النهاية الجزء ١

النهاية10%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225243 / تحميل: 6341
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

صلاة الليل، وقد قارب الفجر، خفّف الصّلاة، واقتصر من القراءة على الحمد وحدها، ولا يطوّل الركوع والسّجود لئلّا يفوته صلاة الغداة.

ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوّله إلّا لمسافر يخاف فوتها أو شابّ يمنعه من القيام آخر اللّيل رطوبة رأسه، ولا يجعل ذلك عادة، وأن يقضي صلاة اللّيل في الغداة أفضل من أن يقدّمها في أوّل الليل.

ووقت ركعتي الفجر عند الفراغ من صلاة اللّيل، وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر. فإن طلع ولم يكن قد صلّى من صلاة اللّيل شيئا، جاز له أن يصلّي ركعتين ما بينه وبين طلوع والحمرة. فإذا طلعت الحمرة من ناحية المشرق، وجب عليه البداءة بالفرض.

ومن فاتته صلاة فريضة، فليصلّها أيّ وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة. فإن تضيّق وقت صلاة حاضرة، بدأ بها ثمَّ بالّتي فاتته. فإن كان قد دخل في الصّلاة الحاضرة في أوّل وقتها وقد صلّى منها شيئا، وقد فاتته صلاة وكان نسيها ثمَّ ذكرها قبل الفراغ منها، فليعدل بنيّته إلى الصّلاة الفائتة، ثمَّ يصلّي بعد الفراغ منها الصّلاة الحاضرة.

ويصلّي ركعتي الإحرام وركعتي الطواف والصلاة على الجنازة وصلاة الكسوف في جميع الأحوال ما لم يكن وقت صلاة فريضة قد تضيّق وقتها

٦١

ومن فاته شي‌ء من صلاة النّوافل، فليقضها أيّ وقت شاء من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة، أو عند طلوع الشّمس أو غروبها، فإنه يكره صلاة النّوافل وقضاؤها في هذين الوقتين. وقد وردت رواية بجواز النّوافل في الوقتين الّذين ذكرناهما. فمن عمل بها، لم يكن مخطئا، لكنّ الأحوط ما ذكرناه ويستحبّ قضاء ما فات باللّيل بالنهار، وقضاء ما فات بالنهار باللّيل.

فمن صلّى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثمَّ علم بعد ذلك، وجب عليه إعادة الصّلاة. فإن كان في الصّلاة لم يفرغ منها بعد ثمَّ دخل وقتها، فقد أجزأت عنه. ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصّلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو أن يغلب على ظنّه ذلك.

باب معرفة القبلة وأحكامها

معرفة القبلة واجبة للتوجّه إليها في الصّلوات، واستقبالها عند الذّبيحة، وعند احتضار الأموات ودفنهم. والتوجّه إليها واجب في جميع الصّلوات فرائضها وسننها مع التمكّن وعدم الاعتذار.

والقبلة هي الكعبة، وهي قبلة من كان في المسجد الحرام. فمن خرج من المسجد الحرام، كان قبلته المسجد إذا كان في الحرم.

٦٢

فإن نأى عن الحرم، كان فرضه التوجّه إلى الحرم.

ومعرفة القبلة تحصل بالمشاهدة لمن قرب منها. ومن نأى عنها تحصل له بعلاماتها. ومن علاماتها أنّه إذا راعى زوال الشّمس ثمَّ استقبل عين الشّمس بلا تأخير، فإذا رءاها على حاجبها الأيمن في حال الزّوال، علم أنّه مستقبل القبلة. وإن كان عند طلوع الفجر، جعل الفجر على يده اليسرى ويستقبل القبلة. وإن كان عند غروبها جعل الشّفق على يده اليمنى. فإن كان باللّيل، جعل الجدي على منكبه الأيمن. وهذه العلامات علامات لمن كان توجّه إلى الرّكن العراقيّ من أهل العراق وخراسان وفارس وخوزستان ومن والاهم. فأمّا أهل اليمن فإنّهم يتوجّهون إلى الرّكن اليماني. وأهل الشّام يتوجّهون إلى الرّكن الشّاميّ، وأهل الغرب يتوجّهون إلى الرّكن الغربيّ. فإذا ناؤا عن الحرم، كانت علاماتهم غير هذه العلامات.

ومتى حصل الإنسان في برّ وأطبقت السّماء بالغيم، أو يكون محبوسا في بيت، أو بحيث لا يجد دليلا على القبلة، ودخل وقت الصّلاة، فليصلّ إلى أربع جهات أربع دفعات، إذا كان عليه مهلة وتمكّن منه. فإن لم يتمكّن من ذلك لضرورة أو خوف، فليصلّ إلى أيّ جهة شاء وقد أجزأه. ومن توجّه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة، فعليه أن يتياسر قليلا ليكون متوجها إلى الحرم. بذلك جاء الأثر عنهم،عليهم‌السلام .

٦٣

ومن صلّى إلى غير القبلة متعمّدا، وجب عليه إعادة الصّلاة. فإن صلّاها ناسيا أو لشبهة، ثمَّ تبيّن أنّه صلّى إلى غير القبلة، وكان الوقت باقيا، وجب عليه إعادة الصلاة. فإن كان الوقت خارجا، لم يجب عليه إعادتها. وقد رويت رواية أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة، ثمَّ علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصّلاة. وهذا هو الأحوط وعليه العمل.

ولا بأس للمسافر أن يصلّي النّوافل على راحلته يتوجّه إلى حيث توجّهت، لأنّ الله تعالى قال:( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) وروي عن الصّادقعليه‌السلام أنّه قال: « هذا في النّوافل خاصّة في حال السّفر » فأمّا الفرائض فلا بدّ فيها من استقبال القبلة على كلّ حال.

باب الأذان والإقامة وأحكامها وعدد فصولها

الأذان والإقامة سنّتان مؤكّدتان في جميع الفرائض من الصّلوات الخمس لا ينبغي تركهما مع الاختيار، وأشدّهما تأكيدا في صلاة الغداة والمغرب. ولو أنّ إنسانا اقتصر على الإقامة وحدها في جميع الصّلوات، أجزأه. فإن ترك الإقامة أيضا، كانت صلاته ماضية، ولم يجب عليه إعادتها، إلّا أنّه يكون تاركا فضلا ومهملا سنّة.

ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معا في صلاة الجماعة. فمن

٦٤

تركهما، فلا جماعة له. ومن أذّن وأقام ليصلّي وحده، ثمَّ جاءه قوم وأرادوا أن يصلّوا جماعة، فعليه إعادة الأذان والإقامة معا، ولا يدخل بما تقدّم منهما في الصّلاة. وإذا دخل قوم المسجد، وقد صلّى الإمام الذي يقتدي به في الجماعة، وأرادوا أن يجمّعوا فليس عليهم أذان ولا إقامة، بل يتقدّم أحدهم ويجمّع بهم.

ومن ترك الأذان والإقامة متعمّدا، ودخل في الصّلاة، فلينصرف وليؤذّن، وليقم ما لم يركع، ثمَّ يستأنف الصّلاة وان تركهما ناسيا، حتّى دخل في الصّلاة، ثمَّ ذكر، مضى في صلاته، ولا إعادة عليه. ومن أقام ودخل في الصّلاة، ثمَّ أحدث ما يجب به عليه إعادة الصّلاة، فليس عليه إعادة الإقامة إلّا أن يكون قد تكلّم، فإنّه يعيد الإقامة أيضا. ومن فاتته صلاة وأراد قضاءها، قضاها كما فاتته بأذان وإقامة أو بإقامة.

وليس على النّساء أذان ولا إقامة، بل يتشهّدن الشّهادتين بدلا من ذلك. وإن أذّن وأقمن، كان أفضل لهنّ إلّا أنهنّ لا يرفعن أصواتهنّ أكثر من إسماع أنفسهنّ، ولا يسمعن الرّجال.

