النهاية الجزء ١

النهاية10%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225285 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

يعرف ويعتمد عليه إن شاء الله.

وأمّا ولد الزّنا، فإنّه لا يرثه أحد إلّا ولده أو زوجه أو زوجته، وهو أيضا لا يرث أحدا إلّا ولده أو زوجه أو زوجته. فإن مات، وليس له ولد ولا زوج ولا زوجة، فميراثه لإمام المسلمين، ولا يرثه أبواه، ولا أحد ممّن يتقرّب بهما إليه على حال.

وقال بعض أصحابنا أنّ ميراث ولد الزّنا مثل ميراث ولد الملاعنة. والمعتمد ما قلناه.

وأمّا الحميل، فهو الذي يجلب من بلاد الكفر، ويسترقّ فإذا تعارف منهم اثنان أو جماعة بنسب يوجب بينهم الموارثة في شرع الإسلام، فإنّه يقبل قولهم في ذلك، ويورّثون على نسبهم، ولا يطالبون بالبيّنة على ذلك على حال.

وأمّا اللّقيط، فإن كان توالى إلى إنسان ضمن جريرته وحدثه، فإنّه يكون ميراثه له وحدثه عليه. فإن لم يكن له مولى، كان ميراثه لبيت المال، وليس لمن التقطه وربّاه شي‌ء من ميراثه. فإن طلب ما كان أنفقه عليه، كان له أخذه من أصل تركته، والباقي لبيت المال.

وأمّا المشكوك فيه، فهو أن يطأ الرّجل امرأته أو جاريته، ثمَّ يطأها غيره في تلك الحال، وتجي‌ء بالولد، فإنّه لا ينبغي له أن يلحقه به لحوقا صحيحا، بل ينبغي له أن يربّيه،

٦٨١

وينفق عليه. فإذا حضرته الوفاة، عزل له شيئا من ماله قدر ما يتقوّى به على شأنه. وإن مات هذا الولد، لم يكن له شي‌ء من تركته، وكانت لبيت المال، إن لم يخلّف ولدا ولا زوجا ولا زوجة.

وإذا وطئ نفسان فصاعدا جارية مشتركة بينهما، فجاءت بولد، أقرع بينهم. فمن خرج اسمه، ألحق الولد به، وضمن للباقين من شركائه حصّتهم، وتوارثا. فإن وطئها نفسان في طهر واحد، بعد انتقال الملك من واحد منهما إلى الآخر، كان الولد لاحقا بمن عنده الجارية، ويرثه الأب، والولد أيضا مثل ذلك يرثه.

ومن تبرّأ عند السّلطان من جريرة ولده ومن ميراثه، ثمَّ مات الولد وله مال، كان ميراثه لعصبة أمّه دون أبيه.

باب ميراث المماليك والمكاتبين

المملوك لا يملك شيئا يستحقّه ورثته من الأحرار، بل ماله لمولاه، وكذلك حكم المدبّر.

فأمّا المكاتب، فهو على ضربين: مشروط عليه، ومطلق.

فإذا كان مشروطا عليه، فحكمه حكم المماليك.

وإن كان غير مشروط عليه، فإنّه يرث ويورث بقدر ما أدّى من مكاتبته من غير زيادة ولا نقصان، ويحرم ما زاد على ذلك.

٦٨٢

وإذا اشترط المكاتب على الذي كاتبه بأن يكون ولاؤه له، كان شرطه صحيحا. فإن شرط أن يكون ميراثه له دون ورثته، كان ذلك باطلا.

وكذلك إذا كان عبد بين شريكين، أعتق أحدهما نصيبه، ثمَّ مات، وخلّف مالا، كان نصف ما ترك للذي لم يعتق، والباقي لورثته. فإن لم يكن له ورثة، كان ذلك لمولاه الذي أعتقه على ما بيّنّاه.

باب ميراث المجوس وسائر أصناف الكفار

اختلف أصحابنا في ميراث المجوس:

فقال قوم إنّهم يورّثون بالأنساب والأسباب الصّحيحة التي يجوز في شرع الإسلام، ولا يورّثون بما لا يجوز فيه على حال.

