النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225273 / تحميل: 6343
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الصدق مَنجاة

ما أكثر الأفراد الذين التزموا الصدق، في المواقع الحرجة، والمآزق الشديدة؛ وكان ذلك سبب خلاصهم.

لا يجهل أحد، مدى الجرائم التي قام بها الحَجَّاج بن يوسف الثقفي، والدماء التي أراقها بغير حَقٍّ.

وفي يوم مِن الأيَّام، جيء بجماعة مِن أصحاب عبد الرحمان مأسورين، وكان قد صمَّم على قتلهم جميعاً، فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام، ثمَّ قال:

إنَّ لي عليك حَقَّاً! فأنقذني وفاءً لذلك الحَقَّ.

قال الحَجَّاج: وما هو؟

قال: كان عبد الرحمان يسبُّك في بعض الأيَّام، فقمت ودافعت عنك.

قال الحَجَّاج: ألك شهود؟

فقام أحد الأُسارى وأيَّد دعوى الرجل، فأطلقه الحَجَّاج، ثمَّ التفت إلى الشاهد، وقال له: ولماذا لم تُدافع عنِّي في ذلك المجلس؟

أجاب الشاهد - في أتمِّ صراحة ـ: لأنِّي كنت أكرهك.

فقال الحَجَّاج: أطلقوا سراحه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤١

احِفظ الله يَحفظك

خطب الحَجَّاج مَرَّة فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، فإنَّ الوقت لا ينتظرك، والرَّبَّ لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه، وزعموا أنَّه مجنون، وسألوه أنْ يُخلِّي سبيله، فقال: إنْ أقرَّ بالجنون خلَّيت سبيله.

فقيل له، فقال: مَعاذ الله، لا أزعم أنَّ الله ابتلاني، وقد عافاني.

فبلغ ذلك الحَجَّاج فعفا عنه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤٢

المَنطق السليم

بلغ المنصور الدوانيقي، أنَّ مَبْلغاً ضَخماً مِن أموال بني أُميَّة مُودعة عند رجل، فأمر الربيع بإحضاره.

يقول الربيع: فأحضرت الرجل، وأخذته إلى مجلس المنصور.

فقال له المنصور: بلغني أنَّ أموال بَني أُميَّة مودَعة عندك، ويجب أنْ تُسلِّمني إيَّاها بأجمعها.

فقال الرجل: هل الخليفة وارث الأُمويِّين؟!

فأجاب: كلاَّ.

فقال: هل الخليفة وصيُّ الأُمويِّين؟!

فقال المنصور: كلاَّ.

فقال الرجل: فكيف تُطالبني بأموال بَني أُميَّة؟!

فأطرق المنصور بُرهةً، ثمَّ قال: إنَّ الأُمويِّين ظلموا المسلمين، وانتهكوا حُقوقهم، وغصبوا أموال المسلمين وأودعوها في بيت المال.

فقال الرجل: إنَّ الأُمويِّين امتلكوا أموالاً كثيرة، كانت خاصَّة بهم، وعلى الخليفة أنْ يُقيم شاهداً عدلاً، على أنَّ الأموال التي في يدي لبَني أُميَّة، هي مِن الأموال التي غصبوها وابتزُّوها مِن غير حَقٍّ.

فكَّر المنصور ساعة، ثمَّ قال للربيع: إنَّ الرجل يصدق.

فابتسم بوجهه، وقال له: ألك حاجة؟!

قال الرجل: لي حاجتان:

٤٣

الأُولى: أنْ تأمر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت؛ حتَّى يهدأ اضطرابهم، ويذهب رَوعهم.

والثانية: أنْ تأمر بإحضار مَن أبلغك بهذا الخبر؛ فو الله، لا توجد عندي لبَني أُميَّة وديعة أصلاً، وعندما أُحضرت بين يدي الخليفة، وعلمت بالأمر، تصوَّرت أنِّي لو تكلَّمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل.

فأمر المنصور الربيع بإحضار المُخبِر.

وعندما حضر نظر إليه الرجل نظرة، ثمَّ قال: إنَّه عبدي سَرَق مِنِّي ثلاثة آلاف دينار وهرب.

فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام، وأيَّد الغلام كلام سيِّده في أتمِّ الخَجَل، وقال: إنِّي اختلقت هذه التُّهمة لأنجو مِن القَبض عليَّ.

هنا رَقَّ قلب المنصور لحال العبد، وطلب مِن سيِّده أنْ يعفو عنه، فقال الرجل: عفوت عنه، وسأُعطيه ثلاثة آلاف أُخرى، فتعجَّب المنصور مِن كرامة الرجل وعظمته.

وكلَّما ذُكِر اسمه كان يقول: لم أرَ مثل هذا الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٤

النبي أولى بالمسلمين مِن أنفسهم

وزَّع رسول الله غنائم حُنين - تبعاً لمصالح مُعيَّنة - على المُهاجرين فقط، ولم يُعط الأنصار سَهماً واحداً...

ولمَّا كان الأنصار قد بذلوا جهوداً عظيمة، في رُفعة لواء الإسلام، وخدمات جليلة في نُصرة هذا الدين؛ فقد غَضب بعضهم مِن هذا التصرُّف، وحملوه على التحقير والإهانة، فبلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر بأنْ يُجمع الأنصار في مكان ما، وأن لا يشترك معهم غيرهم في ذلك المجلس، ثمَّ حضر هو وعلي (عليهما السلام)، وجلسا في وسط الأنصار، ثمَّ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: (أُريد أنْ أسألكم عن بعض الأمور فأجيبوني عليها).

قال الأنصار: سَلْ، يا رسول الله.

قال لهم: (ألم تكونوا في ضَلال مُبين، وهداكم الله بيَّ؟).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (ألم تكونوا على شَفا حُفرة مِن الهلاك والنار، والله أنقذكم بيَّ؟).

قالوا: بلى.

قال: (ألم يكن بعضكم عدوَّ بعض، فألَّف الله بين قلوبكم على يديَّ؟).

قالوا: بلى.

فسكت لحظة، ثمَّ قال لهم: (لماذا لا تُجيبونني بأعمالكم؟).

قالوا: ما نقول؟!

قال: (أما لو شِئتم لقُلتم: وأنت قد جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنَّاك، وجئتنا مُكَذَّباً فصدَّقناك...).

هذه الكلمات الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أفهمت الأنصار

٤٥

أنه لا يُنكَر فضلهم، ولا يُنسى جهودهم، ولم يكن ما صدر منه تِجاههم صادراً عن احتقار أو إهانة...