ولا يؤذّن ولا يقيم إلّا من يوثق بدينه. فإن كان الّذي يؤذّن غير موثوق بدينه، أذّنت لنفسك وأقمت. وكذلك إن صلّيت خلف من لا يقتدى به، أذّنت لنفسك وأقمت. وإذا صلّيت. خلف من يقتدى به، فليس عليك أذان ولا إقامة، وان لحقت بعض الصّلاة. فإن فاتتك الصّلاة معه، أذّنت لنفسك وأقمت.

٦٥

وإذا دخلت المسجد، وكان الامام من لا يقتدى به، وخشيت: إن اشتغلت بالأذان والإقامة، فاتتك الصّلاة، جاز لك الاقتصار على التكبيرتين وعلى قولك: « قد قامت الصّلاة، قد قامت الصّلاة » ثمَّ تدخل في الصّلاة. وقد روي أنّه ينبغي أن تقول أنت ما يتركه من قول: « حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل ».

ولا بأس أن يؤذّن الصّبيّ الّذي لم يبلغ الحلم، ويقيم. وإن تولّى ذلك الرّجال، كان أفضل.

ولا يجوز الأذان قبل دخول الوقت. فمن أذّن قبل دخول الوقت، أعاده بعد دخول الوقت. ويجوز تقديم الأذان في صلاة الغداة خاصّة، إلّا أنّه يستحبّ إعادته بعد طلوع الفجر ودخول وقته.

والأفضل ألّا يؤذّن الإنسان إلّا وهو على طهر. فإن أذّن وهو على غير طهر، أو كان جنبا، أجزأه. ولا يقيم إلّا وهو على طهر على كلّ حال.

ولا بأس أن يؤذّن الإنسان وهو راكب أو ماش. ولا يقيم إلّا وهو قائم مع الاختيار. ولا بأس أن يؤذّن الإنسان ووجهه إلى غير القبلة، إلّا أنّه إذا شهد الشّهادتين، استقبل بهما القبلة. ولا يقيم إلّا ووجهه إلى القبلة.

ولا بأس أن يتكلّم في حال الأذان. ولا يجوز الكلام في حال الإقامة. وإذا قال: « قد قامت الصّلاة »، فقد حرّم الكلام على

٦٦

الحاضرين إلّا بما يتعلق بالصّلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ.

والترتيب واجب في الأذان والإقامة. فمن قدّم حرفا منه على حرف، رجع فقدّم المؤخّر وأخّر المقدّم منه.

ولا يجوز التّثويب في الأذان. فإن أراد المؤذّن إشعار قوم بالأذان، جاز له تكرار الشّهادتين دفعتين.

ولا يجوز قول « الصّلاة خير من النّوم » في الأذان. فمن فعل ذلك، كان مبدعا. ولا يجوز الأذان لشي‌ء من صلاة النّوافل.

والأذان والإقامة جميعا موقوفان، لا يبيّن فيهما الإعراب. وينبغي أن يكون الأذان مرتّلا والإقامة حدرا. وينبغي أن يفصح فيهما بالحروف، وبالهاء في الشهادتين.

ويستحبّ لمن سمع الأذان والإقامة أن يقول مع نفسه كما يسمعه. ولا بأس أن يؤذّن الرّجل ويقيم غيره. ويستحبّ أن يفصل الإنسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة. وأفضل ذلك السّجدة، إلّا في المغرب خاصّة، فإنّه لا يسجد بينهما. ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وإن كانت صلاة الظهر. جاز أن يؤذّن إذا صلّى ستّ ركعات من نوافل الزّوال، ثمَّ يقيم بعد الثّماني ركعات. وكذلك يؤذّن العصر بعد ستّ ركعات من نوافل العصر، ثمَّ يقيم بعد الثّماني ركعات. وإذا سجد الإنسان بين الأذان والإقامة، يقول في سجوده: « اللهمّ اجعل قلبي بارّا ورزقي دارّا، واجعل لي عند قبر نبيّك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مستقرّا

٦٧

وقرارا ». ويستحبّ أن يرفع الرّجل صوته بالأذان في منزله. فإن ذلك ينفي العلل والأسقام.

والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة عشر فصلا. يقول المؤذّن في أذانه: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله، حيّ على الصّلاة، حي على الصّلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلّا الله ».

والإقامة مثل ذلك، إلّا أنّه يقول في أوّل الإقامة مرّتين: « الله أكبر، الله أكبر » ويقتصر على مرّة واحدة: « لا إله إلّا الله » في آخره، ويقول بدلا من التكبيرتين في أوّل الأذان: « قد قامت الصّلاة، قد قامت الصّلاة » بعد الفراغ من قوله « حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل ».

وهذا الذي ذكرناه من فصول الأذان والإقامة هو المختار المعمول عليه. وقد روي سبعة وثلاثون فصلا في بعض الرّوايات. وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا.

فأمّا من روى سبعة وثلاثين فصلا، فإنّه يقول في أوّل الإقامة أربع مرّات « الله أكبر »، ويقول في الباقي كما قدّمناه. ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا، يضف الى ما قدّمناه من قول: « لا إله إلّا

٦٨

الله » مرّة أخرى في آخر الإقامة. ومن روى اثنين وأربعين فصلا، فإنّه يجعل في آخر الأذان التّكبير أربع مرّات، وفي أوّل الإقامة أربع مرات، وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرّات، ويقول: « لا إله إلّا الله » مرّتين في آخر الإقامة. فإن عمل عامل على إحدى هذه الرّوايات، لم يكن مأثوما.

وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول: « أشهد انّ عليا وليّ الله وآل محمّد خير البريّة » فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة. فمن عمل بها كان مخطئا.

ولا بأس أن يقتصر الإنسان في حال الاستعجال في الأذان والإقامة أو في حال السّفر والضّرورة على مرة مرّة. ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وإذا سمعت المؤذّن وقد نقّص من أذانه، أتممت أنت مع نفسك فصول الأذان.

باب كيفية الصلاة وبيان ما يعمل الإنسان فيها من الفرائض والسنن

إذا أردت الدّخول إلى الصّلاة بعد دخول وقتها، فقم مستقبل القبلة بخشوع وخضوع وأنت على طهر، ثمَّ ارفع يديك بالتكبير حيال وجهك، ولا تجاوز بهما طرفي أذنيك، ثمَّ أرسلهما على فخذيك حيال ركبتيك ثمَّ ارفع يديك مرّة أخرى بالتكبير، وافعل كما فعلت في الأوّل، ثمَّ ارفعهما ثالثا، واصنع كما صنعت

٦٩

في الأوّلين. فإذا كبّرت ثلاث تكبيرات فقل: « اللهمّ أنت الملك الحقّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت ». ثمَّ تكبّر تكبيرتين أخريين، وتقول: « لبّيك وسعديك، والخير في يديك، والشّر ليس إليك، والمهديّ من هديت. عبدك وابن عبديك، بين يديك. منك وبك ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجى ولا مفرّ منك إلّا إليك. سبحانك وحنانيك، سبحانك ربّ البيت الحرام.

ثمَّ تكبّر تكبيرتين أخريين وتقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ، وأنا من المسلمين. أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم.بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ثمَّ تقرأ « الحمد ». وإن قال: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ على ملّة إبراهيم ودين محمّد ومنهاج عليّ حنيفا مسلما » إلى آخر الكلام، كان أفضل. وهذه التكبيرات السّبع، واحدة منها، فريضة، ولا يجوز تركها، والباقي سنّة وعبادة. ورفع اليدين مع كلّ تكبيرة سنّة وفضيلة في الصّلاة. فلو لم يرفع الإنسان يديه مع كلّ تكبيرة، لم تبطل بذلك صلاته.

وقرّب بين قدميك في الصّلاة، واجعل بينهما مقدار ثلاث أصابع مفرجات الى شبر، واستقبل بأصابع رجليك جميعا القبلة. وينبغي أن يكون نظرك في حال قيامك الى موضع سجودك ولا تلتفت

٧٠

يمينا وشمالا، فانّ الالتفات يمينا وشمالا نقصان في الصّلاة، والالتفات إلى ما وراءك إفساد لها، ويجب عليك إعادتها. وعليك بالإقبال على صلاتك. ولا تعبث بيديك ولا بلحيتك ولا برأسك، ولا تفرقع أصابعك، ولا تحدّث نفسك، ولا تتثاءب، ولا تتمطّ، ولا تتلثّم، فإنّ فعل هذه الأشياء كلّها نقصان في الصّلاة وان كان ليس بمفسد لها.

