النهاية الجزء ١

النهاية5%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 232230 / تحميل: 6695
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

به حاجة إلى ذلك، لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهنّ. فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة، كانت عليه الكفّارة. وإن كان قد شرب ذلك لحاجة به، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن أودع عند إنسان مالا، وذكر: أنّه لإنسان بعينه، ثمَّ مات، فجاء ورثته يطالبونه بالوديعة، فإن كان الموصي ثقة عنده، جاز له أن يحلف: بأنّ ليس عنده شي‌ء، ويوصل الوديعة إلى صاحبها، وإن لم يكن ثقة عنده، وجب عليه أن يردّ الوديعة على ورثته.

ومن حلف ألّا يمسّ جارية غيره أبدا، ثمَّ ملكها بعد ذلك، جاز له وطؤها، لأنه إنّما حلف ألّا يمسّها حراما. فإذا ملكها، فقد زال ذلك عنه. ومن حلف على مال لغيره ليقتطعه ارتكب بذلك كبيرة موبقة، غير أنّه لم يجب عليه الكفّارة، بل كفّارته أن يردّ على صاحب الحقّ حقّه من غير نقصان.

واما الضّرب الآخر من الأيمان التي تجب فيه الكفّارة، فهو أن يحلف ألّا يخلّ بواجب، أو لا يفعل قبيحا. فمتى أخلّ بما وجب عليه، أو ارتكب قبيحا، وجب عليه فيه الكفّارة. ومتى حلف: أن يفعل ما قد وجب عليه فعله، أو ما الأولى به فعله في دينه أو دنياه، ثمَّ لم يفعل ما وجب عليه، أو أخلّ بما الأولى به فعله، كان عليه الكفّارة. ومن حلف

٥٦١

أن يفعل فعلا من الافعال، كان فعله وتركه على حدّ واحد، ولم يكن لأحدهما على الآخر مزيّة، فمتى لم يفعله، كان عليه الكفّارة. وكذلك إن حلف: ألّا يفعل فعلا، كان فعله مثل تركه. فمتى فعله، وجبت عليه الكفّارة.

باب ماهية النذور والعهود

النّذر هو أن يقول الإنسان: إن كان كذا وكذا، فلله عليّ كذا وكذا، من صيام أو صدقة أو حجّ أو صلاة، وغير ذلك من أفعال البر.

فمتى كان ما نذر عليه وحصل، وجب عليه الوفاء بما نذر فيه، ولم يسغ له تركه. وإن قال: إن كان كذا وكذا، فعليّ كذا، ولم يقل: لله، لم يكن ذلك نذرا واجبا، بل يكون مخيّرا في الوفاء به وتركه. والأفضل له الوفاء به على كلّ حال.

ومتى اعتقد: أنّه متى كان شي‌ء، فلله عليه كذا وكذا، وجب عليه الوفاء به عند حصول ذلك الشي‌ء، وجرى ذلك مجرى أن يقول: لله عليّ كذا وكذا. وإن جعل في اعتقاده: أنّه متى كان شي‌ء، كان عليه كذا، ولم يعتقده لله، كان مخيّرا في ذلك أيضا حسب ما قدّمناه في القول.

ومن نذر لله تعالى: أنّه متى حصل أمر، كان عليه شي‌ء،

٥٦٢

ولم يعيّنه ولم يميّزه، كان بالخيار: ان شاء صام يوما، وإن شاء تصدّق بشي‌ء، قلّ أم كثر، وإن شاء صلّى ركعتين، أو فعل قربة من القربات. ومتى قال: متى كان كذا وكذا، فلله عليّ المشي إلى بيت الله، أو إهداء بدنة اليه، فمتى كان ذلك الشّي‌ء، وجب عليه الوفاء به. فإن قال: متى كان كذا، فلله عليّ أن أهدي هذا الطّعام إلى بيته، لم يلزمه ذلك، لأنّ الإهداء لا يكون إلّا في البدن خاصّة أو ما يجري مجراها من البقر والغنم، ولا يكون بالطّعام.

والمعاهدة أن يقول: عاهدت الله تعالى، أو يعتقد ذلك: أنّه متى كان كذا، فعليّ كذا. فمتى قال ذلك، أو اعتقده، وجب عليه الوفاء به عند حصول ما شرط حصوله، وجرى ذلك مجرى النّذر سواء. ومتى قال: هو محرم بحجّة أو عمرة، إن كان كذا وكذا، لم يكن ذلك شيئا.

والنّذر والعهد معا، إنّما يكون لهما تأثير إذا صدرا عن نيّة. فمتى تجرّدا من النّية، لم يكن لهما تأثير على حال.

باب أقسام النذور والعهود

النّذر على ضربين: ضرب يجب الوفاء به، وضرب يجب ذلك فيه.

٥٦٣

فالذي يجب الوفاء به، هو أن ينذر: أنّه متى فعل واجبا أو ندبا أو مباحا، كان عليه شي‌ء بعينه من صيام أو صدقة أو حجّ أو غير ذلك من أفعال البر. فمتى فعل ذلك، وجب عليه الوفاء به. وكذلك من نذر: أنه متى عوفي من مرضه، أو قدم من سفره، أو ربح في تجارته، أو سلم من يد ظالم، أو كان شي‌ء من ذلك بولد له أو أخ أو مؤمن، كان لله عليه شي‌ء معلوم، وجب أيضا عليه الوفاء به. ومتى نذر الإنسان: أنّه إن عوفي ولد له من مرضه وهو غائب عنه، ثمَّ سمع بصلاحه، فإن كان برؤه بعد النّذر، وجب عليه الوفاء به، وإن كان برؤه قبل النّذر، لم يجب عليه ذلك.

ومتى نذر: أنّه لا يتزوّج حتّى يحجّ، ثمَّ تزوّج قبل الحجّ، وجب عليه الوفاء بالنّذر، سواء كانت حجّته حجّة الإسلام أو حجّة التّطوع، لأنّه عدل عن طاعة إلى مباح. ومتى وجب عليه ما نذر، فإن كان علّقه بشرط، وأنّه يفعله في وقت معيّن، وجب عليه الوفاء به عند حصول الشّرط أو دخول الوقت. فإن خالفه. كان عليه الكفّارة. وإن لم يكن علّقه بشرط. ولا بوقت معيّن، كان ذلك ثابتا في ذمّته إلى أن يفي به.

ومن نذر: أن يصوم شهرا أو سنة أو أقلّ أو أكثر، ولم يعلّقه بوقت معيّن، وجب عليه الوفاء به أيّ وقت كان، غير

٥٦٤

أنّ الأحوط إتيانه به على الفور. وإن أخّره، لم تلزمه كفّارة. ومتى علّقه بوقت معيّن، فمتى لم يصمه في ذلك الوقت، وجب عليه القضاء والكفّارة. ومتى وجب عليه صيام نذر، فمرض أو سافر أو اتّفق أن يكون يوم العيدين، وجب عليه أن يفطر ذلك اليوم، ويقضيه، وليس عليه كفّارة. اللهمّ إلّا أن يكون قد نذر أن يصومه على كلّ حال، سواء كان مسافرا أو حاضرا فإنّه يجب عليه الوفاء به، وكان عليه صيامه. فأمّا صيام يوم العيدين فلا يجوز له على كلّ حال، وإن ذكر ذلك في حال النّذر، لأنّ ذلك نذر في معصية.

ومن نذر: أن يعتق رقبة بعينها، لم يجزأه غيرها، سواء كانت كافرة أو مؤمنة وعلى أيّ وجه كانت. ومن نذر أن يصوم حينا من الدّهر، ولم يسمّ شيئا معيّنا، كان عليه صيام ستة أشهر. ومن نذر: أن يصوم زمانا، ولم يسمّ شيئا، فليصم خمسة أشهر. ومن نذر: أن يعتق كلّ عبد له قديم في ملكه، ولم يعيّن شيئا، أعتق كلّ عبد قد مضى عليه في ملكه ستّة أشهر. ومن نذر: أن يتصدّق من ماله بمال كثير، ولم يسمّه، تصدّق بثمانين درهما فما زاد.

