النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225151 / تحميل: 6335
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

الحذر الحذر. (فما نزل حتّى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمّارين يشتدون ويقولون : قد جاء مسلم بن عقيل). فنزل عن المنبر مسرعا وبادر حتّى دخل القصر وأغلق الأبواب.

نهضة مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٥٥٤ ـ خروج مسلم بن عقيل للقتال :(لواعج الأشجان ، ص ٤٧)

قال عبد الله بن حازم : أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ.فلما ضرب وحبس ، ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر. فإذا نسوة من (مراد) مجتمعات ينادين : يا عبرتاه يا ثكلاه!.

فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر ، فأمرني أنادي في أصحابه ، وقد ملأ به الدور حولهم ، وكانوا فيها أربعة آلاف. فقال لمناديه ناد : يا منصور أمت! وكان ذلك شعارهم. (وكان قد بايعه ثمانية عشر ألفا). فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه.

فاجتمع إليه أربعة آلاف ، فعقد لعبد الله بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال : سر أمامي في الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وقال : انزل في الرجال. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان. وعقد للعباس بن جعدة [بن هبيرة] الجدلي على ربع المدينة. وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب.

٥٥٥ ـ زحف مسلم إلى القصر ، لقتال ابن زياد المتحصّن فيه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦ ؛ ولواعج الأشجان ص ٤٧)

وأقبل مسلم بن عقيل في وقته ذلك ، ومعه ثمانية عشر ألفا أو يزيدون ، وبين يديه الأعلام والسلاح الشاك. وهم في ذلك يشتمون ابن زياد ويلعنون أباه. وأقبل مسلم يسير حتّى خرج في بني الحرث بن كعب ، ثم خرج على مسجد الأنصار ، حتّى أحاط بالقصر.

(قال عبد الله بن حازم : وتداعى الناس واجتمعوا. فما لبثنا إلا قليلا حتّى امتلأ المسجد من الناس والسّوقة. وما زالوا يتوثّبون حتّى المساء.

وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة ، فجمعهم عنده في القصر. وأحاط مسلم بالقصر فضايق بعبيد الله أمره. وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر ، وليس معه إلا

٤٨١

ثلاثون رجلا من الشرطة وعشرون رجلا من أشراف الناس ، وأهل بيته وخاصته.وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الّذي يلي دار الروميين).

وركب أصحاب ابن زياد ، واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا ، وابن زياد في جماعة من الأشراف قد وقفوا على جدار القصر ينظرون إلى محاربة الناس (وأصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ، ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه وأبيه).

٥٥٦ ـ تخذيل الناس عن مسلم :(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٣)

فدعا ابن زياد كثير بن شهاب ، وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيسير في الكوفة ويخذّل الناس ويخوّفهم من الحرب ، ويحذّرهم عقوبة السلطان. وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة ، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس. وقال لشبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وشمر بن ذي الجوشن مثل ذلك.

فخرجوا يردّون الناس عن مسلم ويخوّفونهم السلطان ، حتّى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا إلى ابن زياد.

فقال كثير بن شهاب : أصلح الله الأمير ، معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس وغيرهم!. فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ، ثم أشرفوا على الناس (من فوق القصر) فمنّوا أهل الطاعة بالزيادة والكرامة ، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأهل الشام.

٥٥٧ ـ ابن زياد يخذّل الناس عن مسلم ، ويخوّفهم بمجيء جند الشام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٦)

قال : وجعل رجل من أصحاب ابن زياد يقال له : كثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، والقعقاع بن شور ، وشبث بن ربعي ، ينادون فوق القصر بأعلى أصواتهم : ألا يا شيعة مسلم بن عقيل ، ألا يا شيعة الحسين بن علي ، الله الله في أنفسكم وأهليكم وأولادكم ، فإن جنود أهل الشام قد أقبلت ، وإن الأمير عبيد الله قد عاهد الله ، لئن أنتم أقمتم على حربكم ولم تنصرفوا من يومكم هذا ، ليحرمنّكم العطاء ، وليفرّقنّ مقاتلتكم في مغازي أهل الشام ، وليأخذن البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، حتّى لا يبقى منكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال أمرها.

٤٨٢

٥٥٨ ـ تفرّق الناس إلى بيوتهم :(المصدر السابق ، ص ٢٠٧)

فلما سمع الناس مقالة أشرافهم أخذوا يتفرقون ويتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، ويقول بعضهم لبعض : ما نصنع بتعجيل الفتنة ، وغدا تأتينا جموع أهل الشام!.فينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتّى يصلح الله ذات بينهم.

قال : وكانت المرأة تأتي أخاها وأباها أو زوجها أو بنيها فتشرده. ثم جعل القوم يتسللون ، والنهار يمضي حتّى غربت الشمس.

٥٥٩ ـ تفرّق الناس عن مسلم حتّى بقي وحيدا :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٤٩ ط نجف)

فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون. وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف ، الناس يكفونك. ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول : غدا يأتيك أهل الشام ، فما تصنع بالحرب والشر ، انصرف. فيذهب به فينصرف. فما زالوا يتفرقون حتّى أمسى ابن عقيل في خمسمائة.

فلما اختلط الظلام جعلوا يتفرقون (فدخل مسلم المسجد الأعظم) فصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد. فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر ، خرج متوجها إلى أبواب كندة. فلم يبلغ الأبواب إلا ومعه عشرة. ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان!.

فالتفت فإذا هو لا يحسّ أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو. فمضى على وجهه متحيّرا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة (انظر الشكل ٦ ـ مخطط الكوفة القديمة ، حيث تظهر منازل كندة في جنوبي الكوفة ، وأبواب كندة) صفحة ٥٦٠.

٥٦٠ ـ كيف عمل ابن زياد على تخذيل الناس :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٣)

لما أحيط بابن زياد وهو في القصر ، فكّر بتخذيل الناس عن مسلم ، واستخدم لذلك عدة طرق منها :

١ ـ التخويف من الحرب والتحذير من عقوبة السلطان.

٢ ـ إغراء الناس بإعطاء الأمان لمن يأتيه.

٤٨٣

٣ ـ إغراء المطيع بزيادة العطاء ، وحرمان العاصي من العطاء.

٤ ـ تخويف الناس بأن جيش الشام زاحف إليهم ، وأنهم لا يقدرون عليه.

٥ ـ بعث رجال يشيعون الإنهزامية في نفوس الناس ، حتّى يقول كل واحد : لا علاقة لي بهذا الأمر!.

٥٦١ ـ ابن زياد يصلي العشاء بالناس ويحذّرهم :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨١)

ولما تفرّق الناس عن مسلم وسكن لغطهم ولم يسمع ابن زياد أصوات الرجال ، أمر من معه في القصر أن يشرفوا على ظلال المسجد لينظروا هل كمنوا فيها ، فكانوا يدلون القناديل ويشعلون النار في القصب ويدلونها بالحبال إلى أن تصل إلى صحن الجامع ، فلم يروا أحدا ، فأعلموا ابن زياد.

فنزل إلى المسجد قبل العتمة [أي وقت صلاة العشاء] وأجلس أصحابه حول المنبر. وأمر فنودي في الكوفة : برئت الذمة من رجل من الشرطة والعرفاء والمقاتلة ، صلى العتمة إلا في المسجد.

فامتلأ المسجد ، ثم صلى بالناس. وقام فحمد الله ، ثم قال : أما بعد ، فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره ، ومن أتانا به فله ديّته. فاتقوا الله عباد الله ، والزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.

ثم أمر صاحب شرطته الحصين بن تميم أن يفتش الدور والسكك ، وحذّره بالفتك به إن أفلت مسلم ، وخرج من الكوفة.

فوضع الحصين الحرس على أفواه السكك ، وتتبع الأشراف الناهضين مع مسلم ، فقبض على عبد الأعلى بن يزيد الكلبي ، وعمارة بن صلخب الأزدي ، فحبسهما ثم قتلهما.

٥٦٢ ـ صفة أهل العراق والكوفيين خاصة :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي [١٨٤٩ ـ ١٩٢٨ م] ، ص ٧٢)

يقول سيد أمير علي : كان أهل العراق والكوفة ، أنصار علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وهم وإن كانوا متحلّين بالحماسة وشدة البأس ، إلا أنهم قوم

٤٨٤

قلبّ يعوزهم الثبات والحزم. فبينما تراهم يوما شديدي الحماسة لعقيدة يدينون بها ، أو متفانين في الإخلاص لشخص يعضدونه ، إذ بهم في اليوم التالي قد أعرضوا عن العقيدة التي آمنوا بها ، وخذلوا الشخص الّذي أجمعوا على نصرته بالأمس.ولقد قرّحوا قلب الإمام عليعليه‌السلام ، ثم خذلوا الإمام الحسنعليه‌السلام ، ثم قتلوا الإمام الحسينعليه‌السلام .

٥٦٣ ـ التجاء مسلم إلى دار طوعة :(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٧)

فلما رأى مسلم ذلك استوى على فرسه ومضى في بعض أزقة الكوفة ، وقد أثخن بالجراحات ، لا يدري أين يذهب. حتّى صار إلى امرأة يقال لها (طوعة) ، وقد كانت قبل ذلك أم ولد للأشعث بن قيس ، فتزوجها رجل من حضرموت يقال له أسيد الحضرمي ، فولدت له (بلال) بن أسيد [وهي امرأة عربية موالية لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لها شأن كبير في نساء الكوفة].

