النهاية الجزء ١

النهاية10%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225274 / تحميل: 6343
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الصدق مَنجاة

ما أكثر الأفراد الذين التزموا الصدق، في المواقع الحرجة، والمآزق الشديدة؛ وكان ذلك سبب خلاصهم.

لا يجهل أحد، مدى الجرائم التي قام بها الحَجَّاج بن يوسف الثقفي، والدماء التي أراقها بغير حَقٍّ.

وفي يوم مِن الأيَّام، جيء بجماعة مِن أصحاب عبد الرحمان مأسورين، وكان قد صمَّم على قتلهم جميعاً، فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام، ثمَّ قال:

إنَّ لي عليك حَقَّاً! فأنقذني وفاءً لذلك الحَقَّ.

قال الحَجَّاج: وما هو؟

قال: كان عبد الرحمان يسبُّك في بعض الأيَّام، فقمت ودافعت عنك.

قال الحَجَّاج: ألك شهود؟

فقام أحد الأُسارى وأيَّد دعوى الرجل، فأطلقه الحَجَّاج، ثمَّ التفت إلى الشاهد، وقال له: ولماذا لم تُدافع عنِّي في ذلك المجلس؟

أجاب الشاهد - في أتمِّ صراحة ـ: لأنِّي كنت أكرهك.

فقال الحَجَّاج: أطلقوا سراحه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤١

احِفظ الله يَحفظك

خطب الحَجَّاج مَرَّة فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، فإنَّ الوقت لا ينتظرك، والرَّبَّ لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه، وزعموا أنَّه مجنون، وسألوه أنْ يُخلِّي سبيله، فقال: إنْ أقرَّ بالجنون خلَّيت سبيله.

فقيل له، فقال: مَعاذ الله، لا أزعم أنَّ الله ابتلاني، وقد عافاني.

فبلغ ذلك الحَجَّاج فعفا عنه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤٢

المَنطق السليم

بلغ المنصور الدوانيقي، أنَّ مَبْلغاً ضَخماً مِن أموال بني أُميَّة مُودعة عند رجل، فأمر الربيع بإحضاره.

يقول الربيع: فأحضرت الرجل، وأخذته إلى مجلس المنصور.

فقال له المنصور: بلغني أنَّ أموال بَني أُميَّة مودَعة عندك، ويجب أنْ تُسلِّمني إيَّاها بأجمعها.

فقال الرجل: هل الخليفة وارث الأُمويِّين؟!

فأجاب: كلاَّ.

فقال: هل الخليفة وصيُّ الأُمويِّين؟!

فقال المنصور: كلاَّ.

فقال الرجل: فكيف تُطالبني بأموال بَني أُميَّة؟!

فأطرق المنصور بُرهةً، ثمَّ قال: إنَّ الأُمويِّين ظلموا المسلمين، وانتهكوا حُقوقهم، وغصبوا أموال المسلمين وأودعوها في بيت المال.

فقال الرجل: إنَّ الأُمويِّين امتلكوا أموالاً كثيرة، كانت خاصَّة بهم، وعلى الخليفة أنْ يُقيم شاهداً عدلاً، على أنَّ الأموال التي في يدي لبَني أُميَّة، هي مِن الأموال التي غصبوها وابتزُّوها مِن غير حَقٍّ.

فكَّر المنصور ساعة، ثمَّ قال للربيع: إنَّ الرجل يصدق.

فابتسم بوجهه، وقال له: ألك حاجة؟!

قال الرجل: لي حاجتان:

٤٣

الأُولى: أنْ تأمر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت؛ حتَّى يهدأ اضطرابهم، ويذهب رَوعهم.

والثانية: أنْ تأمر بإحضار مَن أبلغك بهذا الخبر؛ فو الله، لا توجد عندي لبَني أُميَّة وديعة أصلاً، وعندما أُحضرت بين يدي الخليفة، وعلمت بالأمر، تصوَّرت أنِّي لو تكلَّمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل.

فأمر المنصور الربيع بإحضار المُخبِر.

وعندما حضر نظر إليه الرجل نظرة، ثمَّ قال: إنَّه عبدي سَرَق مِنِّي ثلاثة آلاف دينار وهرب.

فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام، وأيَّد الغلام كلام سيِّده في أتمِّ الخَجَل، وقال: إنِّي اختلقت هذه التُّهمة لأنجو مِن القَبض عليَّ.

هنا رَقَّ قلب المنصور لحال العبد، وطلب مِن سيِّده أنْ يعفو عنه، فقال الرجل: عفوت عنه، وسأُعطيه ثلاثة آلاف أُخرى، فتعجَّب المنصور مِن كرامة الرجل وعظمته.

وكلَّما ذُكِر اسمه كان يقول: لم أرَ مثل هذا الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٤

النبي أولى بالمسلمين مِن أنفسهم

وزَّع رسول الله غنائم حُنين - تبعاً لمصالح مُعيَّنة - على المُهاجرين فقط، ولم يُعط الأنصار سَهماً واحداً...

ولمَّا كان الأنصار قد بذلوا جهوداً عظيمة، في رُفعة لواء الإسلام، وخدمات جليلة في نُصرة هذا الدين؛ فقد غَضب بعضهم مِن هذا التصرُّف، وحملوه على التحقير والإهانة، فبلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر بأنْ يُجمع الأنصار في مكان ما، وأن لا يشترك معهم غيرهم في ذلك المجلس، ثمَّ حضر هو وعلي (عليهما السلام)، وجلسا في وسط الأنصار، ثمَّ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: (أُريد أنْ أسألكم عن بعض الأمور فأجيبوني عليها).

قال الأنصار: سَلْ، يا رسول الله.

قال لهم: (ألم تكونوا في ضَلال مُبين، وهداكم الله بيَّ؟).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (ألم تكونوا على شَفا حُفرة مِن الهلاك والنار، والله أنقذكم بيَّ؟).

قالوا: بلى.

قال: (ألم يكن بعضكم عدوَّ بعض، فألَّف الله بين قلوبكم على يديَّ؟).

قالوا: بلى.

فسكت لحظة، ثمَّ قال لهم: (لماذا لا تُجيبونني بأعمالكم؟).

قالوا: ما نقول؟!

قال: (أما لو شِئتم لقُلتم: وأنت قد جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنَّاك، وجئتنا مُكَذَّباً فصدَّقناك...).

هذه الكلمات الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أفهمت الأنصار

٤٥

أنه لا يُنكَر فضلهم، ولا يُنسى جهودهم، ولم يكن ما صدر منه تِجاههم صادراً عن احتقار أو إهانة...