وقال قوم: إنّهم يورّثون بالأنساب على كلّ حال، ولا يورّثون بالأسباب إلّا بما هو جائز في شريعة الإسلام.

وقال قوم: انّهم يورّثون من الجهتين معا سواء كان ممّا يجوز في شريعة الإسلام أو لا يجوز.

هذا القول عندي هو المعتمد عليه، وبه تشهد الرّوايات. وأيضا فإنّ أنسابهم وأسبابهم، وإن لم تكن جائزة في شريعة الإسلام، فهي جائزة عندهم، وهي نكاح على رأيهم ومذهبهم، وقد أمرنا أن نقرّهم على ما يرونه من المذاهب ونهينا عن قذفهم

٦٨٣

بالزّنا. وقيل: أليس ذلك عندهم نكاحا. وإذا كان ذلك ثابتا، فينبغي أن يكون العمل عليه. مع أنّه قد رويت الرّواية الصّريحة، وقد أوردناها في كتاب « تهذيب الأحكام » بأنّهم يورّثون من الجهتين جميعا، وإن كان ذلك باطلا في شريعة الإسلام.

فأمّا من عدا المجوس من الكفّار، فإذا تحاكموا إلينا ورثناهم أيضا على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء.

باب الإقرار بوارث

إذا أقرّ الإنسان بولد، ألحق به، سواء كان إقراره به في صحّة أو مرض، وتوارثا معا، سواء صدّقه الولد أو كذّبه، إلّا أن يكون الولد مشهورا بغير ذلك النّسب. فإن كان كذلك، لم يلحق به. فإن نفى من كان أقرّ به، لم يلتفت إلى نفيه، وألحق به.

وإذا أقرّ الإنسان بوالد أو والدة، وكانا مصدّقين له، قبل إقراره، وتوارثا. فإن لم يكونا مصدّقين له، لم يلتفت إلى إقراره.

وإذا أقرّ بزوجة، وكانت مصدّقة له، قبل إقراره، وتوارثا. وإن لم تكن مصدّقة له، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة.

٦٨٤

وكذلك إن أقرّت المرأة بزوج، كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك سواء.

وإذا أقرّ الإنسان بولد ولد أو أخ أو أخت أو جدّ أو جدّة أو عمّ أو عمّة أو خال أو خالة أو أحد ذوي أرحامه، وكان له ورثة مشهوري النّسب، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة، ولم يتوارثا سواء صدّقه المقرّ له في قوله أو كذّبه. فإن لم يكن ورثة غير الذي أقرّ به، فإن كان يصدّقه المقرّ له، توارثا، وإن لم يصدّقه وكذّبه في إقراره، ولم يلتفت إلى إقراره.

وإذا مات إنسان، وخلّف ورثة، فأقرّ بعض الورثة بوارث آخر بالنّسب، فإن كان المقرّ له أولى به من المقرّ، أعطاه جميع ما في يده، وإن كان مثله سواء، أعطاه مقدار ما كان يصيبه من سهمه لا أكثر من ذلك ولا أقلّ منه.

ومتى أقرّ بورثة جماعة، كان الحكم أيضا فيه مثل ذلك سواء. فإن أقرّ بوارثين، أحدهما أولى من صاحبه، غير أنّهما جميعا أولى منه بالمال، أعطى جميع ما في يديه للذي هو أولى بالميّت، وسقط الآخر.

فإن أقرّ بوارثين فصاعدا متساويين في الميراث، وتناكروا هم ذلك النّسب، لم يلتفت إلى إنكارهم، وقبل إقراره لهم. وإذا أنكروا إقراره أيضا، لم يكن لهم شي‌ء من المال. وإن أقرّوا له بمثل ما أقرّ به، توارثوا بينهم إذا كان المقرّ له

٦٨٥

ولدا أو والدا. فإن كان غيرهما من ذوي الأرحام، لم يتوارثوهم وإن صدّق بعضهم بعضا. ولا يعدّى الحكم فيه مال الميّت على حال.

