النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225233 / تحميل: 6340
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

صاحبه حيّا، وجب أن يذكّيه. فإن لم يكن معه ما يذكّيه، فليتركه حتّى يقتله، ثمَّ ليأكل إن شاء.

وإذا انفلت كلب، فصاد من غير أن يرسله صاحبه، وسمّى لم يجز أكل ما يقتله. ومن نسي التّسمية عند إرسال الكلب، وكان معتقدا لوجوب ذلك عليه، جاز أكل ما يقتله. ولا يجوز أن يسمّي غير الذي يرسل الكلب. فإن أرسل واحد الكلب، وسمّى غيره، لم يجز أكل ما يقتله. وصيد الكلب إذا غاب عن العين، ثمَّ وجد مقتولا، لا يجوز أكله.

وإذا رمى إنسان سهما، وسمّى عند الرّمي، فأصاب وقتل، جاز أكله. وإن ظنّ أنّ غير السّهم قتله، لم يجز له أكله. وإن أصاب الصّيد سهم فتدهده من جبل، أو وقع في الماء، ثمَّ مات، لم يجز أكله. لأنّه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء، أو من وقوعه من الجبل. وإذا طعن الصّيد برمح أو ضربه بسيف، فقتله، ويكون قد سمّى، جاز له أكله.

فإن قدّه بنصفين، ولم يتحرّك واحد منهما، جاز له أكلهما، إذا خرج منه الدّم. وإن تحرّك أحد النّصفين، ولم يتحرّك الآخر، أكل الذي تحرّك، ورمي بما لم يتحرّك. وإن قطع منه قطعة بسيف، أو أخذت الحبالة منه ذلك، فليرم بالقطعة، وليذكّ الباقي، ويأكله.

وإذا أخذ الصّيد جماعة، فتناهبوه، وتوزّعوه قطعة قطعة،

٥٨١

جاز أكله. ومتى رمى الإنسان صيدا بعينه، وسمّى، فأصاب غير ما رماه، فقتله، جاز اكله. وإذا وجد لحما لا يعلم: أذكيّ هو أم ميّت، فليطرحه على النّار: فإن انقبض، فهو ذكيّ، وإن انبسط، فليس بذكيّ.

وصيد الجراد أخذه، ولا يراعى فيه التّسمية، وإن سمّي كان أفضل. ولا يؤكل من الجراد ما مات في الماء، أو الصّحراء قبل أن يؤخذ. ولا يؤكل منه الدّبا، وهو الذي لا يستقلّ بالطّيران وإذا كان الجراد في أجمة أو قراح، فأحرق الموضع، فاحترق الجراد، لم يجز أكله.

باب الذبح وكيفيته ووجوب التسمية

الذّباحة لا يجوز أن يتولّاها غير المسلمين. فمتى تولّاها كافر من أي أجناس الكفّار كان يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا أو عابد وثن، سمّي على ذبيحته أو لم يسمّ، فلا يجوز أكل ذبيحته. ومن المسلمين لا يتولّاها إلّا أهل الحقّ. فإن تولّاها غير أهل الحقّ، ويكون ممّن لا يعرف بعداوة لآل محمّد،عليهم‌السلام ، لم يكن بأس بأكل ذبيحته. وإن كان ممّن ينصب لهم العداوة والشّنآن، لم يجز أكل ذبيحته إلّا في حال التّقيّة. وكلّ ما يباع في أسواق المسلمين جاز شراؤه. وليس على من يبتاعه التّفتيش عنه. ولا بأس أن يتولّى الذّبيحة المرأة أو الغلام، وإن لم يكن قد بلغ،

٥٨٢

إذا قوي على ذلك، وكان يحسن الذّباحة، وكذلك المرأة. فإن لم يحسنا الذّباحة، لم يجز أكل ما ذبحاه.

والتّسمية واجبة في حال الذّباحة. فمن تركها متعمّدا، لم يجز أكل ذبيحته. وإن تركها ناسيا، لم يكن به بأس.

