الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ٢

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 343

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 343
المشاهدات: 216749
تحميل: 7899


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216749 / تحميل: 7899
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام ) (١) .

وهذه الرواية صريحة في حياة النبي بعد وفاته ، وإلاّ فكيف يرد السلام .

وفي رواية أخرى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [قال] :( مَن زارني بعد وفاتي وسلّم عليّ رددت عليه السلام عشراً ، وزاره عشرة من الملائكة ، كلّهم يسلّمون عليه ، وكل مَن سلّم عليّ في بيته ردّ الله علي روحي حتى أسلم عليه ) (٢) .

وكذا ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن مجاهد عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمَن زارني في حياتي ) (٣) .

٤ـ الأنبياءعليهم‌السلام أحياء في قبورهم

الروايات الواردة في هذا المقام متضافرة ، وهي تؤكّد على حياة الأنبياء بعد وفاتهم :

منها : ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي ، عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلّون ) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) سنن أبي داوود ، أبو داود السجستاني : ج٢ ص٥٣٤ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٢ ص٥٢٧ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج١٠ ص١٦٢ ؛ فتح الباري ، ابن حجر : ج٦ ص٣٥٢ ، وقال فيه : ورواته ثقات ؛ تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج٣ ص٥٢٢ ، قال فيه : وصححه النووي .

(٢) السنن الكبرى ، البيهقي : ج٥ ص٢٤٦ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج٢ ص٥٩٤ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج٥ ص١٣٥ .

(٣) المعجم الكبير ، الطبراني : ج١٢ ص٣١٠ .

(٤) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج٨ ص٢١١ ، قال الهيثمي : ( رواها أبو يعلى ، والبزار ، ورجال ابن يعلى ثقات ) ، فتح الباري ، ابن حجر : ج٦ ص٣٥٢ ، قال ابن حجر : ( أخرجه من طريق يحيى بن كثير ، وهو من رجال الصحيح عن المستلم ابن سعيد ، وقد وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج الأسود ، وهو ابن أبي زياد البصري ، وقد وثقه أحمد وابن معين وصححه البيهقي ، وأخرجه أيضاً عن طريق الحسن بن قتيبة ) ؛ ونحوه وعون المعبود ، العظيم آبادي : ج٣ ص٢٦١ ، قال : رواه المنذري وصححه البيهقي ، وفي صحيح مسلم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( مررت بموسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي عند قبره ) ؛ البيهقي في حياة الأنبياء : ص١٥ ؛ مسند أبي يعلى ، أبو يعلى الموصلي : ج٦ص ١٤٧ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج١ ص٤٧٧ ؛ فيض القدير ، المناوي : ج٣ ص٢٣٩ ؛ قال : ( لأنّهم كالشهداء ، بل أفضل ، والشهداء أحياء عند ربّهم ) ؛ ميزان الاعتدال ، الذهبي : ج١ ص٤٦٠ ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج٢ ص١٧٥ ، أخبار أصفهان ، الحافظ أبو نعيم الأصفهاني : ج٢ ص٨٣ ؛ ابن عدي في الكامل : ج٢ ص٣٨٢ .

١٢١

ومنها : ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ، ولكنّهم يصلّون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور ) (١) .

ومنها : ما ذكره البيهقي أيضاً أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مررت بموسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ) (٢) .

ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلّي ، فإذا رجل ضرب جعد كأنّه من رجال شنوءة ، وإذا عيسى بن مريم عليه‌السلام قائم يصلّي . وإذا إبراهيم عليه‌السلام قائم يصلّي ، أشبه الناس به صاحبكم (يعني نفسه)، فحانت الصلاة فأممتهم فلمّا فرغت من الصلاة ، قال قائل : يا محمد ! هذا مالك صاحب النار ، فسلّم عليه ، فالتفت إليه فبدأني بالسلام ) (٣) ، وفي أحاديث أُخرى أنّه لقيهم في بيت المقدس .

ــــــــــــــ

(١) فتح الباري ، ابن حجر : ج٦ ص٣٥٢ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج٣ ص٥٧٧ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج١١ ص٤٧٤ .

(٢) فتح الباري ، ابن حجر : ج٦ ص٣٥٢ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج٣ ص٥٧٧ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج١ ص٣٧٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج٦١ ص١٨٥ .

(٣) صحيح مسلم ، مسلم : ج١ ص١٠٩ .