فإن أقرّ بوارث أولى منه بالمال، وجب أن يعطيه المال على ما بيّنّاه. فإن أقرّ بعد ذلك بوارث آخر هو أولى منهما، لزمه أن يغرم له مثل جميع المال.

فإن أقرّ بعد ذلك بوارث آخر هو أولى منهم كلّهم، لزمه أن يغرم أيضا مثل جميع المال. ثمَّ على هذا المثال بالغا ما بلغ إقراره.

فإن أقرّ بوارث أولى منه بالمال، فأعطاه ما في يده، ثمَّ أقرّ بوارث مساو للمقرّ له في الميراث، لزمه أن يغرم له مثل ما كان يصيبه من أصل التّركة.

فإن أقرّ بوارث مساو له في الميراث، فقاسمه المال، ثمَّ أقرّ بوارث أولى منهما، لزمه أن يغرم له مثل جميع المال على هذا المثال بالغا ما بلغ إقراره.

فإن أقرّ بزوج للميّتة، أعطى الزّوج مقدار ما كان يصيبه من سهمه. فإن أقرّ بعد ذلك بزوج آخر، كان إقراره باطلا، اللهمّ إلّا أن يكذّب نفسه في الإقرار بالزّوج الأوّل، فليلزمه حينئذ أن يغرم للزّوج الثّاني، وليس له على الأوّل سبيل.

فإن أقرّ الولد بزوجة للميت، أعطاها ثمن ما كان في يده. فإن أقرّ بزوجة أخرى، أعطاها أيضا نصف ثمن ما في

٦٨٦

يده. فإن أقرّ بثالثة، أعطاها ثلث ثمن ما في يده. فإن أقرّ برابعة، أعطاها ربع ثمن ما في يده. فإن أقرّ بخامسة، وقال: إنّ إحدى من أقرّ لها، ليست زوجة، لم يلتفت إلى إنكاره لها، ولزمه أن يغرم للتي أقرّ لها بعد ذلك. وإن لم ينكر واحدة من الأربع، لم يلتفت إلى إقراره بالخامسة، وكان باطلا. فإن أقرّ لأربع نسوة في دفعة واحدة، لم يكن لهنّ أكثر من الثمن بينهنّ بالسّويّة.

ومتى أقرّ اثنان من الورثة بوارث آخر، فإن كانا مرضيّين مشهوري العدالة، قبلت شهادتهما للمقرّ له، وألحق نسبه بالميّت، وقاسم الورّاث إلّا أن يكون مشهورا بغير ذلك النّسب. فإن كان كذلك، لم يلتفت إلى إقرارهما وشهادتهما.

فإن كانا غير مرضيّي العدالة، لم يثبت نسب المقرّ له، ولزمهما في نصيبهما بمقدار ما كان يصيبه من حظّهما، لا أكثر من ذلك ولا أقلّ، كما ذكرناه في المقرّ الواحد.

وكذلك الحكم في المسائل الأخر، لا يختلف الحكم فيها فينبغي أن يعرف هذا الباب، ويعتمد عليه، فإنّه يشرف به على سائر ما طوّل به من المسائل في الكتب، وأصولها ما لخّصناه.

٦٨٧

كتاب الحدود

باب ماهية الزنا وما به يثبت ذلك

الزّنا الموجب للحدّ هو وطء من حرّم الله تعالى وطأه من غير عقد ولا شبهة عقد، ويكون الوطء في الفرج خاصّة، ويكون الواطئ بالغا كاملا.

فأمّا العقد فهو ما ذكرناه في باب النّكاح من أقسامه ممّا قد أباحه الله تعالى في شريعة الإسلام.

وأمّا شبهة العقد، فهو أن يعقد الرّجل على ذي محرم له من أمّ أو بنت أو أخت أو عمّة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت، وهو لا يعرفها ولا يتحقّقها، أو يعقد على امرأة لها زوج، وهو لا يعلم ذلك، أو يعقد على امرأة، وهي في عدّة لزوج، إمّا عدّة طلاق رجعيّ أو بائن، أو عدّة المتوفّى عنها زوجها، وهو جاهل بحالها، أو يعقد عليها وهو محرم أو هي محرمة ناسيا، ثمَّ علم شيئا من ذلك، فإنه يدرأ عنها الحدّ، ولم يحكم له بالزّنا.

