النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225222 / تحميل: 6338
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

- عندنا وعند الشافعيّة(١) - عن الجميع بالأداء ، ورجع على الذي ضمن عنه بخمسة ؛ لأنّها هي التي تثبت في ذمّته ، ولم يرجع على الآخَر بشي‌ء ؛ لأنّه لم يضمن عنه ، وإنّما قضى الدَّيْن عنه تبرّعاً.

وعند الشافعيّة يكون له الرجوع على الذي ضمن عنه بالعشرة ، ولا يرجع على الآخَر بشي‌ء ؛ لأنّه لم يضمن عنه ، وإذا رجع على الذي ضمن عنه ، رجع على الآخَر بنصفها ؛ لأنّه ضمنها عنه وقضاها(٢) .

ولو كان المضمون عنه دفع مال الضمان إلى الضامن بإذنه وقال له : اقض هذا المال للمضمون له عنّي ، فقضاه ، كان أمانةً في يده ؛ لأنّه نائب عنه في دفعه إلى صاحب الدَّيْن ، فإن(٣) تلف قبل الدفع بغير تفريطٍ منه ، لم يضمنه.

وإن دفعه إليه عن الذي ضمنه وقال له : خُذْ هذا عوضاً عمّا ضمنته ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يصحّ ويملكه ؛ لأنّ رجوعه عليه يتعلّق بسبب الضمان والغرم ، فإذا وجد أحد السببين ، جاز أن يدفعه ، كالزكاة.

والثاني : لا يصحّ ولا يملكه ؛ لأنّه يدفعه عوضاً عمّا يغرم ، ولم يغرم بَعْدُ ، فلا تصحّ المعاوضة على ما لم يجب له(٤) .

ويمكن أن يقال : هذا لا يجي‌ء على مذهب الشافعيّة ؛ لأنّ لصاحب الحقّ أن يطالب مَنْ عليه الدَّيْن بذلك ، فكيف تصحّ المعاوضة عنه مع‌

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر ، وراجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٨٩ - ٩٠.

(٣) في « ج » : « وإن ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٧.

٣٨١

توجّه المطالبة به!؟ فإن قلنا : إنّه يملك ، صحّ له التصرّف فيه ، وإلّا فلا ، ويكون مضموناً عليه ؛ لأنّه قبضه على وجه المعاوضة.

مسألة ٥٥٣ : لو ادّعى على رجلٍ حاضرٍ أنّه باع منه ومن الغائب شيئاً بألفٍ وكلٌّ منهما ضامن لصاحبه‌ ، فإن أقرّ الحاضر ، لم يلزمه عندنا إلّا النصف الذي ضمنه ، بناءً على أصلنا من انتقال المال إلى ذمّة الضامن ، وعند الشافعيّة من اشتراك الذمّتين في المال(١) : يؤدّي الحاضر الألف ، فإذا قدم الغائب وصدّقه ، رجع عليه. وإن أنكره وحلف ، لم يكن له الرجوع عليه(٢) .

وأمّا إن أنكر الحاضر الضمانَ ، فإن لم يكن للمدّعي بيّنةٌ ، قُدّم قول المنكر مع يمينه. فإذا(٣) حلف ، سقطت الدعوى عنه.

فإذا قدم الغائب فإن أنكر(٤) ، حلف وبرئ ، وإن اعترف ، لزمه خمسمائة التي ادّعاها عليه ، ويسقط(٥) عنه الباقي ؛ لأنّ المضمون عنه سقطت عنه بيمينه ، قاله بعض الشافعيّة(٦) .

وقال بعضهم : إنّه غير صحيح ؛ لأنّ اليمين لم تبرئه من الحقّ ، وإنّما أسقطت عنه في الظاهر ، فإذا أقرّ به الضامن ، لزمه ، ولهذا لو أقام البيّنة عليه بعد يمينه ، لزمه ولزم الضامن ، فإذَنْ الحقُّ لم يسقط عنه ولا عن الضامن(٧) .

وأمّا إذا أقام على الحاضر البيّنة ، وجب عليه الألف عندهم ، فإذا قدم‌

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٣٤٤.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٣ - ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٣ - ٥٠٤.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وإذا ».

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فأنكر » بدل « فإن أنكر ».

(٥) في « ر » والطبعة الحجريّة : « سقط ».

(٦ و ٧) حلية العلماء ٥ : ٨٧.

٣٨٢

الغائب ، لم يكن للحاضر الرجوعُ على الغائب ؛ لأنّه منكرٌ لما شهدت به البيّنة ، مكذّبٌ لها ، مدّعٍ أنّ ما أخذه ظلم ، فلم يرجع(١) .

ونقل المزني أنّه يرجع بالنصف على الغائب(٢) .

وتأوّله الشافعيّة بأُمور ، أحدها : أنّه يجوز أن تُسمع البيّنة مع إقراره ؛ لأنّه يثبت بذلك الحقُّ على الغائب ، فتُسمع عليهما ، أو يكون أنكر شراءه ولم ينكر شراء شريكه والضمان عنه ، بل سكت(٣) .

مسألة ٥٥٤ : لو شرط في الضمان الأداء من مالٍ بعينه ، صحّ الضمان والشرط معاً‌ ؛ لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال ، فلو تلف المال قبل الأداء بغير تفريط الضامن ، فالأقرب : فساد الضمان ؛ لفوات شرطه ، فيرجع صاحب المال على الأصيل.

وهل يتعلّق الضمان بالمال المشروط تعلُّقُه به تعلُّقَ الدَّيْن بالرهن أو الأرش بالجاني؟ الأقرب : الأوّل ، فيرجع على الضامن لو تلف.

وعلى الثاني يرجع على المضمون عنه.

وكذا لو ضمن مطلقاً ومات معسراً على إشكالٍ.

ولو بِيع متعلَّق الضمان بأقلّ من قيمته ؛ لعدم الراغب ، رجع الضامن بتمام القيمة ؛ لأنّه يرجع بما أدّى.

ويُحتمل بالثمن خاصّةً ؛ لأنّه الذي قضاه.

ولو لم يساو المال قدر الدَّيْن ، فالأقرب : الرجوع على الضامن ، ويرجع على المضمون عنه.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٨٨.

(٢) مختصر المزني : ١٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ٨٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٨٨.

٣٨٣

وقد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح ، فلو ضمن عنه ما في ذمّته ، صحّ ، ولزمه ما تقوم به البيّنة على ثبوته وقت الضمان ، لا ما يتجدّد ، ولا ما يوجد في دفتر وكتاب ، ولا ما يُقرّ به المضمون عنه أو يحلف عليه المالك بردّ اليمين من المديون.

ولو ضمن ما تقوم به البيّنة ، لم يصح ؛ لعدم العلم بثبوته حينئذٍ.

مسألة ٥٥٥ : لو ضمن الدَّيْنَ اثنان على التعاقب مع صاحب الحقّ عن المديون ، طُولب الضامن الأوّل ، وبطل الثاني‌ ؛ لأنّ الحقّ انتقل من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، فالضامن الثاني لم يصادف ضمانه حقّاً على المضمون عنه للمضمون له.

ولو قال الضامن الثاني : ضمنت لك هذا الدَّيْن على مَنْ كان ، فإن قلنا : يصحّ الضمان عن المجهول ، صحّ هذا الضمان ، وكان ضامناً عن الضامن السابق ، وإلّا بطل.

ولو ضمن الثاني من وكيل صاحب الحقّ ، بطل الثاني.

ولو اتّفق ضمان الأوّل مع صاحب الحقّ وضمان الثاني مع وكيله في الزمان الواحد ، بطل الضمانان معاً ؛ لعدم أولويّة أحدهما بالصحّة والآخَر بالبطلان.

مسألة ٥٥٦ : لو شرط الضمان في مالٍ بعينه ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، كان حقّ الضمان في العين التي تعلّق الضمان بها - كالرهن - مقدّماً على حقّ الغرماء‌ ، فإن فضل شي‌ء من حقّ الضمان ، تعلّق حقّ الغرماء بالفاضل ، وإلّا فلا.