ولذلك فقد أثَّر فيهم هذا الكلام تأثيراً بالغاً، وارتفعت أصواتهم بالبُكاء، ثمَّ قالوا له: هذه أموالنا بين يديك، فإنَّ شِئت فاقسمها على قومك، وبهذا أظهروا ندمهم على غضبهم واستغفروه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللَّهمَّ اغفر للأنصار، ولأبنا الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٦

الكريم يَسأل عن الكريم

في إحدى الغزوات، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُصلِّي في مُعسكره، فمَرَّ بالمُعسكر عِدَّة رجال مِن المسلمين، وتوقَّفوا ساعة، وسألوا بعض الصحابة عن حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوا له، ثمَّ اعتذروا مِن عدم تمكُّنهم مِن انتظار النبي حتَّى يفرغ مِن الصلاة فيُسلِّموا عليه؛ لأنَّهم كانوا على عَجلٍ، ومضوا إلى سبيلهم. فانفتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُغضباً، ثم قال لهم: (يقف عليكم الركب ويسألونكم عنِّي، ويُبلِّغوني السلام، ولا تعرضون عليهم الطعام!).

ثمَّ أخذ يتحدَّث عن جعفر الطيار، وعظمة نفسه، وكمال أدبه، واحترامه للآخرين... (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٧

مَن كانت أفعاله كريمة اتَّبعه الناس

ليست فضيلة احترام الناس، وتكريمهم في الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء، خاصَّة بالمسلمين فيما بينهم فقط، فإنَّ غير المسلمين أيضاً، كانوا ينالون هذا الاحترام والتكريم مِن المسلمين، فقد تصاحب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رجل ذِمِّيٍّ خارج الكوفة، في أيَّام حكومته، وكان الذِمِّيُّ لا يعرف الإمام، فقال له: أين تُريد يا عبد الله؟

قال الإمام علي (عليه السلام): (أُريد الكوفة).

ولمَّا وصلا إلى مُفترق الطُّرق المؤدِّية إلى الكوفة، توجَّه الذِّمِّيِّ إلى الطريق الذي يُريده، وانفصل عن الإمام (عليه السلام)... ولكنَّه لم يَخطُ أكثر مِن بِضع خُطوات، حتَّى شاهد أمراً عَدَّه غريباً؛ فقد رأى أنَّ صاحبه الذي كان قاصداً الكوفة، ترك طريقه وشايعه قليلاً. فسأله ألست تقصد الكوفة؟

قال الإمام: (بلى؟).

قال الذِّمِّيُّ: (ذلك هو الطريق المؤدِّي إلى الكوفة).

قال الإمام: (أعلم ذلك).

سأل الذِّمِّيُّ باستغراب: ولماذا تركت طريقك؟

قال الإمام (عليه السلام): (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة، أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هُنيَّهة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيِّنا).

قال الذِّمِّيُّ: هكذا أمر نبيُّكم؟!

قال الإمام: (أجلْ).

٤٨

قال الذِّمِّيُّ: لا جَرَمَ، أنَّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة.

ثمَّ ترك طريقه الذي كان يقصده، وتوجَّه مع الإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، وهما يتحدَّثان عن الإسلام وتعاليمه العظيمة، فأسلم الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٩

انزل عن مِنبر أبي!

زيد بن علي، عن أبيه: (إنَّ الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى عمر بن الخطاب، وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال: انزل عن مِنبر أبي، فبكى عمر، ثم قال: صدقت - يا بُني - مِنبر أبيك لا منبر أبي. وقام عليٌّ (عليه السلام).

وقال: ما هو - والله - عن رأيي.

قال: صدقت! والله، ما اتَّهمتك يا أبا الحسن).

هذا دليل على أنَّ عمر أيضاً، كان يعرف أنَّ الحسين ذو شخصيَّة مُمتازة، وله إرادة مُستقلَّة، وليس كلامه صادراً عن تلقين مِن أبيه، بل هو نِتاج فِكره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٠

يَفرُّ مَن أخطأ!

قصد المأمون بغداد بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وخرج يوماً للصيد، فمَرَّ في أثناء الطريق برَهط مِن الأطفال يلعبون، ومحمد بن علي الجواد (عليه السلام) معهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنة فما حوله... فلمَّا رآه الأطفال فرُّوا، بينما وقف الجواد (عليه السلام) في مكانه ولم يَفرَّ. مِمَّا أثار تَعجُّب المأمون؛ فسأله:

لماذا لم تلحق بالأطفال حين فرُّوا؟

ـ يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضِيقٌ لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظنِّي بك حَسنٌ أنَّك لا تضرب مَن لا ذنب له فوقفت.

تعجَّب المأمون مِن هذه الكلمات الحكيمة، والمنطق الموزون، والنبرات المُتَّزنة للطفل فسأله: ما اسمك؟

ـ محمد.

ـ محمد ابن مَن؟

ابن عليٍّ الرضا...

عند ذاك ترحَّم المأمون على الرضا (عليه السلام)، ثمَّ ذهب لشأنه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥١

رِفقاً بالحسين!

روي عن أُمِّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، مُرضعة الحسين (عليه السلام) أنَّها قالت: أخذ مِنِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً أيَّام رضاعه، فحمله فأراق شيئاً على ثوبه، فأخذتُه بعنف حتَّى بكى. فقال (صلى الله عليه وآله): (مَهلاً يا أُمَّ الفضل، إنَّ هذا مِمَّا يُطهِّره الماء، فأيُّ شيء يُزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟!) (1).

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٢

كرهت أنْ أُعجِّله!

دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صلاة، والحسن مُتعلِّق، فوضعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانبه وصلَّى، فلمَّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي مِن بين القوم، فإذا الحسن على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمَّا سلَّم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سَجدت في صلاتك هذه سَجدةً ما كنت تسجدها! كأنَّما يوحى إليك؟!

فقال: (لم يوحَ إليَّ، ولكنَّ ابني كان على كتفي، فكرهت أنْ أُعجِّله حتَّى نزل).

هذا العمل مِن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه ولده الصغير، أمام ملأٍ مِن الناس، نموذج بارز مِن سلوكه في تكريم الطفل.

إنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل أقصى ما يُمكن مِن احترام الطفل، في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفيَّة بناء الشخصيَّة عند الطفل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٣

تكريم الطفل

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال: (صلَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر، فخفَّف في الرَّكعتين الأخيرتين.

فلمَّا انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟!

قال: وما ذاك؟

قالوا: خفَّفت في الرَّكعتين الأخيرتين.

فقال لهم: أما سمعتم صُراخ الصبي؟!).