ولذلك فقد أثَّر فيهم هذا الكلام تأثيراً بالغاً، وارتفعت أصواتهم بالبُكاء، ثمَّ قالوا له: هذه أموالنا بين يديك، فإنَّ شِئت فاقسمها على قومك، وبهذا أظهروا ندمهم على غضبهم واستغفروه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللَّهمَّ اغفر للأنصار، ولأبنا الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٦

الكريم يَسأل عن الكريم

في إحدى الغزوات، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُصلِّي في مُعسكره، فمَرَّ بالمُعسكر عِدَّة رجال مِن المسلمين، وتوقَّفوا ساعة، وسألوا بعض الصحابة عن حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوا له، ثمَّ اعتذروا مِن عدم تمكُّنهم مِن انتظار النبي حتَّى يفرغ مِن الصلاة فيُسلِّموا عليه؛ لأنَّهم كانوا على عَجلٍ، ومضوا إلى سبيلهم. فانفتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُغضباً، ثم قال لهم: (يقف عليكم الركب ويسألونكم عنِّي، ويُبلِّغوني السلام، ولا تعرضون عليهم الطعام!).

ثمَّ أخذ يتحدَّث عن جعفر الطيار، وعظمة نفسه، وكمال أدبه، واحترامه للآخرين... (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٧

مَن كانت أفعاله كريمة اتَّبعه الناس

ليست فضيلة احترام الناس، وتكريمهم في الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء، خاصَّة بالمسلمين فيما بينهم فقط، فإنَّ غير المسلمين أيضاً، كانوا ينالون هذا الاحترام والتكريم مِن المسلمين، فقد تصاحب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رجل ذِمِّيٍّ خارج الكوفة، في أيَّام حكومته، وكان الذِمِّيُّ لا يعرف الإمام، فقال له: أين تُريد يا عبد الله؟

قال الإمام علي (عليه السلام): (أُريد الكوفة).

ولمَّا وصلا إلى مُفترق الطُّرق المؤدِّية إلى الكوفة، توجَّه الذِّمِّيِّ إلى الطريق الذي يُريده، وانفصل عن الإمام (عليه السلام)... ولكنَّه لم يَخطُ أكثر مِن بِضع خُطوات، حتَّى شاهد أمراً عَدَّه غريباً؛ فقد رأى أنَّ صاحبه الذي كان قاصداً الكوفة، ترك طريقه وشايعه قليلاً. فسأله ألست تقصد الكوفة؟

قال الإمام: (بلى؟).

قال الذِّمِّيُّ: (ذلك هو الطريق المؤدِّي إلى الكوفة).

قال الإمام: (أعلم ذلك).

سأل الذِّمِّيُّ باستغراب: ولماذا تركت طريقك؟

قال الإمام (عليه السلام): (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة، أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هُنيَّهة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيِّنا).

قال الذِّمِّيُّ: هكذا أمر نبيُّكم؟!

قال الإمام: (أجلْ).

٤٨

قال الذِّمِّيُّ: لا جَرَمَ، أنَّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة.

ثمَّ ترك طريقه الذي كان يقصده، وتوجَّه مع الإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، وهما يتحدَّثان عن الإسلام وتعاليمه العظيمة، فأسلم الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٩

انزل عن مِنبر أبي!

زيد بن علي، عن أبيه: (إنَّ الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى عمر بن الخطاب، وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال: انزل عن مِنبر أبي، فبكى عمر، ثم قال: صدقت - يا بُني - مِنبر أبيك لا منبر أبي. وقام عليٌّ (عليه السلام).

وقال: ما هو - والله - عن رأيي.

قال: صدقت! والله، ما اتَّهمتك يا أبا الحسن).

هذا دليل على أنَّ عمر أيضاً، كان يعرف أنَّ الحسين ذو شخصيَّة مُمتازة، وله إرادة مُستقلَّة، وليس كلامه صادراً عن تلقين مِن أبيه، بل هو نِتاج فِكره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٠

يَفرُّ مَن أخطأ!

قصد المأمون بغداد بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وخرج يوماً للصيد، فمَرَّ في أثناء الطريق برَهط مِن الأطفال يلعبون، ومحمد بن علي الجواد (عليه السلام) معهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنة فما حوله... فلمَّا رآه الأطفال فرُّوا، بينما وقف الجواد (عليه السلام) في مكانه ولم يَفرَّ. مِمَّا أثار تَعجُّب المأمون؛ فسأله:

لماذا لم تلحق بالأطفال حين فرُّوا؟

ـ يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضِيقٌ لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظنِّي بك حَسنٌ أنَّك لا تضرب مَن لا ذنب له فوقفت.

تعجَّب المأمون مِن هذه الكلمات الحكيمة، والمنطق الموزون، والنبرات المُتَّزنة للطفل فسأله: ما اسمك؟

ـ محمد.

ـ محمد ابن مَن؟

ابن عليٍّ الرضا...

عند ذاك ترحَّم المأمون على الرضا (عليه السلام)، ثمَّ ذهب لشأنه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥١

رِفقاً بالحسين!

روي عن أُمِّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، مُرضعة الحسين (عليه السلام) أنَّها قالت: أخذ مِنِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً أيَّام رضاعه، فحمله فأراق شيئاً على ثوبه، فأخذتُه بعنف حتَّى بكى. فقال (صلى الله عليه وآله): (مَهلاً يا أُمَّ الفضل، إنَّ هذا مِمَّا يُطهِّره الماء، فأيُّ شيء يُزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟!) (1).

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٢

كرهت أنْ أُعجِّله!

دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صلاة، والحسن مُتعلِّق، فوضعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانبه وصلَّى، فلمَّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي مِن بين القوم، فإذا الحسن على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمَّا سلَّم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سَجدت في صلاتك هذه سَجدةً ما كنت تسجدها! كأنَّما يوحى إليك؟!

فقال: (لم يوحَ إليَّ، ولكنَّ ابني كان على كتفي، فكرهت أنْ أُعجِّله حتَّى نزل).

هذا العمل مِن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه ولده الصغير، أمام ملأٍ مِن الناس، نموذج بارز مِن سلوكه في تكريم الطفل.

إنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل أقصى ما يُمكن مِن احترام الطفل، في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفيَّة بناء الشخصيَّة عند الطفل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٣

تكريم الطفل

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال: (صلَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر، فخفَّف في الرَّكعتين الأخيرتين.

فلمَّا انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟!

قال: وما ذاك؟

قالوا: خفَّفت في الرَّكعتين الأخيرتين.

فقال لهم: أما سمعتم صُراخ الصبي؟!).

