على حاجبه الأيمن، علم أنّ الشّمس قد زالت. فإذا عرف زوالها، وجب عليه فريضة الظهر، إذا كان ممّن لا يصلّي النّوافل. فإن كان ممّن يصلّي النّوافل، قدّمها على الفريضة من بعد الزّوال. فإذا فرغ منها، صلّى الفريضة من غير تأخير. هذا إذا كان من غير يوم الجمعة. فأمّا إذا كان يوم الجمعة، وجب عليه عند زوال الشمس الفريضة. ولا يجوز له الاشتغال بالنّافلة. ويجب عليه إمّا تقديمها قبل الزّوال أو تأخيرها إلى بعد الفراغ من فريضة العصر. وهذا الوقت الذي ذكرناه وقت من لا عذر له. فإن كان له عذر، فوقته إذا زالت الشّمس. ثمَّ هو في فسحة الى اصفرارها. وآخر وقت

٥٨

الظهر لمن لا عذر له، إذا صارت الشّمس إلى أربعة أقدام.

ووقت العصر عند الفراغ من صلاة الظّهر في يوم الجمعة، وفي غيره من الأيّام. وإن كان ممّن يصلّي النّوافل في غير يوم الجمعة صلّى بين الظهر والعصر الثماني ركعات، ثمَّ يصلّي العصر بلا فصل. هذا إذا لم يكن له عذر. فإذا كان له عذر، فهو في فسحة من هذا الوقت إلى آخر النّهار أيّ وقت شاء صلّى العصر. ولا يكون ذلك مع الاختيار.

وأوّل وقت صلاة المغرب عند غيبوبة الشّمس. وعلامته سقوط القرص. وعلامة سقوطه عدم الحمرة من جانب المشرق. وآخر وقته سقوط الشّفق، وهو الحمرة من ناحية المغرب. ولا يجوز تأخيره من أوّل الوقت إلى آخره إلّا لعذر. وقد رخّص للمسافر تأخير المغرب إلى ربع الليل.

وأوّل وقت العشاء الآخرة سقوط الشّفق، وآخره إلى ثلث الليل. ولا يجوز تأخيره إلى آخر الوقت إلّا لعذر حسب ما قدّمناه. وقد رويت رواية: أنّ آخر وقت العشاء الآخرة ممتد إلى نصف الليل. والأحوط ما قدّمناه. ويجوز تقديم العشاء الآخرة قبل سقوط الشّفق في السّفر وعند الأعذار، ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

وأوّل وقت صلاة الفجر طلوع الفجر المستطير المعترض في أفق السّماء. وهو وقت من لا عذر له. فمن كان له عذر، فهو

٥٩

وقته إلى طلوع الشّمس. فإذا طلعت، فقد فاتت الصّلاة.

ووقت نوافل الظهر من عند زوال الشّمس إلى أن يصير الفي‌ء على قدمين. فإذا صار كذلك، ولم يكن قد صلّى من النّوافل شيئا، بدأ بالفريضة أوّلا، ويؤخّر النّوافل. وإن كان قد صلّى منها ركعة أو ركعتين فليتمّمها، وليخفّف قراءتها، ثمَّ يصلّي الفرض.

وكذلك يصلّي نوافل العصر ما بين الفراغ من الظهر إلى أن يصير الفي‌ء على أربعة أقدام. فإن صار كذلك، ولم يكن قد صلّى شيئا منها، بدأ بالعصر، وأخّر النوافل. وإن كان قد صلّى منها شيئا، أتمّ ما بقي عليه، ثمَّ يصلّي العصر.

ووقت نوافل المغرب بعد الفراغ من فرضه إلى سقوط الشّفق فإن سقط ولم يكن قد صلّى النوافل، أخّرها إلى بعد العشاء الآخرة.

ووقت الركعتين من جلوس بعد العشاء الآخرة. فإن كان ممّن عليه قضاء صلاة، أخّرها إلى بعد الفراغ من القضاء، ويختم صلاته بهاتين الرّكعتين.

ووقت صلاة اللّيل بعد انتصافه إلى طلوع الفجر. وكلّما قارب الفجر، كان أفضل. فإن طلع الفجر ولم يكن قد صلّى من صلاة اللّيل شيئا، بدأ بصلاة الغداة وأخّر صلاة اللّيل. وإن كان قد صلّى من صلاة الليل عند طلوع الفجر أربع ركعات، أتمّ صلاة الليل، وخفّف القراءة فيها، ثمَّ صلّى الغداة. فإن قام إلى

٦٠

والمستفاد من خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار عند ما قصد زيارة الحسين (عليه السّلام) قادماً من الكوفة لأواخر عهد الدولة الاُمويّة ذكر باب الحائر وكرّر لفظه، بينما ابن اُخته الحسين اقتصر على ذكر القبر دون إيراد لفظ الباب(1) .

ومن الممكن إن لم يكن يقصد بالباب حدود حومة الحائر وجود بناء على سبيل الإجمال على التربة الطاهرة، وكلاهما يصرّخان إنّهما كانا على خوف ووجل من القتل، وصرح ابن الثمالي بوجود المسلحة المطوّقة للحفرة الطاهرة من الجند الاُموي للحيلولة دون مَنْ يؤم قصده.

كان لحركة الشيعة في استعراضهم لجند الشام بعين الوردة بزعامة سليمان بن صرد الخزاعي واستماتتهم بطلب ثأر الحسين (عليه السّلام)، وإعادتهم الكرّة تحت لواء إبراهيم الأشتر، واستقصائهم للجندي الاُموي مع زعيمهم ابن زياد، مستهونين غير محتفين بكلّ ما سامهم معاوية من خطوب وخسف، وما أذاقهم من مرّ العذاب وصنوف التنكيل بغارات بسر بن أرطأة، وصلب وقتل وسمل في ولاية زياد بن أبيه وسمرة بن جندب وابن زياد، ممّا خلف أثراً عميقاً سيئاً في نفوس آل مروان ودويّاً هائلاً.