فإن عقد على واحدة ممّن ذكرناه عالما أو متعمّدا، ثمَّ

٦٨٨

وطئها، كان حكمه حكم الزّنا سواء، ويجب عليه ما يجب به على حدّ واحد.

ويثبت حكم الزّنا بشيئين: أحدهما إقرار الفاعل بذلك على نفسه مع كمال عقله من غير إكراه ولا إجبار أربع مرّات دفعة بعد أخرى. فإذا أقرّ أربع مرّات بالوطئ في الفرج، حكم له بالزّنا، ووجب عليه ما يجب على فاعله. وإن أقرّ أقلّ من ذلك، أو أقرّ أربع مرّات بوطء ما دون الفرج، لم يحكم عليه بالزّنا، وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.

والثّاني قيام البيّنة بالزّنا. وهو أن يشهد أربعة نفر عدول على رجل بأنّه وطئ امرأة، وليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد، وشاهدوه وطئها في الفرج. فإذا شهدوا كذلك، قبلت شهادتهم، وحكم عليه بالزّنا، وكان عليه ما على فاعله ممّا نبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

فإن شهد الأربعة الذين ذكرناهم عليه بالزّنا، ولم يشهدوا بالمعاينة، كان على كلّ واحد منهم حدّ الفرية.

وإن شهد عليه أقلّ من الأربعة واحدا كان أو اثنين أو ثلاثة، وادّعى المشاهدة، كان عليهم أجمع حدّ الفرية.

فإن شهد الأربعة، واختلفوا في شهادتهم، فبعضهم شهد بالمعاينة وبعضهم بغير ذلك، كان أيضا عليهم حدّ الفرية.

فإن شهد الأربعة باجتماع الرّجل مع امرأة في إزار واحد

٦٨٩

مجرّدين من ثيابهما، أو شهدوا بوطء ما دون الفرج، ولم يشهدوا بالزّنا، قبلت شهادتهم، ووجب على فاعل ذلك التعزير.

وإذا شهدوا بالوطئ في الدّبر، كان حكمه حكم الوطي في القبل سواء. وكذلك حال الإقرار بذلك، لا يختلف الحكم فيه.

وإذا شهد الشّهود على امرأة بالزّنا، وادّعت هي أنّها بكر، أمر النّساء أن ينظرن إليها: فإن كانت كما ذكرت، لم يكن عليها حدّ، وإن لم تكن كذلك، أقيم عليها الحدّ.

وإذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزّنا، أحدهم زوجها، وجب عليها الحدّ. وقد روي أنّ الثّلاثة يجلدون حدّ المفتري، ويلاعنها زوجها. وهذه الرّواية محمولة على أنّه إذا لم تعدّل الشّهود، أو اختلفوا في إقامة الشّهادة، أو اختلّ بعض شرائطها، فأمّا مع اجتماع شرائط الشّهادة، كان الحكم ما قدّمناه.

ولا تقبل شهادة الشّهود في الزّنا إلّا في مكان واحد ومقام واحد في وقت واحد. فإن شهد بعضهم، وقال: الآن يجي‌ء الباقون، جلد حدّ المفتري، لأنّه ليس في ذلك تأخير.

ولا تقبل في الزّنا شهادة النّساء على الانفراد. فإن شهد ثلاثة رجال وامرأتان، قبلت شهادتهم في الزّنا، ويجب بشهادتهم الرّجم. فإن شهد رجلان وأربع نسوة، لم يجب

٦٩٠

بشهادتهم الرّجم، ويجب بها الحدّ.

فإن شهد رجل وستّ نساء أو أقلّ أو أكثر، لم تقبل شهادتهم، وكان على كلّ واحد منهم حدّ الفرية.