هكذا نجد النبي العظيم، يُطيل في سجدته تكريماً للطفل تارة، ويُخفِّف في صلاته تكريماً للطفل أيضاً تارة أُخرى، وهو في كلتا الحالتين، يُريد التأكيد في احترام شخصيَّة الصبي، وتعليم المسلمين طريق ذلك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٤

هلاَّ ساويتَ بينهما؟!

نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (فهلاَّ ساويت بينهما!).

وفي حديث آخر: (اعدلوا بين أولادكم، كما تُحبُّون أنْ يعدلوا بينكم).

إنَّ الأمل الوحيد للطفل، ومبعث فرحه ونشاطه، هو عطف الوالدين وحنانهما، ولا يوجد عامل يُهدِّئ خاطر الطفل، ويبعث فيه الاطمئنان والسكينة، مِثل عَطف الوالدين، كما لا يوجد عامل يبعث فيه القَلق والاضطراب، مِثل فُقدان جزء مِن حَنان الوالدين أو جميعه.

إنَّ حسد الولد تِجاه أخيه الصغير، الذي وِلد حديثاً لا غرابة فيه؛ لأنَّه يشعر بأنَّ قِسماً مِن العناية، التي كانت مُخصَّصة له، قد سُلِبت منه، والآن لا يُستأثر باهتمام الوالدين. بلْ إنَّ الحُبَّ والحنان يجب أنْ يتوزَّع عليه وعلى أخيه الأصغر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٥

التصابي مع الصبي

عن يعلى العامري: أنَّه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طعام دُعي إليه، فإذا هو بحسين (عليه السلام) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) أمام القوم، ثمَّ بسط يديه، فطفر الصبي ههنا مَرَّة وههنا مَرَّة أُخرى، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُضاحكه حتَّى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذِقنه، والأُخرى تحت قَفاه، ووضع فاه على فيه وقبَّله.

إنَّ نبيَّ الإسلام العظيم، يُعامل سِبطه بهذه المُعاملة أمام الناس؛ لكي يُرشد الناس إلى ضرورة إدخال السرور على قلوب الأطفال، وأهميَّة اللعب معهم، فضلاً عن قيامه بواجب تربوي عظيم (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٦

أو ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله الرسول؟!

عن أبي رافع، قال: كنت أُلاعب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو صبيٌّ بالمَداحي، فإذا أصابت مِدحاتي مِدحاته؛ قلت احملني فيقول: (ويحَك! أتركب ظهراً حمله رسول الله؟!)، فأتركه.

فإذا أصابت مُدحاته مُدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني!

فيقول: (أوَ ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!)، فأحمله.

مِن هذا الحديث يظهر جليَّاً إباء الحسن (عليه السلام)، وعِزَّة نفسه، وعُظم شخصيَّته.

إنَّ الطفل الذي يُربيه الإسلام في حِجره، ويُحيي شخصيَّته النفسيَّة، يعتقد بسموِّ مقامه، ولا يرضى التكلُّم بذلَّة وحقارة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٧

وا حيائي مِنك يا أمير المؤمنين!

رأى الإمام علي (عليه السلام) امرأة في بعض الطُّرقات، تحمل قِربة مِن الماء، فتقدَّم لمُساعدتها، وأخذ القِربة وأوصلها إلى حيث تُريد، وفي الطريق سألها عن حالها، فقالت: إنَّ عليَّاً أرسل زوجي إلى إحدى النواحي فقُتِل، وقد خلَّف لي عِدَّة أطفال، لا أقدر على إعالتهم؛ فاضطررت للخدمة في بعض البيوت. فرجع عليٌّ (عليه السلام) وأمضى تلك الليلة في مُنتهى الانكسار والاضطراب، وعند الصباح حمل جِراباً مَملوءاً بالطعام، واتَّجه إلى دار تلك المرأة. وفي الطريق كان بعض الأشخاص يطلبون منه أنْ يَحمل عنه الجراب فيقول لهم: (مَن يحمل عني أوزاري يوم القيامة؟).

وصل إلى الدار، وطرق الباب، فقالت المرأة: مَن الطارق؟

قال: (الرجل الذي أعانك في الأمس على حمل القِربة. لقد جئتك ببعض الطعام لأطفالك).

فتحت الباب وقالت: رضي الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب!

فقال لها: (أتخبزين أم تُسكِّتين الأطفال فأخبز؟).

قالت: أنا أقدر على الخبز، فقُم أنت بتسكيت الأطفال.

أخذتْ المرأة تعجن الدقيق، وأخذ عليٌّ (عليه السلام) يخلط اللَّحم بالتمر، ويُطعم الأطفال منه، وكلَّما ألقم طفلاً لقمة قال له برفق ولين: (يا بُني، اجعل علي بن أبي طالب في حِلٍّ).

ولمَّا اختمر العجين، أوقد عليٌّ (عليه السلام) التنور، وفي الأثناء دخلت امرأة تعرفه، وما أنْ رأته حتَّى صاحت بصاحبة الدار ويحَك! هذا أمير المؤمنين!

فبادرته المرأة، وهي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين!

فقال: بلْ وا حيائي منكِ - يا أمة الله - فيما قصَّرت مِن أمرك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٨

لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصِّبيان

ورد في الحديث: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُصلِّي يوماً في فِئة، والحسين صغير بالقُرب منه، فكان النبي إذا سجد جاء الحسين (عليه السلام) فركب ظهره، ثمَّ حرَّك رجليه فقال: (حَلٍ، حَلٍ!).

فإذا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنْ يرفع رأسه، أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد إلى ظهره، وقال: (حَلٍ، حَلٍ!)، فلم يزل يفعل ذلك حتَّى فرغ النبي مِن صلاته.

فقال يهودي: يا محمد، إنَّكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان).

قال: فإنِّي أؤمن بالله وبرسوله؛ فأسلم لمَّا رأى كرمه مع عظيم قدره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٩

أين الدُّرُّ والذهب مِن سورة الفاتحة؟

كان عبد الرحمان السلمي، يُعلِّم وَلداً للإمام الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فعندما قرأ الطفل السورة كاملة أمام والده مَلأ الإمام فمَ مُعلِّمه دُّرَّاً، بعد أنْ أعطاه نقوداً وهدايا أُخَر. فقيل له في ذلك!

فقال (عليه السلام): (وأين يقع هذا مِن عطائه)، يعني: تعليمه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

وإذا كان المملوك مؤمنا، وأتى عليه بعد ملكه سبع سنين، استحبّ عتقه، وأن لا يملك أكثر من ذلك.

باب العتق وأحكامه

العتق فيه فضل كثير وثواب جزيل. ويستحبّ عتق المؤمن المستبصر، ويكره عتق المخالف للحقّ. ولا بأس بعتق المستضعف.

