النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225268 / تحميل: 6343
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

صلاة الليل، وقد قارب الفجر، خفّف الصّلاة، واقتصر من القراءة على الحمد وحدها، ولا يطوّل الركوع والسّجود لئلّا يفوته صلاة الغداة.

ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوّله إلّا لمسافر يخاف فوتها أو شابّ يمنعه من القيام آخر اللّيل رطوبة رأسه، ولا يجعل ذلك عادة، وأن يقضي صلاة اللّيل في الغداة أفضل من أن يقدّمها في أوّل الليل.

ووقت ركعتي الفجر عند الفراغ من صلاة اللّيل، وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر. فإن طلع ولم يكن قد صلّى من صلاة اللّيل شيئا، جاز له أن يصلّي ركعتين ما بينه وبين طلوع والحمرة. فإذا طلعت الحمرة من ناحية المشرق، وجب عليه البداءة بالفرض.

ومن فاتته صلاة فريضة، فليصلّها أيّ وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة. فإن تضيّق وقت صلاة حاضرة، بدأ بها ثمَّ بالّتي فاتته. فإن كان قد دخل في الصّلاة الحاضرة في أوّل وقتها وقد صلّى منها شيئا، وقد فاتته صلاة وكان نسيها ثمَّ ذكرها قبل الفراغ منها، فليعدل بنيّته إلى الصّلاة الفائتة، ثمَّ يصلّي بعد الفراغ منها الصّلاة الحاضرة.

ويصلّي ركعتي الإحرام وركعتي الطواف والصلاة على الجنازة وصلاة الكسوف في جميع الأحوال ما لم يكن وقت صلاة فريضة قد تضيّق وقتها

٦١

ومن فاته شي‌ء من صلاة النّوافل، فليقضها أيّ وقت شاء من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة، أو عند طلوع الشّمس أو غروبها، فإنه يكره صلاة النّوافل وقضاؤها في هذين الوقتين. وقد وردت رواية بجواز النّوافل في الوقتين الّذين ذكرناهما. فمن عمل بها، لم يكن مخطئا، لكنّ الأحوط ما ذكرناه ويستحبّ قضاء ما فات باللّيل بالنهار، وقضاء ما فات بالنهار باللّيل.

فمن صلّى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثمَّ علم بعد ذلك، وجب عليه إعادة الصّلاة. فإن كان في الصّلاة لم يفرغ منها بعد ثمَّ دخل وقتها، فقد أجزأت عنه. ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصّلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو أن يغلب على ظنّه ذلك.

باب معرفة القبلة وأحكامها

معرفة القبلة واجبة للتوجّه إليها في الصّلوات، واستقبالها عند الذّبيحة، وعند احتضار الأموات ودفنهم. والتوجّه إليها واجب في جميع الصّلوات فرائضها وسننها مع التمكّن وعدم الاعتذار.

والقبلة هي الكعبة، وهي قبلة من كان في المسجد الحرام. فمن خرج من المسجد الحرام، كان قبلته المسجد إذا كان في الحرم.

٦٢

فإن نأى عن الحرم، كان فرضه التوجّه إلى الحرم.

ومعرفة القبلة تحصل بالمشاهدة لمن قرب منها. ومن نأى عنها تحصل له بعلاماتها. ومن علاماتها أنّه إذا راعى زوال الشّمس ثمَّ استقبل عين الشّمس بلا تأخير، فإذا رءاها على حاجبها الأيمن في حال الزّوال، علم أنّه مستقبل القبلة. وإن كان عند طلوع الفجر، جعل الفجر على يده اليسرى ويستقبل القبلة. وإن كان عند غروبها جعل الشّفق على يده اليمنى. فإن كان باللّيل، جعل الجدي على منكبه الأيمن. وهذه العلامات علامات لمن كان توجّه إلى الرّكن العراقيّ من أهل العراق وخراسان وفارس وخوزستان ومن والاهم. فأمّا أهل اليمن فإنّهم يتوجّهون إلى الرّكن اليماني. وأهل الشّام يتوجّهون إلى الرّكن الشّاميّ، وأهل الغرب يتوجّهون إلى الرّكن الغربيّ. فإذا ناؤا عن الحرم، كانت علاماتهم غير هذه العلامات.

