النهاية الجزء ١

النهاية7%

النهاية مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الجزء ١ المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225314 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
النهاية

النهاية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتاب العربي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

فهنا شبه المعاندين والمغرورين كمن يسير في جادّة متعرّجة غير مستوية كثيرة المنعطفات وقد وقع على وجهه ، يحرّك يديه ورجليه للاهتداء إلى سبيله ، لأنّه لا يبصر طريقه جيّدا ، وليس بقادر على السيطرة على نفسه ، ولا بمطّلع على العقبات والموانع ، وليست لديه القوّة للسير سريعا ، وبذلك يتعثّر في سيره يمشي قليلا ثمّ يتوقّف حائرا.

كما شبّه المؤمنين برجال منتصبي القامات ، يسيرون في جادّة مستوية ومستقيمة ليس فيها تعرّجات واعوجاج ، ويمشون فيها بسرعة ووضوح وقدرة ووعي وعلم وراحة تامّة.

إنّه ـ حقّا ـ لتشبيه لطيف فذّ ، حيث إنّ آثار هذين السبيلين واضحة تماما ، وانعكاساتها جليّة في حياة هذين الفريقين ، وذلك ما نلاحظه بأمّ أعيننا.

ويرى البعض أنّ مصداق هاتين المجموعتين هما : (الرّسول الأكرم) و (أبو جهل) فهما مصاديق واضحة للآية الكريمة ، إلّا أنّ ذلك لا يحدّد عمومية الآية.

وذكرت احتمالات متعدّدة في تفسير (مكبّا على وجهه). إلّا أنّ أكثر الاحتمالات المنسجمة مع المفهوم اللغوي للآية هو ما ذكرناه أعلاه ، وهو أنّ الإنسان غير المؤمن يكون مكبّا على وجهه ويمشي زاحفا بيده ورجليه وصدره.

وقيل أنّ المقصود من (مكبّا) هو المشي الاعتيادي ولكنّه مطأطئ الرأس لا يشخّص مسيره بوضوح أبدا.

كما يرى آخرون أنّ المقصود بـ (مكبّا) هو الشخص الذي لا يستطيع أن يحفظ توازنه في السير ، فهو يخطو خطوات معدودة ثمّ ما يلبث أن يسقط على الأرض وينهض ليمشي ، ثمّ تتكرّر هذه الحالة.

ويستفاد ممّا ذكره الراغب في مفرداته أنّ المقصود بـ (مكبّا) هو الشخص الذي يدور حول محور الذات والأنانية ، معرضا عن الاهتمام بغيره.

٥٠١

إلّا أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر ، وذلك بقرينة المقابلة مع وضع المؤمنين والذين عبّرت عنهم الآية بـ (سويّا).

وعلى كلّ حال ، فهل أنّ هذه الحالة (مكبّا) و (سويّا) تمثّل وضع الكفّار والمؤمنين في الآخرة فقط؟ أم في العالمين (الدنيا والآخرة)؟ لا دليل على محدودية مفهوم الآية وانحصارها في الآخرة ، فهما في الدنيا كما هما في الآخرة.

إنّ هؤلاء الأنانيين المنشدّين إلى مصالحهم الماديّة والمنغمسين في شهواتهم ، السائرين في درب الضلال والهوى ، كمن يروم العبور من مكان مليء بالأحجار زاحفا على صدره ، بخلاف من تحرّر من قيد الهوى في ظلّ الإيمان حيث يكون مسيره واضحا ومستقيما ونظراته عميقة وثاقبة.

ثمّ يوجّه الله تعالى الخطاب إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية اللاحقة فيقول :( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ) .

إنّ الله تعالى جعل لكم وسيلة للمشاهدة والإبصار (العين) وكذلك وسيلة وقناة للاطّلاع على أفكار الآخرين ومعرفة وجهات نظرهم من خلال الاستماع (الإذن) ثمّ وسيلة اخرى للتفكّر والتدبّر في العلوم والمحسوسات واللامحسوسات (القلب).

وخلاصة الأمر إنّ الله تعالى قد وضع جميع الوسائل اللازمة لكم لتتعرّفوا على العلوم العقلية والنقلية ، إلّا أنّ القليل من الأشخاص من يدرك هذه النعم العظيمة ويشكر الله المنعم ، حيث أنّ شكر النعمة الحقيقي يتجسّد بتوجيه النعمة نحو الهدف الذي خلقت من أجله ، ترى من هو المستفيد من هذه الحواس (العين والاذن والعقل) بصورة صحيحة في هذا الطريق؟

ثمّ يخاطب الرّسول مرّة اخرى حيث يقول تعالى :( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .

وفي الحقيقة فإنّ الآية الاولى تعيّن (المسير) ، والثانية تتحدّث عن (وسائل

٥٠٢

العمل) أمّا الآية ـ مورد البحث ـ فإنّها تشخّص (الهدف والغاية) وذلك بالتأكيد على أنّ السير يجب أن يكون في الطريق المستقيم ، والصراط الواضح المتمثّل بالإسلام والإيمان ، وبذل الجهد للاستفادة من جميع وسائل المعرفة بهذا الاتّجاه ، والتحرّك نحو الحياة الخالدة.

والجدير بالملاحظة هنا أنّ التعبير في الآية السابقة ورد بـ (أنشأكم) وفي الآية مورد البحث بـ (ذرأكم) ، ولعلّ تفاوت هذين التعبيرين هو أنّه في الأولى إشارة إلى الإنشاء والإيجاد من العدم (أي إنّكم لم تكونوا شيئا وقد خلقكم الله تعالى) وفي الثانية إشارة إلى خلق الإنسان من مادّة التراب ، وذلك يعني أنّ الله خلق الإنسان من التراب.

ثمّ يستعرض سبحانه قول المشركين في هذا المجال والردّ عليهم ، فيقول تعالى :( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

إنّ المشركين يطالبون بتعيين التاريخ بصورة دقيقة ليوم القيامة ، كما أنّهم يطالبون بحسم هذا الأمر الذي يتعلّق بمصير الجميع( مَتى هذَا الْوَعْدُ؟ ) .

وذكروا احتمالين في المقصود من (هذا الوعد) : الأوّل : هو وعد يوم القيامة ، والآخر : هو تنفيذ الوعد بالنسبة للعقوبات الدنيوية المختلفة ، كوقوع الزلازل والصواعق والطوفانات. إلّا أنّ المعنى الأوّل أكثر تناسبا حسب الظاهر ، وذلك بلحاظ ما ورد في الآية السابقة. كما أنّ بالإمكان الجمع بين المعنيين.

ويجيبهم الله سبحانه على تساؤلهم هذا بقوله تعالى :( قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ هذا التعبير يشبه تماما ما ورد في الآيات القرآنية العديدة التي من جملتها

٥٠٣

قوله تعالى :( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ) (١) .

ولا بدّ أن يكون الجواب بهذه الصورة ، حيث أنّ تحديد تأريخ يوم القيامة إن كان بعيدا فإنّ الناس سيغرقون بالغفلة ، وإن كان قريبا فإنّهم سيعيشون حالة الهلع والاضطراب. وعلى كلّ حال فإنّ الأهداف التربوية تتعطّل في الحالتين.

ويضيف في آخر آية من هذه الآيات بأنّ الكافرين حينما يرون العذاب والوعد الإلهي من قريب تسودّ وجوههم :( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فسيماهم طافحة بآثار الحزن والندم( وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) .

«تدعون» من مادّة (دعاء) يعني أنّكم كنتم تدعون وتطلبون دائما أن يجيء يوم القيامة ، وها هو قد حان موعده ، ولا سبيل للفرار منه(٢) .

وهذا المضمون يشبه ما جاء في قوله تعالى مخاطبا الكفّار في يوم القيامة :( هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) (٣) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية الشريفة ناظرة إلى عذاب يوم القيامة كما ذهب إليه أغلب المفسّرين ، وهذا دليل على أنّ جملة( مَتى هذَا الْوَعْدُ ) إشارة إلى موعد يوم القيامة.

يقول الحاكم أبو القاسم الحسكاني : عند ما شاهد الكفّار شأن ومقام الإمام عليعليه‌السلام عند الله تعالى. اسودّت وجوههم (من شدّة الغضب)(٤) .