ولا تصح أن يعتق الإنسان ما لا يملكه. فإن قال: كلّ عبد أملكه في المستقبل فهو حرّ، لا يقع به عتق، وإن ملك في المستقبل إلّا أن يجعل ذلك نذرا على نفسه. ولا عتق أيضا إلّا ما أريد به وجه الله. وإذا أعتق الرّجل وهو سكران أو مكره أو يكون معتوها، ذاهب العقل أو على غضب أو فساد أو يحلف بالعتق، لم يجز عتقه. فإن قال: « عبدي حرّ ». ولم ينو بذلك العتق، لم يقع بذلك عتق على حال.

ولا يقع العتق إلّا أن ينطق بلسانه. فأمّا إذا كتب بيده، فلا يقع بذلك عتق. ومتى لم يمكنه التّلفّظ بالعتق لمرض أو خرس، فكتب أو أشار الى العتق، وعلم من قصده ذلك، كان العتق جائزا.

ويستحبّ ألّا يعتق الإنسان إلّا من أغنى نفسه، ويقدر على اكتساب ما يحتاج اليه. ومتى أعتق صبيّا، أو من يعجز عن النّهوض بما يحتاج إليه، فالأفضل أن يجعل له شيئا يعينه به

٥٤١

على معيشته، وليس ذلك بفرض.

ولا بأس أن يعتق ولد الزّنا.

وإذا كان العبد بين شريكين، وأعتق أحدهما نصيبه مضارّة لشريكه الآخر، ألزم أن يشتري ما بقي، ويعتقه، إذا كان موسرا. وإن لم يكن موسرا، ولا يملك غير ما أعتقه، كان العتق باطلا. وإذا لم يقصد بذلك مضارّته، بل قصد به وجه الله تعالى، لم يلزم شراء الباقي وعتقه، بل يستحبّ له ذلك. فإن لم يفعل، استسعي العبد في الباقي. ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ما بقي استخدامه، ولا له عليه ضريبة، بل له أن يستسعيه فيما بقي من ثمنه. فإن امتنع العبد من السعي في فكّ رقبته، كان له من نفسه قدر ما أعتق، ولمولاه قدر ما بقي. وإذا كان لإنسان مملوك، فأعتق بعضه: نصفه أو أكثر من ذلك، أو أقلّ، انعتق الكلّ، ولم يكن له عليه سبيل.

وإذا أعتق مملوكه، وشرط عليه شرطا، وجب عليه الوفاء به، ولم يكن له خلافه. فإن شرط عليه: أنّه متى خالفه في فعل من الأفعال، كان ردّا في الرّقّ، فخالفه، كان له ردّه في الرّق. فإن شرط عليه: أنّه متى خالفه، كان له عليه شي‌ء معلوم من ذهب أو فضّة، فخالفه، لزمه ما شرط عليه. وإن شرط عليه خدمته سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك، لزمه ذلك. فإن مات المعتق، كانت خدمته لورثته. فإن أبق العبد، ولم يوجد إلّا بعد انقضاء المدّة التي شرط عليه المعتق، لم يكن للورثة عليه سبيل. وإذا كان العبد

٥٤٢

معه مال، فأعتقه صاحبه، فإن كان عالما بأنّ له مالا، كان المال للعبد، وإن لم يكن عالما بأنّ له مالا، كان ماله له دون العبد.

فإن علم أنّ له مالا، وأراد أن يستثنيه، كان له ذلك، إلّا أنّه لا يبدأ بالحرّية أوّلا، بل يبدأ فيقول: لي مالك وأنت حرّ فإن قال: أنت حرّ ولي مالك، لم يكن له على المال سبيل. وإذا باع العبد، وعلم أنّ له مالا، كان ماله لمن ابتاعه. وإن لم يكن عالما بذلك، كان المال له دون المبتاع.

والعبد والمملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقّا. فإن ملّكه مولاه شيئا، ملك التّصرّف فيه بجميع ما يريده. وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤدّيها اليه، وما يفضل بعد ذلك يكون له، جاز ذلك. فإن أدّى الى مولاه ضريبته، كان له التّصرّف فيما بقي من المال. وكذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحقّ به الأرش، كان له ذلك، وحلّ له التّصرّف فيه، وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه. فإن تزوّج من هذا المال أو تسرّى، كان ذلك جائزا. وكذلك إن اشترى مملوكا، فأعتقه، كان العتق ماضيا، إلّا أنّه يكون سائبة لا يكون ولاؤه له. ولا يجوز له أن يتوالى إليه، لأنّه عبد لا يملك جريرة غيره.

وإذا نذر الإنسان أن يعتق أوّل مملوك يملكه، فملك جماعة من العبيد في حالة واحدة، أقرع بينهم. فمن خرج اسمه، أعتقه. وقد روي أنّه مخيّر في عتق أيّهم شاء. والأوّل أحوط.

٥٤٣

وإذا أعتق ثلاثة من عبيده، وكان له أكثر من ذلك، فقيل له: أعتقت مماليك؟ فقال: نعم، لم يمض العتق، إلّا فيمن كان أجاز فيهم العتق أوّلا، وإن أجابهم حيث سألوه بلفظ العموم بقوله: نعم. وإذا كان للرّجل جارية، فنذر: أنّه متى وطئها، كانت معتقة، فإن وطئها قبل أن يخرجها من ملكه، انعتقت، وإن أخرجها، ثمَّ اشتراها بعد ذلك، ووطئها، لم يقع بها عتق.

ولا يصحّ بيع اللّقيط وشراؤه بل حكمه حكم الأحرار. فإن اختار أن يوالي الذي التقطه، والاه. وإن أحبّ أن يوالي غيره، والاه. فإن طلب الذي ربّاه نفقته، وكان موسرا، ردّ عليه ما أنفقه عليه. وإن لم يكن موسرا، صار ما أنفقه صدقة.

وإذا نذر الإنسان أن يعتق مملوكا بعينه، لم يجز له أن يعتق غيره، وإن كان لو لا النّذر ما كان يجوز له عتقه، أو كان يكون مكروها مثل أن يكون كافرا أو مخالفا له في الاعتقاد. وإذا زوّج الرّجل جاريته وشرط أنّ أوّل ما تلده يكون حرّا فولدت توأما، كانا جميعا معتقين. وإذا قال الرّجل: كلّ عبد لي قديم، فهو حرّ، فما كان من مماليكه أتى له ستّة أشهر، فهو قديم، وصار حرّا.

