النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225337 / تحميل: 6345
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الفريقين ، فأمّا من يحمل أرضية شموله بالعفو الإلهي فسيلتحق بركب المتقين ، وأمّا من ثقلت كفة ذنوبه فسيحشر مع القابعين في أودية النّار ، ولكنها لا تكون مكانهم ومأواهم الأبدي.

* * *

٤٠١

الآيات

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦) )

التّفسير

يوما لقيامة : الوقت المجهول!

تتعرض الآيات أعلاه لإجابة المشركين ومنكري المعاد حول سؤالهم الدائم عن وقت قيام الساعة (يوم القيامة) : فتقول أوّلا :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ) (١) .

والقرآن في مقام الجواب يسعى إلى إفهامهم بأنّه لا أحد يعلم بوقت وقوع

__________________

(١) جاءت كلمة «المرسى» بهذا الموضع مصدرا ، على مالها من استعمال اخرى ، فتأتي تارة اسم زمان ومكان ، وتارة اخرى اسم مفعول من «الإرساء» ، معناها المصدري هو : الوقوع والثبات ، ويستخدم المرسى كمكان لتوقف السفن ، وفي تثبيت الجبال على سطح الأرض ، وكقوله تعالى في الآية (٤١) من سورة هود :( وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) ، والآية (٣٢) من سورة النازعات :( وَالْجِبالَ أَرْساها ) .

٤٠٢

القيامة ، ويوجه الباري خطابه إلى حبيبه الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأنّك لا تعلم وقت وقوعها ، ويقول :( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ) .

فما خفّي عليك (يا محمّد) ، فمن باب أولى أن يخفى على الآخرين ، والعلم بوقت قيام القيامة من الغيب الذي اختصه الله لنفسه ، ولا سبيل لمعرفة ذلك سواه إطلاقا!

وكما قلنا ، فسّر خفاء موعد الحق يرجع لأسباب تربوية ، فإذا كان ساعة قيام القيامة معلومة فستحل الغفلة على جميع إذا كانت بعيدة ، وبالمقابل ستكون التقوى اضطرارا والورع بعيدا عن الحرية والإختيار إذا كانت قريبة ، والأمران بطبيعتهما سيقتلان كلّ أثر تربوي مرجو.

وثمّة احتمالات اخرى قد عرضها بعض المفسّرين ، ومنها : إنّك لم تبعث لبيان وقت وقوع يوم القيامة ، وإنّما لتعلن وتبيّن وجودها (وليس لحظة وقوعها).

ومنها أيضا : إنّ قيامك وظهورك مبيّن وكاشف عن قرب وقوع يوم القيامة بدلالة ما

روي عن النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما جمع بين سبابتيه وقال : «بعثت أنا والقيامة كهاتين»(١)

ولكنّ التّفسير الأوّل أنسب من غيره وأقرب.

وتقول الآية التالية :( إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها ) .

فالله وحده هو العالم بوقت موعدها دون غيره ولا فائدة من الخوض في معرفة ذلك.

ويؤكّد القرآن هذا المعنى في الآيتين : (٣٤) من سورة لقمان :( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) ، وفي الآية (١٨٧) من سورة الأعراف :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ) .

وقيل : المراد بالآية ، تحقق القيامة بأمر الله ، ويشير هذا القول إلى بيان علّة ما

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٩ ، وذكرت ذات الموضوع في : تفاسير (مجمع البيان) ، (القرطبي) ، (في ظلال القرآن) بالإضافة لتفسير اخرى ، في ذيل الآية (١٨) من سورة محمّد.

٤٠٣

ورد في الآية السابقة ، ولا مانع من الجمع بين التّفسيرين.

وتسهم الآية التالية في التوضيح :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ) .

إنّما تكليفك هو دعوة الناس إلى الدين الحقّ ، وإنذار من لا يأبى بعقاب أخروي أليم ، وما عليك تعيين وقت قيام الساعة.

مع ملاحظة ، أنّ الإنذار الموجه في الآية فيمن يخاف ويخشى وعقاب الله ، هو يشابه الموضوع الذي تناولته الآية (٢) من سورة البقرة :( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

ويشير البيان القرآني إلى أثر الدافع الذاتي في طلب الحقيقة وتحسس المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان أمام خالقه ، فإذا افتقد الإنسان إلى الدافع المحرك فسوف لا يبحث فيما جاءت به كتب السماء ، ولا يستقر له شأن في أمر المعاد ، بل وحتى لا يستمع لإنذارات الأنبياء والأولياءعليهم‌السلام .

وتأتي آخر آية من السورة لتبيّن أنّ ما تبقى من الوقت لحلول الوعد الحق ليس إلّا قليلا :( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ) .

فعمر الدنيا وحياة البرزخ من السرعة في الانقضاء ليكاد يعتقد الناس عند وقوع القيامة ، بأنّ كلّ عمر الدنيا والبرزخ ما هو إلّا سويعات معدودة!

وليس ببعيد لأنّ عمر الدنيا قصير بذاته ، وليس من الصواب أن نقايس بين زمني الدنيا والآخرة ، لأنّ الفاني ليس كالباقي.

«عشيّة» : العصر. و «الضحى» : وقت انبساط الشمس وامتداد النهار.

وقد نقلت الآيات القرآنية بعض أحاديث المجرمين في يوم القيامة ، فيما يختص بمدّة لبثهم في عالم البرزخ

فتقول الآية (١٠٣) من سورة طه :( يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً ) ، و( يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً ) .

وتقول الآية (٥٥) من سورة الروم :( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما

٤٠٤

لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ) .

واختلاف تقديرات مدّة اللبث ، يرجع لاختلاف القائلين ، وكلّ منهم قد عبّر عن قصر المدّة حسب ما يتصور ، والقاسم المشترك لكلّ التقديرات هو أنّ المدّة قصيرة جدّا ويكفي طرق باب هذا الموضوع بإيقاظ الغافل من خدره.

اللهمّ! هب لنا الأمن والسلامة في العوالم الثلاث ، الدنيا والبرزخ والقيامة

يا ربّ! لا ينجو من عقاب وشدائد يوم القيامة إلّا من رحمته بلطفك ، فاشملنا بخاصة لطفك ورحمتك

إلهي! اجعلنا ممن يخاف مقامك وينهى نفسه عن الهوى ، ولا تجعل لنا غير الجنّة مأوى

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة النّازعات

* * *

٤٠٥
٤٠٦

سورة

عبس

مكيّة

وعدد آياتها اثنتان وأربعون آية

٤٠٧
٤٠٨

«سورة عبس»

محتوى السورة :

تبحث هذه السورة على قصرها مسائل مختلفة مهمّة تدور بشكل خاص حول محور المعاد ، ويمكن ادراج محتويات السورة في خمسة مواضيع أساسية.

١ ـ عتاب إلهي شديد لمن واجه الأعمى الباحث عن الحقّ بأسلوب غير لائق.

٢ ـ أهمية القرآن الكريم.

٣ ـ كفران الإنسان للنعم والمواهب الإلهية.

٤ ـ بيان جانب من النعم الإلهية في مجال تغذية الإنسان والحيوان لاثارة حسّ الشكر في الإنسان.

٥ ـ الإشارة إلى بعض الوقائع والحوادث الرهيبة ومصير المؤمنين والكفّار ذلك اليوم العظيم.

وتسمية هذه السورة بهذا الاسم بمناسبة الآية الاولى منها.

فضيلة السورة :

ورد في الحديث النّبوي الشريف أنّ : «من قرأ سورة «عبس» جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر»(١)

* * *

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٥.