ونقل هذا المعنى أيضا في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّ هذه الآية نزلت

__________________

(١) الأعراف ، الآية ١٨٧.

(٢) «تدعون» من باب (افتعال) ، ومن مادّة دعاء ، بمعنى الطلب والرجاء ، أو من مادّة (دعوا) بمعنى الطلب أو إنكار شيء معيّن.

(٣) الذاريات ، الآية ١٤.

(٤) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٠.

٥٠٤

بحقّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأصحابه(١) .

وهذا التّفسير نقل عن طرق الشيعة وأهل السنّة ، وهو نوع من التطبيق المصداقي ، وإلّا فإنّ هذه الآية تناولت موضوع (القيامة) ومثل هذه التطبيقات ليست قليلة في عالم الروايات.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٥.

٥٠٥

الآيات

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠) )

التّفسير

من الذي يأتيكم بالمياه الجارية؟

إنّ الآيات أعلاه ، التي هي آخر آيات سورة الملك ، تبدأ جميعها بكلمة (قل) مخاطبة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أنّها تمثّل استمرارا للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة حول الكفّار ، وتعكس هذه الآيات الكريمة جوانب اخرى من البحث.

يخاطب البارئعزوجل ـ في البداية ـ الأشخاص الذين يرتقبون وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، ويتصوّرون أنّ بوفاته سوف يمحى دين الإسلام وينتهي كلّ شيء. وهذا الشعور كثيرا ما ينتاب الأعداء المخذولين إزاء القيادات

٥٠٦

القويّة والمؤثّرة ، يقول تعالى مخاطبا إيّاهم :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) .

ورد في بعض الروايات أنّ كفّار مكّة ، كانوا دائما يسبّون الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ، وكانوا يتمنّون موته ظنّا منهم أنّ رحيله سينهي دعوته كذلك ، لذا جاءت الآية أعلاه ردّا عليهم.

كما جاء شبيه هذا المعنى في قوله تعالى :( أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) (١) .

لقد كانوا غافلين عن وعد الله سبحانه لرسوله الأمين ، بأنّ اسمه سيكون مقترنا مع مبدأ الحقّ الذي لا يعتريه الفناء وإذا جاء أجله فإنّ ذكره لن يندرس ، نعم ، لقد وعده الله سبحانه بانتصار هذا المبدأ ، وأن ترفرف راية هذا الدين على كلّ الدنيا ، وحياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو موته لن يغيّرا من هذه الحقيقة شيئا.

كما ذكر البعض تفسيرا آخر لهذه الآية وهو : إنّ خطاب الله لرسوله الكريم ـ الذي يشمل المؤمنين أيضا ـ مع ما عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإيمان الراسخ ، كان يعكس الخوف والرجاء معا في آن واحد. فكيف بكم أنتم أيّها الكافرون؟ وما الذي تفكّرون به لأنفسكم؟

ولكن التّفسير الأوّل أنسب حسب الظاهر.

واستمرارا لهذا البحث ، يضيف تعالى :( قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

وهذا يعني أنّنا إذا آمنا بالله ، واتّخذناه وليّا ووكيلا لنا ، فإنّ ذلك دليل واضح على أنّه الربّ الرحمن ، شملت رحمته الواسعة كلّ شيء ، وغمر فيض ألطافه ونعمه الجميع (المؤمن والكافر) ، إنّ نظرة عابرة إلى عالم الوجود وصفحة الحياة تشهد

__________________

(١) الطور ، الآية ٣٠.

٥٠٧

على هذا المدّعى ، أمّا الذين تعبدونهم من دون الله فما ذا عملوا؟ وما ذا صنعوا؟

وبالرغم من أنّ ضلالكم واضح هنا في هذه الدنيا ، إلّا أنّه سيتّضح بصورة أكثر في الدار الآخرة. أو أنّ هذا الضلال وبطلان دعاواكم الفارغة ستظهر في هذه الدنيا عند ما ينتصر الإسلام بالإمدادات الإلهية على جيش الكفر بشكل إعجازي وخارق للعادة ، عندئذ ستتبيّن الحقيقة أكثر للجميع.

إنّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ نوع من المواساة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، كي لا يظنّوا أو يتصوّروا أنّهم وحدهم في هذا الصراع الواسع بين الحقّ والباطل ، حيث أنّ الرحمن الرحيم خير معين لهم ونعم الناصر.

ويقول تعالى في آخر آية ، عارضا لمصداق من رحمته الواسعة ، والتي غفل عنها الكثير من الناس :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) .

إنّ للأرض في الحقيقة قشرتين متفاوتين : (قشرة قابلة للنفوذ) يدخل فيها الماء ، واخرى (غير قابلة للنفوذ) تحفظ بالماء ، وجميع العيون والآبار والقنوات تولّدت من بركات هذا التركيب الخاصّ للأرض ، إذ لو كانت القشرة القابلة للنفوذ لوحدها على سطح الكرة الأرضية جميعا ولأعماق بعيدة ، فإنّ جميع المياه التي تدخل جوف الأرض لا يقرّ لها قرار ، وعندئذ لا يمكن أن يحصل أحد على قليل من الماء. ولو كانت قشرة الأرض غير قابلة للنفوذ لتجمّعت المياه على سطحها وتحوّلت إلى مستنقع كبير ، أو أنّ المياه التي تكون على سطحها سرعان ما تصبّ في البحر ، وهكذا يتمّ فقدان جميع الذخائر التي هي تحت الأرض.

إنّ هذا نموذج صغير من رحمة الله الواسعة يتعلّق بموت الإنسان وحياته.

«معين» من مادّة (معن) ، على وزن (طعن) بمعنى جريان الماء.

وقال آخرون : إنّها مأخوذة من (عين) والميم زائدة. لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ معنى (معين) تعني الماء الذي يشاهد بالعين بغضّ النظر عن جريانه.

إلّا أنّ الغالبية فسّروه بالماء الجاري.

٥٠٨

وبالرغم من أنّ الماء الصالح للشرب لا ينحصر بالماء الجاري ، إلّا أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الماء الجاري يمثّل أفضل أنواع ماء الشرب ، سواء كان من العيون أو الأنهار أو القنوات أو الآبار المتدفّقة

ونقل بعض المفسّرين أنّ أحد الكفّار عند ما سمع قوله تعالى :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) قال : (رجال شداد ومعاول حداد) وعند نومه ليلا نزل الماء الأسود في عينيه ، وفي هذه الأثناء سمع من يقول : أتي بالرجال الشداد والمعاول الحداد ليخرجوا الماء من عينيك.

ومن الواضح أنّه في حالة عدم وجود القشرة الصلبة وغير القابلة للنفوذ ، فإنّه لا يستطيع أي إنسان قوي ولا أي معول حادّ أن يستخرج شيئا من الماء(١) .

* * *

تعقيب

جاء في الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ المراد من الآية الأخيرة من هذه السورة هو ظهور الإمام المهديعليه‌السلام وعدله الذي سيعمّ العالم.

فقد جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «نزلت في الإمام القائمعليه‌السلام ، يقول : إن أصبح إمامكم غائبا عنكم ، لا تدرون أين هو؟ فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السموات والأرض ، وحلال الله وحرامه؟ ثمّ قال : والله ما جاء تأويل هذه الآية ، ولا بدّ أن يجيء تأويلها»(٢) .

والروايات في هذا المجال كثيرة ، وممّا يجدر الانتباه له أنّ هذه الروايات هي من باب (التطبيق).

وبعبارة اخرى فإنّ ظاهر الآية مرتبط بالماء الجاري ، والذي هو علّة حياة

__________________

(١) أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٢١٩.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٧.

٥٠٩

الموجودات الحيّة. أمّا باطن الآية فإنّه يرتبط بوجود الإمامعليه‌السلام وعلمه وعدالته التي تشمل العالم ، والتي هي الاخرى تكون سببا لحياة وسعادة المجتمع الإنساني.

ولقد ذكرنا مرّات عدّة أنّ للآيات القرآنية معاني متعدّدة ، حيث لها معنى باطن وظاهر ، إلّا أنّ فهم باطن الآيات غير ممكن إلّا للرسول والإمام المعصوم ، ولا يحقّ لأي أحد أن يطرح تفسيرا ما لباطن الآيات. وما نستعرضه هنا مرتبط بظاهر الآيات ، أمّا ما يرتبط بباطن الآيات فعلينا أن نأخذه من المعصومينعليهم‌السلام فقط.