ولا يجوز للإنسان أن يأخذ من مملوك لغيره مالا ليشتريه به من غير علم مولاه. وإذا اشترى رجل جارية، ولم ينقد ثمنها، فأعتقها، وتزوّجها، ثمَّ مات بعد ذلك، ولم يخلّف غيرها،

٥٤٤

فإنّ عتقه ونكاحه باطل، وتردّ في الرّق لمولاها الأوّل. فإن كانت قد حملت، كان أولادها رقّا كهيئتها. وإن خلّف ما يحيط بثمن رقبتها، فعلى الورثة أن يؤدّوا ثمنها لمولاها، وقد مضى العتق والتّزويج، ولا سبيل لأحد عليها.

وإذا أعتق الرّجل مملوكه عند موته، وعليه دين، فإن كان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدّين، مضى العتق، واستسعي العبد في قضاء دين مولاه، وإن كان ثمنه أقل من ضعفي الدّين، كان العتق باطلا.

وإذا أعتق الرّجل ثلث عبيده، وله عبيد جماعة، استخرج منهم ثلثهم بالقرعة. فمن خرج اسمه، كان معتقا. وإذا خلّف الرّجل مملوكا، وشهد بعض الورثة: أنّه أعتقه، فإن كان مرضيّا جائز الشّهادة، وكانا اثنين، عتق المملوك، وإن لم يكن مرضيّا، مضى العتق في حصّته، واستسعي العبد في الباقي. وإذا أوصى الرّجل بعتق رقبة، جاز أن يعتق نسمة ذكرا كان أو أنثى. وإذا أعتق الرّجل مملوك ابنه، كان العتق ماضيا. وإذا أعتق الرّجل جارية حبلى من غيره، صار ما في بطنها حرّا كهيئتها. وإن استثناه من الحريّة لم يثبت رقّه مع نفوذ الحرّيّة في أمّه. ومن نذر أن يعتق رقبة مؤمنة جاز له أن يعتق صبيّا لم يبلغ الحلم.

وإذا أسلم أحد الأبوين، كان حكم أولاده حكمه في إجزاء حكم الإسلام عليهم. فإن بلغوا، واختاروا الشّرك، لم يمكّنوا

٥٤٥

منه، وقهروا على الإسلام، فإن أبوا، كان عليهم القتل.

وإذا كان للرّجل مملوك، وهو يحسن اليه، ويقوم بما يحتاج اليه، فاستباعه العبد، لم يلزمه بيعه، وكان مخيّرا في ذلك. ويكره أن يفرّق بين الولد وبين أمّه، وينبغي أن يباعا معا، وليس ذلك بمحظور. وإذا أبق المملوك، جاز لمولاه أن يعتقه في الكفّارة الواجبة عليه، ما لم يعرف منه موتا. وإذا أعتق العبد، وعليه دين، فإن كان استدانه بأمر مولاه، لزم المولى قضاؤه. وإن كان عن غير إذنه، كان ثابتا في ذمّته. وإذا أتى على الغلام عشر سنين، جاز عتقه وصدقته، إذا كان على جهة المعروف. وإذا أعتق الرّجل عبده عن دبر، وكان عليه عتق رقبة، لم يجزئ ذلك عنه.

باب أمهات الأولاد

أمّ الولد هي التي تلد من مولاها، سواء كان ما ولدته تامّا أو غير تامّ. وإن أسقطت نطفة، فهي أيضا من جملة أمّهات الأولاد، ويجرى عليها جميع أحكام المماليك. لا يخالف حكمها حكمهنّ من الوطي بالملك والعتق والتّزويج وغير ذلك. ويجوز أيضا بيعها، إلّا أنّه يكون ذلك بشروط. فإذا كانت حاملا، لم يجز بيعها حتّى تضع ما في بطنها. فإذا ولدت، ومات ولدها، جاز بيعها على جميع الأحوال. وإذا كان ولدها حيّا،

٥٤٦

لم يجز بيعها، إلّا في ثمن رقبتها، إذا كان ذلك دينا على مولاها.

وإذا مات مولاها، وولدها حيّ، جعلت في نصيب ولدها وقد انعتقت. فإن لم يخلّف غيرها، كان نصيب ولدها منها حرّا، واستسعيت في الباقي لمن عدا ولدها من الورثة. فإن لم يخلّف غيرها، وكان ثمنها دينا على مولاها، قوّمت على ولدها، ويترك الى ان يبلغ. فإذا بلغ، أجبر على ثمنها. فإن مات قبل البلوغ، بيعت في ثمنها، وقضي به الدّين.

باب الولاء

الولاء على ضربين: فضرب منه سببه العتاق، والآخر سببه تضمّن الجريرة.

فالذي سببه العتق، فهو كلّ من أعتق مملوكا لوجه الله تطوّعا، فإنّ ولاءه وجريرته عليه إلّا أن يتبرّأ من جريرته في حال العتق، ويشهد شاهدين على ذلك، ويجعله سائبة، فإنّه لا يكون له ولاءه حينئذ. ولا عليه ضمان جريرته. وولاء ولد المعتق أيضا وان نزلوا للذي أعتق أباهم، إذا كانوا أحرارا في الأصل. فإن كانوا معتقين، كان ولاءهم لمن أعتقهم دون من أعتق أباهم.

وإذا مات المعتق، ورث ولاء مواليه أولاده الذّكور منهم دون الإناث. فإن لم يكن له ولد ذكور، وكانت له بنات، كان ولاء مواليه لعصبته دون غيرهم، لأنّهم الذين يضمنون جريرته. وإذا

٥٤٧

كان المعتق امرأة، ولها موال، ولها ولد ذكور وإناث، ولها عصبة، فإذا ماتت، كان ولاء مواليها لعصبتها دون أولادها. وإذا كان للمعتق أخ لأبيه ولأمّه أو لأبيه، كان ميراثه له دون العصبة. وكذلك إن كان له والدان، فولاء مواليه لهما، دون العصبة. وإنّما تأخذ العصبة الميراث، إذا لم يكن غيرهم، أو يكون الذين تركهم الميّت إناثا. ولا يصحّ بيع الولاء ولا هبته.

والضّرب الآخر من الولاء، وهو الذي يكون بتضمّن الجريرة، إذا أعتق الرّجل مملوكا، وتبرأ من ضمان جريرته، كان سائبة. وكذلك إن نكل به، فصار حرّا على ما قدّمناه، كان أيضا سائبة لا ولاء له عليه. وكذلك إذا أعتق نسمة واجبة عليه في كفّارة ظهار أو قتل أو يمين أو إفطار يوم من شهر رمضان وغيره من الواجبات، فإنّه يكون المعتق سائبة، لا ولاء لمن أعتقه عليه، ولا لأحد بسببه.

