النهاية الجزء ١

النهاية0%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

النهاية

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف:

الصفحات: 793
المشاهدات: 216100
تحميل: 5677


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216100 / تحميل: 5677
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

وإذا كان المملوك مؤمنا، وأتى عليه بعد ملكه سبع سنين، استحبّ عتقه، وأن لا يملك أكثر من ذلك.

باب العتق وأحكامه

العتق فيه فضل كثير وثواب جزيل. ويستحبّ عتق المؤمن المستبصر، ويكره عتق المخالف للحقّ. ولا بأس بعتق المستضعف.

ولا تصح أن يعتق الإنسان ما لا يملكه. فإن قال: كلّ عبد أملكه في المستقبل فهو حرّ، لا يقع به عتق، وإن ملك في المستقبل إلّا أن يجعل ذلك نذرا على نفسه. ولا عتق أيضا إلّا ما أريد به وجه الله. وإذا أعتق الرّجل وهو سكران أو مكره أو يكون معتوها، ذاهب العقل أو على غضب أو فساد أو يحلف بالعتق، لم يجز عتقه. فإن قال: « عبدي حرّ ». ولم ينو بذلك العتق، لم يقع بذلك عتق على حال.

ولا يقع العتق إلّا أن ينطق بلسانه. فأمّا إذا كتب بيده، فلا يقع بذلك عتق. ومتى لم يمكنه التّلفّظ بالعتق لمرض أو خرس، فكتب أو أشار الى العتق، وعلم من قصده ذلك، كان العتق جائزا.

ويستحبّ ألّا يعتق الإنسان إلّا من أغنى نفسه، ويقدر على اكتساب ما يحتاج اليه. ومتى أعتق صبيّا، أو من يعجز عن النّهوض بما يحتاج إليه، فالأفضل أن يجعل له شيئا يعينه به

٥٤١

على معيشته، وليس ذلك بفرض.

ولا بأس أن يعتق ولد الزّنا.

وإذا كان العبد بين شريكين، وأعتق أحدهما نصيبه مضارّة لشريكه الآخر، ألزم أن يشتري ما بقي، ويعتقه، إذا كان موسرا. وإن لم يكن موسرا، ولا يملك غير ما أعتقه، كان العتق باطلا. وإذا لم يقصد بذلك مضارّته، بل قصد به وجه الله تعالى، لم يلزم شراء الباقي وعتقه، بل يستحبّ له ذلك. فإن لم يفعل، استسعي العبد في الباقي. ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ما بقي استخدامه، ولا له عليه ضريبة، بل له أن يستسعيه فيما بقي من ثمنه. فإن امتنع العبد من السعي في فكّ رقبته، كان له من نفسه قدر ما أعتق، ولمولاه قدر ما بقي. وإذا كان لإنسان مملوك، فأعتق بعضه: نصفه أو أكثر من ذلك، أو أقلّ، انعتق الكلّ، ولم يكن له عليه سبيل.

وإذا أعتق مملوكه، وشرط عليه شرطا، وجب عليه الوفاء به، ولم يكن له خلافه. فإن شرط عليه: أنّه متى خالفه في فعل من الأفعال، كان ردّا في الرّقّ، فخالفه، كان له ردّه في الرّق. فإن شرط عليه: أنّه متى خالفه، كان له عليه شي‌ء معلوم من ذهب أو فضّة، فخالفه، لزمه ما شرط عليه. وإن شرط عليه خدمته سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك، لزمه ذلك. فإن مات المعتق، كانت خدمته لورثته. فإن أبق العبد، ولم يوجد إلّا بعد انقضاء المدّة التي شرط عليه المعتق، لم يكن للورثة عليه سبيل. وإذا كان العبد

٥٤٢

معه مال، فأعتقه صاحبه، فإن كان عالما بأنّ له مالا، كان المال للعبد، وإن لم يكن عالما بأنّ له مالا، كان ماله له دون العبد.

فإن علم أنّ له مالا، وأراد أن يستثنيه، كان له ذلك، إلّا أنّه لا يبدأ بالحرّية أوّلا، بل يبدأ فيقول: لي مالك وأنت حرّ فإن قال: أنت حرّ ولي مالك، لم يكن له على المال سبيل. وإذا باع العبد، وعلم أنّ له مالا، كان ماله لمن ابتاعه. وإن لم يكن عالما بذلك، كان المال له دون المبتاع.