فبعد أن تسنّى لعبد الملك بن مروان وصل حلقات فترة الحكم الذي دهم دور حكم آل أمية بموت يزيد بإقصائه آل الزبير عن منصّة الحكم والإمرة، أراد أن يستأصل الثورة من جذورها؛ لذلك اتّبع سياسة القسوة والشدّة تجاه أهل العراق، وضغط ما لا مزيد عليه لمستزيد، خصوصاً في ولاية الحجاج بن يوسف.

ونهج خلفاؤه عين خططه دون أيّ شذوذ مع تصلّب بالغ؛ كابن هبيرة،

____________________

(1) يقول في خبر طويل بعد أن نزل الغاضرية وقد أدركه الليل، وهدأت العيون ونامت، أقبل بعد أن اغتسل يريد القبر الشريف يقول: حتّى إذا كنت على باب الحير... وساق في خبره وقد كرّر لفظ الباب حيث يقول بعد ذلك: فلمّا انتهيت إلى باب الحائر... (إقبال الأعمال - لابن طاووس / 28)، ومجلد المزار من بحار الأنوار 22 / 120.

٦١

وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر.

فترى ممّا تقدّم أنّ من المستحيل إفساحهم المجال بأن يُشيّد بناء على قبر الحسين (عليه السّلام)، ويكون موضعاً للتعظيم والتقدير؛ ممّا يتنافى وسياستهم المبنية على الكراهية لآل البيت (عليهم السّلام) والتنكيل بشيعتهم.

وإن سلّمنا بتحقق خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي على سبيل استدراك الورود لفظ الباب، من الممكن أن نقول: أي وجود بناء في الفترة بين سنة أربع وستين لإحدى وسبعين، ونلتزم بتغاضي المروانيين من التعرّض لهم، وبقائه ليوم ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي لزيارة الضريح الأقدس.

وورد خبر لا يوثق به ولا يعوّل عليه من أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي بنى على القبر الشريف وأقام حوله قرية(2) .

وقيل: إنّ سكينة بنت الحسين (عليه السّلام) أقامت بناء على الرمس الأقدس أمد اقترانها بمصعب في ولايته للكوفة، ففي أمد الفترة لسنة ست وستين عندما أمَّ التوّابون (عند مسيرهم للتلاقي مع جند عين الوردة) التربة الزاكية، وازدحموا على القبر

____________________

(1) جاء في مزار بحار الأنوار - للمولى محمّد باقر المجلسي / 120 ما نصه: (عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين (عليه السّلام) مستخفياً من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء، فاختفيت في ناحية القرية، حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر، فلمّا دنوت منه... حتّى كاد يطلع الفجر أقبلت... فقلت له عافاك الله، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ها هنا... وصلّيت الصبح وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام.

(2) ذكر هذا القبر صاحب كنز المصائب دون إسناد، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذا الكتاب لا يُعتمد عليه كثيراً؛ لِما حُشي متنه من الأخبار الغير واردة.

وقد ذكر هذا الخبر عند سرده لما دار بين المختار ومصعب بن الزبير، وعدد المواقع التي دارت بينهم والتي انتصر في جميعها المختار، =

٦٢

كازدحام الناس على الحجر الأسود(1) .

لم يكن حينذاك ما يظلل قبره الشريف أيّ ساتر، واستقصوا أمد البقية من الفترة، المختار بن أبي عبيدة الثقفي، ومصعب، وابن أخيه حمزة؛ فالأخبار الواردة في زيارة الحسين (عليه السّلام) عن السجّاد علي، والباقر(2) محمّد بن علي (عليه السّلام) (لكونهما قضيا حياتهما في الدولة المروانية) يشفان عن خوف ووجل.

وممّا يؤيد وجود بناء بسيط (بل له بعض الشأن) على القبر الشريف في زمن ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة للزيارة، ما جاء من الألفاظ في الزيارات الواردة عن الصادق (سلام الله عليه) لجدّه الحسين (عليه السّلام)(3) ، حيث يقول في خبر: «... بعد الغسل بحيال قبره الشريف في الفرات، فتتوجه إلى القبر حتّى تدخل الحير من جانبه الشرقي، وتقول:...، ثمّ إذا استقبلت القبر...، ثمّ اجلس عند رأسه الشريف...، ثمّ تحوّل عند رجليه...، ثمّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين...، ثمّ تأتي قبور الشهداء»(4) .

وفي خبر المفضل بن عمر عن الصادق (سلام الله عليه): «إذا أتيت باب الحير

____________________

= وهزيمة مصعب، إلى أن تمكّن مصعب من المختار آخر الأمر.

وإذ لم ترد مثل هذه الأخبار في الكتب التأريخية - والمعروف بل المحقّق أنّه لم يكن بين المختار ومصعب من مواقف سوى ما كان بالمذار، ثمّ تحصّن المختار بقصر إمارة الكوفة إلى أن قُتل -؛ لذا قلّ الاعتماد على ما ورد في هذا الكتاب من قيام المختار بتشييد قبر الحسين (عليه السّلام)، وإن كان المحلّ مناسب لإعطاء مثل هذه النسبة له.

كيف لا وقد قام المختار بأخذ ثأر الحسين (عليه السّلام)، وقتل قاتليه وصلبهم، وأحرق بعضهم بالنار؟ فلا يبعد من أن يقوم بتشييد قبره الشريف، إلاّ أنّنا نحكم بوقوع مثل هذا الأمر وجداناً لا استناداً على ما ورد في هذا الكتاب؛ للأسباب السالفة.

(1) تاريخ الطبري 7 / 70، وكان ذلك سنة 65 هـ.

(2) مجلد المزار 22 / 110.

(3) فقد توفي الصادق (عليه السّلام) سنة 148، والثمالي توفي في زمن المنصور.

(4) مجلد المزار / 145.

٦٣

فكبر الله أربعاً، وقل:...»(1) .

وفي خبر ابن مروان عن الثمالي عند آخر فصول الزيارة يقول: ثمّ تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم، وتقول:...(2) .

وفي خبر صفوان الجمّال عن الصادق (عليه السّلام) يقول: «فإذا أتيت باب الحائر فقف... وقل:... ثمّ تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس، وقل:...، ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السّلام) وقل:...، ثمّ توجه إلى الشهداء وقل:...»(3) .