ومن نذر: أن يحجّ ماشيا، أو يزور أحد المشاهد كذلك، فعجز عن المشي، فليركب ولا كفّارة عليه. وإن ركب من غير عجز، كان عليه إعادة الحجّ أو الزّيارة، يمشي ما ركب منه،

٥٦٥

ويركب ما مشي. وإذا أراد أن يعبر ناذر المشي في زورق نهرا فليقم فيه قائما، ولا يجلس حتّى يخرج إلى الأرض.

ومن نذر: أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ولم يسمّ شيئا، كان بالخيار: إن شاء، تصدّق به على فقراء المؤمنين، وإن شاء، جعله في حجّ أو زيارة أو وجه من وجوه البر ومصالح الإسلام. ومن جعل جاريته أو عبده أو دابّته هديا لبيت الله الحرام، أو لمشهد من مشاهد الأئمّة،عليهم‌السلام ، فليبع العبد أو الجارية أو الدّابّة، ويصرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد أو في معونة الحاج أو الزّائرين.

ومن نذر: أن يصلّي صلاة معروفة تطوّعا في وقت مخصوص وجب عليه أن يصلّيها في ذلك الوقت، في سفر كان أو حضر ليلا كان أو نهارا. ومن نذر: أن يتصدّق بدراهم على الفقراء أو في موضع مخصوص، لم يجزأ عنه الانصراف إلى غيره فإن صرفها في غير ذلك الوجه، كان عليه إعادتها. ومن نذر: أنّه متى رزق ولدا، حجّ به أو حجّ عنه، ثمَّ مات النّاذر، وجب أن يحجّ بالولد، أو عنه من صلب ماله الذي ترك.

ومتى نذر في طاعة: أنّه يتصدّق بجميع ما يملكه، وجب عليه الوفاء به. غير أنّه إذا خاف الضّرر على نفسه في خروجه من جميع ما يملكه، فليقوّم جميع ما يملكه على نفسه، ثمَّ

٥٦٦

ليتصدّق معه، ويثبته إلى أن يعلم أنّه استوفى ما كان قد وجب عليه، وبرأت ذمّته. ومن نذر، ولم يسمّ شيئا، إن شاء صلّى ركعتين، وإن شاء صام يوما، وإن شاء تصدّق بدرهم فما فوقه أو دونه. ومن نذر: ألّا يبيع مملوكا له أبدا، فلا يجوز له بيعه، وإن احتاج إلى ثمنه.

ومن نذر في شي‌ء فعجز عنه، ولم يتمكّن من الوفاء، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن نذر: أن يحرم بحجّة أو عمرة من موضع بعينه، وإن كان قبل الميقات، وجب عليه الوفاء به. وإذا حاضت المرأة في حال صيام نذرته، وجب عليها أن تفطر، ثمَّ تقضي، وليس عليها شي‌ء. ومن نذر: أن يحجّ، ولم يكن له مال، فحجّ عن غيره، أجزأه عمن حجّ عنه وعمّا نذر فيه.

وأمّا ما لا يجب الوفاء به من النّذور، فهو أن ينذر: أنّه متى لم يترك واجبا أو ندبا، كان عليه كيت وكيت، فليفعل الواجب أو النّدب، ولا شي‌ء عليه. وكذلك ان نذر: أنّه متى لم يفعل قبيحا، كان عليه كيت كيت، فليترك القبيح، ولا شي‌ء عليه. ومن نذر شكرا لله تعالى: أنّه متى فعل قبيحا، كان عليه كيت وكيت، ثمَّ فعل القبيح، لم يلزمه بما نذر به، لأنّ هذا نذر في معصية. اللهمّ إلّا أن يجعل ذلك على نفسه على سبيل الكفّارة لما يرتكبه من القبيح، فيجب عليه حينئذ

٥٦٧

الوفاء به. ومن نذر: أنّه متى فعل واجبا أو ندبا، أو قدم من سفر، أو ربح في تجارة، أو برأ من مرض، وما أشبه ذلك شرب خمرا، أو ارتكب فجورا، أو قتل مؤمنا، أو ترك فرضا، فعليه أن يترك الشّرّ، ويفعل الخير، ولا كفّارة عليه.

ومن عاهد الله: أن يفعل واجبا أو ندبا، أو ما يكون به مطيعا، وجب عليه الوفاء به. فإن لم يفعل، كان عليه الكفّارة فإن عاهد على: أن لا يفعل قبيحا، أو لا يترك واجبا أو ندبا، ثمَّ فعل القبيح، أو ترك الواجب أو النّدب، وجبت عليه الكفّارة. ومن عاهد الله: أن يفعل فعلا كان الأولى إلّا يفعله في دينه أو دنياه، أو لا يفعل فعلا الأولى أن يفعله، فليفعل ما الأولى به فعله، وليترك ما الأولى به تركه، وليس عليه كفّارة.

باب الكفارات

كفّارة اليمين إمّا عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم: أيّ هذه الثلاثة فعل، فقد أجزأه، مخيّر فيها. فمتى لم يقدر على واحدة منها، وعجز عن جميعها، وحدّ العجز عن ذلك هو ألّا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت عياله، كان عليه صيام ثلاثة أيّام متتابعات. فإن لم يقدر على

٥٦٨

الصّوم، فليستغفر الله تعالى ولا يعود.

ومتى أراد أن يعتق رقبة، فليعتق من كان ظاهره ظاهر الإسلام، أو بحكم الإسلام، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا كان أو كبيرا. ولا يجوز له أن يعتق مدبّرا، إلّا بعد أن ينقض تدبيره. ولا أن يعتق مكاتبا له، وقد أدّى من مكاتبته شيئا.

ولا بأس أن يعتق مملوكا قد أبق منه، إذا لم يعرف منه الموت. ولا بأس أن يعتق أعرج أو أعور أو أشل. ولا يجوز أن يعتق أعمى ولا أجذم ولا مقعدا، لأنّ هؤلاء ينعتقون بهذه الآفات من غير أن يعتقهم صاحبهم. ويجوز عتق أمّ الولد في الكفّارة.

وإذا أراد أن يطعم المساكين، فليطعم لكلّ مسكين مدّين من طعام. فإن لم يقدر على ذلك، أطعم كلّ واحد مدّا من طعام. وإن جمعهم في مكان واحد، وأطعمهم ذلك الطّعام، لم يكن به بأس. ويجوز أن يكون في جملتهم من هو صغير، ولا يجوز أن يكونوا كلّهم صغارا. ومتى كانوا كلّهم صغارا، احتسب كلّ اثنين منهم بواحد.

ولا يطعم إلّا فقراء المؤمنين أو من هو بحكمهم. ومتى لم يجد تمام العدد من المؤمنين، ووجد بعضهم، كرّر من الموجودين حتّى يستوفي العدد. وإن لم يجد إلّا واحدا، أطعمه

٥٦٩

عشر مرّات يوما بعد يوم، إلى أن يستوفي العدد.

ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ولا من أولادهم، أطعم المستضعفين ممّن خالفهم. ولا يجوز أن يطعم النّاصب شيئا من ذلك.

وأرفع ما يطعمهم الخبز واللّحم، وأوسطه الخبز والخلّ والزّيت، وأدونه الخبز والملح.

ومتى أراد كسوتهم، فليعط كلّ واحد منهم ثوبين يواري بهما جسده. فإن لم يقدر عليهما، جاز أن يقتصر على ثوب واحد لكلّ واحد منهم.

وكفّارة اليمين لا تجب إلّا بعد الحنث. فإن كفّر قبل الحنث، لم يجزأه، وكان عليه قضاؤها بعد الحنث. ومن حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من واحد من الأئمّة،عليهم‌السلام ، كان عليه كفّارة ظهار. فإن لم يقدر على ذلك، كان عليه كفّارة اليمين.