وينبغي أن توجّه الذّبيحة إلى القبلة. فمن لم يستقبل بها القبلة متعمّدا لم يجز أكل ذبيحته. فإن فعل ذلك ناسيا، لم يكن به بأس.

ولا يجوز الذّباحة إلّا بالحديد. فإن لم توجد حديدة، وخيف فوت الذّبيحة، أو اضطرّ الى ذباحتها، جاز له أن يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة أو زجاجة أو حجارة حادّة الأطراف.

وذكاة ما يذبح أجمع لا يكون إلّا في الحلق. فإن ذبح في غير الحلق، كان حراما. اللهمّ إلّا أن يكون في حال لا يتمكّن فيه من ذباحته في الحلق، بأن يكون وقع في بئر لا يقدر على موضع ذكاته، أو يكون ثور يستعصي فلا يقدر عليه، جاز أن يذبح في غير الحلق، ويؤخذ الثّور بالسّيوف والحراب، وكان ذكيّا.

وحكم ما ينحر من الإبل في أنه متى ذبح لا يجوز أكله، حكم ما ينبغي أن يذبح إذا نحر على السّواء، ولا يحلّ أكله على حال. وكلّ ما ذبح، وكان ينبغي أن ينحر، أو نحر وكان ينبغي أن يذبح في حال الضّرورة، ثمَّ أدرك ذكاته، وجب تذكيته بما يجوز ذلك فيه. فإن لم يفعل، لم يجز أكله.

٥٨٣

ومن السّنّة إلا ينخع الذّبيحة إلّا بعد أن تبرد، وهو ألّا يبين الرّأس من الجسد ويقطع النّخاع. فإن سبقته السّكّين، وأبان الرّأس، جاز أكله، إذا خرج منه الدّم. فإن لم يخرج الدّم، لم يجز أكله. ومتى تعمّد ذلك، لم يجز أكله. ولا يجوز أن يقلب السّكّين فيذبح الى فوق. بل ينبغي أن يبتدي من فوق الى أن يقطع الحلقوم.

وإذا أراد ذبح شي‌ء من الغنم، فليعقل يديه وفرد رجله، ويطلق فرد رجله، ويمسك على صوفه أو شعره الى أن يبرد. ولا يمسك على شي‌ء من أعضائه. وإذا أراد ذبح شي‌ء من البقر فليعقل يديه ورجليه، ويطلق ذنبه. وإذا أراد نحر شي‌ء من الإبل، شدّ أخفافه إلى آباطه، ويطلق رجليه. وإذا أراد ذبح شي‌ء من الطّير، فليذبحه، وليرسله، ولا يمسكه، ولا يعقله. فإن انفلت منه الطّير، جاز أن يرميه بالسّهم بمنزلة الصّيد. فإذا لحقه، ذكّاه.

ولا يجوز ذبح شي‌ء من الحيوان صبرا، وهو أن يذبح شيئا وينظر اليه حيوان آخر. ولا يجوز سلخ الذّبيحة إلّا بعد بردها. فإن سلخت قبل أن تبرد، أو سلخ شي‌ء منها، لم يحلّ أكله.

وإذا ذبحت الذّبيحة، فلم يخرج الدّم، أو لم يتحرّك شي‌ء من أعضائه: يده أو رجله أو غير ذلك، جاز أكله.

وإذا ذبح شاة أو غيرها، ثمَّ وجد في بطنها جنين، فإن كان قد أشعر أو أوبر، ولم تلجه الرّوح، فذكاته ذكاة أمّه، وإن لم

٥٨٤

يكن تامّا، لم يجز أكله على حال، وإن كان فيه روح، وجبت تذكيته، وإلّا فلا يجوز أكله.

ويكره الذّباحة بالليل إلّا عند الضّرورة والخوف من فوتها، وكذلك يكره الذّباحة بالنّهار يوم الجمعة قبل الصّلاة.

باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة وحكم البيض والجلود

يحرم من الإبل والبقر والغنم وغيرها ممّا يحلّ أكله، وإن كانت مذكّاة: الدّم والفرث والطّحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه والقضيب والأنثيان والنّخاع والعلباء والغدد وذات الأشاجع والحدق والخرزة تكون في الدّماغ. وتكره الكليتان، وليستا بمحظورتين. ويحلّ من الميّتة: الصّوف والشّعر والوبر والرّيش إذا جزّ. ولا يحلّ شي‌ء منه إذا قلع منها. ويحلّ أيضا العظم والنّاب والسّنّ والظلف والقرن والإنفحة واللّبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقانيّ. فإذا لم يكتس ذلك الجلد، فلا يجوز أكله. وإذا جعل الطّحال في سفّود مع اللّحم، ثمَّ جعل في التّنّور، فإن كان مثقوبا، وكان فوق اللّحم، لم يؤكل اللّحم ولا ما كان تحته، وإن كان تحته، أكل اللّحم، ولم يؤكل ما تحته، وإن لم يكن مثقوبا، جاز أكل جميع ما يكون تحته.

٥٨٥

وإذا اختلط اللّحم الذّكيّ بالميتة، ولم يكن هناك طريق الى تمييزه منها، لم يحلّ أكل شي‌ء منه، وبيع على مستحلّي الميتة، ولا يجوز أن يأكل الميتة، إلّا إذا خاف تلف النّفس. فإذا خاف ذلك، أكل منها ما أمسك رمقه، ولا يتملّأ منه. والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، والعادي الذي يخرج لقطع الطّريق، لم يحلّ لهما أكل الميتة، وإن اضطرّا اليه.

ويؤكل من البيض ما كان بيض ما يؤكل لحمه على كلّ حال. وإذا وجد بيض، ولم يعلم أهو بيض ما يؤكل لحمه، أم بيض ما لا يؤكل لحمه، اعتبر: فما اختلف طرفاه، أكل، وما استوى طرفاه، اجتنب.

والجلود على ضربين: فضرب منها جلد ما يؤكل لحمه. فمتى ذكّي جاز استعمال جلده ولبسه والصّلاة فيه، إذا كان خاليا من دم أو نجاسة، قبل الدّباغ وبعده وعلى كلّ حال. وما لم يذكّ ومات، لم يجز استعمال جلده في شي‌ء من الأشياء، لا قبل الدّباغ ولا بعده.

وما لا يؤكل لحمه فعلى ضربين: ضرب منه لا يجوز استعماله لا قبل الذّكاة ولا بعدها دبغ أو لم يدبغ، وهو جلد الكلب والخنزير.

والضّرب الآخر يجوز استعماله إذا ذكّي ودبغ، غير أنّه لا يجوز الصّلاة فيه، وهي جلود السّباع كلّها مثل النّمر

٥٨٦

والذّئب والفهد والسّبع والسّمور والسّنجاب والأرنب وما أشبه ذلك من السّباع والبهائم. وقد رويت رخصة في جواز الصّلاة في السّمور والسّنجاب والفنك. والأصل ما قدّمناه. ولا يجوز استعمال شي‌ء من هذه الجلود ما لم يذكّ. فإن استعمله إنسان قبل الذّكاة، نجست يده، ووجب عليه غسلها عند حضور الصّلاة. وكذلك شعر الخنزير لا يجوز له أن يستعمله مع الاختيار. فإن اضطرّ الى استعماله، فليستعمل منه ما لم يكن بقي فيه دسم، ويغسل يده عند حضور الصّلاة، ويجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير وضوء الصّلاة والشرب. وتجنّبه أفضل.

وإذا قطع شي‌ء من أليات الغنم، وهنّ أحياء، لم يجز أكله، ولا الاستصباح به، لأنّه ميتة.

ويكره للإنسان أن يربّي شيئا من النّعم، ثمَّ يذبحه بيده. بل إذا أراد ذبح شي‌ء من ذلك، فليشتره في الحال، وليس ذلك بمحظور.