وفي خبر آخر عن صفوان يقول: «فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل:...، ثمّ ادخل رجلك اليمنى القبر وأخّر اليسرى، ثم ادخل الحائر وقم بحذائه وقل:...»(4) . وهذا ما يدلّك على أنّ له باباً شرقيّاً وغربيّاً.

فخلاصة القول: إنّ المستفاد من هذه الزيارات هو وجود بناء ذو شأن على قبره في عصر الصادق (سلام الله عليه).

ومع هذا فقد كان الاُمويّون يقيمون على قبره المسالح لمنع الوافدين إليه من زيارته، ولم يزل القبر بعد سقوط بني اُميّة وهو بعيد عن كلّ انتهاك؛ وذلك لانشغال الخلفاء العباسيِّين بإدارة شؤون الملك، ولظهورهم بادئ الأمر مظهر القائم بإرجاع سلطة الهاشميِّين، وهو غير خفي أنّ القائمين بالدعوة كانوا من أهل خراسان، وأكثر هؤلاء إن لم نقل كلّهم كانوا من أنصار آل البيت (عليهم السّلام).

ولمّا رسخت قدم العباسيِّين في البلاد، وقمعوا الثورات جاهروا بمعاداة شيعة علي (عليه السّلام)، ولكنّها كانت خفيفة الوطأة أيام السفّاح، فتوارد الزائرون

____________________

(1) المصدر نفسه / 148.

(2) المصدر نفسه / 105.

(3) المصدر نفسه / 159.

(4) المصدر نفسه / 179.

٦٤

لقبر الحسين (عليه السّلام) من شيعته عند سنوح هذه الفرصة جهاراً، واشتدّت الوطأة أيام المنصور بوقيعته بوجوه آل الحسن(1) ، وخفّت ثانية في أيام المهدي والهادي.

فلمّا كانت أيام الرشيد(2) ، وكانت قد استقرّت الأوضاع، وثبتت دعائم الحكم، وقضت على ثورات العلويِّين بما دبّرته من طرق الغدر والخيانة، فأرغمت أنوفهم الحمية، وأخمدت نفوسهم الطاهرة، فأرادت القضاء عليهم في محو قبور أسلافهم، فسلكوا سلوك بني اُميّة؛ إذ أمر الرشيد بهدم قبره الشريف ومحو أثره، فأخذت الشيعة الوسائط بالاهتداء إلى تعيين موضع القبر، وتعيين محلّ الحفرة منها السدرة، فبلغ الرشيد ذلك فأمر بقطعها(3) ، ثمّ وضع المسالح على حدوده إلى أن انتقل إلى طوس ومات فيها.

فلم يتتبع الأمين ذلك لِما كان منشغلاً باللهو والطرب وصنوف المجون والبذل، فاغتنموا الحال وبادروا إلى تشييد قبره الشريف، وقد اتخذوا عليه بناءً عالياً.

ولمّا جاء دور المأمون وتمكّن من سرير الخلافة تنفس الشيعة الصعداء، واستنشقوا ريح الحرية، ولم يتعرّض لذلك، وكان المأمون يتظاهر بحبّه لآل البيت (عليهم السّلام) حبّاً جمّاً حتّى إنّه استعاض بلبس السواد - وهو شعار العباسيِّين - بلبس الخضرة - وهو شعار العلويِّين -، وأوصى بالخلافة من بعده لعلي الرضا

____________________

(1) مروج الذهب - للمسعودي 2 / 171.

(2) الظاهر إنّ الرشيد لم يتعرّض لقبر الحسين (عليه السّلام) إلاّ في اُخريات أيامه، ولعل سبب ذلك غضبه ممّا كان يشاهد من إقبال الناس لزيارة الحسين (عليه السّلام) وتعظيمه والسكنى بجواره، وكان قبل ذلك يجري ما أجرته أمّ موسى من الأموال على الذين يخدمون قبر الحسين في الحير. انظر الطبري 10 / 118. (عادل)

(3) روى ذلك محمّد بن الحسن الطوسي في أماليه / 206 طبع إيران، بسنده إلى جرير بن عبد الحميد، وذكر أنّه عندما سمع جرير بالخبر رفع يديه قائلاً: الله أكبر! جاءنا فيه حديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «لعن الله قاطع السدرة» ثلاثاً. فلم نقف على معناه حتّى الآن.

٦٥

ابن موسى الكاظم (عليه السّلام)، ولعل ذلك كيد منه، وكان هذا الوقوع بعد قتل أخيه الأمين، واسترضاء لمناصريه الخراسانيين.

وقد زعم البعض أنّه هو الذي شيّد قبره الشريف، وبنى عليه لهذه الفترة(1) ، وفي ورود أبي السرايا بن السري بن المنصور إلى قبر الحسين (عليه السّلام) أيام المأمون عام تسعة وتسعين بعد المئة حين قام ببيعة محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط، دليل على تشييد قبر الحسين(2) بعد مضي الرشيد إلى طوس.

وبقي الحال على هذا المنوال والشيعة في حالة حسنة حتّى قام حول قبره الشريف سوقاً، واتخذت دوراً حوله، وأخذ الشيعة بالتوافد إلى قبره للسكنى بجواره، إلى أن كان من المغنّية الشهيرة التي قصدت من سامراء في شعبان زيارة قبره الشريف، وكانت تبعث بجواريها إلى المتوكّل قبل أن يلي الخلافة يغنين له إذا شرب، وقد بعث إليها بعد استخلافه فأخبر بغيبتها، فأسرعت بالرجوع عندما أبلغها الخبر بطلب المتوكّل لها، فبعثت إليه بجارية وكان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها.

فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟

قالت: إلى قبر الحسين (عليه السّلام).

فاستطير غضباً(3) ، وفيه من بغض آل أبي طالب ما هو غني عن البيان، فبعث بالديزج بعد أن استصفى أملاك المغنّية - وكان الديزج يهودياً قد أسلم - إلى قبر الحسين (عليه السّلام)، وأمره بحرث قبره الشريف ومحوه، وهدم كلّ ما حوله من الدور والأسواق، فمضى لذلك وعمل بما أمر به، وقد حرث نحو مئتي جريب من جهات القبر، فلمّا بلغ الحفرة لم يتقدّم

____________________

(1) نزهة الحرمين - للعلاّمة السيد حسن الصدر (مخطوط) نقلاً عن تسلية المجالس.