وكفّارة نقض النّذور والعهود عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا مخيّر فيها: أيّها شاء فعل، فقد أجزأه. ومتى عجز عن ذلك كلّه، كان عليه صيام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر على ذلك، أطعم عشرة مساكين، أو قام بكسوتهم. فإن لم يقدر على ذلك، تصدّق بما استطاع

٥٧٠

فإن لم يستطع شيئا أصلا، استغفر الله تعالى ولا يعود. ومن كان عليه صيام يوم قد نذر صومه، فعجز عن صيامه، أطعم مسكينا مدّين من طعام كفّارة لذلك اليوم، وقد أجزأه.

وكفّارة الظهار عتق رقبة. فإن لم يجد رقبة، كان عليه صيام شهرين متتابعين. فإن لم يقدر على الصّيام، أطعم ستّين مسكينا. فإن جامع قبل أن يكفر، كان عليه كفّارة أخرى حسب ما قدّمناه. وكلّما جامع، كان عليه كفارة أخرى إلى أن يكفّر.

وكفّارة من أفطر يوما من شهر رمضان، إمّا عتق رقبة، رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين: أي الثّلاثة فعل، فقد أجزأه، وهو مخيّر فيها.

وكفّارة قتل الخطإ عتق رقبة. فإن لم يجد، كان عليه صيام شهرين متتابعين. فإن لم يستطع، أطعم ستّين مسكينا.

وكفّارة قتل العمد، عتق رقبة، وإطعام ستّين مسكينا، وصيام شهرين متتابعين بعد رضا أولياء المقتول بالدّية أو العفو عنه.

وكفّارة من وطي زوجته في حيض، إن كان وطؤه لها في أوّل الحيض، كان عليه دينار، قيمته عشرة دراهم جيادا، وإن كان في وسطه، نصف دينار، وإن كان في آخره، ربع دينار على حساب ما قدّمناه. وإن وطئ أمته في الحيض، كان

٥٧١

عليه ثلاثة أمداد من طعام، يفرّقها على ثلاثة مساكين.

ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في شي‌ء ممّا ذكرناه من الكفّارات، فصام شهرا ومن الثّاني شيئا، ثمَّ أفطر من غير علّة، كان مخطئا، وجاز له البناء عليه. وإن صام شهرا، ولم يكن قد صام من الثّاني شيئا، وجب عليه الاستيناف. وإن كان إفطاره قبل الشّهر لمرض، كان له البناء عليه على كلّ حال. ومن عجز عن صيام شهرين وجبا عليه، صام ثمانية عشر يوما، وقد أجزأه. وإن لم يقدر على ذلك، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام. فإن لم يستطع، استغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء.

وكفّارة الإيلاء كفّارة اليمين سواء. ومن أفطر يوما قد نوى صومه قضاء لشهر رمضان بعد الزّوال، كان عليه كفّارة يمين. فإن لم يجد، صام ثلاثة أيّام. ومن تزوّج بامرأة في عدّتها، فارقها، وكفّر عن فعله بخمسة أصوع من دقيق. ومن نام عن عشاء الآخرة حتّى يمضي النّصف الأوّل من اللّيل، صلاها حين يستيقظ ويصبح صائما كفّارة لذنبه في النّوم عنها إلى ذلك الوقت. ومن نام عن صلاة الكسوف متعمّدا، وقد احترق القرص كلّه، فليغتسل كفّارة لذنبه، وليقض الصّلاة بعد الغسل. ومن سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيّام ليراه، فليستغفر الله من ذنبه، ويغتسل كفّارة لسعيه اليه.

٥٧٢

ولا يجوز للرّجل أن يشقّ ثوبه في موت ولده ولا في موت زوجته. فإن فعل ذلك، كان عليه كفّارة يمين. ولا بأس أن يشقّ ثوبه على أبيه وفي موت أخيه.

ولا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها في مصاب، ولا تخدشه، ولا تجزّ شعرها. فإن جزّته، كان عليها كفّارة قتل الخطإ: عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين فإن خدشت وجهها، حتى تدميه، وجب عليها كفّارة اليمين. فإن لطمت وجهها، استغفرت الله تعالى، ولا كفّارة عليها أكثر من الاستغفار.

ومن وجبت عليه كفّارة مرتّبة، فعجز عن الرّقبة، فانتقل إلى الصّوم، فصام شيئا، ثمَّ وجد الرّقبة، لم يلزمه الرّجوع إليها، وجاز له البناء على الصّوم. وإن رجع إلى الرّقبة، كان ذلك أفضل له.

ومن ضرب مملوكا له فوق الحدّ، كانت كفّارة أن يعتقه. فإن قتله، كان عليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وعليه التّوبة ممّا فعل.

٥٧٣

كتاب الصيد والذبائح

باب ما يستباح أكله من سائر أجناس الحيوان وما لا يستباح

الحيوان على ضروب: منها ما يكون في الحضر خاصّة، ومنها ما يكون في البرّ، ومنها ما يكون في البحر. وكلّ واحد من هذه الأجناس ينقسم أقساما ثلاثة، قسم منها مباح طلق، وقسم مكروه، وقسم محظور.

فأمّا حيوان الحضر، فالإبل والبقر والغنم وما ولد منها، فإنها أجمع مباحة، ويجوز استعمالها على كلّ حال، إلّا ما كان منه جلّالا، فإنّه محظور لا يجوز أكله.

وحدّ الجلّال الذي لا يجوز أكله إلّا بعد الاستبراء، هو أن يكون غذاؤه أجمع عذرة الإنسان لا يخلطها بغيرها. فإذا كان مخلّطا بأكل العذرة وغيرها، فإن لحمها مكروه، وليس بمحظور. ويستبرأ الجلّال: الإبل منه بأربعين يوما، يربط ويعلف حتّى يزول عنه حكم الجلل، والبقر بعشرين يوما كذلك، والشّاة بعشرة أيّام.

٥٧٤

وإذا شرب شي‌ء من هذه الأجناس خمرا، ثمَّ ذبح، جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء. ولا يجوز أكل شي‌ء ممّا في بطنه ولا استعماله.

وإذا رضع شي‌ء من هذه الأجناس من خنزيرة، حتّى اشتدّ على ذلك، لم يجز أكل لحمه، ولا ما كان من نسله. فإن شرب من خنزيرة دفعة أو دفعتين، كان أكل لحمه مكروها غير محظور، إلّا أنّه يستبرأ بسبعة أيّام: إن كان ممّا يأكل العلف: كسبا وغيره، أطعم ذلك، وإن لم يأكل، سقي من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيّام.

وإذا شرب شي‌ء من هذا الحيوان بولا، ثمَّ ذبح، لم يؤكل ما في بطنه، إلّا بعد غسله بالماء.

ومتى شرب شي‌ء من هذه الأجناس من لبن امرأة، واشتدّ، كره أكل لحمه، ولم يكن محظورا.

وأمّا الخيل والبغال والحمير، فإن لحومها مكروهة، وليست بمحظورة، وإن كان بعضها أشدّ كراهة من بعض، لأن لحم البغل أشدّ كراهة من لحم الحمار، ولحم الحمار أشدّ كراهة من لحم الخيل، ولحم الخيل أدونهنّ كراهة. ولا يجوز أكل لحم الفيل.

ومتى وطئ شيئا من هذه الأجناس التي يحلّ أكل لحومها حرّم ذلك لحومها ولحم ما يكون من نسلها بعد ذلك، ووجب

٥٧٥

إحراقها بالنار. فإن اختلطت بغيرها، واشتبهت، استخرجت بالقرعة: بأن يقسم القطيع قسمين، ويقرع على كلّ واحد منهما، ثمَّ يقسم كذلك أبدا، إلى أن لا يبقى إلّا واحدة.