ومتى حصل الإنسان في برّ وأطبقت السّماء بالغيم، أو يكون محبوسا في بيت، أو بحيث لا يجد دليلا على القبلة، ودخل وقت الصّلاة، فليصلّ إلى أربع جهات أربع دفعات، إذا كان عليه مهلة وتمكّن منه. فإن لم يتمكّن من ذلك لضرورة أو خوف، فليصلّ إلى أيّ جهة شاء وقد أجزأه. ومن توجّه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة، فعليه أن يتياسر قليلا ليكون متوجها إلى الحرم. بذلك جاء الأثر عنهم،عليهم‌السلام .

٦٣

ومن صلّى إلى غير القبلة متعمّدا، وجب عليه إعادة الصّلاة. فإن صلّاها ناسيا أو لشبهة، ثمَّ تبيّن أنّه صلّى إلى غير القبلة، وكان الوقت باقيا، وجب عليه إعادة الصلاة. فإن كان الوقت خارجا، لم يجب عليه إعادتها. وقد رويت رواية أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة، ثمَّ علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصّلاة. وهذا هو الأحوط وعليه العمل.

ولا بأس للمسافر أن يصلّي النّوافل على راحلته يتوجّه إلى حيث توجّهت، لأنّ الله تعالى قال:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) وروي عن الصّادقعليه‌السلام أنّه قال: « هذا في النّوافل خاصّة في حال السّفر » فأمّا الفرائض فلا بدّ فيها من استقبال القبلة على كلّ حال.

باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها

الأذان والإقامة سنّتان مؤكّدتان في جميع الفرائض من الصّلوات الخمس لا ينبغي تركهما مع الاختيار، وأشدّهما تأكيدا في صلاة الغداة والمغرب. ولو أنّ إنسانا اقتصر على الإقامة وحدها في جميع الصّلوات، أجزأه. فإن ترك الإقامة أيضا، كانت صلاته ماضية، ولم يجب عليه إعادتها، إلّا أنّه يكون تاركا فضلا ومهملا سنّة.

ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معا في صلاة الجماعة. فمن

٦٤

تركهما، فلا جماعة له. ومن أذّن وأقام ليصلّي وحده، ثمَّ جاءه قوم وأرادوا أن يصلّوا جماعة، فعليه إعادة الأذان والإقامة معا، ولا يدخل بما تقدّم منهما في الصّلاة. وإذا دخل قوم المسجد، وقد صلّى الإمام الذي يقتدي به في الجماعة، وأرادوا أن يجمّعوا فليس عليهم أذان ولا إقامة، بل يتقدّم أحدهم ويجمّع بهم.

ومن ترك الأذان والإقامة متعمّدا، ودخل في الصّلاة، فلينصرف وليؤذّن، وليقم ما لم يركع، ثمَّ يستأنف الصّلاة وان تركهما ناسيا، حتّى دخل في الصّلاة، ثمَّ ذكر، مضى في صلاته، ولا إعادة عليه. ومن أقام ودخل في الصّلاة، ثمَّ أحدث ما يجب به عليه إعادة الصّلاة، فليس عليه إعادة الإقامة إلّا أن يكون قد تكلّم، فإنّه يعيد الإقامة أيضا. ومن فاتته صلاة وأراد قضاءها، قضاها كما فاتته بأذان وإقامة أو بإقامة.

وليس على النّساء أذان ولا إقامة، بل يتشهّدن الشّهادتين بدلا من ذلك. وإن أذّن وأقمن، كان أفضل لهنّ إلّا أنهنّ لا يرفعن أصواتهنّ أكثر من إسماع أنفسهنّ، ولا يسمعن الرّجال.

ولا يؤذّن ولا يقيم إلّا من يوثق بدينه. فإن كان الّذي يؤذّن غير موثوق بدينه، أذّنت لنفسك وأقمت. وكذلك إن صلّيت خلف من لا يقتدى به، أذّنت لنفسك وأقمت. وإذا صلّيت. خلف من يقتدى به، فليس عليك أذان ولا إقامة، وان لحقت بعض الصّلاة. فإن فاتتك الصّلاة معه، أذّنت لنفسك وأقمت.