(2) انظر مقاتل الطالبيِّين - لأبي الفرج الإصبهاني / 341 ط النجف.

(3) المصدر نفسه / 386.

٦٦

إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء عليه(1) ، فحار الماء عند حدود قبره الشريف(2) ، ثمّ وكّل به المسالح بين كلّ مسلحتين ميل، ولا يزوره أحد إلاّ وأخذوه ووجهوا به إلى المتوكّل(3) ، فحصل للشيعة من ذلك كرب عظيم لِما طرأ على قبره من الجور، ولم يعهد مثله إلى هذا الحد.

فضاق بمحمد بن الحسين الأشناني بعد طول عهده بالزيارة، فوطّن نفسه على المخاطر، وساعده رجل من العطّارين، فخرجا يمكثان النهار ويسيران الليل حتّى بلغا الغاضرية، وخرجا منها نصف الليل، فسارا بين مسلحتين وقد ناموا حتّى دنا من القبر الشريف، فخفى عليهما موضعه، فجعلا يتحرّيان موضع القبر حتّى أتياه وقد قُلع الصندوق الذي كان عليه واُحرق، وفي الموضع اللبن قد خُسف وصار الخندق، فزاراه وانكبّا عليه، وقد شمّا من القبر رائحة ما شمّا مثلها قطّ من الطيب.

فقال الأشناني للعطّار: أي رائحة هذه؟

فقال: والله ما شممت مثلها بشيء من العطر.

فودّعاه وجعلا حوله علامات في عدّة مواضع، وبعد قتل المتوكّل حضر مع بعض الطالبيِّين والشيعة فأخرجوا العلامات وأعادوا القبر إلى ما كان عليه أوّلاً.

وقد نالت الشيعة شيء من الحرية على عهد المنتصر، وكان هذا محبّاً لآل البيت (عليهم السّلام)، مقرّباً لهم، رافعاً مكانتهم، معظّماً قدرهم، ومن حسناته إليهم أنّه شيّد قبر الحسين (عليه السّلام)، ووضع ميلاً عالياً يرشد الناس إليه(4) ، وذلك في عام السابع والأربعين بعد المئتين.

ولم يُهدم بناء المنتصر ظلماً؛ لعدم تعرّض أخلافه له؛ لِما ظهر من الوهن في دولتهم، وانحلال أمرهم، وتسلّط الأتراك عليهم، وانشغالهم بأنفسهم.

وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة؛ وذلك عندما أمر بأخذ جميع ما اجتمع من هدايا

____________________

(1) المصدر نفسه / 386.

(2) المصدر نفسه / 386.

(3) المصدر نفسه / 387.

(4) فرحة الغري - لعبد الكريم بن طاووس.

٦٧

الملوك والأمراء والوزراء والأشراف من وجوه الشيعة من الأموال والمجوهرات في خزانة الروضة المطهّرة، وأنفقه على العسكر، واعتذر بأنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة(1) ، إلاّ أنّه لم يتعرّض للبناء ولم يمسّه؛ لقصور يده، وضعف شأنه لا لشيء آخر.

وكان البناء الذي شيّد في عهد المنتصر قد سقط في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومئتين(2) ، فقام إلى تجديده محمّد بن زيد القائم بطبرستان في خلافة المعتضد بالله العباسي(3) لسنة ثلاث وثمانين ومئتين(4) ، وقد أخذ حال القبر الشريف منذ تشييد المنتصر إيّاه بالعروج إلى مدارج العمران يوماً بعد يوم حيث أمن الناس من إتيانه واتخاذ الدور عند رمسه.

وقد زار القبر عضد الدولة بن بويه سنة (370 هـ) بعد أن بالغ في تشييد الأبنية حول الضريح وزخرفتها(5) ، وكان آل بويه يناصرون الشيعة.

وقد استحفل التشيّع على عهدهم حتّى إنّ معزّ الدولة أمر سنة 352 بإقامة المآتم في عاشوراء، وكان ذلك أوّل مأتم أُقيم في بغداد.

____________________

(1) المناقب - لابن شهر آشوب، وكان ذلك سنة 511 هـ.

(2) فرحة الغري / 61.

(3) جاء في بحر الأنساب (العائد لخزانة المرحوم الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين الطهراني) عند ذكره لنسب المعتضد بالله العباسي بقوله: وأمر بعمارة مشهد الغري بالكوفة ومشهد كربلاء، وافتقد الخزائن بدار الخلافة، فأخرج منها ما وجده من نهب الواثق من مال مشهد الحسين بن علي (عليه السّلام) وأعاده إليه.

(4) فرحة الغري، وكان محمّد بن زيد هذا دائم التصدّق على العلويِّين في المشاهد؛ فقد بعث في خلافة المعتضد بالله اثنين وثلاثين ألف دينار لمحمد بن ورد ليفرّقها على العلويِّين. (انظر الكامل 6 / 80، والطبري 12 / 346).

(5) تسلية المجالس - لمحمد المجدي (بالفارسية)، طبع حجر.

٦٨

(وعندما عفا عضد الدولة عن عمران بن شاهين البطائحي بنى الرواق المشهور برواق عمران بن شاهين في المشهدين الشريفين الغروي والحائري (على مشرفهما السّلام»(1) .

وفي سنة سبع وأربعمئة هجـ احترق الحرم الشريف إثر اندلاع حريق عظيم كان سببه إشعال شمعتين كبيرتين سقطتا في الليل على التأزير واحترق، وتعدّت النار بعد الحرق القبة إلى الأروقة(2) ، فكان البناء على القبر الشريف بعد وقوع هذا الحريق ما وصفه الطنجي في رحلته، إلاّ أنّي لم أقف على خبر مَنْ شيّد هذا البناء، وفي أيّ تاريخ كان ذلك(3) ، ولعله كان قد تبقى شيء من البناء الذي

____________________

(1) فرحة الغري / 67.

(2) الكامل - لابن الأثير 9 / 110 ط ليدن، و7 / 295 من ط القاهرة، والمنتظم - لابن الجوزي 7 / 283، البداية - لابن كثير 12 / 4، والنجوم الزاهرة - لابن تغري بردى 4 / 241.