لقد بدأت سورة الملك بحاكمية الله ومالكيته تعالى ، وانتهت برحمانيته ، والتي هي الاخرى فرع من حاكميته ومالكيته سبحانه ، وبهذا فإنّ بدايتها ونهايتها منسجمتان تماما.

اللهمّ ، أدخلنا في رحمتك العامّة والخاصّة ، وأرو ظمآنا من كوثر ولاية أولياءك.

ربّنا ، عجّل لنا ظهور عين ماء الحياة الإمام المهدي ، واطفئ عطشنا بنور جماله

ربّنا ، ارزقنا اذنا صاغية وعينا بصيرة وعقلا كاملا ، فأقشع عن قلوبنا حجب الأنانية والغرور لنرى الحقائق كما هي ، ونسلك إليك على الصراط المستقيم بخطوات محكمة وقامة منتصبة

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة الملك

* * *

٥١٠
٥١١

سورة

القلم

مكيّة

وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية

٥١٢

«سورة القلم»

محتوى السورة :

بالرغم من أنّ بعض المفسّرين شكّك في كون السورة بأجمعها نزلت في مكّة ، إلّا أنّ نسق السورة ومحتوى آياتها ينسجم تماما مع السور المكيّة ، لأنّ المحور الأساسي فيها يدور حول مسألة نبوّة رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومواجهة الأعداء الذين كانوا ينعتونه بالجنون وغيره ، والتأكيد على الصبر والاستقامة وتحدّي الصعاب ، وإنذار وتهديد المخالفين لهذه الدعوة المباركة بالعذاب الأليم.

وبشكل عامّ يمكن تلخيص مباحث هذه السورة بسبعة أقسام :

١ ـ في البداية تستعرض السورة بعض الصفات الخاصّة لرسول الإنسانية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصا أخلاقه البارّة السامية الرفيعة ، ولتأكيد هذا الأمر يقسم البارئعزوجل في هذا الصدد.

٢ ـ ثمّ تتعرّض بعض الآيات الواردة في هذه السورة إلى قسم من الصفات السيّئة والأخلاق الذميمة لأعدائه.

٣ ـ كما يبيّن قسم آخر من الآيات الشريفة قصّة (أصحاب الجنّة) والتي هي بمثابة توجيه إنذار وتهديد للسالكين طريق العناد من المشركين.

٤ ـ وفي قسم آخر من السورة ذكرت عدّة امور حول القيامة والعذاب الأليم للكفّار في ذلك اليوم.

٥ ـ كما جاء في آيات اخرى جملة إنذارات وتهديدات للمشركين.

٥١٣

٦ ـ ونلاحظ في آيات اخرى من السورة الأمر الإلهي للرسول العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يواجه الأعداء بصبر واستقامة وقوّة وصلابة.

٧ ـ وأخيرا تختتم السورة موضوعاتها بحديث حول عظمة القرآن الكريم ، وطبيعة المؤامرات التي كان يحوكها الأعداء ضدّ الرّسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

انتخاب (القلم) اسما لهذه السورة المباركة ، كان بلحاظ ما ورد في أوّل آية منها ، وذكر البعض الآخر أنّ اسمها (ن).

ويستفاد من بعض الروايات التي وردت في فضيلة هذه السورة أنّ اسمها «ن والقلم».

فضيلة تلاوة سورة القلم :

نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضيلة تلاوة هذه السورة أنّه قال : «من قرأ (ن والقلم) أعطاه الله ثواب الذين حسن أخلاقهم»(١) .

كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة (ن والقلم) في فريضة أو نافلة ، آمنه الله أن يصيبه في حياته فقر أبدا ، وأعاذه إذا مات من ضمّة القبر ، إن شاء الله»(٢) .

وهذا الأجر والجزاء يتناسب تناسبا خاصّا مع محتوى السورة ، والهدف من التأكيد على هذا النوع من الأجر من تلاوة السورة هو أن تكون التلاوة مقرونة بالوعي والمعرفة ومن ثمّ العمل بمحتواها.

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٨٧.

(٢) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٠.

٥١٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) )

التّفسير

عجبا لأخلاقك السامية :

هذه السورة هي السورة الوحيدة التي تبدأ بحرف (ن) حيث يقول تعالى :( ن ) .

وقد تحدّثنا مرّات عديدة حول الحروف المقطّعة ، خصوصا في بداية سورة (البقرة) و (آل عمران) و (الأعراف) والشيء الذي يجدر إضافته هنا هو ما اعتبره البعض من أنّ (ن) هنا تخفيف لكلمة (الرحمن) فهي إشارة لذلك. كما أنّ البعض الآخر فسّرها بمعنى (اللوح) أو (الدواة) أو (نهر في الجنّة) إلّا أنّ كلّ تلك الأقوال ليس لها دليل واضح.

٥١٥

وبناء على هذا فإنّ الحرف المقطّع هنا لا يختلف عن تفسير بقيّة الحروف المقطّعة والتي أشرنا إليها سابقا.

ثمّ يقسم تعالى بموضوعين يعتبران من أهمّ المسائل في حياة الإنسان ، فيقول تعالى :( وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ) .

كم هو قسم عجيب؟ وقد يتصوّر أنّ القسم هنا يتعلّق ظاهرا بمواضيع صغيرة ، أي قطعة من القصب ـ أو شيء يشبه ذلك ـ وبقليل من مادّة سوداء ، ثمّ السطور التي تكتب وتخطّ على صفحة صغيرة من الورق.

إلّا أنّنا حينما نتأمّل قليلا فيه نجده مصدرا لجميع الحضارات الإنسانية في العالم أجمع ، إنّ تطور وتكامل العلوم والوعي والأفكار وتطور المدارس الدينية والفكرية ، وبلورة الكثير من المفاهيم الحياتية كان بفضل ما كتب من العلوم والمعارف الإنسانية في الحقول المختلفة ، ممّا كان له الأثر الكبير في يقظة الأمم وهداية الإنسان وكان ذلك بواسطة (القلم).

لقد قسّمت حياة الإنسان إلى عصرين : (عصر التأريخ) و (عصر ما قبل التأريخ) وعصر تأريخ البشر يبدأ منذ أن اخترع الإنسان الخطّ واستطاع أن يدوّن قصّة حياته وأحداثها على الصفحات ، وبتعبير آخر ، يبدأ عند ما أخذ الإنسان القلم بيده ، ودوّن للآخرين ما توصّل إليه (وما يسطرون) تخليدا لماضيه.

وتتّضح عظمة هذا القسم بصورة أكثر عند ما نلاحظ أنّ هذه الآيات المباركة حينما نزلت لم يكن هنالك كتاب ولا أصحاب قلم ، وإذا كان هنالك أشخاص يعرفون القراءة والكتابة ، فإنّ عددهم في كلّ مكّة ـ التي تمثّل المركز العبادي والسياسي والاقتصادي لأرض الحجاز ـ لم يتجاوز ال (٢٠) شخصا. ولذا فإنّ القسم بـ (القلم) في مثل ذلك المحيط له عظمة خاصّة.

والرائع هنا أنّ الآيات الاولى التي نزلت على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في (جبل النور) أو (غار حراء) قد أشير فيها أيضا إلى المنزلة العليا للقلم ، حديث يقول تعالى :

٥١٦

( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) (١) .

والأروع من ذلك كلّه أنّ هذه الكلمات كانت تنطلق من فمّ شخص لم يكن يقرأ أو يكتب ، ولم يذهب للمكاتب من أجل التعليم قطّ ، وهذا دليل أيضا على أنّ ما ينطق به لم يكن غير الوحي السماوي.

وذكر بعض المفسّرين أنّ كلمة (القلم) هنا يقصد بها : (القلم الذي تخطّ به ملائكة الله العظام الوحي السماوي) ، (أو الذي تكتب به صفحة أعمال البشر) ، ولكن من الواضح أنّ للآية مفهوما واسعا ، وهذه الآراء تبيّن مصاديقها.

كما أنّ لجملة( ما يَسْطُرُونَ ) مفهوما واسعا أيضا ، إذ تشمل جميع ما يكتب في طريق الهداية والتكامل الفكري والأخلاقي والعلمي للبشر ، ولا ينحصر بالوحي السماوي أو صحائف أعمال البشر(٢) .