٦٥

وإذا دخلت المسجد، وكان الامام من لا يقتدى به، وخشيت: إن اشتغلت بالأذان والإقامة، فاتتك الصّلاة، جاز لك الاقتصار على التكبيرتين وعلى قولك: « قد قامت الصّلاة، قد قامت الصّلاة » ثمَّ تدخل في الصّلاة. وقد روي أنّه ينبغي أن تقول أنت ما يتركه من قول: « حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل ».

ولا بأس أن يؤذّن الصّبيّ الّذي لم يبلغ الحلم، ويقيم. وإن تولّى ذلك الرّجال، كان أفضل.

ولا يجوز الأذان قبل دخول الوقت. فمن أذّن قبل دخول الوقت، أعاده بعد دخول الوقت. ويجوز تقديم الأذان في صلاة الغداة خاصّة، إلّا أنّه يستحبّ إعادته بعد طلوع الفجر ودخول وقته.

والأفضل ألّا يؤذّن الإنسان إلّا وهو على طهر. فإن أذّن وهو على غير طهر، أو كان جنبا، أجزأه. ولا يقيم إلّا وهو على طهر على كلّ حال.

ولا بأس أن يؤذّن الإنسان وهو راكب أو ماش. ولا يقيم إلّا وهو قائم مع الاختيار. ولا بأس أن يؤذّن الإنسان ووجهه إلى غير القبلة، إلّا أنّه إذا شهد الشّهادتين، استقبل بهما القبلة. ولا يقيم إلّا ووجهه إلى القبلة.

ولا بأس أن يتكلّم في حال الأذان. ولا يجوز الكلام في حال الإقامة. وإذا قال: « قد قامت الصّلاة »، فقد حرّم الكلام على

٦٦

الحاضرين إلّا بما يتعلق بالصّلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ.

والترتيب واجب في الأذان والإقامة. فمن قدّم حرفا منه على حرف، رجع فقدّم المؤخّر وأخّر المقدّم منه.

ولا يجوز التّثويب في الأذان. فإن أراد المؤذّن إشعار قوم بالأذان، جاز له تكرار الشّهادتين دفعتين.

ولا يجوز قول « الصّلاة خير من النّوم » في الأذان. فمن فعل ذلك، كان مبدعا. ولا يجوز الأذان لشي‌ء من صلاة النّوافل.

والأذان والإقامة جميعا موقوفان، لا يبيّن فيهما الإعراب. وينبغي أن يكون الأذان مرتّلا والإقامة حدرا. وينبغي أن يفصح فيهما بالحروف، وبالهاء في الشهادتين.

ويستحبّ لمن سمع الأذان والإقامة أن يقول مع نفسه كما يسمعه. ولا بأس أن يؤذّن الرّجل ويقيم غيره. ويستحبّ أن يفصل الإنسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة. وأفضل ذلك السّجدة، إلّا في المغرب خاصّة، فإنّه لا يسجد بينهما. ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وإن كانت صلاة الظهر. جاز أن يؤذّن إذا صلّى ستّ ركعات من نوافل الزّوال، ثمَّ يقيم بعد الثّماني ركعات. وكذلك يؤذّن العصر بعد ستّ ركعات من نوافل العصر، ثمَّ يقيم بعد الثّماني ركعات. وإذا سجد الإنسان بين الأذان والإقامة، يقول في سجوده: « اللهمّ اجعل قلبي بارّا ورزقي دارّا، واجعل لي عند قبر نبيّك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مستقرّا

٦٧

وقرارا ». ويستحبّ أن يرفع الرّجل صوته بالأذان في منزله. فإن ذلك ينفي العلل والأسقام.

والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة عشر فصلا. يقول المؤذّن في أذانه: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله، حيّ على الصّلاة، حي على الصّلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلّا الله ».

والإقامة مثل ذلك، إلّا أنّه يقول في أوّل الإقامة مرّتين: « الله أكبر، الله أكبر » ويقتصر على مرّة واحدة: « لا إله إلّا الله » في آخره، ويقول بدلا من التكبيرتين في أوّل الأذان: « قد قامت الصّلاة، قد قامت الصّلاة » بعد الفراغ من قوله « حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل ».