٣٨٤

ولو ضمن كلٌّ من المديونين ما على صاحبه ، تعاكست الأصالة والفرعيّة فيهما إن أجازهما المضمون له على ما بيّنّاه ، وتتساقطان إذا أدّى كلّ واحدٍ منهما مالَ الضمان عن صاحبه ، فلو شرط أحدهما كونَ الضمان من مالٍ بعينه وحُجر عليه بفلسٍ قبل الأداء ، رجع على الموسر بما أدّى ، ويضرب الموسر مع الغرماء.

ولو أجاز ضمانَ أحدهما خاصّةً ، رجع عليه بالجميع ، ويرجع المؤدّي على الآخَر بنصيبه ، فإن دفع النصف ، انصرف إلى ما قصده ، ويُصدَّق باليمين ، وينصرف الإبراء إلى ما قصده المبرئ ، فإن أطلق فالتقسيط.

ولو ادّعى الأصيل قصده ، ففي توجّه اليمين عليه أو على الضامن إشكال ينشأ : من عدم توجّه اليمين لحقّ الغير ، ومن خفاء القصد.

ولو تبرّع بالضمان ثمّ سأل ثالثاً الضمانَ عنه فضمن ، رجع عليه ، دون الأصيل وإن أذن له الأصيل في الضمان والأداء.

مسألة ٥٥٧ : لو دفع الأصيل الدَّيْنَ إلى المستحقّ أو إلى الضامن ، فقد برئ ، سواء أذن له الضامن في الدفع أو لا.

ولو ضمن فأنكر الأصيل الإذنَ في الضمان ، قُدّم قوله مع اليمين ، وعلى الضامن البيّنة بالإذن ؛ لأصالة عدمه.

وكذا لو أنكر الأصيل الدَّيْنَ الذي ضمنه عنه الضامن ؛ لأصالة براءة ذمّته.

ولو أنكر الضامن الضمانَ فاستوفى المستحقّ بالبيّنة ، لم يرجع على‌

٣٨٥

الأصيل إن أنكر الدَّيْنَ أيضاً أو الإذنَ ، وإلّا رجع اقتصاصاً ، إلّا أن ينكر الأصيل الإذنَ ولا بيّنة.

ولو أنكر المستحقّ دفع الضامن بسؤالٍ ، قُدّم إنكاره.

فإن شهد الأصيل ولا تهمة ، قُبلت ، ومع التهمة يغرم ثانياً ، ويرجع على الأصيل بالأوّل مع مساواته الحقّ أو قصوره.

ولو لم يشهد ، رجع بالأقلّ من الثاني والأوّل والحقّ.

مسألة ٥٥٨ : كما ينبغي التنزّه عن الدَّيْن ينبغي التنزّه عن الضمان مع الإعسار ؛ لما فيه من التغرير بمال الغير.

وقد روى أبو الحسن الخزّاز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول لأبي العباس الفضل : « ما مَنَعك من الحجّ؟ » قال : كفالة تكفّلت بها ، قال : « ما لك والكفالات؟ أما علمت أنّ الكفالة هي التي أهلكت القرون الأُولى؟ »(١) .

وعن داوُد الرقّي عن الصادقعليه‌السلام قال : « مكتوب في التوراة : كفالة ندامة غرامة »(٢) .

وقد روى الحسن(٣) بن خالد عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : قلت له : جُعلت فداك ، قول الناس : الضامن غارم ، قال : فقال : « ليس على الضامن غُرْمٌ ، الغُرْم على مَنْ أكل المال »(٤) . والمراد منه أنّ الضمان يستقرّ على الأصيل.

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٢١٠ / ٤٩٢.

(٣) في المصدر : « الحسين ».

(٤) الكافي ٥ : ١٠٤ - ١٠٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٥.

٣٨٦

٣٨٧

الفصل الثاني : في الكفالة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : العقد.

مسألة ٥٥٩ : الكفالة عقد شُرّع للتعهّد بالنفس ، ويشابه الضمان ، فإنّ الشي‌ء المضمون قد يكون حقّاً على الشخص ، وقد يكون نفسَ الشخص.

وهي عقد صحيح عند عامّة أهل العلم ، وبه قال الثوري ومالك والليث وأبو حنيفة وأحمد والشافعي(١) ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، إلّا ما نُقل عن الشافعي من قوله في كتاب الدعاوي : إنّ الكفالة بالبدن ضعيفة(٢) .

وقال في اختلاف العراقيّين وفي الإقرار وفي المواهب وفي كتاب اللعان : إنّ الكفالة بالبدن جائزة(٣) .

واختلف أصحابه.

فقال بعضهم : إنّ الكفالة صحيحة قولاً واحداً ، وأراد بقوله : « إنّها‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٥ ، المعونة ٢ : ١٢٣٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥٣ / ١٩٧٥ ، النتف ٢ : ٧٥٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، الوجيز ١ : ١٨٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) الأُم ٣ : ٢٣١ ، و ٦ : ٢٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨.

(٣) الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩.

٣٨٨

ضعيفة » أي ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتةً بالإجماع والأثر.

ومنهم مَنْ قال : إنّ فيها قولين :

أحدهما : أنّها صحيحة ، وهو قول عامّة العلماء.

والثاني : أنّها غير صحيحة ؛ لأنّها كفالة بعين فلم تصح ، كالكفالة بالزوجة وبدن الشاهدَيْن(١) .

والحقّ : الأوّل ؛ لقوله تعالى :( قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ ) (٢) فطلب يعقوبعليه‌السلام من بنيه كفيلاً ببدن يوسفعليه‌السلام ، وقالوا ليوسفعليه‌السلام :( إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ ) (٣) وذلك كفالة بالبدن.

وما رواه العامّة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الزعيم غارم »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي برجل كفل برجلٍ بعينه فأخذ الكفيل ، فقال : احبسوه حتى يأتي بصاحبه »(٥) .

ولإطباق الناس عليه في جميع الأعصار في كلّ الأصقاع ، ولو لم تكن صحيحةً امتنع إطباق الخلق الكثير عليه. ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وتشتدّ الضرورة إليه ، فلو لم يكن سائغاً لزم الحرج والضرورة. ولأنّ ما وجب تسليمه بعقدٍ وجب تسليمه بعقد الكفالة ، كالمال ووجوب تسليم البدن‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ ، المغني ٥ : ٩٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٨.

(٢) يوسف : ٦٦.

(٣) يوسف : ٧٨.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٤ / ٢٤٠٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٥ / ١٢٦٥ ، سنن الدار قطني ٤ : ٧٠ / ٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٢ ، سنن سعيد ابن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩٢ ، و ٣٩٧ / ٢٢٠٠١.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٠٩ / ٤٨٦ ، وفيه : « بالمكفول » بدل « الكفيل ».

٣٨٩

يكون بعقد النكاح والإجارة.

مسألة ٥٦٠ : ويصحّ عقد الكفالة حالّةً ومؤجَّلةً عند أكثر علمائنا‌(١) - وبه قال الشافعي(٢) - للأصل الدالّ على الجواز.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يصحّ ضمان مال ولا نفس إلّا بأجلٍ معلوم(٣) .

وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإذا أطلق عقد الكفالة أو شرط الحلول ، كانت حالّةً ؛ لأنّ كلّ عقدٍ دَخَله الحلول إذا أطلق اقتضى الحلول ، كالثمن.

وإذا ذكر أجلاً ، وجب تعيينه ، فإن أبهم ، كان العقد باطلاً عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لما فيه من الغرر بجهالة الأجل. ولأنّه ليس له وقت يستحقّ مطالبته فيه.

وكذا الضمان.

فإن جَعَله إلى الحصاد والجذاذ والقطاع(٥) ، لم يصح عندنا ، وهو أحد قولَي الحنابلة(٦) .

والأولى عندهم : صحّته ؛ لأنّه تبرّع من غير عوضٍ جعل له أجلاً لا يمنع من حصول المقصود فيه ، فصحّ(٧) .

وعن أحمد رواية : أنّه إذا قيّد الكفالة بساعةٍ ، صحّ ، ولزمه. وتوقّف‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ٣٣٧ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٧٧ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ١١٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠.

(٣) النهاية : ٣١٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، الوسيط ٣ : ٢٤٤ ، الوجيز ١ : ١٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٧٢ و ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٥) في « ث » : « القطاف » بدل « القطاع ».