ثمّ يتطرّق سبحانه لذكر الأمر الذي أقسم من أجله فيقول تعالى :( ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) .

إنّ الذين نسبوا إليك هذه النسبة القبيحة هم عمي القلوب والأبصار ، وإلّا فأين هم من كلّ تلك النعم الإلهية التي وهبها الله لك؟ نعمة العقل والعلم الذي تفوّقت بها على جميع الناس ونعمة الأمانة والصدق والنبوّة ومقام العصمة إنّ الذين يتّهمون صاحب هذا العقل الجبّار بالجنون هم المجانين في الحقيقة ، إنّ ابتعادهم عن دليل الهداية وموجّه البشرية لهو الحمق بعينه.

ثمّ يضيف تعالى بعد ذلك :( وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ) أي غير منقطع ، ولم لا

__________________

(١) العلق ، الآية ١ ـ ٥.

(٢) اعتبر البعض أنّ (ما) في (ما يسطرون) مصدرية ، واعتبرها بعض آخر بأنّها (موصولة) والمعنى الثاني أنسب ، والتقدير هكذا : (ما يسطرونه) ، كما اعتبرها البعض أيضا بمعنى (اللوح) أو (القرطاس) الذي يكتب عليه ، وفي التقدير (ما يسطرون فيه) كما اعتبر البعض (ما) هنا إشارة لذوي العقول والأشخاص الذين يكتبون هذه السطور ، إلّا أنّ المعنى الذي ذكرناه في المتن أنسب من الجميع حسب الظاهر.

٥١٧

يكون لك مثل هذا الأجر ، في الوقت الذي وقفت صامدا أمام تلك التّهم والافتراءات اللئيمة ، وأنت تسعى لهدايتهم ونجاتهم من الضلال وواصلت جهدك في هذا السبيل دون تعب أو ملل؟

«ممنون» من مادّة (منّ) بمعنى (القطع) ويعني الأجر والجزاء المستمرّ الذي لا ينقطع أبدا ، وهو متواصل إلى الأبد ، يقول البعض : إنّ أصل هذا المعنى مأخوذ من «المنّة» ، بلحاظ أنّ المنّة توجب قطع النعمة.

وقال البعض أيضا : إنّ المقصود من( غَيْرَ مَمْنُونٍ ) هو أنّ الله تعالى لم تكن لديه منّة مقابل هذا الأجر العظيم. إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

وتعرض الآية اللاحقة وصفا آخر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بقوله تعالى :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

تلك الأخلاق التي لا نظير لها ، ويحار العقل في سموّها وعظمتها من صفاء لا يوصف ، ولطف منقطع النظير ، وصبر واستقامة وتحمّل لا مثيل لها ، وتجسيد لمبادئ الخير حيث يبدأ بنفسه أوّلا فيما يدعو إليه ، ثمّ يطلب من الناس العمل بما دعا إليه والالتزام به.

عند ما دعوت ـ يا رسول الله ـ الناس ـ لعبادة الله ، فقد كنت أعبد الناس جميعا ، وإذ نهيتهم عن سوء أو منكر فإنّك الممتنع عنه قبل الجميع ، تقابل الأذى بالنصح ، والإساءة بالصفح ، والتضرّع إلى الله بهدايتهم ، وهم يؤلمون بدنك الطاهر رميا بالحجارة ، واستهزاء بالرسالة ، وتقابل وضعهم للرماد الحارّ على رأسك الشريف بدعائك لهم بالرشد.

نعم لقد كنت مركزا للحبّ ومنبعا للعطف ومنهلا للرحمة ، فما أعظم أخلاقك؟

«خلق» من مادّة (الخلقة) بمعنى الصفات التي لا تنفكّ عن الإنسان ، وهي ملازمة له ، كخلقة الإنسان.

وفسّر البعض الخلق العظيم للنبي بـ (الصبر في طريق الحقّ ، وكثرة البذل

٥١٨

والعطاء ، وتدبير الأمور ، والرفق والمداراة ، وتحمّل الصعاب في مسير الدعوة الإلهية ، والعفو عن المتجاوزين ، والجهاد في سبيل الله ، وترك الحسد والبغض والغلّ والحرص ، وبالرغم من أنّ جميع هذه الصفات كانت متجسّدة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أنّ الخلق العظيم له لم ينحصر بهذه الأمور فحسب ، بل أشمل منها جميعا.

وفسّر الخلق العظيم أيضا بـ (القرآن الكريم) أو (مبدأ الإسلام) ومن الممكن أن تكون الموارد السابقة من مصاديق المفهوم الواسع للآية أعلاه.

وعلى كلّ حال فإنّ تأصّل هذا (الخلق العظيم) في شخصية الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو دليل واضح على رجاحة العقل وغزارة العلم له ونفي جميع التّهم التي تنسب من قبل الأعداء إليه.

ثمّ يضيف سبحانه بقوله :( فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ) .

( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) أي من منكم هو المجنون(١) .

«مفتون» : اسم مفعول من (الفتنة) بمعنى الابتلاء ، وورد هنا بقصد الابتلاء بالجنون.

نعم ، إنّهم ينسبون هذه النسب القبيحة إليك ليبعدوا الناس عنك ، إلّا أنّ للناس عقلا وإدراكا ، يقيّمون به التعاليم التي يتلقّونها منك ، ثمّ يؤمنون بها ويتعلّمونها تدريجيّا ، وعندئذ تتّضح الحقائق أمامهم ، وهي أنّ هذه التعاليم العظيمة مصدرها البارئعزوجل ، أنزلها على قلبك الطاهر بالإضافة إلى ما منحك من نصيب عظيم في العقل والعلم.

كما أنّ مواقفك وتحرّكاتك المستقبلية المقرونة بالتقدّم السريع لانتشار الإسلام ، ستؤكّد بصورة أعمق أنّك منبع العلم والعقل الكبيرين ، وأنّ هؤلاء الأقزام

__________________

(١) (الباء) في (بأيّكم) زائدة و (أيّكم) مفعول للفعلين السابقين.

٥١٩

الخفافيش هم المجانين ، لأنّهم تصدّوا لمحاربة نور هذه الشمس العظيمة المتمثّلة بالحقّ الإلهي والرسالة المحمّدية.

ومن الطبيعي فإنّ هذه الحقائق ستتوضّح أمامهم يوم القيامة بصورة دامغة ، ويخسر هنالك المبطلون ، حيث تتبيّن الأمور وتظهر الحقيقة.

وللتأكيد على المفهوم المتقدّم يقول سبحانه مرّة اخرى :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .

وبلحاظ معرفة البارئعزوجل بسبيل الحقّ وبمن سلكه ومن جانبه وتخلّف أو انحرف عنه ، فإنّه يطمئن رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه والمؤمنون في طريق الهداية والرشد ، أمّا أعداؤه فهم في متاه الضلالة والغواية.

وجاء في حديث مسند أنّ قريشا حينما رأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدم الإمام عليعليه‌السلام على الآخرين ويجلّه ويعظّمه ، غمزه هؤلاء وقدحوا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : (لقد فتن محمّد به) هنا أنزل الله تعالى قرآنا وذلك قوله :( ن وَالْقَلَمِ ) وأقسم بذلك ، وإنّك يا محمّد غير مفتون ومجنون حتّى قوله تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) حيث الله هو العالم بالأشخاص الذين ضلّوا وانحرفوا عن سواء السبيل ، وهي إشارة إلى قريش التي كانت تطلق هذه الاتّهامات ، كما أنّه تعالى أعرف بمن اهتدى ، وهي إشارة إلى الإمام عليعليه‌السلام (١) .

* * *

بحثان

١ ـ دور القلم في حياة الإنسان

إنّ من أهمّ معالم التطور في الحياة البشرية ـ كما أشرنا سابقا ـ هو ظهور

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٣٤ ، (نقل الطبرسي هذا الحديث بسنده عن أهل السنّة).

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

شهادة نفسين عدلين أيّ ضرب كان من أنواع القتل، لا يختلف الحكم فيه.

والقسامة إنّما تكون مع التّهمة الظّاهرة، ولا تكون مع ارتفاعها.

