النهاية الجزء ١

النهاية10%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225244 / تحميل: 6341
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

بحث

ما يخلفه الإنسان بعد موته :

المستفاد من الرّوايات الشريفة ، بالإضافة لما ورد في الآيات المباركة أعلاه ، إنّه ثمّة أعمال وآثار يخلفها الإنسان بعد موته ، وما ينجسم من تلك الأعمال والآثار حتى يوم القيامة يبقى مرتبطا بذات الفاعل الأصلي ، فإن كانت الأعمال حيّرة فستصله حسنات تتمة العمل واستمراره ، وإن كانت شريرة فلا يجني منها سوى الهون والعذاب.

فعن الإمام الصادق ٧ ، أنّه قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثالث خصال : صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدى سنّها ، فهي تعمل بها بعد موته ، وولد صالح يستغفر له»(١) .

وفي رواية اخرى : «ست خصال يتنفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، مصحف يقرأ منه ، وقليب (بئر) يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجربه ، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده»(٢) .

فيما أكّدت بعض الرّوايات على (العلم) الذي يخلّفه بعده.(٣) وقد حذّرت كثير من الرّوايات من أن يسنّ الإنسان سنّة سيئة ، لأنّ الفاعل الأوّل ستتابع عليه آثام تلك السنة إلى يوم القيامة.

وكذلك حثت وشوقت على استنان السنن الحسنة ، لينتفع الفاعل الأوّل لها بثوابها الجاري إلى يوم القيامة.

وذكر العلّامة الطبرسي حديثا في هذا المضمار إنّ سائلا قام على عهد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأل ، فسكت القوم ، ثمّ أنّ رجلا أعطاه ، فأعطاه القوم فقال

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٥٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) منية المريد ، ص ١١.

٤٨١

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من استن خيرا فاستن به فله أجره ، ومثل أجور من اتبعه ، غير منتقص من أجورهم ، ومن استن شرّا فاستن به فعليه وزره ، مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم» فتلا حذيفة بن اليمان قوله تعالى :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال : «فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور وبعثرت القبور ، هناك تبلو كلّ نفس ما أسلفت ، وردّوا إلى الله مولاهم الحق ، وضل عنهم ما كانوا يفترون»(٢) .

فتعكس هذه الآيات والرّوايات أبعاد مسئولية الإنسان أمام أعماله ، وتبيّن عظم المسؤولية ، فأثار فعل الخيرات أو المنكرات يتصل إليه وإن امتدت الآلاف السنين بعد موته!(٣) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٦.

(٣) لمزيد من التفصيل. راجع تفسير الآية (٢٥) من سورة النحل.

٤٨٢

الآيات

( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) )

التّفسير

لا داعي للغرور :

تنتقل الآيات أعلاه من المعاد إلى الإنسان ، ببيان إيقاظي عسى أن ينتبه الإنسان من غفلة ما في عنقه من حقّ وما على عاتقه من مسئوليات جسام أمام خالقه سبحانه وتعالى ، فتخاطب الآية الاولى الإنسان باستفهام توبيخي محاط بالحنان والرأفة الرّبانية :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) .

فالقرآن يذكّر الإنسان بإنسانيته ، وما لها من إكرام وأفضلية ، ثمّ جعله أمام «ربّ» «كريم» ، فالرّب وبمقتضى ربوبيته هو الحامي والمدبّر لأمر تربية وتكامل الإنسان ، وبمقتضى كرمه أجلس الإنسان على مائدة رحمته ، ورعاه بما أنعم عليه ماديا ومعنويا ودون أن يطلب منه أيّ مقابل ، بل ويعفو عن كثير من ذنوب

٤٨٣

الإنسان لفضل كرمه

فهل من الحكمة أن يتمرد هذا الموجود المكرّم على هكذا ربّ رحيم كريم؟!

وهل يحقّ لعاقل أن يغفل عن ذكر ربّه ولو للحظة واحدة ، ولا يطيع أمر مولاه الذي يتضمن سعادته وفوزه؟!

ولهذا فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند تلاوته للآية المباركة أنّه قال : «غرّه جهله»(١) .

ومن هنا ، يتقرّب لنا هدف الآية ، فهي تدعو الإنسان لكسر حاجز غروره وتجاوز حالة الغفلة ، وذلك بالاستناد على مسألة الربوبية والكرم الإلهي ، وليس كما يحلو للبعض من أن يصور هدف الآية ، على أنّه تلقين الإنسان عذره ، فيقول : غرّني كرمك! أو كما قيل للفضيل بن عياض : «لو أقامك الله ويوم القيامة بين يديه ، فقال :( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) ، ماذا كنت تقول له؟ قال : أقول : غرّني ستورك المرخاة»(٢) .

فهذا ما يخالف تماما ، لأنّها في صدد كسر حالة غرور الإنسان وإيقاظه من غفلته ، وليست في صدد إضافة حجاب آخر على حجب الغفلة!

فلا ينبغي لنا أن نذهب بالآية بما يحلو لنا ونوجهها في خلاف ما تهدف إليه! «غرّك» : من (الغرور) ، و «الغرّة» : غفلة في اليقظة ، وبعبارة اخرى : غفلة في وقت لا ينبغي فيه الغفلة ، ولما كانت الغفلة أحيانا مصدرا للاستعلاء والطغيان فقد استعملت (الغرور) بهذه المعاني.

والغرور) : كلّ ما يغرّ الإنسان من مال ، جاه ، شهوة وشيطان ، وقد فسّر الغرور بالشيطان ، لأنّه أخبث من يقوم بهذا الدور الدنيء في الدّنيا.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩ ؛ والدر المنثور ، وروح المعاني ، وروح البيان ، والقرطبي ، عند تفسير الآية المبحوثة.

(٢) المصدر السابق.

٤٨٤

وذكر في تفسير «الكريم» آراء كثيرة ، منها : إنّه المنعم الذي تكون جميع أفعاله إحسان ، وهو لا ينتظر منها أيّ نفع أو دفع ضرر.

ومنها : هو الذي يعطي ما يلزمه وما لا يلزمه.

ومنها : هو من يعطي الكثير بالقليل.

ولو جمعنا كلّ ما ذكر وبأعلى صورة لدخل في كرم اللهعزوجل ، فيكفي كرم الله جلالا أنّه لا يكتفي عن المذنبين ، بل يبدل (لمن يستحق) سيئاتهم حسنات.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عند تلاوته لهذه الآية ، أنّه قال : (إن الإنسان) «أدحض مسئول حجّة ، وأقطع مغترّ معذرة ، لقد أبرح (أي اغتر) جهالة بنفسه.

يا أيّها الإنسان ، ما جرّأك على ذنبك ، وما غرّك بربّك ، وما أنسك بهلكة نفسك؟

أمّا من دائك بلول (أي شفاء) ، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم نفسك ما ترحم من غيرك؟ فلربّما ترى الضاحي من حرّ الشمس فتظلّه ، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له! فما صبرك على دائك ، وجلدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعزّ الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة (أي تبيت بنقمة من الله) وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته! فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى (أي النوم) الغفلة في ناظرك بيقظة ، وكن لله مطيعا وبذكره آنسا ، وتمثل (أي تصور) في حال توليك عنه إقباله عليك ، يدعوك إلى عفوه ويتغمدك بفضله وأنت متول عنه إلى غيره ، فتعالى من قوي ما أكرمه! وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته! ...»(١) .

وتعرض لنا الآية التالية جانبا من كرم الله ولطفه على الإنسان :( الَّذِي

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٣.

٤٨٥

خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما (١) شاءَ رَكَّبَكَ ) .

فالآية قد طرحت مراحل خلق الإنسان الأربعة أصل الخلقة ، التسوية ، التعديل ، ومن ثمّ التركيب.

ففي مرحلة الاولى : يبدأ خلق الإنسان ومن نطفة في ظلمات رحم الام.