٥٨٧

كتاب الأطعمة والأشربة

باب الأطعمة المحظورة والمباحة

كلّ طعام حصل فيه شي‌ء من الخمر أو النّبيذ المسكر أو الفقّاع قليلا كان ما حصل فيه أو كثيرا، فإنّه ينجس ذلك الطّعام، ولا يجوز استعماله على حاله. وإذا كانت القدر تغلي على النّار، فوقع فيها شي‌ء من الخمر، أهريق ما فيها من المرق، وغسل اللّحم، وأكل بعد ذلك. فإن حصل فيها شي‌ء من الدّم، وكان قليلا، ثمَّ غلى، جاز أكل ما فيها، لأنّ النّار تحيل الدّم. وإن كان كثيرا، لم يجز أكل ما وقع فيه.

وكلّ طعام حصل فيه شي‌ء من الميتات ممّا له نفس سائلة، فإنّه ينجس بحصوله فيه، ولا يحلّ استعماله. فإن كان ما حصل فيه الميتة جامدا، مثل السّمن والعسل، ألقي منه ما حوله، واستعمل الباقي. وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعا، لم يجز استعماله، ووجب إهراقه. فإن كان دهنا مثل البزر والشّيرج، جاز الاستصباح به تحت السّماء. ولا يجوز الاستصباح به تحت الظّلال، ولا الادّهان به.

وكلّ ما ليس له نفس سائلة مثل الجراد والنّمل والزّنبور

٥٨٨

والخنافس وبنات وردان، إذا مات في شي‌ء من الطّعام والشّراب، جامدا كان أو مائعا، فإنّه لا ينجس بحصوله فيه.

ولا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ولا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء. وكلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم، وباشروه بنفوسهم، لم يجز أكله، لأنّهم أنجاس ينجس الطّعام بمباشرتهم إيّاه. وقد رخّص في جواز استعمال الحبوب وما أشبهها ممّا لا يقبل النّجاسة، وإن باشروه بأيديهم.

ولا يجوز استعمال أواني الشراب المسكر إلّا بعد أن يغسل بالماء ثلاث مرّات ويجفّف. وإذا حصلت ميتة لها نفس سائلة في قدر، أهريق ما فيها، وغسل اللّحم، وأكل بعد ذلك.

ولا بأس بأكل ما باشره الجنب والحائض من الخبز والطّبيخ وأشباه ذلك من الإدام إذا كانا مأمونين. ويكره أكله، إذا عالجه من لا يتحفّظ، ولا يؤمن عليه إفساد الطّعام بالنّجاسات.

ولا يجوز الأكل والشّرب في أواني الذّهب والفضّة. فإن كان هناك قدح مفضّض، يجتنب موضع الفضّة منه عند الشّرب. ولا بأس بما عدا الذّهب والفضّة من الأواني من صفر كان أو من نحاس أو أيّ شي‌ء كان.

ولا بأس بطعام أو شراب أكل منه سنّور. ويكره أكل ما أكل منه الفأر وليس بمحظور.

ويكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار الى طعامه، فيأكل

٥٨٩

معه. فإن دعاه فليأمره بغسل يديه، ثمَّ يأكل معه إن شاء.

ولا يجوز أكل شي‌ء من الطّين على اختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فإنّه يجوز أن يؤكل منه اليسير للاستشفاء به. ولا يجوز الإكثار منه على حال.

ولا بأس أن يأكل من بيت من ذكره الله تعالى، في قوله:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا ) الآية، بغير إذنه. ولا يجوز أن يحمل منه شي‌ء، ولا إفساده.

ولا بأس بأكل الثّوم والبصل مطبوخا ونيّا غير أنّ من يأكلهما يكره له دخول المسجد، لئلّا يتأذّى النّاس برائحته.

وإذا نجس الماء بحصول شي‌ء من النّجاسات فيه، ثمَّ عجن به، وخبز منه، لم يجز أكل ذلك الخبز. وقد رويت رخصة في جواز أكله، وذكر أن النّار طهّرته. والأحوط ما قدّمناه.