فإن توالى هذا المعتق اليه، وضمن جريرته، كان ولاؤه له وإن توالى الى غيره من الرّجال، كان ولاؤه له، وضمان جريرته عليه. فإن مات ولم يتوال أحدا، كان ميراثه لبيت المال. وإذا كان إنسان لا وارث له، ولا أحد يضمن جريرته، فإن توالى الى إنسان يضمن جريرته، كان ولاؤه له، وضمان جريرته عليه، وان لم يفعل، كان ما يتركه لبيت المال.

٥٤٨

باب المكاتبة

الكتابة هو أن يكاتب الإنسان عبده أو أمته على مال معلوم يؤدّيه إليه في نجوم معلومة، فإنّه يستحبّ له أن يكاتبه على ذلك، إذا علم أنّ له قدرة على أداء ثمنه وفكّ رقبته، بأن يكون ذا صناعة أو حرفة أو غير ذلك. وإن طلب العبد الكتابة، استحبّ له أيضا أن يكاتبه، وإن لم يعلم من حاله ما ذكرناه. ولا يمتنع من مكاتبته بسبب أنّه ليس له حرفة ولا صناعة. ومتى كاتبه، فليعنه على فكّ رقبته بشي‌ء من ماله من سهم الرّقاب. وللإنسان أن يكاتب مملوكه على أيّ ثمن شاء قليلا كان أو كثيرا، غير أنّه يستحبّ ألّا يغلو بثمنه، ولا يتجاوز به القدر الذي هو ثمن له.

والمكاتبة على ضربين: مطلق ومشروط.

فإذا كانت مشروطة، وهو أن يقول لعبده في حال المكاتبة: متى عجزت عن أداء ثمنك، فأنت ردّ في الرّقّ، ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك، وحدّ العجز هو أن يؤخّر نجما الى نجم، أو يعلم من حاله أنّه لا يقدر على فكّ رقبته وأداء ثمنه، فإنّه يرجع رقّا، وإن كان قد أدّى شيئا، كان لمولاه. فإن كان عجزه إنّما هو لتأخير نجم الى نجم، فيستحبّ لمولاه أن يصبر عليه، حتّى يوفّيه. فإن لم يفعل، وردّه في الرّق، كان له ذلك.

٥٤٩

فإن مات هذا المكاتب، وخلّف مالا وأولادا، كان ما ترك لمولاه دون غيره، وكان أولاده مماليك له. ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرّف في نفسه بالتّزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق، ما دام قد بقي عليه شي‌ء. وإنّما يجوز له التّصرّف في ماله بالبيع والشّراء، إذا أذن له سيّده. ومتى حصل عليه دين، كان مولاه ضامنا له، إذا كان مأذونا له في ذلك، لأنّه عبده.

والضّرب الآخر من الكتابة هو أن يكاتبه على شي‌ء معلوم ونجوم معلومة، ولا يشرط عليه: أنّه إن عجز، فهو ردّ في الرّقّ. فمتى أدّى شيئا من مكاتبته، انعتق منه بحساب ذلك، ولم يكن لمولاه عليه سبيل.

فإن مات المكاتب، فترك مالا، وترك أولادا، ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبوديّة، وكان الباقي لولده، إذا كانوا أحرارا. فإن كان المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من أمة له، كان حكم ولده حكمه في أنّه يسترقّ منه مولى أبيه، بقدر ما بقي على أبيه. فإن أدّى الابن ما كان قد بقي على أبيه، صار حرّا، لا سبيل لمولاه عليه. وإن لم يكن له مال، استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه، فمتى أدّاه، صار حرّا.

وهذا المكاتب إذا أدّى بعض مكاتبته، يرث ويورث بحساب ما عتق منه، ويمنع الميراث بقدر ما بقي من الرّقّ. وكذلك إن وصّي له، كانت الوصيّة ماضية له بقدر ما عتق،

٥٥٠

ويحرم بقدر ما بقي من رقّه. وإذا أتى المكاتب ما يجب عليه فيه الحدّ، أقيم عليه بقدر ما انعتق حدّ الحرّيّة، وما بقي منه رقّا حدّ العبوديّة.

وإذا أدّت المكاتبة بعض مكاتبتها، لم يجز لمولاها وطؤها بملك اليمين، لأنّه صار بعضها حرّا، ولا يجوز له العقد عليها، لأنّ بعضها ملك له. فإن وطئها بعد أن أدّت من مكاتبتها شيئا، أقيم عليه الحدّ بقدر ما عتق منها، وأدرئ عنه بحساب ما بقي. ويجب عليها هي مثل ذلك ما لم يستكرهها. فإن استكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه الحدّ حسب ما قدّمناه.

وكلّ شرط يشرطه المولى على مكاتبه، فإنّه يكون ماضيا، ما لم يكن شرطا يخالف الكتاب والسّنّة، كما أنّ له جميع ما يشرط عليه، إذا أعتقه. فإن شرط عليه أن يكون ولاؤه له. كان له الولاء دون غيره. ومتى تزوّجت المكاتبة بغير إذن مولاها، كان نكاحها باطلا. وإن كان نكاحها بإذن مولاها، وقد أدّت بعض مكاتبتها، ورزقت أولادا، كان حكم ولدها حكمها، يسترقّ منهم بحساب ما بقي من ثمنها، ويعتق بحساب ما انعتق منها، إذا كان تزويجها بعبد مملوك. فإن كان تزويجها بحرّ، كان الولد أحرارا. وإذا قال المكاتب لمولاه: خذ منّي جميع ما كاتبتني عليه دفعة واحدة، كان مخيّرا بين أخذه منه في موضع، وبين الامتناع منه، وألّا يقبل منه إلّا على ما وافقه عليه من النّجوم.

٥٥١

وإذا كان المكاتب غير مشروط عليه، وعجز عن توفية ثمنه، كان على الإمام أن يفكّ رقبته من سهم الرّقاب، والمكاتب إذا كان غير مشروط عليه، لم يكن على مولاه فطرته، وإن كان مشروطا، وجب عليه ذلك.

باب التدبير

التّدبير هو أن يقول الرّجل لمملوكه: أنت رقّ في حياتي وحرّ بعد وفاتي. فإذا قال ذلك، ثبت له التّدبير. وهو بمنزلة الوصيّة، يجوز للمدبّر نقضه ما دام فيه الرّوح. فإن نقضه، جاز له بعد ذلك بيعه وهبته والتّصرّف فيه بجميع أنواع التّصرّف بالإطلاق. ومتى لم ينقض التّدبير، وأمضاه على حاله، ثمَّ مات المدبّر، كان المدبر من الثلث. فإن نقص عنه، انعتق. وإن زاد عليه، استسعي في الباقي. ومتى أراد المدبّر بيعه من غير أن ينقض تدبيره، لم يجز له، إلّا أن يعلم المبتاع: أنّه يبيعه خدمته، وأنّه متى مات هو، كان حرّا لا سبيل له عليه.