وهذا الذي ذكرناه من فصول الأذان والإقامة هو المختار المعمول عليه. وقد روي سبعة وثلاثون فصلا في بعض الرّوايات. وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا.

فأمّا من روى سبعة وثلاثين فصلا، فإنّه يقول في أوّل الإقامة أربع مرّات « الله أكبر »، ويقول في الباقي كما قدّمناه. ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا، يضف الى ما قدّمناه من قول: « لا إله إلّا

٦٨

الله » مرّة أخرى في آخر الإقامة. ومن روى اثنين وأربعين فصلا، فإنّه يجعل في آخر الأذان التّكبير أربع مرّات، وفي أوّل الإقامة أربع مرات، وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرّات، ويقول: « لا إله إلّا الله » مرّتين في آخر الإقامة. فإن عمل عامل على إحدى هذه الرّوايات، لم يكن مأثوما.

وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول: « أشهد انّ عليا وليّ الله وآل محمّد خير البريّة » فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة. فمن عمل بها كان مخطئا.

ولا بأس أن يقتصر الإنسان في حال الاستعجال في الأذان والإقامة أو في حال السّفر والضّرورة على مرة مرّة. ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وإذا سمعت المؤذّن وقد نقّص من أذانه، أتممت أنت مع نفسك فصول الأذان.

باب كيفية الصلاة وبيان ما يعمل الإنسان فيها من الفرائض والسنن

إذا أردت الدّخول إلى الصّلاة بعد دخول وقتها، فقم مستقبل القبلة بخشوع وخضوع وأنت على طهر، ثمَّ ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك، ولا تجاوز بهما طرفي أذنيك، ثمَّ أرسلهما على فخذيك حيال ركبتيك ثمَّ ارفع يديك مرّة أخرى بالتكبير، وافعل كما فعلت في الأوّل، ثمَّ ارفعهما ثالثا، واصنع كما صنعت

٦٩

في الأوّلين. فإذا كبّرت ثلاث تكبيرات فقل: « اللهمّ أنت الملك الحقّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت ». ثمَّ تكبّر تكبيرتين أخريين، وتقول: « لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّر ليس إليك، والمهديّ من هديت. عبدك وابن عبديك، بين يديك. منك وبك ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجى ولا مفرّ منك إلّا إليك. سبحانك وحنانيك، سبحانك ربّ البيت الحرام.

ثمَّ تكبّر تكبيرتين أخريين وتقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ، وأنا من المسلمين. أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم.بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ثمَّ تقرأ « الحمد ». وإن قال: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ على ملّة إبراهيم ودين محمّد ومنهاج عليّ حنيفا مسلما » إلى آخر الكلام، كان أفضل. وهذه التكبيرات السّبع، واحدة منها، فريضة، ولا يجوز تركها، والباقي سنّة وعبادة. ورفع اليدين مع كلّ تكبيرة سنّة وفضيلة في الصّلاة. فلو لم يرفع الإنسان يديه مع كلّ تكبيرة، لم تبطل بذلك صلاته.

وقرّب بين قدميك في الصّلاة، واجعل بينهما مقدار ثلاث أصابع مفرجات الى شبر، واستقبل بأصابع رجليك جميعا القبلة. وينبغي أن يكون نظرك في حال قيامك الى موضع سجودك ولا تلتفت

٧٠

يمينا وشمالا، فانّ الالتفات يمينا وشمالا نقصان في الصّلاة، والالتفات إلى ما وراءك إفساد لها، ويجب عليك إعادتها. وعليك بالإقبال على صلاتك. ولا تعبث بيديك ولا بلحيتك ولا برأسك، ولا تفرقع أصابعك، ولا تحدّث نفسك، ولا تتثاءب، ولا تتمطّ، ولا تتلثّم، فإنّ فعل هذه الأشياء كلّها نقصان في الصّلاة وان كان ليس بمفسد لها.