وأمّا حيوان البحر، فلا يستباح أكل شي‌ء منه، إلّا السّمك خاصة. والسّمك يؤكل منه ما كان له فلس، ويجتنب ما ليس له فلس. والجرّيّ لا يجوز أكله على حال، وكذلك الطّافي، وهو الذي يموت في الماء فيطفو عليه. وأمّا المارماهي والزّمّار والزّهو، فإنّه مكروه شديد الكراهية، وإن لم يكن محظورا. ولا بأس بالكنعت، ولا بأس بالربيثا.

ولا يؤكل من السّمك ما كان جلّالا، إلّا بعد أن يستبرأ يوما إلى اللّيلة في ماء طاهر يطعم شيئا طاهرا. ولا يجوز أكل ما نضب عنه الماء من السّمك. وإذا شقّ جوف سمكة، فوجد فيها سمكة، جاز أكلها إذا كانت من جنس ما يحل أكلها. فإن شقّ جوف حيّة فوجد فيها سمكة، فإن كانت على هيئتها لم تتسلّخ، لم يكن بأس بأكلها، وإن كانت قد تسلّخت، لم يجز أكلها على حال.

وإذا وثبت سمكة من الماء، فماتت، فإن أدركها الإنسان وهي تضطرب، جاز له أكلها، وإن لم يدركها كذلك، تركها، ولم يجز له أكلها.

ولا بأس بالطّمر والطّبرانيّ والإبلاميّ من أجناس السّمك.

٥٧٦

وأمّا حيوان البرّ، فإنّه يجوز أكل شي‌ء من السّباع، سواء كان ذا ناب أو غير ذي ناب، مثل السّبع والفهد والنّمر والكلب والخنزير والثّعلب والأرنب والدّب والذّئب، وما أشبه ذلك من السّباع والمسوخ. ولا بأس بأكل لحم الظّبي والغزال والبقر الوحشي والحمار الوحشيّ، وإن كان لحم الحمار مكروها.

والقرد والسّنّور لا يجوز أكلهما. ولا يجوز أكل السّلحفاة والضّبّ واليربوع والفأر والحيّات والعقارب والضّفادع والسّرطان والخنافس وبنات وردان والزّنابير. ولا يجوز أكل لحم الخزّ والسّمور والسّنجاب والفنك وما أشبهها.

وأمّا الطّير، فيؤكل منه ما دفّ، ويترك منه كلّ ما يصفّ فإن كان طيرا يدفّ ويصفّ، يعتبر: فإن كان دفيفه أكثر من صفيفه، أكل، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه، اجتنب. فإن لم يكن هناك طريق إلى اعتباره، بأن يوجد مذبوحا، أكل منه ما كانت له قانصة أو حوصلة أو صيصية، ويجتنب ما لم يكن له شي‌ء من ذلك.

ولا يجوز أكل شي‌ء من سباع الطّير مثل النّسر والعقاب والرّخمة والحدأة، وما كان له مخلب يأكل اللّحم. ويكره أكل الغربان والقنابر والهدهد. ولا يجوز أكل الخطّاف والخشّاف. ويكره لحم الحبارى، وليس بمحظور.

٥٧٧

ولا بأس بأكل طير الماء، وإن كان ممّا يأكل السّمك، إذا اعتبر بما ذكرناه. ولا يجوز أكل لحم الطّواويس. ويكره أكل لحم الصّرد والصّوام والشّقراق. والطّير إذا كان جلّالا، لم يجز أكله إلّا بعد استبرائه وحبسه من ذلك. وتستبرأ البطّة وما أشبهها بخمسة أيّام، والدّجاجة وما أشبهها بثلاثة أيّام.

باب الصيد وأحكامه

صيد السّمك، أخذه وإخراجه من الماء حيّا، على أيّ وجه كان، سواء كان من أخرجه مسلما أو كافرا، من أيّ أجناس الكفّار كان، لأنّه لا يراعى في صيده وجوب التّسمية، وإن كانت التّسمية أفضل، إلّا أن ما يصيده غير المسلم، لا يجوز أكله، إلّا إذا شوهد إخراجه من الماء حيّا، ولا يوثق بقوله في ذلك.

وإذا نصب الإنسان شبكة في الماء يوما وليلة أو ما زاد على ذلك، ثمَّ قلعها، وقد اجتمع فيها سمك كثير، جاز له أكل جميعه، وإن كان يغلب على ظنّه: أنّ بعضه مات في الماء، لأنّه لا طريق له إلى تمييزه من غيره. فإن كان له طريق إلى تمييز ما مات في الماء ممّا لم يمت فيه، لم يجز له أكل ما مات فيه. وكذلك ما يصاد في الحظائر ويجتمع فيه، جاز أكل جميعه مع فقد الطّريق إلى تمييز الميّت من الحيّ. وإذا صيد

٥٧٨

سمك، وجعل في شي‌ء، وأعيد في الماء، فمات فيه، لم يجز أكله.

ويكره صيد السّمك يوم الجمعة قبل الصّلاة. ويكره صيد الوحش والطّير باللّيل، وليس ذلك بمحظور. ويكره أخذ الفراخ من أعشاشهنّ. والطّير إذا كان مالكا جناحيه، لا بأس بصيده بسائر أنواع الصّيد ما لم يعرف له صاحب. فإن عرف له صاحب، وجب ردّه عليه. والمقصوص الجناح لا يجوز أخذه، لأن ذلك لا يكون إلا لمالك.

ولا يؤكل من الطّير ما يصاد بسائر أنواع آلات الصيد إلّا ما أدرك ذكاته، إلّا ما يقتله السّهم، ويكون مرسله قد سمّى عند إرساله. فإن لم يكن صاحبه سمّى، أو صيد بالبندق أو المعراض أو الحجارة وما أشبه ذلك، فمات فيه، لم يجز أكله. وإذا رمى إنسان طيرا بسهم، فأصابه، وأصاب فرخا لم ينهض بعد، فقتلهما، جاز أكل الطّير، ولم يجز أكل الفرخ، لأنّ الفرخ ليس بصيد بعد. وإنّما يكون صيدا، إذا نهض وملك جناحيه.

وكلّ ما تصيده الجوارح من الطّير مثل البازي والصّقر والعقاب، فلا يجوز أكله، إلّا إذا أدرك ذكاته. فما لم تلحق ذكاته، لم يجز له أكله على حال. وأدنى ما يكون معه لحاق الذّكاة أن يجده وعينه تطرف أو ذنبه يتحرّك أو رجله تركض.

٥٧٩

وإذا قتل الصّيد بسهم يصيبه، ولا تكون فيه حديدة، لم يجز أكله. وإن كان فيه حديدة، غير أنّه أصابه معترضا، فقتله، جاز أكله. ولا يجوز أن يرمى الصّيد بشي‌ء أكبر منه. فإن رمي بشي‌ء أكبر منه، فقتله، لم يجز أكله. وإذا لم يكن مع الصّائد سهم فيه حديدة، ومعه سهم حادّ ينفذ ويخرّق، جاز أكل ما يصيده به، إذا خرّق. فإذا لم يخرّق، لم يجز أكله.

وصيد الوحش يجوز بسائر أنواع آلات الصيد من الجوارح والشّباك والمصائد والحبالات، إلّا أنّه لا يجوز أكل شي‌ء من ذلك، إلّا ما أدرك الإنسان ذكاته، إلّا ما يقتله الكلب خاصة. فإن ما يقتله الكلب، جاز أكله، إذا سمّى صاحبه عند إرساله فإن لم يسمّ صاحبه عند إرساله، لم يجز أكله. وإذا سمّى عند إرساله، فقتله، وأكل منه الكلب، فإن كان معتاد الأكل ما يصيده، لم يجز أكل ما بقي، وإن لم يكن معتادا، وكان ذلك شاذا منه، جاز أكله. وإذا أرسل الإنسان كلبا، وسمّى وشاركه كلب آخر لم يسمّ صاحبه عند إرساله، لم يجز أكل ما قتله. ولا يجوز أن يؤكل ما قتله الفهد وغيره من السّباع، إلّا ما أدرك ذكاته.