١٢٢

٥ـ الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء

وهذا ما تؤكّده أعداد وافرة من الروايات ، منها هذه الرواية ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( أفضل أيامكم يوم الجمعة ، وفيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإنّ صلاتكم معروضة ، فقالوا : كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ ـ يقولون بليت ـ قال :إنّ الله تعالى حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم ) (١) ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار : ( وقد ذهب جماعة من المحقّقين إلى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حي بعد وفاته ، وأنّه يسرّ بطاعات أُمّته ، وأنّ الأنبياء لا يبلون ، مع أنّ مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى ، وقد صحّ عن ابن عباس مرفوعاً : ما من أحد يمرّ على قبر أخيه المؤمن ، وفي رواية : بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه ، إلاّ عرفه وردّ عليه ، ولابن أبي الدنيا : إذا مرّ الرجل بقبر يعرفه فيسلّم عليه ردّ عليه السلام وعرفه ، وإذا مرّ بقبر لا يعرفه ردّ عليه السلام ، وصح أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلّم عليهم ، وورد النص في كتاب الله في حق الشهداء أنّهم أحياء يرزقون ، وأنّ الحياة فيهم متعلّقة بالجسد ، فكيف بالأنبياء والمرسلين ؟ وقد ثبت في الحديث : أنّ الأنبياء أحياء في قبورهم ، رواه المنذري وصحّحه البيهقي ، وفي

ــــــــــــــ

(١) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٤ ص٨ ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج١ ص٣٦٩ ؛ سنن ابن ماجة ، ابن ماجه : ج١ ص٣٤٥ ؛ سنن أبي داود ، أبو داود السجستاني : ج١ ص٢٣٦ ؛ سنن النسائي : ج٣ ص٩٢ ؛ المستدرك ، الحاكم : ج١ ص٢٧٨ ، قال فيه : ( هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ) ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج٣ ص٣٨٧ ، قال فيه : ( أخرجه أحمد وصحّحه ابن خزيمة وابن حبان ، والحاكم ووافقه الذهبي ، وحسنه الحافظان المنذري وابن حجر ) ؛ ميزان الاعتدال : ج٢ ص٩٩ ، قال فيه : ( ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته ) ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج٩ ص١٦٢ ، قال فيه : ( إسناده صحيح ) ؛ المغني ، ابن قدامة : ج٢ ص٢٠٨ .

١٢٣

صحيح مسلم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مررت بموسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره ) (١) .

٦ـ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقاء الأنبياء

قد ثبت في الصحيح في حديث الإسراء أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجد آدم في السماء الدنيا :( قال جبريل لخازن السماء : افتح ، قال : مَن هذا ؟ قال : جبريل ، قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أرسل إليه ؟ قال : نعم ، فافتح ، فلمّا فتح علونا السماء الدنيا ، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة ، إذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل يساره بكى ، فقال : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح ، قلت لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم ، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنّة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ، حتى عرج بي إلى السماء ) (٢) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( رأيت ليلة أُسري بي موسى بن عمران رجل آدم طوال جعد كأنّه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم عليهما ، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ) (٣) ، وغيرها الكثير من الروايات التي تدل بصراحة ووضوح على حياة الأنبياءعليهم‌السلام .

أضف إلى ذلك أنّ الأنبياءعليهم‌السلام لا سيّما خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين أخرجوا

ــــــــــــــ

(١) نيل الأوطار ، الشوكاني : ج٣ ص٣٠٤ .

(٢) صحيح البخاري : ج١ ص٩٢ ؛ صحيح مسلم : ج١ ص١٠٢ ؛ مسند أحمد : ج٥ ص١٤٣ ؛ صحيح ابن حبان : ج١٦ ص٤٢٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج١ ص٦٦ ، قال فيه : ( رواه عبد الله من زيادته على أبيه ، ورجاله رجال الصحيح ) .

(٣) مسند أحمد : ج١ ص٢٤٥ ؛ صحيح البخاري : ج٤ ص٨٤ ؛ صحيح مسلم : ج١ ص١٠٥ .