(٦ و ٧) المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

٣٩٠

لو عيّن الوقت المتّسع(١) .

ولأنّه شرط فيها شرطاً فاسداً فلم يصح مطلقها ؛ لعدم الرضا به ، ولا مقيّدها بهذا الشرط ؛ لفساده.

وللشافعي وجهٌ آخَر : أنّها تصحّ كالعاريّة بأجلٍ مجهول(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ العاريّة لا تلزم ، ولهذا لو قال له : أعرتك أحد هذين الثوبين ، جاز ، وكان له الانتفاع بأحدهما ، ولو قال : كفلت لك بأحد هذين ، لم يصح ، كذا هنا.

مسألة ٥٦١ : عقد الكفالة يصحّ دخول الخيار فيه‌ ، فإن شرط الخيار فيها مدّة معيّنة ، صحّ ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) .

وقولِه تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) أمر بالوفاء بالعقد ، وإنّما وقع العقد على هذا الشرط ، وليس منافياً لمقتضاه ، كما لا ينافي غيره من العقود.

وقال الشافعي : إذا شرط في الكفالة الخيار ، بطل العقد ؛ لأنّه عقد لا يجوز فيه شرط الخيار ، فإذا شرطه بطل ، كالسَّلَم والصرف(٥) .

والمقدّمة الأُولى ممنوعة ، والحكم في المقيس عليه ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إذا شرط الخيار في الكفالة ، صحّ العقد ، وبطل الشرط ؛ لأنّ الضمان يتعلّق بغرر وخطر ، فلم يفسد بالشرط الفاسد ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٢ و ٧٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) المائدة : ١.

(٥) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٣.

٣٩١

كالنكاح(١) .

مسألة ٥٦٢ : لا بدَّ في العقد من صيغةٍ دالّةٍ على الإيجاب والقبول ، فيقول الكفيل : كفلت لك بدنَ فلان ، أو : أنا كفيل بإحضاره ، أو : كفيل به ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه ؛ لأنّ كلّ ذلك يُعبَّر به عن الجملة.

ولو كفل رأسه أو كبده أو عضواً لا تبقى الحياة بدونه ، أو بجزء شائع فيه ، كثلثه أو ربعه ، قال بعض علمائنا : لا يصحّ ؛ إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجرّداً ، ولا يسري العقد إلى الجملة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : تصحّ الكفالة ؛ لأنّه لا يمكن إحضار ذلك المكفول إلّا بإحضار كلّه(٣) . وهو الوجه عندي.

ولو تكفّل بعضو تبقى الحياة بعد زواله ، كيده ورِجْله وإصبعه وغيرها ، للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الصحّة ؛ لأنّه لا يمكنه إحضار هذه الأعضاء على صفتها إلّا بإحضار البدن كلّه ، فأشبه الكفالة بالوجه والقلب. ولأنّه حكم تعلّق بالجملة ، فيثبت حكمه إذا أُضيف إلى البعض ، كالعتق.

والثاني : لا تصحّ ؛ لأنّه لا يمكن(٤) إحضاره بدون الجملة مع بقائها(٥) .

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٧.

(٢) راجع : شرائع الإسلام ٢ : ١١٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٤) في المغني والشرح الكبير : « يمكن » بدون « لا » النافية.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، =

٣٩٢

وقال بعض الشافعيّة : لا تصحّ الكفالة في جميع ذلك كلّه ، سواء بقيت الحياة بدونه أو لا ، وسواء كان جزءاً مشاعاً أو لا ؛ لأنّ ما لا يسري إذا خصّ به عضواً لم يصح ، كالبيع والإعارة والوصيّة والإجارة(١) .

البحث الثاني : في الكفيل والمكفول والمكفول له.

مسألة ٥٦٣ : يُشترط في الكفيل البلوغُ والعقلُ والحُرّيّةُ وجوازُ التصرّف‌ ، فلا تصحّ كفالة الصبي ولا المجنون ولا العبد ولا مَنْ لا يجوز تصرّفه ، كالسكران والغافل والنائم والساهي والمحجور عليه للسفه والفلس ؛ لأنّ الكفالة تستلزم غرم المال مع عدم الإحضار ، وهؤلاء كلّهم ممنوعون من التصرّف في أموالهم.

ولا يُشترط ذلك في المكفول ولا في المكفول له ، فإنّه تجوز الكفالة للصبي والمجنون وغيرهما إذا قَبِل الوليّ.

مسألة ٥٦٤ : يُشترط رضا الكفيل ، فلا تصحّ كفالة المكره على الكفالة‌ ؛ لأنّه لا يصحّ أن يلزمه الحقّ ابتداءً إلّا برضاه. ولا نعلم فيه خلافاً.

وكذا يُعتبر رضا المكفول له ؛ لأنّه صاحب الحقّ ، فلا يجوز إلزامه شيئاً بغير رضاه ، وكما يُعتبر رضا المرتهن في الارتهان ، كذا المكفول له يُعتبر رضاه في الكفالة.

وقال أحمد : لا يُعتبر رضاه ؛ لأنّها(٢) التزام حقٍّ له من غير عوض ،

____________________

= التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥ ، المغني ٥ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٠ - ١٠١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٥.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٣٩٣

فلم يُعتبر رضاه فيها(١) .

وليس بصحيح.

أمّا المكفول به فلا يُعتبر رضاه ، بل تصحّ الكفالة وإن كره المكفول به ، عند علمائنا - وبه قال ابن سريج من الشافعيّة(٢) - لأنّها وثيقة على الحقّ ، فصحّت بغير أمر مَنْ عليه ، كالضمان.

وقال عامّة الشافعيّة - وهو منقول عن الشافعي - : إنّه يُعتبر رضا المكفول(٣) به ؛ لأنّه إذا لم يأذن المكفول به في الكفالة لم يلزمه الحضور معه ، فلم يتمكّن من إحضاره ، فلم تصحّ(٤) كفالته ؛ لأنّها كفالة بغير المقدور عليه ، بخلاف الضمان ؛ لأنّه يمكنه الدفع من ماله ، ولا يمكنه أن ينوب عنه في الحضور(٥) .

ونمنع عدم لزوم الحضور.

وخلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على أنّ الكفيل هل يغرم عند العجز؟ إن قلنا : لا يغرم ، لم تصح الكفالة ؛ لأنّه إذا تبرّع لم يتمكّن من إحضاره ؛ إذ لا تلزمه الإجابة ، فلا تفضي الكفالة إلى مقصودٍ. وإن قلنا : نعم ، يغرم عند العجز(٦) .

فعلى قولنا إذا تكفّل به بغير أمره فطالَبه المكفول له بإحضاره ، وجب‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٧٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المضمون » بدل « المكفول ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « فلا تصحّ ».

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩١ ، المغني ٥ : ١٠٣ - ١٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥.

٣٩٤

عليه إحضاره ، ووجب على المكفول به الحضورُ ، لا من جهة الكفالة ، ولكن لأنّ المكفول له أمره بإحضاره ، فهو بمنزلة وكيله في مطالبته بحضوره.

ولو لم يقل المكفول له : أحضره ، ولكن قال : أُخرج إليَّ من كفالتك ، أو : أُخرج عن حقّي ، فهل يجب على المكفول به الحضور؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّ ذلك يتضمّن الإذن له في إحضاره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة على قول ابن سريج.

والثاني : لا يلزمه ؛ لأنّه طالَبه بما عليه من الإحضار ، فعلى هذا له حبسه ، ولا يلزم المكفول به الحضور(١) .

وهو باطل ؛ لأنّه يحبس على ما لا يقدر عليه.

مسألة ٥٦٥ : يُشترط في المكفول به التعيينُ ، فلو قال : كفلت أحد هذين ، أو كفلت زيداً أو عمرواً ، لم يصح ؛ لأنّه لم يلتزم بإحضار أحدهما بعينه.