والعبد والمملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقّا. فإن ملّكه مولاه شيئا، ملك التّصرّف فيه بجميع ما يريده. وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤدّيها اليه، وما يفضل بعد ذلك يكون له، جاز ذلك. فإن أدّى الى مولاه ضريبته، كان له التّصرّف فيما بقي من المال. وكذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحقّ به الأرش، كان له ذلك، وحلّ له التّصرّف فيه، وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه. فإن تزوّج من هذا المال أو تسرّى، كان ذلك جائزا. وكذلك إن اشترى مملوكا، فأعتقه، كان العتق ماضيا، إلّا أنّه يكون سائبة لا يكون ولاؤه له. ولا يجوز له أن يتوالى إليه، لأنّه عبد لا يملك جريرة غيره.

وإذا نذر الإنسان أن يعتق أوّل مملوك يملكه، فملك جماعة من العبيد في حالة واحدة، أقرع بينهم. فمن خرج اسمه، أعتقه. وقد روي أنّه مخيّر في عتق أيّهم شاء. والأوّل أحوط.

٥٤٣

وإذا أعتق ثلاثة من عبيده، وكان له أكثر من ذلك، فقيل له: أعتقت مماليك؟ فقال: نعم، لم يمض العتق، إلّا فيمن كان أجاز فيهم العتق أوّلا، وإن أجابهم حيث سألوه بلفظ العموم بقوله: نعم. وإذا كان للرّجل جارية، فنذر: أنّه متى وطئها، كانت معتقة، فإن وطئها قبل أن يخرجها من ملكه، انعتقت، وإن أخرجها، ثمَّ اشتراها بعد ذلك، ووطئها، لم يقع بها عتق.

ولا يصحّ بيع اللّقيط وشراؤه بل حكمه حكم الأحرار. فإن اختار أن يوالي الذي التقطه، والاه. وإن أحبّ أن يوالي غيره، والاه. فإن طلب الذي ربّاه نفقته، وكان موسرا، ردّ عليه ما أنفقه عليه. وإن لم يكن موسرا، صار ما أنفقه صدقة.

وإذا نذر الإنسان أن يعتق مملوكا بعينه، لم يجز له أن يعتق غيره، وإن كان لو لا النّذر ما كان يجوز له عتقه، أو كان يكون مكروها مثل أن يكون كافرا أو مخالفا له في الاعتقاد. وإذا زوّج الرّجل جاريته وشرط أنّ أوّل ما تلده يكون حرّا فولدت توأما، كانا جميعا معتقين. وإذا قال الرّجل: كلّ عبد لي قديم، فهو حرّ، فما كان من مماليكه أتى له ستّة أشهر، فهو قديم، وصار حرّا.

ولا يجوز للإنسان أن يأخذ من مملوك لغيره مالا ليشتريه به من غير علم مولاه. وإذا اشترى رجل جارية، ولم ينقد ثمنها، فأعتقها، وتزوّجها، ثمَّ مات بعد ذلك، ولم يخلّف غيرها،

٥٤٤

فإنّ عتقه ونكاحه باطل، وتردّ في الرّق لمولاها الأوّل. فإن كانت قد حملت، كان أولادها رقّا كهيئتها. وإن خلّف ما يحيط بثمن رقبتها، فعلى الورثة أن يؤدّوا ثمنها لمولاها، وقد مضى العتق والتّزويج، ولا سبيل لأحد عليها.

وإذا أعتق الرّجل مملوكه عند موته، وعليه دين، فإن كان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدّين، مضى العتق، واستسعي العبد في قضاء دين مولاه، وإن كان ثمنه أقل من ضعفي الدّين، كان العتق باطلا.