١٢٤

الناس من الظلمات إلى نور الهداية ، وبسببهم ، وبواسطتهمعليهم‌السلام حاز الكثير من المؤمنين المراتب العالية عند الله تعالى ، كما هو الحال في الشهداء الذين هم أحياء عند ربّهم يرزقون ، ومن الواضح أنّ الأنبياء والرسل لا سيّما النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أفضل الخلائق على الإطلاق ، والشهداء وغيرهم إنّما نالوا الذي نالوه بسبب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبواسطته ، فهو الذي سنّ لهم طريق الجهاد والتضحية والفداء بإذن الله تعالى ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها ) (١) ، وكذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن دعا إلى هدى كان له الأجر مثل أجور مَن يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومَن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ) (٢) .

٧ـ حياة الشهداء

صرّحت الآيات القرآنية بأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم ، ولكنّ الناس لا يشعرون :

منها : قوله تعالى :( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم منْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ

ــــــــــــــ

(١) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٤ ص٣٦١ ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج١ ص١٣ ؛ سنن ابن ماجة ، ابن ماجه : ج١ ص٧٤ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج٤ ص١٧٥ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج١ ص١٦٨ ، قال فيه : ( رواه الطبراني في المعجم الكبير ورجاله موثقون ) ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج٢ ص٣١٥ .

(٢) صحيح مسلم : ج٨ ص٦٢ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج٤ ص١٤٩ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج١ ١٦٨ ، وقد عقد له باباً خاصاً صحح فيه الكثير من الروايات .

١٢٥

يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

ومنها : قوله تعالى :( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) (٢) .

هذا فضلاً عن الأحاديث الصحيحة والمتواترة الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي صرّحت بأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون(٣)

وقد ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه وقف على مصعب بن عمير وهو منجعف على وجهه وقرأ هذه الآية :( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) ، ثم قال :( إنّ رسول الله يشهد أنّكم الشهداء عند الله يوم القيامة ، ثم : أقبل على الناس ، فقال :زوروهم وأتوهم وسلّموا عليهم ، فو الذي نفسي بيده لا يسلِّم عليهم مسلِّم إلى يوم القيامة إلاّ ردّوا عليه السلام ) (٤) .

٨ـ حياة سائر الموتى

النصوص من الكتاب والسنّة الشريفة متضافرة في ذلك ، نتعرّض إلى بعضها على سبيل الإجمال :

أولاً : نبي الله صالح يخاطب قومه الهالكين

إنّ نبي الله صالحاًعليه‌السلام بعد أن دعا قومه إلى عبادة الله ، وحذّرهم من التعرّض لما جاء به من المعجزة ، التي هي ناقة الله تبارك وتعالى ، إلاّ أنّهم

ــــــــــــــ

(١) آل عمران : ١٦٩ـ ١٧١ .

(٢) البقرة : ١٥٤ .

(٣) راجع كتب الصحاح والتفسير .

(٤) الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ج٣ ص١٢١ .

١٢٦

عقروها وعتوا عن أمر ربّهم :( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) (١) ، حيث تبيِّن الآية بصراحة أنّهم بعدما هلكوا وأصبحوا في دارهم جاثمين ، وأنّ نبي الله صالحاًعليه‌السلام خاطبهم قائلاً :( لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) ولا معنى لمخاطبته لقومه إذا كانوا لا يسمعون .

ثانياً : مخاطبة نبي الله شعيبعليه‌السلام لقومه الهالكين

ذكر القرآن الكريم قصة أخرى لنبي آخر من الأنبياء ، وهي قصة نبي الله شعيبعليه‌السلام مع قومه ؛ إذ خاطبهم بعد أن عمّهم الهلاك ، كما في قوله تعالى :( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ) (٢) .

ثالثا : الأمر الإلهي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتكلّم مع الأنبياء السابقينعليهم‌السلام

فقد جاء في قوله تعالى لنبيّه الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) (٣) .

فنلاحظ أنّ الله تعالى يأمر نبيه الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسؤال الأنبياء الذين بعثوا من قبله ، وهذا يكشف عن حياتهم وسماعهم لمخاطبته وسؤاله لهم .

ــــــــــــــ

(١) الأعراف : ٧٨ـ ٧٩ .

(٢) الأعراف : ٩١ـ٩٣ .

(٣) الزخرف : ٤٥ .

١٢٧

وعن سعيد بن جبير في قوله :( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ) الآية قال : ( ليلة أُسري به لقي الرسل )(١) .

وعن ابن جريج في قوله :( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ) الآية قال : ( بلغنا أنّه ليلة أُسري به أُري الأنبياء ، فأُري آدم فسلّم عليه )(٢) .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله :( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ) الآية ، قال : ( جمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس(٣) ، فأمّهم وصلّى بهم فقال الله له : سلهم )(٤) .