وإذا وجد الإنسان طعاما، فليقوّمه على نفسه، ثمَّ يأكل منه. فإذا جاء صاحبه، ردّ عليه ثمنه.

ولا بأس بألبان الأتن والإبل حليبا ويابسا وعلى كلّ حال. ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل.

باب الأشربة المحظورة والمباحة

كلّ ما أسكر كثيره، فالقليل منه حرام، لا يجوز استعماله بالشّرب والتصرّف فيه بالبيع والهبة. وينجس ما يحصل فيه

٥٩٠

خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو غير ذلك من أجناس المسكرات. وحكم الفقّاع حكم الخمر على السّواء في أنّه حرام شربه وبيعه والتصرّف فيه.

والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل. وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك، هو أن يصير أسفله أعلاه. فإذا غلى، حرم شربه وبيعه الى أن يعود الى كونه خلّا. وإذا غلى العصير على النّار، لم يجز شربه الى أن يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه. وحدّ ذلك هو أن يراه صار حلوا، أو يخضب الإناء ويعلق به، أو يذهب من كلّ درهم ثلاثة دوانيق ونصف، وهو على النّار، ثمَّ ينزل به، ويترك حتى يبرد. فإذا برد، فقد ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. ولا يجوز أن يؤتمن على طبخ العصير من يستحلّ شربه على أقلّ من الثّلث، وإن ذكر أنّه على الثّلث. ويقبل قول من لا يشربه إلّا على الثّلث، إذا ذكر أنّه كذلك، وإن كان على أقلّه، ويكون ذلك في رقبته. ويكره الاستسلاف في العصير، فإنّه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه، ويكون قد تغيّر الى حال الخمر، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد. وإن كان لو فعل ذلك، لم يكن محظورا.

ولا بأس أن يبيع العنب والتّمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا أو نبيذا، لأنّ الإثم على من يجعله كذلك، وليس على البائع شي‌ء، غير أنّ الأفضل أن يعدل عنه الى غيره.

وإذا خاف الإنسان على نفسه من العطش، جاز أن يتناول شيئا

٥٩١

من الخمر بقدر ما يمسك رمقه. ولا يجوز أن يتداوى بشي‌ء من الأدوية، وفيها شي‌ء من المسكر، وله عنه مندوحة. فإن اضطرّ الى ذلك، جاز ان يتداوى به للعين. ولا يجوز له أن يشربه على حال.

ولا بأس بشرب النّبيذ غير المسكر، وهو أن ينقع التّمر أو الزّبيب ثمَّ يشربه وهو حلو قبل أن يتغيّر.

ويكره أن يسقى شي‌ء من الدّوابّ والبهائم الخمر أو المسكر.

ويكره الاستشفاء بالمياه الحارّة التي تكون في الجبال.

ومن شرب الخمر ثمَّ بصق على ثوب، فإن علم: أنّ معه شيئا من الخمر، لم يجز الصّلاة فيه، وإن لم يعلم ذلك، جازت الصّلاة فيه.

وأواني الخمر ما كان من الخشب أو القرع وما أشبههما، لم يجز استعمالها في شي‌ء من المائعات حسب ما قدّمناه. وما كان من صفر أو زجاج أو جرار خضر أو خزف، جاز استعمالها، إذا غسلت بالماء ثلاث مرّات حسب ما قدّمناه. وينبغي أن تدلك في حال الغسل.

والذّميّ إذا باع خمرا أو خنزيرا، ثمَّ أسلم، جاز له أن يقبض ذلك الثّمن، وكان حلالا له.

والخمر إذا صار خلّا، جاز استعماله، سواء صار كذلك من قبل نفسه أو بعلاج، غير أنّه يستحبّ أن لا يغيّر بشي‌ء يطرح فيه، بل يترك حتّى يصير خلّا من قبل نفسه. وإذا وقع شي‌ء

٥٩٢

من الخمر في الخلّ، لم يجز استعماله إلّا بعد أن يصير ذلك الخمر خلّا.