٤٠٩

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) )

سبب النّزول

تبيّن الآيات المباركة عتاب الله تعالى بشكل إجمالي ، عتابه لشخص قدّم المال والمكانة الاجتماعية على طلب الحق أمّا من هو المعاتب؟ فقد اختلف فيه المفسّرون ، لكنّ المشهور بين عامّة المفسّرين وخاصتهم ، ما يلي :

إنّها نزلت في عبد الله بن ام مكتوم ، إنّه أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبي واميّة بن خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم (فإنّ في إسلامهم إسلام جمع من أتباعهم ، وكذلك توقف عدائهم ومحاربتهم للإسلام والمسلمين) ، فقال : يا رسول الله ، أقرئني وعلمني ممّا علمك الله ، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنّه مشتغل مقبل على غيره ، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه ، وقال في

٤١٠

نفسه : يقول هؤلاء الصناديد ، إنّما أتباعه العميان والعبيد ، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم ، فنزلت الآية.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك يكرمه ، وإذا رآه قال : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي» ، ويقول له : «هل لك من حاجة».

واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين(١) .

والرأي الثّاني في شأن نزولها : ما

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّها نزلت في رجل من بني اميّة ، كان عند النّبي ، فجاء ابن ام مكتوم ، فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه عبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك ، وأنكره عليه»(٢) .

وقد أيّد المحقق الإسلامي الكبير الشريف المرتضى الرأي الثّاني.

والآية لم تدل صراحة على أنّ المخاطب هو شخص النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّ الآيات (٨ ـ ١٠) في السورة يمكن أن تكون قرينة ، حيث تقول :( وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) ، والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من ينطبق عليه هذا الخطاب الربّاني.

ويحتجّ الشريف المرتضى على الرأي الأوّل ، بأنّ ما في آية( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) لا يدل على أنّ المخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أنّ العبوس ليس من صفاته مع أعدائه ، فكيف به مع المؤمنين المسترشدين! ووصف التصدّي للأغنياء والتلهي عن الفقراء ممّا يزيد البون سعة ، وهو ليس من أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكريمة ، بدلالة قول الله تعالى في الآية (٤) من سورة (ن) ، والتي نزلت قبل سورة عبس ، حيث وصفه الباري :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

وعلى فرض صحة الرأي الأوّل في شأن النزول ، فإنّ فعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحال هذه لا يخرج من كونه (تركا للأولى) ، وهذا ما لا ينافي العصمة ،

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٧.

(٢) المصدر السابق.

٤١١

وللأسباب التالية :

أوّلا : على فرض صحة ما نسب إلى النّبي في إعراضه عن الأعمى وإقباله على شخصيات قريش ، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفعله ذلك لم يقصد سوى الإسراع في نشر الإسلام عن هذا الطريق ، وتحطيم صف أعدائه.

ثانيا : إنّ العبوس أو الانبساط مع الأعمى سواء ، لأنّه لا يدرك ذلك ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ «عبد الله بن ام مكتوم» لم يراع آداب المجلس حينها ، حيث أنّه قاطع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا في مجلسه وهو يسمعه يتكلم مع الآخرين ، ولكن بما أنّ الله تعالى يهتم بشكل كبير بأمر المؤمنين المستضعفين وضرورة اللطف معهم واحترامهم فإنّه لم يقبل من رسوله هذا المقدار القليل من الجفاء وعاتبه من خلال تنبيهه على ضرورة الاعتناء بالمستضعفين ومعاملتهم بكل لطف ومحبّة.

ويمثل هذا السياق دليلا على عظمة شأن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالقرآن المعجز قد حدد لنبيّ الإسلام الصادق الأمين أرفع مستويات المسؤولية ، حتى عاتبه على أقل ترك للأولى (عدم اعتنائه اليسير برجل أعمى) ، وهو ما يدلل على أنّ القرآن الكريم كتاب إلهي وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادق فيه ، حيث لو كان الكتاب من عنده (فرضا) فلا داعي لاستعتاب نفسه

ومن مكارم خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما ورد في الرواية المذكورة ـ إنّه كان يحترم عبد الله بن ام مكتوم ، وكلما رآه تذكر العتاب الرّباني له.

وقد ساقت لنا الآيات حقيقة أساسية في الحياة للعبرة والتربية والاستهداء بها في صياغة مفاهيمنا وممارستنا ، فالرجل الأعمى الفقير المؤمن أفضل من الغني المتنفذ المشرك ، وأنّ الإسلام يحمي المستضعفين ولا يعبأ بالمستكبرين.

ونأتي لنقول ثانية : إنّ المشهور بين المفسّرين في شأن النّزول ، هو نزولها في شخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن ليس في الآية ما يدل بصراحة على هذا المعنى.

* * *

٤١٢

التّفسير

عتاب ربّاني!

بعد أن تحدثنا حول شأن نزول الآيات ، ننتقل إلى تفسيرها :

يقول القرآن أولا :( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) .

لماذا؟ :( أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ) .

( وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ، ويطلب الإيمان والتقوى والتزكية.

( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ) ، فإن لم يحصل على التقوى ، فلا أقل من أن يتذكر ويستيقظ من الغفلة ، فتنفعه ذلك(١) .

ويستمر العتاب :( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى ) ، من اعتبر نفسه غنيا ولا يحتاج لأحد.

( فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) ، تتوجّه إليه ، وتسعى في هدايته ، في حين أنّه مغرور لما أصابه من الثروة والغرور يولد الطغيان والتكبر ، كما أشارت لهذا الآيتان (٦ و٧) من سورة العلق :( ... إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ) .(٢)

( وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ) ، أي في حين لو لم يسلك سبيل التقوى والإيمان ، فليس عليك شيء.

فوظيفتك البلاغ ، سواء أمن السامع أم لم يؤمن ، وليس لك أن تهمل الأعمى الذي يطلب الحقّ ، وإن كان هدفك أوسع ليشمل هداية كلّ أولئك الأغنياء المتحجرين.

__________________

(١) والفرق بين الآية والتي قبلها ، هو أنّ الحديث قد جرى حول التزكية والتقوى الكاملة ، في حين أنّ الحديث في الآية المبحوثة يتناول تأثير التذكر الإجمالي ، وإن لم يصل إلى مقام التقوى الكاملة ، وستكون النتيجة استفادة الأعمى المستهدي من التذكير ، سواء كانت الفائدة تامّة أم مختصرة. وقيل : إنّ الفرق بين الآيتين ، هو أنّ الأولى تشير إلى التطهير من المعاصي ، والثانية تشير إلى كسب الطاعات وإطاعة أمر الله عزوجل. والأوّل يبدو أقرب للصحة.

(٢) يقول الراغب في مفرداته : (غنى واستغنى وتغنى وتغانى) بمعنى واحد ، ويقول في (تصدّى) : إنّها من (الصدى) ، أي الصوت الراجع من الجبل.

٤١٣

وتأتي العتاب مرّة اخرى تأكيدا :( وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى ) ، في طلب الهداية

( وَهُوَ يَخْشى ) (١) ، فخشيته من الله هي التي دفعته للوصول إليك ، كي يستمع إلى الحقائق ليزكّي نفسه فيها ، ويعمل على مقتضاها.

( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) (٢) .

ويشير التعبير بـ «أنت» إلى أنّ التغافل عن طالبي الحقيقة ، ومهما كان يسيرا ، فهو ليس من شأن من مثلك ، وإن كان هدفك هداية الآخرين ، فبلحاظ الأولويات ، فإنّ المستضعف الظاهر القلب والمتوجه بكلّه إلى الحقّ ، هو أولى من كلّ ذلك الجمع المشرك.

وعلى أيّة حال : فالعتاب سواء كان موجه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إلى غيره ، فقد جاء ليكشف عن اهتمام الإسلام أو القرآن بطالبي الحق ، والمستضعفين منهم بالذات.

وعلى العكس من ذلك حدّة وصرامة موقف الإسلام والقرآن من الأثرياء المغرورين إلى درجة أنّ الله لا يرضى بإيذاء رجل مؤمن مستضعف.