هكذا نجد النبي العظيم، يُطيل في سجدته تكريماً للطفل تارة، ويُخفِّف في صلاته تكريماً للطفل أيضاً تارة أُخرى، وهو في كلتا الحالتين، يُريد التأكيد في احترام شخصيَّة الصبي، وتعليم المسلمين طريق ذلك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٤

هلاَّ ساويتَ بينهما؟!

نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (فهلاَّ ساويت بينهما!).

وفي حديث آخر: (اعدلوا بين أولادكم، كما تُحبُّون أنْ يعدلوا بينكم).

إنَّ الأمل الوحيد للطفل، ومبعث فرحه ونشاطه، هو عطف الوالدين وحنانهما، ولا يوجد عامل يُهدِّئ خاطر الطفل، ويبعث فيه الاطمئنان والسكينة، مِثل عَطف الوالدين، كما لا يوجد عامل يبعث فيه القَلق والاضطراب، مِثل فُقدان جزء مِن حَنان الوالدين أو جميعه.

إنَّ حسد الولد تِجاه أخيه الصغير، الذي وِلد حديثاً لا غرابة فيه؛ لأنَّه يشعر بأنَّ قِسماً مِن العناية، التي كانت مُخصَّصة له، قد سُلِبت منه، والآن لا يُستأثر باهتمام الوالدين. بلْ إنَّ الحُبَّ والحنان يجب أنْ يتوزَّع عليه وعلى أخيه الأصغر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٥

التصابي مع الصبي

عن يعلى العامري: أنَّه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طعام دُعي إليه، فإذا هو بحسين (عليه السلام) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) أمام القوم، ثمَّ بسط يديه، فطفر الصبي ههنا مَرَّة وههنا مَرَّة أُخرى، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُضاحكه حتَّى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذِقنه، والأُخرى تحت قَفاه، ووضع فاه على فيه وقبَّله.

إنَّ نبيَّ الإسلام العظيم، يُعامل سِبطه بهذه المُعاملة أمام الناس؛ لكي يُرشد الناس إلى ضرورة إدخال السرور على قلوب الأطفال، وأهميَّة اللعب معهم، فضلاً عن قيامه بواجب تربوي عظيم (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٦

أو ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله الرسول؟!

عن أبي رافع، قال: كنت أُلاعب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو صبيٌّ بالمَداحي، فإذا أصابت مِدحاتي مِدحاته؛ قلت احملني فيقول: (ويحَك! أتركب ظهراً حمله رسول الله؟!)، فأتركه.

فإذا أصابت مُدحاته مُدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني!

فيقول: (أوَ ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!)، فأحمله.

مِن هذا الحديث يظهر جليَّاً إباء الحسن (عليه السلام)، وعِزَّة نفسه، وعُظم شخصيَّته.

إنَّ الطفل الذي يُربيه الإسلام في حِجره، ويُحيي شخصيَّته النفسيَّة، يعتقد بسموِّ مقامه، ولا يرضى التكلُّم بذلَّة وحقارة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٧

وا حيائي مِنك يا أمير المؤمنين!

رأى الإمام علي (عليه السلام) امرأة في بعض الطُّرقات، تحمل قِربة مِن الماء، فتقدَّم لمُساعدتها، وأخذ القِربة وأوصلها إلى حيث تُريد، وفي الطريق سألها عن حالها، فقالت: إنَّ عليَّاً أرسل زوجي إلى إحدى النواحي فقُتِل، وقد خلَّف لي عِدَّة أطفال، لا أقدر على إعالتهم؛ فاضطررت للخدمة في بعض البيوت. فرجع عليٌّ (عليه السلام) وأمضى تلك الليلة في مُنتهى الانكسار والاضطراب، وعند الصباح حمل جِراباً مَملوءاً بالطعام، واتَّجه إلى دار تلك المرأة. وفي الطريق كان بعض الأشخاص يطلبون منه أنْ يَحمل عنه الجراب فيقول لهم: (مَن يحمل عني أوزاري يوم القيامة؟).

وصل إلى الدار، وطرق الباب، فقالت المرأة: مَن الطارق؟

قال: (الرجل الذي أعانك في الأمس على حمل القِربة. لقد جئتك ببعض الطعام لأطفالك).

فتحت الباب وقالت: رضي الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب!

فقال لها: (أتخبزين أم تُسكِّتين الأطفال فأخبز؟).

قالت: أنا أقدر على الخبز، فقُم أنت بتسكيت الأطفال.

أخذتْ المرأة تعجن الدقيق، وأخذ عليٌّ (عليه السلام) يخلط اللَّحم بالتمر، ويُطعم الأطفال منه، وكلَّما ألقم طفلاً لقمة قال له برفق ولين: (يا بُني، اجعل علي بن أبي طالب في حِلٍّ).

ولمَّا اختمر العجين، أوقد عليٌّ (عليه السلام) التنور، وفي الأثناء دخلت امرأة تعرفه، وما أنْ رأته حتَّى صاحت بصاحبة الدار ويحَك! هذا أمير المؤمنين!

فبادرته المرأة، وهي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين!

فقال: بلْ وا حيائي منكِ - يا أمة الله - فيما قصَّرت مِن أمرك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٨

لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصِّبيان

ورد في الحديث: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُصلِّي يوماً في فِئة، والحسين صغير بالقُرب منه، فكان النبي إذا سجد جاء الحسين (عليه السلام) فركب ظهره، ثمَّ حرَّك رجليه فقال: (حَلٍ، حَلٍ!).

فإذا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنْ يرفع رأسه، أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد إلى ظهره، وقال: (حَلٍ، حَلٍ!)، فلم يزل يفعل ذلك حتَّى فرغ النبي مِن صلاته.

فقال يهودي: يا محمد، إنَّكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان).

قال: فإنِّي أؤمن بالله وبرسوله؛ فأسلم لمَّا رأى كرمه مع عظيم قدره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٩

أين الدُّرُّ والذهب مِن سورة الفاتحة؟

كان عبد الرحمان السلمي، يُعلِّم وَلداً للإمام الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فعندما قرأ الطفل السورة كاملة أمام والده مَلأ الإمام فمَ مُعلِّمه دُّرَّاً، بعد أنْ أعطاه نقوداً وهدايا أُخَر. فقيل له في ذلك!

فقال (عليه السلام): (وأين يقع هذا مِن عطائه)، يعني: تعليمه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

وللأمّ الثّلث، وللأب ما يبقى، وهو السّدس.