وكذا لو قال : كفلت لك ببدن زيد على أنّي إن جئت به وإلّا فأنا كفيل بعمرو ، لم يصح ؛ لأنّه لم يلتزم إحضار أحدهما بعينه. ولأنّه علّق الكفالة في عمرو بشرطٍ ، والكفالة لا تتعلّق بالشرط ، فلو قال : إن جئت فأنا كفيل به ، لم يصح. وكذا لو قال : إن جاء زيد فأنا كفيل به ، أو : إن طلعت الشمس ، وبذلك كلّه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : أنا أُحضره ، أو أُؤدّي ما عليه ، لم يكن كفالةً.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨١ و ١٩٠ و ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ و ١٦٧ و ١٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧ و ٤٩٣ و ٤٩٦.

٣٩٥

مسألة ٥٦٦ : كلّ مَنْ عليه حقٌّ ماليٌّ صحّت الكفالة ببدنه‌ ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال ؛ لأنّ الكفالة إنّما هي بالبدن لا بذلك المال ، والبدن معلوم ، فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارضٍ. ولأنّا قد بيّنّا أنّ ضمان المجهول صحيح ، وهو التزام المال ابتداءً ، فالكفالة التي لا تتعلّق بالمال ابتداءً أولى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا تصحّ كفالة مَنْ عليه حقٌّ مجهول ؛ لأنّه قد يتعذّر إحضار المكفول به ، فيلزمه الدَّيْن ، ولا يمكن طلبه منه ؛ لجهله. ولأنّهم قالوا ذلك بناءً على أنّه لو مات ، غرم الكفيل ما عليه(٢) .

وهذا عندنا غير صحيح.

مسألة ٥٦٧ : يُشترط أن يكون ذلك المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه‌ ، فلو تكفّل ببدن مَنْ لا دَيْن عليه أو مَنْ جعل جعالة قبل الفعل والشروع فيه ، لم يصح.

ولو تكفّل ببدن المكاتب للنجوم التي عليه ، صحّ عندنا ؛ لأنّ مال الكتابة عندنا ثابت في ذمّة المكاتب على ما سلف(٣) .

وللشيخ قولٌ بعدم الثبوت ؛ لأنّ له أن يُعجّز نفسه(٤) ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٩ - ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٣) في ص ٣١٦ ، المسألة ٥٠٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٩٧ و ٣٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

٣٩٦

فعلى هذا لا تصحّ كفالة بدن المكاتب للنجوم التي عليه ؛ لأنّه لو ضمن النجوم لم يصح ، فالكفالة بالبدن للنجوم أولى أن لا تصحّ. ولأنّ الحضور لا يجب على المكاتب ، فلا تجوز الكفالة به ، كدَيْن الكتابة.

مسألة ٥٦٨ : إذا كان عليه عقوبة ، فإن كانت من حقوق الله تعالى - كحدّ الزنا والسرقة والشرب - لم تصح الكفالة ببدنه عليها‌ عند علمائنا - وهو المشهور من مذهب الشافعي(١) - لأنّ الكفالة للتوثيق ، وحقوق الله تعالى مبنيّة على الإسقاط ، وينبغي السعي في دفعها ما أمكن ، ولهذا لـمّا أقرّ ماعز بالزنا عرض له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجوع والإنكار ، فقال له : « لعلّك قبّلتها ، لعلّك لامَسْتَها » وأعرض بوجههصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(٢) .

وطرّد القاضي ابن سلمة وابن خيران من الشافعيّة القولين فيه(٣) .

والخلاف في هذا الباب شبيه الخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي.

وأمّا إن كانت العقوبة من حقوق الآدميّين - كالقصاص وحدّ القذف - فالأقرب عندي : ثبوتها في القصاص ، أمّا الحدّ فلا تصحّ الكفالة به ؛ لما رواه العامّة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ( عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه )(٤) قال : « لا كفالة في حدٍّ »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الصدوقرحمه‌الله عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٧ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٢١ / ١٣١ و ١٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٩٤ / ٢١٣٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٣٣٨ / ١١٩٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ج ، ر » : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٥) الكامل - لابن عدي - ٥ : ١٦٨١ ، تاريخ بغداد ٣ : ٣٩١.

٣٩٧

قال : قضى أنّه لا كفالة في حدٍّ(١) .

وهذا القول بعدم صحّة الكفالة في الحدّ قولُ أكثر العلماء ، وبه قال شريح والحسن البصري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد(٢) .

واختلف قول الشافعي فيه.

فقال في باب اللعان : إنّه لا يكفل رجل في حدٍّ ولا لعان(٣) .

ونقل المزني عنه أنّه قال : تجوز الكفالة بمن(٤) عليه حقّ أو حدّ(٥) .

واختلف أصحابه في ذلك على طُرق أظهرها عندهم - ويُحكى عن ابن سريج - أنّه على قولين :

أحدهما : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ لازم لآدميٍّ ، فصحّت الكفالة به ، كسائر حقوق الآدميّين. ولأنّ الحضور مستحقٌّ عليه ، فجاز التزام إحضاره.

والثاني : المنع ؛ لأنّ العقوبات مبنيّة على الدفع ، ولهذا قالعليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات »(٦) فينبغي إبطال الذرائع المؤدّية إلى توسيعها وتحصيلها. ولأنّه حقٌّ لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذّر إحضار المكفول به ، فلم تصح الكفالة بمن(٧) هو عليه ، كحدّ الزنا(٨) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٤ / ١٨٤.

(٢) المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩٩.

(٣) الأُم ٥ : ٢٩٧ ، مختصر المزني : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لمن » بدل « بمن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠ ، المغني ٥ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٠٠.

(٦) تاريخ بغداد ٩ : ٣٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٣ : ٣٤٧.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ممّن » بدل « بمن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

٣٩٨

وأبو حامد من الشافعيّة بنى القولين على أنّه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدَّيْن؟ إن قلنا : نعم ، لم تصح الكفالة ؛ لأنّه لا يمكن مؤاخذته بما عليه. وإن قلنا : لا ، صحّت ، كما لو تكفّل ببدن مَنْ عليه مالٌ(١) .

وقضيّة هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر.

وهو اختيار القفّال(٢) .

وادّعى الروياني أنّ المذهب المنعُ(٣) .

الطريق الثاني للشافعيّة : القطع بالجواز ، وحَمْلُ ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحدّ(٤) .

الطريق الثالث : القطع بالمنع ؛ لأنّه لا تجوز الكفالة بما عليه ، فلا تجوز ببدنه(٥) .

والضابط في ذلك أن نقول : حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه ، فكلّ مَنْ يلزمه حضور مجلس الحكم عند [ الاستدعاء ](٦) أو يستحقّ إحضاره تجوز الكفالة ببدنه.

مسألة ٥٦٩ : لو ادّعى شخصٌ زوجيّةَ امرأةٍ ، صحّت الكفالة ببدنها ؛ لوجوب الحضور عليها إلى مجلس الحكم. وكذلك الكفالة بها [ لمن ](٧) ثبتت زوجيّته.

وقال بعض الشافعيّة : الظاهر أنّ حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن‌

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦٠.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الاستعداء ». والظاهر ما أثبتناه.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثمّ ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٩٩

مَنْ عليه القصاص ؛ لأنّ المستحقّ عليها لا يقبل النيابة(١) .

ولو تكفّل ببدن عبدٍ آبقٍ لمالكه ، صحّ ، ويلزمه السعي في ردّه.

ويتأتّى فيه ما قيل في الزوجة.

ومَنْ في يده مالٌ مضمون - كالغصب والمستام والعارية بشرط الضمان - تصحّ كفالتُه وضمانُ عين المغصوب والمستام ليردّها على مالكها ، فإن ردَّ ، برئ من الضمان. وإن تلفت ، ففي إلزامه بالقيمة وجهان ، الأقرب : العدم.

وتصحّ كفالة المستودع والأمين ؛ لوجوب ردّ الوديعة عليه.

والميّت قد يستحقّ إحضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحمّلوها كذلك من غير معرفة النسب ولا الاسم ، فتصحّ الكفالة على إحضار بدنه.

وأيضاً الصبي والمجنون قد يستحقّ إحضارهما لإقامة الشهادة على صورتهما في الإتلاف وغيره ، فتجوز الكفالة ببدنهما.

ثمّ إن كفل بإذن وليّهما ، فله مطالبة وليّهما بإحضارهما عند الحاجة.

وإن كفل بغير إذنه ، فهو كالكفالة ببدن العاقل بغير إذنه ، وقد بيّنّا(٢) جوازه عندنا.