وإذا أعتق الرّجل ثلث عبيده، وله عبيد جماعة، استخرج منهم ثلثهم بالقرعة. فمن خرج اسمه، كان معتقا. وإذا خلّف الرّجل مملوكا، وشهد بعض الورثة: أنّه أعتقه، فإن كان مرضيّا جائز الشّهادة، وكانا اثنين، عتق المملوك، وإن لم يكن مرضيّا، مضى العتق في حصّته، واستسعي العبد في الباقي. وإذا أوصى الرّجل بعتق رقبة، جاز أن يعتق نسمة ذكرا كان أو أنثى. وإذا أعتق الرّجل مملوك ابنه، كان العتق ماضيا. وإذا أعتق الرّجل جارية حبلى من غيره، صار ما في بطنها حرّا كهيئتها. وإن استثناه من الحريّة لم يثبت رقّه مع نفوذ الحرّيّة في أمّه. ومن نذر أن يعتق رقبة مؤمنة جاز له أن يعتق صبيّا لم يبلغ الحلم.

وإذا أسلم أحد الأبوين، كان حكم أولاده حكمه في إجزاء حكم الإسلام عليهم. فإن بلغوا، واختاروا الشّرك، لم يمكّنوا

٥٤٥

منه، وقهروا على الإسلام، فإن أبوا، كان عليهم القتل.

وإذا كان للرّجل مملوك، وهو يحسن اليه، ويقوم بما يحتاج اليه، فاستباعه العبد، لم يلزمه بيعه، وكان مخيّرا في ذلك. ويكره أن يفرّق بين الولد وبين أمّه، وينبغي أن يباعا معا، وليس ذلك بمحظور. وإذا أبق المملوك، جاز لمولاه أن يعتقه في الكفّارة الواجبة عليه، ما لم يعرف منه موتا. وإذا أعتق العبد، وعليه دين، فإن كان استدانه بأمر مولاه، لزم المولى قضاؤه. وإن كان عن غير إذنه، كان ثابتا في ذمّته. وإذا أتى على الغلام عشر سنين، جاز عتقه وصدقته، إذا كان على جهة المعروف. وإذا أعتق الرّجل عبده عن دبر، وكان عليه عتق رقبة، لم يجزئ ذلك عنه.

باب أمهات الأولاد

أمّ الولد هي التي تلد من مولاها، سواء كان ما ولدته تامّا أو غير تامّ. وإن أسقطت نطفة، فهي أيضا من جملة أمّهات الأولاد، ويجرى عليها جميع أحكام المماليك. لا يخالف حكمها حكمهنّ من الوطي بالملك والعتق والتّزويج وغير ذلك. ويجوز أيضا بيعها، إلّا أنّه يكون ذلك بشروط. فإذا كانت حاملا، لم يجز بيعها حتّى تضع ما في بطنها. فإذا ولدت، ومات ولدها، جاز بيعها على جميع الأحوال. وإذا كان ولدها حيّا،

٥٤٦

لم يجز بيعها، إلّا في ثمن رقبتها، إذا كان ذلك دينا على مولاها.

وإذا مات مولاها، وولدها حيّ، جعلت في نصيب ولدها وقد انعتقت. فإن لم يخلّف غيرها، كان نصيب ولدها منها حرّا، واستسعيت في الباقي لمن عدا ولدها من الورثة. فإن لم يخلّف غيرها، وكان ثمنها دينا على مولاها، قوّمت على ولدها، ويترك الى ان يبلغ. فإذا بلغ، أجبر على ثمنها. فإن مات قبل البلوغ، بيعت في ثمنها، وقضي به الدّين.

باب الولاء

الولاء على ضربين: فضرب منه سببه العتاق، والآخر سببه تضمّن الجريرة.

فالذي سببه العتق، فهو كلّ من أعتق مملوكا لوجه الله تطوّعا، فإنّ ولاءه وجريرته عليه إلّا أن يتبرّأ من جريرته في حال العتق، ويشهد شاهدين على ذلك، ويجعله سائبة، فإنّه لا يكون له ولاءه حينئذ. ولا عليه ضمان جريرته. وولاء ولد المعتق أيضا وان نزلوا للذي أعتق أباهم، إذا كانوا أحرارا في الأصل. فإن كانوا معتقين، كان ولاءهم لمن أعتقهم دون من أعتق أباهم.