وفي مرحلة الثّانية : مرحلة «التسوية والتنظيم» وفيها يقدر الباري سبحانه خلق كلّ عضو من أعضاء الإنسان بميزان متناهي الدّقة.

فلو أمعن الإنسان النظر في تكوين عينه اذنه أو قلبه ، عروقه وسائر أعضاءه ، وما أودع فيها من ألطاف ومواهب وقدرات إلهية ، لتجسم أمامه عالما من العلم والقدرة واللطف والكرم الإلهي.

عطاء ربّاني قد شغل العلماء آلاف السنين بالتفكير والبحث والتأليف ، ولا زالوا في أوّل الطريق

وفي المرحلة الثّالثة : يكون التعديل بين «القوى» و «الأعضاء» وتحكيم الارتباط فيما بينها.

وبدن الإنسان قد بني على هذين القسمين المتقاربين ، فـ اليدين ، الرجلين ، العينين ، الأذنين ، العظام ، العروق ، الأعصاب والعضلات قد توزعت جميعها على هذين القسمين متجانس ومترابط.

هذا بالإضافة إلى أنّ الأعضاء في عملها يكمل بعضها للبعض الآخر ، فجهاز التنفس مثلا يساعد في عمل الدورة الدموية بدورها تقدم يد العون إلى عملية التنفس ، ولأجل ابتلاع لقمة غذاء ، لا تصل إلى الجهاز الهضمي إلّا بعد أن يؤدّي كلّ من : الأسنان ، اللسان ، الغدد وعضلات الفم دوره الموكل به ، ومن ثمّ تتعاضد أجزاء الجهاز الهضمي على إتمام عملية الهضم وامتصاص الغذاء ، لينتج منه القوّة

__________________

(١) «ما» : زائدة ، واحتملها البعض (شرطية) ، ولكنّ الرأي الأوّل أقرب للصواب.

٤٨٦

اللازمة للحركة والفعالية

وكلّ ما ذكر ، وغيره كثير ، قد جمع قصيرة رائعة( ... فَعَدَلَكَ ) .

وقيل : «عدلك» إشارة إلى اعتدال قامة الإنسان ، وهو ما يمتاز به عن بقية الحيوانات ، وهذا المعنى أقرب للمرحلة القادمة ولكن المعنى الأوّل أجمع.

وفي المرحلة الرابعة : تكون عملية «التركيب» وإعطاء الصورة النهائية للإنسن نسبة إلى بقية الموجودات.

نعم ، فقد تكرم الباري بإعطاء النوع الإنساني صورة موزونة عليها مسحة جمالية بديعة قياسا مع بقية الحيوانات ، وأعطى الإنسان فطرة سليمة ، وركّبه بشكلّ يكون فيه مستعدا لتلقي كلّ علم وتربية.

ومن حكمة الباري أن جعل الصور الإنسانية مختلفة متباينة ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٢) من سورة الروم :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) ، ولولا الاختلاف المذكور لاختل توازن النظام الاجتماعي البشري.

ومع الاختلاف في المظهر فإنّ الباري جلّ شأنه قدّر الاختلاف والتفاوت في القابليات والاستعدادات والأذواق والرغبات ، وجاء هذا النظم بمقتضى حكمته ، وبه يمكن تشكيل مجتمع متكامل سليم وكلّ حوائجه ستكون مؤمّنة.

وتلخص الآية (٤) من سورة التين خلق الله للإنسان بصورة إجمالية :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

والخلاصة : فالآيات المبحوثة ، إضافة لآيات أخر كثيرة تهدف وبشكلّ دقيق إلى تعريف الإنسان المغرور بحقيقته ، منذ كان نطفة قذرة ، مرورا بتصويره وتكامله في رحم امّه ، حتى أشدّ حالات نموه وتكامله ، وتؤكّد على أنّ حياة الإنسان في حقيقتها مرهونة بنعم الله ، وكلّ حيّ يفعم برحمة الله في كل لحظات حياته ، ولا بدّ لكلّ حي ذي لبّ وبصيرة من أن يترحل من مطية غروره وغفلته ،

٤٨٧

ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته ، وإلّا فالهلاك الحتمي.

وتتناول الآية التالية منشأ الغرور والغفلة :( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) .

فالكرم الإلهي ، ولطف الباري منعمه ليست بمحفز لغروركم ، ولكنكم آليتم على عدم إيمانكم بالقيامة ، فوقعتم بتلك الهاوية الموهمة.(١)

ولو دققنا النظر في حال المغرورين والغافلين ، لرأينا أنّ الشك بيوم القيامة أو إنكاره هو الذي استحوذ على قلوبهم وما دونه مجرّد مبررات واهية ، ومن هنا يأتي لتشديد على أصل المعاد ، فلو قوي الإيمان بالمعاد في القلوب لارتفع الغرور وانقشعت الغفلة عن النفوس.

«الدين» : يراد به هنا ، الجزاء يوم الجزاء ، وما احتمله البعض من أنّه (دين الإسلام) فبعيد عن سياق حديث الآيات ، لأنّها تتحدث عن «المعاد».

وتأتي الآيات التالية لتوضح أنّ حركات وسكنات الإنسان كلّها مراقبة ومحسوبة ولا بدّ الإيمان بالمعاد وإزالة عوامل الغفلة والغرور ، فتقول( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ) (٢) .

وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند الله تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم :( كِراماً كاتِبِينَ ) .

( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) .

و «الحافظين» : هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ، كما سمّتهم الآية (١٧) من سورة (ق) بالرقيب العتيد :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ، كما وذكرتهم الآية (١٦) من نفس السورة :( إِذْ يَتَلَقَّى

__________________

(١) «كلا» حرف ردع لإنكار شيء ذكر وتوهم ، لكن أي إنكار قصدته الآية؟ ثمة احتمالات عديدة للمفسرين في ذلك ، وأهمها ما ذكر أعلاه ، أي أن «كلا» جاءت لتنفي كل أسباب ومنابع الغرور والغفلة وتجعلها في إنكار القيامة والتكذيب به فقط. وهو ما ورد بعد «بل» وهذا ما اختاره الراغب في مفردات (في مادة : بل) ، وقال بعد ذكره للآية : قيل ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.

(٢) قيل : إن «الواو» هنا حالية ، كما في روح المعاني وروح البيان ، ولكن احتمال كونها (استئنافية) أقرب للحال.

٤٨٨

الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) .

وثمّة آيات قرآنية اخرى تشير إلى رقابة الملائكة لما يفعله الإنسان في حياته.

إنّ نظر وشهادة اللهعزوجل على أعمال الإنسان ، ممّا لا شك فيه ، فهو الناظر لما يبدر من الإنسان قبل أيّ أحد ، وأدق من كلّ شيء ، ولكنّه سبحانه ولزيادة التأكيد ولتحسيس الإنسان بعظم مسئولية ما يؤديه ، فقد وضع مراقبين يشهدون على الإنسان يوم الحساب ، ومنهم هؤلاء الملائكة الكرام.

وقد فصّلنا أقسام المراقبين الذين يحفون بالإنسان من كلّ جهة ، وذلك ذيل الآيتين (٢٠ و٢١) من سورة فصّلت ، ونوردها هنا إجمالا ، وهي على سبعة أقسام.

أوّلا : ذات الله المقدّسة ، كما في قوله تعالى :( وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) .

ثانيا : الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، بدلالة قوله تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) .

ثالثا : أعضاء بدن الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

رابعا : جلد الإنسان وسمعه وبصره ، بدلالة قوله تعالى :( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٤) .

خامسا : الملائكة ، بدلالة قوله تعالى :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ

__________________

(١) يونس ، الآية ٦١.

(٢) النساء ، الآية ٤١.

(٣) النور ، الآية ٢٤.

(٤) فصلت ، الآية ٢١.

٤٨٩

وَشَهِيدٌ ) (١) ، وبدلالة الآية المبحوثة أيضا.