ومتى أقاموا نفسين يشهدان لهم بالقتل. أو أقاموا القسامة، وجب على المدّعى عليه، إن كان القتل عمدا إمّا القود أو الدّية حسب ما يتراضيان عليه. وان كان القتل خطأ أو شبيه عمد، وجب عليه أو على عصبته الدّية على ما بيّنّاه.

ومتى لم يكن لأولياء المقتول من يشهد لهم من غيرهم، ولا لهم قسامة من أنفسهم، كان على المدّعى عليه أن يجي‌ء بخمسين يحلفون عنه: أنّه برئ ممّا ادّعي عليه. فإن لم يكن له من يحلف عنه، كرّرت عليه الأيمان خمسين يمينا، وقد برئت عهدته. فإن امتنع من اليمين، ألزم القتل، وأخذ به على ما يوجبه الحكم فيه.

والبيّنة في الأعضاء مثل البيّنة في النفس من شهادة مسلمين عدلين.

والقسامة فيها واجبة مثلها في النّفس. فكلّ شي‌ء من أعضاء الإنسان، يجب فيه الدّية كاملة، مثل العينين والسمع وما أشبههما، كان فيه القسامة: ستة رجال يحلفون بالله تعالى: أنّ المدّعى عليه قد فعل بصاحبهم ما ادّعوه عليه. فإن لم يكن للمدّعي

٧٤١

قسامة كرّرت عليه ستّ أيمان. فإن لم يكن له من يحلف عنه، ولا يحلف هو، طولب المدّعى عليه بقسامة: ستة نفر يحلفون عنه: أنّه برئ من ذلك. فإن لم يكن له من يحلف، حلّف هو ستّ مرّات: أنّه برئ ممّا ادّعي عليه.

وفيما نقص من الأعضاء، القسامة فيها على قدر ذلك: إن كان سدس العضو، فرجل واحد يحلف بذلك. وإن كان ثلثه، فاثنان. وإن كان النّصف فثلاثة، ثمَّ على هذا الحساب. وإن لم يكن له من يحلف. كان عليه بعد ذلك الأيمان: إن كان سدسا فيمين واحدة. وإن كان ثلثا فمرّتين. وإن كان النّصف فثلاث مرّات، ثمَّ على هذا الحساب.

فإن لم يكن للمدّعي من يحلف عنه، وامتنع هو من أن يحلف، طولب المدّعى عليه: إمّا بمن يقسم عنه، أو بتكرير الأيمان على حسب ما يلزم المدّعي على ما بيّناه.

وأمّا الإقرار فيكفي أن يقرّ به القاتل على نفسه دفعتين من غير إكراه ولا إجبار، ويكون كامل العقل حرّا. فإن أقرّ، وهو مكره أو هو ناقص العقل، أو كان عبدا مملوكا، فإنّه لا يقبل إقراره على حال.

ومتى شهد نفسان على رجل بالقتل، وشهد آخران على غير ذلك الشّخص بأنّه قتل ذلك المقتول، بطل هاهنا القود إن كان عمدا، وكانت الدّية على المشهود عليهما نصفين. وإن كان القتل

٧٤٢

شبيه العمد، فكمثل ذلك. وإن كان خطأ كانت الدّية على عاقلتها نصفين.

وإذا قامت البيّنة على رجل بأنّه قتل رجلا عمدا، وأقرّ رجل آخر بأنّه قتل ذلك المقتول بعينه عمدا، كان أولياء المقتول مخيّرين في أن يقتلوا أيّهما شاؤوا. فإن قتلوا المشهود عليه، فليس لهم على الّذي أقرّ به سبيل، ويرجع أولياء الّذي شهد عليه على الّذي أقرّ بنصف الدّية. وإن اختاروا قتل الّذي أقرّ، قتلوه، وليس لهم على الآخر سبيل. وليس لأولياء المقرّ على نفسه على الّذي قامت عليه البيّنة سبيل.

وإن أراد أولياء المقتول قتلهما جميعا، قتلوهما معا، وردّوا على أولياء المشهود عليه نصف الدّية، ليس عليهم أكثر من ذلك. فإن طلبوا الدّية، كانت عليهما نصفين: على الّذي أقرّ وعلى الّذي شهد عليه الشّهود.

متى اتهم الرّجل بأنّه قتل نفسا، فأقرّ: بأنّه قتل، وجاء آخر فأقرّ: أنّ الّذي قتل هو دون صاحبه، ورجع الأوّل عن إقراره، درئ عنهما القود والدّية، ودفع الى أولياء المقتول الدّية من بيت المال. وهذه قضيّة الحسن بن عليّعليهما‌السلام ، في حياة أبيه،عليه‌السلام .

ومتى أقرّ نفسان فقال أحدهما: « أنا قتلت رجلا عمدا، وقال الآخر: « أنا قتلته خطأ »، كان أولياء المقتول مخيّرين

٧٤٣

فإن أخذوا بقول صاحب العمد، فليس لهم على صاحب الخطإ سبيل، وإن أخذوا بقول صاحب الخطإ، فليس لهم على صاحب العمد سبيل.

والمتّهم بالقتل ينبغي أن يحبس ستّة أيّام. فإن جاء المدّعي ببيّنة أو فصل الحكم معه، وإلّا خلّي سبيله.

ومن قتل رجلا، ثمَّ ادّعى انّه وجده مع امرأته، أو في داره، قتل به، أو يقيم البيّنة على ما قال.

باب الواحد يقتل اثنين أو أكثر منهما أو الاثنين والجماعة يقتلون واحدا

إذا قتل اثنان واحدا أو أكثر منهما عمدا، كان أولياء المقتول مخيّرين: بين أن يقتلوا واحدا منهم، يختارونه، ويؤدّي الباقون على ورثته مقدار ما كان يصيبهم لو طولبوا بالدّية. فإن اختار أولياء المقتول قتلهم جميعا، كان لهم ذلك، إذا أدّوا إلى ورثة المقتولين المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم يتقاسمونه بينهم بالسّويّة.

وإذا قتل نفسان واحدا بضربتين مختلفتين أو متّفقتين، بعد أن يكون القتل يحدث عن ضربهما، كان الحكم فيه سواء لا يختلف. فإن كان قتلهم خطأ، كانت الدّية على عاقلتهما بالسّويّة. وإذا اشترك نفسان في قتل رجل: فقتله أحدهما، وأمسكه الآخر، قتل القاتل، وحبس الممسك حتّى يموت. فإن

٧٤٤

كان معهما ثالث ينظر لهما، سلمت عينه.

وإذا قتلت امرأتان رجلا عمدا، قتلتا به جميعا. فإن كنّ أكثر من اثنين، كان لهم قتلهنّ، ويؤدّوا ما يفضل عن دية صاحبهم على أوليائهنّ، يقسمونه بينهم بالحصص. وإن كان قتلهنّ خطأ، كانت على عاقلتهنّ بالسّويّة.

فإن قتل رجل وامرأة رجلا، كان لأولياء المقتول قتلهما جميعا، ويؤدّون إلى أولياء الرّجل نصف ديته خمسة آلاف درهم. فإن اختاروا قتل المرأة كان لهم قتلها، ويأخذون من الرّجل خمسة آلاف درهم. وإن اختاروا قتل الرّجل كان لهم قتله، وتؤدّي المرأة إلى أولياء الرّجل نصف ديتها ألفين وخمسمائة درهم. فإن أراد أولياء المقتول الدّية، كان نصفها على الرّجل ونصفها على المرأة سوى. وإن كان قتلهما خطأ، كانت الدّية نصفها على عاقلة الرّجل، ونصفها على عاقلة المرأة سواء.

فإن قتل رجل حرّ ومملوك رجلا على العمد، كان أولياء المقتول مخيّرين: بين أن يقتلوهما، ويؤدّوا إلى سيّد العبد ثمنه، أو يقتلوا الحرّ، ويؤدّي سيّد العبد الى ورثته خمسة آلاف درهم، أو يسلّم العبد إليهم، فيكون رقّا لهم، أو يقتلوا العبد بصاحبهم خاصّة، فذلك لهم، وليس لسيّد العبد على الحرّ سبيل. فإن اختاروا الدّية، كان على الحرّ النّصف منها، وعلى سيّد العبد النّصف الآخر، أو يسلّم العبد إليهم، يكون رقّا لهم. وإن كان

٧٤٥

قتلهما له خطأ، كان نصف ديته على عاقلة الرّجل ونصفها على مولى العبد، أو يسلّمه إلى أولياء المقتول يسترقّونه، وليس لهم قتله على حال.