فإذا فرغت من القراءة، رفعت يديك بالتكبير للرّكوع. فإذا كبّرت وفرغت من التّكبير، ركعت. واملأ كفّيك من ركبتيك منفرجات الأصابع، وردّ ركبتيك الى خلف، وسوّ ظهرك، ومدّ عنقك، وغمّض عينيك، فان لم تفعل، فليكن نظرك الى ما بين رجليك. ثمَّ تسبّح. فإذا فرغت من التسبيح، استويت قائما. فإذا استمكنت من القيام، قلت: « سمع الله لمن حمده، الحمد لله ربّ العالمين، أهل الجود والكبرياء والعظمة » ثمَّ ترفع يديك بالتكبير، وتكبّر.

فإذا فرغت من التّكبير أرسلت إلى السّجود، وتتلقّى الأرض بيديك. ولا تتلقّها بركبتيك، إلّا في حال الضّرورة. فإذا سجدت بسطت كفيك مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيك حيال وجهك ويكون سجودك على سبعة أعظم: الجبهة والكفّين والركبتين وإبهامي أصابع الرّجلين فريضة. وترغم بأنفك سنّة. وتكون في حال سجودك متفرجا لا يكون شي‌ء من جسدك على شي‌ء. ولا تفرش ذراعيك على الأرض، ولا تضعهما على فخذيك، ولا

٧١

تلصق بطنك بفخذيك، ولا فخذيك بساقيك. بل تكون معلّقا، لا يكون منك شي‌ء على شي‌ء. ثمَّ تسبّح للسجود.

فإذا فرغت منه رفعت رأسك من السّجود. فإذا استويت جالسا، قلت: « الله أكبر ». وليكن جلوسك على فخذك الأيسر. تضع ظاهر قدمك الأيمن على بطن قدمك الأيسر. وتقول: « أستغفر الله ربّي وأتوب إليه ». ولا بأس أن تقعد متربّعا أو تقعي بين السّجدتين. ولا يجوز ذلك في حال التّشهّد.

ثمَّ تقوم إلى الثانية فتصلّي ركعة أخرى على ما وصفناه، إلّا أنّك تقنت في الرّكعة الثّانية بعد الفراغ من القراءة ترفع يديك بالتكبير وتقول: « ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزّ الأجلّ الأكرم ». هذا أدنى ما تدعو به في القنوت. وإن زدت على ذلك من الدّعاء، كان أفضل. ويجوز أن تقتصر على ثلاث تسبيحات في القنوت.

فإذا فرغت من الرّكعة الثّانية، تشهّدت. فإذا فرغت من التشهّد، سلّمت، إن كانت الصّلاة ثنائيّة، وإن كانت ثلاثيّة أو رباعيّة، قمت إلى الثّالثة، وتقول: « بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ». وهكذا تقول إذا قمت إلى الركعة الثّانية من الرّكعة الأوّلية. ثمَّ تصلّي تمام الصّلاة على ما وصفناه.

فإذا فرغت من صلاتك، سلّمت. فإن كنت وحدك، سلّمت مرة واحدة تجاه القبلة، وأشرت بمؤخّر عينك إلى

٧٢

يمينك. وإن كنت إماما، فعلت أيضا مثل ذلك. إلّا أنّك تومئ إيماء بوجهك إلى يمينك. فإن كنت مأموما، سلّمت عن يمينك مرّة وعن يسارك مرّة أخرى، إذا كان على يسارك إنسان. فإن لم يكن على يسارك أحد أجزأك مرّة واحدة. فإذا فرغت من صلاتك عقّبت، وسنبيّن التعقيب في باب مفرد، إن شاء الله.

ولا يجوز التكفير في الصّلاة. فمن كفّر في صلاته مع الاختيار فلا صلاة له. فإن فعله للتّقيّة والخوف، لم يكن به بأس.

ويستحبّ التوجّه بسبع تكبيرات حسب ما قدّمناه في سبعة مواضع: في أوّل كل فريضة، وفي أوّل ركعة من ركعتي الإحرام، وفي أوّل ركعة من ركعتي الزّوال، وفي أوّل ركعة من الوتيرة، وفي أوّل ركعة من صلاة اللّيل، وفي أوّل ركعة من الوتر، وفي أوّل ركعة من نوافل المغرب. فمن لم يفعل ذلك، واقتصر على تكبيرة الإحرام، ثمَّ بدأ بالقراءة بعدها، أجزأه.

والمرأة تصلّي كما يصلّي الرّجل، غير أنّها تجمع بين قدميها في حال قيامها، ولا تفرّج بينهما وتضمّ يديها إلى صدرها. فإذا ركعت، وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تتطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها. فإذا جلست، فعلى إليتيها، كما يقعد الرجل. فإذا سقطت للسّجود، بدأت بالقعود ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض. فإذا جلست في تشهّدها، ضمّت فخذيها، ورفعت ركبتيها من الأرض. وإذا نهضت انسلّت انسلالا لا

٧٣

ترفع عجيزتها أوّلا.

ولا بأس أن يدعو الإنسان في الصّلاة في حال القنوت وغيره، بما يعرض له من الحوائج لدنياه وآخرته، ممّا أباحه الله تعالى له ورغبه فيه. وإن كان ممّن لا يحسن الدّعاء بالعربيّة، جاز له أن يدعو بلغته أيّ لغة كانت. ولا بأس بالرّجل أن يبكي أو يتباكى في الصّلاة خوفا من الله، وخشية من عقابه. ولا يجوز له أن يبكي لشي‌ء من مصائب الدّنيا.

وإذا عطس الرّجل في صلاته فليحمد الله تعالى. وإذا سلّم عليه وهو في الصّلاة، فلا بأس أن يردّ مثله في الجواب، يقول: « سَلامٌ عَلَيْكُمْ »، ولا يقول: « وعليكم السّلام ».

ويؤمر الصّبيّ بالصّلاة إذا بلغ ستّ سنين تأديبا، ويؤخذ به إذا بلغ تسع سنين سنّة وفضيلة، وألزم إلزاما إذا بلغ حدّ الكمال فرضا ووجوبا. ولا بأس أن يصلّوا جماعة مع الرّجال، غير أنّهم لا يمكّنون من الصّف الأوّل.

ويكره أن ينفخ الإنسان في الصّلاة موضع سجوده. فإن فعل، لم يكن عليه أصم. وإنما يكره ذلك إذا كان بجنبه من يصلّي يتأذّى بالغبار. ولا بأس أن يعد الإنسان الركعات بأصابعه أو بشي‌ء يكون معه من الحصى والنّوى وما أشبههما. ولا بأس أن يصلّي الإنسان وفي فيه خرز أو لؤلؤ ما لم يشغله عن القراءة أو الصّلاة. فإن شغله عنها، لم يجز الصّلاة فيه.

٧٤

باب القراءة في الصلاة وأحكامها والركوع والسجود وما يقال فيهما والتشهد

القراءة واجبة في الصّلاة. فمن تركها متعمّدا، فلا صلاة له. وإن تركها ناسيا، إن ذكر قبل الركوع، وجبت عليه القراءة. وإن ذكرها بعد الرّكوع، مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه.