وإذا مات المعتق، ورث ولاء مواليه أولاده الذّكور منهم دون الإناث. فإن لم يكن له ولد ذكور، وكانت له بنات، كان ولاء مواليه لعصبته دون غيرهم، لأنّهم الذين يضمنون جريرته. وإذا

٥٤٧

كان المعتق امرأة، ولها موال، ولها ولد ذكور وإناث، ولها عصبة، فإذا ماتت، كان ولاء مواليها لعصبتها دون أولادها. وإذا كان للمعتق أخ لأبيه ولأمّه أو لأبيه، كان ميراثه له دون العصبة. وكذلك إن كان له والدان، فولاء مواليه لهما، دون العصبة. وإنّما تأخذ العصبة الميراث، إذا لم يكن غيرهم، أو يكون الذين تركهم الميّت إناثا. ولا يصحّ بيع الولاء ولا هبته.

والضّرب الآخر من الولاء، وهو الذي يكون بتضمّن الجريرة، إذا أعتق الرّجل مملوكا، وتبرأ من ضمان جريرته، كان سائبة. وكذلك إن نكل به، فصار حرّا على ما قدّمناه، كان أيضا سائبة لا ولاء له عليه. وكذلك إذا أعتق نسمة واجبة عليه في كفّارة ظهار أو قتل أو يمين أو إفطار يوم من شهر رمضان وغيره من الواجبات، فإنّه يكون المعتق سائبة، لا ولاء لمن أعتقه عليه، ولا لأحد بسببه.

فإن توالى هذا المعتق اليه، وضمن جريرته، كان ولاؤه له وإن توالى الى غيره من الرّجال، كان ولاؤه له، وضمان جريرته عليه. فإن مات ولم يتوال أحدا، كان ميراثه لبيت المال. وإذا كان إنسان لا وارث له، ولا أحد يضمن جريرته، فإن توالى الى إنسان يضمن جريرته، كان ولاؤه له، وضمان جريرته عليه، وان لم يفعل، كان ما يتركه لبيت المال.

٥٤٨

باب المكاتبة

الكتابة هو أن يكاتب الإنسان عبده أو أمته على مال معلوم يؤدّيه إليه في نجوم معلومة، فإنّه يستحبّ له أن يكاتبه على ذلك، إذا علم أنّ له قدرة على أداء ثمنه وفكّ رقبته، بأن يكون ذا صناعة أو حرفة أو غير ذلك. وإن طلب العبد الكتابة، استحبّ له أيضا أن يكاتبه، وإن لم يعلم من حاله ما ذكرناه. ولا يمتنع من مكاتبته بسبب أنّه ليس له حرفة ولا صناعة. ومتى كاتبه، فليعنه على فكّ رقبته بشي‌ء من ماله من سهم الرّقاب. وللإنسان أن يكاتب مملوكه على أيّ ثمن شاء قليلا كان أو كثيرا، غير أنّه يستحبّ ألّا يغلو بثمنه، ولا يتجاوز به القدر الذي هو ثمن له.

والمكاتبة على ضربين: مطلق ومشروط.

فإذا كانت مشروطة، وهو أن يقول لعبده في حال المكاتبة: متى عجزت عن أداء ثمنك، فأنت ردّ في الرّقّ، ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك، وحدّ العجز هو أن يؤخّر نجما الى نجم، أو يعلم من حاله أنّه لا يقدر على فكّ رقبته وأداء ثمنه، فإنّه يرجع رقّا، وإن كان قد أدّى شيئا، كان لمولاه. فإن كان عجزه إنّما هو لتأخير نجم الى نجم، فيستحبّ لمولاه أن يصبر عليه، حتّى يوفّيه. فإن لم يفعل، وردّه في الرّق، كان له ذلك.

٥٤٩

فإن مات هذا المكاتب، وخلّف مالا وأولادا، كان ما ترك لمولاه دون غيره، وكان أولاده مماليك له. ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرّف في نفسه بالتّزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق، ما دام قد بقي عليه شي‌ء. وإنّما يجوز له التّصرّف في ماله بالبيع والشّراء، إذا أذن له سيّده. ومتى حصل عليه دين، كان مولاه ضامنا له، إذا كان مأذونا له في ذلك، لأنّه عبده.

والضّرب الآخر من الكتابة هو أن يكاتبه على شي‌ء معلوم ونجوم معلومة، ولا يشرط عليه: أنّه إن عجز، فهو ردّ في الرّقّ. فمتى أدّى شيئا من مكاتبته، انعتق منه بحساب ذلك، ولم يكن لمولاه عليه سبيل.