وقال النووي : ( وقد ثبت في حديث الإسراء أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجتمع بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في السموات وفي بيت المقدس وصلّى بهم ، قال : فلا يبعد أنّ الله تعالى أحياهم كما جاء في الشهداء )(٥) .

رابعاً : مخاطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتلى المشركين

حيث روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف على قليب بدر وخاطب المشركين الذين قتلوا وأُلقيت جثثهم في القليب :( يا أهل القليب ، يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام ، فعدد مَن كان منهم في القليب ،بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدّقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس ، هل وجدتم ما

ــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج٦ ص١٩ .

(٢) الدر المنثور : ج٦ ص١٩ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج٥ ص١٩ .

(٤) جامع البيان ، الطبري : ج٢٥ ص٩٩ .

(٥) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج١٦ ص ٢٠٠ .

١٢٨

وعدكم ربّكم حقاً ؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقاً ، فقال المسلمون : يا رسول الله ، أتنادي قوماً قد جيّفوا ؟ قال :ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوني ) (١) .

وعن أبى طلحة : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش ، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال ، فلمّا كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ، ثم مشى واتبعه أصحابه ، فقالوا : ما نرى يطلق إلاّ لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الركى ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله ، فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً ، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً ؟ فقال عمر : يا رسول الله ، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها ؟ فقال : والذي نفس محمد بيده ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم )(٢)

وعن ابن عمر قال : ( اطلع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل القليب ، فقال :وجدتم ما وعد ربكم حقّاً ، فقيل له : أتدعو أمواتاً ؟ فقال :ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون )(٣) .

خامساً : في حياة سائر الموتى

صرّحت الروايات المتضافرة والصحيحة بحياة سائر الموتى ، فضلاً عن الروايات التي تشير إلى انتفاع الميت بعمل الحيّ من دعاء وصدقة وغيرها ، وإليك بعض الشواهد على ذلك :

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري : ج٢ ص١٥٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج٣ ص٣٥٧ .

(٢) صحيح البخاري ، البخاري : ج٥ ص٨ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٤ ص٢٩ ؛ صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج١١ ص٩٩ .

(٣) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٢ ص ١٠١ .

١٢٩

الميت يسمع قرع النعل

أخرج البخاري في صحيحه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( العبد إذا وُضع في قبره وتولّى وذهب عنه أصحابه ، حتى أنّه يسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فأقعداه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فيقول : أشهد أنّه عبد الله ورسوله .

فيقال : انظر إلى مقعدك من النار ، أبدلك الله به مقعداً من الجنّة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيراهما جميعاً .

وأمّا الكافر أو المنافق فيقول : لا أدري ؟ كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال : لا دريت ، ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أُذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها مَن يليه إلاّ الثقلين ) (١) وقريب منه رواه مسلم من حديث أسماء .

الميت ينادي

وقد ورد عن أبي سعيد الخدري إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إذا وُضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدّموني ، وإن كانت غير صالحة : قالت لأهلها : يا ويلها أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلاّ الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق ) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج٢ ص٩٢ ، باب الميت يسمع خفق النعال .

(٢) صحيح البخاري ، البخاري : ج٢ ص٨٨ ؛ مسند أجمد ، أحمد بن حنبل : ج٣ ص٤١ ؛ السنن الكبرى ، النسائي : ج١ ص٦٢٤ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج٣ ص٤٤٢ ؛ صحيح ابن حبان : ج٧ ص٣١١ ؛ وغيرها .

١٣٠

وغير ذلك من الروايات الكثيرة ، راجع صحيح البخاري ومسلم وغيرهما(١) ، التي تثبت أنّ الموتى أحياء وترد إليهم أرواحهم ، وإن كانوا على درجات متفاوتة من النعيم أو العذاب .

مضافاً إلى الروايات المتواترة على انتفاع الميت بأعمال الأحياء .

أمّا بدعائهم كما تواتر ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من زيارته لأهل البقيع ودعائه لهم وزيارته لشهداء أُحد ، وتعميمه بالدعاء وتكرار ذلك منه ولو لم ينتفعوا بدعائه كما قام بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام

تقدّم في مطلع الحديث عن التوسّل أنّ الله تعالى أمر بابتغاء الوسيلة ، بمعنى البحث عنها ومعرفتها ، للتوسّل بها إلى الله تعالى ، كما في قوله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢) ، وفي آية أخرى :( أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) (٣) .