وللشافعي قولان(٣) .

قال(٤) الجويني : لو كفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة ، فالكفالة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٦.

(٢) في ص ٣٩٣ ، ضمن المسألة ٥٦٤.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٧ ، وراجع الهامش ( ٢ و ٥ ) من ص ٣٩٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « وقال ».

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

حياته. فإذا مات، كان لورثته نقل السّاكن عن المسكن. وإن مات السّاكن وله ورثة، كان لورثته ذلك الى أن يمضي زمان حياة المسكن. وإن جعل له السّكنى مدة حياة السّاكن، كان ذلك ماضيا الى أن يتوفّاه الله تعالى. فإذا مات، رجع اليه أو الى ورثته، إن كان مات. وإن مات الذي جعل السّكنى، لم يكن لورثته إزعاجه، إلّا بعد أن تمضي مدّة حياته، ومتى أسكنه، ولم يذكر شيئا، كان له إخراجه أيّ وقت شاء.

وإذا أسكن إنسان غيره، لم يجز للسّاكن أن يسكن معه غيره إلّا ولده وأهله، ولا يجوز له سواهم. ولا يجوز للسّاكن أيضا أن يواجره، ولا أن ينتقل عنه، فيسكن غيره إلّا بإذن صاحب المسكن.

وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله، وغلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام، وبعيره في معونة الحاجّ والزّوار. وإذا فعل ذلك لوجه الله، لم يجز له تغييره. فإن عجزت الدّابة، أو دبرت، أو مرض الغلام أو الجارية، وعجزا عن الخدمة، سقط عنه فرضها. فإن عادا إلى الصّحّة، كان الشّرط فيها قائما حتى يموت العبد وتنفق الدّابّة.

وإذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزّمان، ثمَّ هو حرّ بعد ذلك، كان ذلك جائزا، وكان على المملوك الخدمة في تلك المدّة. فإذا مضت المدّة، صار حرّا. فإن أبق العبد

٦٠١

هذه المدّة، ثمَّ ظفر به من جعل له خدمته، لم يكن له بعد انقضاء تلك المدّة عليه سبيل. وإن كان صاحب الغلام أو الجارية جعل خدمته لنفسه مدّة من الزّمان، ثمَّ هو حرّ بعد ذلك، وأبق المملوك، انتقض ذلك التّدبير. فإن وجده بعد ذلك، كان مملوكا له، يعمل به ما شاء.

باب النحل والهبة

الهبة على ضربين، ضرب منها لصاحبها الرّجوع فيها، وضرب ليس له الرّجوع فيه.

فأمّا الذي ليس له فيه رجوع، فهو كلّ هبة وهبها الإنسان لذي رحمه، ولدا كان أو غيره، إذا كان مقبوضا. فإن لم يكن مقبوضا، جاز له الرّجوع فيه. وإن مات، كان ميراثا. إلّا أن تكون الهبة على ولده ويكونون صغارا، فإنّه لا يكون له فيها رجوع على حال، لأنّ قبضه قبضهم. فأمّا إذا كانوا كبارا، أو يكونون غير أولاده وإن كانوا صغارا، فإنّ له الرّجوع فيها ما لم يقبّض. فإن وهب للصّغير من ذوي أرحامه، وقبّضه وليّه، لم يكن له بعد ذلك رجوع فيها على حال.

وامّا الضّرب الآخر، وهو الذي له الرّجوع فيه، فهو كلّ هبة كانت على أجنبيّ، ولم يتعوّض منها، وكانت عينه قائمة،

٦٠٢

فإنّ له الرّجوع في ذلك، وإن كان قد قبّضها. وإن تعوّض عنها، لم يكن له الرّجوع فيها بعد ذلك، سواء كان ما تعوّض عنها قليلا أو كثيرا. وإن لم يتعوّض منها، واستهلكت الهبة، أو تصرّف فيها الموهوب له، لم يكن أيضا للواهب الرّجوع فيها على حال.

ويكره أن يرجع الإنسان فيما يهبه لزوجته، وكذلك يكره للمرأة الرّجوع فيما تهبه لزوجها. وما يهبه الإنسان لوجه الله، فلا يجوز له الرّجوع فيه على حال. وما تصدّق الإنسان به لوجه الله، فلا يجوز له أن يعود اليه بالبيع أو الهبة أو الصّدقة. وإن رجع اليه بالميراث، كان جائزا. وإذا أخرج الإنسان شيئا لوجه الله يتصدّق به، ففاته من يريد إعطاءه، فليتصدّق به على غيره ولا يردّه في ماله.

ولا بأس أن يفضّل الإنسان بعض ولده على بعض بالهبة والنّحلة، إلّا أنّه يكره ذلك في حال المرض، إذا كان الواهب معسرا. فإذا كان موسرا، لم يكن به بأس.

وإذا وهب الإنسان لبعض ولده شيئا، وكتب له بذلك كتاب ابتياع، ذكر فيه أنّه قبض الثّمن، ثمَّ مات، وطالبه الورثة بالثّمن أو اليمين بالله تعالى: أنّه سلّم الثّمن على الكمال، جاز له أن يحلف: أنّه قد سلّم الثّمن، ويورّي في نفسه ما يخرج به عن الكذب عند الله تعالى، وليس عليه في ذلك شي‌ء على حال.

٦٠٣

كتاب الوصايا

باب الحث على الوصية

قال الله تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، إِنْ تَرَكَ خَيْراً، الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انّه قال: « من مات بغير وصية، مات ميتة جاهليّة ».

وقال،صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة، إلّا ووصيّته تحت رأسه ».

وروى أبو الصباح الكنانيّ وأبو أسامة زيد الشحّام جميعا عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، أنّه قال: « الوصيّة حق على كلّ مسلم ».

وروي عنه أيضا،عليه‌السلام : انّه قال: « ما من ميّت تحضره الوفاة، إلّا ردّ الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصيّة، أخذ الوصيّة أو ترك، وهي الرّاحة التي يقال لها راحة الموت. فهي حقٌّ على كُلِّ مسلم ».

٦٠٤

وروى مسعدة بن صدقة ووهب بن وهب جميعا عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، انّه قال: قال رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الوصيّة تمام ما نقص من الزّكاة ».

وروى السّكونيّ عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، أنّه قال: « من لم يوصّ عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصية ».

وعنه عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن عليّ،عليهم‌السلام ، أنّه قال: « من أوصى، ولم يحف ولم يضارّ، كان كمن صدّق به في حياته، وقال: ما أبالي: أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال ».

وروى سليمان بن جعفر الجعفريّ عن أبي عبد الله،عليه‌السلام : أنّه قال: قال رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم يحسن وصيته عند الموت، كان نقصا في مروّته وعقله ».

باب الأوصياء

ينبغي للمسلم أن يختار لوصيّته عاقلا مسلما عدلا حكيما، ولا يوصي الى سفيه ولا الى فاسق، ولا يوصي الى عبد وإن كان عدلا مرضيّا، لأنّه لا يملك مع سيّده شيئا. ولا بأس أن يوصي الى اثنين، أحدهما صغير والآخر كبير، بعد أن يكون الكبير كاملا عاقلا، ويجعل للعاقل النّظر في الحال، وللصّبيّ إذا بلغ

٦٠٥

فإن مات الصّبيّ، أو بلغ وكان فاسد العقل، كان للعاقل إنفاذ الوصيّة. وإذا أنفذ البالغ الكامل الوصيّة، كان ذلك جائزا. فإن بلغ الصّبيّ، ولم يرض بذلك، لم يكن له ذلك، إلّا أن يكون الكبير خالف شرط الوصيّة. ولا يجوز وصيّة المسلم الى كافر على حال. ويجوز وصيّة الكفّار بعضهم الى بعض. ولا بأس أن يوصي الإنسان الى امرأة إذا كانت عاقلة مأمونة.