وعلّة ذلك ، إنّ الطبقة المحرومة من الناس تمثل : السند المخلص للإسلام دائما الأتباع الأوفياء لأئمّة دين الحق ، المجاهدين الصابرين في ميدان القتال والشهادة ، كما تشير إلى هذا المعنى رسالة أمير المؤمنينعليه‌السلام لمالك الأشتر : «وإنّما عماد الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء العامّة من الأئمّة ، فليكن صغوك لهم وميلك معهم»(٣) .

* * *

__________________

(١) يراد بالخشية هنا : الخوف من الله تعالى ، الذي يدفع الإنسان ليتحقق بعمق وصولا لمعرفته جلّ اسمه ، وكما يعبر المتكلمون عنه بـ وجوب معرفة الله بدليل دفع الضرر المحتمل. واحتمل الفخر الرازي : يقصد بالخشية ، الخوف من الكفّار ، أو الخوف من السقوط على الأرض لفقدانه البصر. وهذا بعيد جدّا.

(٢) «التلهي» : من (اللهو). ويأتي هنا بمعنى الغفلة عنه والاستغفال بغيره ، ليقف في قبال «التصّدي».

(٣) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.

٤١٤

الآيات

( كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) )

التّفسير

تأتي هذه الآيات المباركة لتشير إلى أهمية القرآن وطهارته وتأثيره في النفوس ، بعد أن تناولت الآيات التي سبقتها موضوع (الإعراض عن الأعمى الذي جاء لطلب الحق) ، ، فتقول( كَلَّا ) فلا ينبغي لك أن تعيد الكرّة ثانية.

( إِنَّها تَذْكِرَةٌ ) ، إنّما الآيات القرآنية تذكرة للعباد ، فلا ينبغي الإعراض عن المستضعفين من ذوي القلوب النقية الصافية والتوجه إلى المستكبرين ، أولئك الذين ملأ الغرور نفوسهم المريضة.

ويحتمل أيضا ، كون الآيات ،( كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ ) جواب لجميع التهم الموجهة ضد القرآن من قبل المشركين وأعداء الإسلام.

٤١٥

وفتقول الآية : إنّ الأباطيل والتهم الزائفة التي افتريتم بها على القرآن من كونه شعر أو سحر أو نوع من الكهانة ، لا يمتلك من الصحة شيئا ، وإنّما الآيات القرآنية آيات تذكرة وإيمان ، ودليلها فيها ، وكلّ من اقترب منها سيجد أثر ذلك في نفسه (ما عدا المعاندين).

وتشير الآية التالية إلى اختيارية الهداية والتذكّر :( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) (١) .

نعم ، فلا إجبار ولا إكراه في تقبل الهدي الرّباني ، فالآيات القرآنية مطروحة وأسمعت كلّ الآذان ، وما على الإنسان إلّا أن يستفيد منها أو لا يستفيد.

ثمّ يضيف : أنّ هذه الكلمات الإلهية الشريفة مكتوبة في صحف (ألواح وأوراق) :( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ) .

«الصحف» : جمع (صحيفة) بمعنى اللوح أو الورقة ، أو أيّ شيء يكتب عليه.

فالآية تشير إلى أنّ القرآن قد كتب على ألواح من قبل أن ينزّل على النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصلت إليه بطريق ملائكة الوحي ، والألواح بطبيعتها جليلة القدر وعظيمة الشأن.

وسياق الآية وارتباطها مع ما سبقها من آيات وما سيليها : لا ينسجم مع ما قيل من أنّ المقصود بالصحف هنا هو ، كتب الأنبياء السابقين.

وكذا الحال بالنسبة لما قيل من كون «اللوح المحفوظ» ، لأنّ «اللوح والمحفوظ» لا يعبر عنه بصيغة الجمع ، كما جاء في الآية : «صحف».

وهذه الصحف المكرمة :( مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) .

فهي مرفوعة القدر عند الله ، وأجلّ من أن تمتد إليها أيدي العابثين وممارسات المحرّفين ، ولكونها خالية من قذارة الباطل ، فهي أطهر من أن تجد فيها أثرا لأيّ تناقض أو تضاد أو شك أو شبهة.

__________________

(١) يعود ضمير : «ذكره» إلى ما يعود إليه ضمير «إنّها» ، وسبب اختلاف الصيغة بين الضميرين هو أنّ ضمير «إنّها» يرجع إلى الآيات القرآنية ، و «ذكره» إلى القرآن ، فجاء الأوّل مؤنثا والثّاني مذكرا.

٤١٦

وهي كذلك :( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) ، سفراء من الملائكة.

وهؤلاء السفراء :( كِرامٍ بَرَرَةٍ ) .

«سفرة» : جمع (سافر) من (سفر) على وزن (قمر) ، ولغة : بمعنى كشف الغطاء عن الشيء ، ولذا يطلق على الرسول ما بين الأقوام (السفير) لأنّه يزيل ويكشف الوحشة فيما بينهم ، ويطلق على الكاتب اسم (السافر) ، وعلى الكتاب (سفر) لما يقوم به من كشف موضوع ما وعليه فالسفرة هنا ، بمعنى : الملائكة الموكلين بإيصال الوحي الإلهي إلى النّبي ، أو الكاتبين لآياته.

وقيل : هم حفّاظ وقرّاء وكتّاب القرآن والعلماء ، الذين يحافظون على القرآن من أيدي العابثين وتلاعب الشياطين في كلّ عصر ومصر.

ويبدو هذا القول بعيدا ، لأنّ الحديث في الآيات كان يدور حول زمان نزول الوحي على صدر الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس عن المستقبل.

وما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، في وقوله : «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة»(١) . بجعل الحافظين للقرآن العاملين به في درجة السفرة الكرام البررة ، فليسوا هم السفرة بل في مصافهم ، لأنّ جلالة مقام حفظهم وعملهم ، يماثل ما يؤديه حملة الوحي الإلهي.

ونستنتج من كلّ ما تقدم : بأنّ من يسعى في حفظ القرآن وإحياء مفاهيمه وأحكامه ممارسة ، فله من المقام ما للكرام البررة.

«كرام» : جمع (كريم) ، بمعنى العزيز المحترم ، وتشير كلمة «كرام» في الآية إلى عظمة ملائكة الوحي عند الله وعلو منزلتهم.

وقيل : «كرام» : إشارة إلى طهارتهم من كلّ ذنب ، بدلالة الآيتين (٢٦ و٢٧) من سورة الأنبياء :( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٣٨.

٤١٧

«بررة» : جمع (بار) ، من (البرّ) ، بمعنى التوسع ، ولذا يطلق على الصحراء الواسعة اسم (البر) ، كما يطلق على الفرد الصالح اسم (البار) لوسعة خير وشمول بركاته على الآخرين.

و «البررة» : في الآية ، بمعنى : إطاعة الأمر الإلهي ، والطهارة من الذنوب.

ومن خلال ما تقدم تتوضح لنا ثلاث صفات للملائكة.

الاولى : إنّهم «سفرة» حاملين وحيه جلّ شأنه.

الثّانية : إنّهم أعزاء ومكرمون.

الثالثة : طهرة أعمالهم عن كلّ تقاعس أو مفسدة.

وعلى الرغم من توفير مختلف وسائل الهداية إلى الله ، ومنها ما في صحف المكرمة من تذكير وتوجيه ولكنّ الإنسان يبقى عنيدا متمردا :( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) (١) .

«الكفر» : في هذا الموضوع قد يحتمل على ثلاثة معان عدم الإيمان ، الكفران وعدم الشكر جحود الحق وستره بأيّ غطاء كان وعلى كلّ المستويات ، وهو المعنى الجامع والمناسب للآية ، لأنّها تعرضت لأسباب الهداية والإيمان ، فيما تتحدث الآيات التي تليها عن بيان النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى.