وإذا دبّر الرّجل جارية وهي حبلى، فإن علم بذلك، كان ما في بطنها بمنزلتها يكون مدبّرا، فإن لم يعلم بحبلها، كان الولد رقّا، ويكون التّدبير ماضيا في الجارية. فإن حملت بعد التّدبير، وولدت أولادا، كان أولادها بمنزلتها، يكونون مدبّرين. فمتى مات الذي دبّر أمّهم، صاروا أحرارا من الثّلث.

٥٥٢

فإن زاد ثمنهم على الثّلث استسعوا في الباقي. فإذا أدّوا، انعتقوا. وليس للمولى أن ينقض تدبير الأولاد، وإنّما له نقض تدبير الأمّ فحسب.

وإذا أذن الرّجل للمدبّر أن يتسرّى، ويشتري جواري، جاز له ذلك. فإن اشترى أمة، ورزق منها أولادا، كانوا بمنزلة أبيهم مدبّرين. فإذا مات المولى، انعتقوا كهيئة أبيهم.

وإن مات المدبّر قبل موت مولاه، وترك مالا، كان ما له لمولاه دون أولاده، وبقي أولاده على ما كانوا عليه من التّدبير، الى أن يموت من دبّر أباهم، فيصيروا أحرارا بعد موته.

وإذا دبّر الإنسان عبده وعليه دين فرارا به من الدّين، ثمَّ مات، كان التّدبير باطلا، وبيع العبد في الدّين. وإن دبّر العبد في حال السّلامة، ثمَّ حصل عليه دين، ومات، لم يكن للدّيّان على المدبّر سبيل.

والمدبّر متى حصل معه مال، جاز لمولاه التّصرّف فيه كما يتصرّف في ماله. وإن باعه، جاز له أن يأخذ ماله. وإذا أبق المدبّر، بطل تدبيره. فإن رزق في حال إباقه مالا وأولادا، ثمَّ مات، ومات الذي دبّره، كانوا رقّا لورثته، وجميع ما خلّفه من المال والولد لورثته الذي دبّره.

وإذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره، وقال: متى مات من جعل له تلك الخدمة، يكون حرّا، كان ذلك صحيحا.

٥٥٣

فمتى مات المجعول له ذلك، صار حرّا. فإن أبق العبد، ولم يرجع إلّا بعد موت من جعل له خدمته، لم يكن لأحد عليه سبيل، وصار حرّا.

والمدبّر لا يجوز أن يعتق في كفّارة ظهار، ولا في شي‌ء من الواجبات التي على الإنسان فيها العتق، ما لم ينقض تدبيره فإن نقض تدبيره، وردّه الى محض الرّقّ، جاز له بعد ذلك عتقه فيما وجب عليه.

٥٥٤

كتاب الأيمان والنذور والكفارات

باب ماهية الأيمان والأقسام

اليمين المنعقدة عند آل محمد،عليهم‌السلام ، هي أن يحلف الإنسان بالله تعالى، أو بشي‌ء من أسمائه أيّ اسم كان. وكلّ يمين بغير الله أو بغير اسم من أسمائه، فلا حكم له. وإذا قال: لعمرو الله، كان ذلك يمينا بالله. وقول الرّجل: « يا هناه ولا بل شانيك، من قول أهل الجاهليّة. ولا يجوز أن يحلف أحد بالقرآن ولا بوالديه ولا بالكعبة ولا بالنّبيّ ولا بأحد من الأئمّة،عليهم‌السلام . فمن حلف بشي‌ء من ذلك، كان مخطئا، ولا يلزمه حكم اليمين. وإذا قال الرّجل: أنا يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أو مشرك أو كافر، وأيمان البيعة والكنيسة يلزمني، فإن كلّ ذلك باطل، ويستحق قائله به الإثم، ولم يلزمه حكم اليمين. ولا يجوز أن يحلف أحد بالبراءة من الله ولا من كتابه ولا من نبيه ولا من شريعة نبيّه ولا من أحد من الأئمّة،عليهم‌السلام . وإذا قال الإنسان: أقسمت أو حلفت، لم يكن ذلك يمينا، حتى يقول: حلفت بالله أو أقسمت بالله. وإذا قال: حلفت

٥٥٥

بربّ المصحف، كان ذلك يمينا صحيحة.

واليهوديّ والنّصرانيّ والمجوسيّ وسائر أصناف الكفّار لا يحلفون إلّا بالله تعالى، وبأسمائه. فإن علم الإمام أو الحاكم أنّ استحلافهم بالتّوراة والإنجيل أو بشي‌ء من كتبهم أردع لهم في بعض الأحوال، جاز له أن يحلّفهم به.

ولا يقع اليمين بالطلاق ولا بالعتاق ولا بالظّهار ولا بتحريم الرّجل امرأته على نفسه.

ولا تنعقد اليمين إلّا بالنّية والضّمير. فمتى تجرّد من النيّة، كان لغوا. والنيّة إنّما يراعى فيها نيّة المستحلف إذا كان محقّا. وإذا كان مبطلا، كانت النّيّة نيّة الحالف. ويمين المكره والغضبان والسّكران غير منعقدة، إلّا أن يكون في شي‌ء من هذه الأحوال مالكا فيها نفسه وينوي اليمين.

والاستثناء في اليمين جائز، إذا تعقّب اليمين بزمان لا تتراخى فيه المدّة، ويكون متّصلا باليمين. فإن تراخى زمانا طويلا، فلا تأثير له. وإذا حلف علانية، فليستثن علانية.

وإذا حلف سرّا، فليستثن مثل ذلك. ومتى استثنى الإنسان في يمينه، ثمَّ خالفه، لم يكن عليه شي‌ء، لأنها يمين موقوفة.

ولا يجوز لأحد أن يحلف إلّا على ما يعلمه. وإذا علمه، جاز أن يحلف عليه قليلا كان أو كثيرا. إلّا أنّه يستحبّ له أن يتجنّب اليمين على القليل، وإن كان مظلوما. بل يبذل من نفسه مقدار

٥٥٦

ما يحلف عليه، ما لم يضرّ به ذلك. فإن استضرّ به، جاز له أن يحلف عليه على كلّ حال.