سادسا : الأرض المكان الذي يعيش عليه الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) (٢) .

سابعا : الزمان الذي تجري فيه أعمال الإنسان ، بدلالة ما روي عن الإمام عليعليه‌السلام في وقوله : «ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم : يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد»(٣) .

وفي كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي : إنّ شخصا سأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان في حين أنّ اللهعزوجل عالم السرّ وأخفى؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «استعبدهم بذلك ، وجعلهم شهودا على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة ، وعن معصيته أشدّ انقباضا ، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكفّ ، فيقول ربّي يراني ، وحفظتي عليّ بذلك يشهد ، وأنّ برأفته ولطفه وكّلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين ، وهوام الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله ، إلى أن يجيء أمر اللهعزوجل »(٤) .

ويستفاد من هذه الرواية أنّ للملائكة وظائف اخرى إضافة لتسجيلهم لأعمال الإنسان كحفظ الإنسان من الحوادث والآفات ووساوس الشيطان.

(وقد بحثنا موضوع وظائف ومهام الملائكة بتفصيل في ذيل الآية (١) من سورة فاطر ـ فراجع).

__________________

(١) سورة ق ، الآية ٢١.

(٢) الزلزال ، الآية ٤.

(٣) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٧٣٩ (مادة : يوم).

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٢.

٤٩٠

وقد وصفت الآيات المبحوثة هؤلاء الملائكة بأنّهم «كرام» ، ليكون الإنسان أكثر دقّة في مراقبة نفسه وأعماله ، لأنّ الناظر كلّما كان ذا شأن كبير ، تحفظ الإنسان منه أكثر وأكثر واستحى من فعل المعاصي أمامه.

وعلّة ذكر «كاتبين» للتأكيد على إنّهم لا يكتفون بالمراقبة والحفظ دون تسجيل ذلك بدقّة متناهية.

وذكر :( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) تأكيد آخر على كونهم مطلعين على كلّ الأعمال وبشكل تام ، واستنادا إلى اطلاعهم ومعرفتهم يسجلون ما يكتبونه.

فالآيات تشير إلى حرية إرادة الإنسان ، وتشير إلى كونه مختارا ، وإلّا فما قيمة تسجيل الأعمال؟ وهل سيبقى للتحذير والإنذار من معنى؟

وتشير أيضا إلى جدّية ودقّة الحساب والجزاء والإلهي.

ويكفي فهم واستيعاب هذه الإشارات البيانية الرّبانية لإنقاذ الإنسان من وقوعه في هاوية المعاصي ، وتكفيه الإشارات عظة ليزكي ويعرف مسئوليته ويعمل بدروه.

* * *

بحث

كتبة صحائف الأعمال :

لم تكن الآيات المبحوثة الدليل الوحيد على وجود المراقبين لأعمال الإنسان ، والكاتبين لها بخيرها وشرّها ، بل ثمّة آيات كثيرة وروايات عديدة تناولت ذلك ومن جملة ما ورد من الأحاديث بهذا الشأن.

١ ـ سؤال عبد الله بن موسى بن جعفرعليه‌السلام لأبيه عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟».

٤٩١

قال : لا.

قال : «إنّ العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فيقول صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنّه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها له ، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين ، قف فإنّه قد همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، وأثبتها عليه»(١) .

فالرواية تبيّن ما للنيّة من أثر على كامل وجود الإنسان ، وأنّ الملائكة يسجلون ما وقع من فعل من الإنسان ولكنّهم مطلعين على فعل الواقع قبل وقوعه ، وعليه فتسجيلهم لأعمال الإنسان دقيق جدّا ، ولا يفوتهم شيئا إلّا وكتبوه في صحيفته.

والرواية أيضا ، تأتي في سياق الحديث النبوي الشريف : «إنّما الأعمال بالنيات» للتأكيد على ما لنيّة الإنسان من أثر على فعله الحسن أو السيء.

وتبيّن أيضا ، بأنّ وسائل الكتابة هي جوارح الإنسان الناوي للفعل ، فلسانه القلم وريقه المداد!

٢ ـ وثمّة روايات تؤكّد على أنّ الملائكة مأمورة بتسجيل النوايا الحسنة دون النوايا السيئة ، ومنها : «إنّ تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب له ، ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيئة».(٢)

فالرواية تبيّن منتهى اللطف الرّباني الفصل الإلهي على الإنسان ، وتحث الإنسان على الأعمال الصالحة فنيّته السيئة لا تسجل عليه ، وفعله السيء يكتب عليه وفق موازين العدل ، في حين أنّ نيّته الحسنة وفعله الحسن يسجلان

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، باب «من يهمّ بالحسنة أو السيئة» الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق ، الحديث ١ ـ ٢.

٤٩٢

له وفق اللطف والتفضل الإلهي

٣ – وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «يهمّ العبد بالحسنة فيعملها ، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته ، وإن هو عملها كتب الله له عشرا ، ويهمّ بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن عملها اجّل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ، فإن اللهعزوجل يقول :( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) ، أو الاستغفار فإنّ هو قال : استغفر الله الذي لا إله إلّا هو ، عالم الغيب والشهادة ، العزيز الحكيم ، الغفور الرحيم ، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ، لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة أو استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم»(١) .

٤ – وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ المؤمنين إذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحوا عنهما فإنّ لهما سرّا وقد ستر الله عليهما»!(٢)

٥ – وفي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال فيها بعد أن دعى الناس فيها لتقوى الله : «اعلموا عباد الله ، إنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج «أي إحكام» ، وإنّ غدا من اليوم قريب»(٣) .

* * *

__________________

(١) المصدر السابق ، الحديث ٤.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨٤ ، الحديث ٢ ؛ وعنه نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٠.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٧.

٤٩٣

الآيات

( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) )

التّفسير

«يوم لا تملك نفس لنفس شيئا» :

بعد ذكر الآيات السابقة لتسجيل أعمال الإنسان من قبل الملائكة ، تأتي الآيات أعلاه لتتطرق إلى نتائج تلك الرقابة ، وما سيصل إليه كلّ من المحسن والمسيء من عاقبة ، فتقول الآية الاولى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ) .

والثّانية :( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) .

«الأبرار» : جمع (بار) و «برّ» على وزن (حق) ، بمعنى : المحسن ، و (البرّ) بكسر الراء ـ كلّ عمل صالح والآية تريد العقائد السليمة ، والنيات والأعمال الصالحة.

«نعيم» : وهي مفرد بمعنى النعمة ، ويراد به هنا «الجنّة» ، وجاءت بصيغة

٤٩٤

النكرة لبيان أهمية وعظمة هذه النعمة ، التي لا يصل لإدراك حقيقتها إلّا الله سبحانه وتعالى ، واختيرت كلمة «نعيم» بصيغة الصفة المشبهة ، للتأكيد على بقاء واستمرار هذه النعمة ، لأنّ الصفة المشبهة عادة ما تتضمّن ذلك.

«الفجّار» : جمع (فاجر) من (فجر) ، وهو الشقّ الواسع ، وقيل للصبح فجر لكونه فجر الليل ، أيّ شقّه بنور الصباح ، و (الفخور) : شقّ ستر الديانة والعفة ، والسير في طريق الذنوب.

«جحيم» : من (الجحمة) ، وهي تأجج النّار ، وتطلق الآيات القرآنية (الحجيم) على جهنّم عادة.

ويمكن أن يراد بقوله تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) الحال الحاضر ، أيّ : إنّ الأبرار يعيشون في نعيم الجنّة حاليّا ، وإنّ الفجّار قابعون في أودية النّار ، كما يفهم من إشارة الآية (٥٤) من سورة العنكبوت :( إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) .

وقال بعض : المراد من الآيتين هو حتمية الوقوع المستقبلي ، لأنّ المستقبل الحتمي والمضارع المتحقق الوقوع يأتي بصيغة الحال في اللغة العربية ، وأحيانا يأتي بصيغة الماضي.