وإذا شهد أربعة نفر على رجلين وامرأتين أو أكثر منهم بالزّنا، قبلت شهادتهم، وأقيم على الّذين شهدوا عليهم الحدّ. وإذا رأى الإمام أو الوالي من قبله، تفريق الشّهود، أصلح في بعض الأوقات، بعد أن يكونوا حضروا لإقامة الشّهادة، كان ذلك جائزا.

وحكم المرأة حكم الرجل في جميع ما ذكرناه على حدّ واحد، في أنّه يحكم عليها بالزّنا، إمّا بالإقرار أو البيّنة على ما بيّنّاه، ويدرأ عنها الحدّ في الموضع الّذي يدرأ فيه الحدّ عن الرّجل، لا يختلف الحكم في ذلك، إلا ما نبيّنه فيما بعد إن شاء الله.

وإذا أخذ رجل وامرأة، فادّعيا الزّوجيّة درئ عنهما الحدّ.

وإذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر، كان عليه أن يقيم الحدّ عليه، ولا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة ولا الإقرار. وليس ذلك لغيره، بل هو مخصوص به. وغيره، وإن شاهد، يحتاج أن يقوم له بيّنة، أو إقرار من الفاعل على ما بيّنّاه.

٦٩١

وأمّا القتل والسّرقة والقذف وما يجب من حقوق المسلمين من الحدّ والتّعزير، فليس له أن يقيم الحدّ، إلّا بعد مطالبة صاحب الحقّ حقّه، وليس يكفي فيه مشاهدته إيّاه. فإن طلب صاحب الحقّ إقامة الحدّ فيه، كان عليه إقامته، ولا ينتظر مع علمه البيّنة والإقرار على ما بيّنّاه.

باب أقسام الزناة

الزّناة على خمسة أقسام:

فقسم منهم يجب عليه الحدّ بالقتل على كلّ حال.

والثاني يجب عليه الجلد ثمَّ الرّجم.

والثّالث يجب عليه الرّجم وليس عليه الجلد.

والرّابع يجب عليه الجلد ثمَّ النّفي.

والخامس يجب عليه الجلد، ولا يجب عليه النّفي.

فأمّا من يجب عليه القتل على كلّ حال، سواء كان محصنا أو غير محصن، حرّا كان أو عبدا، مسلما كان أو كافرا، شيخا كان أو شابّا، وعلى كلّ حال، فهو كلّ من وطئ ذات محرم له أمّا أو بنتا أو أختا أو بنتها أو بنت أخيه أو عمّته أو خالته، فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال.

وكذلك الذّمّي إذا زنا بامرأة مسلمة، يجب عليه القتل على كلّ حال، وكان على المسلمة الحدّ: إمّا الرّجم أو الجلد، على

٦٩٢

ما تستحقّه من الحدّ. فإن أسلم الذّميّ، لم يسقط بذلك عنه الحدّ بالقتل، ووجب قتله على كلّ حال. ومن غصب امرأة فرجها، فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال، محصنا كان أو غير محصن. ومن زنا بامرأة أبيه، وجب أيضا عليه القتل على كل حال، محصنا كان أو غير محصن.

وأمّا القسم الثّاني، وهو من يجب عليه الجلد ثمَّ الرّجم، فهو الشّيخ والشّيخة إذا زنيا وكانا محصنين، فإنّ على كلّ واحد منهما جلد مائة ثمَّ الرّجم، يقدّم الجلد عليه ثمَّ بعده الرّجم.

والقسم الثّالث، وهو من يجب عليه الرّجم، ولا يجب عليه الجلد، فهو كلّ محصن أو محصنة ليسا بشيخين، فإنّهما إذا زنيا كان على كلّ واحد منهما الرّجم وليس عليهما الجلد.

وحدّ الإحصان في الرّجل، هو أن يكون له فرج يتمكن من وطئه، ويكون مالكا له، سواء كان بالعقد أو ملك اليمين. ويراعى في العقد أن يكون مالكا له على جهة الدّوام دون نكاح المتعة. فإن المتعة لا تحصّن. فأمّا العقد الدّائم، فلا فرق بين أن يكون على حرّة أو أمة أو يهودية أو نصرانيّة، فإن جميع ذلك يحصّن الرّجل، وملك اليمين أيضا يحصّن على ما قلناه.