فهاتان الآيتان وغيرهما دالتان على مشروعية التوسّل كما تقدّم ، وشاملتان بإطلاقهما للتوسّل بالأعمال الصالحة والأولياء الصالحين ، ولا معنى لحصر مدلولهما بالتوسّل بالأعمال دون الأشخاص ، وقد سبق بيان ذلك مفصّلاً .

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج١ ص٦١ ؛ صحيح مسلم ، مسلم : ج١ ص١٦٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج١ص٢٢٥.

(٢) المائدة : ٣٥ .

(٣) الإسراء : ٥٧ .

١٣١

والآيات تمدح المتوسّلين بأنّهم يبحثون عن الوسيلة الأقرب إلى الله تعالى ، ومن الواضح أنّ أقرب الناس وسيلة إلى الله تعالى هم محمد وأهل بيته الطاهرون ، كما دلّت على ذلك الروايات الصحيحة الواردة عن نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام :

أوّلاً : نبي الله آدمعليه‌السلام توسّل بمحمد وآل محمدعليهم‌السلام

فقد جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( إنّ آدم لما اقترف الخطيئة ، فتلقّى من ربّه كلمات فتاب عليه ، وهذه الكلمات التي تلقّاها آدم فتاب الله عليه هي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ) (١) .

وفي رواية أخرى إن آدمعليه‌السلام قال :( اللّهمّ إنّي أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلاّ أنت ، عملت سوءً ، وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم ) (٢) .

وأخرج الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب ، أنّه قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب ، أسألك بحق محمد لّما غفرت لي .

فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنّك لمّا

ــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج١ ص٦٠ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج١ ص١٠١ ؛ المناقب ، ابن المغازلي : ص٦٣ .

(٢) الدر المنثور ، السيوطي : ج١ ص٦٠ ؛ الفتوحات المكّيّة ، ابن عربي : ج٤ ص٥٠٩ .

١٣٢

خلقتني بيدك أو نفخت فيّ من روحك رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، فعرفت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم ، إنّه لأحب الخلق إليّ ، وادعني بحقّه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك ) ، وقال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد )(١) .

وجاء في فرائد السمطين للحمويني عن أبي هريرة ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصة آدم :( يا آدم هؤلاء صفوتي فإذا كان لك لي حاجة فبهؤلاء توسّل ، فقال النبي : نحن سفينة النجاة مَن تعلّق بها نجا ومَن حاد عنها هلك ، فمَن كان له إلى الله حاجة فليسألنا أهل البيت ) (٢) .

ثانياً : عليعليه‌السلام أقرب الوسائل إلى الله

ورد عن عائشة أنّها قالت في حق عليعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلى الله وسيلة ) ، كما جاء عن مسروق ، قال : ( قالت عائشة : يا مسروق ، إنّك من ولدي ، وإنّك من أحبّهم إليّ ، فهل عندك علم من المخدج ؟ قال : قلت : نعم ، قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان بين حقائق وطرفاء ، قالت : أبغني على ذلك بيّنة ، فأتيتها بخمسين رجلاً من كل خمسين بعشرة ، وكان الناس إذ ذاك أخماساً ، يشهدون أنّ علياًعليه‌السلام قتله على نهر يقال لأعلاه تامرا

ــــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج٢ ص٦١٥ ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج١ ص٦٠ ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ج٥ ص٤٨٩ ؛ ونحوه المعجم الأوسط ، الطبراني : ج٦ ص ٣١٣ ؛ ونحوه المعجم الصغير ، الطبراني : ج٢ ص٨٢ .

(٢) أرجح المطالب ، عبيد الله الحنفي : ص٤٦١ .

١٣٣

ولأسفله النهروان بين حقايق وطرفاء ، فقلت : يا أمه ، أسألك بالله وبحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبحقّي ، فإنّي من ولدك ، أي شيء سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه ؟ قالت : سمعت رسول الله يقول :هم شر الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم عند الله وسيلة )(١) .