ويجوز أن يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التّمر والزّبيب والعسل وغير ذلك، ويأخذ عليها الأجرة، ويسلّمها اليه قبل تغيّرها. ولا بأس بربّ التّوت والرّمان والسّفرجل والسّكنجبين والجلّاب، وإن شمّ منه رائحة السّكر لأنّه ممّا لا يسكر كثيره.

باب آداب الأكل والشرب

يستحبّ أن يغسل الإنسان يديه قبل أن يأكل الطّعام ويغسلهما بعد الأكل، وليس ذلك بواجب. ويستحبّ أيضا أن يسمّي الله تعالى، عند تناول الطّعام والشّراب، ويحمد الله تعالى، عند الفراغ. وإن كان على مائدة عليها ألوان مختلفة، فليسمّ عند تناول كلّ لون منها. وإن قال بدلا من ذلك: « بسم الله على أوّله وآخره » كان جائزا. وإن سمّى واحد من الجماعة أجزأ عن الباقين.

ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات أو الفقّاع.

ولا ينبغي أن يقعد الإنسان متّكئا في حال الأكل، بل ينبغي أن يقعد على رجله. وكثرة الأكل مكروه، وربّما بلغ حدّ الحظر. ويكره الأكل على الشّبع. ويكره الأكل والشّرب باليسار.

٥٩٣

وينبغي أن يتولّى ذلك باليمين، إلّا عند الضّرورة. ولا بأس بالأكل والشرب ماشيا واجتنابه أفضل. ويكره الشّرب بنفس واحد، بل ينبغي أن يكون ذلك بثلاثة أنفاس.

ويستحبّ أن يبدأ صاحب الطّعام بالأكل، ويكون هو آخر من يرفع يده منه. فإذا أرادوا غسل أيديهم يبدأ بمن هو عن يمينه حتّى ينتهي إلى آخرهم. ويستحبّ أن تجمع غسالة الأيدي في إناء واحد.

وإذا حضر الطّعام والصّلاة، فالبداءة بالصّلاة أفضل. فإن كان هناك قوم ينتظرونه للإفطار معه، وكان أوّل الوقت، فالبداءة بالطّعام أفضل. وإن كان قد تضيّق الوقت، لا يجوز إلّا البداءة بالصّلاة. ويستحبّ لمن أكل الطّعام أن يستلقي على قفاه، ويضع رجله اليمنى على اليسرى.

٥٩٤

كتاب الوقوف والصدقات

باب الوقوف وأحكامها

شرائط الوقوف شيئان:

أحدهما أن يكون ما يقفه ملكا للواقف يجوز له التّصرّف فيه والثّاني أن يقبّض الوقف ويخرجه من يده.

فمتى وقف ما لا يملكه، كان الوقف باطلا. وإن وقف ما يملك، ولا يخرجه من يده، ولم يقبّضه الموقوف عليه أو من يتولّى عنهم، لم يصحّ أيضا الوقف، وكان باقيا على ما كان عليه من الملك. فإن مات، والحال ما ذكرناه، كان ميراثا.

وإذا وقف على ولده الكبار فلا بدّ من تقبيضهم الوقف، وإلّا لم يصحّ على ما بيّنّاه في الأجنبيّ. وإن كان أولاده صغارا، جاز الوقف، وإن لم يقبّضهم إيّاه، لأنّه الذي يتولّى القبض عنهم وإذا وقف ملكا، وأخرجه عن يده وملكه، لم يجز له بعد ذلك الرّجوع فيه، ولا تغيير شرائطه ولا نقله عن وجوهه وسبله.

ومتى شرط الواقف أنّه: متى احتاج الى شي‌ء منه، كان له بيعه والتّصرّف فيه، كان الشّرط صحيحا، وكان له أن يفعل

٥٩٥

ما شرط. إلّا أنّه إذا مات، والحال ما ذكرناه، رجع ميراثا، ولم يمض الوقف.