فالمعنى الأوّل أكثر انسجاما مع ظاهر الآية ، إلّا أنّ المعنى الثّاني أنسب للحال ، والله العالم.

وتدخل الآية التالية في تفصيل أكثر لمصير الفجّار :( يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ ) .

فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى أنّ الفجّار هم في جهنّم حاليا ، فسيكون إشارة هذه الآية ، إلى أنّ دخولهم جهنّم سيتعمق ، وسيحسون بعذاب نارها ، بشكل أشدّ.

«يصلون» : من (المصلى) على وزن (سعي) ، و «صلى النّار» : دخل فيها ، ولكون الفعل في الآية قد جاء بصيغة المضارع ، فإنّه يدل على الاستمرار

٤٩٥

والملازمة في ذلك الدخول.

ولزيادة التفصيل ، تقول الآية التالية :( وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) .

اعتبر كثير من المفسّرين كون الآية دليلا على خلود الفجّار في العذاب ، وخلصوا إلى أنّ المراد بـ «الفجّار» هم «الكفّار» ، لكون الخلود في العذاب يختص بهم دون غيرهم.

ف «الفجّار» : إذن : هم الذين يشقون ستر التقوى والعفة بعدم إيمانهم وتكذيبهم بيوم الدين ، ولا يقصد بهم ـ في هذه الآيات ـ أولئك الذي يشقّون الستر المذكور بغلبة هوى النفس مع وجود حالة الإيمان عندهم.

وإتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيدا لما أشرنا إليه سابقا ، من كون هؤلاء يعيشون جهنّم حتّى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضا( ... وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) ، فحياتهم بحدّ ذاتها جهنّما ، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما ورد في الحديث الشريف) ، وعليه فجهنّم القبر والبرزخ وجهنّم الآخرة كلّها مهيأة لهم.

كما وتبيّن الآية أيضا : إنّ عذاب أهل جهنّم عذاب دائم ليس له انقطاع ، ولا يغيب عنهم ولو للحظة واحدة.

ولأهمية خطب ذلك اليوم العظيم ، تقول الآية التالية :( وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

( ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

فإذا كانت وحشة وأهوال ذلك اليوم قد أخفيت عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو المخاطب في الآية ـ مع كلّ ما له من علم بـ القيامة ، المبدأ ، المعاد فكيف يا ترى حال الآخرين؟!!

والآيات قد بيّنت ما لأبعاد يوم القيامة من سعة وعظمة ، بحيث لا يصل لحدّها أيّ وصف أو بيان ، وكما نحن (السجناء في عالم المادة) لا نتمكن من إدراك حقيقة النعم الإلهية المودعة في الجنّة ، فكذا هو حال إدراكنا بالنسبة

٤٩٦

لحقيقة عذاب جهنّم ، وعموما لا يمكننا إدراك ما سيجري من حوادث في ذلك اليوم الرهيب المحتوم.

وينتقل البيان القرآني للتعبير عن إحدى خصائص ذلك اليوم ، وبجملة وجيزة ، لكنها متضمّنة لحقائق ومعان كثيرة :( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) .

فستتجلّى حقيقة أنّ كلّ شيء في هذا العالم هو بيد الله العزيز القهّار ، وستبان حقيقة حاكمية الله المطلقة ومالكيته على كلّ من تنكر لهذه الحقيقة الحقّة ، وستنعدم تلك التصورات الساذجة التي حكمت أذهان المغفلين بكون فلان أميرا ورئيسا أو حاكما ، وسينهار أولئك البسطاء الذين اعتبروا أن قدراتهم مستقلة بعد أن أكل الغرور نفوسهم وتكالب التكبر على تصرفاتهم في الحياة الدنيا الفانية.

وتشهد على الحقيقة ـ بالإضافة إلى الآية المذكورة ـ الآية (١٦) من سورة المؤمن حيث تقول :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) .

وتشير الآية (٣٧) من سورة عبس إلى انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم دون كلّ الأشياء الاخرى ، ولو قدّر أن يمنح قدرا معينا من القدرة ، لما نفع بها أحد دون نفسه! ، حيث تقول الآية :( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

حتّى روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، أنّه تناول ذلك الموقف بقوله : (إن الأمر يومئذ واليوم كله لله ، ...) وإذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلّا الله»(١)

وهنا يواجهنا السؤال التالي : هل يعني ذلك ، إنّ الآية تتعارض وشفاعة الأنبياء والأوصياء والملائكة؟

ويتّضح جواب السؤال المذكور من خلال البحوث التي قدمناها بخصوص موضوع (الشفاعة) فقد صرّح الحكيم في بيانه الكريم ، إنّ الشّفاعة لن تكون إلّا

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.

٤٩٧

بإذنه ، وإنّ الشّفاعة غير مطلقة ، حسب ما تشير إليه الآية (٢٨) من سورة الأنبياء( لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ) اللهم! إنّ الخلائق تنتظر رحمتك ولطفك في ذلك اليوم الرهيب ، ونحن الآن نتوقع لطفك.

إلهنا! لا تحرمنا من الطافك وعناياتك في هذا العالم والعالم الآخر.

ربّنا! أنت الحاكم المطلق في كلّ مكان وزمان ، فاحفظنا من التورط في شباك الذنوب والسقوط في وادي الشرك واللجوء الى الغير

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الإنفطار

انتهى المجلد التاسع عشر

* * *

٤٩٨

الفهرس

سورة المعارج

محتوى السورة ٥

فضيلة هذه السورة ٦

تفسير الآيات : ١ ـ ٣ ٧

سبب النّزول ٧

العذاب العاجل ٩

ملاحظة

إشكالات المعاندين الواهية ١٠

تفسير الآيات : ٤ ـ ٧ ١٤

يوم مقداره خمسين ألف سنة ١٤

تفسير الآيات : ٨ ـ ١٨ ١٧

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٨ ٢١

أوصاف المؤمنين ٢١

تفسير الآيات : ٢٩ ـ ٣٥ ٢٧

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة ٢٧

تفسير الآيات : ٣٦ ـ ٤١ ٣٢

الطمع الواهي في الجنّة ٣٢

٤٩٩

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب ٣٥

تفسير الآيات : ٤٢ ـ ٤٤ ٣٧

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام ٣٧

«سورة نوح»

محتوى سورة ٤٣

فضيلة هذه السورة ٤٤

تفسير الآيات : ١ ـ ٤ ٤٥

رسالة نوح الأولى ٤٥

ملاحظة

العوامل المعنوية لزيادة ونقصان العمر ٤٧

تفسير الآيات : ٥ ـ ٩ ٤٨

استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن ٤٨

ملاحظتان

١ ـ أسلوب الإبلاغ ومنهجه ٥١

٢ ـ لماذا الفرا من الحقيقة ٥١

تفسير الآيات : ١٠ ـ ١٤ ٥٣

ثمرة الإيمان في الدنيا ٥٣

ملاحظة

الرّابطة بين التقوى والعمران ٥٥

تفسير الآيات : ١٥ ـ ٢٠ ٥٨

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

والمرأة إذا أريد جلدها، ضربت مثل الرّجل غير أنّها لا تضرب قائمة، بل تضرب وهي جالسة، عليها ثيابها، قد ربطت عليها، لئلّا تتهتّك، فتبدو عورتها.

وإذا فرّ من يقام عليه الجلد ردّ حتّى يستوفي منه الحدّ، سواء كان أقرّ على نفسه أو قامت عليه بذلك بيّنة.

وإذا أراد الولي ضرب الزّاني أو رجمه، ينبغي أن يشعر النّاس بالحضور، ثمَّ يجلده بمحضر منهم، لينزجروا عن مواقعة مثله. قال الله تعالى:( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) . وأقلّ من يحضر عذابهما واحد فصاعدا. ولا ينبغي أن يحضر الحدّ على الزّناة إلّا خيار النّاس. ولا يرمي الزّاني إلّا من ليس لله تعالى في جنبه حدّ.