ولا غرابة في ذلك ؛ لأنّ أهل البيتعليهم‌السلام امتازوا عن بقية البشر بامتيازات خاصّة ، وخصّهم الباري بالذكر والعناية في آيات كثيرة في القرآن الكريم ، فضلاً عمّا صدع به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّهم وفضلهم ومكانتهم وكرامتهم على الله تعالى .

فهذا ابن حجر يروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( مَن أراد التوسّل ، وأن يكون له عندي يد أشفع بها يوم القيامة ، فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم ) (٢) .

فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كشف وبيّن الطريق والسبيل لمَن يريد أن ينال شفاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أن يصل أهل بيته ويدخل السرور عليهم ، وهذا دليل واضح على علو شأنهم وكرامتهم عند الله تعالى .

وعن فاطمةعليها‌السلام ، قالت :( وأحمدوا الله الذي بعظمته ونوره يبتغي مَن في السموات والأرض إليه الوسيلة ونحن وسيلته في خلقه ) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج٢ ص٢٦٧ ؛ المناقب ، ابن المغازلي : ص٥٦ ؛ ونحوه نهج الإيمان ، ابن جبر : ص٥٥٩ ؛ وقريب منه ما في مسند أحمد : ج٣ ص٢٢٤ ؛ ونحوه فتح الباري : ج١٢ ص٢٥٣ .

(٢) ابن حجر الهيتمي ، الصواعق المحرقة : ص١٧٦ ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج٢ ص٣٧٩ .

(٣) السقيفة وفدك ، الجوهري البغدادي (٣٢٣هـ) : ص ١٠١ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج١٦ ص٢١١ .

١٣٤

وهذا المضمون يلتقي مع مضامين أخرى ونصوص كثيرة واردة في هذا المعنى .

منها : ما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عليّ بن أبي طالب أميني غداً في القيامة وصاحب رايتي في القيامة على مفاتيح خزائن رحمة ربّي ) (١) .

ومنها : ما ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ عليّاً راية الهدى وإمام أوليائي ونور مَن أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ) (٢) وغيرها .

ثالثاً : التوسّل بحق محمد وآل محمد أمان من الخوف

فقد ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( إذا هالك أمر فقل : اللّهمّ صلِّ على محمد وآل محمد ، وإنّي أسألك بحق محمد وآل محمد أن تكفيني شر ما أخاف وأحذر ، فإنّك تكفي ذلك الأمر ) (٣) .

رابعاً : أهل البيتعليهم‌السلام مع رسول الله في درجة الوسيلة

وهو ما رواه أعيان الحفّاظ والمفسّرين في كتبهم عن عليعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( في الجنّة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله تعالى فسألوا لي الوسيلة ، قالوا : يا رسول الله ، مَن يسكن فيها معك ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين ) ، وفي لفظ آخر : ( وهي لنبيّ ، وأرجو أن أكون أنا ، فإذا سألتموها فاسألوها لي ، فقالوا : مَن يسكن معك فيها يا رسول الله ؟

ــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصفهاني : ج١ ص٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج١ ص٦٧ .

(٣) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص ٤٩ .

١٣٥

قال : فاطمة وبعلها والحسن والحسين )(١) .

وهذه الرواية صريحة في أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لهم تلك الدرجة من الشفاعة التي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا واضح من تعبيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين يسكنون معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الموقع والدرجة العظيمة ، ولا غرابة في ذلك ، فأهل البيتعليهم‌السلام ليسوا بأقل من يد أنس بن مالك التي يتبرّك بها الناس ؛ لأنّها مسّت يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهمعليهم‌السلام الذين قال فيهم رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يؤمن عبد بالله حتى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من أهله ) .

أقوال التابعين والعلماء في التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام

١ـ عن عكرمة في قوله تعالى :( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) ، قال : ( هم النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين ((٢) .

٢ـ ما أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : (سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال ( شيخ الحنابلة ) يقول : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب )(٣) .

٣ـ ما ذكره الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف :

ــــــــــــــ

(١) كنز العمال ، المتقي الهندي : ج١٢ ص١٠٣ ؛ المناقب ، ابن المغازلي : ص٢٤٧ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج١ ص٤٤٦ .

(٣) تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج١ ص١٣٣ .

١٣٦

آل طـه ومَن يقـل آل طـه

مستجيـراً بجاهـكم لا يـردُّ

حبكم مذهبي وعقد يقيني

ليس لي مذهب سواه وعقدُ (١)

إلى آخر قصيدته التي يتوسّل فيها بأهل البيتعليهم‌السلام .