فإن قتلت امرأة وعبد رجلا حرّا، وأحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما، قتلوهما. فإن كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردّوا على سيّده ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم. وإن أحبّوا أن يقتلوا المرأة، ويأخذوا العبد، أخذوا. إلّا أن يكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردّوا على مولى العبد ما يفضل عن خمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه مولاه. وإن كان قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلّا نفسه. وإن طلبوا الدّية، كان على المرأة نصفها، وعلى مولى العبد النّصف الآخر، أو يسلّمه برمّته إليهم.

وإذا اشترك جماعة من المماليك في قتل رجل حرّ، كان لأولياء المقتول قتلهم جميعا، وعليهم أن يؤدّوا ما يفضل عن دية صاحبهم. فإن نقص ثمنهم عن ديته، لم يكن لهم على مواليهم سبيل. فإن طلبوا الدّية، كانت على موالي العبيد بالحصص، أو تسليم العبيد إليهم. وإن كان قتلهم له خطأ، كان على مواليهم دية المقتول، أو تسليم العبيد إلى أولياء المقتول، يستعبدونهم، وليس لهم قتلهم على حال.

وإذا قتل رجل رجلين أو أكثر منهما، وأراد أولياء المقتولين

٧٤٦

القود، فليس لهم إلّا نفسه، ولا سبيل لهم على ماله ولا على ورثته ولا على عاقلته. وإن أرادوا الدّية، كان لهم عليه عن كلّ مقتول دية كاملة على الوفاء. وإن كان قتله لهم خطأ، كان على عاقلته دياتهم على الكمال.

فإن قتل رجل رجلا وامرأة، أو رجالا ونساء، أو امرأتين أو نساء، كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء.

والمشتركون في القتل إذا رضي عنهم أولياء المقتول بالدّية، لزم كلّ واحد منهم الكفّارة، الّتي قدّمنا ذكرها، على الانفراد، رجلا كان أو امرأة، إلا المملوك، فإنّه لا يلزمه أكثر من صيام شهرين متتابعين، وليس عليه عتق ولا إطعام.

وإذا أمر إنسان حرّا بقتل رجل، فقتله المأمور، وجب القود على القاتل دون الآمر، وكان على الإمام حبسه ما دام حيّا.

فإن أمر عبده بقتل غيره، فقتله، كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء. وقد روي: أنّه يقتل السيّد، ويستودع العبد السّجن. والمعتمد ما قلناه.

باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمين والكفار

إذا قتل رجل امرأة عمدا، وأراد أولياؤها قتله، كان لهم ذلك، إذا ردّوا على أوليائه ما يفضل عن ديتها، وهو نصف دية

٧٤٧

الرّجل خمسة آلاف درهم أو خمسمائة دينار أو خمسون من الإبل أو خمسمائة من الغنم أو مائة من البقر أو مائة من الحلل. فإن لم يردّوا ذلك، لم يكن لهم القود على حال. فإن طلبوا الدّية، كان لهم عليه دية المرأة على الكمال، وهو أحد هذه الأشياء الّتي ذكرناها.

وإذا قتلت امرأة رجلا، واختار أولياؤه القود، فليس لهم إلّا نفسها يقتلونها بصاحبهم، وليس لهم على أوليائها سبيل. وقد روي أنّهم يقتلونها، ويؤدّي أولياؤها تمام دية الرّجل إليهم. والمعتمد ما قلناه. فإن طلب أولياء المقتول الدّية، ورضيت هي بذلك، كان عليها الدّية كاملة: دية الرّجل إن كانت قتلته عمدا أو شبيه العمد، في مالها خاصّة، وإن كانت خطأ، فعلى عاقلتها الدّية على ما بيّنّاه.

فأمّا الجراح فإنّه يشترك فيها النّساء والرّجال: السّنّ بالسّنّ، والإصبع بالإصبع، والموضحة بالموضحة إلى أن تتجاوز المرأة ثلث دية الرّجل. فإذا جاوزت الثّلث، سفلت المرأة وتضاعف الرّجل على ما نبيّنه فيما بعد إن شاء الله.

وإذا قتل الذّمّي مسلما عمدا، دفع برمّته هو وجميع ما يملكه إلى أولياء المقتول. فإن أرادوا قتله، كان لهم ذلك. ويتولّى ذلك عنهم السّلطان. وإن أرادوا استرقاقه، كان رقّا لهم. فإن أسلم بعد القتل، فليس عليه إلّا القود أو المطالبة بالدّية كما يكون على المسلم سواء. فإن كان قتله له خطأ، كانت الدّية عليه في ماله

٧٤٨

خاصّة، إن كان له مال. فان لم يكن له مال، كانت ديته على إمام المسلمين، لأنّهم مماليك له، ويؤدّون الجزية إليه كما يؤدّي العبد الضّريبة إلى سيّده، وليس لهم عاقلة غير الإمام.

وإذا قتل المسلم ذمّيّا عمدا، وجب عليه ديته، ولا يجب عليه القود. الّا ان يكون معتادا لقتل أهل الذّمّة. فإن كان كذلك، وطلب أولياء المقتول القود، كان على الإمام أن يقيده به، بعد أن يأخذ من أولياء الذّمّي ما يفضل من دية المسلم، فيردّه على ورثته. فإن لم يردّوه، أو لم يكن معتادا، فلا يجوز قتله به على حال.

ودية الذّمّي ثمانمائة درهم جيادا أو قيمتها من العين، ودية نسائهم على النّصف من دية رجالهم.

وإذا كان الإنسان متعوّدا لقتل أهل الذّمّة، جاز للإمام أن يلزمه الدّية أربعة آلاف درهم كي يرتدع عن مثله في المستقبل.

وإذا خرج أهل الذّمّة عن ذمّتهم، بتركهم شرائطها، من ارتكابهم الفجور أو التظاهر بشرب الخمور وما يجري مجرى ذلك ممّا قد ذكرناه فيما تقدّم، حلّ دمهم، وبطلت ذمتهم، غير أنّه لا يجوز لأحد أن يتولّى قتلهم إلّا الإمام أو من يأمره الإمام به.

وديات أعضاء أهل الذّمّة وأرش جراحاتهم على قدر دياتهم سواء، لا يختلف الحكم فيه.

٧٤٩

ودية جنين أهل الذّمّة عشر دية آبائهم كما أنّ دية جنين المسلم كذلك على ما نبيّنه فيما بعد، إن شاء الله. وإذا قتل أهل الذّمّة بعضهم بعضا، أو تجارحوا، أقيد بينهم، واقتصّ لبعضهم من بعض كما يقتصّ للمماليك بعضهم من بعض.

وإذا قتل حرّ عبدا، لم يكن عليه قود، وكان عليه ديته، وديته قيمة العبد يوم قتله، الا أن يزيد على دية الحرّ المسلم. فإن زاد على ذلك، ردّ إلى دية الحرّ. وإن نقص عنها، لم يكن عليه أكثر من قيمته.

فإن اختلفوا في قيمة العبد يوم قتله، كان على مولاه البيّنة بأنّ قيمته كان كذا يوم قتل. فإن لم يكن له بيّنة وجب على القاتل اليمين بأنّ قيمته كان كذا. فإن ردّ اليمين على المولى، فحلف، كان ذلك أيضا جائزا.

ودية الأمة قيمتها، ولا يجاوز بقيمتها دية الحرائر من النّساء. فإن زاد ثمنها على دية الحرّة. ردّت إلى دية الحرّة. وإن كانت أقلّ من ذلك، لم يكن على قاتلها أكثر من القيمة. وإن كان قتلها خطأ، كانت الدّية على عاقلته على ما بيّنّاه.

فإن قتل عبد حرّا عمدا، كان عليه القتل إن أراد أولياء المقتول ذلك. فإن لم يطلبوا القود، وطلبوا الدّية، كان على مولاه الدّية كاملة، أو يسلّم العبد إليهم: فإن شاؤوا استرقّوه، وإن شاؤوا قتلوه. فإن أرادوا قتله، تولّى ذلك عنهم السّلطان أو

٧٥٠

يأذن لهم فيه. وإن كان قتله خطأ، كان على مولاه أن يؤدّي عنه الدّية، أو يسلّمه إليهم، يكون رقّا لهم، وليس لهم قتله على حال. وللسّلطان أن يعاقب من يقتل العبيد بما ينزجر عن مثله في المستقبل.