وكذلك لو خلّف الرّجل امرأة وخالا أو خالة وعمّا أو عمّة، كان للزّوجة الرّبع من أصل المال، وللخال أو الخالة الثّلث، وما يبقى فهو للعمّ أو العمّة. فتكون الفريضة من اثنى عشر: للزّوجة الرّبع من ذلك ثلاثة، وللخال أو الخالة أو لهما الثّلث أربعة، وتبقى خمسة، فهي للعمّ أو العمّة أو لهما. وقد استوفيت الفريضة. وهذه المسألة أيضا مثل رجل مات وخلف زوجة وأبوين، يكون للزّوجة الرّبع وللأمّ الثلث، وما يبقى فيكون للأب مثل الأولى سواء.

وكذلك إن خلّفت المرأة أو الرّجل زوجا أو زوجة وبني خال أو بني خالة، وبني عمّ أو بني عمّة، كان للزّوج النّصف، وللزّوجة الرّبع، ولبني الخال أو الخالة الثّلث، وما يبقى فلبني العمّ أو العمّة. لأنّ النّقصان يدخل عليهم كما يدخل على الإخوة من قبل الأب وعلى الأب نفسه دون الإخوة من قبل الأمّ ودون الأمّ نفسها.

وكذلك إن خلّف الرّجل أو المرأة زوجا أو زوجة، وجدّا من قبل الأب أو جدّة، أو جدّا وجدّة من قبل الأمّ، أو جدّا وجدّة من قبلهما، كان للزّوج النّصف، أو للزّوجة الرّبع، والثّلث للجدّ أو الجدّة من قبل الأمّ أو لهما، وما يبقى فللجدّ

٦٦١

أو الجدّة أو لهما من قبل الأب، يدخل النّقصان عليهما كما دخل على الأب.

فإن خلّف الميّت عمّة لأب هي خالة لأمّ، وعمّة أخرى لأب، وخالة لأب وأمّ، كان للعمّتين من قبل الأب الثّلثان، اثنى عشر من ثمانية عشر سهما، لكلّ واحدة منهما ستّة، وللخالة من الأمّ التي هي إحدى العمّتين من الأب سدس الثلث، وهو واحد من ثمانية عشر، فيصير معها سبعة، وللخالة الأخرى من الأب والأمّ خمسة أسهم من ثمانية عشر سهما.

باب توارث أهل الملتين

الكافر لا يرث المسلم على حال من الأحوال، كافرا أصليا كان أو مرتدا عن الإسلام، ولدا كان أو والدا أو ذا رحم، زوجا كان أو زوجة.

والمسلم يرث الكافر على كلّ حال كائنا من كان، إلّا أن يكون هناك من هو أولى منه بالميراث، فمنعه إيّاه.

فإذا خلّف المسلم ولدا كافرا، ولم يخلّف غيره من ولد ولا والد ولا ذي رحم ولا زوج ولا زوجة، كان ميراثه لبيت المال.

فإن خلّف مع الولد الكافر ولدا آخر مسلما، كان المال له

٦٦٢

ذكرا كان أو أنثى دون الكافر.

فإن كان بدل الولد المسلم، والدا أو والدة أو أحد ذوي أرحامه، قريبا كان أو بعيدا، كان المال للمسلم كائنا من كان، وسقط الولد الكافر، ولا يستحقّ منه شيئا على حال.

فإن خلّف ولدين أو ثلاثة وما زاد عليهم مسلمين، وولدا كافرا، كان المال لولده المسلمين دون الكافر. فإن أسلم الولد الكافر قبل أن يقسم المال، كان له نصيبه معهم. وإن أسلم بعد قسمتهم المال، لم يكن له شي‌ء على حال.

فإن خلّف ولدا واحدا مسلما، وآخر كافرا، كان المال للمسلم دون الكافر. فإن أسلم الكافر، لم يكن له من المال شي‌ء، لأنّ المسلم قد استحقّ المال عند موت الميّت. وإنّما يتصوّر القسمة إذا كانت التّركة بين نفسين فصاعدا. فإذا أسلم قبل القسمة قاسمهم على ما بيّنّاه. وذلك لا يتأتى في الواحد على حال.

فإن خلّف أولادا مسلمين ووالدين كافرين، كان المال لأولاده المسلمين دون الوالدين. فإن أسلما أو واحد منهما قبل قسمة المال، كان له سهمه مع الأولاد. وإن أسلم بعد القسمة، لم يكن له شي‌ء على حال.

فإن خلّف والدين مسلمين وولدا كافرا، كان المال للوالدين المسلمين. فإن أسلم الولد قبل قسمة الوالدين المال، كان لهما

٦٦٣

سهمهما السّدسان. والباقي للولد. وإن أسلم الولد بعد قسمتهما المال لم يكن له شي‌ء على حال. وإن كان المسلم من الوالدين أحدهما، كان المال له. فإن أسلم بعد ذلك الولد، لم يقاسمه المال على الأصل الذي بيّنّاه.

وإن خلّف الميّت ولدا كافرا، أو والدين كافرين أو أحدهما وكان كافرا، وابن ابن ابن عمّ أو عمة، أو ابن ابن خال أو خالة، أو من هو أبعد منهم، وكان مسلما، كان الميراث للبعيد المسلم، دون الولد والوالدين الكفّار.

فإن أسلم الولد أو الوالدان أو أحدهما، قبل قسمتهم المال، رجع الميراث إليهم، وسقط ذوو الأرحام. وإن أسلموا بعد قسمة المال، لم يكن لهم شي‌ء على حال.

وإذا خلّفت المرأة زوجها وكان مسلما، وولدا أو والدا أو ذوي أرحام كفّارا، كان الميراث للزّوج كلّه، وسقط هؤلاء كلّهم. فإن أسلموا، ردّ عليهم ما يفضل من سهم الزوج.

وإن خلّف الرّجل امرأة مسلمة، ولم يخلّف وارثا غيرها مسلما، وخلّف ورّاثا كفّارا، كان ربع ما تركه لزوجته، والباقي لإمام المسلمين، وسقط هؤلاء كلّهم. فإن أسلموا بعد ذلك قبل قسمة المال، ردّ عليهم ما يفضل عن سهم الزّوجة وإن كان إسلامهم بعد ذلك، لم يكن لهم شي‌ء على حال.

وإذا خلّف الكافر وارثا مسلما، ولدا كان أو والدا، أو ذا

٦٦٤

رحم، قريبا كان أو بعيدا، ذكرا كان أو أنثى، أو زوجا أو زوجة ولم يخلّف غيره، كان المال له. فإن خلّف مع المسلم كائنا من كان، وارثا كافرا، قريبا أو بعيدا، أو زوجا أو زوجة كان الميراث للوارث المسلم دون الكافر. فإن أسلم الكافر قبل قسمة المال، كان له ميراثه على قدر استحقاقه. وإن أسلم بعد ذلك، لم يكن له شي‌ء على حال.