ومن وجب عليه الرّجم، أقيم عليه على كلّ حال عليلا كان أو صحيحا، لأنّ الغرض إتلافه وقتله. ومن وجب عليه الجلد، وكان عليلا، ترك حتى يبرأ، ثمَّ يقام عليه الحدّ. فإن اقتضت المصلحة تقديم الحدّ عليه، أخذ عرجون فيه مائة شمراخ أو ما ينوب منابه، ويضرب به ضربة واحدة، وقد أجزأه. ولا يضرب أحد في الأوقات الحارّة الشّديدة الحرّ، ولا في الأوقات الشّديدة البرد، بل يضرب في الأوقات المعتدلة.

ومن أقيم عليه الرّجم، أمر بدفنه عاجلا، ولا يترك على وجه الأرض.

٧٠١

ولا يقام الحدود في أرض العدوّ لئلّا يحمل المحدود الحميّة والغضب على اللّحوق بهم.

ولا يقام الحدّ أيضا على من التجأ إلى حرم الله وحرم رسوله أو حرم أحد من الأئمّة،عليهم‌السلام ، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب، ويمنع من مبايعته ومشاراته، حتّى يخرج، فيقام عليه الحدّ. فإن أحدث في الحرم ما يوجب الحدّ، أقيم عليه الحدّ كائنا ما كان.

والمرأة إذا زنت وهي حامل، لم يقم عليها حدّ: لا الرّجم ولا الجلد، حتّى تضع ما في بطنها، وتخرج من نفاسها، وترضع ولدها. فإذا فعلت ذلك، أقيم عليها الحدّ: رجما كان أو جلدا.

ومن اجتمع عليه حدود، أحدها القتل بدئ أوّلا بما ليس فيه القتل، ثمَّ قتل. مثلا أن يكون قتل وسرق وزنا، وهو غير محصن، أو قذف، فإنّه يجلد أوّلا للزّنا أو للقذف، ثمَّ تقطع يده للسّرقة، ثمَّ يقاد منه للقتل.

ومن وجب عليه الحدّ، وهو صحيح العقل ثمَّ اختلط عقله، وقامت البيّنة عليه بذلك، أقيم عليه الحدّ كائنا ما كان.

ومن وجب عليه النّفي في الزّنا، نفي عن بلده الّذي فعل فيه ذلك الفعل إلى بلد آخر سنة.

وقضى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، في من أقرّ على نفسه

٧٠٢

بحدّ، ولم يبيّنه: أن يضرب حتّى ينهى هو عن نفسه الحدّ.

ومن أقرّ على نفسه بحدّ، ثمَّ جحد، لم يلتفت إلى إنكاره، إلّا الرّجم. فإنّه إذا أقرّ بما يجب عليه الرّجم فيه، ثمَّ جحده قبل إقامته، خلّي سبيله.

والمستحاضة لا يقام عليها الحدّ حتّى ينقطع عنها الدّم.

باب الحد في اللواط

اللّواط هو الفجور بالذّكران وهو على ضربين:

أحدهما هو إيقاع الفعل في الدّبر كالميل في المكحلة، والثّاني إيقاع الفعل فيما دونه.

ويثبت الحدّ فيهما بشيئين: أحدهما قيام البيّنة على فاعله، وهم أربعة شهود عدول، يشهدون على الفاعل والمفعول به بالفعل، ويدّعون المشاهدة كالميل في المكحلة كما ذكرناه في باب الزّنا، سواء. فإن لم يشهدوا كذلك، كان عليهم حدّ الفرية إلّا أن يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدّبر من بين الفخذين. فحينئذ تثبت شهادتهم، ويجب بها الحدّ الّذي نذكره.

وقد يثبت أيضا الحدّ بإقرار المقرّ على نفسه أربع مرّات كما ذكرناه في باب الزّنا، فاعلا كان أو مفعولا به. فإن أقرّ دون ذلك، لم يجب عليه حدّ اللّواط، وكان للوالي تعزيره لإقراره على نفسه بالفسق.

٧٠٣

وإذا شاهد الإمام الفعل من بعض النّاس، كان له أيضا إقامة الحدّ به.

ومن ثبت عليه حكم اللّواط بفعله الإيقاب، كان حدّه إمّا أن يدهده من جبل أو حائط عال، أو يرمي عليه جدار، أو يضرب رقبته، أو يرجمه الإمام والنّاس، أو يحرقه بالنّار. والإمام مخيّر في ذلك، أيّها رأى من ذلك صلاحا، فعله. وإذا أقام عليه الحدّ بغير الإحراق. جاز له أيضا إحراقه بعد ذلك تغليظا وتهييبا للعقوبة وتعظيما لها. وله ألّا يفعل ذلك على ما يراه من المصلحة في الحال.

والضّرب الثّاني من اللّواط وهو ما كان دون الإيقاب فهو على ضربين: إن كان الفاعل أو المفعول به محصنا، وجب عليه الرّجم. وإن كان غير محصن، كان عليه الجلد مائة جلدة. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الفاعل أو المفعول به مسلما أو كافرا، أو حرّا أو عبدا.

وإذا لاط الرّجل بغلام لم يبلغ، كان عليه الحدّ كاملا، وعلى الصّبيّ التّأديب لإمكانه من نفسه. وإذا فعل الصّبيّ بالرّجل البالغ، كان على الصبيّ التّعزير، وعلى الرّجل المفعول به الحدّ على الكمال.

وإذا لاط صبيّ بصبيّ مثله، أدّبا جميعا، ولم يقم على واحد منهما الحدّ على الكمال.

٧٠٤

وإذا لاط الرّجل بمملوكه، أقيم عليه وعلى المملوك معا الحدّ على الكمال. فإن ادّعى المملوك أنّ مولاه أكرهه على ذلك، درئ عنه الحدّ، وأقيم على مولاه الحدّ على كلّ حال.

فإن لاط الرّجل بمجنون، أقيم عليه الحدّ، ولم يكن على المجنون شي‌ء. فإن لاط مجنون بغيره أقيم عليه الحدّ على الكمال.

وإذا لاط كافر بمسلم، قتل على كلّ حال. وإذا لاط بكافر مثله، كان الإمام مخيّرا بين أن يقيم عليه الحدّ بما توجبه شريعة الإسلام، وبين أن يدفعه الى أهل ملّته ليقيموا عليه الحدّ على مذهبهم.

ومتى وجد رجلان في إزار واحد مجرّدين، أو رجل وغلام، وقامت عليهما بذلك بيّنة، أو أقرّا بفعله، ضرب كلّ واحد منهما تعزيرا من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام. فإن عادا الى ذلك، ضربا مثل ذلك. فإن عادا أقيم عليهما الحدّ على الكمال مائة جلدة.

وإذا لاط رجل، ثمَّ تاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك، سقط عنه الحدّ. فإن قامت بعد ذلك البيّنة، لم يكن للإمام إقامة الحدّ عليه. فإن تاب بعد أن شهد عليه بالفعل، لم يسقط عنه الحدّ، ووجب على الإمام إقامته عليه. فإن كان تائبا عند الله، فإنّ الله تعالى يعوّضه بما يناله من الألم، ولم يجز له العفو عنه على حال. وإن كان اللائط قد أقرّ على نفسه، ثمَّ تاب، وعلم الإمام منه

٧٠٥

ذلك، جاز له أن يعفو عنه. ويجوز له أيضا أن يقيم عليه الحدّ على حسب ما يراه من الصّلاح. ومتى لم تظهر التّوبة منه، لم يجز العفو عنه على حال.

ومن قبّل غلاما ليس بمحرم له، وجب عليه التّعزير. فإن فعل ذلك وهو محرم، غلّظ تأديبه، كي ينزجر عن مثله في المستقبل.