٤ـ قول الشافعي : ( قبر موسى الكاظم ترياق مجرّب لإجابة الدعاء )(٢) .

٥ـ قال الواسطي في حق أهل البيتعليهم‌السلام :

قوم بهم غفرت خطيئة آدمٍ

وهم الوسيلة والنجوم الطلّعُ (٣)

٦ـ قول الشافعي أيضاً :

آل النبــي ذريعتـــي

وهمُ إليـه وسيلتـي

أرجو بهم أُعطى غداً

بيد اليمين صحيفتي(٤)

التوسّل بالأولياء والصالحين

وفي هذا المقام نستعرض عدّة وقائع تكشف عن كون سيرة المسلمين قائمة على جواز التوسّل بالصالحين من العباد أيضاً ، فضلاً عن الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، ومن جملتها :

ورد أنّ عمر بن الخطاب استسقى بالعباس بن عبد المطلب عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال : ( اللّهمّ إنّا كنّا إذا نتوسّل بنبينا فتسقينا ، وإنّا نتوسل

ــــــــــــــ

(١) الإتحاف بحب الأشراف ، الشبراوي الشافعي : ص٢١٧ .

(٢) البصائر ، الداجوي الحنفي : ص ٤٢ .

(٣) الأسرار الفاطمية ، محمد فاضل المسعودي : ص٣١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص٢٧٤ .

١٣٧

إليك بعم نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاسقنا )(١) ثم خطب الناس وقال : ( فاقتدوا أيّها الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عمّه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله )(٢) ، وقال ابن حجر العسقلاني في كتابه ( فتح الباري ) : (ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة )(٣) .

وكذلك استسقى حمزة بن القاسم الهاشمي ببغداد ، فقال : ( اللّهمّ إنّا من ولد ذلك الرجل الذي استسقى بشيبته عمر بن الخطاب ، فسقوا )(٤) فمازال يتوسّل بهذه الوسيلة حتى اسقوا

وجاء في الدعاء : ( اللّهمّ إنّي أستشفع لديك بخواص عبادك )(٥) .

التوسّل بحق السائلين

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن قال حين خرج إلى الصلاة : اللّهمّ إنّي أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي هذا ، فإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي ، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت ؛ وكّل به سبعون ألف

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج٤ ص٢٠٩ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج٣ ص٣٥٢ ؛ الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ج٤ ص٢٩ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج١ ص٧٢ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج٦ ص١٠١ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج٢٦ ص٣٥٥ ؛ إرواء الغليل ، محمد ناصر الألباني : ج٣ ص١٣٩ ، قال فيه : (رواه ابن خزيمة أيضاً وأبو عوانة وابن حبان والطبراني في الكبير ، وصححه الحافظ الذهبي) ؛ نيل الأوطار ، الشوكاني : ج٤ ص٣٢ .

(٢) فتح الباري ، ابن حجر : ج ٢ ص ٤١٣ .

(٣) فتح الباري ، ابن حجر : ج ٢ ص ٤١٣ .

(٤) شفاء السقام ، السبكي : ص٣٠٩ ؛ تطهير الفؤاد ، الشيخ محمد الحنفي : ص١٤٣ .

(٥) الأذكار النووية ، يحيى بن شرف النووي : ص٢٠١ .

١٣٨

ملك يستغفرون له ، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته ) (١) وفي مضمونه أحاديث أخرى أيضاً.

شفاعة الأحياء للأموات

عن يونس قال : ( سألت مجاهد عن الصلاة على الميت ، فقال : إنا نحن نقول فيه : اللّهمّ أنت خلقته وأنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه وأنت أعلم بسريرته وعلانيته جئنا شفعاء فاشفع له ، فاغفر له )(٢) .

التوسّل بالقرآن الكريم

عن جابر قال : ( خرجت سرية من سرايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمرّوا ببعض القبائل قالوا : عندنا رجل يتخبّطه أحسبه قال الشيطان ، فقال رجل من الأنصار : أتوني به فقرأ عليه بفاتحة الكتاب ثلاث مرات فبرأ الرجل )(٣) .

وأخرج النووي عن أبى سعيد الخدري : ( إنّ نفراً من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلوا على حيّ من أحياء العرب ، فلُدغ سيّدهم ، فجعل بعض الصحابة يقرأ الفاتحة ويجمع بزاقه ويتفل ، فبرأ الرجل ) رواه البخاري ومسلم(٤) .

