الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ٢

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 343

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 343
المشاهدات: 217016
تحميل: 7905


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217016 / تحميل: 7905
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأجوبة الوافية في ردّ شبهات الوهّابيّة

المجلد الثاني

تأليف : مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

١

لجنة التحقيق : الشيخ قيصر التميمي ، الشيخ علي حمود العبادي ، الشيخ شاكر عطية الساعدي

تصحيح : الشيخ عبد السادة الساعدي والشيخ أمير كاظم حسون

مراجعة وتقويم : السيد حاتم البخاتي والسيد ميثم الخطيب

الناشر : دهكده جهاني آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

الطبعة الأولى : / ١٤٢٨ هجري قمري

التنضيد والإخراج الفني : مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية / محسن الجابري

الطبع : أميران ـ قم المقدسة

سعر الدوره : ٩٠٠٠ تومان

العدد : ٢٠٠٠

شابك : ٤ ـ ٧ ـ ٩٤٣٨٨ ـ ٩٦٤ ـ ٩٧٨

جميع حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

هاتف : ٧٧٣٠٩٤٤ ـ ٢٥١ ـ ٠٠٩٨

سايت : www.Annajat.org

العنوان : قم / شارع سمية / زقاق ١٨ / رقم الدار ١٥

٢

الفصل الأوّل : إبطال دعوى أنّ المآتم والشعائر الحسينية التي تقام في عاشوراء بدعة غير جائزة ومن شعائر الجاهلية

الشعائر الحسينية

الشبهة

المآتم الحسينية بدعة غير جائزة ، والشعائر التي تقام في عاشوراء شعائر جاهلية .

الجواب

قبل الإجابة ينبغي أن نقف على حقيقة البدعة ، وعلى الفرق بينها وبين السنّة ، وعلى حقيقة الشعائر أيضاً ، لكي نتمكن من تصنيف العناوين الأخرى ، التي طرحت في الشعائر الحسينية ، وهل هي من البدعة أم من السنّة .

تعريف السنّة

السنّة لغةً :

هي الطريقة(١) ، فسنّة الله تبارك وتعالى طريقته ، ومنه قوله تعالى :( سُنّةَ اللهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (٢) .

والسنّة لغةً أعم من كونها حسنة أو سيئة ، قال ابن منظور : ( والسنّة : السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة )(٣) .

وفي لسان العرب أيضاً : ( سنّ فلان طريقاً من الخير ، يسنّه إذا ابتدأ أمراً من البر لم يعرفه قومه ، فاستسنوا به وسلكوه )(٤) .

ــــــــــــــ

(١) لسان العرب ، ابن منظور : ج١٣ ص ٢٢٥ ؛ مجمع البحرين ، الطبري : ج ٢ ص ٤٣٦ .

(٢) الفتح : ٢٣ .

(٣) لسان العرب ، ابن منظور : ج ١٣ ، ص ٢٢٥ .

(٤) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ٢٢٦ .

٣

السنّة في الاصطلاح الشرعي

السنّة اصطلاحاً هي قول المعصوم وفعله وتقريره ، كقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا فعله ، فإنّه إذا فعل شيئاً يدل على مشروعيته ، أو تقريره ، كما لو كان أحد من الصحابة يأكل الجراد ، بمرأى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يردعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعدم الردع يدل على عدم حرمة أكل الجراد ؛ لأنّه لو كان حراماً لوجب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردعه ، مع بيان حرمته ، فمن سكوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستفاد عدم حرمته .

قال ابن الأثير في غريب الحديث : ( والأصل فيها [السنّة] الطريقة والسيرة ، وإذا أطلقت في الشرع فإنّما يراد بها ما أمر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً ممّا لم ينطق به الكتاب العزيز ، ولهذا يقال في أدلة الشرع ، الكتاب والسنّة أي : القرآن والحديث )(١) .

وبناءً على ما تقدم يتضح أنّ السنّة تنقسم بالمعنى اللغوي إلى قسمين : سنّة حسنة ، وسنّة سيئة ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سنّ سنّة حسنة كان له مثل مَن عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء ، ومَن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر مَن عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) (٢) .

أمّا السنّة بالمعنى الاصطلاحي ، فهي دائماً سنّة حسنة ؛ لأنّها سنّة المعصومعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٢ ص ٤٠٩ .

(٢) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣٦١ ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج ١ ص ١٣٠ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج ٤ ص ١٧٦ وغيرها .

٤

البدعة لغةً :

بدع : بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولاً وفي التنزيل :( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : ما كنت أول مَن أرسل ، قد أرسل قبلي رسل كثير .

البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال ، قال ابن السكيت : ( البدعة كل محدثة )(١) .

وقال الخليل الفراهيدي : البدع : ( الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال الله عزّ وجلّ :( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : لست بأول مرسل البدعة ما استحدث بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهواء وأعمال ، ويجمع على البدع )(٢) .