وأدنى ما يجزي من القراءة في الفرائض الحمد مرة واحدة وسورة معها مع الاختيار، لا يجوز الزّيادة عليه ولا النّقصان عنه. فمن صلّى بالحمد وحدها متعمّدا من غير عذر، كانت صلاته ماضية، ولم يجب عليه إعادتها، غير أنّه يكون قد ترك الأفضل. وإن اقتصر على الحمد ناسيا أو في حال الضّرورة من السّفر والمرض وغيرهما، لم يكن به بأس، وكانت صلاته تامّة. ولا يجوز الاقتصار على أقلّ من الحمد في حال من الأحوال. فمن لا يحسن الحمد، أو يحسن منها بعضها، فصلّى بما يحسنه، كانت صلاته ماضية، غير أنّه يجب عليه تعلّم الحمد على التّمام ليصلّي بها إذا أمكنه ذلك. فإن لم يمكنه، لم يكن عليه شي‌ء. ومن لا يحسن غير الحمد، لم يكن به بأس في الاقتصار عليه، ولم يجب عليه زيادة التعلّم على ذلك، وكانت صلاته تامّة. وقراءة الأخرس وشهادته الشّهادتين، إيماء بيده مع الاعتقاد بالقلب.

ولا يجوز أن يجمع بين سورتين مع الحمد في الفرائض. فمن

٧٥

فعل ذلك متعمّدا، كانت صلاته فاسدة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. وكذلك لا يجوز أن يقتصر على بعض سورة وهو يحسن تمامها. فمن اقتصر على بعضها وهو متمكن لقراءة جميعها، كانت صلاته ناقصة، وان لم يجب عليه إعادتها. والرّكعتان الأخراوان من الفرائض يقتصر فيهما على الحمد وحدها أو ثلاث تسبيحات، يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر » ثلاث مرّات، أيّ ذلك شاء، فعل مخيّرا له فيه.

وامّا صلاة النّوافل فلا بأس ان يقتصر على الحمد وحدها، غير أن الأفضل أن يضيف إليها غيرها من السّور. ولا بأس أن يقرأ في النّوافل أكثر من سورة واحدة، وكذلك إن قرأ من سورة، أو اقتصر على آية واحدة، لم يكن به بأس.

وقراءة «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » واجب في جميع الصّلوات قبل الحمد وبعدها، إذا أراد أن يقرأ سورة معها. ويستحبّ أن يجهر بـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » في جميع الصّلوات، وإن كانت ممّا لا يجهر بالقراءة فيها. فإن قرأها فيما بينه وبين نفسه، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

ومن ترك «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » في الصّلاة متعمّدا قبل « الحمد » أو بعدها قبل السورة، فلا صلاة له، ووجب عليه إعادتها. وان كانت الحال حال تقيّة، جاز له ان يقول فيما

٧٦

بينه وبين نفسه، وإن كانت الصّلاة ممّا يجهر فيها بالقراءة، فإن كان عليه بقيّة من سورة يريد قراءتها مع الحمد في النوافل، لم يجب قول «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » بل يبتدئ من الموضع الّذي يريده.

ولا يجوز قول « آمين » بعد الفراغ من الحمد. فمن قاله متعمّدا بطلت صلاته. ويستحبّ أن يفصل بين الحمد والسورة الّتي يريد قراءتها بسكتة، وكذلك يفصل بين الحمد والسورة الّتي يريد قراءتها بسكتة، وكذلك يفصل بين السّورة وتكبيرة الرّكوع. وينبغي أن يرتّل الإنسان قراءته، ويضع الحروف مواضعها. فإن لم يتأت له ذلك، لعدم علمه به، وامكنه تعلّمه على الاستقامة، وجب عليه ذلك. فان شقّ عليه ذلك، قرأ على ما يحسنه.

وإذا قرأ الإنسان في الفريضة سورة بعد الحمد، وأراد الانتقال الى غيرها، جاز له ذلك، ما لم يتجاوز نصفها، إلّا سورة الكافرين والإخلاص، فإنّه لا ينتقل عنهما، إلّا في صلاة الظّهر يوم الجمعة، فإنّه لا بأس أن ينتقل عنهما إلى سورة الجمعة والمنافقين.

ويقرأ الإنسان في الفريضة أيّ سورة شاء سوى العزائم الأربع، فإنّه لا يقرأها في الفريضة على حال.

وإذا أراد أن يقرأ سورة الفيل في الفريضة، جمع بينها وبين

٧٧

سورة الإيلاف، لأنّهما سورة واحدة، وكذلك « والضّحى » و « ألم نشرح ». وأفضل ما يقرأه الإنسان في الفريضة بعد الحمد « إنّا أنزلناه في ليلة القدر » و « قل هو الله أحد » و « قل يا أيّها الكافرون ». وهو مخيّر في ما سوى ذلك.

ولا يجوز أن يقرأ من السّور الطّوال في الفريضة، ما إن اشتغل بقراءتها، فاتته الصّلاة، بل يقرأ من السّور القصار والمتوسّطة.

ويستحبّ أن يقرأ في صلاة الظهر والعصر والمغرب مثل سورة القدر و « إذا جاء نصر الله » و « ألهيكم » و « إذا زلزلت » وما أشبهها من السّور القصار، ويقرأ في العشاء الآخرة مثل سورة الطّارق وسورة الأعلى و « إذا السّماء انفطرت » وما أشبهها من السّور، وفي صلاة الغداة مثل سورة المزّمّل والمدّثّر و « هل أتى على الإنسان » و « عمّ يتساءلون » وما أشبهها من السّور، كلّ هذا ندبا واستحبابا. فإن اقتصر على « قل هو الله أحد » في الصّلوات كلّها، جاز له ذلك. ويستحبّ أن يقرأ في صلاة الغداة يوم الخميس والاثنين « هل أتى على الإنسان »، وكذلك يستحبّ أن يقرأ ليلة الجمعة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة سورة الجمعة وسورة الأعلى، وفي غداة يوم الجمعة الجمعة و « قل هو الله أحد »، وفي الظهر والعصر من يوم الجمعة سورة الجمعة والمنافقين.

وامّا القراءة في النّوافل، فليقرأ من أيّ موضع شاء ما شاء.

٧٨

ويجوز قراءة العزائم فيها. فإن قرأ منها شيئا، وبلغ موضع السّجدة، فليسجد، ثمَّ ليرفع رأسه من السّجود، ويقوم بالتّكبير، فيتمّم ما بقي عليه من السّورة إن شاء. وإن كانت السّجدة في آخر السّورة، ولم يرد قراءة غيرها، قام من السّجود، وقرأ الحمد، ثمَّ ركع. ويستحبّ أن يقرأ في نوافل النّهار السّور القصار. والاقتصار على سورة الإخلاص أفضل.

ويستحبّ قراءة « قل يا أيّها الكافرون » في سبعة مواضع: في أوّل ركعة من ركعتي الزّوال، وفي أوّل ركعة من نوافل المغرب، وفي أوّل ركعة من صلاة اللّيل، وفي أوّل ركعة من ركعتي الفجر، وفي ركعتي الغداة إذا أصبحت بها، وفي ركعتي الطواف، وفي ركعتي الإحرام. وقد روي أنّه يقرأ في هذه المواضع في الرّكعة الأولى « قل هو الله أحد » وفي الثّانية « قل يا أيّها الكافرون ». فمن عمل بهذه الرّواية، لم يكن به بأس.

ويستحب أن يقرأ الإنسان في الرّكعتين الأوليين من صلاة اللّيل ثلاثين مرّة « قل هو الله أحد » في كل ركعة. وفي باقي صلاة اللّيل يستحبّ أن يقرأ فيها بالسّور الطّوال مثل الأنعام والكهف والأنبياء والحواميم وما جرى مجراها. هذا إذا كان عليه وقت كبير. فإن كان قريبا من الفجر، خفّف الصّلاة.

وينبغي للمصلّي أن يجهر بالقراءة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة. فإن خافت فيهما متعمّدا، وجبت عليه إعادة

٧٩

الصّلاة. ويخافت في الظهر والعصر. فإن جهر فيها متعمّدا، وجب عليه إعادة الصّلاة. وإن جهر فيما يجب فيه المخافتة، أو خافت فيما يجب فيه الجهر ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. وإذا جهر، لا يرفع صوته عاليا، بل يجهر متوسّطا. وإذا خافت، فلا يخافت دون إسماعه نفسه. ويستحبّ أن يجهر بالقراءة في نوافل صلاة اللّيل أيضا. فإن لم يفعل، فلا شي‌ء عليه. وان جهر في نوافل النّهار، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل في نوافل النّهار المخافتة.