وأدنى ما تلحق معه الذّكاة أن يجده تطرف عينه أو يتحرّك يده أو رجله. وكلّ كلب لا يكون معلّما، فلا يجوز أكل صيده، إلّا ما أدرك ذكاته. وإذا أخذ الكلب المعلّم صيدا، فأدركه

٥٨٠

صاحبه حيّا، وجب أن يذكّيه. فإن لم يكن معه ما يذكّيه، فليتركه حتّى يقتله، ثمَّ ليأكل إن شاء.

وإذا انفلت كلب، فصاد من غير أن يرسله صاحبه، وسمّى لم يجز أكل ما يقتله. ومن نسي التّسمية عند إرسال الكلب، وكان معتقدا لوجوب ذلك عليه، جاز أكل ما يقتله. ولا يجوز أن يسمّي غير الذي يرسل الكلب. فإن أرسل واحد الكلب، وسمّى غيره، لم يجز أكل ما يقتله. وصيد الكلب إذا غاب عن العين، ثمَّ وجد مقتولا، لا يجوز أكله.

وإذا رمى إنسان سهما، وسمّى عند الرّمي، فأصاب وقتل، جاز أكله. وإن ظنّ أنّ غير السّهم قتله، لم يجز له أكله. وإن أصاب الصّيد سهم فتدهده من جبل، أو وقع في الماء، ثمَّ مات، لم يجز أكله. لأنّه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء، أو من وقوعه من الجبل. وإذا طعن الصّيد برمح أو ضربه بسيف، فقتله، ويكون قد سمّى، جاز له أكله.

فإن قدّه بنصفين، ولم يتحرّك واحد منهما، جاز له أكلهما، إذا خرج منه الدّم. وإن تحرّك أحد النّصفين، ولم يتحرّك الآخر، أكل الذي تحرّك، ورمي بما لم يتحرّك. وإن قطع منه قطعة بسيف، أو أخذت الحبالة منه ذلك، فليرم بالقطعة، وليذكّ الباقي، ويأكله.

وإذا أخذ الصّيد جماعة، فتناهبوه، وتوزّعوه قطعة قطعة،

٥٨١

جاز أكله. ومتى رمى الإنسان صيدا بعينه، وسمّى، فأصاب غير ما رماه، فقتله، جاز اكله. وإذا وجد لحما لا يعلم: أذكيّ هو أم ميّت، فليطرحه على النّار: فإن انقبض، فهو ذكيّ، وإن انبسط، فليس بذكيّ.

وصيد الجراد أخذه، ولا يراعى فيه التّسمية، وإن سمّي كان أفضل. ولا يؤكل من الجراد ما مات في الماء، أو الصّحراء قبل أن يؤخذ. ولا يؤكل منه الدّبا، وهو الذي لا يستقلّ بالطّيران وإذا كان الجراد في أجمة أو قراح، فأحرق الموضع، فاحترق الجراد، لم يجز أكله.

باب الذبح وكيفيته ووجوب التسمية

الذّباحة لا يجوز أن يتولّاها غير المسلمين. فمتى تولّاها كافر من أي أجناس الكفّار كان يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا أو عابد وثن، سمّي على ذبيحته أو لم يسمّ، فلا يجوز أكل ذبيحته. ومن المسلمين لا يتولّاها إلّا أهل الحقّ. فإن تولّاها غير أهل الحقّ، ويكون ممّن لا يعرف بعداوة لآل محمّد،عليهم‌السلام ، لم يكن بأس بأكل ذبيحته. وإن كان ممّن ينصب لهم العداوة والشّنآن، لم يجز أكل ذبيحته إلّا في حال التّقيّة. وكلّ ما يباع في أسواق المسلمين جاز شراؤه. وليس على من يبتاعه التّفتيش عنه. ولا بأس أن يتولّى الذّبيحة المرأة أو الغلام، وإن لم يكن قد بلغ،

٥٨٢

إذا قوي على ذلك، وكان يحسن الذّباحة، وكذلك المرأة. فإن لم يحسنا الذّباحة، لم يجز أكل ما ذبحاه.

والتّسمية واجبة في حال الذّباحة. فمن تركها متعمّدا، لم يجز أكل ذبيحته. وإن تركها ناسيا، لم يكن به بأس.

وينبغي أن توجّه الذّبيحة إلى القبلة. فمن لم يستقبل بها القبلة متعمّدا لم يجز أكل ذبيحته. فإن فعل ذلك ناسيا، لم يكن به بأس.

ولا يجوز الذّباحة إلّا بالحديد. فإن لم توجد حديدة، وخيف فوت الذّبيحة، أو اضطرّ الى ذباحتها، جاز له أن يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة أو زجاجة أو حجارة حادّة الأطراف.

وذكاة ما يذبح أجمع لا يكون إلّا في الحلق. فإن ذبح في غير الحلق، كان حراما. اللهمّ إلّا أن يكون في حال لا يتمكّن فيه من ذباحته في الحلق، بأن يكون وقع في بئر لا يقدر على موضع ذكاته، أو يكون ثور يستعصي فلا يقدر عليه، جاز أن يذبح في غير الحلق، ويؤخذ الثّور بالسّيوف والحراب، وكان ذكيّا.

وحكم ما ينحر من الإبل في أنه متى ذبح لا يجوز أكله، حكم ما ينبغي أن يذبح إذا نحر على السّواء، ولا يحلّ أكله على حال. وكلّ ما ذبح، وكان ينبغي أن ينحر، أو نحر وكان ينبغي أن يذبح في حال الضّرورة، ثمَّ أدرك ذكاته، وجب تذكيته بما يجوز ذلك فيه. فإن لم يفعل، لم يجز أكله.

٥٨٣

ومن السّنّة إلا ينخع الذّبيحة إلّا بعد أن تبرد، وهو ألّا يبين الرّأس من الجسد ويقطع النّخاع. فإن سبقته السّكّين، وأبان الرّأس، جاز أكله، إذا خرج منه الدّم. فإن لم يخرج الدّم، لم يجز أكله. ومتى تعمّد ذلك، لم يجز أكله. ولا يجوز أن يقلب السّكّين فيذبح الى فوق. بل ينبغي أن يبتدي من فوق الى أن يقطع الحلقوم.

وإذا أراد ذبح شي‌ء من الغنم، فليعقل يديه وفرد رجله، ويطلق فرد رجله، ويمسك على صوفه أو شعره الى أن يبرد. ولا يمسك على شي‌ء من أعضائه. وإذا أراد ذبح شي‌ء من البقر فليعقل يديه ورجليه، ويطلق ذنبه. وإذا أراد نحر شي‌ء من الإبل، شدّ أخفافه إلى آباطه، ويطلق رجليه. وإذا أراد ذبح شي‌ء من الطّير، فليذبحه، وليرسله، ولا يمسكه، ولا يعقله. فإن انفلت منه الطّير، جاز أن يرميه بالسّهم بمنزلة الصّيد. فإذا لحقه، ذكّاه.

ولا يجوز ذبح شي‌ء من الحيوان صبرا، وهو أن يذبح شيئا وينظر اليه حيوان آخر. ولا يجوز سلخ الذّبيحة إلّا بعد بردها. فإن سلخت قبل أن تبرد، أو سلخ شي‌ء منها، لم يحلّ أكله.

وإذا ذبحت الذّبيحة، فلم يخرج الدّم، أو لم يتحرّك شي‌ء من أعضائه: يده أو رجله أو غير ذلك، جاز أكله.

وإذا ذبح شاة أو غيرها، ثمَّ وجد في بطنها جنين، فإن كان قد أشعر أو أوبر، ولم تلجه الرّوح، فذكاته ذكاة أمّه، وإن لم

٥٨٤

يكن تامّا، لم يجز أكله على حال، وإن كان فيه روح، وجبت تذكيته، وإلّا فلا يجوز أكله.