فإذا فرغت من القراءة، رفعت يديك بالتكبير للرّكوع. فإذا كبّرت وفرغت من التّكبير، ركعت. واملأ كفّيك من ركبتيك منفرجات الأصابع، وردّ ركبتيك الى خلف، وسوّ ظهرك، ومدّ عنقك، وغمّض عينيك، فان لم تفعل، فليكن نظرك الى ما بين رجليك. ثمَّ تسبّح. فإذا فرغت من التسبيح، استويت قائما. فإذا استمكنت من القيام، قلت: « سمع الله لمن حمده، الحمد لله ربّ العالمين، أهل الجود والكبرياء والعظمة » ثمَّ ترفع يديك بالتكبير، وتكبّر.

فإذا فرغت من التّكبير أرسلت إلى السّجود، وتتلقّى الأرض بيديك. ولا تتلقّها بركبتيك، إلّا في حال الضّرورة. فإذا سجدت بسطت كفيك مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيك حيال وجهك ويكون سجودك على سبعة أعظم: الجبهة والكفّين والركبتين وإبهامي أصابع الرّجلين فريضة. وترغم بأنفك سنّة. وتكون في حال سجودك متفرجا لا يكون شي‌ء من جسدك على شي‌ء. ولا تفرش ذراعيك على الأرض، ولا تضعهما على فخذيك، ولا

٧١

تلصق بطنك بفخذيك، ولا فخذيك بساقيك. بل تكون معلّقا، لا يكون منك شي‌ء على شي‌ء. ثمَّ تسبّح للسجود.

فإذا فرغت منه رفعت رأسك من السّجود. فإذا استويت جالسا، قلت: « الله أكبر ». وليكن جلوسك على فخذك الأيسر. تضع ظاهر قدمك الأيمن على بطن قدمك الأيسر. وتقول: « أستغفر الله ربّي وأتوب إليه ». ولا بأس أن تقعد متربّعا أو تقعي بين السّجدتين. ولا يجوز ذلك في حال التّشهّد.

ثمَّ تقوم إلى الثانية فتصلّي ركعة أخرى على ما وصفناه، إلّا أنّك تقنت في الرّكعة الثّانية بعد الفراغ من القراءة ترفع يديك بالتكبير وتقول: « ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزّ الأجلّ الأكرم ». هذا أدنى ما تدعو به في القنوت. وإن زدت على ذلك من الدّعاء، كان أفضل. ويجوز أن تقتصر على ثلاث تسبيحات في القنوت.

فإذا فرغت من الرّكعة الثّانية، تشهّدت. فإذا فرغت من التشهّد، سلّمت، إن كانت الصّلاة ثنائيّة، وإن كانت ثلاثيّة أو رباعيّة، قمت إلى الثّالثة، وتقول: « بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ». وهكذا تقول إذا قمت إلى الركعة الثّانية من الرّكعة الأوّلية. ثمَّ تصلّي تمام الصّلاة على ما وصفناه.

فإذا فرغت من صلاتك، سلّمت. فإن كنت وحدك، سلّمت مرة واحدة تجاه القبلة، وأشرت بمؤخّر عينك إلى

٧٢

يمينك. وإن كنت إماما، فعلت أيضا مثل ذلك. إلّا أنّك تومئ إيماء بوجهك إلى يمينك. فإن كنت مأموما، سلّمت عن يمينك مرّة وعن يسارك مرّة أخرى، إذا كان على يسارك إنسان. فإن لم يكن على يسارك أحد أجزأك مرّة واحدة. فإذا فرغت من صلاتك عقّبت، وسنبيّن التعقيب في باب مفرد، إن شاء الله.

ولا يجوز التكفير في الصّلاة. فمن كفّر في صلاته مع الاختيار فلا صلاة له. فإن فعله للتّقيّة والخوف، لم يكن به بأس.

ويستحبّ التوجّه بسبع تكبيرات حسب ما قدّمناه في سبعة مواضع: في أوّل كل فريضة، وفي أوّل ركعة من ركعتي الإحرام، وفي أوّل ركعة من ركعتي الزّوال، وفي أوّل ركعة من الوتيرة، وفي أوّل ركعة من صلاة اللّيل، وفي أوّل ركعة من الوتر، وفي أوّل ركعة من نوافل المغرب. فمن لم يفعل ذلك، واقتصر على تكبيرة الإحرام، ثمَّ بدأ بالقراءة بعدها، أجزأه.