وليس على المرأة الجهر بالقراءة في شي‌ء من الصّلوات.

والامام ينبغي أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حدّ العلوّ. فإن احتاج إلى ذلك، لم يلزمه، بل يقرأ قراءة وسطا. ويستحبّ للإمام أيضا أن يسمع من خلفه الشّهادتين في حال التّشهد. وليس على من خلفه أن يسمعه شيئا. ولا ينبغي أن يكون على فم الإنسان لثام في حال القراءة فإن كان، فعليه أن ينحيه، إن منع ذلك من سماع القراءة. فإن لم يمنع من ذلك، لم يكن به بأس، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

والإمام إذا غلط في القراءة ردّ عليه من خلفه. وإذا أراد المصلّي أن يتقدّم بين يديه في الصّلاة، امتنع من القراءة ويتقدّم. فإذا استقرّ به المكان، عاد إلى القراءة. ولا بأس أن يقرأ الإنسان في الصّلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

بحث

ما يخلفه الإنسان بعد موته :

المستفاد من الرّوايات الشريفة ، بالإضافة لما ورد في الآيات المباركة أعلاه ، إنّه ثمّة أعمال وآثار يخلفها الإنسان بعد موته ، وما ينجسم من تلك الأعمال والآثار حتى يوم القيامة يبقى مرتبطا بذات الفاعل الأصلي ، فإن كانت الأعمال حيّرة فستصله حسنات تتمة العمل واستمراره ، وإن كانت شريرة فلا يجني منها سوى الهون والعذاب.

فعن الإمام الصادق ٧ ، أنّه قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثالث خصال : صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدى سنّها ، فهي تعمل بها بعد موته ، وولد صالح يستغفر له»(١) .

وفي رواية اخرى : «ست خصال يتنفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، مصحف يقرأ منه ، وقليب (بئر) يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجربه ، وسنة حسنة يؤخذ بها بعده»(٢) .

فيما أكّدت بعض الرّوايات على (العلم) الذي يخلّفه بعده.(٣) وقد حذّرت كثير من الرّوايات من أن يسنّ الإنسان سنّة سيئة ، لأنّ الفاعل الأوّل ستتابع عليه آثام تلك السنة إلى يوم القيامة.

وكذلك حثت وشوقت على استنان السنن الحسنة ، لينتفع الفاعل الأوّل لها بثوابها الجاري إلى يوم القيامة.

وذكر العلّامة الطبرسي حديثا في هذا المضمار إنّ سائلا قام على عهد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأل ، فسكت القوم ، ثمّ أنّ رجلا أعطاه ، فأعطاه القوم فقال

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٥٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) منية المريد ، ص ١١.

٤٨١

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من استن خيرا فاستن به فله أجره ، ومثل أجور من اتبعه ، غير منتقص من أجورهم ، ومن استن شرّا فاستن به فعليه وزره ، مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم» فتلا حذيفة بن اليمان قوله تعالى :( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال : «فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور وبعثرت القبور ، هناك تبلو كلّ نفس ما أسلفت ، وردّوا إلى الله مولاهم الحق ، وضل عنهم ما كانوا يفترون»(٢) .

فتعكس هذه الآيات والرّوايات أبعاد مسئولية الإنسان أمام أعماله ، وتبيّن عظم المسؤولية ، فأثار فعل الخيرات أو المنكرات يتصل إليه وإن امتدت الآلاف السنين بعد موته!(٣) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٦.

(٣) لمزيد من التفصيل. راجع تفسير الآية (٢٥) من سورة النحل.

٤٨٢

الآيات

( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) )

التّفسير

لا داعي للغرور :

تنتقل الآيات أعلاه من المعاد إلى الإنسان ، ببيان إيقاظي عسى أن ينتبه الإنسان من غفلة ما في عنقه من حقّ وما على عاتقه من مسئوليات جسام أمام خالقه سبحانه وتعالى ، فتخاطب الآية الاولى الإنسان باستفهام توبيخي محاط بالحنان والرأفة الرّبانية :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) .

فالقرآن يذكّر الإنسان بإنسانيته ، وما لها من إكرام وأفضلية ، ثمّ جعله أمام «ربّ» «كريم» ، فالرّب وبمقتضى ربوبيته هو الحامي والمدبّر لأمر تربية وتكامل الإنسان ، وبمقتضى كرمه أجلس الإنسان على مائدة رحمته ، ورعاه بما أنعم عليه ماديا ومعنويا ودون أن يطلب منه أيّ مقابل ، بل ويعفو عن كثير من ذنوب

٤٨٣

الإنسان لفضل كرمه

فهل من الحكمة أن يتمرد هذا الموجود المكرّم على هكذا ربّ رحيم كريم؟!

وهل يحقّ لعاقل أن يغفل عن ذكر ربّه ولو للحظة واحدة ، ولا يطيع أمر مولاه الذي يتضمن سعادته وفوزه؟!

ولهذا فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند تلاوته للآية المباركة أنّه قال : «غرّه جهله»(١) .

ومن هنا ، يتقرّب لنا هدف الآية ، فهي تدعو الإنسان لكسر حاجز غروره وتجاوز حالة الغفلة ، وذلك بالاستناد على مسألة الربوبية والكرم الإلهي ، وليس كما يحلو للبعض من أن يصور هدف الآية ، على أنّه تلقين الإنسان عذره ، فيقول : غرّني كرمك! أو كما قيل للفضيل بن عياض : «لو أقامك الله ويوم القيامة بين يديه ، فقال :( ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) ، ماذا كنت تقول له؟ قال : أقول : غرّني ستورك المرخاة»(٢) .

فهذا ما يخالف تماما ، لأنّها في صدد كسر حالة غرور الإنسان وإيقاظه من غفلته ، وليست في صدد إضافة حجاب آخر على حجب الغفلة!

فلا ينبغي لنا أن نذهب بالآية بما يحلو لنا ونوجهها في خلاف ما تهدف إليه! «غرّك» : من (الغرور) ، و «الغرّة» : غفلة في اليقظة ، وبعبارة اخرى : غفلة في وقت لا ينبغي فيه الغفلة ، ولما كانت الغفلة أحيانا مصدرا للاستعلاء والطغيان فقد استعملت (الغرور) بهذه المعاني.

والغرور) : كلّ ما يغرّ الإنسان من مال ، جاه ، شهوة وشيطان ، وقد فسّر الغرور بالشيطان ، لأنّه أخبث من يقوم بهذا الدور الدنيء في الدّنيا.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤٩ ؛ والدر المنثور ، وروح المعاني ، وروح البيان ، والقرطبي ، عند تفسير الآية المبحوثة.

(٢) المصدر السابق.

٤٨٤

وذكر في تفسير «الكريم» آراء كثيرة ، منها : إنّه المنعم الذي تكون جميع أفعاله إحسان ، وهو لا ينتظر منها أيّ نفع أو دفع ضرر.

ومنها : هو الذي يعطي ما يلزمه وما لا يلزمه.

ومنها : هو من يعطي الكثير بالقليل.

ولو جمعنا كلّ ما ذكر وبأعلى صورة لدخل في كرم اللهعزوجل ، فيكفي كرم الله جلالا أنّه لا يكتفي عن المذنبين ، بل يبدل (لمن يستحق) سيئاتهم حسنات.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عند تلاوته لهذه الآية ، أنّه قال : (إن الإنسان) «أدحض مسئول حجّة ، وأقطع مغترّ معذرة ، لقد أبرح (أي اغتر) جهالة بنفسه.

يا أيّها الإنسان ، ما جرّأك على ذنبك ، وما غرّك بربّك ، وما أنسك بهلكة نفسك؟

أمّا من دائك بلول (أي شفاء) ، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم نفسك ما ترحم من غيرك؟ فلربّما ترى الضاحي من حرّ الشمس فتظلّه ، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له! فما صبرك على دائك ، وجلدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعزّ الأنفس عليك ، وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة (أي تبيت بنقمة من الله) وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته! فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى (أي النوم) الغفلة في ناظرك بيقظة ، وكن لله مطيعا وبذكره آنسا ، وتمثل (أي تصور) في حال توليك عنه إقباله عليك ، يدعوك إلى عفوه ويتغمدك بفضله وأنت متول عنه إلى غيره ، فتعالى من قوي ما أكرمه! وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته! ...»(١) .