( قُتِلَ الْإِنْسانُ ) : كناية عن شدّة غضب الباري جلّ وعلا ، وزجره لمن يكفر بآياته.

ثمّ يتعرض البيان القرآني إلى غرور الإنسان الواهي ، والذي غالبا ما يوقع صاحبه في هاوية الكفر والجحود السحيقة :( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) ؟

__________________

(١) «قتل الإنسان» : نوع من اللعن ، وهو أشدّها عن الزمخشري في (الكشاف). «ما» ، في «ما أكفره» : للتعجب ، التعجب من السير في متاهات الكفر والضلال ، مع ما للحق من سبيل واضحة ، وتوفير مختلف مصاديق واللطف والرحمة والرّبانية التي توصل الإنسان إلى شاطئ النجاة.

٤١٨

لقد خلقه من نطفة قذرة حقيرة ، ثمّ صنع منه مخلوقا موزونا مستويا قدّر فيه جميع أموره في مختلف مراحل حياته :( مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) .

فلم لا يتفكر الإنسان بأصل خلقته؟!

لم ينسى تفاهة مبدأه؟!

ألّا يجدر به أن يتأمل في قدرة الباري سبحانه ، وكيف جعله موجودا بديع الهيئة والهيكل من تلك النطفة الحقيرة القذرة!! ألا يتأمل!!

فالنظرة الفاحصة الممعنة في خلق الإنسان من نطفة قذرة وتحويله إلى هيئته التامّة المقدرة من كافة الجهات ، ومع ما منحه الله من مواهب واستعدادات لأفضل دليل يقودنا بيسر إلى معرفته جلّ اسمه.

«قدّره» : من (التقدير) ، وهو الحساب في الشيء وكما بات معلوما أنّ أكثر من عشرين نوعا من الفلزات وأشباه الفلزات داخلة في التركيب (البيولوجي) للإنسان ، ولكلّ منها مقدارا معينا ومحسوبا بدقّة متناهية من حيث الكمية الكيفية ، بل ويتجاوز التقدير حدّ البناء الطبيعي للبدن ليشمل حتى الاستعدادات والغرائز والميول المودعة في الإنسان الفرد ، بل وفي المجموع العام للبشرية ، وقد وضع الحساب في مواصفات تكوينية ليتمكن الإنسان بواسطتها من الوصول إلى السعادة الإنسانية المرجوة.

وتتجلّى عظمة تقدير الخالق سبحانه في تلك النطفة الحقيرة القذرة التي تتجلّى بأبهى صورها جمالا وجلالا ، حيث لو جمعنا الخلايا الأصلية للإنسان (الحيامن) لجميع البشر ، ووضعناها في مكان واحد ، لكانت بمقدار حمصة! نعم

فقد أودعت في هذا المخلوق العاقل الصغير كلّ هذه البدائع والقابليات.

وقيل : التقدير بمعنى التهيئة.

وثمّة احتمال آخر ، يقول التقدير بمعنى إيجاد القدرة في هذه النطفة المتناهية في الصغر.

٤١٩

فما أجلّ الإله الذي الذي جعل في موجود ضعيف كلّ هذه القدرة والاستطاعة ، فترى النطفة بعد أن تتحول إلى الإنسان تسير وتتحرك بين أقطار السماوات والأرض ، وتغوص في أعماق البحار وقد سخرت لها كلّ ما يحيط بها من قوى(١) .

ولا مانع من الأخذ بالتفاسير الثلاث جملة واحدة.

ويستمر القرآن في مشوار المقال :( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) يسّر له طريق تكامله حينما كان جنينا في بطن امّه ، يسّر له سبيل خروجه إلى الحياة من ذلك العالم المظلم.

ومن عجيب خلق الإنسان أنّه قبل خروجه من بطن امّه يكون على الهيئة التالية : رأسه إلى الأعلى ورجليه إلى الأسفل ، ووجهه متجها صوب ظهر امّه ، وما أن تحين ساعة الولادة حتى تنقلب هيئة فيصبح رأسه إلى الأسفل كي تسهل وتتيسّر ولادته! وقد تشذ بعض حالات لولادة ، بحيث يكون الطفل في بطن امّه في هيئة مغايرة للطبيعة ، ممّا تسبب كثير من السلبيات على وضع الام عموما.

وبعد ولادته : يمرّ الإنسان في مرحلة الطفولة التي تتميز بنموه الجسمي ، ثمّ مرحلة نمو الغرائز ، فالرشد في مسير الهداية الايمانية والروحية ، ويساهم العقل ودعوة الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام في تركيز معالم شخصية وبناء الإنسان ورحيا وإيمانيا.

وبلاغة بيان القرآن قد جمعت كلّ ذلك في جملة واحدة :( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) .

والملفت للنظر أنّ الآية المباركة تؤكّد على حرية اختيار الإنسان حين قالت أنّ الله تعالى يسّر وسهّل له الطريق الى الحق ، ولم تقل أنّه تعالى أجبره على

__________________

(١) يقول الراغب في مفردات : «قدّره» (بالتشديد) : أعطاه القدرة ، ويقال : قدّرني الله على كذا وقواني عليه».

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

منها ولدا طيّبا، تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي ». ويجتنب العقد في وقت يكون القمر فيه في برج العقرب، فإنّ ذلك مكروه على ما جاءت به الأخبار.

وإذا أراد العقد يستحبّ أن يكون ذلك بالإعلان والإشهاد والخطبة فيه بذكر الله تعالى. فإن أخلّ بشي‌ء من ذلك أو بجميعه، لم يفسد به العقد، وكان ثابتا، إلّا أنّه يكون قد ترك الأفضل. ويستحبّ الوليمة عند الزّفاف يوما أو يومين يدعى فيها المؤمنون.

وإذا قرب تحوّل المرأة إلى بيت الزّوج، يستحبّ أن يأمرها بأن تصلّي ركعتين، وتكون على وضوء إذا دخلت عليه، ويصلّي هو أيضا مثل ذلك، ويكون على وضوء إذا أدخلت عليه امرأته، ويدعو الله تعالى عقيب الرّكعتين، ويسأله أن يرزقه إلفها وودّها ورضاها. فإذا أدخلت المرأة عليه، فليضع يده على ناصيتها ويقول: « اللهمّ على كتابك تزوّجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها. فإن قضيت في رحمها نسبا، فاجعله مسلما سويّا، ولا تجعله شرك شيطان ».

ويستحبّ أن يكون عقد التّزويج والزّفاف باللّيل ويكون الإطعام بالنّهار.

ولا يجوز للرّجل أن يدخل بامرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين. فإن دخل بها قبل أن يأتي لها تسع سنين، فعابت، كان ضامنا لعيبها، ويفرّق بينهما، ولا تحل له أبدا.

٤٨١

ويستحبّ أن يسمّي الله تعالى عند الجماع، ويسأله أن يرزقه ولدا ذكرا سويّا ليس في خلقه زيادة ولا نقصان. ويكره الجماع ليلة الكسوف، واليوم الذي تنكسف فيه الشّمس، وفيما بين غروب الشّمس الى مغيب الشّفق، ومن طلوع الفجر الى طلوع الشّمس، وفي الرّيح السّوداء والصّفراء، وعند الزّلازل، وفي محاق الشّهر، وفي أوّل ليلة من الشّهر إلّا ليلة شهر رمضان وفي ليلة النّصف.

ويكره للقادم من السّفر أن يطرق أهله ليلا حتّى يصبح. ويكره أن يجامع الرّجل وهو عريان، أو يكون مستقبل القبلة أو مستدبرها. ولا ينبغي أن يجامع أهله في السّفينة. وإذا احتلم الرّجل، فلا يجامع حتّى يغتسل. فإن أراد ذلك، فليتوضّأ وضوء الصّلاة، ثمَّ يفعل ما شاء. ولا يجوز للرّجل أن يترك المرأة ولا يقربها أكثر من أربعة أشهر. فإن تركها أكثر من ذلك، كان مأثوما. ويكره للرّجل النّظر الى فرج امرأته. ويكره الكلام في حال الجماع سوى ذكر الله تعالى. ولا ينبغي أن يجامع الرّجل أهله في بيت يكون فيه غيرهما من الصّبيان وغيرهم. ويكره للرّجل أن يأتي النّساء في أحشاشهنّ. فأمّا ما عدا ذلك، فليس به بأس.