البدعة شرعاً :

هي نسبة شيء إلى الدين وليس منه ، وبتعبير آخر : إدخال ما ليس من الدين في الدين .

قال الراغب في المفردات : ( والبدعة في المذهب : إيراد قول لم يستنّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة )(٣) .

وفي لسان العرب عن ابن الأثير : ( البدعة بدعتان ، بدعة هدى ، وبدعة ضلال ، فما كانت في خلاف ما أمر الله به ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو في حيّز الذم والإنكار ، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه أو

ــــــــــــــ

(١) لسان العرب : ابن منظور : ج ٨ ص ٦ ؛ وانظر مختار الصحاح ، محمد عبد القادر : ص٣١ .

(٢) كتاب اليمين ، الفراهيدي : ج ٢ ص ٥٤ .

(٣) مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : ص ٣٩ .

٥

رسوله فهو في حيّز المدح )(١) .

وفي مجمع البحرين للطريحي : ( والبدعة بالكسر فالسكون : الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنّة )(٢) .

ويتبيّن من ذلك أنّ البدعة بالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي ؛ ولذا نجد أنّ الشافعي والغزالي وابن حزم وابن الأثير وغيرهم ، قسموا البدعة بالمعنى اللغوي إلى حسنة وسيئة ، بينما البدعة بالمعنى الشرعي لا تكون إلاّ مذمومة ، ولذا ورد في الحديث المستفيض عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كل بدعة ضلالة ) (٣) .

قال ابن حجر : ( المحدثات بفتح الدال جمع محدثة ، والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ، ويسمّى في عرف الشرع (بدعة) وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة ، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة ، فإنّ كل شيء أحدث على غير مثال يسمّى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً )(٤) .

فالبدعة إذاً في الاصطلاح الشرعي تقابل السنّة بمعناها الشرعي ومعناها اللغوي إذا كانت حسنة ، فما لم يكن الشيء من السنّة فهو بدعة ، وما هو من السنّة فليس ببدعة .

ــــــــــــــ

(١) لسان العرب ، ابن منظور : ج ٨ ص ٦ .

(٢) مجمع البحرين ، الطريحي : ج ١ ص ١٦٤ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٢٦ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ١٨ ص ٢٤٦ ؛ فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج ١٣ ص ٢١٢ .

(٤) فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج ١٣ ص ٢١٢ .

٦

الشعيرة لغةً :

قال الخليل الفراهيدي في (كتاب العين) : ( تقول أنت الشعار دون الدثار ، تصفه بالقرب والمودّة [ويقال] : ليت شعري أي علمي ، ويقال : ما يشعرك أي : ما يدريك ومنهم مَن يقول : شعرتُه أي : عقلته وفهمته والمشعر : موضع المنسك من مشاعر الحج ، وكذلك الشعارة من شعائر الحج وشعائر الله ، مناسك الحج ، أي : علاماته والشعيرة من شعائر الحج وهو أعمال الحج من السعي والطواف والذبائح ، كل ذلك شعائر الحج )(١) .

وفي غريب الحديث لابن الأثير : ( وشعائر الحج آثاره وعلاماته : جمع شعيرة الشعائر المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليه )(٢) .

وفي مجمع البحرين : ( وحملوا الشعائر على المعالم ، أي : معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه )(٣) .

وفي تاج العروس : ( في الصحاح الشعائر : أعمال الحج ، وكل ما جعل علماً لطاعة الله عزّ وجلّ )(٤) .

وقال القرطبي في تفسيره : ( الشعائر : جمع شعيرة ، وهو كل شيء لله فيه أمر أشعر به وأعلم ، ومنه شعائر القوم في الحرب ، وشعائر الله أعلام دينه )(٥) .

ومحصّل كلام اللغويين : أنّ المعنى الجامع لماهيّة الشعائر ، هو جنبة الإعلام الحسّي لكلّ معنى أو سلوك ديني ، أو حكم من الأحكام الدينية ، كل ذلك يسمّى شعاراً ، أو شعائر ، فالشعيرة إذاً هي العلامة .

ــــــــــــــ

(١) كتاب العين ، الفراهيدي : ج ١ ص ٢٥١ .

(٢) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٢ ص ٤٧٩ .

(٣) مجمع البحرين ، الطريحي : ج ٢ ص ٥١٥ .

(٤) مختار الصحاح ، محمد بن عبد القادر : ص ١٨٠ .

(٥) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ١٢ ص ٥٦ .

٧

هل للشعيرة معنى شرعي ؟

من الأمور المهمّة والأساسية التي يقرّرها علماء أصول الفقه ، هي أنّ الشارع إذا لم يتصرف في الوجود الخارجي في مرحلة تطبيق الحكم على العنوان المأخوذ في لسان الدليل ، فلابد أن يكون وجوده هو ما يصدق عليه العنوان عرفاً .