وإذا وصّى الإنسان إلى نفسين، وشرط أن لا يمضيا الوصيّة إلّا بعد أن يجتمعا، لم يكن لكلّ واحد منهما الاستبداد بما يصيبه. فإن تشاحّا في الوصيّة والاجتماع، لم ينفّذ شي‌ء ممّا يتصرّفان فيه، إلّا ما يعود بمصلحة الورثة والكسوة لهم والمأكول. وعلى النّاظر في أمر المسلمين، حملهم على الاجتماع على تنفيذ الوصيّة، أو الاستبدال بهم إن رأى ذلك أصل في الحال. وإن لم يكن الموصي قد اشترط عليهما ذلك، جاز لكلّ واحد منهما أن يستبدّ بما يصيبه، ويطالب صاحبه بقسمة الوصيّة.

ولا بأس أن يوصي الإنسان إلى أولاده أو الى من يرثه أو الى زوجته. فإن أوصى إليهم، وكان فيهم صغار وكبار، كان للأكابر إنفاذ الوصيّة، وأن لا ينتظروا بلوغ الصّغار، إلّا أن يكون الموصي قد اشترط إيقاف الوصيّة إلى وقت بلوغ الصّغار، وكان الشّي‌ء الذي أوصى به يجوز تأخيره. فإن كان كذلك لم يجز لهم أن ينفّذوا شيئا منها إلّا بعد بلوغ الأصاغر منهم.

٦٠٦

وإذا وصّى الإنسان إلى غيره، كان بالخيار في قبول الوصيّة وردّها، إذا كان حاضرا شاهدا. فإن كان الموصى إليه غائبا، كان له ردّ الوصيّة ما دام الموصي حيّا. فإذا مات الموصي قبل أن يبلغ اليه الامتناع من قبول الوصيّة، لم يكن للوصيّ الغائب الامتناع من القيام بها.

وإذا حضر الوصيّ الوفاة وأراد أن يوصي الى غيره، جاز له أن يوصي اليه بما كان يتصرّف فيه من الوصيّة، ويلزم الموصى إليه القيام بذلك. وقال بعض أصحابنا: أنّه ليس له أن يوصي الى غيره بما كان يتصرّف فيه. فإذا مات، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يقيم من ينظر في ذلك. فإن لم يكن هناك إمام كان لفقهاء آل محمد العدول وذوي الآراء منهم أن يتصرّفوا في ذلك إذا تمكّنوا منه. فإن لم يتمكّنوا، فليس عليهم شي‌ء. ولست أعرف بهذا حديثا مرويّا.

وللموصي أن يستبدل بالأوصياء ما دام حيّا. فإذا مضى لسبيله، لم يكن لأحد أن يغيّر وصيّته، ولا يستبدل بأوصيائه. فإن ظهر من الوصيّ بعده خيانة، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا مقامه. وإن لم تظهر منه خيانة، إلّا أنّه ظهر منه ضعف وعجز عن القيام بالوصيّة، كان للنّاظر في أمر المسلمين أن يقيم معه أمينا ضابطا يعينه على تنفيذ الوصيّة، ولم يكن له عزله لضعفه. والوصيّ إذا خالف ما أمر به، كان ضامنا للمال.

٦٠٧

وإذا أمر الموصي الوصيّ أن يتصرّف في تركته لورثته، ويتّجر لهم بها، ويأخذ نصف الرّبح، كان ذلك جائزا، وحلال له نصف الرّبح.

وإذا كان للوصيّ على الميّت مال، لم يجز له أن يأخذه من تحت يده إلّا ما تقوم له به البيّنة. ومتى باع الوصيّ شيئا من التّركة لمصلحة الورثة، وأراد أن يشتريه لنفسه، جاز له ذلك، إذا أخذه بالقيمة العدل من غير نقصان.

وإذا مات إنسان من غير وصيّة، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يقيم له ناظرا ينظر في مصلحة الورثة، ويبيع لهم ويشتري، ويكون ذلك جائزا. فإن لم يكن السّلطان الذي يتولّى ذلك أو يأمر به، جاز لبعض المؤمنين أن ينظر في ذلك من قبل نفسه، ويستعمل فيه الأمانة، ويؤدّيها من غير إضرار بالورثة، ويكون ما يفعله صحيحا ماضيا.

باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح

الوصيّة بالخمس أفضل من الوصيّة بالرّبع، وهي بالرّبع أفضل منها بالثّلث، ولا يجوز الوصيّة بأكثر من الثّلث. فإن وصّى إنسان بأكثر من الثلث، لم تمض الوصيّة إلّا في الثّلث، وتردّ فيما زاد عليه، إلّا أن يرضى الورثة بذلك. فإن وصّى بأكثر من الثّلث، ورضي به الورثة، لم يكن لهم بعد ذلك امتناع من

٦٠٨

إنفاذها لا في حال حياته ولا بعد وفاته.

وللإنسان أن يرجع في وصيّته ما دام فيه روح، ويغيّر شرائطها وينقلها من شي‌ء إلى شي‌ء ومن إنسان إلى غيره. وليس لأحد عليه فيه اعتراض.

وإذا دبّر مملوكه، كان ذلك مثل الوصيّة يجوز له الرّجوع فيه. فإن لم يرجع فيه، كان من الثّلث فإن أعتقه في الحال، مضى العتق وليس لأحد عليه سبيل.

وإذا أوصى الإنسان بوصيّة، ثمَّ أوصى بأخرى، فإن أمكن العمل بهما جميعا، وجب العمل بهما، وإن لم يمكن العمل بهما، كان العمل على الأخيرة دون الأولى.

وإذا أوصى بوصيّة، فليس لأحد مخالفته فيما أوصى به، ولا تغيير شي‌ء من شرائطها، إلّا أن يكون قد وصّى بما لا يجوز له أن يوصّي به، مثل أن يكون قد وصّى بماله في غير مرضات الله، أو أمر بإنفاقه في وجوه المعاصي: من قتل النفوس، وسلب الأموال، أو إعطائه الكفّار، أو إنفاقه على مواضع قربهم: من البيع، والكنائس، وبيوت النّيران. فإن فعل شيئا من ذلك، كان للوصيّ مخالفته في جميع ذلك، وصرف الوصيّة إلى الحقّ، وكان على إمام المسلمين معاونته على ذلك. فإن أوصى الإنسان لأحد أبويه، أو بعض قرابته شيئا من ثلثه، وجب إيصاله إليهم، وإن كانوا كفّارا ضلّالا.

٦٠٩

ولا بأس بالوصيّة للوارث إذا لم يكن بأكثر من الثّلث. فإن كانت بأكثر منه، ردّت الى الثّلث. وإذا أوصى بوصية، ثمَّ قتل نفسه، كانت وصيّته ماضية، لم يكن لأحد ردّها. فإن جرح نفسه بما فيه هلاكها، ثمَّ وصى، كانت وصيّته مردودة، لا يجوز العمل عليها. وإذا أوصى بوصيّة، ثمَّ قتله غيره خطأ، كانت وصيّته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته. وإن جرحه غيره، ثمَّ وصّى، كان الحكم أيضا فيه مثل ذلك في أنّه تمضى الوصيّة في ثلث ماله وثلث ما يستحقّه من أرش الجراح.

وإذا وصّى الإنسان لعبده بثلث ماله، نظر في قيمة العبد قيمة عادلة: فإن كانت قيمته أقلّ من الثلث، أعتق، وأعطي الباقي. وإن كانت مثله، أعتق، وليس له شي‌ء، ولا عليه شي‌ء. وإن كانت القيمة أكثر من الثّلث بمقدار السّدس أو الرّبع أو الثّلث، أعتق بمقدار ذلك، واستسعي في الباقي لورثته. وإن كانت قيمته على الضّعف من ثلثه، كانت الوصيّة باطلة.

وإذا أوصى الإنسان بعتق مملوك له، وكان عليه دين، فإن كان قيمة العبد ضعفي الدّين، استسعي العبد في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة أسهم للدّيّان، وسهمان للورثة، وسهم له، وإن كانت قيمته أقلّ من ذلك، بطلت الوصيّة. ومن وصّى لعبد غيره، لم تصحّ وصيّته.

فإن وصّى لمكاتب مشروط عليه، كان أيضا مثل ذلك. فإن لم يكن مشروطا عليه، جازت الوصيّة له بمقدار ما أدّى من

٦١٠

كتابته، لا أكثر من ذلك.

وإذا أوصى لأمّ ولده، أعتقت من نصيب ولدها، وأعطيت ما أوصى لها به.