ويكره للرّجل أن يعزل عن امرأته الحرّة. إن عزل، لم يكن بذلك مأثوما، غير أنّه يكون تاركا فضلا. اللهمّ إلّا أن يشرط

٤٨٢

عليها في حال العقد أو يستأذنها في حال الوطي، فإنّه لا بأس بالعزل عنها عند ذلك. وأمّا الأمة فلا بأس بالعزل عنها على كلّ حال.

وإذا كان الرّجل في السّفر، وليس معه ماء للغسل، كره له الجماع، إلّا أن يخاف على نفسه.

وإذا كان للرّجل امرأتان، جاز له أن يبيت عند واحدة منهما ثلاث ليال، وعند الأخرى ليلة واحدة. وإن كانت عنده ثلاث نساء، جاز له أن يبيت عند واحدة منهنّ ليلتين وعند كلّ واحدة منهنّ ليلة ليلة. وإذا كان عنده أربع نساء، فلا يجوز له أن يبيت عند كلّ واحدة منهنّ أكثر من ليلة ليلة. وينبغي أن يسوّي بينهنّ في القسمة. اللهمّ إلّا أن تترك واحدة منهنّ ليلتها لامرأة أخرى، فيجوز للرّجل حينئذ أن يبيت عندها ليلتين. وإذا بات عند كلّ واحدة منهنّ ليلة، وسوّى بينهنّ في القسمة، فليس يلزمه جماعها، بل هو مخيّر في ذلك.

وإذا عقد على امرأة بكر، جاز له تفضيلها بثلاث ليال الى سبع ليال، ثمَّ يرجع بعد ذلك الى التّسوية. وإذا اجتمع عند الرّجل حرّة وأمة، كان للحرّة ليلتان وللأمة ليلة. هذا إذا كانت الأمة زوجة. فأمّا إذا كانت ملك يمين، فليس لها قسمة مع الحرائر. وحكم اليهوديّة والنّصرانيّة إذا كانتا زوجتين حكم الإماء على السّواء.

٤٨٣

ولا بأس أن يفضّل الرّجل بعض نسائه على بعض في النّفقة والكسوة. وإن سوّى بينهنّ وعدل، كان أفضل.

ولا بأس أن ينظر الرّجل الى وجه امرأة يريد العقد عليها، وينظر الى محاسنها: يديها ووجهها. ويجوز أن ينظر الى مشيها وإلى جسدها من فوق ثيابها. ولا يجوز له شي‌ء من ذلك إذا لم يرد العقد عليها. ولا بأس أن ينظر الرّجل الى أمة يريد شراءها، وينظر إلى شعرها ومحاسنها. ولا يجوز له ذلك إذا لم يرد ابتياعها.

والنّظر الى نساء أهل الكتاب وشعورهنّ لا بأس به، لأنّهنّ بمنزلة الإماء إذا لم يكن النّظر لريبة أو تلذّذ. فأمّا إذا كان كذلك، فلا يجوز النّظر إليهنّ على حال.

باب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد

إذا عقد الرّجل على امرأة على أنّها حرّة فوجدها أمة، كان له ردّها. فإن كان قد دخل بها، كان لها المهر بما استحلّ من فرجها. وللرّجل أن يرجع على وليّها الذي دلسها بالمهر. فإن كان الوليّ لم يعلم دخيلة أمرها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن كان لم يدخل بها، لم يكن لها مهر. وإن كان قد أعطاها المهر، كان له الرّجوع عليها به. وإذا ردّها كان ردّه لها فراقا بينه وبينها. ولا يحتاج مع ذلك الى طلاق.

وإذا تزوّجت المرأة برجل على أنّه حرّ، فوجدته عبدا،

٤٨٤

كانت بالخيار بين إقراره على العقد وبين اعتزاله. فإن اعتزلت كان ذلك فراقا بينها وبينه. وإن استقرّت معه، لم يكن لها بعد ذلك خيار. وإن كان دخل بها، كان لها الصّداق بما استحلّ من فرجها. وإن لم يكن قد دخل بها، لم يكن لها عليه شي‌ء.

وإذا عقد الرّجل على بنت رجل على أنّها بنت مهيرة، فوجدها بنت أمة، كان له ردّها. وإن لم يكن دخل بها، لم يكن بها عليه شي‌ء، وكان المهر على أبيها. وإن كان قد دخل بها، كان المهر عليه بما استحلّ من فرجها. فإن رضي بعد ذلك بالعقد، لم يكن له بعد ذلك خيار.

ومتى كان للرّجل بنتان: إحداهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة، فعقد لرجل على بنته من المهيرة، ثمَّ أدخلت عليه بنته من الأمة، كان له ردّها. وإن كان قد دخل بها، وأعطاها المهر، كان لها المهر بما استحلّ من فرجها. وإن لم يكن دخل بها، فليس لها عليه مهر، وعلى الأب أن يسوق اليه ابنته من المهيرة، وكان عليه المهر من ماله، إذا كان المهر الأوّل قد وصل الى ابنته الأولى. وإن لم يكن قد وصل إليها. ولا يكون قد دخل بها، كان المهر في ذمّة الزّوج.

وإذا تزوّج الرّجل بامرأة، فوجدها برصاء أو جذماء أو عمياء أو رتقاء أو مفضاة أو عرجاء أو مجنونة، كان له ردّها من غير طلاق. وإن كان قد دخل بها، كان لها المهر بما استحلّ من

٤٨٥

فرجها، وله أن يرجع على وليّها بالمهر الذي أعطاها، إذا كان الوليّ عالما بحالها. إن لم يكن عالما بحالها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن دخل بها، لم يكن عليه مهر. فإن كان قد أعطاها المهر، كان له الرّجوع عليها به. ومتى وطئها بعد العلم بحالها، لم يكن له بعد ذلك ردّها. فإن أراد فراقها، طلّقها.

فأمّا ما عدا ما ذكرناه من العيوب، فليس يوجب شي‌ء منها الرّدّ مثل العور وما أشبه ذلك. والمحدودة في الزّنا لا تردّ. وكذلك التي كانت قد زنت قبل العقد، فليس للرّجل ردّها، إلّا أنّ له أن يرجع على وليّها بالمهر. وليس له فراقها إلّا بالطّلاق.

وإذا عقد على امرأة على أنّها بكر، فوجدها ثيّبا، لم يكن له ردّها، غير أنّ له أن ينقص من مهرها شيئا.

ولا يردّ الرّجل من شي‌ء من العيوب التي ذكرناها، إلّا من الجنون. ويردّ أيضا من العنّة. فإن تزوّجت المرأة برجل على أنّه صحيح فوجدته مجنونا، كانت مخيّرة بين الصّبر عليه وبين مفارقته. فإن حدث بالرّجل جنّة يعقل معها أوقات الصّلوات، لم يكن لها اختيار. وإن لم يعقل أوقات الصّلوات، كان لها الخيار. فإن اختارت فراقه، كان على وليّه أن يطلّقها.