وكانت المرأة واقفة على باب دارها تنتظر ابنها. فسلّم عليها مسلم فردّتعليه‌السلام . فقال: يا أمّة الله اسقيني ماء ، فسقته فجلس على بابها.

(ودخلت ثم خرجت) فقالت له : يا عبد الله ، ما شأنك أليس قد شربت؟!. قال :بلى.

(وفي مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٤) : «قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت.ثم أعادت مثل ذلك فسكت. ثم قالت في الثالثة : يا سبحان الله يا عبد الله ، قم إلى أهلك عافاك الله ، فإنه لا يصلح لك الجلوس على باب داري ولا أحلّه لك. فقام مسلم وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد اليوم. قالت :

يا عبد الله وما ذاك؟. قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني».

قال السيد أسد حيدر في كتابه (مع الحسين في نهضته) ص ١١٢ :

«وكانت طوعة امرأة عربية موالية لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شأنها شأن كبير ، من نساء الكوفة اللواتي أثبت التاريخ مواقفهن الحاسمة في مناصرة أهل البيتعليهم‌السلام . ولكن الإطار الّذي برزت فيه صورتها في هذا الحادث هو غير إطارها الواقعي».

قالت : أنت مسلم؟. قال : نعم. قالت : ادخل ، فدخل إلى بيت [أي غرفة] في

٤٨٥

دارها غير البيت الّذي تكون فيه ، وفرشت له (وجاءته بمصباح) وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ.

٥٦٤ ـ بلال بن طوعة يفشي أمر مسلم بن عقيل :

(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٤)

ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها [بلال] فرآها تكثر الدخول والخروج إلى ذلك البيت (وهي باكية). فألحّ عليها ، فأعلمته بعد أن أخذت عليه العهود بالكتمان.(فسكت الغلام ولم يقل شيئا. ثم أخذ مضجعه ونام).

(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٨) :

«فلما أصبح ابن زياد ، نادى في الناس أن اجتمعوا. ثم خرج من القصر فدخل المسجد ، ثم صعد المنبر فقال : أيها الناس ، إن مسلم بن عقيل السفيه الجاهل ، أتى هذا البلد وأظهر الخلاف وشق عصا المسلمين ، وقد برئت الذمة من رجل أصبناه في داره. ومن جاء به فله ديته ، والمنزلة الرفيعة من أمير المؤمنين ، وله كل يوم حاجة مقضيّة

وأقبل محمّد بن الأشعث حتّى دخل على عبيد الله بن زياد. فلما رآه قال : مرحبا بمن لا يتّهم في مشورة. وأقبل [بلال] إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم. فقال : اسكت إذن ولا تخبر أحدا. وأقبل عبد الرحمن إلى أبيه فسارّه في أذنه بأن مسلما في منزل طوعة. ثم تنحّى ، فقال ابن زياد : ما الّذي قال لك عبد الرحمن؟. فقال : أصلح الله الأمير ، البشارة الكبرى. قال : وما تلك فمثلك من يبشّر بخير؟. فأخبره بذلك ، فسرّ عدوّ الله ، وقال له : قم فأتني به ولك ما بذلت من الجائزة الكبرى والحظ الأوفى».

٥٦٥ ـ مهاجمة مسلم وإمساكه بعد تمنيته بالأمان الخادع :

(مقتل المقرّم ، ص ١٨٣)

وعند الصباح أعلم ابن زياد بمكان مسلم ، فأرسل ابن الأشعث (ومعه عبيد الله بن العباس السلمي) ليقبض عليه. ولما سمع مسلم وقع حوافر الخيل عرف أنه قد أتي. فعجّل دعاءه الّذي كان مشغولا به بعد صلاة الصبح. ثم لبس لامته [أي درعه] وقال لطوعة : قد أدّيت ما عليك من البرّ ، وأخذت نصيبك من شفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولقد رأيت البارحة عمي أمير المؤمنينعليه‌السلام في المنام ، وهو يقول لي : أنت معي غدا.

٤٨٦

٥٦٦ ـ البسالة الهاشمية :(المصدر السابق)

ثم بادر مسرعا إلى فرسه فأسرجه وألجمه ، وصبّ عليه درعه واعتجر بعمامته وتقلّد سيفه.

وخرج إليهم بسيفه وقد اقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه ، حتّى أخرجهم من الدار. ثم عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك ، فأخرجهم مرارا من الدار ، وهو يقول:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع

فصبرا لأمر الله جلّ جلاله

فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

فقتل منهم واحدا وأربعين رجلا.

(وفي مثير الأحزان للجواهري ، ص ٢٥) :

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت ، وأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطنان القصب [جمع طنّ : وهي حزمة القصب] ثم يرمونها عليه من فوق البيت. فلما رأى ذلك خرج إليهم مصلتا سيفه في السكّة ، وكان من قوّته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت.

(وفي كتاب : مع الحسين في نهضته ، ص ١٠٧) :

وقد اشترك في حربه الرجال والنساء والأطفال ؛ فالرجال بالسيوف والرماح والنبال ، والنساء بالنار في أطنان القصب ، تلهب نارا فترميه بها من أعلى السطوح(١) ، والأطفال يرمونه بالحجارة ، وهو يقابل ذلك بشجاعة وبسالة وثبات.

٥٦٧ ـ ابن الأشعث يطلب المدد :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢٠٩)

وخرج مسلم في وجوه القوم كالأسد المغضب يضاربهم بسيفه ، حتّى قتل جماعة. وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إلى محمّد بن الأشعث : سبحان الله

أبا عبد الرحمن ، بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة (فكيف إذا أرسلناك إلى غيره؟).

فأرسل إليه محمّد بن الأشعث : أيها الأمير ، أتظن أنك بعثتني إلى بقّال من

__________________

(١) مروج الذهب للمسعودي ، ج ٣ ص ٦٨.

٤٨٧

بقّالي الكوفة ، أو جرمقاني من جرامقة الحيرة(١) . أفلا تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام ، وبطل همام ، في كفّه سيف حسام ، يقطر منه الموت الزّؤام؟!.

٥٦٨ ـ الأمان الكاذب :

(المصدر السابق)

فأرسل إليه ابن زياد أن أعطه الأمان ، فإنك لن تقدر عليه إلا بالأمان المؤكد بالأيمان. فجعل محمّد بن الأشعث يناديه : ويحك يابن عقيل لا تقتل نفسك ، لك الأمان. فيقول مسلم : لا حاجة لي في أمان الغدرة الفجرة ، وينشد :

أقسمت لا أقتل إلا حرّا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

كل امرئ يوما ملاق شرّا

ردّ شعاع النفس فاستقرّا

أضربكم ولا أخاف ضرّا

ضرب همام يستهين الدهرا

ويخلط البارد سخنا مرّا

ولا أقيم للأمان قدرا

أخاف أن أخدع أو أغرّا

والأبيات لحمران بن مالك الخثعمي قالها يوم القرن.

٥٦٩ ـ مقاومة حتّى النهاية :(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨٤)

واشتدّ القتال ، فاختلف مسلم مع بكير بن حمران الأحمري بضربتين ، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا ، وأسرع السيف إلى السفلى ، وفصلت له ثنيّتاه [الثنايا : هي الأسنان الأمامية من الفم]. وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة ، وأخرى على حبل العاتق ، حتّى كادت أن تطلع إلى جوفه.

وأثخنت مسلم الجراحات وأعياه نزف الدم ، فاستند إلى جنب تلك الدار ، فتحاملوا عليه يرمونه بالسهام (والنبل) والحجارة. فقال :

(ويلكم) ما لكم ترموني بالحجارة كما ترمى الكفار ، وأنا من أهل بيت النبي المختار!.(ويلكم) أما ترعون حق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عترته؟!.

فقال له ابن الأشعث : لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي. قال مسلم : أؤسر وبي طاقة؟. لا والله لا يكون ذلك أبدا. وحمل على ابن الأشعث فهرب منه.

__________________

(١) الجرامقة : جماعة من العجم سكنوا أول الإسلام في الموصل.

٤٨٨

ثم حملوا عليه من كل جانب وقد اشتدّ به العطش ، فطعنه رجل من خلفه ، فسقط إلى الأرض وأسر.

٥٧٠ ـ كيف احتالوا على مسلم وأمسكوه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٤٢٧)

وقيل : إنهم احتالوا عليه ، وحفروا له حفرة عميقة في وسط الطريق ، وأخفوا رأسها بالدغل والتراب ، ثم انطردوا بين يديه ، فوقع بتلك الحفرة ، وأحاطوا به ، فضربه ابن الأشعث على محاسن وجهه ، فلعب السيف في عرنين أنفه ومحاجر عينيه ، حتّى بقيت أضراسه تلعب في فمه. فأوثقوه وأخذوه أسيرا إلى ابن زياد.

٥٧١ ـ مسلم بن عقيل يبكي لقدوم الحسينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١١)

(وفي رواية) : إن محمّد بن الأشعث لما أعطى مسلما الأمان ، رمى بسيفه ، فأخذوه وحملوه على بغلة ، فدمعت عيناه. فقال محمّد : إني لأرجو أن لا بأس عليك.فقال : ويحك ما هو إلا الرجاء ، فأين أمانكم؟. إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى.

فقال عبيد الله بن العباس السلمي : من يطلب مثل الّذي طلبت لا يبكي. فقال مسلم : إني والله ما على نفسي أبكي ، لكني أبكي على أهلي المقبلين إليكم ، أبكي على الحسين وآل الحسينعليه‌السلام .