وإذا لم يكن متمكنا من الوطي بأن يكون غائبا عن زوجته غيبة لا يمكنه الوصول إليها، أو يكون مع كونه حاضرا غير متمكّن من وطئها بأن يكون محبوسا أو ما أشبه ذلك، أو لا

٦٩٣

يكون قد دخل بها بعد، فإنّ جميع ما ذكرناه يخرجه من كونه محصنا.

والإحصان في المرأة مثل الإحصان في الرّجل سواء، وهو أن يكون لها زوج يغدو إليها ويروح مخلّا بينه وبينها، غير غائب عنها، وكان قد دخل بها، حرّا كان أو عبدا، وعلى كلّ حال.

والقسم الرّابع، وهو من يجب عليه الجلد ثمَّ النّفي، فهو البكر والبكرة. والبكر هو الّذي قد أملك على امرأة، ولا يكون قد دخل بها بعد، ثمَّ زنا، فإنه يجب عليه الجلد مائة ونفي سنة عن مصره إلى مصر آخر بعد أن يجزّ رأسه. والبكرة تجلد مائة، وليس عليها جزّ الشّعر، ولا نفي على كل حال.

والقسم الخامس وهو من يجب عليه الجلد، وليس عليه أكثر من ذلك، فهو كلّ من زنا، وليس بمحصن ولا بكر، فإنّه يجب عليه جلد مائة، ليس عليه أكثر من ذلك، رجلا كان أو امرأة. ومن هذه صورته إذا زنا فجلد، ثمَّ زنا ثانية فجلد، ثمَّ زنا ثالثة فجلد، ثمَّ زنا رابعة، كان عليه القتل. فإن زنا أربع مرّات أو أكثر من ذلك، ولم يقم عليه الحدّ، فليس عليه أكثر من مائة جلدة.

وجميع هذه الأحكام الّذي ذكرناها خاصّة في الحرّ والحرّة إلّا القسم الأول، فإنّه يشترك فيه العبيد والأحرار. فأمّا ما عدا

٦٩٤

ذلك، فحكم المملوك غير حكم الحرّ.

وحكم المملوك والمملوكة إذا زنيا، أن يجب على كلّ واحد منهما خمسون جلدة، زنيا بحرّ أو حرّة أو مملوك أو مملوكة، لا يختلف الحكم فيه، شيخين كانا أو شابّين، محصنين كانا أو غير محصنين، بكرين أو غير بكرين، وعلى كلّ حال، وليس عليهما أكثر من ذلك غير أنّهما إذا زنيا ثماني مرات، وأقيم عليهما الحدّ في ذلك، ثمَّ زنيا التّاسعة، كان عليهما القتل. فإن لم يقم عليهما الحدّ في شي‌ء من ذلك، وإن كان أكثر من ثماني مرّات، لم يجب عليهما أكثر من خمسين جلدة حسب ما قدّمناه.

وزنا الرّجل الحرّ بالحرّة المسلمة والأمة المسلمة إذا كانت لغيره، سواء كانت لزوجته أو والدته أو غيرهما من الأجنبي، على حدّ واحد لا يختلف الحكم فيه. وكذلك حكم المرأة لا فرق بين أن تزني بحرّ أو عبد ملك لها أو لغيرها، فإن الحكم في ذلك لا يختلف.

وإذا زنا الرّجل بصبيّة لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ، لم يكن عليه أكثر من الجلد، وليس عليه رجم. فإن أفضاها، أو أعابها، كان ضامنا لعيبها.

وكذلك المرأة إذا زنت بصبيّ لم يبلغ، لم يكن عليها

٦٩٥

رجم، وكان عليها جلد مائة. ويجب على الصبيّ والصبيّة التّأديب.