ومتى عقد الرّجل على امرأة على أنّه صحيح، فوجدته عنّينا، انتظر به سنة: فإن وصل إليها في مدّة السّنة، ولو مرّة واحدة، لم يكن لها عليه خيار. وإن لم يصل إليها أصلا، كانت مخيّرة

٤٨٦

بين المقام معه، وبين مفارقته. فإن رضيت، لم يكن لها بعد ذلك خيار. وإن اختارت فراقه، كان لها نصف الصّداق، وليس لها عدّة. وإن حدث بالرّجل عنّة، كان الحكم في ذلك مثل ما قدّمناه في أنّه يؤجّل سنة: فإن وصل إليها، كان أملك بها، وإن لم يصل إليها، كانت بالخيار. هذا إذا حدثت به العنّة قبل الدّخول بها. فان حدثت بعد الدّخول فلا خيار لها على حال. وإذا لم يقدر على إتيان امرأة، وقدر على إتيان غيرها من النّساء، لم يكن لها عليه خيار.

وإذا اختلف الزّوج والمرأة، فادّعى الزّوج أنّه قربها، وأنكرت المرأة ذلك، فإن كانت المرأة بكرا، فإنّ ذلك ممّا يعرف بالنّظر إليها. فإن وجدت كما كانت، لم يكن لادّعاء الرّجل تأثير. وإن لم توجد كذلك، لم يكن لإنكار المرأة تأثير. وإن كانت المرأة ثيّبا، كان القول قول الرّجل مع يمينه بالله تعالى. وقد روي أنّها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا، ثمَّ يأمر الحاكم الرّجل بوطيها. فإن وطئها، فخرج وعلى ذكره أثر الخلوق، صدّق وكذّبت. وإن لم يكن الأثر موجودا، صدّقت وكذّب الرّجل.

وإن تزوّجت المرأة برجل على أنّه صحيح، فوجدته خصيّا، كانت بالخيار بين الرّضا بالمقام معه وبين مفارقته. فإن رضيت بالمقام معه، لم يكن لها بعد ذلك خيار. وإن أبت، فرق بينهما.

٤٨٧

وإن كان قد خلا بها، كان للمرأة صداقها منه. وعلى الإمام أن يعزّره لئلّا يعود الى مثل ذلك.

ومتى عقد الرّجلان على امرأتين، فأدخلت امرأة هذا على هذا والأخرى على الآخر، ثمَّ علم بعد ذلك، فإن لم يكونا دخلا بهما، ردّت كلّ واحدة منهما الى زوجها، وإن كانا قد دخلا بهما، فإنّ لكلّ واحدة منهما الصّداق. فإن كان الوليّ تعمّد ذلك، أغرم الصّداق. ولا يقرب كلّ واحد منهما امرأته حتّى تنقضي عدّتها. فإذا انقضت، صارت كلّ واحدة منهما الى زوجها بالعقد الأوّل. فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة، فليرجع الزّوجان بنصف الصّداق على ورثتهما، ويرثانهما الرّجلان. فإن مات الرّجلان، وهما في العدّة، فإنّهما ترثانهما، ولهما المهر المسمّى حسب ما قدّمناه في المتوفّى عنها زوجها، ولم يدخل بها، وعليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأولى، تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها.

ومتى أقام الرّجل بيّنة على أنّه تزوّج بامرأة، وعقد عليها عقدا صحيحا، وأقامت أختها على هذا الرّجل البيّنة أنّه عقد عليها، فإن البيّنة بيّنة الرّجل، ولا يلتفت الى بيّنة المرأة. اللهمّ إلّا أن تقيم البيّنة بأنّه عقد عليها قبل عقده على أختها. فإذا كان الأمر كذلك، قبلت بيّنتها، وأبطلت بيّنة الرّجل.

٤٨٨

وإذا انتمى رجل الى قبيلة بعينها، وتزوّج، فوجد على خلاف ذلك، أبطل التّزويج.

باب المتعة وأحكامها

نكاح المتعة مباح في شريعة الإسلام، وهو ما قدّمنا ذكره من عقد الرّجل على امرأة مدّة معلومة بمهر معلوم.

ولا بدّ من هذين الشّرطين، وبهما يتميّز من نكاح الدّوام. فإن عقد عليها متعة، ولم يذكر الأجل، كان التّزويج دائما، ولزمه ما يلزمه في نكاح الغبطة من المهر والنّفقة والميراث، وأن لا تبين منه إلّا بالطّلاق أو ما جرى مجراه. وإن ذكر الأجل، ولم يذكر المهر، لم يصحّ العقد.

وأمّا ما عدا هذين الشرطين، فمستحبّ ذكره دون أن يكون ذلك من الشرائط الواجبة: منها أنّه يذكر الشّرطين معا، ويذكر أن لا نفقة لها، ولا ميراث بينهما، وأنّه تلزمها العدّة بعد مفارقتها إيّاه إمّا بانقضاء الأجل أو الموت، ويشرط العزل عنها إن شاء. فإن أخلّ بشي‌ء من هذه الشّرائط، لم يفسد العقد إلّا أنه يكون تاركا فضلا.

وأمّا الإشهاد والإعلان، فليسا من شرائط المتعة على حال، اللهمّ إلّا أن يخاف الرّجل التّهمة بالزّنا، فيستحبّ له حينئذ أن يشهد على العقد شاهدين.

٤٨٩

وإذا أراد التّمتّع بامرأة، فليطلب امرأة عفيفة مؤمنة مستبصرة معتقدة للحقّ. فإن لم يجد بهذه الصّفة، ووجد مستضعفة، جاز أن يعقد عليها.

ولا بأس بالمتعة باليهوديّة والنّصرانيّة. ويكره التّمتّع بالمجوسيّة، وليس ذلك بمحظور. إلّا أنّه متى عقد على واحدة منهنّ، منعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ولا بأس أن يتمتّع الرّجل بالفاجرة، إلّا أنّه يمنعها بعد العقد من الفجور. وليس على الرّجل أن يسألها: هل لها زوج أم لا، لأنّ ذلك لا يمكن أن تقوم له به بيّنة. فإن اتّهمها في ذلك، احتاط في التّفتيش عن أمرها. وإن لم يفعل، فليس عليه شي‌ء.

ولا بأس أن يتزوّج الرّجل متعة بكرا ليس لها أب من غير وليّ ويدخل بها. فإن كانت البكر بين أبويها، وكانت دون البالغ، لم يجز له العقد عليها، إلّا بإذن أبيها. وإن كانت بالغا وقد بلغت حدّ البلوغ، وهو تسع سنين الى عشر، جاز له العقد عليها من غير إذن أبيها، إلّا أنّه لا يجوز له أن يفضي إليها والأفضل إلّا يتزوجها إلّا بإذن أبيها على كلّ حال.

ولا بأس أن يتمتّع الرّجل بأمة غيره بإذنه. فإن كانت الأمة لامرأة، جاز له التمتّع بها من غير إذنها. والأفضل إلّا يتمتّع بها إلّا بإذنها. فإذا كانت عنده امرأة حرّة، فلا يتمتّع بأمة إلّا برضى الحرّة. وكان الحكم في المتعة حكم نكاح الدوام.

٤٩٠

وإذا أراد العقد، فليذكر من المهر والأجل ما تراضيا عليه. وأقلّ ما يجزئ من المهر تمثال من سكّر أو كفّ من طعام أو ما أشبه ذلك. فإن ذكر لها مهرا معلوما وأجلا معلوما، ثمَّ أراد مفارقتها قبل الدّخول بها، فليهب لها أيّامها، ويلزمه نصف المهر. فإن كان قد أعطاها المهر، رجع عليها بنصفه. فإن وهبت مهرها له قبل أن يفارقها، كان له أن يرجع بمثل نصف المهر بعد تخليته إيّاها. فإن أعطاها شيئا من مهرها، ودخل بها، لزمه ما يبقى عليه منه إذا وقت له بأيّامه. فإن أخلّت بشي‌ء من أيّامه، جاز له أن ينقصها بحساب ذلك من المهر. فإن تبيّن بعد الدّخول بها أنّ لها زوجا، كان لها ما أخذت منه، ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي عليه.