ولما ركب على البغلة ونزع منه السيف ، استرجع وقال : هذا أول الغدر ، وأيس من نفسه ، وعلم أن لا أمان له من القوم.

فقال لمحمد بن الأشعث : إني لأظنك تعجز عن أماني ، أفتستطيع أن تبعث رجلا عن لساني يبلّغ حسينا ، فإني لا أراه إلا قد خرج إلى ما قبلكم ، هو وأهل بيته ، فيقول له : إن مسلما بعثني إليك ، وهو أسير في يد العدو ، يذهبون به إلى القتل ، فارجع بأهلك ، ولا يغرّنّك أهل الكوفة ، فإنهم أصحاب أبيك الّذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل. إن أهل الكوفة قد كذّبوني ، فكتبت إليك وليس لمكذوب رأي.

فقال محمّد : والله لأفعلن. ودعا بإياس الطائي ، وكتب معه إلى الحسينعليه‌السلام ما قاله مسلم عن لسان مسلم. وأعطاه راحلة وزادا. فذهب فاستقبل الحسينعليه‌السلام في (زبالة).

٤٨٩

٥٧٢ ـ مسلم يطلب شربة من الماء :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦٦)

(وجيء به إلى ابن زياد) فلما جلس مسلم على باب القصر رأى جرة فيها ماء بارد (وكان له يومان ما شرب الماء) ، فقال : اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة ، حتّى تذوق الحميم في نار جهنم. فقال له ابن عقيل : من أنت؟. قال : أنا من عرف الحق إذ تركته ، ونصح الأمة والإمام إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته ، أنا مسلم بن عمرو. فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ، ما أجفاك وأفظّك وأقسى قلبك وأغلظك. أنت يابن باهلة أولى بالحميم ، والخلود في نار جهنم مني. (ثم جلس وتساند إلى حائط القصر).

(وفي مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٠) :

ثم قال : ويحكم يا أهل الكوفة ، اسقوني شربة من ماء. فأتاه غلام لعمرو ابن حريث المخزومي بقلّة فيها ماء ، وقدح من قوارير [أي زجاج] ، فصبّ القلّة في القدح وناوله ، فأخذ مسلم القدح بيده. فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما ، فلم يقدر أن يشرب من كثرة الدم ، وسقطت ثنيّتاه في القدح ، فامتنع من شرب ذلك الماء (وقال : لو كان من الرزق المقسوم لشربته).

(وفي كتاب المحن لمحمد بن أحمد التميمي ، ص ١٤٥) :

فلما أسر مسلم لغب ، فقال : اسقوني ماء. ومعه رجل من آل أبي معيط (هو عمارة بن عقبة بن أبي معيط) وشمر بن ذي الجوشن. فقال له شمر :

لا نسقيك إلا من النّيل!. فقال المعيطي : والله لا نسقيه إلا من الفرات!. قال :فأمر غلاما له ، فأتاه بإبريق ماء وقدح من قوارير ومنديل. قال : فسقاه ، وتمضمض وخرج الدم ، فما زال يمجّ الدم ولا يسيغ شيئا ، حتّى قال : أخّروه عني.

٥٧٣ ـ ما قاله مسلم بن عقيل لعبيد الله بن زياد حين أدخل عليه وأيقن بالهلاك:

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١١)

ثم أتي بمسلم رضي الله عنه فأدخل على ابن زياد فأوقف ولم يسلّم عليه. فقال له الحرسي : سلّم على الأمير. فقال له مسلم : اسكت لا أم لك ، ما لك والكلام ، ما

٤٩٠

هو لي بأمير فأسلّم عليه(١) .(وفي مقتل المقرم ص ١٨٧ أنه قال) : «السلام على من اتّبع الهدى ، وخشي عواقب الردى ، وأطاع الملك الأعلى». فقال ابن زياد : لا عليك سلّمت أو لم تسلّم ، فإنك مقتول(٢) . فقال مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرّ منك من هو خير مني.

(وفي رواية لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٥٧ ط نجف) :

«فقال له ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام. فقال له مسلم : أما إنك أحقّ من أحدث في الإسلام ما لم يكن. وإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك».

ثم قال لمسلم : يا شاقّ يا عاقّ ، خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة!. فقال : كذبت يابن زياد ، إنما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وإنما ألقح القتنة أنت وأبوك زياد بن عبيد ابن بني علاج من ثقيف. وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شرّ بريّته(٣) فوالله ما خلعت وما غيرت ، وإنما أنا في طاعة الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أولى بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد. فقال له ابن زياد : يا فاسق ألم تكن تشرب الخمر بالمدينة!.فقال مسلم : الله يعلم أني ما شربتها قط ، وأحقّ مني بشرب الخمر من يقتل النفس الحرام ويقتل على الغضب والعداوة والظنّ ، وهو في ذلك يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد : يا فاسق منتّك نفسك أمرا حال الله دونه وجعله لأهله. فقال له مسلم : ومن أهله يابن مرجانة؟. فقال له : يزيد بن معاوية. فقال مسلم : الحمد لله (على كل حال) رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد : أتظن أن لك في الأمر شيئا؟. فقال : لا والله ، ما هو بالظن ولكنه اليقين.

فقال ابن زياد له : قتلني الله إن لم أقتلك شرّ قتلة فقال له مسلم : والله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم ، وقدرت على شربة ماء ، لطال عليك أن تراني في هذا

__________________

(١) اللهوف ، ص ٣٠ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٢.

(٢) المنتخب للطريحي ، ص ٢٠٠ ؛ ومقتل أبي مخنف ، ص ٣٦.

(٣) مثير الأحزان لابن نما الحلي ، ص ١٧.

٤٩١

القصر. ولكن إن كنت قد عزمت على قتلي فأقم لي رجلا من قريش حتّى أوصي إليه بما أريد.

٥٧٤ ـ وصية مسلم بن عقيلعليه‌السلام :(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٢)

ثم نظر مسلم إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال له : إن بيني وبينك قرابة ، فاسمع مني ، فامتنع. فقال له ابن زياد : ما يمنعك من الاستماع لابن عمك؟. فقام عمر بن سعد إليه. فقال له مسلم : أوصيك بتقوى الله ، فإن التقوى درك كل خير.ولي إليك حاجة. فقال عمر : قل ما أحببت. فقال : حاجتي إليك أن تستردّ فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم ، فتبيعه وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم هذا ، وأن تستوهب جثتي إن قتلني هذا الفاسق ، فتواريني التراب ، وأن تكتب للحسينعليه‌السلام أن لا يقدم ، فينزل به ما نزل بي.

فقال عمر بن سعد : أيها الأمير ، إنه يقول كذا وكذا. فقال ابن زياد : يابن عقيل ، أمّا ما ذكرت من دينك فإنما هو مالك تقضي به دينك ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت. وأما جسدك فإنا إذا قتلناك فالخيار لنا ، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك.وأما الحسين فلا ، ولا كرامة.

٥٧٥ ـ (رواية أخرى) لوصية مسلمعليه‌السلام :(العقد الفريد ج ٤ ص ٣٠٧)

فنظر مسلم في وجوه الناس ، فقال لعمرو بن سعيد (لعله تصحيف : عمر ابن سعد) : ما أرى قرشيا هنا غيرك ، فادن مني حتّى أكلمك. فدنا منه ، فقال له :

هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟. إن حسينا ومن معه ـ وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ـ في الطريق ، فارددهم واكتب لهم بما أصابني.

وقال عمرو لابن زياد : أتدري ما قال لي؟. قال ابن زياد : اكتم على ابن عمك.قال : هو أعظم من ذلك. قال : وما هو؟. قال : قال لي إن حسينا ومن معه أقبل ، وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ، فارددهم واكتب إليه بما أصابني.

فقال له ابن زياد : أما والله إذ دللت عليه ، لا يقاتله أحد غيرك.

٥٧٦ ـ محاورة مسلم بن عقيل مع عبيد الله بن زياد وقد اتّهم مسلما بالفرقة بين المسلمين ، ومصرع مسلمعليه‌السلام :(مقتل الخوارزمي ج ١ ص ٢١٣)

ثم قال ابن زياد : ولكن أريد أن تخبرني يابن عقيل لماذا أتيت أهل هذا البلد ،

٤٩٢

وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة ، فأردت أن تفرّق عليهم أمرهم وتحمل بعضهم على بعض. فقال له مسلم : ليس لذلك أتيت ، ولكنّ أهل هذا المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم ، وأن معاوية حكم فيها ظلما بغير رضى منهم ، وغلبهم على ثغورهم التي أفاء الله بها عليهم ، وأن عاملهم يتجبّر ويعمل أعمال كسرى وقيصر ، فأتينا لنأمر بالعدل ، وندعو إلى الحكم بكتاب الله إذ كنا أهله ، ولم تزل الخلافة لنا ـ وإن قهرنا عليها ـ رضيتم بذلك أم كرهتم ، لأنكم أول من خرج على إمام هدى وشقّ عصا المسلمين ، ولا نعلم لنا ولكم مثلا ، إلا قول الله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : ٢٢٧].

(وفي مقتل الحسين للمقرّم ، ص ١٨٩ تتمة الكلام) : «قال ابن زياد : ما أنت وذاك ، أولم نكن نعمل فيهم بالعدل!. قال مسلم : إن الله يعلم أنك غير صادق ، وأنك لتقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن. فشتمه ابن زياد وشتم عليا وعقيلا والحسين(١) . فقال مسلم : أنت وأبوك أحقّ بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدوّ الله(٢) . فنحن أهل بيت موكّل بنا البلاء(٣) ».