(3) ذكر كلّ من العلاّمة السيد حسن الصدر الكاظمي في نزهة الحرمين / 35، والعلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 4 / 302، ومن أخذ عنهما، أنّ أبا محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي هو الذي جدّد بناء الحائر بعد وقوع هذا الحريق، لكن المصادر التي عوّلوا عليها لم تنسب إلى ابن سهلان هذا سوى بناء سور الحائر وليس تجديد بنائه، كما في المنتظم 7 / 283، والبداية والنهاية 12 / 16، ومجالس المؤمنين / 211، والنجوم الزاهرة 4 / 259.

هذا فضلاً عن أنّ ابن سهلان بدأ ببناء سور الحائر في سنة 400 هـ، أيّ قبل وقوع الحريق بسبعة أعوام، وهي نفس السنة التي أمر ببناء سور على مشهد أمير المؤمنين(عليه السّلام). (الكامل 7 / 249. ط القاهرة).

فقد ورد في المنتظم 7 / 246: وفي جمادى الأولى (سنة 400 هجـ) بدأ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحبّ أن يؤثر فيه مؤثراً، ثمّ ما نذر لأجله أن يعمل عليه سوراً حصيناً مانعاً؛ لكثرة مَنْ يطرق الموضع من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر، ففعل وعمل السور، وأحكم وعرض، ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمّم وفرغ منه، وتحسّن المشهد به، وحسن الأثر فيه. (عادل).

٦٩

شيّده عضد الدولة، إلى أن شيّد عليه البناء الموجود اليوم على القبر الشريف، أو إنّه قد جدّده بعد الحريق أخلاف عضد الدولة؛ إذ كانت دولتهم قائمة عند وقوع الحريق.

هذا وكان إكمال بناء الحرم في سنة سبع وستين وسبعمئة، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الإيلكاني، وأتمّه وأكمله ولده السلطان حسين(1) .

____________________

(1) زينة المجالس - لمحمد المجدي (مخطوط) باللغة الفارسية / 84، والمجدي من معاصري الشيخ البهائي، وقد صنّف كتابه هذا سنة 1004 هجـ، فقد جاء فيه: إلى أن أمر السلطان أويس الإيلكاني، وابنه السلطان حسين ببناء عمارة عالية.

وللسيد المؤلّف (عبد الحسين) ملاحظة مهمة في هذا الخصوص، خطر لي أن أثبتها هنا، يقول: ذكر سماحة السيد محسن الأمين العاملي في المجلد 3 / 593، من أعيان الشيعة، قال فضيلته عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلّي المجاور بالنجف الأشرف، في نسخته المخطوطة في خزانة العلوية الذي تمّت كتابته في محرّم سنة 755 هجـ، قال: (في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية (صلوات الله على مشرّفها)، وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 سبعمئة وستون). انتهى.

أقول: هذا الحريق هو الذي ذكره ابن مهنا الداودي في العمدة / 5، ولكنّه لم يذكر اسم المجدّد للبناء الذي شيّد على الروضة المطهّرة الحيدرية، حيث المدّة تقارب زمن البناء الذي قام به السلطان أويس، وولده السلطان حسين الإيلكانية في سنة (767) على قبر الحسين (سلام الله عليه) الموجود اليوم على الروضة الطاهرة.

من المقتضي أن يكون السلطان حسين الإيلكاني هو منفرداً أقام البناء على الروضة الطاهرة الحيدرية، وبالخاصة لموقع قبورهم التي ظهرت في سنة الخامس عشر بعد الثلاثمئة والألف هـ وسط الصحن الشريف ما يلي باب الطوسي، أحد أبواب الصحن الشريف، في القسم الشمالي من الروضة الزاكية؛ إذ ظهر سرب فيه ثلاثة قبور على أحدهم في القاشاني مرقوم (توفي الشاهزاده الأعظم معزّ الدين عبد الواسع في 15 جمادى الأوّل سنة 790)، وعلى لوح القبر الثاني (هذا ضريح الطفل الصغير سلالة السلاطين الشاهزادة ابن الشيخ أويس (طاب ثراه). توفي يوم الأربعاء حادي عشر محرّم الحرام سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة).

وعلى لوح القبر الثالث (هذا قبر الشاهزادة سلطان بايزيد (طاب ثراه). توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة هلالية)، وعلى قبر آخر (هذا قبر المرحومة السعيدة بايندة السلطان).

وقد ابتدأ حكم الأسرة الإيلكانية الجلائرية في بغداد وآذربايجان بعد موت أبي سعيد بن أولجياتو محمّد خدابنده بقليل بالشيخ حسن الكبير، تقريباً بين سنة تسع وثلاثين وسبعمئة، أو سنة الأربعون، وكانت وفاته سنة 757 هـ، ثمّ تلاه في الحكم ولده السلطان أويس سنة 757 هـ، وتوفي سنة 776 هـ، ثمّ تلاه ولده السلطان حسين من سنة 776 هـ، إلى أن توفي في سنة 784 هـ، ثمّ تلا السلطان حسين أخوه السلطان أحمد الجلائري ابن أويس، إلى أن قُتل في تبريز بين سنة ثلاث عشرة وثمانمئة وأربع عشرة، وبه تقريباً انتهت أيامهم.

٧٠

وكان تاريخ هذا البناء موجوداً فوق المحراب الذي موضعه اليوم الرخام المنعوت بنخل مريم(1) فيما يلي الرأس الشريف، وقد شاهد ذلك التأريخ بنفسه محمّد بن سليمان بن زوير السليماني، وذكره في كتابه المسمّى بـ (الكشكول).

وقد كان إنزال هذا التاريخ سنة السادس عشر بعد المئتين والألف (1216)، ومن موضعه، عند عمل المرايا والتزيينات للحرم الشريف بأمر محمّد علي خان القواينلو كما تشير إلى ذلك الكتابة

____________________

(1) جاء في كتاب (دلائل الدين) تأليف عبد الله ابن الحاج هادي ما ترجمته: روى عن السجّاد (عليه السّلام): أنّ الله تعالى ذكر في القرآن أنّ السيدة مريم (عليها السّلام) عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها، وذهبت إلى كربلاء - بصورة معجزة - بجنب نهر الفرات، وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (عليه السّلام)، وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم إلى دمشق.

ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (عليه السّلام) - على ما أتذكر - أنّ صخرة على مقربة من قبر الحسين نُصبت في الحائط قد أجمع ساكنوا هذا المقام على أنّ الرأس الشريف قد حزّ على هذه الصخرة، ويقولون أنّ المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضاً.

٧١

الموجودة في أعلى الباب الثالث من أبواب الحرّم المقابل للشبكة المباركة: (واقفه محمّد علي خان القواينلو سنة 1216) هـ.

وكذلك هذا التأريخ موجود بعينه في الكُتيبة القرآنية داخل القبّة على الضريح المقدّس، وفي سنة 920 هـ أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً(1) إلى القبر الشريف،

____________________

(1) عندما دخل الشاه إسماعيل الصفوي الأوّل - مؤسس الدولة الصفوية في إيران والذي يرتقي نسبه إلى الإمام السابع موسى بن جعفر (عليه السّلام) - بغداد فاتحاً سنة 914 هـ كان همّه الأول هو التبرّك بزيارة أجداده الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، فقصد زيارة مرقد الحسين (عليه السّلام)، وعمل ثوباً حريرياً لقبره الشريف، وعلّق اثنى عشر قنديلاً من الذهب أطراف القبر، وفرش تلك الحضيرة القدسية بالبسط، وجلّله بأنواع الحرير والإستبرق، وبذل الأموال الكثيرة لللائذين بقبره الشريف، ثمّ خرج قاصداً النجف الأشرف. (وقد ترجم النص المتقدّم العلاّمة المؤلّف عن (حبيب السير) لخواند مير بالفارسية - مخطوط في 3 مجلدات في مكتبة المؤلّف سنة 1008 هـ).

وقد جاء أيضاً في (عالم آراى عباسي) لإسكندر منشي جـ 2 عن زيارة هذا الشاه ما ترجمته: توجه الشاه من بغداد إلى تربة كربلاء بعد إخلاص النيّة، وتشرّف بزيارة مرقد الحسين المنوّر وشهداء كربلاء، وقد زيّن الروضة وأنعم على المجاورين، ثمّ توجه من هناك إلى زيارة علي المرتضى (عليه السّلام) عن طريق الحلّة. راجع أيضاً فارسنامه ناصري 1 / 93.

وزار كربلاء أيضاً الشاه عباس الأول الصفوي، فقد جاء في فارسنامه ناصري ما ترجمته: غادر الشاه عباس الأول الصفوي أصفهان في سنة 1033 هجري متجهاً نحو بغداد، وفي غرّة ربيع الأوّل من نفس السنة دخل بغداد فاتحاً...، ثمّ توجه إلى النجف الأشرف في محرّم الحرام، وعلى بعد (30) كيلو متر ترجّل عن فرسه وخلع نعله، وأنعم على كافة سكنة النجف، وتوجه بعد ذلك مسروراً فرحاً إلى زيارة كربلاء وطاف بالبقعة الطاهرة، ثمّ أقفل راجعاً إلى بغداد وزار الإمامين الكاظمين وسامراء.

وفي ربيع هذه السنة أعاد الكرّة لزيارة كربلاء والنجف الأشرف، وقبل أعتاب هاتين الحضرتين أدّى لوازم الزيارة، وأهدى من الصناديق القيمة والطنافس الحريرية المطرّزة والديباج الشيء الكثير، ورجع مقفلاً إلى بغداد، وأعاد الزيارة مرّة أخرى إلى الروضة الحسينيّة.

وانظر أيضاً =

٧٢

ولم يرد ما يهمّ خبره من أخلافه الصفوية إلاّ الإقدام بأمور طفيفة لا مجال لذكرها، إلاّ أنّه بلغني - ولم أتثبّت من ذلك أنّ الشاه سليمان الصفوي قام ببناء القسم الشمالي من الصحن المطهّر، والإيوان الكبير الذي فيه المسمّى (بصافي صفا) نسبة إلى الصفويِّين، وليس اليوم في هذا الإيوان دليل على ذلك سوى إنّ الكاشي المعرّق الموجود في سقف هذا الإيوان، والزخارف المعمولة من البورق فيه يستدل منها أنّ بناء هذه الجهة أقدم بناء من الجهات الثلاث للصحن الشريف، فضلاً عن أنّ نقوش الكاشي المعرّق وصنعتها تشبه إلى حدّ كبير نقوش الكاشي المعرّق الموجود في روضة الجوادين (سلام الله عليهما)، وحرم حضرة الرضا (عليه السّلام)، ومقبرة خواجه ربيع، والقدم كاه.

وقد كان في حواشي الكاشي المعرّق الموجود في جنبتي هذا الإيوان - الشرقي والغربي - كُتيبة تنص على اسم الباني وتأريخ بنائه، ولكن مع مرور الزمن تلف واندرس أثره، ومع شديد الأسف لم يسعَ أحد بعد

____________________

= عالم آراي عباسي، وهناك مصدر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا الخصوص هو (تاريخ دهامر الألماني) الذي تُرجم من اللغة الفرنسية إلى الفارسية باسم: سلطان التواريخ، في تاريخ سلاطين آل عثمان، يقع في ثلاث مجلدات ضخام، تحتوي على 72 باباً، ينتهي به مؤلفه إلى آخر عهد عبد الحميد الأول العثماني، بعد حرب الروس والأتراك وعقد معاهدة (كنارجة).

وفي سنة 1034 هـ أعاد السلطان مراد الرابع العثماني العراق إلى حوزة دولته، وفي 27 جمادى الأولى سنة 1039 هـ احتل بغداد مرّة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وزار كربلاء في سنة 1048 هـ في يوم عيد، فقبّل أعتاب ضريح سيد الشهداء وأخيه العباس بعد أن أنذر النذور، وأكرم ذوي الحاجة. (روضة الصفاي ناصري المجلد الثامن).