وإذا خلّف الكافر أولادا صغارا، وإخوة وأخوات من قبل الأب، وإخوة وأخوات من قبل الأمّ مسلمين، كان للإخوة والأخوات من قبل الأمّ الثّلث، وللإخوة والأخوات من قبل الأب الثّلثان، وينفق الإخوة من قبل الأمّ على الأولاد بحساب حقّهم ثلث النّفقة، وينفق الإخوة والأخوات من الأب بحساب حقهم ثلثي النّفقة. فإذا بلغ الأولاد، فأسلموا، سلّم الإخوة إليهم ما بقي من الميراث. وإن اختاروا الكفر، تصرّفوا في باقي التّركة، ولم يعطوا الأولاد منها شيئا.

وإن كان أحد أبوي الأولاد الصّغار مسلما، وخلّف إخوة وأخوات من قبل أب، أو من قبل أمّ، كان الميراث للأولاد الصّغار. فإذا بلغوا أجبروا على الإسلام. وقهروا عليه. فإن أبوا، كانوا بحكم المرتدّين، وجرى عليهم ما يجري عليهم سواء.

والمسلم إذا كان له أولاد ذمّيّون وقرابة كفّار ومولى نعمة مسلم،

٦٦٥

كان ميراثه لمولى نعمته المسلم دون أولاده وقراباته الكفّار.

والمسلمون يتوارث بعضهم من بعض، وإن اختلفوا في الآراء والدّيانات، لأنّ الذي به تثبت الموارثة، إظهار الشّهادتين، والإقرار بأركان الشّريعة من الصّلاة والزكاة والصّوم والحجّ، دون فعل الإيمان الذي يستحقّ به الثّواب.

والكفّار على اختلافهم يتوارث بعضهم من بعض، لأنّ الكفر كالملّة الواحدة، لقول ابي عبد الله،عليه‌السلام : « لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم ولا يرثونا » فجعل من خالف الإسلام ملّة واحدة.

والمسلم الذي ولد على الإسلام، ثمَّ ارتدّ، فقد بانت منه امرأته، ووجب عليها عدّة المتوفّى عنها زوجها، وقسم ميراثه بين أهله. ولا يستتاب بل يقتل على كلّ حال.

فإن لحق بدار الحرب، ثمَّ مات، وله أولاد كفّار، وليس له وارث مسلم، كان ميراثه لإمام المسلمين.

ومن كان كافرا، فأسلم، ثمَّ ارتدّ، عرض عليه الإسلام. فإن رجع إليه، وإلّا ضربت عنقه. فإن لحق بدار الحرب، ولم يقدر عليه، اعتدّت منه امرأته عدّة المطلّقة، ثمَّ يقسم ميراثه بين أهله. فإن رجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدّتها، كان أملك بها. وإن رجع بعد انقضاء عدّتها، لم يكن له عليها سبيل. فإن مات على كفره، وله أولاد كفّار، ولم يخلّف

٦٦٦

وارثا مسلما، كان ميراثه لبيت المال. وقد روي: أنّه يكون ميراثه لورثته الكفّار. وذلك محمول على ضرب من التّقية لأنّه مذهب العامّة.

باب الحر المسلم يموت ويترك وارثا مملوكا

المملوك لا يرث الحرّ ما دام مملوكا، ولدا كان أو والدا أو ذا رحم مع وجود غيره من الورثة الأحرار، سواء كان ذلك الغير ولدا أو والدا، أو ذا رحم، قريبا أو بعيدا، ذكرا كان أو أنثى، على كلّ حال.

فإن خلّف الميّت الحرّ ولدا مملوكا وآخر حرّا، كان ميراثه لولده الحرّ دون المملوك. فإن أعتق المملوك قبل قسمة المال بين الورثة الأحرار، كان له نصيبه معهم، على حسب استحقاقه. وإن أعتق بعد قسمة الميراث، فلا ميراث له.

وكذلك إن كان الوارث الحرّ واحدا، لم يرث معه المملوك، وإن أعتق، لأنّ عند موت الميّت قد استحقّ الحرّ الميراث.

وإن خلّف الميّت ولدا مملوكا، وذا رحم، بعيد منه أو قريب حرّ، كان الميراث لذي رحمه. دون ولده المملوك. فإن أعتق الولد قبل قسمة المال، كان المال له دون ذي رحمه. وإن أعتق بعد قسمة الميراث، لم يكن له شي‌ء على حال.

فإن خلّف ولدا مملوكا، ولولده ولد حرّ، كان الميراث لولد

٦٦٧

ولده الحرّ دون ولده المملوك، ولم يمنع ولد الولد الميراث من حيث كان من يتقرّب به مملوكا. وكذلك الحكم في باقي ذوي الأرحام.

فإن كان للميّت وارث حرّ، وزوج أو زوجة مملوك، كان الميراث للحرّ، ولم يكن للزّوج والزّوجة شي‌ء على حال. فإن خلّف زوجا أو زوجة حرّا ووارثا آخر مملوكا، كان المال للزّوج أو الزّوجة على ما بيّنّاه ميراثهما مع فقد الوارث.

وإذا لم يخلّف الميّت وارثا حرّا على وجه، وخلّف وارثا مملوكا، ولدا كان أو والدا، أو أخا أو إخوة، أو واحدا من ذوي أرحامه، وجب أن يشترى من تركته، وأعتق، وأعطي بقية المال، ولم يكن لمالكه الامتناع من بيعه، بل يقهر عليه. هذا إذا كان قدر ما خلّفه بقيمة المملوك أو أكثر منه. فإن كانت التركة أقلّ من قيمة المملوك، لم يجب شراء الوارث على حال، وكان المال لبيت مال المسلمين. وحكم الزّوج والزّوجة حكم ذوي الأرحام في أنّه إذا لم يخلّف غيرهما اشتريا وأعتقا وورّثا على ما بيّنّاه. وقال بعض أصحابنا: « أنّه إذا كانت التّركة أقلّ من ثمن المملوك، استسعي في باقيه ». ولست أعرف بذلك أثرا. وينبغي أن يكون العمل على ما قلناه.

وكذلك إن خلّف وارثين مملوكين كلّ واحد منهما يرث مع صاحبه مثل ولدين، أو والدين، أو ولدا ووالدين، أو

٦٦٨

ولدا وأحد الأبوين، وما أشبه ذلك، ولم يخلّف إلّا مقدار ما يشترى به أحدهما، لم يجب شراء واحد منهما على حال. لأنّ القدر الذي يستحقّه قد نقص عن ثمنه. وذلك لا يوجب شراءه على ما بيّنّاه.