ولا يصحّ الوقف إلّا بعد أن يذكر الموقوف عليه. فإن لم يذكر الموقوف عليه، كان الوقف باطلا.

وكلّ ما يملكه الإنسان، جاز له أن يقفه سواء كان مشاعا أو مقسوما وعلى كلّ حال. والوقف والصّدقة شي‌ء واحد، ولا يصحّ شي‌ء منهما إلّا ما يتقرّب به الى الله تعالى. فإن لم يقصد بذلك وجه الله، لم يصحّ الوقف. والوقف لا بدّ أن يكون مؤبّدا، ولا يجوز أن يكون موقّتا. فإن جعله موقّتا، لم يصحّ، إلّا أن يجعله سكنى على ما نبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والوقف يجري على حسب ما يقفه الإنسان ويشترط فيه. فإن وقف على قوم مخصوصين، كان لهم ذلك، وليس لغيرهم معهم شي‌ء على حال. وإن وقف عامّا، كان على حسب ذلك أيضا، يجرى على من يتناوله ذلك الاسم.

ولا يجوز أن يقف على من لم يوجد بعد. فإن وقف كذلك، كان الوقف باطلا. فإن وقف على ولده الموجودين وكانوا صغارا، ثمَّ رزق بعد ذلك أولادا، جاز أن يدخلهم معهم فيه، ولا يجوز له أن ينقله عنهم بالكليّة إليهم.

وإذا وقف الوقف على ولده، وكانوا ذكروا وإناثا، فإن شرط تفضيل بعضهم على بعض، كان على حسب ما شرط، وإن

٥٩٦

لم يذكر شيئا من ذلك، كان الذّكر والأنثى فيه سواء من ولده وولد ولده، لتناول الاسم لهم. فإن قال: الوقف بينهم على كتاب الله، كان بينهم( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) . وإذا وقف على والديه، كان أيضا مثل ذلك، يكون بينهما بالسّويّة، إلّا أن يفضّل أحدهما على الآخر بالتّعيين.

ولا بأس أن يقف المسلم على والديه أو ولده أو من بينه وبينه رحم، وإن كانوا كفّارا. ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه على حال. وكذلك إن أوصى لهم بشي‌ء، كان ذلك جائزا.

ولا بأس أن يقف الإنسان على المساجد والكعبة والمشاهد والمواضع التي يتقرّب فيها الى الله تعالى، على مصالحها ومراعاة أحوالها وسكّانها. ولا يجوز وقف المسلم على البيع والكنائس وبيوت النّيران ومواضع قرب سائر أصناف الكفّار.

وإذا وقف الكافر على أحد المواضع التي يتقرّبون فيها الى الله تعالى، كان وقفه صحيحا. وإذا وقف الكافر وقفا على الفقراء، كان ذلك الوقف ماضيا في فقراء أهل ملّته دون غيرهم من سائر أصناف الفقراء.

وإذا وقف المسلم شيئا على المسلمين، كان ذلك لجميع من أقرّ بالشّهادتين وأركان الشريعة من الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والجهاد، وإن اختلفوا في الآراء والدّيانات.

فإن وقف على المؤمنين، كان ذلك خاصّا لمجتنبي الكبائر

٥٩٧

من أهل المعرفة بالإمامة دون غيرهم، ولا يكون للفسّاق منهم معهم شي‌ء على حال.

وإذا وقف على الشّيعة، ولم يميّز منهم قوما دون قوم، كان ذلك ماضيا في الإماميّة والجاروديّة، دون البتريّة. ويدخل معهم سائر فرق الإماميّة من الكيسانيّة والنّاوسيّة والفطحيّة والواقفة والاثنى عشريّة.

فإن وقفه على الإمامية خاصّة، كان ذلك فيمن قال بإمامة الاثنى عشر منهم. وإن وقف على الزيديّة، كان على القائلين بإمامة زيد بن عليّ وإمامة كلّ من خرج بالسّيف من ولد فاطمة،عليها‌السلام .