وإذا حلّف الإنسان غيره على مال له، وجب عليه الرّضا بيمينه وليس له أن يأخذ من ماله شيئا. فإن جاء الحالف ثانيا مقلعا، وأعطاه المال الذي حلف عليه، جاز له قبضه. فإن جاء بالمال، ومعه ربحه، فليأخذ رأس المال ونصف الرّبح، ويعطيه النّصف الآخر.

فإن كان له المال عنده، فغصبه عليه، وجحده، غير أنّه لم يحلّفه، ثمَّ ظفر بشي‌ء من ماله، جاز له أن يأخذ منه القدر الذي له من غير زيادة عليه. وإن كان المال الذي ظفر به وديعة عنده، لم يجز له جحده ولا يدخل في مثل ما دخل معه فيه.

باب أقسام الأيمان

اليمين على ضربين: ضرب تجب فيه الكفّارة، وضرب لا تجب فيه الكفّارة.

والضّرب الذي لا كفّارة فيه هو أن يحلف الإنسان على أن يفعل ما يحرم عليه فعله، مثلا أن يحلف أن يظلم إنسانا، أو يقتل من لا يستحقّ القتل، أو يؤذي مؤمنا، أو يخون أخا له. فليترك جميع ذلك، ولا كفّارة عليه. وكذلك إن حلف أن يفعل فعلا كان الأولى إلّا يفعله في دينه أو دنياه، فليتركه، ولا كفّارة

٥٥٧

عليه، مثلا أن يحلف أن يطالب بحقّ له على غيره الأولى ترك مطالبته، أو يحلف أن يبيع متاعا له الأولى به إمساكه، أو يحلف أن يمضي في أمر كان الأولى تركه، فليترك جميع ذلك، وليس عليه كفارة. وإذا حلف ألّا يفعل ما يجب عليه فعله، فليفعله، ولا كفّارة عليه، مثلا أن يحلف ألّا يردّ الوديعة، أو لا ينصف من نفسه، أو لا يشكر النّعمة، أو لا يصوم. أو لا يصلي، أو لا يحجّ، وما أشبه ذلك من الواجبات، فليفعل جميع ذلك، ولا كفّارة عليه. وإذا حلف ألّا يفعل ما الأولى به فعله إمّا في دينه أو دنياه، مثلا أن يحلف ألّا يحسن الى أحد، أو لا يصلّي نافلة، أو لا يصوم تطوّعا، أو لا يصل أحدا من إخوانه، أو لا يتّجر لمعيشته وهو محتاج إليها، أو لا يسافر وهو محتاج الى السّفر أو لا يشتري لأهله شيئا وكانت المصلحة في شرائه، أو لا يسكن دارا وهو محتاج الى سكناها، وما أشبه ذلك، فليفعل جميع ذلك، ولا كفّارة عليه.

ولا يمين لولد مع والده، ولا لزوج مع زوجها، ولا لمملوك مع سيّده. فمتى حلف واحد منهم على شي‌ء ممّا ليس بواجب ولا قبيح، جاز للأب حمل الولد على خلافه، وساغ للزّوج حمل زوجته على خلاف ما حلفت عليه، ولا تلزمهما كفّارة.

ومتى حلف الإنسان على الماضي مثلا أن يقول: والله ما فعلت كذا وكذا، وكان قد فعله، فقد أثم بذلك، ولم يلزمه

٥٥٨

كفّارة، وليستغفر الله ولا يعد.

ومن كان عنده وديعة لمؤمن فطالبه بها ظالم، فلينكرها. وإن استحلفه على ذلك، فليحلف، ويوري في نفسه ما يخرجه عن كونه كاذبا، وليس عليه كفّارة، بل له فيه أجر كبير. وإن لم يكن ممّن يحسن التّورية، وكانت نيّته حفظ الأمانة، لم يكن عليه شي‌ء أيضا.

ومن حلف على شي‌ء يدفع به أذى عن نفسه، أو عن مؤمن، كان له فيه أجر، ولم يكن عليه فيه كفّارة.

والسّلطان الجائر إذا استحلف أعوانه على ظلم المؤمنين، فحلفوا له، لم يجز لهم الوفاء به، بل وجب عليهم ترك الظّلم ولا كفّارة عليهم.

ومن كان عليه دين لا يجد إلى قضائه سبيلا لإعساره، فقدّمه صاحب الدّين إلى حاكم يعلم: أنّه متى أقرّ عنده، حبسه فأضرّ به وبأهله، جاز له جحده، والحلف عليه بعد أن ينوي قضاءه عند التّمكّن منه، ويورّي في يمينه، ولا إثم عليه في يمينه ولا كفّارة. وإن لم ينو قضاءه، كان مأثوما.

ولا يجوز لصاحب الدّين أن يعرّضه لليمين مع علمه بإعساره ولا يحلّ له حبسه مع العلم بعجزه عن أداء ما عليه. فإن حلّفه على ذلك، أو حبسه مع إحاطة علمه بعجزه، كان مأثوما.

ومن وهب له أحد والديه شيئا، ثمَّ مات الواهب، فطالبه

٥٥٩

الورثة بذلك الشّي‌ء، جاز له أن يحلف: أنّه كان اشتراه، وأعطى ثمنه، ولم يكن عليه كفّارة ولا إثم.

ومن حلف على إنسان ليأكل معه أو يجلس معه أو يمشى فلم يفعل، لم يجب عليه الكفّارة. ومن حلف ألّا يشتري لأهله شيئا بنفسه، فليشتره، وليس عليه كفّارة. ومن حلف لزوجته ألّا يتزوّج عليها، ولا يتسرّى لا في حياتها ولا بعد وفاتها، جاز له أن يتزوّج ويتسرّى، وليس له عليه كفّارة ولا إثم. وكذلك إن حلفت هي: إلّا تتزوّج بعد وفاته، جاز لها أن تتزوّج، ولم يكن عليها كفّارة ولا إثم.

ومن حلف: بأن عبيده أحرار، خوفا من ظالم، لم ينعتقوا بذلك، ولم يكن عليه كفّارة، وإذا حلفت المرأة: إلّا تخرج إلى بلد زوجها، ثمَّ احتاجت إلى الخروج، فلتخرج، ولا كفّارة عليها.

ومن كان عليه دين، فحلّفه صاحبه: ألّا يخرج من البلد إلّا بإذنه، لم يجز له الخروج إلّا بعد إعلامه، ألّا أن يخاف: إن أعلمه، منعه من ذلك، وكان عليه في المقام ضرر أو على عياله، فإنه يجوز له الخروج، ولم يكن عليه كفّارة.

ومن حلف أن يؤدّب غلامه بالضّرب، جاز له تركه، ولا تلزمه كفّارة. قال الله تعالى:( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) . ومن حلف ألّا يشرب من لبن عنز له، ولا يأكل من لحمها، وليس

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793