شهادة مسلم بن عقيلعليه‌السلام

فقال ابن زياد : اصعدوا به إلى أعلى القصر واضربوا عنقه ، وأتبعوا رأسه جسده.فقال مسلم : أما والله يابن زياد ، لو كنت من قريش أو كان بيني وبينك رحم لما قتلتني ، ولكنك ابن أبيك. فازداد ابن زياد غضبا. (قيل : إنه يشير بهذا الكلام إلى أن عبيد الله مثل أبيه زياد ، دعيّان وليسا من قريش).

ودعا ابن زياد برجل من أهل الشام قد كان مسلم ضربه على رأسه ضربة منكرة (وهو بكر بن حمران) فقال له : خذ مسلما إليك وأصعده إلى أعلى القصر واضرب

__________________

(١) كامل ابن الأثير ، ج ٤ ص ١٤ ؛ وتاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٣.

(٢) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٣١.

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٣.

٤٩٣

أنت عنقه بيدك ، ليكون ذلك أشفى لصدرك. قال : فأصعد مسلم إلى أعلى القصر وهو يسبّح الله ويستغفره ويهلله ويكبّره(١) ويقول : الله م احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا وكذّبونا. وتوجه نحو المدينة وسلّم على الحسينعليه‌السلام (٢) .

وأشرف به الشامي على موضع الحذّائين ، وضرب عنقه ، ورمى برأسه وجسده إلى الأرض(٣) .

٥٧٧ ـ تاريخ خروج مسلم وقتلهعليه‌السلام :

(في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٦ ط ٢ نجف) :

قال هشام : وخرج الحسينعليه‌السلام من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة. وكان يوم التروية في اليوم الّذي خرج فيه مسلم بن عقيل بالكوفة.

(وفي لواعج الأشجان ، ص ٧٠) : أن استشهاد مسلم كان يوم عرفة ، لتسع خلون من ذي الحجة على رواية المفيد ، (وفي رواية) يوم التروية(٤) لثمان مضين منه.

ترجمة مسلم بن عقيلعليه‌السلام

هو ابن عقيل بن أبي طالب. كان شجاعا باسلا وهماما حازما. صدق فيه قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب لو ولد الناس كلهم لكانوا شجعانا».وقال فيه الحسينعليه‌السلام يخاطب أهل الكوفة : «وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل». وما يمنعه أن يكون كذلك وإنه في الصميم من هاشم ، والذروة من بني عمرو العلى ، والقلب من آل عبد مناف؟!.

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٣.

(٢) أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٥٩.

(٣) مثير الأحزان لابن نما ، ص ١٨.

(٤) سمّي اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء من منى ، ويخرجون إلى عرفات.

٤٩٤

تابع : ترجمة مسلم بن عقيل

وقال السيد الميانجي في (العيون العبرى) ص ٤٦ و ٤٧ :

كان خروج مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة ، وقتل يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه سنة ستين. وكان له من العمر يوم استشهد ما يناهض الستين. وما في بعض الكتب من أنهعليه‌السلام كان يوم قتل ابن ثمانية وعشرين ليس في محله كما هو واضح.

وقال : أمه أم ولد تسمى (عليّة) اشتراها عقيل من الشام ، وكان مسلم صهرا لأمير المؤمنينعليه‌السلام لبنته (رقيّة).

وكفى في فضله وجلالته إرسال الحسينعليه‌السلام إياه سفيرا ورسولا إلى أهل الكوفة.

وفي (أمالي الصدوق) عن ابن عباس ، قال عليعليه‌السلام : يا رسول الله ، إنك لتحبّ عقيلا؟. قال : إي والله ، إني لأحبه حبّين : حبا له ، وحبا لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون. ثم بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى جرت دموعه على صدره. ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي.

ولم أعثر تحقيقا لعدد أولاده ، والذي ثبت منهم : عبد الله بن مسلم قتل في الطف ، ومحمد بن مسلم أمه أم ولد قتل بعد أخيه عبد الله ، وبنت لها إحدى عشرة أو ثلاث عشرة سنة ، كانت مع أهلالبيت ومع بنات الحسينعليهم‌السلام في سفر كربلاء.

وأما الغلامان الصغيران اللذان قتلا في الكوفة بعد الوقعة ، فقد ذهب بعض أرباب المقاتل إلى أنهما كانا من ولد مسلم بن عقيل ، وأنهما بقيا سنة في السجن ثم قتلا (نقلا عن أمالي الشيخ الصدوق) لكنه مما لا يساعده الاعتبار. والذي ذهب إليه العلامة المجلسي في (البحار) أنهما من ولد جعفر الطيارعليه‌السلام .

٤٩٥

٥٧٨ ـ قصة إنجاب عقيل لمسلم بن عقيل من (عليّة):

(إبصار العين للشيخ السماوي ، ص ٤٠)

روى المدائني (قال) قال معاوية بن أبي سفيان لعقيل بن أبي طالب يوما : هل من حاجة فأقضيها لك؟. قال : نعم ، جارية عرضت عليّ ، وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا.

فأحبّ معاوية أن يمازحه ، فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى؟!. تجتزئ بجارية قيمتها أربعون درهما!. فقال عقيل : أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما ، إذا أغضبته ضرب عنقك بالسيف!. فضحك معاوية ، وقال : مازحناك يا أبا يزيد. وأمر فابتيعت له الجارية ، التي أولد منها مسلما.

ولما مات عقيل تخاصم مسلم مع معاوية في أرض بالمدينة ، فامتنع معاوية عن ردّها ، فقال له مسلم : أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا. فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه ، ويقول له : يا بني ، هذا والله ما قاله لي أبوك حين ابتاع أمّك!.

شهادة هانئ بن عروة (رض)

٥٧٩ ـ إخراج هانئ بن عروة رضي الله عنه للقتل :

(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٥٩ ط نجف)

ثم أمر ابن زياد بهانئ بن عروة أن يخرج فيلحق بمسلم بن عقيل. فقام محمّد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في شأن هانئ بن عروة ، فقال : إنك قد عرفت منزلة هانئ في المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك ، وأنشدك الله لما وهبته لي ، فإني أكره عداوة المصر وأهله. فوعده أن يفعل.

ثم بدا له [أي بدا له شيء جعله يغيّر رأيه] وأمر بهانئ في الحال ، وقال : أخرجوه إلى السوق ، فاضربوا عنقه.

٤٩٦

٥٨٠ ـ مصرع هانئ بن عروة رضي الله عنه :

(مقتل المقرم ، ص ١٩٠)

ثم أخرج هانئ إلى مكان من السوق يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يصيح :وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، واين مني مذحج (يستغيث بقبيلته). فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده ونزعها من الكتاف ، وقال : أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع رجل عن نفسه!. ووثبوا عليه وأوثقوه كتافا. وقيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما أنا بها سخيّ ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه بالسيف مولى لعبيد الله بن زياد تركي اسمه (رشيد) فقتله ، وهو يقول : إلى الله المعاد ، الله م إلى رحمتك ورضوانك.

٥٨١ ـ سحل جثتي مسلم وهانئرحمهما‌الله :

(المصدر السابق)

وأمر ابن زياد بسحب مسلم وهانئ بالحبال من أرجلهما في الأسواق(١) وصلبهما بالكناسة منكوسين(٢) . وأنفذ الرأسين إلى يزيد فنصبهما في درب من دمشق(٣) .

وفي مسلم وهانئرحمهما‌الله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

تري جسدا قد غيّر الموت لونه

ونضح دم قد سال كل مسيل

أصابهما أمر اللعين فأصبحا

أحاديث من يسعى بكل سبيل

شرح : الطمار : بفتح الطاء وكسرها ، المكان المرتفع.

__________________

(١) المنتخب للطريحي ، ص ٣٠١.

(٢) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢١٢ ط إيران ؛ ومقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٢١٥.والكناسة : ضاحية مندرسة ، كانت كناسة لبني أسد ، أي محل رمي الأنقاض لهذه القبيلة ، عند مخرج الكوفة من الغرب ، ثم أصبحت فيها تجارة النقليات وصناعتها (انظر الشكل ٦) ص ٥٦٠.

(٣) تاريخ أبي الفداء ، ج ١ ص ١٩٠ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٥٧.

٤٩٧

ترجمة هانئ بن عروة رضي الله عنه

كان هانئ بن عروة هو وأبوه من وجوه الشيعة في الكوفة. ويروى أنه كان صحابيا كأبيه. وحضر مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حروبه الثلاث. وكان من أركان حركة حجر بن عديّ الكندي ضد زياد بن أبيه.

وروى المسعودي أنه كان شيخ مراد وزعيمها ، وكان معمّرا ، ذكر بعضهم أنه عاش ٨٣ سنة ، وقيل بضعا وتسعين سنة. وكان يتوكأ على عصا بها زجّ ، وهي التي ضربه ابن زياد بها لما أحضر عنده ، حتّى هشّم أنفه وجبينه. وكان مقتله يوم التروية سنة ٦٠ ه‍ ، في نفس اليوم الّذي قتل فيه مسلم بن عقيل رضوان الله عليهما.