وإذا وقف على الهاشميّين، كان ذلك على ولد هاشم بن عبد مناف وولد ولده، الذّكور منهم والإناث. وإذا وقفه على الطّالبيّين، كان ذلك على أولاد أبي طالب، رحمة الله عليه، وولد ولده من الذّكور والإناث. وإذا وقفه على العلويّة، كان ذلك على ولد أمير المؤمنين عليّ،عليه‌السلام ، من الحسنيّة والحسينيّة والمحمّدية والعبّاسيّة والعمريّة وولد ولدهم، الذّكور منهم والإناث.

فإن وقفه على ولد فاطمة، كان ذلك على ولد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، الذكور منهم والإناث. فإن وقفه على الحسنيّة، لم يكن للحسينيّة معهم شي‌ء. وإن وقف على الحسينيّة لم يكن

٥٩٨

للحسنيّة معهم شي‌ء على حال. فإن وقفه على الموسويّة، كان ذلك على أولاد موسى بن جعفر،عليهما‌السلام ، الذّكور منهم والإناث.

وإذا وقف الإنسان شيئا على جيرانه، أو أوصى بشي‌ء، ولم يسمّهم بأسمائهم، ولا ميّزهم بصفاتهم، كان مصروفا إلى أربعين ذراعا من أربع جوانبها. وليس لمن بعد عن هذا الحدّ شي‌ء. وإن وقف على قومه، ولم يسمّهم، كان ذلك على جماعة أهل لغته من الذّكور دون الإناث. فإن وقفه على عشيرته، كان على الخاصّ من قومه الذين هم أقرب النّاس إليه في نسبه.

فإن وقفه على مستحقّ الخمس، كان ذلك على ولد أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وولد العبّاس وجعفر وعقيل. فإن وقفه على مستحقّ الزّكاة، كان ذلك على الثّمانية أصناف المذكورة في القرآن.

ومتى وقف الإنسان على أحد الأجناس ممّن ذكرناهم، وكانوا كثيرين في البلاد منتشرين، كان ذلك مقصورا على من يحضر البلد الذي فيه الوقف دون غيره من البلدان.

ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه أو على قوم بأعيانهم، ولم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي‌ء بعينه، فمتى انقرض أرباب الوقف، رجع الوقف إلى ورثة الواقف.

ولا يجوز بيع الوقف ولا هبته ولا الصّدقة به، إلّا أن يخاف

٥٩٩

على الوقف هلاكه أو فساده، أو كان بأرباب الوقف حاجة ضروريّة كان معها بيع الوقف أصلح لهم وأردّ عليهم، أو يخاف وقوع خلاف بينهم، فيؤدّي ذلك الى وقوع فساد بينهم، فحينئذ يجوز بيعه، وصرف ثمنه فيهم على ما يستحقّونه من الوقف. ولا يجوز بيع الوقف مع عدم شي‌ء من ذلك.

وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة، فبطل رسمها، جعل في وجه البرّ. وإذا وقف في وجوه البرّ، ولم يسمّ شيئا بعينه، كان للفقراء والمساكين ومصالح المسلمين.

وإذا وقف إنسان مسكنا، جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليه، وليس له أن يسكن غيره فيه.

باب السكنى والعمرى والرقبى والحبيس

لا بأس أن يجعل الإنسان داره أو منزله أو ضيعته أو عقاره سكنى لإنسان حسب ما أراد. فإن جعله له مدّة من الزّمان، كان ذلك ماضيا، ولم يجز له نقله عنه، إلّا بعد مضيّ تلك المدّة. وكذلك لا يجوز له بيعه إلّا بعد انقضاء المدّة، أو يشترط على المشتري مقدار ذلك الزّمان. ومتى مات، والحال ما ذكرناه، لم يكن لورثته نقل السّاكن عنه، إلّا بعد أن تمضي المدّة المذكورة.

ومتى أسكنه إيّاه مدّة عمره، كان ذلك ماضيا مقدار زمان

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793