وفي سنة 1156 هـ توجه نادر شاه من النجف الأشرف إلى تقبيل أعتاب الحسين (عليه السّلام) الذي حرمه مطاف ملائكة الرحمن، وقدّمت زوجته رضية سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين ألف نادري لتعمير جامع الحرم الشريف (التاريخ النادري).

٧٣

ذلك لإرجاع هذا النص التأريخي المهم إلى موضعه.

وعندما أرادوا دفن ميرزا موسى الوزير فيه(1) عملوا موضعية الكُتيبة

____________________

(1) وقد شيّد هذا الإيوان الكبير في سنة 1281 هـ من قبل المرحوم ميرزا موسى وزير طهران، لتكون مقبرة له ولعائلته، وقد جدّد المرايا والكُتيبة القرآنية، وزوّق جدرانها الداخلية بالكاشي النفيس.

وقد نظم الشاعر (قلزم) الذي كان من الشعراء الشهيرين في تلك الفترة، هذه القصيدة بالمناسبة:

اي نمودار حريمت حرم عرش برين

ظـل دركـاهت خـركه زده بر عليين

قـدسيان بسته بفرمان تو از عرش كمر

آسمان سوده در ايوان تو بر فرش جبين

بـوده دارلـت شـاهنشه اقـليم شهود

بـيشكا رانـت فـرمان ده سرحد يقين

ظل خركاه تو را قبله كند روح القدس

خاك دركاه تو را سجده برد حور العين

از ازل تـاج شـهادة جه نهادي بر سر

شـد ترا ملك شفاعت همه در زير نكين

از بـهاي كـهر باك تو اين توده خاك

كعبه دين شود وشد سجده كه أهل زمين

إلى أن يقول:

قـصة طـور كـليم الله فاخلع نعليك

هـمه از خاك درت مظهر آيات مبين

عكس از شمسه ايوان تو شد شمس فلك

بر تو اوبر همه كون مكان كشت مكين

سـاكـنان حـرم وجـلال مـلكوت

هـه بـرخاك رهـت بايد خاك نشين

=

٧٤

الموجودة اليوم من المرايا، رُقمت بهذه الآية:( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً

____________________

=

بـهر فـراشي حجابت هر شام وسحر

قيصر أز روم كمر بندى وفقفور أز جين

إلى أن يقول:

اين هـمان وادى دوروا تـش شـوق

صـه جـه موسى باميد قبسي خاك نشين

انـدرين عـهد هـمايون از فـو ظـفر

رايـت دولـت اسـلام بر از جرخ برين

شـاه شـاهان جهان ظل خدا كهف زمان

خـسرو مـلك مـلل بـادشاه دولت ودين

شـهـر بـازيكه زأواز كـوي سـخطش

تـااب درشـده در جـحمه كـوه طـنين

مـير فـرخنده نـزادى زد راوكـه بـود

افـتـاب فـلك ورفـعت كـوه وتـمكين

داشـت جـون كوهري آراسته نور صفا

كـرد ايـن صـفه ايـوان صفارا ترين

دولت نـاصرى وسـعى امـام مـلت

أنـدرين عـهد بـود مـحيي آثار جنين

افـتـخار فـضلا قـبله أربـاب فـلاح

بـيشواى دو جـهان بـادشاه شرع مبين

انـكه از بـندكي صـاحب روضـه باك

شـده بـرخا جـكي علم ازل صدر تشين

جون زفيض كف موسى شد اين طور صفا

..........................................

كـلك قـلزم بي تاريخ سخنور شده وكفت

بـا كـف مـوسى آراسـته طـور سنين

٧٥

وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ... ) .

هذا وقام السلطان مراد الرابع العثماني سنة ثمان وأربعين وألف بتعمير وتجديد القبّة السامية، وجصّصها من الخارج(1) .

وفي سنة 1135 هـ نهضت زوجة نادر شاه وكريمة حسين الصفوي إلى تعمير المسجد المطهّر، وأنفقت على ذلك عشرين ألف نادري.

وقام أغا محمّد خان (الخصي) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبّة السامية للسنة السابعة بعد المئتين والألف الهجرية(2) .

وقد نظم بهذه المناسبة الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر، مؤرّخاً هذا التذهيب بقوله:

كلك صباحي از اين تاريخ أونوشت

در كبند حسين علي زيب بافت زر

1207 هـ

____________________

(1) لم نعثر على مصدر هذا الخبر، ولكنّه قد جاء في كلشن خلفاء (ص 102 وجه) لنظمي زاده بالتركية: أنّ الوالي علي باشا الوند زادة، بأمر من السلطان مراد الثالث العثماني قد جدّد بناء جامع الحسين وقبّته المنوّرة، وذلك سنة 984 هـ.

وقد أرّخ هذا البناء أحد الشعراء المشهورين بأبيات مطلعها:

بـحمد الله كه از عون الهي

نـموده خـدمت شاه شهيدان

شه كشور ستان خاقان اعظم

مـراد بن سليم ابن سليمان

وقد وهم الأستاذ حسن الكليدار في كتابه (مدينة الحسين / 38) إذ ذكر أنّ هذه الأبيات قد قيلت بمناسبة تشييد القبّة من قبل مراد الرابع العثماني، إلاّ أنّ الصحيح ما ذكرناه. (عادل)

(2) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ - للسان الملك سبيهر / 33 سنة 1206 هـ.

٧٦

وفي أوائل القرن التاسع عشر (1214هـ) أهدى فتح علي شاه القاجاري - أحد ملوك إيران - شبكة فضية(1) ، وهي إلى اليوم موجودة على القبر الشريف، وحوالي هذا التاريخ أمرت زوجته بتذهيب المأذنتين حتّى حدّ الحوض.

وفي سنة 1259 هـ قام محمّد علي شاه - ملك أود - سلطان الهند بتذهيب الإيوان الشريف وصياغة بابه بالفضة.

ويوجد اليوم على الفردة اليمنى من باب الفضة في إيوان الذهب: (هو الله الموفّق المستعان، قد أمر بصنع هذا الباب المفتوح لرحمة الملك المنان، وبإتمام تذهب هذا الإيوان الذي هو مختلف ملائكة الرحمن، وبحفر الحسينيّة وبناء قناطرها التي هي معبر أهل الجنان).