٥٨٢ ـ دفن جثتي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رضي الله عنهما :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين لابراهيم الزنجاني ، ص ٢٠٩)

قال الثعلبي : بقيت تلك الجثة الطاهرة على وجه الأرض من غير غسل ولا كفن.ولما دجى الليل ونامت كل عين ، شدّت زوجة ميثم التمّار على نفسها ، وخرجت إلى الكنائس ، وحملت مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وحنظلة بن مرة إلى دارها.ولما انتصف الليل ونامت كل عين حملتهم إلى جنب المسجد الأعظم [مسجد الكوفة] ودفنتهم بدمائهم ، ولم يعلم بها أحد إلا زوجة هانئ ابن عروة ، لأنها كانت في جوارها.

٥٨٣ ـ كتاب من ابن زياد إلى يزيد مع رأسي مسلم وهانئ رضي الله عنهما :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ١٩١ ط ٣ نجف)

وبعث ابن زياد برأس مسلم بن عقيل إلى يزيد ، وهو أول رأس حمل من رؤوس بني هاشم ، وجثة مسلم أول جثة صلبت منهم.

وكتب إليه : أما بعد ، فالحمد لله الّذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه ، وكفاه مؤونة عدوه. أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله : أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وأني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال ، وكدتهما حتّى

٤٩٨

استخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدمتهما فضربت أعناقهما. وقد بعثت إليك برأسيهما والسلام.

٥٨٤ ـ ردّ يزيد على كتاب ابن زياد ، وشكره على صنيعه :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٥٢٦)

فكتب إليه يزيد يشكره ويقول : قد عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش. وقد صدق ظني فيك. وبلغني أن الحسين قد توجه إلى العراق ، فضع له المناظر والمسالح ، واحترس منه ، واحبس على الظنّة ، وخذ على التهمة.واكتب إليّ في كل ما يحدث من خير وشر ، والسلام.

مصرع عبد الأعلى ابن يزيد الكلبيرحمه‌الله

٥٨٥ ـ مقتل عبد الله بن يزيد الكلبي :

(أنصار الحسين للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٢٢ ط ٢)

عبد الأعلى الكلبي شاب كوفي ، ممن بايعوا مسلم بن عقيل. لبس سلاحه حين أعلن مسلم تحركه ، بعد القبض على هانئ بن عروة ، وخرج من منزله ليلحق بمسلم في محلة بني فتيان ، فقبض عليه كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي من مذحج.وكان كثير قد استجاب لعبيد الله بن زياد حين أمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيخذّل الناس عن مسلم بن عقيل.

فأخذ كثير بن شهاب الشابّ عبد الأعلى بن يزيد الكلبي ، فأدخله على عبيد الله بن زياد. فقال عبد الأعلى لابن زياد : إنما أردتك ، فلم يصدّقه. وأمر به فحبس (راجع تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٣٦٩).

ثم إن عبيد الله بن زياد لما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، دعا بعبد الأعلى الكلبي ، فأتي به. فقال له : أخبرني بأمرك. فقال : أصلحك الله ، خرجت لأنظر ما يصنع الناس ، فأخذني كثير بن شهاب. فقال له : فعليك وعليك من الأيمان المغلظة ، إن كان أخرجك إلا ما زعمت!. فأبى أن يحلف. فقال عبيد الله : انطلقوا

٤٩٩

بهذا إلى جبانة السبيع فاضربوا عنقه بها. فانطلقوا به فضربت عنقهرحمه‌الله (راجع تاريخ الطبري ، ج ٥ ص ٣٧٩).

مصرع عمارة ابن صلخب الأزديرحمه‌الله

٥٨٦ ـ مقتل عمارة بن صلخب الأزدي :(المصدر السابق)

عمارة بن صلخب شاب كوفي ، كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل حين بدأ تحركه ، فقبض عليه وحبس. ثم دعا به عبيد الله بن زياد بعد أن قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة ، فأرسله إلى قبيلته من الأزد (وهم من أكبر أنصاره) فقتله في قومه رضوان الله عليه.

(أقول) : هذان نموذجان حيّان من شبان كثيرين من أهل الكوفة ، قاموا بدافع من شبابهم الغض لينصروا الحق ، فأخذهم ابن زياد اللعين وأعدمهم ، دون أن تصلنا أخبارهم.

٥٨٧ ـ حبس المختار بن أبي عبيدة الثقفي :

(مقتل المقرم ص ١٨١)

وفي يوم مقتل مسلمعليه‌السلام حبس ابن زياد المختار بن أبي عبيدة الثقفي لخروجه مع مسلم(١) .

وكان المختار عند خروج مسلم في قرية له تدعى خطوانية (وهي ناحية في بابل العراق) فجاء بمواليه يحمل راية خضراء ، ويحمل عبد الله بن الحارث راية حمراء ، وركز المختار رايته على باب عمرو بن حريث ، وقال : أردت أن أمنع عمرو(٢) .

ووضح لهما قتل مسلم وهانئ ، وأشير عليهما بالدخول تحت راية الأمان عند عمرو بن حريث ، ففعلا. وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما مسلم بن عقيل. وأمر

__________________

(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٦٨.

(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢١٥.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

والمريض إذا تزوّج، كان عقده صحيحا، ويلزمه المهر قليلا كان أو كثيرا، إذا دخل بالمرأة. فإن لم يدخل بها، كان العقد باطلا.

وطلاق المريض غير جائز. فإن طلّق، ورثته المرأة ما بينه وبين سنة، إذا لم يبرأ المريض من مرضه، ولا تتزوّج المرأة. فإن برأ المريض، ثمَّ مرض بعد ذلك، ومات، لم ترثه المرأة. وكذلك إن تزوّجت المرأة بعد انقضاء عدّتها، لم يكن لها ميراث. وإن لم تتزوّج، ومضى بها سنة ويوم، لم يكن لها بعد ذلك ميراث، ويرث هو المرأة ما دامت في العدّة. فإذا خرجت من عدّتها، لم يكن له منها ميراث. ولا فرق بين أن تكون التّطليقة أولى أو ثانية أو ثالثة وعلى كلّ حال.

والوصيّة ماضية إذا تكلّم بها الموصي، وكان ثابت العقل. فإن اعتقل لسانه، وكان ممّن يحسن أن يكتب، كتبها، ثمَّ أمضيت على حسب ذلك. فإن لم يقدر أن يكتب، وأومى بها، وفهم بذلك غرضه منه، أمضيت أيضا بحسب ذلك. فإن قال له إنسان: تقول كذا وكذا، وتأمر بكذا وكذا، فأشار برأسه: أن نعم، كان ذلك أيضا جائزا، إذا كان عقله ثابتا. فإن كان عقله زائلا في شي‌ء من هذه الأحوال، لم يلتفت الى شي‌ء من ذلك.

وإذا وجدت وصيّة بخط الميّت، ولم يكن أشهد عليها،

٦٢١

ولا أمر بها، كان الورثة بالخيار بين العمل بها، وبين ردّها وإبطالها. فإن عملوا بشي‌ء منها، لزمهم العمل بجميعها.

وإذا كان على إنسان دين لغيره، ومات صاحبه، لم يجز له أن يعطيه لبعض ورثته إلّا باتّفاق الباقين. فإن أعطاه، كان ضامنا لحصّة الباقين، وقد سقط عنه نصيبه، وكان له مطالبته بما أخذ من نصيبهم.

وإذا غاب رجل عن أهله، وترك لهم نفقة سنة، ثمَّ مات بعد شهر، كان على أهله أن يردّوا ما فضل عن نفقة الشّهر الذي مضى الى الميراث.

٦٢٢

كتاب المواريث

باب ما يستحق به الميراث

الميراث يستحقّ بشيئين: أحدهما نسب والآخر سبب. والنّسب على ضربين: نسب الوالدين ومن يتقرّب بهما، والثّاني نسب الولد للصّلب ومن يتقرّب بهم.

فالميراث بالنّسب ثابت على كلّ حال، إلّا أن يكون هناك ذو نسب أولى منه بالميراث وأقرب منه، أو مع كونه مساويا أو أقرب يكون كافرا أو قاتلا أو مملوكا. فإنّ هذه الأسباب تمنع من الميراث مع وجود النّسب. وليس يمنع من الميراث بالنّسب شي‌ء غير ما ذكرناه.

وامّا السبب فهو على ضربين: سبب الزّوجية وسبب الولاء. فالميراث بالزّوجيّة ثابت على كلّ حال، مع وجود ذوي الأنساب ومع فقدهم على قدر استحقاقهم، إلّا ما يمنع من الميراث كما منع صاحب النّسب من الكفر والقتل والرّق.

وامّا سبب الولاء فعلى ثلاثة أضرب: ولاء العتق، ويكون ذلك مقصورا على المعتق، أو من يتقرّب به على ما يستحقّونه.

٦٢٣

والثّاني ولاء تضمّن الجريرة، وذلك مقصور على ضامن الجريرة والحدث خاصّة، ولا يتعدّى الى غيره على حال. والثالث ولاء الإمامة، ويكون ذلك خاصّا فيمن لا وارث له من ذي نسب أو سبب. وليس يخرج جميع أقسام الفرائض عن شي‌ء ممّا ذكرناه ولكلّ قسم منها أبواب وتفاصيل، نحن نبيّنها على ما تقتضيه الحاجة اليه، إن شاء الله.

باب ميراث الوالدين ومن يدخل عليهما

إذا خلّف الميّت والدين، ولم يخلّف غيرهما، كان ما خلّفه لهما: للأب الثّلثان، وللام الثلث. فإن ترك أحد أبويه أبا كان أو أمّا، ولم يخلّف غيره من ذوي الأنساب والأسباب، كان جميع ما خلّفه له.