والمتلوّط الّذي يقام عليه الحدّ ثلاث مرّات، قتل في الرّابعة مثل الزّاني.

باب الحد في السحق

إذا ساحقت المرأة أخرى وقامت عليهما البيّنة بذلك، وجب على كلّ واحدة منهما الحدّ مائة جلدة إن لم تكونا محصنتين. فإن كانتا محصنتين، كان على كلّ واحدة منهما الرّجم.

ويثبت الحكم بذلك بقيام البيّنة، وهي شهادة أربعة نفر عدول، أو إقرار المرأة على نفسها أربع مرّات، كما اعتبرناه في الزّنا سواء.

وإذا ساحقت المرأة جاريتها، وجب على كلّ واحدة منهما الحد. فإن ذكرت الجارية أنّها أكرهتها، درئ عنها الحدّ، وأقيم الحدّ على سيّدتها كاملا.

وإذا ساحقت المجنونة، أقيم عليها الحدّ. فإن فعل بها ذلك، لم يقم عليها الحدّ.

٧٠٦

وإذا ساحقت المسلمة الكافرة، وجب على كلّ واحدة منهما الحدّ، وكان الإمام في الكافرة مخيّرا بين إقامة الحدّ عليها، وبين إنفاذها إلى أهل ملّتها، ليعملوا بها ما يقتضيه مذهبهم.

وإذا ساحقت المرأة صبيّة لم تبلغ، أقيم عليها الحدّ، وأدّبت الصّبية.

فإن تساحقت صبيّتان، أدّبتا، ولم يقم على واحدة منهما الحدّ على الكمال.

وإذا وطئ الرّجل امرأته، فقامت المرأة فساحقت جارية بكرا، وألقت ماء الرّجل في رحمها، وحملت الجارية، وجب على المرأة الرّجم، وعلى الجارية إذا وضعت الجلد مائة، وألحق الولد بالرّجل، وألزمت المرأة المهر للجارية، لأنّ الولد لا يخرج منها إلّا بعد ذهاب عذرتها. بذلك قضى الحسن بن علي،عليهما‌السلام .

وإن افتضّت المرأة جارية بإصبعها، فذهبت بعذرتها، لزمها مهرها، وكان عليها التّعزير مغلّظا.

وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجرّدتين من ثيابهما، وليس بينهما رحم، ولا أحوجهما الى ذلك ضرورة من برد وغيره، كان على كلّ واحدة منهما التّعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين حسب ما يراه الإمام أو الوالي. فإن عادتا الى مثل ذلك، نهيتا وأدّبتا. فإن عادتا ثالثة أقيم عليهما الحدّ كاملا مائة جلدة. فإن عادتا رابعة كان عليهما القتل.

٧٠٧

وإذا ساحقت المرأة، وأقيم عليها الحدّ ثلاث مرّات، قتلت في الرّابعة مثل الزّانية سواء. وإذا تابت المساحقة قبل أن ترفع الى الإمام، سقط عنها الحدّ. فإن قامت عليها بعد ذلك البيّنة، لم يقم عليها الحدّ. وإن قامت البيّنة عليها، ثمَّ تابت بعد ذلك، أقيم عليها الحدّ على كلّ حال. فإن كانت أقرّت بالفعل عند الإمام، أو من ينوب عنه، ثمَّ أظهرت التّوبة، كان للإمام العفو عنها، وله إقامة الحدّ عليها حسب ما يراه أصلح في الحال.

باب من نكح ميتة أو وطئ بهيمة أو استمنى بيده

من وطئ امرأة ميتة، كان حكمه حكم من وطئها وهي حيّة، في أنّه يجب عليه الرّجم إن كان محصنا، والجلد إن لم يكن كذلك، ويؤدّب أيضا لانتهاكه حرمة الأموات. وإن كانت الموطوءة زوجته، وجب عليه التّعزير دون الحدّ الكامل حسب ما يراه الإمام في الحال.

ويثبت الحكم بذلك بإقرار الرّجل على نفسه مرّتين أو بشهادة شاهدين من أهل العدالة.

وحكم المتلوّط بالأموات، حكم المتلوّط بالاحياء على السّواء، لا يختلف الحكم في ذلك، بل يغلّظ عقوبته لانتهاكه حرمة الأموات.

ومن نكح بهيمة، كان عليه التّعزير بما دون الحدّ حسب

٧٠٨

ما يراه الإمام في الحال، ويغرّم ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له. فإن كانت ملكه، لم يكن عليه شي‌ء. وإن كانت البهيمة ممّا تقع عليه الذّكاة، ذبحت، وأحرقت بالنّار، لأنّ لحمها قد حرم ولحم جميع ما يكون من نسلها.

فإن اختلطت البهيمة الموطوءة بغيرها من البهائم، ولم تتميّز، قسم القطيع الّذي فيه تلك البهيمة، وأقرع بينهما.

فما وقعت عليه القرعة، قسم من الرأس، وأقرع بينهما إلى أن لا تبقى إلّا واحدة. ثمَّ تؤخذ وتحرق بالنار بعد أن تذبح، وليس ذلك على جهة العقوبة لها، لكن لما يعلم الله تعالى من المصلحة في ذلك، ولدفع العار بها عن صاحبها.

وإن كانت البهيمة ممّا لا تقع عليها الذّكاة، أخرجت من البلد الّذي فعل بها إلى بلد آخر، وبيعت هناك، لكيلا يعيّر صاحبها بها.

ويثبت الحكم بذلك إمّا بالإقرار من الفاعل أو بشهادة شاهدين عدلين مرضيّين لا أكثر من ذلك.

ومتى تكرّر الفعل من واطئ البهيمة والميّتة، وكان قد أدّب وحدّ، وجب عليه القتل في الرّابعة.

ومن استمنى بيده حتّى أنزل، كان عليه التّعزير والتّأديب، ولم يكن عليه حدّ على الكمال. وذلك بحسب ما يراه الإمام أصلح في الحال. وقد روي: أنّ أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، ضرب يد

٧٠٩

من فعل ذلك حتّى احمرّت، وزوّجه من بيت المال، واستتابه من ذلك الفعل.

باب الحد في القيادة

الجامع بين النّساء والرّجال والغلمان للفجور، إذا شهد عليه شاهدان، أو أقرّ على نفسه بذلك، يجب عليه ثلاثة أرباع حدّ الزّاني خمسة وسبعون جلدة، ويحلّق رأسه ويشهّر في البلد، ثمَّ ينفى عن البلد الّذي فعل ذلك فيه الى غيره من الأمصار.

والمرأة إذا فعلت ذلك، فعل بها ما يفعل بالرّجل من الجلد، ولا تشهّر، ولا تحلق رأسها، ولا تنفى عن البلد الّذي فعلت فيه ما فعلت كما يفعل ذلك بالرّجال.

ومن رمى غيره بالقيادة، كان عليه التّعزير بما دون الحدّ في الفرية لئلّا يعود إلى أذى المسلمين.

باب الحد في شرب الخمر والمسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمآكل المحظورة

من شرب شيئا من المسكر، خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا، أو غير ذلك من سائر الأشربة التي يسكر قليلها أو كثيرها، وجب عليه الحدّ ثمانون جلدة حدّ المفتري، سواء كان مسلما أو كافرا، حرّا كان أو عبدا، لا يختلف الحكم فيه.

٧١٠

إلّا أنّ المسلم يقام عليه الحدّ على كلّ حال شرب عليها. والكافر إذا استسرّ بالشّرب، أو شربه في بيته أو بيعته أو كنيسته، لم يكن عليه الحدّ. وإنّما يجب عليه الحدّ، إذا أظهر الشّرب بين المسلمين، أو خرج بينهم سكران.

وسواء كان الشّارب من الخمر أو الشّراب المسكر شرب قليلا منه أو كثيرا، فإنّ القليل منه يوجب الحدّ كما يوجبه الكثير، لا يختلف الحكم في ذلك على حال.