وإذا أوصى الموصي بإخراج بعض الورثة من الميراث، لم يلتفت الى وصيّته وقوله، إذا كان مقرّا به قبل ذلك، أو كان مولودا على فراشه، لم يكن قد انتفى منه في حال حياته.

باب شرائط الوصية

من شرط الوصيّة أن يكون الموصي عاقلا حرّا ثابت العقل، سواء كان صغيرا أو كبيرا. فإن بلغ عشر سنين، ولم يكن قد كمل عقله، غير أنّه لا يضع الشّي‌ء إلّا في موضعه، كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البرّ، ومردودة فيما لم يكن كذلك. ومتى كان سنّه أقلّ من ذلك، لم يجز وصيّته. وقد روي: أنّه إذا كان ابن ثمان سنين، جازت وصيّته في الشّي‌ء اليسير في أبواب البرّ. والأول أحوط وأظهر في الرّوايات.

وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين، وهبته، وعتقه، إذا كان بالمعروف وفي وجه البرّ. وأمّا ما يكون خارجا عن ذلك، فليس بممضاة على حال.

وحدّ بلوغ الصّبيّ إمّا أن يحتلم أو يشعر أو يكمل عقله. فمتى حصل فيه شي‌ء من هذه الأوصاف، فقد دخل في حدّ الكمال،

٦١١

ووجب على وليّه تسليم ماله اليه وتمكينه من التّصرّف فيه، إلّا أن يكون سفيها ضعيف العقل، فإنّه لا يمكّن من التّصرّف على حال.

وحدّ بلوغ المرأة تسع سنين. فإذا بلغت ذلك، جاز تصرّفها في مالها بسائر أنواع التّصرّف، وأمرها نافذ فيه، إلّا أن تكون ضعيفة العقل سفيهة. فإذا كانت كذلك، فإنّها لا تمكّن من المال.

ومن شرط الوصيّة أن يشهد عليها الموصي نفسين عدلين مرضيّين لئلّا يعترض فيها الورثة. فإن لم يشهد أصلا، وأمكن الوصيّ إنفاذ الوصيّة، جاز له إنفاذها على ما أوصى به اليه.

ولا يجوز شهادة من ليس على ظاهر الإسلام في الوصيّة، إلّا عند الضّرورة وفقد المسلم. بان يكون الموصي في موضع لا يجد فيه أحدا من المسلمين ليشهده على وصيّته، فإنّه يجوز، والحال هذه، أن يشهد نفسين من أهل الذّمّة ممّن ظاهره الأمانة عند أهل ملّته. ولا يجوز شهادة غير أهل الذّمّة على حال.

ويجوز شهادة النّساء في الوصيّة عند عدم الرّجال. فإن لم لم تحضر إلّا امرأة واحدة، جازت شهادتها في ربع الوصيّة. فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النّصف، ثمَّ على هذا الحساب.

وإذا أشهد إنسان عبدين له على حمل بجارية أنّه منه،

٦١٢

وأعتقهما، فشهدا عند الورثة بذلك. فلم يقبلوا شهادتهما، واسترقّوهما وبيعا، ثمَّ أدركهما العتاق، فشهد للمولود بالنسب، قبلت شهادتهما على الورثة، ولا يسترقّهما المولود على حال.

باب الوصية المبهمة والوصية بالعتق والحج

إذا أوصى الإنسان يجزئ من ماله ولم يبيّنه، كان ذلك سبعا من ماله. وقد روي أنّه يكون العشر. والأوّل أوضح. فإن أوصى بسهم من ماله، كان ذلك الثّمن من جميع تركته. وقد روي: أنّه سهم من عشرة. والأوّل أكثر في الرّواية. وإن أوصى بشي‌ء، ولم يبيّن، كان ذلك السّدس من ماله.

فإن أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسمّ، أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضّلال والكافرين. فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله، وضع في أبواب البرّ من معونة الفقراء والمساكين وأبناء السّبيل وصلة آل الرّسول. بل يصرف أكثره في فقراء آل محمّد،عليهم‌السلام ، ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ويصرف ما بقي بعد ذلك في وجوه البرّ.

فإن أوصى بوصيّة، وجعلها أبوابا مسمّاة، فنسي الوصيّ بابا منها، فليجعل ذلك السّهم في وجوه البرّ.

وإذا أوصى الإنسان لغيره بسيف، وكان في جفن وعليه حلية، كان السّيف له بما فيه وعليه. وإذا أوصى بصندوق لغيره،

٦١٣

وكان فيه مال، كان الصّندوق بما فيه للذي أوصى له به. وكذلك إن أوصى له بسفينة، وكان فيها متاع، كانت السّفينة بما فيها للموصى له. وكذلك إن وصّى بجراب، وكان فيه متاع، كان الجراب بما فيه للموصى له، إلّا أن يستثني ما فيه. هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا. فإن لم يكن عدلا، وكان متّهما، لم تنفّذ الوصيّة في أكثر من ثلثه من الصّندوق والسّفينة والسّيف والجراب وما فيها.

وإذا أوصى الإنسان بشي‌ء معيّن لأعمامه وأخواله، كان لأعمامه الثّلثان ولأخواله الثّلث. فإن أوصى إنسان لأولاده، وكانوا ذكورا وإناثا، ولم يذكر كيفيّة القسمة فيهم، كان ذلك بينهم بالسّويّة. فإن قال هو بينهم على كتاب الله. كان( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) .

وإذا أوصى بثلث ماله لقرابته، ولم يسمّ أحدا، كان ذلك في جميع ذوي نسبه الرّاجعين الى آخر أب له وأم له في الإسلام، ويكون ذلك بين الجماعة بالسّويّة.

والوصيّة للجيران والعشيرة والقوم على ما ذكرناه في باب الوقوف على السّواء. والقول فيما يوصى للمسلمين أو المؤمنين أو العلويّين أو الطالبيّين أو غيرهم ممّن يتناولهم الاسم العامّ، على ما ذكرناه في باب الوقوف على السّواء.

ومن وصّى لحمل غير موجود، كانت الوصيّة ماضية. فإن

٦١٤

سقط الحمل أو مات، رجع ميراثا على ورثة الموصي. فإن وضعته أمّه حيّا، واستهلّ وصاح، ثمَّ مات، كان ما أوصى له به ميراثا لورثته دون ورثة الموصي. ومن أوصى لمعدوم غير موجود، كانت الوصيّة باطلة.

فإذا أوصى الإنسان بثلث ماله في مواليه، وكان له موال ولأبيه موال، كانت الوصيّة لمواليه خاصّة دون موالي أبيه. فإن سمّى لمواليه شيئا ولموالي أبيه شيئا آخر، ولم يبلغ ثلثه ذلك، كان النّقصان داخلا على موالي أبيه، ويوفّى مواليه ما سمّى لهم على الكمال.

وإذا وصّى المسلم بثلث ماله للفقراء، كان ذلك لفقراء المسلمين خاصّة. فإن أوصى الكافر للفقراء، كان ذلك لفقراء أهل ملّته دون غيرهم. وإذا أوصى الإنسان بثلث ماله في صدقة وعتق وحجّ، ولم يبلغ الثّلث ذلك، بدئ بالحجّ، لأنّه فريضة من فرائض الله تعالى. وما فضل بعد ذلك، جعل طائفة في العتق وطائفة في الصّدقة.

وإذا أوصى بعتق مملوك وبشي‌ء لقرابته، ولم يبلغ الثّلث ذلك، بدئ بعتق المملوك، وما فضل بعد ذلك، كان لمن وصّى له به. وإذا وصّى بعتق ثلث عبيده، وكان له عبيد جماعة، استخرج ثلثهم بالقرعة، وأعتقوا. وإذا قال: فلان وفلان وفلان من مماليكي أحرار بعد موتي، وكانت قيمتهم أكثر من الثّلث، بدئ بالأوّل فالأوّل إلى أن يستوفي الثّلث، وكان النّقصان

٦١٥

فيمن ذكرهم أخيرا. فإن ذكر جماعة من عبيده معدودين، ولم يميّزهم بصفة، ولا رتّبهم في القول، استخرجوا بالقرعة وأعتقوا.