والمرأة تصلّي كما يصلّي الرّجل، غير أنّها تجمع بين قدميها في حال قيامها، ولا تفرّج بينهما وتضمّ يديها إلى صدرها. فإذا ركعت، وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تتطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها. فإذا جلست، فعلى إليتيها، كما يقعد الرجل. فإذا سقطت للسّجود، بدأت بالقعود ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض. فإذا جلست في تشهّدها، ضمّت فخذيها، ورفعت ركبتيها من الأرض. وإذا نهضت انسلّت انسلالا لا

٧٣

ترفع عجيزتها أوّلا.

ولا بأس أن يدعو الإنسان في الصّلاة في حال القنوت وغيره، بما يعرض له من الحوائج لدنياه وآخرته، ممّا أباحه الله تعالى له ورغبه فيه. وإن كان ممّن لا يحسن الدّعاء بالعربيّة، جاز له أن يدعو بلغته أيّ لغة كانت. ولا بأس بالرّجل أن يبكي أو يتباكى في الصّلاة خوفا من الله، وخشية من عقابه. ولا يجوز له أن يبكي لشي‌ء من مصائب الدّنيا.

وإذا عطس الرّجل في صلاته فليحمد الله تعالى. وإذا سلّم عليه وهو في الصّلاة، فلا بأس أن يردّ مثله في الجواب، يقول: « سَلامٌ عَلَيْكُمْ »، ولا يقول: « وعليكم السّلام ».

ويؤمر الصّبيّ بالصّلاة إذا بلغ ستّ سنين تأديبا، ويؤخذ به إذا بلغ تسع سنين سنّة وفضيلة، وألزم إلزاما إذا بلغ حدّ الكمال فرضا ووجوبا. ولا بأس أن يصلّوا جماعة مع الرّجال، غير أنّهم لا يمكّنون من الصّف الأوّل.

ويكره أن ينفخ الإنسان في الصّلاة موضع سجوده. فإن فعل، لم يكن عليه أصم. وإنما يكره ذلك إذا كان بجنبه من يصلّي يتأذّى بالغبار. ولا بأس أن يعد الإنسان الركعات بأصابعه أو بشي‌ء يكون معه من الحصى والنّوى وما أشبههما. ولا بأس أن يصلّي الإنسان وفي فيه خرز أو لؤلؤ ما لم يشغله عن القراءة أو الصّلاة. فإن شغله عنها، لم يجز الصّلاة فيه.

٧٤

باب القراءة في الصلاة وأحكامها والركوع والسجود وما يقال فيهما والتشهد

القراءة واجبة في الصّلاة. فمن تركها متعمّدا، فلا صلاة له. وإن تركها ناسيا، إن ذكر قبل الركوع، وجبت عليه القراءة. وإن ذكرها بعد الرّكوع، مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه.

وأدنى ما يجزي من القراءة في الفرائض الحمد مرة واحدة وسورة معها مع الاختيار، لا يجوز الزّيادة عليه ولا النّقصان عنه. فمن صلّى بالحمد وحدها متعمّدا من غير عذر، كانت صلاته ماضية، ولم يجب عليه إعادتها، غير أنّه يكون قد ترك الأفضل. وإن اقتصر على الحمد ناسيا أو في حال الضّرورة من السّفر والمرض وغيرهما، لم يكن به بأس، وكانت صلاته تامّة. ولا يجوز الاقتصار على أقلّ من الحمد في حال من الأحوال. فمن لا يحسن الحمد، أو يحسن منها بعضها، فصلّى بما يحسنه، كانت صلاته ماضية، غير أنّه يجب عليه تعلّم الحمد على التّمام ليصلّي بها إذا أمكنه ذلك. فإن لم يمكنه، لم يكن عليه شي‌ء. ومن لا يحسن غير الحمد، لم يكن به بأس في الاقتصار عليه، ولم يجب عليه زيادة التعلّم على ذلك، وكانت صلاته تامّة. وقراءة الأخرس وشهادته الشّهادتين، إيماء بيده مع الاعتقاد بالقلب.