ويثبت الحكم في إيجاب الحدّ بشهادة نفسين مسلمين عدلين، يشهدان على فاعله بشرب شي‌ء من المسكرات، أو يشهدان بأنّه قاء ذلك. فإن شهد أحدهما بالشّرب والآخر بالقي‌ء، قبلت أيضا شهادتهما، وأقيم بها الحدّ.

ولا تقبل شهادة على شهادة في شي‌ء من الحدود.

ولا يجوز أيضا أن يكفّل من وجب عليه الحدّ، بل ينبغي أن يقام عليه الحدّ على البدار.

ولا تجوز الشّفاعة في إسقاط حدّ من الحدود لا عند الإمام ولا عند غيره من النّائبين عنه.

ويثبت أيضا بإقرار الشّارب على نفسه مرّتين. ويجب به الحدّ كما يجب بالبيّنة سواء.

ومن شرب الخمر مستحلّا لها، حلّ دمه، ووجب على الإمام أن يستتيبه. فإن تاب، أقام عليه حدّ الشّراب، إن كان شربه.

٧١١

وإن لم يتب، قتله.

وليس المستحلّ لما عدا الخمر من المسكرات يحلّ دمه. وللإمام أن يعزّره، إن رأى ذلك صوابا. والحدّ في شربه لا يختلف على ما بيّنّاه.

وشارب الخمر وسائر الأشربة المسكرات، يجلد عريانا على ظهره وكتفيه، ولا يضرب على وجهه وفرجه على حال.

ولا يجوز أكل طعام فيه شي‌ء من الخمر، ولا الاصطباغ بشي‌ء فيه شي‌ء من الخمر، ولا استعمال دواء فيه شي‌ء منه. فمن أكل شيئا ممّا ذكرناه، أو شرب، كان عليه الحدّ ثمانين جلدة. فإن أكل ذلك أو شرب، وهو لا يعلم أنّ فيه خمرا، لم يكن عليه شي‌ء.

ولا ينبغي لمسلم أن يجالس شرّاب شي‌ء من المسكرات، ولا أن يجلس على مائدة يشرب عليها شي‌ء من ذلك، خمرا كان أو غيره. وكذلك الحكم في الفقّاع. فمتى فعل ذلك، كان عليه حدّ التّأديب حسب ما يراه الإمام.

ولا يقام الحدّ على السّكران في حال سكره، بل يمهل حتّى يفيق، ثمَّ يقام عليه الحد.

وشارب الخمر إذا أقيم عليه الحدّ مرّتين، ثمَّ عاد ثالثة، وجب عليه القتل.

ومن بايع الخمر، أو الشّراب المسكر، أو اشتراه، كان عليه

٧١٢

التّأديب. فإن فعل ذلك مستحلّا له، استتيب. فإن تاب. وإلّا وجب عليه ما يجب على المرتدّ.

وحكم الفقّاع في شربه، ووجوب الحدّ على من شربه، وتأديب من اتّجر فيه، وتعزير من استعمله، حكم الخمر على السّواء بما ثبت عن أئمة آل محمّد،عليهم‌السلام .

ومن استحل الميتة أو الدّم أو لحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام، فقد ارتدّ بذلك عن الدّين، ووجب عليه القتل بالإجماع. ومن تناول شيئا من ذلك محرّما له، كان عليه التّعزير. فإن عاد بعد ذلك، أدّب وغلّظ عقابه. فإن تكرّر منه ذلك دفعات، قتل ليكون عبرة لغيره.

ومن أكل الرّبا بعد الحجّة عليه في تحريمه، عوقب على ذلك، حتّى يتوب. فإن استحلّ ذلك، وجب عليه القتل. فإن أدّب دفعتين، وعاد ثالثا، وجب عليه القتل.

والتّجارة في السّموم القاتلة محظورة، ووجب على من اتّجر في شي‌ء منها العقاب والتأديب. فإن استمرّ على ذلك، ولم ينته وجب عليه القتل.

ويعزّر آكل الجرّيّ والمارماهي ومسوخ السّمك كلّها، والطّحال ومسوخ البرّ والسبع وسباع الطّير وغير ذلك من المحرّمات. فإن عاد، أدّب ثانية. فإن استحل شيئا من ذلك، وجب عليه القتل.

٧١٣

ومن تاب من شرب الخمر أو غيره ممّا يوجب الحدّ أو التّأديب قبل قيام البيّنة عليه، سقط عنه الحدّ. فإن تاب بعد قيام البيّنة عليه، أقيم عليه الحدّ على كلّ حال. فإن كان أقرّ على نفسه، وتاب بعد الإقرار، جاز للإمام العفو عنه، ويجوز له إقامة الحدّ عليه.

ومن شرب المسكر في شهر رمضان، أو في موضع مشرّف مثل حرم الله وحرم رسوله أو شي‌ء من المشاهد، أقيم عليه الحدّ في الشّرب بعد ذلك، لانتهاكه حرمة حرم الله تعالى.

باب الحد في السرقة

السّارق الّذي يجب عليه القطع هو الّذي يسرق من حرز ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته كذلك، ويكون كامل العقل، والشّبهة عنه مرتفعة، حرّا كان أو عبدا، مسلما كان أو كافرا. فإن سرق إنسان من غير حرز، لم يجب عليه القطع، وإن زاد على ما ذكرناه في المقدار، بل يجب عليه التّعزير.

والحرز هو كلّ موضع لم يكن لغير المتصرّف فيه الدّخول اليه إلّا بإذنه، أو يكون مقفّلا عليه، أو مدفونا. فأمّا المواضع الّتي يطرقها النّاس كلّهم، وليس يختصّ بواحد دون غيره، فليست حرزا. وذلك مثل الخانات والحمّامات والمساجد والأرحية وما أشبه ذلك من المواضع. فإن كان الشّي‌ء في أحد هذه

٧١٤

المواضع مدفونا، أو مقفّلا عليه، فسرقه إنسان، كان عليه القطع، لأنّه بالقفل والدّفن قد أحرزه.

وإذا نقب الإنسان نقبا، ولم يخرج متاعا ولا مالا، وإن جمعه وكوّره وحمله، لم يجب عليه قطع، وكانت عليه العقوبة والتّأديب. وإنّما يجب القطع إذا أخرجه من الحرز. وإذا أخرج المال من الحرز، وجب عليه القطع، إلّا أن يكون شريكا في المال الّذي سرقه، أو له حظّ في المال الّذي سرق بمقدار ما إن طرح من المال المسروق. كان الباقي أقلّ من النّصاب الّذي يجب فيه القطع. فإن كان الباقي قد بلغ المقدار الّذي يجب فيه القطع، كان عليه القطع على كلّ حال.

ومن سرق من مال الغنيمة قبل أن يقسم، مقدار ما يصيبه منها، لم يكن عليه قطع، وكان عليه التّأديب، لجرأته على ذلك وإقدامه عليه. فإن سرق ما يزيد على قسمته بمقدار ما يجب فيه القطع أو زائدا عليه، كان عليه القطع. هذا إذا كان مسلما له سهم في الغنائم. فإن كان كافرا، قطع على كلّ حال إذا بلغ النّصاب.

وإذا أخرج المال من الحرز، فأخذ، فادّعى أنّ صاحب المال أعطاه المال، درئ عنه القطع، وكان على من ادّعى عليه السّرقة البيّنة بأنّه سارق.

ومتى سرق من ليس بكامل العقل بأن يكون مجنونا أو صبيّا

٧١٥

لم يبلغ، وإن نقب وكسر القفل، لم يكن عليه قطع. فإن كان صبيّا، عفى عنه مرّة. فإن عاد، أدّب. فإن عاد ثالثة، حكّت حتّى أصابعه تدمى. فإن عاد، قطعت أنامله. فإن عاد بعد ذلك. قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرّجل سواء.