فإن مات المكاتب، فترك مالا، وترك أولادا، ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبوديّة، وكان الباقي لولده، إذا كانوا أحرارا. فإن كان المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من أمة له، كان حكم ولده حكمه في أنّه يسترقّ منه مولى أبيه، بقدر ما بقي على أبيه. فإن أدّى الابن ما كان قد بقي على أبيه، صار حرّا، لا سبيل لمولاه عليه. وإن لم يكن له مال، استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه، فمتى أدّاه، صار حرّا.

وهذا المكاتب إذا أدّى بعض مكاتبته، يرث ويورث بحساب ما عتق منه، ويمنع الميراث بقدر ما بقي من الرّقّ. وكذلك إن وصّي له، كانت الوصيّة ماضية له بقدر ما عتق،

٥٥٠

ويحرم بقدر ما بقي من رقّه. وإذا أتى المكاتب ما يجب عليه فيه الحدّ، أقيم عليه بقدر ما انعتق حدّ الحرّيّة، وما بقي منه رقّا حدّ العبوديّة.

وإذا أدّت المكاتبة بعض مكاتبتها، لم يجز لمولاها وطؤها بملك اليمين، لأنّه صار بعضها حرّا، ولا يجوز له العقد عليها، لأنّ بعضها ملك له. فإن وطئها بعد أن أدّت من مكاتبتها شيئا، أقيم عليه الحدّ بقدر ما عتق منها، وأدرئ عنه بحساب ما بقي. ويجب عليها هي مثل ذلك ما لم يستكرهها. فإن استكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه الحدّ حسب ما قدّمناه.

وكلّ شرط يشرطه المولى على مكاتبه، فإنّه يكون ماضيا، ما لم يكن شرطا يخالف الكتاب والسّنّة، كما أنّ له جميع ما يشرط عليه، إذا أعتقه. فإن شرط عليه أن يكون ولاؤه له. كان له الولاء دون غيره. ومتى تزوّجت المكاتبة بغير إذن مولاها، كان نكاحها باطلا. وإن كان نكاحها بإذن مولاها، وقد أدّت بعض مكاتبتها، ورزقت أولادا، كان حكم ولدها حكمها، يسترقّ منهم بحساب ما بقي من ثمنها، ويعتق بحساب ما انعتق منها، إذا كان تزويجها بعبد مملوك. فإن كان تزويجها بحرّ، كان الولد أحرارا. وإذا قال المكاتب لمولاه: خذ منّي جميع ما كاتبتني عليه دفعة واحدة، كان مخيّرا بين أخذه منه في موضع، وبين الامتناع منه، وألّا يقبل منه إلّا على ما وافقه عليه من النّجوم.

٥٥١

وإذا كان المكاتب غير مشروط عليه، وعجز عن توفية ثمنه، كان على الإمام أن يفكّ رقبته من سهم الرّقاب، والمكاتب إذا كان غير مشروط عليه، لم يكن على مولاه فطرته، وإن كان مشروطا، وجب عليه ذلك.

باب التدبير

التّدبير هو أن يقول الرّجل لمملوكه: أنت رقّ في حياتي وحرّ بعد وفاتي. فإذا قال ذلك، ثبت له التّدبير. وهو بمنزلة الوصيّة، يجوز للمدبّر نقضه ما دام فيه الرّوح. فإن نقضه، جاز له بعد ذلك بيعه وهبته والتّصرّف فيه بجميع أنواع التّصرّف بالإطلاق. ومتى لم ينقض التّدبير، وأمضاه على حاله، ثمَّ مات المدبّر، كان المدبر من الثلث. فإن نقص عنه، انعتق. وإن زاد عليه، استسعي في الباقي. ومتى أراد المدبّر بيعه من غير أن ينقض تدبيره، لم يجز له، إلّا أن يعلم المبتاع: أنّه يبيعه خدمته، وأنّه متى مات هو، كان حرّا لا سبيل له عليه.

وإذا دبّر الرّجل جارية وهي حبلى، فإن علم بذلك، كان ما في بطنها بمنزلتها يكون مدبّرا، فإن لم يعلم بحبلها، كان الولد رقّا، ويكون التّدبير ماضيا في الجارية. فإن حملت بعد التّدبير، وولدت أولادا، كان أولادها بمنزلتها، يكونون مدبّرين. فمتى مات الذي دبّر أمّهم، صاروا أحرارا من الثّلث.