ولا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض. فمن

٧٥

فعل ذلك متعمّدا، كانت صلاته فاسدة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. وكذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض سورة وهو يحسن تمامها. فمن اقتصر على بعضها وهو متمكن لقراءة جميعها، كانت صلاته ناقصة، وان لم يجب عليه إعادتها. والرّكعتان الأخراوان من الفرائض يقتصر فيهما على الحمد وحدها أو ثلاث تسبيحات، يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر » ثلاث مرّات، أيّ ذلك شاء، فعل مخيّرا له فيه.

وامّا صلاة النّوافل فلا بأس ان يقتصر على الحمد وحدها، غير أن الأفضل أن يضيف إليها غيرها من السّور. ولا بأس أن يقرأ في النّوافل أكثر من سورة واحدة، وكذلك إن قرأ من سورة، أو اقتصر على آية واحدة، لم يكن به بأس.

وقراءة «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » واجب في جميع الصّلوات قبل الحمد وبعدها، إذا أراد أن يقرأ سورة معها. ويستحبّ أن يجهر بـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » في جميع الصّلوات، وإن كانت ممّا لا يجهر بالقراءة فيها. فإن قرأها فيما بينه وبين نفسه، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

ومن ترك «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » في الصّلاة متعمّدا قبل « الحمد » أو بعدها قبل السورة، فلا صلاة له، ووجب عليه إعادتها. وان كانت الحال حال تقيّة، جاز له ان يقول فيما

٧٦

بينه وبين نفسه، وإن كانت الصّلاة ممّا يجهر فيها بالقراءة، فإن كان عليه بقيّة من سورة يريد قراءتها مع الحمد في النوافل، لم يجب قول «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » بل يبتدئ من الموضع الّذي يريده.

ولا يجوز قول « آمين » بعد الفراغ من الحمد. فمن قاله متعمّدا بطلت صلاته. ويستحبّ أن يفصل بين الحمد والسورة الّتي يريد قراءتها بسكتة، وكذلك يفصل بين الحمد والسورة الّتي يريد قراءتها بسكتة، وكذلك يفصل بين السّورة وتكبيرة الرّكوع. وينبغي أن يرتّل الإنسان قراءته، ويضع الحروف مواضعها. فإن لم يتأت له ذلك، لعدم علمه به، وامكنه تعلّمه على الاستقامة، وجب عليه ذلك. فان شقّ عليه ذلك، قرأ على ما يحسنه.

وإذا قرأ الإنسان في الفريضة سورة بعد الحمد، وأراد الانتقال الى غيرها، جاز له ذلك، ما لم يتجاوز نصفها، إلّا سورة الكافرين والإخلاص، فإنّه لا ينتقل عنهما، إلّا في صلاة الظّهر يوم الجمعة، فإنّه لا بأس أن ينتقل عنهما إلى سورة الجمعة والمنافقين.

ويقرأ الإنسان في الفريضة أيّ سورة شاء سوى العزائم الأربع، فإنّه لا يقرأها في الفريضة على حال.

وإذا أراد أن يقرأ سورة الفيل في الفريضة، جمع بينها وبين

٧٧

سورة الإيلاف، لأنّهما سورة واحدة، وكذلك « والضّحى » و « ألم نشرح ». وأفضل ما يقرأه الإنسان في الفريضة بعد الحمد « إنّا أنزلناه في ليلة القدر » و « قل هو الله أحد » و « قل يا أيّها الكافرون ». وهو مخيّر في ما سوى ذلك.

ولا يجوز أن يقرأ من السّور الطّوال في الفريضة، ما إن اشتغل بقراءتها، فاتته الصّلاة، بل يقرأ من السّور القصار والمتوسّطة.