ويكره الذّباحة بالليل إلّا عند الضّرورة والخوف من فوتها، وكذلك يكره الذّباحة بالنّهار يوم الجمعة قبل الصّلاة.

باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة وحكم البيض والجلود

يحرم من الإبل والبقر والغنم وغيرها ممّا يحلّ أكله، وإن كانت مذكّاة: الدّم والفرث والطّحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه والقضيب والأنثيان والنّخاع والعلباء والغدد وذات الأشاجع والحدق والخرزة تكون في الدّماغ. وتكره الكليتان، وليستا بمحظورتين. ويحلّ من الميّتة: الصّوف والشّعر والوبر والرّيش إذا جزّ. ولا يحلّ شي‌ء منه إذا قلع منها. ويحلّ أيضا العظم والنّاب والسّنّ والظلف والقرن والإنفحة واللّبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقانيّ. فإذا لم يكتس ذلك الجلد، فلا يجوز أكله. وإذا جعل الطّحال في سفّود مع اللّحم، ثمَّ جعل في التّنّور، فإن كان مثقوبا، وكان فوق اللّحم، لم يؤكل اللّحم ولا ما كان تحته، وإن كان تحته، أكل اللّحم، ولم يؤكل ما تحته، وإن لم يكن مثقوبا، جاز أكل جميع ما يكون تحته.

٥٨٥

وإذا اختلط اللّحم الذّكيّ بالميتة، ولم يكن هناك طريق الى تمييزه منها، لم يحلّ أكل شي‌ء منه، وبيع على مستحلّي الميتة، ولا يجوز أن يأكل الميتة، إلّا إذا خاف تلف النّفس. فإذا خاف ذلك، أكل منها ما أمسك رمقه، ولا يتملّأ منه. والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، والعادي الذي يخرج لقطع الطّريق، لم يحلّ لهما أكل الميتة، وإن اضطرّا اليه.

ويؤكل من البيض ما كان بيض ما يؤكل لحمه على كلّ حال. وإذا وجد بيض، ولم يعلم أهو بيض ما يؤكل لحمه، أم بيض ما لا يؤكل لحمه، اعتبر: فما اختلف طرفاه، أكل، وما استوى طرفاه، اجتنب.

والجلود على ضربين: فضرب منها جلد ما يؤكل لحمه. فمتى ذكّي جاز استعمال جلده ولبسه والصّلاة فيه، إذا كان خاليا من دم أو نجاسة، قبل الدّباغ وبعده وعلى كلّ حال. وما لم يذكّ ومات، لم يجز استعمال جلده في شي‌ء من الأشياء، لا قبل الدّباغ ولا بعده.

وما لا يؤكل لحمه فعلى ضربين: ضرب منه لا يجوز استعماله لا قبل الذّكاة ولا بعدها دبغ أو لم يدبغ، وهو جلد الكلب والخنزير.

والضّرب الآخر يجوز استعماله إذا ذكّي ودبغ، غير أنّه لا يجوز الصّلاة فيه، وهي جلود السّباع كلّها مثل النّمر

٥٨٦

والذّئب والفهد والسّبع والسّمور والسّنجاب والأرنب وما أشبه ذلك من السّباع والبهائم. وقد رويت رخصة في جواز الصّلاة في السّمور والسّنجاب والفنك. والأصل ما قدّمناه. ولا يجوز استعمال شي‌ء من هذه الجلود ما لم يذكّ. فإن استعمله إنسان قبل الذّكاة، نجست يده، ووجب عليه غسلها عند حضور الصّلاة. وكذلك شعر الخنزير لا يجوز له أن يستعمله مع الاختيار. فإن اضطرّ الى استعماله، فليستعمل منه ما لم يكن بقي فيه دسم، ويغسل يده عند حضور الصّلاة، ويجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير وضوء الصّلاة والشرب. وتجنّبه أفضل.

وإذا قطع شي‌ء من أليات الغنم، وهنّ أحياء، لم يجز أكله، ولا الاستصباح به، لأنّه ميتة.

ويكره للإنسان أن يربّي شيئا من النّعم، ثمَّ يذبحه بيده. بل إذا أراد ذبح شي‌ء من ذلك، فليشتره في الحال، وليس ذلك بمحظور.

٥٨٧

كتاب الأطعمة والأشربة

باب الأطعمة المحظورة والمباحة

كلّ طعام حصل فيه شي‌ء من الخمر أو النّبيذ المسكر أو الفقّاع قليلا كان ما حصل فيه أو كثيرا، فإنّه ينجس ذلك الطّعام، ولا يجوز استعماله على حاله. وإذا كانت القدر تغلي على النّار، فوقع فيها شي‌ء من الخمر، أهريق ما فيها من المرق، وغسل اللّحم، وأكل بعد ذلك. فإن حصل فيها شي‌ء من الدّم، وكان قليلا، ثمَّ غلى، جاز أكل ما فيها، لأنّ النّار تحيل الدّم. وإن كان كثيرا، لم يجز أكل ما وقع فيه.

وكلّ طعام حصل فيه شي‌ء من الميتات ممّا له نفس سائلة، فإنّه ينجس بحصوله فيه، ولا يحلّ استعماله. فإن كان ما حصل فيه الميتة جامدا، مثل السّمن والعسل، ألقي منه ما حوله، واستعمل الباقي. وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعا، لم يجز استعماله، ووجب إهراقه. فإن كان دهنا مثل البزر والشّيرج، جاز الاستصباح به تحت السّماء. ولا يجوز الاستصباح به تحت الظّلال، ولا الادّهان به.

وكلّ ما ليس له نفس سائلة مثل الجراد والنّمل والزّنبور

٥٨٨

والخنافس وبنات وردان، إذا مات في شي‌ء من الطّعام والشّراب، جامدا كان أو مائعا، فإنّه لا ينجس بحصوله فيه.

ولا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ولا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء. وكلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم، وباشروه بنفوسهم، لم يجز أكله، لأنّهم أنجاس ينجس الطّعام بمباشرتهم إيّاه. وقد رخّص في جواز استعمال الحبوب وما أشبهها ممّا لا يقبل النّجاسة، وإن باشروه بأيديهم.

ولا يجوز استعمال أواني الشراب المسكر إلّا بعد أن يغسل بالماء ثلاث مرّات ويجفّف. وإذا حصلت ميتة لها نفس سائلة في قدر، أهريق ما فيها، وغسل اللّحم، وأكل بعد ذلك.

ولا بأس بأكل ما باشره الجنب والحائض من الخبز والطّبيخ وأشباه ذلك من الإدام إذا كانا مأمونين. ويكره أكله، إذا عالجه من لا يتحفّظ، ولا يؤمن عليه إفساد الطّعام بالنّجاسات.

ولا يجوز الأكل والشّرب في أواني الذّهب والفضّة. فإن كان هناك قدح مفضّض، يجتنب موضع الفضّة منه عند الشّرب. ولا بأس بما عدا الذّهب والفضّة من الأواني من صفر كان أو من نحاس أو أيّ شي‌ء كان.

ولا بأس بطعام أو شراب أكل منه سنّور. ويكره أكل ما أكل منه الفأر وليس بمحظور.

ويكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار الى طعامه، فيأكل

٥٨٩

معه. فإن دعاه فليأمره بغسل يديه، ثمَّ يأكل معه إن شاء.

ولا يجوز أكل شي‌ء من الطّين على اختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فإنّه يجوز أن يؤكل منه اليسير للاستشفاء به. ولا يجوز الإكثار منه على حال.

ولا بأس أن يأكل من بيت من ذكره الله تعالى، في قوله:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا ) الآية، بغير إذنه. ولا يجوز أن يحمل منه شي‌ء، ولا إفساده.

ولا بأس بأكل الثّوم والبصل مطبوخا ونيّا غير أنّ من يأكلهما يكره له دخول المسجد، لئلّا يتأذّى النّاس برائحته.