وعلى الفردة الثانية، الجانب الأيسر تتمته: (وتعمير بقعة قدوة الناس مولانا وسيدنا أبو الفضل العباس، السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان، السلطان الأعظم والخاقان الأكرم، سلطان الهند، محمّد على شاه (تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه فسيح جناته)، وكان ذلك في سنة 1259 هـ ألف ومئتين وتسعة وخمسين).

وقام بعد ذلك أمراء الأكراد البختيارية إلى تزيين المسجد والأروقة، وقد وسع الضلع الغربي من الصحن الشريف، وجدّد بناءه المتغمّد برحمته المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني(2) (شيخ العراقين) من قبل شاه

____________________

(1) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ / 63.

(2) جاء في مستدرك الوسائل - للعلاّمة النوري 3 / 397 في ترجمة الشيخ عبد الحسين الطهراني: (شيخي وأستاذي ومَنْ إليه في العلوم الشرعية استنادي، أفقه الفقهاء، وأفضل العلماء، العالم الرباني، الشيخ عبد الحسين الطهراني... حتّى يقول: وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين، وأقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات، وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات).

وقد توفي في الكاظمية في 22 شهر رمضان سنة 1286 هـ، ونُقل إلى كربلاء، ودُفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني.

٧٧

إيران ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1275 هـ، وشيّد إيوانه الكبير وحجر جهتيه.

وقد أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر الكبير مؤرّخاً لهذا البناء بالفارسية يقول:

بـنائي ناصر الدين شاه بنا كرد

زخـاك أوست بائين كاخ خضرا

نه صحن وكنبدي جرخي مكوكب

زنـور أو مـنور روي غـبرا

بـراي كـشوار عـرش يـعني

حـسين بـن عـلي دلبند زهرا

بـناي سـال أو جابر همي كوي

أز ايوان شـكست كـسرى

بكو تأريخ ايوانش مؤرخ 1275 هـ

وله تأريخ بالعربية:

لـله إيوانٌ سما رفعةً

فطاول العرشَ به الفرشُ

قال لسانُ الغيب تأريخه

أنت لأملاك السما عرشُ

ولم يحدث بعد ذلك ما يهمّ ذكره سوى ما جدّدت إنشاءه إدارة الأوقاف في العهد الأخير، في القسم الغربي من الصحن؛ لظهور الصدع فيه.

وفي المشهد الحسيني عدّة نقوش وكتابات تدلّ على تواريخ إصلاحه والزيارات فيه؛ ففي أعلى عمود وسط الضلع الجنوبي من شبكة الفولاد المنصوبة على قبر الحسين (عليه السّلام) ما يقابل الوجه الشريف، هذه العبارة: (مَنْ بكى وتباكى على الحسين فله الجنّة صدق الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة 1185 هـ).

وما يقابل الزوايا الأربعة من القبر الشريف عبارة: (واقفه الموفّق بتوفيقات الدارين، ابن محمّد تقي خان اليزدي محمّد حسين سنة 1222 هـ).

٧٨

ويوجد في الإيوان الخارج من جدار الرواق الغربي المقابل للشبكة المباركة في الكاشي، فوق الشباك: (عمل أوسته أحمد المعمار سنة 1296 هـ).

ويستفاد من أبيات منظومة بالفارسية فوق شباك المقبرة الشمالية المقابلة للضريح أنّه بمباشرة الحاج عبد الله ابن القوام على نفقة الحاج محمّد صادق التاجر الشيرازي الأصفهاني الأصل، قد قام بتكميل تعمير سرداب الصحن الحسيني، وتطبيق الأروقة الثلاثة الشرقي والشمالي والغربي بالكاشي في سنة ألف وثلاثمئة الهجرية.

إيضاح ما يوجد في خارطة كربلاء من المواقع

أنهار كربلاء

(النهرين): فرعان يشتقان من عمود الفرات، ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني، ويتجهان إلى الشمال الشرقي إلى الكوفة معاً على سبيل توحيد وتفرد؛ وللفارق يعرفان بنهري كربلاء، يتوضّح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل(1) ، ونورد بين قوسين ما تفرّد بإيراده صاحب الدرّ النظيم(2) :

قال أبو الفرج: لمّا قُتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى، تفرّق عنه الناس ولم يبقَ معه إلاّ عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: قلت له: أين تريد؟

قال: أريد النهرين. ومعه الصياد العبدي.

قلت: إن كنت تريد النهرين فقاتل ها هنا حتّى تُقتل.

قال: اُريد نهري كربلاء (وظننت أنّه يريد أن يتشطط الفرات)، فقلت له: النجاء قبل الصبح. فخرجنا فلمّا

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 61 ط القاهرة.

(2) الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم - لجمال الدين الشامي جـ 2 خط.

٧٩

جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان، فخرجنا مسرعين، فكلّما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة، فأطعمه إيّاها وأصحابي حتّى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم فأقام به.

(فلمّا خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلّينا الغداة بالنخيلة، ثمّ توجهنا سراعاً قبل نينوى، فقال: اُريد سابقاً مولى بشر بن عبد الملك. فأسرع السير إلى أن انتهينا إلى نينوى وقد أظلمتنا، فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج إلينا).

وذكر ابن كثير في البداية(1) عن محمّد بن عمرو بن الحسن قال: كنّا مع الحسين بنهري كربلاء. وأورد ابن شهر آشوب في المناقب: مضى الحسين قتيلاً يوم عاشوراء بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين(2) .

قال الطبري(3) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح، وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة، وزع بينهم العمال؛ ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين إلى بشر بن الخصاصية، فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته.

وذكر عند حوادث سنة 278 هـ(4) ابتداء أمر القرامطة: وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة، فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان، ومقامه بموضع يُقال له: النهرين، يظهر الزهد والتقشّف، ويسفّ الخوص ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة.

إذا قعد إليه إنسان ذكّره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أنّ الصلاة المفروضة

____________________

(1) ج 8 / 188.

(2) المناقب 4 / 83، ط بمبي.

(3) ج 4 / 17، ط ليدن.

(4) ج 8 / 159، ط الاستقامة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793