٥٥٢

فإن زاد ثمنهم على الثّلث استسعوا في الباقي. فإذا أدّوا، انعتقوا. وليس للمولى أن ينقض تدبير الأولاد، وإنّما له نقض تدبير الأمّ فحسب.

وإذا أذن الرّجل للمدبّر أن يتسرّى، ويشتري جواري، جاز له ذلك. فإن اشترى أمة، ورزق منها أولادا، كانوا بمنزلة أبيهم مدبّرين. فإذا مات المولى، انعتقوا كهيئة أبيهم.

وإن مات المدبّر قبل موت مولاه، وترك مالا، كان ما له لمولاه دون أولاده، وبقي أولاده على ما كانوا عليه من التّدبير، الى أن يموت من دبّر أباهم، فيصيروا أحرارا بعد موته.

وإذا دبّر الإنسان عبده وعليه دين فرارا به من الدّين، ثمَّ مات، كان التّدبير باطلا، وبيع العبد في الدّين. وإن دبّر العبد في حال السّلامة، ثمَّ حصل عليه دين، ومات، لم يكن للدّيّان على المدبّر سبيل.

والمدبّر متى حصل معه مال، جاز لمولاه التّصرّف فيه كما يتصرّف في ماله. وإن باعه، جاز له أن يأخذ ماله. وإذا أبق المدبّر، بطل تدبيره. فإن رزق في حال إباقه مالا وأولادا، ثمَّ مات، ومات الذي دبّره، كانوا رقّا لورثته، وجميع ما خلّفه من المال والولد لورثته الذي دبّره.

وإذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره، وقال: متى مات من جعل له تلك الخدمة، يكون حرّا، كان ذلك صحيحا.

٥٥٣

فمتى مات المجعول له ذلك، صار حرّا. فإن أبق العبد، ولم يرجع إلّا بعد موت من جعل له خدمته، لم يكن لأحد عليه سبيل، وصار حرّا.

والمدبّر لا يجوز أن يعتق في كفّارة ظهار، ولا في شي‌ء من الواجبات التي على الإنسان فيها العتق، ما لم ينقض تدبيره فإن نقض تدبيره، وردّه الى محض الرّقّ، جاز له بعد ذلك عتقه فيما وجب عليه.

٥٥٤

كتاب الأيمان والنذور والكفارات

باب ماهية الأيمان والأقسام

اليمين المنعقدة عند آل محمد،عليهم‌السلام ، هي أن يحلف الإنسان بالله تعالى، أو بشي‌ء من أسمائه أيّ اسم كان. وكلّ يمين بغير الله أو بغير اسم من أسمائه، فلا حكم له. وإذا قال: لعمرو الله، كان ذلك يمينا بالله. وقول الرّجل: « يا هناه ولا بل شانيك، من قول أهل الجاهليّة. ولا يجوز أن يحلف أحد بالقرآن ولا بوالديه ولا بالكعبة ولا بالنّبيّ ولا بأحد من الأئمّة،عليهم‌السلام . فمن حلف بشي‌ء من ذلك، كان مخطئا، ولا يلزمه حكم اليمين. وإذا قال الرّجل: أنا يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أو مشرك أو كافر، وأيمان البيعة والكنيسة يلزمني، فإن كلّ ذلك باطل، ويستحق قائله به الإثم، ولم يلزمه حكم اليمين. ولا يجوز أن يحلف أحد بالبراءة من الله ولا من كتابه ولا من نبيه ولا من شريعة نبيّه ولا من أحد من الأئمّة،عليهم‌السلام . وإذا قال الإنسان: أقسمت أو حلفت، لم يكن ذلك يمينا، حتى يقول: حلفت بالله أو أقسمت بالله. وإذا قال: حلفت

٥٥٥

بربّ المصحف، كان ذلك يمينا صحيحة.

واليهوديّ والنّصرانيّ والمجوسيّ وسائر أصناف الكفّار لا يحلفون إلّا بالله تعالى، وبأسمائه. فإن علم الإمام أو الحاكم أنّ استحلافهم بالتّوراة والإنجيل أو بشي‌ء من كتبهم أردع لهم في بعض الأحوال، جاز له أن يحلّفهم به.