وبعبارة أخرى : إنّ الأصل الأوّلي يقتضي كون وجود ما ينطبق عليه الحكم والعنوان عرفياً ، إلاّ أن يجعل له الشارع وجوداً خاصاً ، بأن ينصب دليلاً على ذلك ، ومثال ذلك تدخل الشارع في وجود وتحقق الصيغة المحققة للطلاق ، حيث نجد أنّ الشارع تصرّف في كيفية حصول الطلاق وإن لم يتصرّف في عنوان الطلاق اللغوي ، وكذلك الأمر بالنسبة للحلف فلا يكون قسماً شرعياً إلاّ بالله ، وكذا النذر لا يكون شرعياً إلاّ أن يأتي به الناذر بصيغته الخاصة ، فهذا تصرّف من الشارع في كيفية الوجود .

أمّا إذا لم يقم دليل من الشارع على ذلك ، فإنّ القاعدة والأصل الأوّلي يقتضي أن يكون وجوده وجوداً عرفياً ، كما في قوله تعالى :( وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا ) (١) و( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، فحيث لم يأت دليل يتصرّف في كيفية وجود العقد البيعي في الخارج يكون البيع بمقتضى القاعدة ما هو المتداول عند العقلاء من العقود ، وقد أحلّها وأمضاها الشارع وأوجب الوفاء بها ، نعم قد يتصرّف الشارع في بعض الموارد كبيع السَّلم وغيره .

ــــــــــــــ

(١) البقرة : ٢٧٥ .

(٢) المائدة : ١ .

٨

وإذا تبيّن ذلك ؛ نقول : إنّ الشارع إذا لم يكن قد تصرّف في عنوان الشعائر ، ولا في كيفية تحقيقها ووجودها في الخارج ، فإنّها تبقى على ما هي عليه في العرف .

هل تصرّف الشارع في كيفية تطبيق الشعائر ؟

عند إجراء استقصاء لأهم الآيات القرآنية الدالة على مشروعية الشعائر الدينية ، ومحبوبية ورجحان تعظيم شعائر الله تبارك وتعالى ، نجد أنّ الشارع لم يتعرّض لبيان كيفية وجودها في الخارج إلاّ ما تعرّض له في بعض الموارد ، كما في شعائر الحج وغيرها ، حيث جاء ذلك في بعض الآيات القرآنية :

أ ـ قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلاَ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ آمّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) (١) .

ب ـ قوله تعالى :( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (٢) .

حيث نجد في هذه الآية المباركة دلالة واضحة على مطلوبية ورجحان التعظيم لشعائر الله ، من دون أي تصرّف في كيفية حصول التعظيم ، وهذا يعني إيكال كيفية التعظيم إلى العرف .

ج ـ قوله تعالى :( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) المائدة : ٢ .

(٢) الحج : ٣٢ .

(٣) الحج : ٣٦ .

٩

د ـ قوله تعالى :( إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ ) (١) .

والتعبير فيهما بلفظ (من) التبعيضية يكشف عن كون البُدن والصفا والمروة من مصاديق الشعائر ، من دون التعرّض نفياً أو إثباتاً للمصاديق والأفراد الأخرى للشعائر ، ممّا يدلل على الإيكال إلى العرف الذي ذكرناه .

وأمّا كلمات العلماء من الفقهاء والمحدثين من أهل السنّة في هذا المجال ، والتي تؤكّد على فهمهم لعمومية مفهوم الشعيرة والشعائر وشموله لجميع معالم الدين الإسلامي ، فهي كثيرة جداً ، ونقتصر على ما نصّ عليه فقهاء السنّة ومحدّثوهم :

قال القرطبي :( مِن شَعَائِرِ اللهِ ) أي : من معالمه ومواضع عبادته وهي جمع شعيرة )(٢) .

وقال أيضاً : ( سمّي مشعراً من الشعار وهو العلامة )(٣) .

وأخرج عن عطاء قوله : ( شعائر الله جميع ما أمر ونهى عنه وقال الحسن : دين الله كله ) ، وقال بعد ذلك : ( قلت : وهذا القول هو الراجح الذي يقدم على غيره لعمومه )(٤) .

وقال أيضاً في موضع آخر من تفسيره : ( فشعائر الله أعلام دينه )(٥) .

ــــــــــــــ

(١) البقرة : ١٥٨ .

(٢) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ٢ ص ١٨٠ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٤٢ .

(٤) المصدر نفسه : ج ٦ ص ٣٧ .

(٥) المصدر نفسه : ج ١٢ ص ٥٦ .

١٠

وقال كذلك : ( وترك الصلاة والآذان فيه ترك إظهار شعائر الإسلام )(١) .