فإن خلّف مع الأبوين أولادا ذكورا وإناثا، كان للأبوين السّدسان، وما بقي فللأولاد، للذّكر مثل حظّ الأنثيين. فإن خلّف معهما بنتا واحدة، كان لهما السّدسان، وللبنت النّصف ثلاثة أسهم من ستّة. وبقي سهم يردّ عليهم على قدر سهامهم، وهي خمسة أسهم. فيجعل أصل الفريضة من خمسة أسهم: للأبوين منهما سهمان، وللبنت ثلاثة أسهم. فإن خلّف مع الأبوين بنتين، كان للأبوين السّدسان، وللبنتين الثّلثان. وكذلك الحكم إن كنّ أكثر من بنتين، كان الثّلثان بينهنّ بالسّويّة.

٦٢٤

فإن خلّف مع الأبوين ولدا ذكرا، كان للأبوين السّدسان، وما بقي فللولد الذّكر.

فإن خلّف أحد أبويه وبنتا، كان لأحد أبويه السّدس، وللبنت النّصف، والباقي ردّ عليهما على قدر سهامهما. فتجعل الفريضة من أربعة: يكون للبنت منها ثلاثة أسهم، والسّهم الآخر لأحد الأبوين. فإن خلّف مع أحد الأبوين بنتين، كان لأحد الأبوين السّدس، وللبنتين الثّلثان، والباقي ردّ عليهم على قدر أنصبائهم. فتجعل الفريضة من خمسة: فيكون للبنتين أربعة أسهم منها، والسّهم الآخر لأحد الأبوين. فإن خلّف مع أحد الأبوين بنات جماعة، كان الحكم فيهنّ مثل الحكم في البنتين على السّواء. فإن خلّف مع أحد الأبوين ولدا ذكرا، كان لأحد الأبوين السّدس، والباقي للولد الذّكر.

وإذا خلّف الرّجل أبويه وزوجة، ولم يخلّف غيرهم، كان للزّوجة الرّبع من أصل المال، والباقي للأبوين: للأمّ الثّلث من أصل المال، والباقي للأب. فتجعل الفريضة من اثنى عشر: فتكون للزّوجة ثلاثة أسهم منها وهي الرّبع، وبقي تسعة أسهم: للأمّ منها أربعة أسهم، وما بقي وهو خمسة أسهم للأب.

فإن ترك الرّجل أباه وزوجة، ولم يخلّف غيرهما، كان للزّوجة الرّبع، والباقي للأب. فإن خلّف أمّا وزوجة، كان للزوجة

٦٢٥

الرّبع، وللأمّ الثّلث، وما بقي يردّ على الأمّ. فتجعل الفريضة من اثنى عشر: للزّوجة الرّبع ثلاثة أسهم، وللأمّ الثّلث أربعة أسهم، ويبقى خمسة أسهم، تردّ على الأمّ دون الزّوجة فتصير سهام الأمّ تسعة من اثنى عشر، وثلاثة أسهم للزّوجة.

فإن ترك أبويه وزوجة وولدا ذكورا وإناثا، كان للزّوجة الثّمن، وللأبوين السّدسان، والباقي للأولاد. فتجعل الفريضة من أربعة وعشرين: فيكون للأبوين السّدسان ثمانية أسهم، وللزّوجة الثّمن ثلاثة أسهم، ويبقى ثلاثة عشر سهما بين الأولاد، للذكر مثل حظّ الأنثيين.

فإن خلّف مع الأبوين زوجة وبنتا، كان للأبوين السّدسان، وللبنت النّصف، وللزّوجة الثّمن، وما يبقى ردّ على الأبوين والبنت دون الزّوجة. فتجعل الفريضة من مائة وعشرين: فيكون للزّوجة منها الثّمن خمسة عشر سهما، وللأبوين السّدسان أربعون سهما، وللبنت النّصف ستّون سهما. وتبقى خمسة أسهم تردّ على سهام البنت والأبوين، وهي خمسة فيعطى الأبوان سهمين منها، وللبنت الثّلاثة أسهم الأخر. فتصير سهام الأبوين اثنين وأربعين سهما، وسهام البنت ثلاثة وستّين سهما، وخمسة عشر سهما للزّوجة، فذلك مائة وعشرون سهما.

فإن خلّف مع الأبوين زوجة وبنتين فصاعدا، كان للزّوجة الثّمن، وللأبوين السّدسان، وما يبقى للبنتين أو البنات. فتجعل

٦٢٦

الفريضة من أربعة وعشرين سهما: للزّوجة الثّمن ثلاثة أسهم، وللأبوين السّدسان ثمانية أسهم، وتبقى ثلاثة عشر سهما، فهي للبنتين أو البنات بينهنّ بالسّويّة.

فإن ماتت امرأة، وخلّفت أبويها وزوجها، ولم تخلّف غيرهم، كان للزّوج النّصف من أصل المال، وللأمّ الثّلث، وما يبقى فللأب. فتجعل الفريضة من ستّة، فيكون للزّوج ثلاثة أسهم منها، وسهمان للأمّ، ويبقى سهم فهو للأب.

فإن خلّفت زوجها وأحد أبويها أمّا كان أو أبا، ولم تخلّف غيرهما، كان للزّوج النّصف، وما يبقى فلأحد الأبوين. فإن كانت أمّا، أعطيت الثّلث بالتّسمية، والباقي يردّ عليها، لأنّها أولى من غيرها بنصّ القرآن.

فإن خلّفت أبويها وزوجها وأولادا ذكورا وإناثا، كان للأبوين السّدسان، وللزّوج الرّبع، وما بقي للأولاد: للذّكر مثل حظّ الأنثيين. فتجعل الفريضة من اثنى عشر، يكون للزّوج الرّبع ثلاثة، وللأبوين السّدسان أربعة، وتبقى خمسة أسهم تكون بين الأولاد على ما بيّنّاه.

فإن خلّف أبويها وزوجها وبنتها أو بنتين فصاعدا، كان للأبوين السّدسان، وللزّوج الرّبع، وما يبقى فللبنت أو ما زاد عليها من البنات. فتجعل الفريضة من اثنى عشر. فيكون للأبوين السّدسان أربعة، وللزّوج الرّبع ثلاثة، وتبقى خمسة أسهم،

٦٢٧

فهي للبنت، إن كانت واحدة، وكذلك إن كانت اثنتين فما زاد عليهما.

فإن خلّفت أحد أبويها أبا كان أو أمّا وزوجا وبنتا، كان للزّوج الرّبع من أصل المال، ولأحد الأبوين السّدس، وللبنت النّصف، وما يبقى يردّ على أحد الأبوين والبنت، ولا يردّ على الزّوج شي‌ء. فتجعل الفريضة من ثمانية وأربعين سهما، فيكون للزّوج الرّبع منها اثنى عشر سهما، ولأحد الأبوين السّدس ثمانية أسهم، وللبنت النّصف أربعة وعشرون سهما، ويبقى أربعة أسهم، تردّ على البنت وأحد الأبوين على قدر سهامهم، وهي أربعة. فيكون منها لأحد الأبوين سهم واحد وللبنت ثلاثة أسهم. فتصير سهام أحد الأبوين تسعة أسهم، وسهام البنت سبعة وعشرين سهما، وسهام الزّوج اثنى عشر على ما ذكرناه. فذلك ثمانية وأربعون سهما.

فإن خلّفت أحد أبويها وزوجها وبنتين أو ما زاد عليهما، كان للزوج الرّبع، ولأحد الأبوين السّدس، وما يبقى بين البنتين فصاعدا بينهنّ بالسّويّة. فتجعل الفريضة من اثنى عشر سهما، فيكون للزّوج الرّبع ثلاثة أسهم، ولأحد الأبوين السّدس سهمان، وما يبقى وهو سبعة أسهم يكون بين البنتين فما زاد عليهما.

فإن خلّف الميّت أبويه، ولم يخلّف غيرهما من زوج أو

٦٢٨

ولد، وخلّف أخوين أو أخا وأختين أو أربع أخوات من جهة الأب والأم أو من جهة الأب خاصّة، حجبوا الأمّ عن الثّلث الى السّدس، فيكون الميراث للأب خمسة أسهم وللأمّ سهم واحد. وإن خلّف أخا واحدا، أو أختين أو ثلاث أخوات، لم يحجبوا، وإن كانوا من جهة الأب والأمّ أو من جهة الأب. وإن كانوا إخوة وأخوات جماعة من جهة الأمّ لم يحجبوا أيضا الأمّ عن الثّلث على حال. وكذلك إن كانت الإخوة والأخوات من قبل الأب أو الأب والأمّ كفّارا أو مماليك، لم يحجبوا الأمّ عن الثلث على حال. ولا يحجب أيضا ما كان حملا لم يولد بعد، وإنّما يحجب ما ولد واستهل.

فإن خلّف الميّت أبويه وأولادا وإخوة وأخوات، كان للأبوين السّدسان، والباقي للأولاد. وليس هاهنا للحجب تأثير لأنّه لا تنقص الأمّ من السّدس شيئا. فإن خلّف أبويه وبنتين فصاعدا وإخوة وأخوات، كان الأمر أيضا مثل ذلك: للأبوين السّدسان، وللبنتين أو البنات الثّلثان.