والرّجل إذا زنا بمجنونة، لم يكن عليه رجم، وكان عليه جلد مائة، وليس على المجنونة شي‌ء. فإن زنا مجنون بامرأة كان عليه الحدّ تامّا جلد مائة أو الرّجم.

ومن زنا، وتاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك، درأت التّوبة عنه الحدّ. فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه، وجب عليه الحدّ. ولم يجز للإمام العفو عنه. فإن كان أقرّ على نفسه عند الإمام، ثمَّ أظهر التّوبة، كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك. ومتى لم يتب، لم يجز للإمام العفو عنه على حال.

وإذا زنا اليهوديّ أو النّصرانيّ بأهل ملّته، كان الإمام مخيّرا بين إقامة الحدّ عليه بما تقتضيه شريعة الإسلام، وبين تسليمه إلى أهل دينه أو دين المرأة، ليقيموا عليهم الحدود على ما يعتقدونه.

ومن عقد على امرأة في عدّتها، ودخل بها عالما بذلك، وجب عليه الحدّ. فإن كان عدّتها عدّة الطّلاق الّذي يملك فيه رجعتها، كان عليها الرّجم. وإن كانت التّطليقة بائنة، أو كانت عدّة المتوفّى عنها زوجها، كان عليها مائة جلدة لا غير. فإن ادّعيا أنّهما لم يعلما أنّ ذلك لا يجوز في شرع الإسلام،

٦٩٦

لم يصدّقا فيه، وأقيم عليهما الحدّ على ما بيّنّاه.

والمكاتب إذا زنا، وكان مشروطا عليه، فحدّه حدّ المماليك.

وإن كان غير مشروط عليه، وقد أدّى من مكاتبته شيئا، جلد بحساب ما أدّى حدّ الحرّ من مائة جلدة، وبحساب ما بقي من حدّ المملوك من خمسين جلدة، وليس عليه الرّجم على حال، إلّا بعد أن تنقضي مكاتبته ويطأ بعد ذلك زوجته وهو حر.

فإذا زنا بعد ذلك، وجب عليه حينئذ الرّجم. وكذلك المملوك المحصن إذا أعتق ثمَّ زنا، فإن كان قد وطئ امرأته بعد العتق وقبل الزّنا، كان عليه الرّجم، فإن لم يكن وطئها بعد العتق، كان عليه الجلد مائة، لأنّه بحكم من لم يدخل بزوجته.

ومن كان له جارية يشركه فيها غيره، فوطئها، كان عليه الجلد بحساب ما لا يملك منها، ويدرأ عنه الحدّ بحساب ما يملك منها.

ومن وطئ جارية من المغنم قبل أن يقسم، قوّمت عليه، وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها، والباقي بين المسلمين، ويقام عليه الحدّ، ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها.

والمرأة إذا زنت، فحملت من الزّنا، فشربت دواء، فأسقطت، أقيم عليها الحدّ للزّنا، وعزّرها الإمام على جنايتها بسقوط الحمل حسب ما يراه.

٦٩٧

ومن زنا في شهر رمضان نهارا، أقيم عليه الحدّ، وعوقب زيادة عليه، لانتهاكه حرمة شهر رمضان، وألزم الكفّارة للإفطار. فإن زنا ليلا، كان عليه التّعزير والحدّ دون الكفّارة.

ومن زنا في حرم الله وحرم رسوله أو حرم أحد من الأئمّة،عليهم‌السلام ، كان عليه الحدّ للزّنا والتّعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وأوليائه. وكذلك إذا فعل شيئا يوجب الحدّ أو التّعزير في مسجد أو موضع عبادة، فإنّه يجب عليه مع الحدّ التّعزير، وفيما يوجب التّعزير تغليظ العقوبة.

ومن زنا في اللّيالي الشّريفة مثل ليالي الجمعة أو ليلة النصف من شعبان أو ليلة الفطر أو الأضحى أو يومهما أو يوم سبعة وعشرين من رجب أو خمسة وعشرين من ذي القعدة أو ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأوّل أو يوم الغدير أو ليلته أو ليلة عاشوراء أو يومه، فإنّه يغلظ عليه العقوبة.