وأمّ الولد تجعل في نصيب ولدها، وتنعتق على ما بيّنّاه، وليس لها ميراث.

باب ميراث الموالي مع وجود ذوي الأرحام ومع فقدهم

إذا مات المعتق، وخلّف ذا رحم له حرّا مسلما، ولدا كان أو والدا، أو ذا رحم قريبا أو بعيدا، وعلى كلّ حال، كانت تركته له دون مواليه الذين أعتقوه. فإن لم يخلّف أحدا من ذوي أرحامه، فهو على ضربين: فإن كان سائبة، وهو الذي أعتق في الواجبات من النذور والأيمان والكفّارات، أو يكون قد أعتقه مولاه وتبرّأ من ضمان جريرته، وأشهد على ذلك، كان ميراث هؤلاء كلّهم لإمام المسلمين، إذا لم يكونوا توالوا إلى أحد يضمن عنهم جريرتهم وحدثهم، لأنّه من الأنفال وإن لم يكن المعتق سائبة، كان ميراثه لمن أعتقه رجلا كان أو امرأة.

٦٦٩

فإن كان الذي أعتقه لم يكن حيّا، وكان له أولاد ذكور وإناث، كان ميراث المعتق لولده الذّكور منهم دون الإناث. فإن لم يخلّف غير إناث من الأولاد، وخلّف معهنّ عصبة، كان ميراثه لعصبة مولاه دون بناته.

والوالدان يرثان المعتق إذا لم يكن للمعتق ولد. فإن لم يكن له والدان، وكان له إخوة وأخوات من قبل أب وأم أو من قبل أب، كان ميراث المولى لهم بينهم للذّكر مثل حظّ الأنثيين. فإن كانوا من قبل أمّ، لم يكن لهم من ميراث المعتق شي‌ء على حال وكان المال للعصبة. فإن لم يكن له عصبة ولا أحد ممّن ذكرناه كان المال لبيت المال.

هذا إذا كان المعتق رجلا. فإن كانت امرأة، فميراث مولاها لها، إن كانت حيّة. وإن لم تكن حيّة فميراثه لعصبتها دون ولدها، ذكورا كانوا أو إناثا. وقد بيّنّا في باب الولاء من كتاب العتق تعلّق الولاء بعضه ببعض. فعلى ذلك تجري أحكام المواريث.

وسهم الزّوج والزّوجة ثابت في المعتق مع وجود ذوي الأرحام ومع فقدهم، والباقي إمّا للمولى أو للإمام.

ومن توالى إلى غيره، فضمن جريرته وحدثه، ثمَّ مات وخلّف وارثا قريبا كان أو بعيدا، كان ميراثه له دون من توالى إليه. فإن لم يكن له أحد من قريب ولا بعيد، وكان له زوج

٦٧٠

أو زوجة، كان له حقه، والباقي لمولاه الذي ضمن جريرته.

وإن مات، ولا يعرف له وارث، ولا يكون قد توالى إلى أحد، كان ميراثه للإمام. وهو القسم الثّالث من أقسام الموالي، وهو ميراث من لا وارث له، وذلك خاصّ له، لأنّه من الأنفال على ما بيّنّاه. وكان أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، يعطي ميراث من لا وارث له فقراء أهل بلده وضعفاءهم. وذلك على سبيل التبرّع منه،عليه‌السلام .

وإذا خلّف الميّت ولدا غائبا لا يعرف خبره، وورثة شهودا، غير أنّ الغائب أولى به من الحاضر، فإنّه توقف تركته إلى أن يجي‌ء الغائب. فإن تطاولت المدّة، قسم بين الحاضرين، وكانوا ضامنين له إن جاء. وإن مات في غيبته بعد الموروث منه، وله ورثة، كان هؤلاء ضامنين للمال لورثته.

ومتى خلّف إنسان مالا، وليس له وارث، ولم يتمكّن من إيصاله إلى سلطان الحق، قسم ذلك في الفقراء والمساكين، ولا يعطى سلطان الجور منه شيئا على حال، إلّا أن يتغلّب عليه أو يخاف سطوته، فيجوز حينئذ تسليمه إليه للتقيّة والخوف.

باب ميراث القاتل ومن يستحق الدية

القاتل على ضربين: قاتل عمد، وقاتل خطأ.

فإذا كان قاتل عمد، فإنّه لا يرث المقتول: لا من تركته، ولا من ديته، إن قبل أولياؤه الدّية، ولدا كان أو والدا،

٦٧١

قريبا كان أو بعيدا، زوجا كان أو زوجة. وتكون تركة المقتول وديته لمن عدا القاتل من ورثته قريبا كان أو بعيدا.

فإن لم يكن للمقتول أحد غير الذي قتله، كان ميراثه لبيت المال، ولا يعطى القاتل شيئا منه على حال.

فإن قتل الرّجل ابنه، لم يرثه. فإن كان للقاتل أب وابن، ورثا المقتول، وكان الميراث بينهما نصفين لأنّه جدّ المقتول وأخوه.

وإن قتل الرّجل أباه، لم يرثه على حال. فإن كان للأب أولاد غير القاتل، كان ميراثه لهم. فإن لم يكن له ولد غير القاتل، وكان لولده ولد، ورث جدّه المقتول دون أبيه القاتل، ولم يمنع المال حيث كان من يتقرّب به ممنوعا.

وإذا كان القاتل خطأ، فإنه يرث المقتول على كلّ حال، ولدا كان أو والدا أو ذا رحم، أو زوجا أو زوجة، من نفس التّركة ومن الدّية. وقد رويت رواية بأنّ القاتل لا يرث وإن كان خطأ. وهذه رواية شاذّة لا عمل عليها، لأنّ أكثر الرّوايات على ما قدّمناه. وكان شيخنا،رحمه‌الله ، يحمل هذه الرّواية على أنّه: إذا كان القاتل خطأ، فإنّه لا يرث من الدّية، ويرث من التّركة، ليجمع بين الأخبار. وعلى هذا أعمل، لأنّه أحوط.

وإذا كان للمقتول وارث كافر، كان ميراثه لبيت المال.

٦٧٢

فإن أسلم الكافر كان له الميراث والمطالبة بالدّم. وإن لم يسلم، وكان المقتول عمدا، كان الإمام وليّه، وهو مخيّر بين أن يأخذ الدّية، فيجعلها في بيت مال المسلمين، أو يقيد به القاتل. وليس له أن يعفو لأنّ ذلك ليس بحقّه، فيجوز له تركه، وإنّما هو حقّ لجميع المسلمين.