وتعرض لنا الآية التالية جانبا من كرم الله ولطفه على الإنسان :( الَّذِي

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٣.

٤٨٥

خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما (١) شاءَ رَكَّبَكَ ) .

فالآية قد طرحت مراحل خلق الإنسان الأربعة أصل الخلقة ، التسوية ، التعديل ، ومن ثمّ التركيب.

ففي مرحلة الاولى : يبدأ خلق الإنسان ومن نطفة في ظلمات رحم الام.

وفي مرحلة الثّانية : مرحلة «التسوية والتنظيم» وفيها يقدر الباري سبحانه خلق كلّ عضو من أعضاء الإنسان بميزان متناهي الدّقة.

فلو أمعن الإنسان النظر في تكوين عينه اذنه أو قلبه ، عروقه وسائر أعضاءه ، وما أودع فيها من ألطاف ومواهب وقدرات إلهية ، لتجسم أمامه عالما من العلم والقدرة واللطف والكرم الإلهي.

عطاء ربّاني قد شغل العلماء آلاف السنين بالتفكير والبحث والتأليف ، ولا زالوا في أوّل الطريق

وفي المرحلة الثّالثة : يكون التعديل بين «القوى» و «الأعضاء» وتحكيم الارتباط فيما بينها.

وبدن الإنسان قد بني على هذين القسمين المتقاربين ، فـ اليدين ، الرجلين ، العينين ، الأذنين ، العظام ، العروق ، الأعصاب والعضلات قد توزعت جميعها على هذين القسمين متجانس ومترابط.

هذا بالإضافة إلى أنّ الأعضاء في عملها يكمل بعضها للبعض الآخر ، فجهاز التنفس مثلا يساعد في عمل الدورة الدموية بدورها تقدم يد العون إلى عملية التنفس ، ولأجل ابتلاع لقمة غذاء ، لا تصل إلى الجهاز الهضمي إلّا بعد أن يؤدّي كلّ من : الأسنان ، اللسان ، الغدد وعضلات الفم دوره الموكل به ، ومن ثمّ تتعاضد أجزاء الجهاز الهضمي على إتمام عملية الهضم وامتصاص الغذاء ، لينتج منه القوّة

__________________

(١) «ما» : زائدة ، واحتملها البعض (شرطية) ، ولكنّ الرأي الأوّل أقرب للصواب.

٤٨٦

اللازمة للحركة والفعالية

وكلّ ما ذكر ، وغيره كثير ، قد جمع قصيرة رائعة( ... فَعَدَلَكَ ) .

وقيل : «عدلك» إشارة إلى اعتدال قامة الإنسان ، وهو ما يمتاز به عن بقية الحيوانات ، وهذا المعنى أقرب للمرحلة القادمة ولكن المعنى الأوّل أجمع.

وفي المرحلة الرابعة : تكون عملية «التركيب» وإعطاء الصورة النهائية للإنسن نسبة إلى بقية الموجودات.

نعم ، فقد تكرم الباري بإعطاء النوع الإنساني صورة موزونة عليها مسحة جمالية بديعة قياسا مع بقية الحيوانات ، وأعطى الإنسان فطرة سليمة ، وركّبه بشكلّ يكون فيه مستعدا لتلقي كلّ علم وتربية.

ومن حكمة الباري أن جعل الصور الإنسانية مختلفة متباينة ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٢) من سورة الروم :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) ، ولولا الاختلاف المذكور لاختل توازن النظام الاجتماعي البشري.

ومع الاختلاف في المظهر فإنّ الباري جلّ شأنه قدّر الاختلاف والتفاوت في القابليات والاستعدادات والأذواق والرغبات ، وجاء هذا النظم بمقتضى حكمته ، وبه يمكن تشكيل مجتمع متكامل سليم وكلّ حوائجه ستكون مؤمّنة.

وتلخص الآية (٤) من سورة التين خلق الله للإنسان بصورة إجمالية :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

والخلاصة : فالآيات المبحوثة ، إضافة لآيات أخر كثيرة تهدف وبشكلّ دقيق إلى تعريف الإنسان المغرور بحقيقته ، منذ كان نطفة قذرة ، مرورا بتصويره وتكامله في رحم امّه ، حتى أشدّ حالات نموه وتكامله ، وتؤكّد على أنّ حياة الإنسان في حقيقتها مرهونة بنعم الله ، وكلّ حيّ يفعم برحمة الله في كل لحظات حياته ، ولا بدّ لكلّ حي ذي لبّ وبصيرة من أن يترحل من مطية غروره وغفلته ،

٤٨٧

ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته ، وإلّا فالهلاك الحتمي.

وتتناول الآية التالية منشأ الغرور والغفلة :( كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) .

فالكرم الإلهي ، ولطف الباري منعمه ليست بمحفز لغروركم ، ولكنكم آليتم على عدم إيمانكم بالقيامة ، فوقعتم بتلك الهاوية الموهمة.(١)

ولو دققنا النظر في حال المغرورين والغافلين ، لرأينا أنّ الشك بيوم القيامة أو إنكاره هو الذي استحوذ على قلوبهم وما دونه مجرّد مبررات واهية ، ومن هنا يأتي لتشديد على أصل المعاد ، فلو قوي الإيمان بالمعاد في القلوب لارتفع الغرور وانقشعت الغفلة عن النفوس.

«الدين» : يراد به هنا ، الجزاء يوم الجزاء ، وما احتمله البعض من أنّه (دين الإسلام) فبعيد عن سياق حديث الآيات ، لأنّها تتحدث عن «المعاد».

وتأتي الآيات التالية لتوضح أنّ حركات وسكنات الإنسان كلّها مراقبة ومحسوبة ولا بدّ الإيمان بالمعاد وإزالة عوامل الغفلة والغرور ، فتقول( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ) (٢) .

وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند الله تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم :( كِراماً كاتِبِينَ ) .

( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) .

و «الحافظين» : هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ، كما سمّتهم الآية (١٧) من سورة (ق) بالرقيب العتيد :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ، كما وذكرتهم الآية (١٦) من نفس السورة :( إِذْ يَتَلَقَّى

__________________

(١) «كلا» حرف ردع لإنكار شيء ذكر وتوهم ، لكن أي إنكار قصدته الآية؟ ثمة احتمالات عديدة للمفسرين في ذلك ، وأهمها ما ذكر أعلاه ، أي أن «كلا» جاءت لتنفي كل أسباب ومنابع الغرور والغفلة وتجعلها في إنكار القيامة والتكذيب به فقط. وهو ما ورد بعد «بل» وهذا ما اختاره الراغب في مفردات (في مادة : بل) ، وقال بعد ذكره للآية : قيل ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.

(٢) قيل : إن «الواو» هنا حالية ، كما في روح المعاني وروح البيان ، ولكن احتمال كونها (استئنافية) أقرب للحال.

٤٨٨

الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) .

وثمّة آيات قرآنية اخرى تشير إلى رقابة الملائكة لما يفعله الإنسان في حياته.

إنّ نظر وشهادة اللهعزوجل على أعمال الإنسان ، ممّا لا شك فيه ، فهو الناظر لما يبدر من الإنسان قبل أيّ أحد ، وأدق من كلّ شيء ، ولكنّه سبحانه ولزيادة التأكيد ولتحسيس الإنسان بعظم مسئولية ما يؤديه ، فقد وضع مراقبين يشهدون على الإنسان يوم الحساب ، ومنهم هؤلاء الملائكة الكرام.

وقد فصّلنا أقسام المراقبين الذين يحفون بالإنسان من كلّ جهة ، وذلك ذيل الآيتين (٢٠ و٢١) من سورة فصّلت ، ونوردها هنا إجمالا ، وهي على سبعة أقسام.