فإن خلّف أبويه وبنتا وإخوة وأخوات، كان للبنت النّصف، وللأبوين السّدسان، وبقي سهم يردّ على الأب خاصّة والبنت، ولم يردّ على الأمّ شي‌ء. لأنّ الله تعالى جعل للأمّ مع وجود الإخوة والأخوات إذا كان هناك أب، السّدس، لا أكثر من ذلك فتجعل الفريضة من أربعة وعشرين سهما، فيكون للبنت

٦٢٩

النّصف منها اثنى عشر سهما، ولكل واحد من الأبوين السّدس أربعة، فيصير عشرين وتبقى أربعة، فيردّ على البنت والأب على قدر سهامهم: للأب منها سهم، وللبنت ثلاثة أسهم. فتصير سهام البنت خمسة عشر سهما، وسهام الأب خمسة أسهم، وتبقى أربعة منها هي سهام الأمّ.

فإن خلّف الميّت أبويه وزوجا وبنتا أو بنات، كان للأبوين السّدسان على الكمال، وللزّوج الرّبع، وما يبقى فللبنت أو البنات. فإن خلّفت المرأة أبويها وبنتها وزوجها، كان للزّوج الرّبع وللأبوين السّدسان، وما يبقى فللبنت.

فإن خلّف الميّت أمّه وإخوة وأخوات. لم يحجبوا الأمّ عن الثّلث الى السّدس. وإنّما يحجبونها عن الثّلث مع وجود الأب، ليتوفّر عليه ما تمنع هي. فأمّا إذا انفردت، فهي تستحقّ الميراث كلّه إذا لم يكن غيرها على ما قدّمناه، أو يكون لها الثّلث مع وجود الزّوج أو الزّوجة بالتّسمية، والباقي ردّ عليها، وليس للإخوة والأخوات معها شي‌ء البتة. وإن كان معها بنت واحدة أو بنتان، وفضل من سهامهم شي‌ء، ردّ على الجميع بحساب سهامهم على ما بيّنّاه، ولا يحجبونها الإخوة والأخوات في أحد هذه المواضع على حال.

وولد الولد مع الأبوين يقوم مقام الولد، إذا لم يكن هناك ولد للصّلب. فولد الابن ذكرا كان أو أنثى يأخذ مع الأبوين

٦٣٠

نصيب أبيه، وولد البنت معهما ذكرا كان أو أنثى يقوم مقام البنت، يأخذ نصيب أمّه على الكمال. وعند اجتماع ذوي السّهام من الزّوج والزّوجة والأبوين يجري حكم ولد الولد حكم الولد على السّواء. وذكر بعض أصحابنا أنّ ولد الولد مع الأبوين لا يأخذ شيئا من المال. وذلك خطأ، لأنّه خلاف لظاهر التّنزيل والمتواتر من الأخبار.

والجدّ والجدّة من قبل الأب والجدّ والجدّة من قبل الأمّ لا يرثون مع الأبوين. فإن حضر جدّ أو جدّة من قبل الأب مع الأبوين، كان للأبوين المال: للأب سهمان، وللأمّ سهم واحد، ويؤخذ من نصيب الأب سدس، فيعطى الجدّ أو الجدّة على سبيل الطّعمة لا على جهة الميراث. وكذلك إن حضر جدّ أو جدّة من قبل الأمّ في هذه المسألة، أخذ سدس من ثلث الأمّ، فأعطي الجدّ أو الجدّة على ما ذكرناه من الطعمة. فإن حضرا في حال لا يستحقّ فيها كلّ واحد من الأبوين أكثر من السّدس، لم يكن لهما طعمة. وإنّما تكون الطّعمة إذا زاد حظّهما على السّدس. ولا طعمة للجدّ والجدّة من قبل الأب، إذا كان أب الميّت ميّتا، ويكون المال كلّه للأمّ. وكذلك لا طعمة لهما إذا كانا من قبل الأمّ، إلّا إذا كانت الأمّ حيّة. فإن كانت ميّتة، كان المال كله للأب.

وإذا خلّفت المرأة زوجها وأبويها، وجدّها أو جدّتها من

٦٣١

قبل أبيها، وجدّها أو جدّتها من قبل أمّها، كان للزّوج النّصف، وللأمّ الثلث، وللأب السّدس. ويؤخذ من ثلث الأمّ سدس أصل المال. فيعطى الجدّ أو الجدّة من قبلها، وسقط الجدّ والجدّة من قبل الأب.

وإن خلّف الميّت أبويه وإخوة وأخوات من قبل الأب، وجدّا أو جدّة من قبله وجدّا أو جدّة من قبل الأمّ، كان للأمّ السّدس لأنّها محجوبة عن الثّلث بالإخوة والأخوات، وبقي خمسة أسهم، فهي للأب، يؤخذ منها سدس أصل المال، فيعطى الجدّ أو الجدّة من قبل الأب، وسقط الجدّ والجدّة من قبل الأمّ.

وإذا اجتمع الجدّ والجدّة من قبل الأب أو من قبل الأمّ في حال يستحقّ فيها الطّعمة، قسم السّدس طعمة بينهما نصفين، لأنّ كلّ واحد منهما يستحقّ كما يستحقّ الآخر.

ولا يرث مع الأبوين ولا مع واحد منهما، سوى من ذكرناه من الزّوج والزّوجة والولد وولد الولد. ولا يرث معهما إخوة وأخوات ولا عمّ ولا عمّة ولا خال ولا خالة ولا أجداد ولا واحد من أولادهم على ما بيّنّاه.

باب ميراث الولد وولد الولد

إذا خلّف الميّت ولدا ذكرا، ولم يخلّف وارثا غيره، كان المال كلّه له. فإن خلّف ابنين ولم يخلّف غيرهما، كان المال

٦٣٢

بينهما نصفين. فإن خلّف أولادا ذكورا وإناثا، ولم يخلّف غيرهم، كان المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأنثيين. فإن خلّف بنتا، ولم يخلّف غيرها، كان لها النّصف بالتّسمية، والباقي يردّ عليها بآية أولي الأرحام.

فإن خلّف بنتين فصاعدا، كان لهما أولهنّ الثّلثان بالتّسمية الصّريحة، والباقي ردّ عليهما أو عليهنّ بمثل ما ذكرناه.

ولا يرث مع الولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو اثنين أحد سوى من ذكرناه في الباب الأوّل من الوالدين. ويرث معهم الزّوج والزّوجة. فإن خلّف الميّت زوجا أو زوجة، كان للزّوج الرّبع أو للزّوجة الثّمن، والباقي للولد على ما بيّنّاه.

ولا يرث مع الولد للصّلب ولد الولد ولا الأخ ولا الأخت ولا أولادهما ولا الجدّ ولا الجدّة ولا العمّ ولا العمّة ولا الخال ولا الخالة ولا غيرهم من ذوي الأرحام.

وإذا خلّف الميّت ولدين ذكرين أحدهما أكبر من الآخر، أعطي الأكبر منهما ثياب بدنه وخاتمه الذي كان يلبسه وسيفه ومصحفه. وعلى هذا الأكبر أن يقضي عنه ما فاته من صيام أو صلاة دون أخيه الآخر. وكذلك إن كانوا جماعة، أعطي الأكبر منهم ما ذكرناه. فإن كان الأكبر من الأولاد أنثى، لم تعط شيئا، وأعطي الأكبر من الذّكور. فإن كانوا سواء في السّن، لم يخصّ واحد منهم بشي‌ء من جملة التّركة. وكذلك

٦٣٣

إن كان الأكبر سفيها أو فاسد الرّأي، لم يحب من التّركة بشي‌ء. وإن لم يخلف الميّت غير ما ذكرناه من ثياب جلده وسيفه وخاتمه، كان بين الورثة، ولم يخصّ واحد منهم بشي‌ء على حال.

وولد الولد يقوم مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد للصلب وكلّ واحد منهم يقوم مقام من يتقرّب به. فإن خلّف الميّت ابن بنت وبنت ابن، كان لبنت الابن الثّلثان، ولابن البنت الثّلث. فإن خلّف أولاد ابن وأولاد بنت ذكورا وإناثا، كان لأولاد الابن الثّلثان بينهم للذّكر مثل حظّ الأنثيين، ولأولاد البنت الثّلث، الذّكر والأنثى فيه سواء عند بعض أصحابنا وعندي أنّ المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

فإن خلّف بنت ابن، ولم يخلّف غيرها، كان لها المال كلّه. وكذلك إن خلّف أكثر منها، كان المال كلّه لهنّ. فإن خلّف بنت بنت، ولم يخلّف غيرها، كان لها النّصف تسمية أمّها، والباقي ردّ عليها بآية أولي الأرحام. وإن خلّف بنتي بنت، كان لهما النّصف أيضا بالتّسمية التي تناولت أمّهما، والباقي ردّ عليهما على ما قلناه. فإن خلّف بنتي بنتين، كان لهما الثّلثان نصيب أمّهما، والباقي يردّ عليهما بآية أولي الأرحام وعلى هذا يجري مواريث ولد الولد قلّوا أم كثروا. فإن كلّ واحد منهم يأخذ نصيب من يتقرّب به حسب ما قدّمناه.

وكلّ من يأخذ الميراث مع الولد للصّلب، فإنّه يأخذ مع ولد

٦٣٤

الولد مثل ذلك من الوالدين والزّوج والزّوجة. ولا يرث مع ولد الولد وإن نزل، من لا يرث مع الولد للصّلب من أخ وأخت ولا أولادهما ولا جدّ ولا جدّة ولا عمّ ولا عمّة ولا خال ولا خالة ولا أولادهم على حال. ولا يرث مع ولد الولد ولد ولد الولد كما لا يرث مع الولد للصّلب ولد الولد لأنّهم أقرب ببطن.