وإذا كان على المقتول دين، وجب قضاؤه من الدّية كما يجب قضاؤه من نفس التّركة، سواء كان المقتول عمدا أو خطأ وعلى كلّ حال.

وقاتل العمد إذا كان مطيعا بالقتل، لم يمنع الميراث ولم يحرمه. وإنّما يحرم، إذا كان ظالما. ومثال ما ذكرناه أن يقتل الرّجل أباه وهو كافر أو باغ على إمام عادل، أو قتله بأمر الإمام إمّا قودا أو لغير ذلك. فإن ميراثه منه ثابت، ولم يستحقّ الحرمان.

والدّية يستحقّها جميع ورثة المقتول على سهام الله تعالى: الوالدان والولد والإخوة والأخوات، وكلّ من يتقرّب من جهة الأب خاصّة ذكرا كان أو أنثى. ولا يستحقّها الإخوة والأخوات من قبل الأمّ ولا أحد من ذوي أرحامها.

والزّوج والزّوجة يرث كلّ واحد منهما الآخر من نفس الدّية كما يرثه من نفس التّركة ما لم يقتل أحدهما صاحبه. فإن قتله، منع الميراث من التّركة والدية معا على ما بيّنّاه.

٦٧٣

والمطلّقة طلاقا يملك رجعتها إذا قتلت، ورثها الزّوج من تركتها وديتها. وان قتل الزّوج، ورثته أيضا مثل ذلك، ما دامت في العدّة من التّركة والدّية وتكون عليها عدّة المتوفّى عنها زوجها. فإذا خرجت من العدة لم يكن لها ميراث على حال. وكذلك إن كان طلاقا لا يملك فيها الرّجعة، لم يكن لواحد منهما ميراث من صاحبه على ما بيّنّاه.

باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد ومن يشكل أمره من الناس

إذا غرق جماعة يتوارثون في وقت واحد، أو انهدم عليهم حائط، وما أشبه ذلك، ولم يعلم: أيّهم مات قبل صاحبه، ورّث بعضهم من بعض من نفس تركته لا ممّا يرثه من الآخر، يقدّم الأضعف في استحقاق الميراث ويؤخّر الأقوى ذلك.

مثال ذلك زوج وزوجة غرقا، فإنّه تفرض المسألة: كأنّ الزّوج مات أوّلا، وتورّث منه الزّوجة، لأنّ سهمها في الاستحقاق أقلّ من سهم الزّوج، ألا ترى أن أكثر ما تستحقّه المرأة الرّبع، والرّجل أكثر ما يستحقّه النّصف، فهو أقوى حظّا منها، فتعطى المرأة حقّها منه، والباقي لورثته. ثمَّ تفرض المسألة: بأنّها ماتت أوّلا، ويورّث الزّوج منها حقّه من نفس تركتها، لا ممّا ورثته، وتعطى ورثتها بقيّة المال.

ومثل أب وابن، فإنّه يفرض: كأنّ الابن مات أوّلا

٦٧٤

فيورّث الأب منه، لأنّ سهمه السّدس مع الولد، والباقي للابن فهو أضعف منه وتعطى ورثته ما يبقى من المال. ثمَّ تفرض المسألة أنّ الأب مات فيعطى الابن حقّه منه، والباقي لورثته. فإن فرضنا في هذه المسألة أنّ للأب وارثا، غير أنّ هذا الولد أولى منه، وفرضنا أنّ للولد وارثا، غير أنّ أباه أولى منه، فإنّه يصير ميراث الابن لورثة الأب، وميراث الأب لورثة الابن. لأنّا إذا فرضنا موت الابن أوّلا، صارت تركته للأب، وإذا فرضنا موت الأب بعد ذلك، صارت تركته خاصّة للولد، وصار ما كان ورثه من ابنه لورثته الأخر. وكذلك إذا فرضنا موت الأب تصير تركته خاصّة لورثة الابن، وعلى هذا يجري أصل هذا الباب.

فإن مات نفسان أحدهما لم يخلّف شيئا، والآخر خلّف، فالذي خلّف يرثه الآخر، وينتقل منه إلى ورثته دون ورثة الذي خلّف.

مثال ذلك المسألة الأولى: الأب والابن. فإنّه إن فرضنا أنّ الابن لم يخلّف شيئا، فالأب ليس له منه حظ. فإذا قدّرنا بعد ذلك موت الأب، ورثه الابن، فصارت تركة الأب لورثة الابن، وكذلك إن فرضنا انّ الابن له مال، وليس للأب مال، فإنّه إذا فرضنا موت الابن، انتقلت تركته إلى الأب. فإذا فرضنا بعد ذلك موت الأب لم يكن له شي‌ء إلى الابن. لأنّ الذي ورثه من الابن لا يرث الابن منه على ما بيّنّاه،

٦٧٥

فيصير ما ورثه من ابنه لورثته خاصة.

وللمسألة مثال آخر. وهو أن يفرض في أخوين معتقين ماتا، يرث كلّ واحد منهما صاحبه، ولأحدهما مال، وليس للآخر شي‌ء، ولهما موليان، ليس لهما غيرهما من الورّاث، فيصير ميراث الذي له مال لمولى الذي ليس له مال. لأنّا إذا فرضنا موت أحدهما الذي له مال، ورثه الآخر الذي ليس له مال. فإذا فرضنا بعد ذلك موته، لم يكن له شي‌ء له يرثه الآخر. والذي ورثه من أخيه ليس له وارث يرثه، فيصير لمولاه الذي أعتقه.

وهذه المسألة لا ترجيح فيها لتقديم أحدهما في التوريث على الآخر. لأنّه إن كانا أخوين من أب أو من أب وأم أو من أمّ، فإنّه يرث كلّ واحد منهما صاحبه مثل ما يرثه صاحبه من غير زيادة ولا نقصان، فليس أحدهما أقوى من الآخر. وإذا كانا كذلك، فأنت مخيّر في تقديم أيّهما شئت.

وإذا غرق نفسان ليس لكلّ واحد منهما وارث غير صاحبه، فميراثهما لبيت المال. لأنّ ما ينتقل إلى كلّ واحد منهما من صاحبه لا وارث له، فيصير ذلك لبيت المال. فإن كان أحدهما له وارث من ذي رحم أو مولى نعمة أو مولى ضامن جريرة أو زوج أو زوجة، فإنّ ميراث الذي له وارث لمن ليس له وارث، وينتقل منه إلى بيت المال، ويصير مال من ليس له وارث لمن له وارث، فينتقل منه إلى ورثته. وعلى هذا

٦٧٦

المثال يجري هذا الباب. فينبغي أن يتأمّل ما فيه، فإنّه يطلع منه على كلّ ما يرد من هذا الباب.