وإذا نجس الماء بحصول شي‌ء من النّجاسات فيه، ثمَّ عجن به، وخبز منه، لم يجز أكل ذلك الخبز. وقد رويت رخصة في جواز أكله، وذكر أن النّار طهّرته. والأحوط ما قدّمناه.

وإذا وجد الإنسان طعاما، فليقوّمه على نفسه، ثمَّ يأكل منه. فإذا جاء صاحبه، ردّ عليه ثمنه.

ولا بأس بألبان الأتن والإبل حليبا ويابسا وعلى كلّ حال. ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل.

باب الأشربة المحظورة والمباحة

كلّ ما أسكر كثيره، فالقليل منه حرام، لا يجوز استعماله بالشّرب والتصرّف فيه بالبيع والهبة. وينجس ما يحصل فيه

٥٩٠

خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو غير ذلك من أجناس المسكرات. وحكم الفقّاع حكم الخمر على السّواء في أنّه حرام شربه وبيعه والتصرّف فيه.

والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل. وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك، هو أن يصير أسفله أعلاه. فإذا غلى، حرم شربه وبيعه الى أن يعود الى كونه خلّا. وإذا غلى العصير على النّار، لم يجز شربه الى أن يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه. وحدّ ذلك هو أن يراه صار حلوا، أو يخضب الإناء ويعلق به، أو يذهب من كلّ درهم ثلاثة دوانيق ونصف، وهو على النّار، ثمَّ ينزل به، ويترك حتى يبرد. فإذا برد، فقد ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. ولا يجوز أن يؤتمن على طبخ العصير من يستحلّ شربه على أقلّ من الثّلث، وإن ذكر أنّه على الثّلث. ويقبل قول من لا يشربه إلّا على الثّلث، إذا ذكر أنّه كذلك، وإن كان على أقلّه، ويكون ذلك في رقبته. ويكره الاستسلاف في العصير، فإنّه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه، ويكون قد تغيّر الى حال الخمر، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد. وإن كان لو فعل ذلك، لم يكن محظورا.

ولا بأس أن يبيع العنب والتّمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا أو نبيذا، لأنّ الإثم على من يجعله كذلك، وليس على البائع شي‌ء، غير أنّ الأفضل أن يعدل عنه الى غيره.

وإذا خاف الإنسان على نفسه من العطش، جاز أن يتناول شيئا

٥٩١

من الخمر بقدر ما يمسك رمقه. ولا يجوز أن يتداوى بشي‌ء من الأدوية، وفيها شي‌ء من المسكر، وله عنه مندوحة. فإن اضطرّ الى ذلك، جاز ان يتداوى به للعين. ولا يجوز له أن يشربه على حال.

ولا بأس بشرب النّبيذ غير المسكر، وهو أن ينقع التّمر أو الزّبيب ثمَّ يشربه وهو حلو قبل أن يتغيّر.

ويكره أن يسقى شي‌ء من الدّوابّ والبهائم الخمر أو المسكر.

ويكره الاستشفاء بالمياه الحارّة التي تكون في الجبال.

ومن شرب الخمر ثمَّ بصق على ثوب، فإن علم: أنّ معه شيئا من الخمر، لم يجز الصّلاة فيه، وإن لم يعلم ذلك، جازت الصّلاة فيه.

وأواني الخمر ما كان من الخشب أو القرع وما أشبههما، لم يجز استعمالها في شي‌ء من المائعات حسب ما قدّمناه. وما كان من صفر أو زجاج أو جرار خضر أو خزف، جاز استعمالها، إذا غسلت بالماء ثلاث مرّات حسب ما قدّمناه. وينبغي أن تدلك في حال الغسل.

والذّميّ إذا باع خمرا أو خنزيرا، ثمَّ أسلم، جاز له أن يقبض ذلك الثّمن، وكان حلالا له.

والخمر إذا صار خلّا، جاز استعماله، سواء صار كذلك من قبل نفسه أو بعلاج، غير أنّه يستحبّ أن لا يغيّر بشي‌ء يطرح فيه، بل يترك حتّى يصير خلّا من قبل نفسه. وإذا وقع شي‌ء

٥٩٢

من الخمر في الخلّ، لم يجز استعماله إلّا بعد أن يصير ذلك الخمر خلّا.

ويجوز أن يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التّمر والزّبيب والعسل وغير ذلك، ويأخذ عليها الأجرة، ويسلّمها اليه قبل تغيّرها. ولا بأس بربّ التّوت والرّمان والسّفرجل والسّكنجبين والجلّاب، وإن شمّ منه رائحة السّكر لأنّه ممّا لا يسكر كثيره.

باب آداب الأكل والشرب

يستحبّ أن يغسل الإنسان يديه قبل أن يأكل الطّعام ويغسلهما بعد الأكل، وليس ذلك بواجب. ويستحبّ أيضا أن يسمّي الله تعالى، عند تناول الطّعام والشّراب، ويحمد الله تعالى، عند الفراغ. وإن كان على مائدة عليها ألوان مختلفة، فليسمّ عند تناول كلّ لون منها. وإن قال بدلا من ذلك: « بسم الله على أوّله وآخره » كان جائزا. وإن سمّى واحد من الجماعة أجزأ عن الباقين.

ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات أو الفقّاع.

ولا ينبغي أن يقعد الإنسان متّكئا في حال الأكل، بل ينبغي أن يقعد على رجله. وكثرة الأكل مكروه، وربّما بلغ حدّ الحظر. ويكره الأكل على الشّبع. ويكره الأكل والشّرب باليسار.

٥٩٣

وينبغي أن يتولّى ذلك باليمين، إلّا عند الضّرورة. ولا بأس بالأكل والشرب ماشيا واجتنابه أفضل. ويكره الشّرب بنفس واحد، بل ينبغي أن يكون ذلك بثلاثة أنفاس.

ويستحبّ أن يبدأ صاحب الطّعام بالأكل، ويكون هو آخر من يرفع يده منه. فإذا أرادوا غسل أيديهم يبدأ بمن هو عن يمينه حتّى ينتهي إلى آخرهم. ويستحبّ أن تجمع غسالة الأيدي في إناء واحد.

وإذا حضر الطّعام والصّلاة، فالبداءة بالصّلاة أفضل. فإن كان هناك قوم ينتظرونه للإفطار معه، وكان أوّل الوقت، فالبداءة بالطّعام أفضل. وإن كان قد تضيّق الوقت، لا يجوز إلّا البداءة بالصّلاة. ويستحبّ لمن أكل الطّعام أن يستلقي على قفاه، ويضع رجله اليمنى على اليسرى.

٥٩٤

كتاب الوقوف والصدقات

باب الوقوف وأحكامها

شرائط الوقوف شيئان:

أحدهما أن يكون ما يقفه ملكا للواقف يجوز له التّصرّف فيه والثّاني أن يقبّض الوقف ويخرجه من يده.

فمتى وقف ما لا يملكه، كان الوقف باطلا. وإن وقف ما يملك، ولا يخرجه من يده، ولم يقبّضه الموقوف عليه أو من يتولّى عنهم، لم يصحّ أيضا الوقف، وكان باقيا على ما كان عليه من الملك. فإن مات، والحال ما ذكرناه، كان ميراثا.

وإذا وقف على ولده الكبار فلا بدّ من تقبيضهم الوقف، وإلّا لم يصحّ على ما بيّنّاه في الأجنبيّ. وإن كان أولاده صغارا، جاز الوقف، وإن لم يقبّضهم إيّاه، لأنّه الذي يتولّى القبض عنهم وإذا وقف ملكا، وأخرجه عن يده وملكه، لم يجز له بعد ذلك الرّجوع فيه، ولا تغيير شرائطه ولا نقله عن وجوهه وسبله.

ومتى شرط الواقف أنّه: متى احتاج الى شي‌ء منه، كان له بيعه والتّصرّف فيه، كان الشّرط صحيحا، وكان له أن يفعل

٥٩٥

ما شرط. إلّا أنّه إذا مات، والحال ما ذكرناه، رجع ميراثا، ولم يمض الوقف.