إذن التوسّل لا ريب في مشروعيته ، بل الترغيب والحث عليه على المستوى القرآني والروائي وقيام سيرة المسلمين جميعاً عليه ما عدا ابن تيمية وأتباعه .

ــــــــــــــ

(١) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٣ ص٢١ ؛ مسند ابن الجعد ، علي ابن الجعد : ص٢٩٩ ؛ سنن ابن ماجة ، ابن ماجه : ج١ ص٢٥٦ ؛ الدعاء ، الطبراني : ص١٤٩ ؛ ميزان الاعتدال ، الذهبي : ج٢ ص٤٤٦ ؛ الشرح الكبير ، ابن قدامة : ج١ ص٥٠١ .

(٢) المصنف ، ابن شيبة الكوفي : ج٣ ص١٧٨ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج٤ ص٩٥ .

(٤) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٣ ص٤٤ ؛ المجموع ، محي الدين النووي : ج٥ ص١١٢ ؛ ونحوه صحيح مسلم : ج٧ ص٢٠ ؛ ونحوه السنن الكبرى ، النسائي : ج٤ ص٣٦٧ ؛ المغني ، ابن قدامة : ج٦ ص٣٥ .

١٣٩

الخلاصة

١ـ الذي ثبت في البحث أن نظام الخلق نظام الأسباب والوسائط ، بمقتضى حكمة الله تعالى وإرادته ، وهذا ممّا لا مجال لإنكاره ، فضلاً عن الآيات الكريمة التي تؤكد هذه الحقيقة ، فهنالك عدّة وظائف في الخلق تدار بواسطة الملائكة من المدبرات والمقسمات ، ومن الملائكة مَنْ وظيفته الحفظ أو الرقابة أو كتابة الأعمال ، أو إنزال الوحي أو قبض الأرواح ونحوها من تدبير الرياح والسحاب والمطر .

٢ـ إنّ اتخاذ الواسطة ليس دائماً شركاً وعبادة لغير الله تعالى ؛ لأنّ العبادة خضوع وتذلّل مع اعتقاد أنّ المخضوع له صاحب مقام الألوهية والاستقلال في التأثير .

٣ـ ورد في القرآن الكريم نماذج كثيرة من الوسائط التي نسبت لها آثار غير طبيعية وخارقة للعادة ، كقميص يوسف وكيفية شفاء يعقوب عند إلقائه على وجهه ، حيث ارتدّ بصيراً ، والتراب الذي قبضه السامري ، وعصى موسىعليه‌السلام ، وما توسّل به سليمانعليه‌السلام وإتيانه بعرش بلقيس

٤ـ إنّ عنوان التوسّل والشفاعة والاستعانة عناوين يجمعها قاسم مشترك ، وهو الواسطة .

٥ـ إنّ القرآن الكريم ، أمر باتخاذ الوسيلة التي يرضاها الله تعالى لا الوسيلة المقترحة التي لم ينزل الله بها من سلطان ، وقد قال تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) ، وكذا في أمر القرآن الكريم وحثه للمسلمين على الرجوع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله واسطة في غفران الذنوب ، كما حكى لنا نمطاً من أنماط التوسّل في قوله تعالى حكاية عن وُلد يعقوب : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) وكذا حكاية فعل نبي الله سليمان وهو يتوسّط ويتوسّل بمَن عنده علم من الكتاب لقضاء الأمور المهمّة والخارقة للعادة ، ونحوها .

ونجد أنّ القرآن الكريم يذم الشيطان لعدم سجوده لآدمعليه‌السلام مع أنّه لم يشرك بالله ، كل ذلك يدلّ على مشروعية الواسطة التي يأذن الله بها لا مطلق الواسطة ولا كونها باقتراح الناس .

وإليك ملخّص لما مرّ من نماذج التوسّل بغير الله

التوسّل بعموم الأنبياء

لقد وردت عدّة روايات معتبرة تؤكّد على صحّة التوسّل بذوات وحق الأنبياءعليهم‌السلام والصالحين من قبيل توسّل يوسف بيعقوبعليهما‌السلام ، وتوسّل نبي الله داودعليه‌السلام بحق آبائهعليهم‌السلام ، وقد ورد في كتاب الدعاء للطبري ما يؤكّد هذا المعنى .

١٤٠