وإذا قتل العبيد بعضهم بعضا، أو تجارحوا، أقيد بينهم. واقتصّ لبعضهم من بعض، إلّا أن يتراضى مواليهم بدون ذلك من الدّية والأرش.

وإذا قتل مدبّر حرّا، كانت الدّية على مولاه الّذي دبّره إن شاء، أو يسلّمه برمّته إلى أولياء المقتول. فإن شاؤوا، قتلوه، إن كان قتل صاحبهم عمدا، وإن شاؤوا، استرقّوه. وان كان قتله خطأ، استرقّوه وليس لهم قتله. فإذا مات الّذي كان دبّره، استسعي في دية المقتول، وصار حرّا.

ومتى قتل مكاتب حرّا، فإن كان لم يؤدّ من مكاتبته شيئا، أو كان مشروطا عليه، وإن أدّى من مكاتبته شيئا، فحكمه حكم المماليك سواء. وإن كان غير مشروط عليه، وقد أدّى من مكاتبته شيئا، كان على مولاه من الدّية بقدر ما بقي من كونه رقّا، وعلى إمام المسلمين من بيت المال بقدر ما تحرّر منه.

ومتى قتل حرّ مكاتبا، وكان قد أدّى من مكاتبته شيئا، كان عليه بمقدار ما قد تحرّر منه من دية الحرّ، وبمقدار ما قد بقي منه من قيمة المماليك وليس عليه أكثر من ذلك.

٧٥١

وديات الجوارح والأعضاء وأروش جراحاتهم على قدر أثمانهم، كما أنّها كذلك في الأحرار.

ويلزم قاتل العبد إذا كان مسلما من الكفّارة، ما يلزمه من قتل حرّ سواء: من عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكينا، إذا كان قتله عمدا. وإن كان خطأ، كان عليه الكفّارة على التّرتيب الّذي رتبناه في الحرّ سواء.

ومن قتل عبده متعمّدا، كان على الإمام أن يعاقبه عقوبة تردعه عن مواقعة مثله في المستقبل، ويغرمه قيمة العبد، فيتصدّق بها على الفقراء، وكان عليه بعد ذلك كفّارة قتل العمد. وإن كان قتله خطأ، لم يكن عليه إلّا الكفّارة حسب ما قدّمناه.

ومتى جرح إنسان عبدا، أو قطع شيئا من أعضائه ممّا يجب فيه قيمته على الكمال، وجب عليه القيمة، ويأخذ العبد يكون رقّا له.

ومتى قتل عبد حرّين أو أكثر منهما، أو جرحهما جراحة تحيط بثمنه واحدا بعد الآخر، كان العبد لأولياء الأخير، لأنه إذا قتل واحدا، فصار لأوليائه، فإذا قتل الثّاني، انتقل منهم إلى أولياء الثّاني، ثمَّ هكذا بالغا ما بلغ. ومتى قتلهم بضربة واحدة أو جناية واحدة، كان بين أوليائهم بالسّويّة، وليس على مولاه أكثر منه.

ومتى جرح عبد حرّا فإن شاء الحرّ أن يقتصّ منه، كان له

٧٥٢

ذلك. وإن شاء، أخذه، إن كانت الجراحة تحيط برقبته. وإن كانت لا تحبط برقبته، افتداه مولاه. فإن أبى مولاه ذلك، كان للحرّ المجروح من العبد بقدر أرش جراحته، والباقي لمولاه، يباع العبد. فيأخذ المجروح حقّه ويردّ الباقي على المولى.

وإذا قتل عبد مولاه، قتل به على كلّ حال. وإذا كان لإنسان مملوكان قتل أحدهما صاحبه، كان بالخيار: بين أن يقيده به، أو يعفو عنه. ولا قصاص بين المكاتب الّذي أدّى من مكاتبته شيئا وبين العبد، كما لا قصاص بين الحرّ والعبد، ويحكم فيهما بالدّية والأرش حسب ما يقتضيه حساب المكاتب على ما بيّنّاه. وإذا قتل عبد حرّا خطأ، فأعتقه مولاه، جاز عتقه، ولزمه دية المقتول لأنّه عاقلته على ما بيّنّاه.

باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له إذا قتل والقاتل في الحرم والشهر الحرام

من مات في زحام يوم الجمعة، أو يوم عرفة، أو على جسر وما أشبه ذلك من المواضع الّتي يتزاحم النّاس فيها، ولا يعرف قاتله، كانت ديته على بيت المال، إن كان له وليّ يطلب ديته. فإن لم يكن له وليّ، فلا دية له.

وإذا وجد قتيل في باب دار قوم أو في قرية أو في قبيلة ولا يدرى من قتله، كانت ديته على أهل تلك الدّار أو القبيلة أو القرية

٧٥٣

الّتي وجد المقتول فيها. هذا إذا كانوا متّهمين بقتله، أو امتنعوا من القسامة على ما بيّنّاه. فإن لم يكونوا متّهمين بذلك، أو أجابوا إلى القسامة لم يكن عليهم شي‌ء، وكانت ديته على بيت المال.

فإن وجد القتيل بين قريتين، كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه. فإن كانت القريتان متساويتين إليه في المسافة، كانت ديته على أهل القريتين.

وإذا وجد قتيل في مواضع متفرّقة مقطّعا، كانت ديته على أهل الموضع الّذي وجد فيه قلبه وصدره، وليس على الباقين شي‌ء. إلّا أن يتّهم قوم آخرون. فيكون حينئذ الحكم فيهم إمّا إقامة البيّنة أو القسامة على الشّرح الّذي قدّمناه.

وإذا دخل صبيّ دار قوم، فوقع في بئرهم، فإن كانوا متّهمين بعداوة بينهم وبين أهله، كانت عليهم ديته إن كان دخل عليهم بإذنهم. وإن كانوا مأمونين، أو دخل عليهم من غير إذنهم، لم يكن عليهم شي‌ء.

وإذا وقعت فزعة باللّيل، فوجد فيها قتيل أو جريح، لم يكن فيه قصاص ولا أرش، وكانت ديته على بيت المال.

وإذا وجد قتيل في أرض فلاة، كانت ديته على بيت المال. وإذا وجد قتيل في معسكر، أو في سوق من الأسواق، ولم يعرف له قاتل، كانت ديته على بيت المال.

٧٥٤

ومن طلب إنسانا على نفسه أو ماله، فدفعه عن نفسه، فأدّى ذلك الى قتله، فلا دية له، وكان دمه هدرا.

ومن أراد امرأة أو غلاما على فجور، فدفعاه عن أنفسهما، فقتلاه، كان دمه هدرا. ومن اطّلع على قوم في دارهم، أو دخل عليهم من غير إذنهم، فزجروه فلم ينزجر، فرموه، فقتلوه، أو فقؤوا عينه، لم يكن عليهم شي‌ء.

ومن قتله القصاص أو الحدّ، فلا قود له ولا دية.

ومن أخطأ عليه الحاكم بشي‌ء من الأشياء، فقتله أو جرحه، كان ذلك على بيت المال.

وقضى أمير المؤمنين،عليه‌السلام في صبيان يلعبون بأخطار لهم، فرمى أحدهم بخطره، فدقّ رباعية صاحبه، فرفع إليه، فأقام الرّامي البيّنة بأنّه قال: « حذار ». فقال،عليه‌السلام : ليس عليه قصاص، وقد أعذر من حذّر.

ومن اعتدى على غيره، فاعتدي عليه، فقتل، لم يكن له قود ولا دية.

وروى عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله،عليه‌السلام ، قال: سألته عن رجل سارق، دخل على امرأة ليسرق متاعها، فلمّا جمع الثّياب، تابعته نفسه، فكابرها على نفسها، فواقعها فتحرّك ابنها، فقام فقتله بفأس كان معه، فلما فرغ، حمل الثّياب، وذهب ليخرج، حملت عليه بالفأس فقتلته، فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد. فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : اقض

٧٥٥

على هذا كما وصفت لك. فقال: يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دم الغلام، ويضمّن السّارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها، إنّه زان، وهو في ماله غرامة، وليس عليها في قتلها إيّاه شي‌ء، لأنّه سارق.