ولا يقع اليمين بالطلاق ولا بالعتاق ولا بالظّهار ولا بتحريم الرّجل امرأته على نفسه.

ولا تنعقد اليمين إلّا بالنّية والضّمير. فمتى تجرّد من النيّة، كان لغوا. والنيّة إنّما يراعى فيها نيّة المستحلف إذا كان محقّا. وإذا كان مبطلا، كانت النّيّة نيّة الحالف. ويمين المكره والغضبان والسّكران غير منعقدة، إلّا أن يكون في شي‌ء من هذه الأحوال مالكا فيها نفسه وينوي اليمين.

والاستثناء في اليمين جائز، إذا تعقّب اليمين بزمان لا تتراخى فيه المدّة، ويكون متّصلا باليمين. فإن تراخى زمانا طويلا، فلا تأثير له. وإذا حلف علانية، فليستثن علانية.

وإذا حلف سرّا، فليستثن مثل ذلك. ومتى استثنى الإنسان في يمينه، ثمَّ خالفه، لم يكن عليه شي‌ء، لأنها يمين موقوفة.

ولا يجوز لأحد أن يحلف إلّا على ما يعلمه. وإذا علمه، جاز أن يحلف عليه قليلا كان أو كثيرا. إلّا أنّه يستحبّ له أن يتجنّب اليمين على القليل، وإن كان مظلوما. بل يبذل من نفسه مقدار

٥٥٦

ما يحلف عليه، ما لم يضرّ به ذلك. فإن استضرّ به، جاز له أن يحلف عليه على كلّ حال.

وإذا حلّف الإنسان غيره على مال له، وجب عليه الرّضا بيمينه وليس له أن يأخذ من ماله شيئا. فإن جاء الحالف ثانيا مقلعا، وأعطاه المال الذي حلف عليه، جاز له قبضه. فإن جاء بالمال، ومعه ربحه، فليأخذ رأس المال ونصف الرّبح، ويعطيه النّصف الآخر.

فإن كان له المال عنده، فغصبه عليه، وجحده، غير أنّه لم يحلّفه، ثمَّ ظفر بشي‌ء من ماله، جاز له أن يأخذ منه القدر الذي له من غير زيادة عليه. وإن كان المال الذي ظفر به وديعة عنده، لم يجز له جحده ولا يدخل في مثل ما دخل معه فيه.

باب أقسام الأيمان

اليمين على ضربين: ضرب تجب فيه الكفّارة، وضرب لا تجب فيه الكفّارة.

والضّرب الذي لا كفّارة فيه هو أن يحلف الإنسان على أن يفعل ما يحرم عليه فعله، مثلا أن يحلف أن يظلم إنسانا، أو يقتل من لا يستحقّ القتل، أو يؤذي مؤمنا، أو يخون أخا له. فليترك جميع ذلك، ولا كفّارة عليه. وكذلك إن حلف أن يفعل فعلا كان الأولى إلّا يفعله في دينه أو دنياه، فليتركه، ولا كفّارة

٥٥٧

عليه، مثلا أن يحلف أن يطالب بحقّ له على غيره الأولى ترك مطالبته، أو يحلف أن يبيع متاعا له الأولى به إمساكه، أو يحلف أن يمضي في أمر كان الأولى تركه، فليترك جميع ذلك، وليس عليه كفارة. وإذا حلف ألّا يفعل ما يجب عليه فعله، فليفعله، ولا كفّارة عليه، مثلا أن يحلف ألّا يردّ الوديعة، أو لا ينصف من نفسه، أو لا يشكر النّعمة، أو لا يصوم. أو لا يصلي، أو لا يحجّ، وما أشبه ذلك من الواجبات، فليفعل جميع ذلك، ولا كفّارة عليه. وإذا حلف ألّا يفعل ما الأولى به فعله إمّا في دينه أو دنياه، مثلا أن يحلف ألّا يحسن الى أحد، أو لا يصلّي نافلة، أو لا يصوم تطوّعا، أو لا يصل أحدا من إخوانه، أو لا يتّجر لمعيشته وهو محتاج إليها، أو لا يسافر وهو محتاج الى السّفر أو لا يشتري لأهله شيئا وكانت المصلحة في شرائه، أو لا يسكن دارا وهو محتاج الى سكناها، وما أشبه ذلك، فليفعل جميع ذلك، ولا كفّارة عليه.