وإذا أقرّ الإنسان على نفسه بالزّنا، كان عليه الحدّ على ما بيّنّاه. فإن أقرّ أنّه زنا بامرأة بعينها، كان عليه حدّ الزّنا وحدّ القذف. وكذلك حكم المرأة إذا قالت: زنا بي فلان، فإنّه يجب عليها حدّ الزّنا وحدّ الفرية.

والسّكران إذا زنا، أقيم عليه حدّ الزّنا والسّكر، ولم يسقط عنه الحدّ لسكره وزوال عقله.

والأعمى إذا زنا وجب عليه الحدّ كما يجب على البصير،

٦٩٨

ولم يسقط عنه الحدّ لعماه. فإن ادّعى أنّه اشتبه عليه الأمر، فظنّ أنّ الّتي وطئها كانت زوجته أو أمته، لم يصدّق، وأقيم عليه الحدّ.

وقد روي أنّ امرأة تشبّهت لرجل بجاريته، واضطجعت على فراشه ليلا، فظنّها جاريته، فوطئها من غير تحرّز، فرفع خبره إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، فأمر بإقامة الحدّ على الرّجل سرّا، وإقامة الحدّ على المرأة جهرا.

ولا يحدّ من ادّعى الزّوجيّة إلّا أن تقوم البيّنة بخلاف دعواه. ولا حدّ أيضا مع الإلجاء والإكراه. وإنّما يجب الحدّ بما يفعله الإنسان مختارا.

ومن افتضّ جارية بكرا بإصبعه، غرّم عشر ثمنها وجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة لما جناه. وإن كانت الجارية حرّة، غرّم عقرها، وهو مهر مثل نسائها بلا نقصان. فإن كان قد زنا بها، فذهب بعذرتها، لم يكن لها عقر على حال. ومن زوّج جاريته من رجل، ثمَّ وقع عليها، كان عليه الحدّ.

باب كيفية إقامة الحد في الزنا

المحصن الّذي وجب عليه الجلد والرّجم، يجلد أوّلا ثمَّ يترك حتّى يبرأ جلده. فإذا برأ، رجم. فإذا أراد الإمام أن

٦٩٩

يرجمه، فإن كان الذي وجب عليه ذلك قد قامت عليه به بيّنة، أمر بأن يحفر له حفيرة، ودفن فيها الى حقويه، ثمَّ يرجم. والمرأة مثل ذلك، تدفن الى صدرها، ثمَّ ترجم. فإن فرّ واحد منهما من الحفيرة، ردّ حتّى يستوفي منه الحدّ بالرّجم. وإن كان الرّجم وجب عليهما بإقرار منهما على أنفسهما، فعل بهما مثل ذلك، غير أنّه إذا فرّا، وكان قد أصابهما شي‌ء من الحجر، لم يردّا، ويتركان حتّى يمضيا. وإن فرّا قبل أن ينالهما شي‌ء من الحجر، ردّا على كلّ حال.

وإذا كان الّذي وجب عليه الرّجم قد قامت عليه به بيّنة، كان أوّل من يرجمه الشّهود، ثمَّ الإمام، ثمَّ النّاس. وإن كان قد وجب عليهما ذلك بالإقرار، كان أوّل من يرجمه الإمام، ثمَّ النّاس.

والرّجم يكون بأحجار صغار، ولا يكون بالكبار منها. وينبغي أن يكون الرّجم من وراء المرجوم، لئلّا يصيب وجهه شي‌ء من ذلك.

ومن وجب عليه الجلد دون الرّجم جلد مائة جلدة كأشدّ ما يكون من الضّرب. ويجلد الرّجل قائما على حالته الّتي وجد عليها: إن وجد عريانا، جلد كذلك، وإن وجد وعليه ثياب، ضرب وعليه ثيابه. ويضرب بدنه كلّه، ويتّقى وجهه ورأسه وفرجه. فإن مات من يجلد من الضّرب، لم يكن له قود ولا دية.

٧٠٠

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793