فأمّا الأجل، فما تراضيا عليه من شهر أو سنة أو يوم. وقد روي أنّه يجوز أن يذكر المرّة والمرّتين. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يذكر يوما معلوما أو شهرا معيّنا. فإن ذكر المرّة والمرّتين، جاز له ذلك، إذا أسنده إلى يوم معلوم. فإن ذكر المرّة مبهمة، ولم يقرنها بالوقت، كان العقد دائما، لا يزول إلّا بالطّلاق أو ما يجري مجراه.

ويجوز أن يشرط عليها أن يأتيها ليلا أو نهارا أو في أسبوع دفعة أو يوما بعينه، أيّ ذلك شاء فعل، ولم يكن عليه شي‌ء. ومتى عقد عليها شهرا، ولم يذكر الشّهر بعينه، ومضى عليها

٤٩١

شهر، ثمَّ طالبها بعد ذلك بما عقد عليها، لم يكن له عليها سبيل. وإن كان قد سمّى الشّهر بعينه، كان له شهره الذي عيّنه.

وليس في نكاح المتعة توارث، شرط نفي الميراث أو لم يشرط، اللهمّ إلّا أن يشرط أنّ بينهما التّوارث. فإن شرط ذلك، ثبتت بينهما الموارثة. وإنّما لا يحتاج نفي التّوارث الى شرط.

ويجوز للرّجل العزل، وإن لم يكن شرط. ومتى جاءت بولد، كان لاحقا به، سواء عزل أو لم يعزل.

ولا بأس أن يتزوّج الرّجل متعة ما شاء من النّساء، لأنهنّ بمنزلة الإماء. والأحوط له والأفضل أن لا يزيد على أربع منهنّ.

ولا بأس أن يعقد الرّجل على امرأة واحدة مرّات كثيرة واحدة بعد أخرى. وإذا انقضى أجل المتعة، جاز له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا في الحال. فإن أراد أن يزيدها في الأجل قبل انقضاء أجلها، لم يكن له ذلك. فإن أراده، فليهب لها ما بقي عليها من الأيّام، ثمَّ ليعقد عليها على ما شاء من الأيّام.

وعدّة المتمتّعة إذا انقضى أجلها، أو وهب لها زوجها أيّامها، حيضتان أو خمسة وأربعون يوما، إذا كانت لا تحيض وفي سنّها من تحيض. وإذا مات عنها زوجها قبل انقضاء أجلها، كانت عدّتها مثل عدّة المعقود عليها عقد الدّوام أربعة أشهر وعشرة أيّام.

٤٩٢

وإذا اشترط الرّجل في حال العقد ألّا يطأها في فرجها، لم يكن له وطؤها فيه. فإن رضيت بعد العقد بذلك، كان ذلك جائزا.

وكلّ شرط يشرطه الرّجل على امرأة، إنّما يكون له تأثير بعد ذكر العقد. فإن ذكر الشروط، وذكر بعدها العقد، كانت الشّروط التي قدّم ذكرها باطلة لا تأثير لها. فإن كرّرها بعد العقد، ثبتت على ما شرط.

باب السراري وملك الأيمان

يستباح وطؤ الإماء بثلاثة أشياء:

أحدها العقد عليهنّ بإذن أهلهنّ، وقد قدّمنا ذكر ذلك. والثّاني بتحليل مالكهنّ الرّجل من وطئهنّ وإباحته له، وإن لم يكن هناك عقد.

والثّالث بأن يملك منّ فيستبيح وطأهنّ بملك الإيمان له.

وإذا أحلّ الرّجل جاريته لأخيه أو المرأة لأخيها أو لزوجها، حلّ له منها ما أحلّه له مالكها: إن أحلّ له وطأها حلّ له كلّ شي‌ء منها. وإن أحلّ له ما دون الوطي، فليس له إلّا ما جعله منه في حلّ. إن أحلّ له خدمتها، لم يكن له سوى الخدمة شي‌ء. وإن أحلّ له مباشرتها وتقبيلها، كان له ذلك، ولم يكن له وطؤها. فإن وطئها، كان عاصيا. وإن أتت بالولد، كان لمولاها، ويكون

٤٩٣

رقّا له، ولزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا. وإن كانت غير بكر، لزمه نصف عشر قيمتها. ومتى جعله في حلّ من وطئها، وأتت بولد، كان لمولاها، وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال. وإن لم يكن له مال استسعي في ثمنه. فإن شرط أن يكون الولد حرّا، كان على ما شرط.

ويكره للرّجل أن يطأ جارية غيره بتحليله لها إلّا بعد أن يشرط أن يكون الولد حرّا. فإن امتنع مولاها من ذلك، كره له وطؤها.

ويحلّ له منها مقدار ما يحلّله له مالكها: إن يوما فيوما، وإن شهرا فشهرا، على حسب ما يريد. ولا يجوز للرّجل أن يجعل عبده في حلّ من وطي جاريته. فإن أراد ذلك، عقد له عليها عقدا.

وينبغي أن يراعي فيما ذكرناه لفظ التّحليل، وهو أن يقول الرّجل المالك للأمة لمن يحلّلها له: جعلتك في حلّ من وطي هذه الجارية أو أحللت لك وطيها. ولا يجوز لفظ العاريّة في ذلك. وحكم المدبّرة في التّحليل حكم المملوكة على السّواء.

ومتى كانت الجارية بين شريكين، جاز لأحدهما أن يجعل صاحبه في حلّ من وطئها، وإذا كان الرّجل مالكا لنصف الجارية، والنّصف الآخر منها يكون حرّا، لم يجز له وطؤها، بل يكون له من خدمتها يوم، ولها من نفسها يوم. فإن أراد العقد

٤٩٤

عليها في يومها، عقد عليها عقد المتعة وكان ذلك جائزا.

ومتى ملك الرّجل جارية بأحد وجوه التّمليكات من بيع أو هبة أو ميراث أو سبي أو غير ذلك، لم يجز له وطؤها إلّا بعد أن يستبرئها بحيضة إن كانت ممّن تحيض. وإن لم تكن ممّن تحيض ومثلها تحيض، استبرأها بخمسة وأربعين يوما. وإن كانت قد أيست من المحيض أو لم تكن بلغته، لم يكن عليه استبراؤها.

وكذلك يجب على الذي يريد بيع جارية كان يطأها، أن يستبرأها إمّا بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما. فإن استبرأها البائع ثمَّ باعها، وكان موثوقا به، جاز للذي يشتريها أن يطأها من غير استبراء والأفضل له استبراؤها على كلّ حال.

وإذا كانت الجارية لامرأة، جاز للذي يشتريها وطؤها قبل الاستبراء. والأفضل استبراؤها قبل الوطي مثل التي تكون للرّجل.

فإن اشترى جارية، وأعتقها قبل أن يستبرأها، جاز له العقد عليها، وحلّ له وطؤها. والأفضل أن لا يطأها إلّا بعد الاستبراء. ومتى أعتقها، وكان قد وطئها، جاز له العقد عليها ووطؤها، ولم يكن عليه استبراء على حال. فإن أراد غيره العقد عليها، لم يجز له ذلك إلّا بعد خروجها من عدّتها، هي ثلاثة أشهر.

٤٩٥

ومتى اشترى الرّجل جارية وهي حائض، تركها حتّى تظهر، ثمَّ حلّ له وطؤها، وكان ذلك كافيا في استبراء رحمها. ومتى اشترى جارية حاملا، لم يجز له وطؤها إلّا بعد وضعها الحمل أو تمضي عليه أربعة أشهر وعشرة أيّام. فإن أراد وطأها قبل ذلك وطئها فيما دون الفرج. وكذلك من اشترى جارية، وأراد وطيها قبل الاستبراء، جاز له ذلك فيما دون الفرج. والتّنزّه عن ذلك أفضل.