ولا يمين لولد مع والده، ولا لزوج مع زوجها، ولا لمملوك مع سيّده. فمتى حلف واحد منهم على شي‌ء ممّا ليس بواجب ولا قبيح، جاز للأب حمل الولد على خلافه، وساغ للزّوج حمل زوجته على خلاف ما حلفت عليه، ولا تلزمهما كفّارة.

ومتى حلف الإنسان على الماضي مثلا أن يقول: والله ما فعلت كذا وكذا، وكان قد فعله، فقد أثم بذلك، ولم يلزمه

٥٥٨

كفّارة، وليستغفر الله ولا يعد.

ومن كان عنده وديعة لمؤمن فطالبه بها ظالم، فلينكرها. وإن استحلفه على ذلك، فليحلف، ويوري في نفسه ما يخرجه عن كونه كاذبا، وليس عليه كفّارة، بل له فيه أجر كبير. وإن لم يكن ممّن يحسن التّورية، وكانت نيّته حفظ الأمانة، لم يكن عليه شي‌ء أيضا.

ومن حلف على شي‌ء يدفع به أذى عن نفسه، أو عن مؤمن، كان له فيه أجر، ولم يكن عليه فيه كفّارة.

والسّلطان الجائر إذا استحلف أعوانه على ظلم المؤمنين، فحلفوا له، لم يجز لهم الوفاء به، بل وجب عليهم ترك الظّلم ولا كفّارة عليهم.

ومن كان عليه دين لا يجد إلى قضائه سبيلا لإعساره، فقدّمه صاحب الدّين إلى حاكم يعلم: أنّه متى أقرّ عنده، حبسه فأضرّ به وبأهله، جاز له جحده، والحلف عليه بعد أن ينوي قضاءه عند التّمكّن منه، ويورّي في يمينه، ولا إثم عليه في يمينه ولا كفّارة. وإن لم ينو قضاءه، كان مأثوما.

ولا يجوز لصاحب الدّين أن يعرّضه لليمين مع علمه بإعساره ولا يحلّ له حبسه مع العلم بعجزه عن أداء ما عليه. فإن حلّفه على ذلك، أو حبسه مع إحاطة علمه بعجزه، كان مأثوما.

ومن وهب له أحد والديه شيئا، ثمَّ مات الواهب، فطالبه

٥٥٩

الورثة بذلك الشّي‌ء، جاز له أن يحلف: أنّه كان اشتراه، وأعطى ثمنه، ولم يكن عليه كفّارة ولا إثم.

ومن حلف على إنسان ليأكل معه أو يجلس معه أو يمشى فلم يفعل، لم يجب عليه الكفّارة. ومن حلف ألّا يشتري لأهله شيئا بنفسه، فليشتره، وليس عليه كفّارة. ومن حلف لزوجته ألّا يتزوّج عليها، ولا يتسرّى لا في حياتها ولا بعد وفاتها، جاز له أن يتزوّج ويتسرّى، وليس له عليه كفّارة ولا إثم. وكذلك إن حلفت هي: إلّا تتزوّج بعد وفاته، جاز لها أن تتزوّج، ولم يكن عليها كفّارة ولا إثم.

ومن حلف: بأن عبيده أحرار، خوفا من ظالم، لم ينعتقوا بذلك، ولم يكن عليه كفّارة، وإذا حلفت المرأة: إلّا تخرج إلى بلد زوجها، ثمَّ احتاجت إلى الخروج، فلتخرج، ولا كفّارة عليها.

ومن كان عليه دين، فحلّفه صاحبه: ألّا يخرج من البلد إلّا بإذنه، لم يجز له الخروج إلّا بعد إعلامه، ألّا أن يخاف: إن أعلمه، منعه من ذلك، وكان عليه في المقام ضرر أو على عياله، فإنه يجوز له الخروج، ولم يكن عليه كفّارة.

ومن حلف أن يؤدّب غلامه بالضّرب، جاز له تركه، ولا تلزمه كفّارة. قال الله تعالى:( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) . ومن حلف ألّا يشرب من لبن عنز له، ولا يأكل من لحمها، وليس

٥٦٠