ويثبت وجوب القطع بقيام البيّنة على السّارق، وهي شهادة نفسين عدلين يشهدان عليه بالسّرقة. فإن لم تقم بيّنة، وأقرّ السّارق على نفسه بالسّرقة مرّتين، كان عليه أيضا القطع. اللهمّ إلّا أن يكون عبدا، فإنّه لا يقبل إقراره على نفسه بالسّرقة ولا بالقتل. لأنّه مقرّ على مال غيره ليتلفه. فإن قامت عليه البيّنة بالسّرقة، قطع كما يقطع الحرّ سواء.

وحكم الذّمي حكم المسلم سواء في وجوب القطع عليه إذا ثبت انّه سارق على ما بيّنّاه.

وحكم المرأة حكم الرّجل سواء في وجوب القطع عليها إذا سرقت.

ويقطع الرجل إذا سرق من مال والديه. ولا يقطع الرّجل إذا سرق من مال ولده. وإذا سرقت الأمّ من مال ولدها، قطعت على كلّ حال. ويقطع الرّجل إذا سرق من مال زوجته، إذا كانت قد أحرزته. وكذلك تقطع المرأة، إذا سرقت من مال زوجها، إذا كان قد أحرز دونها.

ولا يقطع العبد إذا سرق من مال مولاه. وإذا سرق عبد

٧١٦

الغنيمة من المغنم، لم يقطع أيضا. والأجير إذا سرق من مال المستأجر، لم يكن عليه قطع. وكذلك الضّيف إذا سرق من مال مضيفه، لا يجب عليه قطع. وإذا أضاف الضّيف ضيفا آخر، فسرق، وجب عليه القطع، لأنّه دخل عليه بغير إذنه.

ومن وجب عليه القطع، فإنّه تقطع يده اليمنى من أصول الأصابع الأربعة، وتترك له الرّاحة والإبهام.

فإن سرق بعد قطع يده من حرز، المقدار الّذي قدّمنا ذكره، قطعت رجله اليسرى من أصل السّاق، ويترك عقبه ليعتمد عليها في الصّلاة. فإن سرق بعد ذلك، خلّد السّجن. فإن سرق في السّجن من حرز القدر الّذي ذكرناه، قتل.

ومن وجب عليه قطع اليمين فكانت شلّاء، قطعت، ولا تقطع يسراه. وكذلك من وجب عليه قطع رجله اليسرى، فكانت كذلك، قطعت، ولا تقطع رجله اليمنى. ومن سرق وليس له اليمنى، فإن كانت قطعت في القصاص أو غير ذلك، وكانت له اليسرى، قطعت يسراه، فإن لم تكن له أيضا اليسرى، قطعت رجله، فإن لم يكن له رجل، لم يكن عليه أكثر من الحبس على ما بيّنّاه.

وإذا قطع السّارق، وجب عليه مع ذلك ردّ السرقة بعينها، إن كانت باقية. فإن كان أهلكها، وجب عليه أن يغرمها. فإن كان قد تصرّف فيها بما نقص من ثمنها، وجب عليه

٧١٧

أرشها. فإن لم يكن معه شي‌ء استسعي في ذلك.

ولا يجب القطع ولا ردّ السّرقة على من أقرّ على نفسه تحت ضرب أو خوف. وإنّما يجب ذلك إذا قامت البيّنة، أو أقرّ مختارا. فإن أقرّ تحت الضّرب بالسّرقة، وردّها بعينها، وجب عليه أيضا القطع.

ومن أقرّ بالسّرقة مختارا، ثمَّ رجع عن ذلك، ألزم السّرقة وسقط عنه القطع.

ومن تاب من السّرقة قبل قيام البيّنة عليه، ثمَّ قامت عليه البيّنة، سقط عنه القطع، ووجب عليه ردّ السّرقة. فإن قامت بعد ذلك عليه البيّنة، لم يجز للإمام أن يقطعه. فإن تاب بعد قيام البيّنة عليه، لم يجز للإمام العفو عنه. فإن كان قد أقرّ على نفسه، ثمَّ تاب بعد الإقرار، جاز للإمام العفو عنه، أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه أردع في الحال. فأمّا ردّ السّرقة، فإنّه يجب عليه على كلّ حال.

ومن سرق شيئا من كم إنسان أو جيبه، وكانا باطنين، وجب عليه القطع. فإن كانا ظاهرين، لم يجب عليه القطع، وكان عليه التّأديب والعقوبة بما يردعه عن مثله.

ومن سرق حيوانا يجوز تملّكه، ويكون قيمته ربع دينار فصاعدا، وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأشياء.

وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار، وجب

٧١٨

عليهما القطع. فإن انفرد كلّ واحد منهما ببعضه، لم يجب عليهما القطع، لأنّه قد نقص عن المقدار الذي يجب فيه القطع، وكان عليهما التّعزير. ومن سرق شيئا من الفواكه وهو بعد في الشّجر، لم يكن عليه قطع، بل يؤدّب تأديبا لا يعود إلى مثله، ويحلّ له ما يأكل منه، ولا يحمله معه على حال. فإذا سرق شيئا منهما بعد أخذها من الشّجر، وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأشياء.

وإذا تاب السّارق، فليردّ السّرقة على صاحبها. فإن كان قد مات، فليردّها على ورثته. فإن لم يكن له وارث ولا مولى نعمة ولا مولى جريرة، فليردّها على إمام المسلمين. فإذا فعل ذلك، فقد برئت ذمّته.

وإذا سرق السّارق، فلم يقدر عليه، ثمَّ سرق ثانية، فأخذ، وجب عليه القطع بالسّرقة الأخيرة، ويطالب بالسّرقتين معا. وإذا شهد الشّهود على سارق بالسّرقة دفعتين، لم يكن عليه أكثر من قطع اليد. فإن شهدوا عليه بالسّرقة الأولى، وأمسكوا حتّى يقطع، ثمَّ شهدوا عليه بالسّرقة الأخيرة، وجب عليه قطع رجله اليسرى بالسّرقة الأخيرة على ما بيّنّاه.

وروي عن ابي عبد الله،عليه‌السلام ، أنّه قال: لا قطع على من سرق شيئا من المأكول في عام مجاعة.

٧١٩

باب حد المحارب والنباش والمختلس والخناق والمبنج والمحتال

المحارب هو الذي يجرّد السّلاح، ويكون من أهل الرّيبة، في مصر كان أو غير مصر، في بلاد الشّرك كان أو في بلاد الإسلام، ليلا كان أو نهارا. فمتى فعل ذلك، كان محاربا.

ويجب عليه إن قتل، ولم يأخذ المال، أن يقتل على كلّ حال، وليس لأولياء المقتول العفو عنه. فإن عفوا عنه، وجب على الإمام قتله، لأنّه محارب.

وإن قتل، وأخذ المال، وجب عليه أولا أن يردّ المال، ثمَّ يقطع بالسّرقة، ثمَّ يقتل بعد ذلك، ويصلب. وإن أخذ المال، ولم يقتل، ولم يجرح، قطع، ثمَّ نفي عن البلد. وإن جرح، ولم يأخذ المال، ولم يقتل، وجب عليه أن يقتصّ منه، ثمَّ ينفى بعد ذلك من البلد الّذي فعل ذلك فيه إلى غيره. وكذلك إن لم يجرح، ولم يأخذ المال، وجب عليه أن ينفى من البلد الّذي فعل فيه ذلك الفعل إلى غيره، ثمَّ يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنّه منفيّ محارب، فلا تؤاكلوه، ولا تشاربوه ولا تبايعوه ولا تجالسوه. فإن انتقل إلى غير ذلك من البلدان، كوتب أيضا أهلها بمثل ذلك. فلا يزال يفعل به ذلك، حتّى يتوب. فإن قصد بلاد الشّرك، لم يمكّن من الدّخول فيها، وقوتلوا هم على تمكينهم من دخولها.

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793