وإذا أعتق مملوكا له عند موته، ولا يملك غيره، انعتق ثلثه، واستسعي فيما يبقى لورثته. وكذلك إن أعتق ثلث عبده استسعي فيما يبقى للورثة، إذا لم يكن له مال غيره. فإن كان له مال غيره أعتق الباقي من ثلثه.

وإذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة، ولم يوجد كذلك، جاز أن تعتق من أفناء النّاس ممّن لا يعرف بنصب ولا عداوة. فإن وجدت مؤمنة، لم يجز غيرها. فإن اشتري نسمة على أنّهم مؤمنة، وأعتقت، ثمَّ ظهر بعد ذلك أنّها لم تكن كذلك، فقد مضى العتق، وأجزأ عن الوصيّ.

ومن أوصى بعتق رقبة، جاز أن يعتق عنه نسمة: رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا. وإذا أوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم، فلم يوجد بذلك القدر، ووجد بأكثر منه، لم يجب شراؤه، وتركت الوصيّة إلى وقت ما يوجد بالثّمن المذكور. وإن وجد بأقلّ من ذلك، اشتري، وأعطي الباقي ثمَّ أعتق.

وإذا أوصى الإنسان بعتق جميع مماليكه، له مماليك يخصّونه ومماليك بينه وبين غيره، أعتق من كا ن في ملكه، وقوّم

٦١٦

من كان في الشّركة، وأعطي شريكه حقّه، إن كان ثلثه يحتمل. فإن لم يحتمل، أعتق منهم بقدر ما يحتمله.

وإذا أوصى الإنسان أن يحجّ عنه، ولم يبيّن كم يحجّ عنه، فإنّه يجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء. وإذا أوصى أن يحجّ عنه كلّ سنة من ارتفاع ضيعة بعينها، فلم يرتفع كلّ سنة مقدار ما يحجّ به عنه، أجاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلاثة لسنة واحدة، وحجّ به عنه. وإذا قال: حجّوا عنّي حجّة واحدة فإن كانت حجّة الإسلام، حجّ عنه من أصل المال، وإن كانت تطوّعا، حجّ عنه من الثّلث. فإن لم يبلغ الثّلث مقدار ما يحجّ عنه من الموضع، حجّ به عنه من الموضع الذي يمكن ذلك فيه.

وإذا قال الموصي: أعط إنسانا كلّ سنة شيئا معلوما، فمات الموصى له، كان ما أوصى له لورثته، إلّا أن يرجع فيه الموصي. فإن رجع فيه، كان ذلك له، سواء رجع فيه قبل موت الموصى له أو بعد موته. فإن لم يرجع في وصيّته حتّى يموت، ولم يخلّف الموصى له أحدا، رجعت الوصيّة على ورثة الموصي.

وإذا قال الموصي: أعطوا فلانا كذا، ولم يقل إنّه له، ولا أمره فيه بأمر، وجب تسليمه اليه، وكان الأمر في ذلك اليه: إن شاء أخذه لنفسه، وإن شاء تصدّق به عنه، كلّ ذلك جائز له.

باب الإقرار في المرض والهبة فيه وغير ذلك

إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبيّ وللوارث على كلّ حال،

٦١٧

إذا كان مرضيّا موثوقا بعدالته، ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار، ويكون ما أقرّ به من أصل المال. فإن كان غير موثوق به، وكان متّهما، طولب المقرّ له بالبيّنة. فإن كانت معه بيّنة، أعطي من أصل المال. وإن لم يكن معه بيّنة، أعطي من الثّلث، إن بلغ ذلك. فإن لم يبلغ، فليس له أكثر منه.

ومتى أقرّ الإنسان بشي‌ء، وقال لوصيّه: سلّمه إليه، فإنّه له، وطالب الورثة الوصيّ بذلك. فإن كان المقرّ مرضيّا عند الوصيّ، جاز له أن ينكره ويحلف عليه، ويسلّم الشي‌ء الى من أقر له به. وإن لم يكن مرضيّا، لم يجز له ذلك، وعليه أن يظهره، وعلى المقرّ له البيّنة بأنّه له. فإن لم يكن معه بيّنة، كان ميراثا للورثة.

وإذا كان عليه دين، فأقرّ: أنّ جميع ما في ملكه لبعض ورثته، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة. فإن لم تكن مع المقرّ له بيّنة، أعطي صاحب الدّين حقّه أوّلا، ثمَّ ما يبقى يكون ميراثا.

وإذا قال: لفلان وفلان، لأحدهما عندي ألف درهم، فمن أقام البيّنة منهما، كان الحقّ له. فإن لم تكن مع واحد منهما بيّنة، كانت الألف بينهما نصفين.

وإذا أقرّ بعض الورثة بدين على الميّت، جاز إقراره على نفسه، ولزمه بمقدار ما يخصّه من الميراث لا أكثر من ذلك. فإن أقرّ اثنان بالدّين، وكانا مرضيّين، قبلت شهادتهما، وأجيزت على

٦١٨

باقي الورثة. وإن لم يكونا مرضيّين، ألزما من الدّين بمقدار ما يصيبهما من الميراث.

وأوّل ما يبدأ به من التّركة، الكفن ثمَّ الدّين ثمَّ الوصيّة ثمَّ الميراث.

وإذا كان على الميّت دين، وخلّف مالا دون ذلك، قضي بما ترك دينه، وليس هناك وصيّة ولا ميراث، ويكون ذلك بين أصحاب الدّين بالحصص. فإن وجد متاع بعض الدّيّان بعينه، وكان فيما بقي من تركته وفاء لدين الباقين، ردّ عليه متاعه بعينه، وقضي دين الباقين من التّركة. وإن لم يخلّف غير ذلك المتاع، كان صاحبه وغيره من الدّيّان فيه سواء، يقتسمون بينهم على قدر أموالهم.

وإذا قتل الإنسان وعليه دين، وجب على أوليائه أن يقضوا دينه من ديته، سواء كان قد قتل خطأ أو عمدا. فإن كان قد قتل عمدا، وأراد أولياؤه القود أو العفو، لم يكن لهم ذلك إلّا بعد أن يرضوا أصحاب الدّيون أولا. ثمَّ إن شاءوا بعد ذلك، قتلوه، وإن شاءوا، عفوا عنه، وإن شاءوا، قبلوا الدّية.

وإذا قال الموصي لوصيّه: اقض عنّي ديني، وجب عليه أن يبدأ به قبل الميراث. فإن تمكّن من قضائه، ولم يقضه، وهلك المال، كان ضامنا له، وليس على الورثة لصاحب الدين سبيل. وإن كان قد عزل من أصل المال، ولم يتمكّن من إعطائه

٦١٩

أصحاب الدّيون، وهلك من غير تفريط من جهته، كان لصاحب الدّين مطالبة الورثة بالدّين من الذي أخذوه.

ومن أقرّ أنّ عليه زكاة سنين كثيرة، وأمر إخراجها عنه، وجب أن تخرج من جميع المال، لأنّه بمنزلة الدّين، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا. فإن كان عليه شي‌ء من الزّكاة، وكان قد وجب عليه حجّة الإسلام، ففرّط فيها، وخلّف دون ما تقضى عنه به الحجّة والزّكاة، حجّ عنه من أقرب المواضع، ويجعل ما بقي في أرباب الزّكاة.

وإذا أقرّ المريض بأنّ بعض مماليكه ولده، ولم يصفه بصفة، ولا عيّنه بذكر، ثمَّ مات، أخرج بالقرعة واحد منهم، ويلحق به، ويورّث.

وإذا لم يخلّف الميّت إلّا مقدار ما يكفّن به، كفّن به، ولم يقض به الدّين. فإن تبرّع إنسان بتكفينه، كان ما خلّف يقضى به الدّين.

والهبة في حال المرض صحيحة، إذا قبضها، ولم يكن للورثة الرّجوع فيها. فإن لم يقبّضها، ومات، كان ما وهب راجعا الى الميراث. وكذلك ما يتصدّق به في حال حياته.

والبيع في حال المرض صحيح كصحّته في حال الصحة، إذا كان المريض مالكا لرأيه وعقله. فإن كان المرض غالبا على عقله، كان ذلك باطلا.

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793