باب ميراث الاخوة والأخوات

إذا خلّف الميّت أخا لأبيه وأمّه أو لأبيه، ولم يخلّف غيره، كان المال له. فإن خلّف أخوين لأب وأمّ أو لأب، ولم يخلّف غيرهما، كان المال بينهما نصفين. فإن خلّف ثلاثة إخوة فصاعدا لأب أو لأمّ وأب، ولم يخلّف غيرهم، كان المال بينهم بالسّويّة.

فإن خلّف إخوة وأخوات لأب أو لأب وأمّ، ولم يخلّف غيرهم، كان المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

فإن خلّف أخوين أحدهما لأب والآخر لأب وأمّ، كان المال للأخ من الأب والأمّ، وسقط الأخ من الأب. فإن خلّف أخا لأب وأمّ وإخوة وأخوات لأب، كان المال للأخ من قبل الأب والأمّ دون الإخوة والأخوات من الأب.

فإن خلّف أختا لأب وأمّ وأختا لأب أو أختين له أو أكثر منهما، أو أخا لأب أو إخوة له، كان المال للأخت من الأب

٦٣٥

والأمّ، وسقط الإخوة والأخوات من قبل الأب، يكون النّصف لها بالتّسمية، والباقي ردّ عليها، لأنّها تجمع السببين. ومن يتقرّب بسببين أولى ممّن يتقرّب بسبب واحد. وكذلك إن كانتا أختين مع من ذكرناه من الإخوة والأخوات، كان لهما الثّلثان بالتّسمية، والباقي ردّ عليهما، وسقط الباقون من قبل الأب.

فإن خلّف أخا لأمّ، ولم يخلّف غيره، كان المال كلّه له: السّدس بالتّسمية، والباقي ردّ عليه بآية أولي الأرحام. فإن خلّف أخوين من الأمّ فصاعدا، ولم يخلّف غيرهما، كان لهما المال كلّه: الثّلث بالتّسمية، والباقي ردّ عليهما لمثل ما ذكرناه. وإن خلّف إخوة وأخوات من قبل الأمّ، كان أيضا الميراث لهم: الثّلث بالتّسمية، والباقي ردّ عليهم، ويكون الذّكر والأنثى فيه سواء.

فإن خلّف أخا لأب وأمّ وأخا لأم، كان للأخ من الأمّ السّدس والباقي للأخ من الأب والأمّ. فإن خلّف إخوة من قبل الأمّ وإخوة من قبل الأب والأمّ، كان للإخوة من قبل الأمّ الثّلث، والباقي للإخوة من قبل الأب والأم. فإن خلّف إخوة وأخوات من قبل الأب والأمّ، وإخوة وأخوات من قبل الأم، كان للإخوة والأخوات من قبل الأمّ الثلث بينهم بالسّوية، والباقي للإخوة والأخوات من قبل الأب والأمّ للذّكر مثل حظّ الاثنين.

٦٣٦

فإن خلّف أختا لأمّ وأختا لأب وأم، كان للأخت من قبل الأمّ السّدس، والنصف للأخت من قبل الأب والأمّ بالتّسمية، والباقي ردّ على الأخت من قبل الأب والأم، لأنّها تجمع السّببين، ولأنّ النّقصان داخل عليها. ألا ترى أنّه لو كان معها زوج أو زوجة، كان له حقّه: إمّا النّصف إن كان زوجا أو الرّبع إن كانت زوجة، وللأخت من قبل الأمّ السّدس سهمهما المسمّى، وما يبقى فهو للأخت للأب والأمّ.

فإن خلّف أختين فصاعدا من قبل الأمّ، وأختين فصاعدا من قبل الأب والأمّ، كان للأختين أو الأخوات من قبل الأمّ الثّلث، وما يبقى وهو الثّلثان بين الأختين أو الأخوات من قبل الأب والأمّ، فإن كان معهنّ زوج أو زوجة، كان له حقّه: إمّا النّصف إن كان زوجا، أو الرّبع إن كانت زوجة، والثّلث للأختين أو الأخوات من قبل الأمّ، وما يبقى فللأختين أو الأخوات من قبل الأب والأمّ.

فإن خلّف أخا أو أختا من قبل الأمّ وأخا لأب، كان للأخ أو الأخت من قبل الأمّ السّدس، والباقي للأخ من قبل الأب فإن خلّف إخوة وأخوات من قبل الأمّ، وإخوة وأخوات من قبل الأب، كان للإخوة والأخوات من قبل الأمّ الثّلث بينهم بالسّويّة والباقي بين الإخوة والأخوات من قبل الأب، للذّكر مثل حظّ الأنثيين. فإن كان في الفريضة زوج أو زوجة، كان له حقّه، إمّا النّصف إن كان زوجا أو الرّبع إن كانت زوجة. والثلث

٦٣٧

للإخوة والأخوات من قبل الأم لا ينقصون عنه، والباقي للإخوة والأخوات من قبل الأب على ما بيّنّاه للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

فإن خلّف أخا أو أختا أو إخوة وأخوات من قبل الأمّ وأختا من قبل الأب، كان للأخ أو الأخت أو الأخوة والأخوات من قبل الأمّ سهمهم المسمّى: السّدس أو الثّلث، وللأخت من قبل الأب النّصف بالتسمية، والباقي ردّ عليها. لأنّه لو نقص من النّصف كان النّقصان داخلا عليها. الا ترى أنّه لو كان في الفريضة زوج أو زوجة، كان له حقّه: النّصف إن كان زوجا، أو الرّبع إن كانت زوجة، وللأخ أو الأخت أو الإخوة والأخوات من الأمّ السّدس أو الثّلث، وما يبقى للأخت للأب.

فإن خلّف أختين أو إخوة وأخوات من قبل الأمّ، وأختين أو أخوات من قبل الأب، كان للإخوة والأخوات من قبل الأمّ، الثّلث بينهم بالسّويّة، والباقي وهو الثّلثان بين الأختين أو الأخوات من قبل الأب. فإن كان في الفريضة زوج أو زوجة، كان حقّه: إمّا النّصف إن كان زوجا، أو الرّبع إن كانت زوجة، والثّلث للإخوة والأخوات من قبل الأمّ لا ينقصون عنه والباقي للأختين أو الأخوات من قبل الأب لا يزادون على ما بقي شيئا.

فإن خلف ثلاثة إخوة متفرّقين، كان للأخ من الأمّ السّدس

٦٣٨

والباقي للأخ من قبل الأب والأمّ، وسقط الأخ من قبل الأب. فإن خلّف إخوة وأخوات من قبل أب وأمّ، وإخوة وأخوات من قبل الأب، وإخوة وأخوات من قبل الأمّ، كان للإخوة والأخوات من قبل الأمّ الثّلث بينهم بالسّويّة، لا ينقصون عنه، والباقي للإخوة والأخوات من قبل الأب والأمّ، وسقط الإخوة والأخوات من قبل الأب.

فإن خلّف ثلاث أخوات متفرّقات، كان للأخت من قبل الأمّ السّدس، والباقي للأخت من قبل الأب والأمّ، وسقطت الأخت من قبل الأب على ما بيّنّاه. فإن كان في الفريضة زوج أو زوجة، كان له حقّه: النّصف إن كان زوجا، والرّبع إن كانت زوجة، والسّدس للأخت من قبل الأمّ، والباقي للأخت من قبل الأب والأمّ على ما بيّنّاه، وسقطت الأخت من قبل الأب.

ولا يرث مع الإخوة والأخوات سواء كانوا من قبل الأمّ أو من قبل الأب والأمّ أو من قبل الأب، أحد من ذوي الأرحام، من العمّ والعمّة وأولادهما، والخال والخالة وأولادهما. ويرث معهم الجدّ والجدّة على ما نبيّنه في باب مفرد، إن شاء الله.

ولا يرث معهم أيضا وإن اختلفت أسبابهم أحد من أولاد الإخوة والأخوات، سواء كان أولاد الإخوة والأخوات من قبل الأب أو من قبل الأب والأمّ أو من قبل الأمّ وعلى كلّ حال.

٦٣٩

وسهم الزّوج والزّوجة ثابت معهم على ما بيّنّاه، لا ينقصان عمّا سمّي لهما، ولا يزادان عليه: النّصف إن كان زوجا، والرّبع إن كانت زوجة، ليس لهما أكثر من ذلك على ما بيّنّاه.

باب ميراث الأزواج

الزّوج له النصف مع عدم الولد مع جميع ذوي الأرحام قريبا كان أو بعيدا، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وله الرّبع مع وجود الولد واحدا كان أو اثنين، ذكرا كان أو أنثى، لا يزاد على الرّبع شيئا ولا ينقّص منه.

والزّوجة لها الرّبع مع عدم الولد مع جميع ذوي الأرحام، ولها الثّمن مع وجود الولد لا يزاد عليه ولا ينقص منه. فإن خلّف الرّجل زوجتين أو ثلاثا أو أربعا، كان لهنّ الثّمن أو الرّبع بينهن بالسّوية، لا يزدن عليه شيئا. وإن كان لرجل أربع نسوة، فطلّق واحدة منهنّ، ثمَّ تزوّج بأخرى، ثمَّ مات، ولم تتميّز المطلّقة من غيرهنّ، فإنّه يجعل ربع الثّمن للتي تزوّجها أخيرا والثلاثة أرباع الثّمن بين الأربع نسوة اللاتي طلّق واحدة منهنّ، ولم تتميّز منهنّ.

ومن طلّق امرأته طلاقا يملك فيه الرّجعة، ثمَّ مات، فإنها ترثه ما دامت في العدة، ويرثها هو أيضا إن ماتت في العدّة.

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793