ويستحبّ أن يقرأ في صلاة الظهر والعصر والمغرب مثل سورة القدر و « إذا جاء نصر الله » و « ألهيكم » و « إذا زلزلت » وما أشبهها من السّور القصار، ويقرأ في العشاء الآخرة مثل سورة الطّارق وسورة الأعلى و « إذا السّماء انفطرت » وما أشبهها من السّور، وفي صلاة الغداة مثل سورة المزّمّل والمدّثّر و « هل أتى على الإنسان » و « عمّ يتساءلون » وما أشبهها من السّور، كلّ هذا ندبا واستحبابا. فإن اقتصر على « قل هو الله أحد » في الصّلوات كلّها، جاز له ذلك. ويستحبّ أن يقرأ في صلاة الغداة يوم الخميس والاثنين « هل أتى على الإنسان »، وكذلك يستحبّ أن يقرأ ليلة الجمعة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة سورة الجمعة وسورة الأعلى، وفي غداة يوم الجمعة الجمعة و « قل هو الله أحد »، وفي الظهر والعصر من يوم الجمعة سورة الجمعة والمنافقين.

وامّا القراءة في النّوافل، فليقرأ من أيّ موضع شاء ما شاء.

٧٨

ويجوز قراءة العزائم فيها. فإن قرأ منها شيئا، وبلغ موضع السّجدة، فليسجد، ثمَّ ليرفع رأسه من السّجود، ويقوم بالتّكبير، فيتمّم ما بقي عليه من السّورة إن شاء. وإن كانت السّجدة في آخر السّورة، ولم يرد قراءة غيرها، قام من السّجود، وقرأ الحمد، ثمَّ ركع. ويستحبّ أن يقرأ في نوافل النّهار السّور القصار. والاقتصار على سورة الإخلاص أفضل.

ويستحبّ قراءة « قل يا أيّها الكافرون » في سبعة مواضع: في أوّل ركعة من ركعتي الزّوال، وفي أوّل ركعة من نوافل المغرب، وفي أوّل ركعة من صلاة اللّيل، وفي أوّل ركعة من ركعتي الفجر، وفي ركعتي الغداة إذا أصبحت بها، وفي ركعتي الطواف، وفي ركعتي الإحرام. وقد روي أنّه يقرأ في هذه المواضع في الرّكعة الأولى « قل هو الله أحد » وفي الثّانية « قل يا أيّها الكافرون ». فمن عمل بهذه الرّواية، لم يكن به بأس.

ويستحب أن يقرأ الإنسان في الرّكعتين الأوليين من صلاة اللّيل ثلاثين مرّة « قل هو الله أحد » في كل ركعة. وفي باقي صلاة اللّيل يستحبّ أن يقرأ فيها بالسّور الطّوال مثل الأنعام والكهف والأنبياء والحواميم وما جرى مجراها. هذا إذا كان عليه وقت كبير. فإن كان قريبا من الفجر، خفّف الصّلاة.

وينبغي للمصلّي أن يجهر بالقراءة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة. فإن خافت فيهما متعمّدا، وجبت عليه إعادة

٧٩

الصّلاة. ويخافت في الظهر والعصر. فإن جهر فيها متعمّدا، وجب عليه إعادة الصّلاة. وإن جهر فيما يجب فيه المخافتة، أو خافت فيما يجب فيه الجهر ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. وإذا جهر، لا يرفع صوته عاليا، بل يجهر متوسّطا. وإذا خافت، فلا يخافت دون إسماعه نفسه. ويستحبّ أن يجهر بالقراءة في نوافل صلاة اللّيل أيضا. فإن لم يفعل، فلا شي‌ء عليه. وان جهر في نوافل النّهار، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل في نوافل النّهار المخافتة.

وليس على المرأة الجهر بالقراءة في شي‌ء من الصّلوات.

والامام ينبغي أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حدّ العلوّ. فإن احتاج إلى ذلك، لم يلزمه، بل يقرأ قراءة وسطا. ويستحبّ للإمام أيضا أن يسمع من خلفه الشّهادتين في حال التّشهد. وليس على من خلفه أن يسمعه شيئا. ولا ينبغي أن يكون على فم الإنسان لثام في حال القراءة فإن كان، فعليه أن ينحيه، إن منع ذلك من سماع القراءة. فإن لم يمنع من ذلك، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

والإمام إذا غلط في القراءة ردّ عليه من خلفه. وإذا أراد المصلّي أن يتقدّم بين يديه في الصّلاة، امتنع من القراءة ويتقدّم. فإذا استقرّ به المكان، عاد إلى القراءة. ولا بأس أن يقرأ الإنسان في الصّلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793