وإذا غرق نفسان في حالة واحدة يرث أحدهما صاحبه والآخر لا يرثه لا يورّث بعضهم من بعض، ويكون ميراث كلّ واحد منهما لورثته. مثال ذلك أن يغرق أخوان، ولأحد الأخوين أولاد، فإن مع وجود الأولاد لا يرثه الآخر، وأخوه ليس له ولد ولا والد إن صحّ أن يرثه هذا الأخ. فإذا كان كذلك، فينبغي أن يسقط هذا الحكم، لأنّه إنّما جعل ذلك بأن قيل: يورّث بعضهم من بعض. فإذا لم يصحّ ذلك فيه، فالحكم ساقط.

وإذا مات نفسان حتف أنفهما، لم يورّث بعضهما من بعض، ويكون ميراث كلّ واحد منهما لمن يرثه من الورّاث الأحياء، لأنّ هذا الحكم جعل في الموضع الذي يجوز فيه تقديم موت كلّ واحد منهما على صاحبه.

وإذا خلّف الميّت وارثا له ما للرّجال وما للنّساء، فإنّه يعتبر حاله بالبول، فأيهما سبق منه البول، ورّث عليه. فإن خرج من الموضعين سواء فأيّهما انقطع منه البول ورّث عليه. فإن انقطع منهما معا، ورّث ميراث الرّجال والنساء: نصف ميراث الرّجال ونصف ميراث النساء.

وقد روي عن أبي الحسن الثّالث،عليه‌السلام ، أنّه سأله

٦٧٧

يحيى بن أكثم عن هذه المسألة، وقال له: من ينظر إلى المبال: الرّجل أو المرأة؟ فإن نظر الرّجل، فإنّه لا يؤمن أن يكون الشّخص امرأة، ولا يحلّ له النّظر إلى فرجها. وان نظرت امرأة، فلا يؤمن أيضا أن يكون الشّخص رجلا، وليس لها أن تنظر إلى فرج رجل ليس بذي محرم لها ولا زوج. فأجاب،عليه‌السلام ، بأن قال: ينظر قوم عدول، يأخذ كلّ واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة، فينظرون في المرآة، فيرون شبحا فيها، فيحكمون عليه.

وقد روي أنّه تعدّ أضلاعه من الجانبين: فإن تساويا، ورّث ميراث المرأة، وإن زاد أحدهما على الآخر، ورّث ميراث الرّجال.

والأول أحوط وأكثر في الرّوايات.

فإن خلّف الميّت مولودا ليس له ما للرّجال ولا ما للنّساء، فإنّه يورّث بالقرعة، فيكتب على سهم « عبد الله » وعلى سهم آخر « أمة الله »، ويخلّطان بالرّقاع المبهمة، ثمَّ يستخرج واحد منهما، فأيهما خرج، ورّث عليه.

وإذا خلف الميّت شخصا له رأسان أو بدنان على حقو واحد، ترك حتّى ينام، ثمَّ ينبّه أحدهما: فإذا انتبه الآخر معه، ورّث ميراث شخص واحد، وإن لم ينتبه الآخر، ورّث ميراث شخصين.

٦٧٨

باب ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا والحميل واللقيط والمشكوك فيه

ولد الملاعنة لا يرثه أبوه سواء اعترف به بعد اللّعان أو لم يعترف به، ولا أحد من جهته من جدّ وجدّة وأخوات وعمومة وعمّات وأولادهم، وهو لا يرث واحدا منهم أيضا على حال. اللهمّ إلّا أن يعترف به أبوه بعد انقضاء اللّعان. فإن اعترف به، ورث الابن الأب دون غيره ممّن يتقرّب إليه من جهته، وميراثه لولده ومن يرث معهم من أمّ وزوج أو زوجة.

فإن لم يكن له ولد، فميراثه لأمّه إذا كانت حيّة. فإن لم تكن حيّة، فلإخوته وأخواته أو أولادهم من جهتها، الذّكر والأنثى فيه سواء.

فإن كان مع الإخوة والأخوات أو أولادهم جدّ أو جدّة، قاسمهم كواحد منهم. فإن لم يكن له إخوة ولا أخوات ولا أولادهم ولا جدّ ولا جدّة، فميراثه لأخواله وخالاته بينهم بالسّويّة. فإن لم يكن له أحد منهم، فميراثه لأقرب النّاس إليه من جهة أمّه، ويكون الذّكر والأنثى فيه سواء.

فإن لم يكن له أحد من قبل أمّه، وكان له أقارب من جهة أبيه الذي نفاه، كان ميراثه لإمام المسلمين، ولم يكن لأقاربه من جهة أبيه شي‌ء على حال.

وولد الملاعنة يرث أمّه وجميع من يتقرّب إليه من جهتها

٦٧٩

من إخوة وأخوات وجد وجدّة وخال وخالة وغيرهم من الأقارب منها.

وقد روي أنّه لا يرث أحدا منهم، وهم يرثونه. والأوّل أحوط، لأنّ نسبه من جهة الأمّ ثابت نسبا شرعيّا، وبه تثبت الموارثة في شريعة الإسلام.

وقد روي أنّ ميراث ولد الملاعنة ثلثه لأمّه، والباقي لإمام المسلمين، لأنّ جنايته عليه، والعمل على ما قدّمناه.

فإن ترك ولد الملاعنة أخوين له أو أختين أو أخا وأختين، أحدهما أخا كان أو أختا من قبل الأب والأمّ، والآخر من قبل الأمّ، فالمال بينهما نصفين، لأنّ نسب الأخ من جهة الأب غير معتدّ به. وإنّما يعتدّ بما كان من جهة الأمّ. فكأنّه خلّف أخوين لأمّ وأختين لها، أو أخا وأختا لها، فيكون المال بينهما نصفين. فإن خلّف ابن أخيه لأمّه وابنة أخته لها، كان المال أيضا بينهما نصفين. وكذلك إن ترك بنت أخيه لأمّه وابن أخته لها، كان المال بينهما نصفين. لأنّ كلّ واحد منهما يأخذ نصيب من يتقرّب به، ومن يتقرّبون به من الأخ والأخت متساويان في القسمة. وكذلك إن خلّف أخا وأختا أو ابن أخ أو ابن أخت مع جدّ وجدّة من قبلها، كان المال بينهما أثلاثا لمثل ما ذكرناه.

وعلى هذا الأصل يجري ميراث ولد الملاعنة، فينبغي أن

٦٨٠

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793