أوّلا : ذات الله المقدّسة ، كما في قوله تعالى :( وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) .

ثانيا : الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، بدلالة قوله تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) .

ثالثا : أعضاء بدن الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) .

رابعا : جلد الإنسان وسمعه وبصره ، بدلالة قوله تعالى :( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٤) .

خامسا : الملائكة ، بدلالة قوله تعالى :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ

__________________

(١) يونس ، الآية ٦١.

(٢) النساء ، الآية ٤١.

(٣) النور ، الآية ٢٤.

(٤) فصلت ، الآية ٢١.

٤٨٩

وَشَهِيدٌ ) (١) ، وبدلالة الآية المبحوثة أيضا.

سادسا : الأرض المكان الذي يعيش عليه الإنسان ، بدلالة قوله تعالى :( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) (٢) .

سابعا : الزمان الذي تجري فيه أعمال الإنسان ، بدلالة ما روي عن الإمام عليعليه‌السلام في وقوله : «ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم : يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد»(٣) .

وفي كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي : إنّ شخصا سأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان في حين أنّ اللهعزوجل عالم السرّ وأخفى؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «استعبدهم بذلك ، وجعلهم شهودا على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة ، وعن معصيته أشدّ انقباضا ، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكفّ ، فيقول ربّي يراني ، وحفظتي عليّ بذلك يشهد ، وأنّ برأفته ولطفه وكّلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين ، وهوام الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله ، إلى أن يجيء أمر اللهعزوجل »(٤) .

ويستفاد من هذه الرواية أنّ للملائكة وظائف اخرى إضافة لتسجيلهم لأعمال الإنسان كحفظ الإنسان من الحوادث والآفات ووساوس الشيطان.

(وقد بحثنا موضوع وظائف ومهام الملائكة بتفصيل في ذيل الآية (١) من سورة فاطر ـ فراجع).

__________________

(١) سورة ق ، الآية ٢١.

(٢) الزلزال ، الآية ٤.

(٣) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٧٣٩ (مادة : يوم).

(٤) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٢.

٤٩٠

وقد وصفت الآيات المبحوثة هؤلاء الملائكة بأنّهم «كرام» ، ليكون الإنسان أكثر دقّة في مراقبة نفسه وأعماله ، لأنّ الناظر كلّما كان ذا شأن كبير ، تحفظ الإنسان منه أكثر وأكثر واستحى من فعل المعاصي أمامه.

وعلّة ذكر «كاتبين» للتأكيد على إنّهم لا يكتفون بالمراقبة والحفظ دون تسجيل ذلك بدقّة متناهية.

وذكر :( يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ ) تأكيد آخر على كونهم مطلعين على كلّ الأعمال وبشكل تام ، واستنادا إلى اطلاعهم ومعرفتهم يسجلون ما يكتبونه.

فالآيات تشير إلى حرية إرادة الإنسان ، وتشير إلى كونه مختارا ، وإلّا فما قيمة تسجيل الأعمال؟ وهل سيبقى للتحذير والإنذار من معنى؟

وتشير أيضا إلى جدّية ودقّة الحساب والجزاء والإلهي.

ويكفي فهم واستيعاب هذه الإشارات البيانية الرّبانية لإنقاذ الإنسان من وقوعه في هاوية المعاصي ، وتكفيه الإشارات عظة ليزكي ويعرف مسئوليته ويعمل بدروه.

* * *

بحث

كتبة صحائف الأعمال :

لم تكن الآيات المبحوثة الدليل الوحيد على وجود المراقبين لأعمال الإنسان ، والكاتبين لها بخيرها وشرّها ، بل ثمّة آيات كثيرة وروايات عديدة تناولت ذلك ومن جملة ما ورد من الأحاديث بهذا الشأن.

١ ـ سؤال عبد الله بن موسى بن جعفرعليه‌السلام لأبيه عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟

فقال الإمامعليه‌السلام : «ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟».

٤٩١

قال : لا.

قال : «إنّ العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيّب الريح ، فيقول صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنّه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، فأثبتها له ، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين ، قف فإنّه قد همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده ، وأثبتها عليه»(١) .

فالرواية تبيّن ما للنيّة من أثر على كامل وجود الإنسان ، وأنّ الملائكة يسجلون ما وقع من فعل من الإنسان ولكنّهم مطلعين على فعل الواقع قبل وقوعه ، وعليه فتسجيلهم لأعمال الإنسان دقيق جدّا ، ولا يفوتهم شيئا إلّا وكتبوه في صحيفته.

والرواية أيضا ، تأتي في سياق الحديث النبوي الشريف : «إنّما الأعمال بالنيات» للتأكيد على ما لنيّة الإنسان من أثر على فعله الحسن أو السيء.

وتبيّن أيضا ، بأنّ وسائل الكتابة هي جوارح الإنسان الناوي للفعل ، فلسانه القلم وريقه المداد!

٢ ـ وثمّة روايات تؤكّد على أنّ الملائكة مأمورة بتسجيل النوايا الحسنة دون النوايا السيئة ، ومنها : «إنّ تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب له ، ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيئة».(٢)

فالرواية تبيّن منتهى اللطف الرّباني الفصل الإلهي على الإنسان ، وتحث الإنسان على الأعمال الصالحة فنيّته السيئة لا تسجل عليه ، وفعله السيء يكتب عليه وفق موازين العدل ، في حين أنّ نيّته الحسنة وفعله الحسن يسجلان

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٢٩ ، باب «من يهمّ بالحسنة أو السيئة» الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق ، الحديث ١ ـ ٢.

٤٩٢

له وفق اللطف والتفضل الإلهي

٣ – وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «يهمّ العبد بالحسنة فيعملها ، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته ، وإن هو عملها كتب الله له عشرا ، ويهمّ بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن عملها اجّل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ، فإن اللهعزوجل يقول :( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) ، أو الاستغفار فإنّ هو قال : استغفر الله الذي لا إله إلّا هو ، عالم الغيب والشهادة ، العزيز الحكيم ، الغفور الرحيم ، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ، لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة أو استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم»(١) .

٤ – وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ المؤمنين إذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحوا عنهما فإنّ لهما سرّا وقد ستر الله عليهما»!(٢)

٥ – وفي خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال فيها بعد أن دعى الناس فيها لتقوى الله : «اعلموا عباد الله ، إنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج «أي إحكام» ، وإنّ غدا من اليوم قريب»(٣) .

* * *

__________________

(١) المصدر السابق ، الحديث ٤.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨٤ ، الحديث ٢ ؛ وعنه نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٠.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٧.

٤٩٣

الآيات

( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) )

التّفسير

«يوم لا تملك نفس لنفس شيئا» :

بعد ذكر الآيات السابقة لتسجيل أعمال الإنسان من قبل الملائكة ، تأتي الآيات أعلاه لتتطرق إلى نتائج تلك الرقابة ، وما سيصل إليه كلّ من المحسن والمسيء من عاقبة ، فتقول الآية الاولى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ) .

والثّانية :( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) .

«الأبرار» : جمع (بار) و «برّ» على وزن (حق) ، بمعنى : المحسن ، و (البرّ) بكسر الراء ـ كلّ عمل صالح والآية تريد العقائد السليمة ، والنيات والأعمال الصالحة.

«نعيم» : وهي مفرد بمعنى النعمة ، ويراد به هنا «الجنّة» ، وجاءت بصيغة

٤٩٤

النكرة لبيان أهمية وعظمة هذه النعمة ، التي لا يصل لإدراك حقيقتها إلّا الله سبحانه وتعالى ، واختيرت كلمة «نعيم» بصيغة الصفة المشبهة ، للتأكيد على بقاء واستمرار هذه النعمة ، لأنّ الصفة المشبهة عادة ما تتضمّن ذلك.