ولا يصحّ الوقف إلّا بعد أن يذكر الموقوف عليه. فإن لم يذكر الموقوف عليه، كان الوقف باطلا.

وكلّ ما يملكه الإنسان، جاز له أن يقفه سواء كان مشاعا أو مقسوما وعلى كلّ حال. والوقف والصّدقة شي‌ء واحد، ولا يصحّ شي‌ء منهما إلّا ما يتقرّب به الى الله تعالى. فإن لم يقصد بذلك وجه الله، لم يصحّ الوقف. والوقف لا بدّ أن يكون مؤبّدا، ولا يجوز أن يكون موقّتا. فإن جعله موقّتا، لم يصحّ، إلّا أن يجعله سكنى على ما نبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والوقف يجري على حسب ما يقفه الإنسان ويشترط فيه. فإن وقف على قوم مخصوصين، كان لهم ذلك، وليس لغيرهم معهم شي‌ء على حال. وإن وقف عامّا، كان على حسب ذلك أيضا، يجرى على من يتناوله ذلك الاسم.

ولا يجوز أن يقف على من لم يوجد بعد. فإن وقف كذلك، كان الوقف باطلا. فإن وقف على ولده الموجودين وكانوا صغارا، ثمَّ رزق بعد ذلك أولادا، جاز أن يدخلهم معهم فيه، ولا يجوز له أن ينقله عنهم بالكليّة إليهم.

وإذا وقف الوقف على ولده، وكانوا ذكروا وإناثا، فإن شرط تفضيل بعضهم على بعض، كان على حسب ما شرط، وإن

٥٩٦

لم يذكر شيئا من ذلك، كان الذّكر والأنثى فيه سواء من ولده وولد ولده، لتناول الاسم لهم. فإن قال: الوقف بينهم على كتاب الله، كان بينهم( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) . وإذا وقف على والديه، كان أيضا مثل ذلك، يكون بينهما بالسّويّة، إلّا أن يفضّل أحدهما على الآخر بالتّعيين.

ولا بأس أن يقف المسلم على والديه أو ولده أو من بينه وبينه رحم، وإن كانوا كفّارا. ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه على حال. وكذلك إن أوصى لهم بشي‌ء، كان ذلك جائزا.

ولا بأس أن يقف الإنسان على المساجد والكعبة والمشاهد والمواضع التي يتقرّب فيها الى الله تعالى، على مصالحها ومراعاة أحوالها وسكّانها. ولا يجوز وقف المسلم على البيع والكنائس وبيوت النّيران ومواضع قرب سائر أصناف الكفّار.

وإذا وقف الكافر على أحد المواضع التي يتقرّبون فيها الى الله تعالى، كان وقفه صحيحا. وإذا وقف الكافر وقفا على الفقراء، كان ذلك الوقف ماضيا في فقراء أهل ملّته دون غيرهم من سائر أصناف الفقراء.

وإذا وقف المسلم شيئا على المسلمين، كان ذلك لجميع من أقرّ بالشّهادتين وأركان الشريعة من الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والجهاد، وإن اختلفوا في الآراء والدّيانات.

فإن وقف على المؤمنين، كان ذلك خاصّا لمجتنبي الكبائر

٥٩٧

من أهل المعرفة بالإمامة دون غيرهم، ولا يكون للفسّاق منهم معهم شي‌ء على حال.

وإذا وقف على الشّيعة، ولم يميّز منهم قوما دون قوم، كان ذلك ماضيا في الإماميّة والجاروديّة، دون البتريّة. ويدخل معهم سائر فرق الإماميّة من الكيسانيّة والنّاوسيّة والفطحيّة والواقفة والاثنى عشريّة.

فإن وقفه على الإمامية خاصّة، كان ذلك فيمن قال بإمامة الاثنى عشر منهم. وإن وقف على الزيديّة، كان على القائلين بإمامة زيد بن عليّ وإمامة كلّ من خرج بالسّيف من ولد فاطمة،عليها‌السلام .

وإذا وقف على الهاشميّين، كان ذلك على ولد هاشم بن عبد مناف وولد ولده، الذّكور منهم والإناث. وإذا وقفه على الطّالبيّين، كان ذلك على أولاد أبي طالب، رحمة الله عليه، وولد ولده من الذّكور والإناث. وإذا وقفه على العلويّة، كان ذلك على ولد أمير المؤمنين عليّ،عليه‌السلام ، من الحسنيّة والحسينيّة والمحمّدية والعبّاسيّة والعمريّة وولد ولدهم، الذّكور منهم والإناث.

فإن وقفه على ولد فاطمة، كان ذلك على ولد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، الذكور منهم والإناث. فإن وقفه على الحسنيّة، لم يكن للحسينيّة معهم شي‌ء. وإن وقف على الحسينيّة لم يكن

٥٩٨

للحسنيّة معهم شي‌ء على حال. فإن وقفه على الموسويّة، كان ذلك على أولاد موسى بن جعفر،عليهما‌السلام ، الذّكور منهم والإناث.

وإذا وقف الإنسان شيئا على جيرانه، أو أوصى بشي‌ء، ولم يسمّهم بأسمائهم، ولا ميّزهم بصفاتهم، كان مصروفا إلى أربعين ذراعا من أربع جوانبها. وليس لمن بعد عن هذا الحدّ شي‌ء. وإن وقف على قومه، ولم يسمّهم، كان ذلك على جماعة أهل لغته من الذّكور دون الإناث. فإن وقفه على عشيرته، كان على الخاصّ من قومه الذين هم أقرب النّاس إليه في نسبه.

فإن وقفه على مستحقّ الخمس، كان ذلك على ولد أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وولد العبّاس وجعفر وعقيل. فإن وقفه على مستحقّ الزّكاة، كان ذلك على الثّمانية أصناف المذكورة في القرآن.

ومتى وقف الإنسان على أحد الأجناس ممّن ذكرناهم، وكانوا كثيرين في البلاد منتشرين، كان ذلك مقصورا على من يحضر البلد الذي فيه الوقف دون غيره من البلدان.

ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه أو على قوم بأعيانهم، ولم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي‌ء بعينه، فمتى انقرض أرباب الوقف، رجع الوقف إلى ورثة الواقف.

ولا يجوز بيع الوقف ولا هبته ولا الصّدقة به، إلّا أن يخاف

٥٩٩

على الوقف هلاكه أو فساده، أو كان بأرباب الوقف حاجة ضروريّة كان معها بيع الوقف أصلح لهم وأردّ عليهم، أو يخاف وقوع خلاف بينهم، فيؤدّي ذلك الى وقوع فساد بينهم، فحينئذ يجوز بيعه، وصرف ثمنه فيهم على ما يستحقّونه من الوقف. ولا يجوز بيع الوقف مع عدم شي‌ء من ذلك.

وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة، فبطل رسمها، جعل في وجه البرّ. وإذا وقف في وجوه البرّ، ولم يسمّ شيئا بعينه، كان للفقراء والمساكين ومصالح المسلمين.

وإذا وقف إنسان مسكنا، جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليه، وليس له أن يسكن غيره فيه.

باب السكنى والعمرى والرقبى والحبيس

لا بأس أن يجعل الإنسان داره أو منزله أو ضيعته أو عقاره سكنى لإنسان حسب ما أراد. فإن جعله له مدّة من الزّمان، كان ذلك ماضيا، ولم يجز له نقله عنه، إلّا بعد مضيّ تلك المدّة. وكذلك لا يجوز له بيعه إلّا بعد انقضاء المدّة، أو يشترط على المشتري مقدار ذلك الزّمان. ومتى مات، والحال ما ذكرناه، لم يكن لورثته نقل السّاكن عنه، إلّا بعد أن تمضي المدّة المذكورة.

ومتى أسكنه إيّاه مدّة عمره، كان ذلك ماضيا مقدار زمان

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793