وعنه قال: قلت: رجل تزوّج بامرأة، فلمّا كان ليلة البناء، عمدت المرأة إلى صديق لها، فأدخلته الحجلة. فلمّا دخل الرّجل يباضع أهله، ثار الصّديق، واقتتلا في البيت، فقتل الزّوج الصّديق، وقامت المرأة فضربت الزّوج ضربة فقتلته بالصّديق. فقال: تضمّن المرأة دية الصّديق، وتقتل بالزّوج.

ومن قتل غيره في الحرم، أو في أحد أشهر الحرم: رجب وذي القعدة وذي الحجّة والمحرّم، وأخذت منه الدّية، كان عليه دية وثلث: دية للقتل وثلث الدّية لانتهاكه حرمة الحرم وأشهر الحرم. فإن طلب منه القود، قتل بالمقتول. فإن كان إنما قتل في غير الحرم، ثمَّ التجأ إليه، ضيّق عليه في المطعم والمشرب، ومنع من مخالطته ومبايعته الى أن يخرج، فيقام عليه الحدّ. وكذلك الحكم في مشاهد الأئمةعليهم‌السلام .

باب ضمان النفوس وغيرها

من دعا غيره ليلا، وأخرجه من منزله، فهو له ضامن الى أن يردّه إلى منزله أو يرجع هو بنفسه إليه. فإن لم يرجع الى المنزل، ولا يعرف له خبر، كان ضامنا لديته. فإن وجد قتيلا، كان على

٧٥٦

الّذي أخرجه القود، أو يقيم البيّنة بأنّه برئ من دمه. فإن لم يقم بيّنة، وادّعى أنّ غيره قتله، طولب بإقامة البيّنة على القاتل أو إحضاره، ليحكم بما تقتضيه شريعة الإسلام. فإن تعذّر عليه ذلك، كان عليه القود، أو الدّية يسلّمها إلى أوليائه، إذا رضوا بها عنه.

وقد روي أنه إذا ادّعى أنه برئ من قتله، ولم تقم عليه بيّنة بالقتل، كان عليه الدّية، دون القود. وهذا هو المعتمد.

ومتى أخرجه من البيت، ثمَّ وجد ميّتا، وادّعى أنّه مات حتف أنفه، كان عليه الدّية أو البيّنة على ما ادّعاه.

وإذا استأجر إنسان ظئرا، فأعطاها ولده، فغابت بالولد سنين، ثمَّ جاءت بالولد، فزعمت أمّه أنّها لا تعرفه، وزعم أهلها أنّهم لا يعرفونه، فليس لهم ذلك، فليقبلوه، فإنّما الظّئر مأمونة. اللهم إلّا أن يتحقّقوا العلم بذلك، وأنّه ليس بولد لهم، فلا يلزمهم حينئذ الإقرار به، وكان على الظّئر الدّية أو إحضار الولد بعينه، أو من يشتبه الأمر فيه.

وإذا استأجرت الظّئر ظئرا أخرى من غير إذن صاحب الولد فغابت به، ولا يعرف له خبر، كان عليها الدّية.

ومتى انقلبت الظّئر على الصّبيّ في منامها، فقتلته، فإن كانت إنّما طلبت المظاءرة للفخر والعزّ، كان عليها الدّية في

٧٥٧

مالها خاصّة، وإن كانت إنما فعلت للحاجة، كانت الدّية على عاقلتها.

ومن نام، فانقلب على غيره، فقتله، فإن ذلك شبيه العمد، تلزمه الدّية في ماله خاصة، وليس عليه قود.

ومن قتل غيره متعمّدا، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقيدوه بصاحبهم، فخلّصه إنسان، كان عليه ردّه. فإن لم يردّه كان عليه الدّية.

وإذا أعنف الرّجل على امرأته، أو المرأة على زوجها، فقتل أحدهما صاحبه، فإن كانا متّهمين، ألزما الدّية، وإن كانا مأمونين، لم يكن عليهما شي‌ء.

وإذا وقع إنسان من علوّ على غيره، فمات الأسفل أو الأعلى، أو ماتا جميعا، لم يكن على واحد منهما شي‌ء. فإن كان الّذي وقع، دفعه دافع أو أفزعه، كانت دية الأسفل على الّذي وقع عليه، ويرجع هو بها على الّذي دفعه. وإن كان أصابه شي‌ء رجع عليه أيضا به.

ومن كان راكبا، فنفّر إنسان دابّته، فرمت به، أو نفرت الدّابّة، فجنت على غيره، كانت جناية ما يصيبه أو يصيب غيره على الّذي نفّر بها.

ومن غشيته دابّة، وخاف أن تطأه، فزجرها عن نفسه، فجنت على الرّاكب أو على غيره، لم يكن عليه شي‌ء.

٧٥٨

ومن ركب دابّة، وساقها، فوطئت إنسانا، أو كسرت شيئا، كان ما تصيبه بيديها ضامنا له، ولم يكن عليه لما وطئته برجلها شي‌ء. فإن ضربها، فرمحت، فأصابت شيئا، كان عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها. وكذلك إذا وقف عليها، كان عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها.

وإن كان يسوق دابة، فوطئت شيئا بيديها أو رجليها، كان ضامنا له. وإن كان يقودها، فوطئت شيئا بيديها، كان ضامنا له. وليس عليه ضمان ما تصيب برجلها، إلّا أن يضربها. فإن ضربها، فرمحت برجلها، فأصابت شيئا، كان ضامنا له.

ومن آجر دابّته إنسانا، فركبها وساقها، فوطئت شيئا، كان ضمان ما تطأه على صاحب الدّابّة دون الرّاكب. فإن لم يكن صاحب الدّابّة معها، وكان الرّاكب يراعيها، لم يكن عليه شي‌ء، وكان على الرّاكب. فإن رمت الدّابّة بالرّاكب، لم يكن على الذي آجرها شي‌ء، سواء كان معها أو لم يكن، إلّا أن يكون نفر بها. فإن نفّر بها، كان ضامنا لما يكون منها من الجنايات.

وحكم الدّابّة في جميع ما قلناه، حكم سائر ما يركب من البغال والحمير والجمال على حدّ، لا يختلف الحكم فيه.

ومن حمل على رأسه متاعا بأجرة، فكسره، أو أصاب إنسانا به، كان عليه ضمانه أجمع، اللهمّ إلّا أن يكون إنسان آخر دفعه، فيكون حينئذ ضمان ذلك عليه.

ومن قتل مجنونا عمدا، فإن كان المجنون أراده، فدفعه

٧٥٩

عن نفسه، فأدّى ذلك الى قتله، لم يكن عليه شي‌ء، وكان دمه هدرا. وإن لم يكن المجنون أراده، وقتله عمدا، كان عليه ديته، ولم يكن عليه قود. وإن كان قتله خطأ، كانت الدّية على عاقلته.

وإذا قتل مجنون غيره، كان عمده وخطأه واحدا. فإنّه تجب فيه الدّية على عاقلته. فإن لم تكن له عاقلة، كانت الدّية على بيت المال. اللهمّ إلّا أن يكون المجنون قتل من أراده، فيكون حينئذ دم المقتول هدرا.

ومن قتل غيره وهو صحيح العقل، ثمَّ اختلط، فصار مجنونا، قتل بمن قتله، ولا تكون فيه الدّية.

ومن قتل غيره وهو أعمى، فإنّ عمدة وخطأه سواء، فإن فيه الدّية على عاقلته.

ومن ضرب غيره ضربة سالت منها عيناه فقام المضروب، فضرب ضاربه وقتله، فإنّ الحكم فيه أن يجعل دية المقتول على عاقلة الّذي قتله، وليس عليه قود، لأنّه ضربه حين ضربه وهو أعمى، وعمد الأعمى وخطأه سواء. فإن لم تكن له عاقلة، كانت الدّية في ماله خاصّة يوفّيها في ثلاث سنين، ويرجع هو بدية عينيه على ورثة الّذي ضربه، فيأخذها من تركته.

ومن قتل صبيّا متعمّدا، قتل به. فإن قتله خطأ، كانت الدّية على عاقلته.

وإذا قتل الصّبيّ رجلا متعمّدا، كان عمده، وخطأه واحدا.

٧٦٠

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793