«الفجّار» : جمع (فاجر) من (فجر) ، وهو الشقّ الواسع ، وقيل للصبح فجر لكونه فجر الليل ، أيّ شقّه بنور الصباح ، و (الفخور) : شقّ ستر الديانة والعفة ، والسير في طريق الذنوب.

«جحيم» : من (الجحمة) ، وهي تأجج النّار ، وتطلق الآيات القرآنية (الحجيم) على جهنّم عادة.

ويمكن أن يراد بقوله تعالى :( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) الحال الحاضر ، أيّ : إنّ الأبرار يعيشون في نعيم الجنّة حاليّا ، وإنّ الفجّار قابعون في أودية النّار ، كما يفهم من إشارة الآية (٥٤) من سورة العنكبوت :( إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) .

وقال بعض : المراد من الآيتين هو حتمية الوقوع المستقبلي ، لأنّ المستقبل الحتمي والمضارع المتحقق الوقوع يأتي بصيغة الحال في اللغة العربية ، وأحيانا يأتي بصيغة الماضي.

فالمعنى الأوّل أكثر انسجاما مع ظاهر الآية ، إلّا أنّ المعنى الثّاني أنسب للحال ، والله العالم.

وتدخل الآية التالية في تفصيل أكثر لمصير الفجّار :( يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ ) .

فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى أنّ الفجّار هم في جهنّم حاليا ، فسيكون إشارة هذه الآية ، إلى أنّ دخولهم جهنّم سيتعمق ، وسيحسون بعذاب نارها ، بشكل أشدّ.

«يصلون» : من (المصلى) على وزن (سعي) ، و «صلى النّار» : دخل فيها ، ولكون الفعل في الآية قد جاء بصيغة المضارع ، فإنّه يدل على الاستمرار

٤٩٥

والملازمة في ذلك الدخول.

ولزيادة التفصيل ، تقول الآية التالية :( وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) .

اعتبر كثير من المفسّرين كون الآية دليلا على خلود الفجّار في العذاب ، وخلصوا إلى أنّ المراد بـ «الفجّار» هم «الكفّار» ، لكون الخلود في العذاب يختص بهم دون غيرهم.

ف «الفجّار» : إذن : هم الذين يشقون ستر التقوى والعفة بعدم إيمانهم وتكذيبهم بيوم الدين ، ولا يقصد بهم ـ في هذه الآيات ـ أولئك الذي يشقّون الستر المذكور بغلبة هوى النفس مع وجود حالة الإيمان عندهم.

وإتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيدا لما أشرنا إليه سابقا ، من كون هؤلاء يعيشون جهنّم حتّى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضا( ... وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) ، فحياتهم بحدّ ذاتها جهنّما ، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما ورد في الحديث الشريف) ، وعليه فجهنّم القبر والبرزخ وجهنّم الآخرة كلّها مهيأة لهم.

كما وتبيّن الآية أيضا : إنّ عذاب أهل جهنّم عذاب دائم ليس له انقطاع ، ولا يغيب عنهم ولو للحظة واحدة.

ولأهمية خطب ذلك اليوم العظيم ، تقول الآية التالية :( وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

( ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) .

فإذا كانت وحشة وأهوال ذلك اليوم قد أخفيت عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو المخاطب في الآية ـ مع كلّ ما له من علم بـ القيامة ، المبدأ ، المعاد فكيف يا ترى حال الآخرين؟!!

والآيات قد بيّنت ما لأبعاد يوم القيامة من سعة وعظمة ، بحيث لا يصل لحدّها أيّ وصف أو بيان ، وكما نحن (السجناء في عالم المادة) لا نتمكن من إدراك حقيقة النعم الإلهية المودعة في الجنّة ، فكذا هو حال إدراكنا بالنسبة

٤٩٦

لحقيقة عذاب جهنّم ، وعموما لا يمكننا إدراك ما سيجري من حوادث في ذلك اليوم الرهيب المحتوم.

وينتقل البيان القرآني للتعبير عن إحدى خصائص ذلك اليوم ، وبجملة وجيزة ، لكنها متضمّنة لحقائق ومعان كثيرة :( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) .

فستتجلّى حقيقة أنّ كلّ شيء في هذا العالم هو بيد الله العزيز القهّار ، وستبان حقيقة حاكمية الله المطلقة ومالكيته على كلّ من تنكر لهذه الحقيقة الحقّة ، وستنعدم تلك التصورات الساذجة التي حكمت أذهان المغفلين بكون فلان أميرا ورئيسا أو حاكما ، وسينهار أولئك البسطاء الذين اعتبروا أن قدراتهم مستقلة بعد أن أكل الغرور نفوسهم وتكالب التكبر على تصرفاتهم في الحياة الدنيا الفانية.

وتشهد على الحقيقة ـ بالإضافة إلى الآية المذكورة ـ الآية (١٦) من سورة المؤمن حيث تقول :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) .

وتشير الآية (٣٧) من سورة عبس إلى انشغال الإنسان بنفسه في ذلك اليوم دون كلّ الأشياء الاخرى ، ولو قدّر أن يمنح قدرا معينا من القدرة ، لما نفع بها أحد دون نفسه! ، حيث تقول الآية :( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

حتّى روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، أنّه تناول ذلك الموقف بقوله : (إن الأمر يومئذ واليوم كله لله ، ...) وإذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلّا الله»(١)

وهنا يواجهنا السؤال التالي : هل يعني ذلك ، إنّ الآية تتعارض وشفاعة الأنبياء والأوصياء والملائكة؟

ويتّضح جواب السؤال المذكور من خلال البحوث التي قدمناها بخصوص موضوع (الشفاعة) فقد صرّح الحكيم في بيانه الكريم ، إنّ الشّفاعة لن تكون إلّا

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٠.

٤٩٧

بإذنه ، وإنّ الشّفاعة غير مطلقة ، حسب ما تشير إليه الآية (٢٨) من سورة الأنبياء( لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ) اللهم! إنّ الخلائق تنتظر رحمتك ولطفك في ذلك اليوم الرهيب ، ونحن الآن نتوقع لطفك.

إلهنا! لا تحرمنا من الطافك وعناياتك في هذا العالم والعالم الآخر.

ربّنا! أنت الحاكم المطلق في كلّ مكان وزمان ، فاحفظنا من التورط في شباك الذنوب والسقوط في وادي الشرك واللجوء الى الغير

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الإنفطار

انتهى المجلد التاسع عشر

* * *

٤٩٨

الفهرس

سورة المعارج

محتوى السورة ٥

فضيلة هذه السورة ٦

تفسير الآيات : ١ ـ ٣ ٧

سبب النّزول ٧

العذاب العاجل ٩

ملاحظة

إشكالات المعاندين الواهية ١٠

تفسير الآيات : ٤ ـ ٧ ١٤

يوم مقداره خمسين ألف سنة ١٤

تفسير الآيات : ٨ ـ ١٨ ١٧

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٨ ٢١

أوصاف المؤمنين ٢١

تفسير الآيات : ٢٩ ـ ٣٥ ٢٧

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة ٢٧

تفسير الآيات : ٣٦ ـ ٤١ ٣٢

الطمع الواهي في الجنّة ٣٢

٤٩٩

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب ٣٥

تفسير الآيات : ٤٢ ـ ٤٤ ٣٧

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام ٣٧

«سورة نوح»

محتوى سورة ٤٣

فضيلة هذه السورة ٤٤

تفسير الآيات : ١ ـ ٤ ٤٥

رسالة نوح الأولى ٤٥

ملاحظة

العوامل المعنوية لزيادة ونقصان العمر ٤٧

تفسير الآيات : ٥ ـ ٩ ٤٨

استخدام مختلف الوسائل لهدايتهم ، ولكن ٤٨

ملاحظتان

١ ـ أسلوب الإبلاغ ومنهجه ٥١

٢ ـ لماذا الفرا من الحقيقة ٥١

تفسير الآيات : ١٠ ـ ١٤ ٥٣

ثمرة الإيمان في الدنيا ٥٣

ملاحظة

الرّابطة بين التقوى والعمران ٥٥

تفسير الآيات : ١٥ ـ ٢٠ ٥٨

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793