ولا بأس أن يجمع الرّجل بملك اليمين ما شاء من العدد، مباح له ذلك. ولا يجمع بين الأختين في الوطي. ويجوز له أن يجمع بينهما في الملك والاستخدام. وكذلك لا بأس أن يجمع بين الأمّ والبنت في الملك، ولا يجمع بينهما في الوطي. فمتى وطئ الأمّ، حرم عليه وطؤ البنت، وكذلك إن وطئ البنت، حرم عليه وطؤ الأمّ.

ولا يجوز للرّجل أن يطأ جارية قد وطئها أبوه، أو قبّلها بشهوة، أو نظر منها الى ما يحرم على غير مالكها النّظر اليه. ويجوز له أن يملكها وإن وطئها أبوه. وحكم الابن حكم الأب سواء في أنّه إذا وطئ جارية، أو قبّلها، أو رأى منها ما يحرم على غير مالكها، حرمت على الأب.

وجميع المحرّمات اللّواتي قدّمنا ذكرهنّ بالنّسب والسّبب في العقد يحرم أيضا وطؤهنّ بملك الأيمان.

٤٩٦

ولا يجوز للرّجل وطؤ جاريته إذا كان قد زوّجها من غيره، إلّا بعد مفارقة الزّوج لها، وانقضاء عدّتها. ولا يجوز له أن يطأ جارية له معه فيها شريك.

وإذا زوّج الرّجل جاريته من غيره، فلا يجوز النّظر إليها متكشّفة ولا متجرّدة من ثيابها إلّا بعد مفارقة الزّوج لها. ومن اشترى جارية كان لها زوج زوّجها مولاها، لم يكن عليه الامتناع من وطيها إلّا مدّة استبراء رحمها ما لم يرض بذلك العقد. فإن رضي به، لم يجز له وطؤها إلّا بعد مفارقة الزّوج لها بالطّلاق أو الموت.

ولا بأس أن يشتري الرّجل امرأة لها زوج من دار الحرب. وكذلك لا بأس أن يشتري الرّجل بنت الرّجل أو ابنه إذا كانوا مستحقّين للسّبي، وكذلك لا بأس أن يشتريهم وإن كان قد سباهم أهل الضّلال، إذا كانوا مستحقّين للسّبي.

وإذا كان للرّجل جارية، وأراد أن يعتقها، ويجعل عتقها مهرها، جاز له ذلك. إلّا أنّه متى أراده، ينبغي أن يقدّم لفظ العقد على لفظ العتق بأن يقول: تزوّجتك وجعلت مهرك عتقك. فإن قدّم العتق على التزويج بأن يقول: أعتقتك وتزوّجتك وجعلت مهرك عتقك مضى العتق، وكانت مخيّرة بين الرّضا بالعقد والامتناع من قبوله. فإن طلّق التي جعل عتقها مهرها قبل الدّخول بها، رجع نصفها رقّا، واستسعيت

٤٩٧

في ذلك النّصف. فإن لم تسع فيه، كان له منها يوم ولها من نفسها يوم في الخدمة. وإن كان لها ولد له مال، ألزم أن يؤدّي عنها النّصف الباقي، وتنعتق حينئذ. فإن جعل عتقها صداقها، ولم يكن أدّى ثمنها، ثمَّ مات، فإن كان له مال يحيط بثمن رقبتها، أدّي عنه، وكان العتق والنّكاح ماضيين، وإن لم يترك غيرها، كان العتق والعقد فاسدين، وترجع الأمة إلى مولاها الأوّل، وإن كانت قد علقت منه، كان حكم ولدها حكمها في كونه رقّا.

وإذا كان للرّجل ولد كبير، وله جارية، لم يجز له وطؤها، إلّا بإذن ولده. وإن كان ولده صغيرا، جاز له وطؤها إذا قوّمها على نفسه، ويكون ضامنا للثّمن، ولا يجوز له وطؤها قبل ذلك.

والمرأة الحرّة إذا كان لها زوج مملوك، فورثته أو اشترته، أبطل ذلك العقد. فإن أرادته، لم يكن لها ذلك، إلّا بأن تعتقه وتتزوّج به.

وإذا أذن الرّجل لعبده في التّزويج، فتزوّج ثمَّ أبق، لم يكن لها على مولاه نفقة، وقد بانت من الزّوج، وكان عليها العدّة منه. فإن رجع العبد قبل خروجها من العدّة، كان أملك برجعتها. وإن أعاد بعد انقضاء عدّتها، لم يكن له عليها سبيل.

وإذا كان العبد بين شريكين، فأذن له أحدهما في التّزويج

٤٩٨

فتزوّج، ثمَّ علم الآخر، كان مخيّرا بين إمضاء العقد وبين فسخه.

وإذا كان للرّجل جارية فاجرة، كره له وطؤها. فإن وطئها، فلا يطلب ولدها. وليعزل عنها.

ولا بأس أن يطأ الرّجل جاريته، وفي البيت معه غيره. وكذلك لا بأس أن ينام بين جاريتين. ويكره جميع ذلك في الحرائر من النّساء.

وإذا اشترى الرّجل جارية. ومضى عليها ستّة أشهر لم تحض فيها، ولم تكن حاملا، كان له ردّها، لأنّه عيب يوجب الرّد.

وإذا زوّج الرّجل أمته من غيره، وسمّى لها مهرا معيّنا، وقدّم الرّجل من جملة المهر شيئا معيّنا، ثمَّ باع الرّجل الجارية، لم يكن له المطالبة بباقي المهر، ولا لمن يشتريها، إلّا أن يرضى بالعقد. وإذا زوّج الرّجل مملوكا له بامرأة حرّة، كان المهر لازما في ذمّته. فإن باع العبد قبل الدّخول بها، وجب عليه المولى نصف المهر. وإذا زوّج الرّجل جاريته من رجل حرّ، ثمَّ أعتقها، فإن مات زوجها، ورثته ولزمها عدّة الحرّة المتوفّى عنها زوجها.

وإن علّق عتقها بموت زوجها، ثمَّ مات الزّوج، لم يكن لها ميراث، وكان عليها عدّة الحرّة المتوفى عنها زوجها.

فإن أعتق الرّجل أمّ ولده، فارتدّت بعد ذلك، وتزوّجت رجلا ذمّيّا، ورزقت منه أولادا، كان أولادها من الذّميّ رقّا للذي أعتقها فإن لم يكن حيا، كانوا رقّا لأولاده.

٤٩٩

ويعرض عليها الإسلام، فإن رجعت، وإلّا وجب عليها ما يجب على المرتدّة عن الإسلام.

وإذا كان للرّجل جارية رزق منها ولدا، لم يجز له بيعها ما دام الولد باقيا. فإن مات الولد، جاز له بيعها. ويجوز بيعها مع وجود الولد في ثمن رقبتها، إذا لم يكن مع الرّجل غيرها. فإن مات الرّجل ولم يخلّف غيرها، بيعت، وقضي بثمنها دينه وإن كان له مال غيرها، جعلت من نصيب ولدها، وتنعتق ولا يجوز أن يتزوّج الرجل بمكاتبة غيره قبل أن تقضي مكاتبتها.

ولا بأس أن يطأ الرّجل مملوكة قد ملكها عبده أو أمته، لأنّ ما يملكه مملوكه فهو ملكه.

باب الولادة والعقيقة والسنة فيهما وحكم الرضاع

إذا حضرت المرأة الولادة، فلتخل بها النّساء لتولّي أمرها، ولا يقربها أحد من الرّجال، إلّا عند عدم النّساء.

فإذا ولد المولود، يستحبّ أن يغسّل ويؤذّن في أذنه اليمنى ويقام في أذنه اليسرى ويحنّك بماء الفرات إن وجد. فإن لم يوجد، فبماء عذب. فإن لم يوجد إلا ماء ملح، مرس فيه شي‌ء من التّمر أو العسل، ثمَّ يحنّك به. ويستحبّ أن يحنّك بتربة

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793