وقال المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي : ( قال في تفسير الخازن : شعائر الله أعلام دينه وأصلها من الإشعار وهو الإعلام ، واحدتها شعيرة ، وكلّ ما كان معلماً لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة من شعائر الله ، ومشاعر الحج معالمه )(٢) .

وقال النووي في كتابه الفقهي (المجموع) : ( وقوله [أي صاحب المهذّب] شعائر الإسلام هي جمع شعيرة بفتح الشين ، قال أهل اللغة والمفسّرون : هي متعبّدات الإسلام ، ومعالمه الظاهرة ، مأخوذة من شعرت أي : علمت ، فهي ظاهرات معلومات )(٣) .

هـ ـ وأخرج الطبري عن عطاء ، أنّه : ( فسّر الشعائر في الآية :( لاَ تُحِلّوا شَعَائِرَ اللهِ ) ، لا تستحلّوا أيّها الذين آمنوا معالم الله ، فيدخل في ذلك معالم الله معالم الله كلها في مناسك الحج ، من تحريم ما حرّم الله إصابته فيها على المحرم وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها ، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه لأنّ الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده ، وإحلالها نهياً عاماً من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء )(٤) .

و ـ ما رواه الطبرسي عن الحسن البصري قال : ( الشعائر شعائر الله ، وهو الدين كله )(٥) وهذا تعميم في موضوع الشعائر أيضاً .

ــــــــــــــ

(١) المصدر السابق نفسه : ج ٥ ص ١٦٠ .

(٢) تحفة الأحوذي ، المباركفوري : ج ٣ ص ٥٠٩ .

(٣) المجموع ، محيي الدين النووي : ج ٣ ص ٨٠ .

(٤) جامع البيان ، ابن جرير الطبري : ج ٦ ص ٧٤ .

(٥) زاد المسير ، ابن الجوزي : ج ٢ ص ٢٣٢ .

١١

ز ـ وورد التعميم للشعائر أيضاً عن عكرمة ، حيث قال : ( إنّ شعائر الله هي حدوده )(١) .

وأمّا الأمور التي عدّها العلماء والفقهاء من مصاديق شعائر الله والدين والإسلامي ، فهي كثيرة جداً ، نستعرض منها ما يلي :

١ ـ ( الصلاة والزكاة والحج والصوم ؛ لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها )(٢) .

٢ ـ ( هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء )(٣) .

٣ ـ ( من شعائر الله الوقوف والرمي والطواف والسعي )(٤) .

٤ ـ ( الأذان والإقامة من شعائر الإسلام فتختص بالفرائض )(٥) .

وفي بدائع الصانع قال : ( والأذان والإقامة ، لأنّهما من شعائر الإسلام فتختص بالفرائض )(٦) وفي مواهب الجليل قال : ( ولأنّ الإقامة من شعائر الدين )(٧) وقال ابن قدامة في الأذان : ( لأنّه من شعائر الإسلام الظاهرة ، فكان فرضاً كالجهاد )(٨) .

ــــــــــــــ

(١) زاد المسير ، ابن الجوزي : ج ٢ ص ٢٣٢ .

(٢) شرح مسلم ، النووي : ج ١ ص ١٤٨ .

(٣) شرح مسلم ، النووي : ج ٦ ص ٧٠ ؛ الديباج على مسلم ، السيوطي : ج ٢ ص ٣٨٥ ؛ عون المعبود ، العظيم آبادي : ج ٤ ص ٢٢٦ .

(٤) تحفة الأحوذي ، المباركفوري : ج ٣ ص ٥٠٣ ؛ ونحوه المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ج ٤ ص ٣٦٠ .

(٥) كشف القناع ، البهوتي : ج ١ ص ٢٧٣ ؛ ونحوه المجموع ، النووي : ج ٣ ص ٨٠ ؛ ونحوه المغني ، ابن قدامة : ج ١ ص ٤٢٧ .

(٦) بدائع الصنائع ، أبو بكر الكاشاني : ج ١ ص ١٧١ .

(٧) مواهب الجليل ، الرعيني : ج ٣ ص ٥ .

(٨) المغني ، ابن قدامة : ج ١ ص ٤٢٧ .

١٢

٥ ـ ( صلاة العيد لأنّها من شعائر الإسلام )(١) .

٦ ـ النوري وغيره قالوا : ( الفقهاء والمتفقّهين يجب إكرامهم وتعظيم حرماتهم )(٢) ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى :( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ، وقوله قال :( وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللهِ ) .

٧ ـ وقد أوجب النووي الجهاد إذا تُرك صلاة العيد ، حيث قال : ( يقاتلون لأنّه من شعائر الإسلام ، وفي تركها تهاون بالشرع )(٣) .

٨ ـ ( من فروض الكفايات إحياء الكعبة والمواقف التي هُناك كل سنة بالزيارة مرّة ؛ لأنّ ذلك من شعائر الإسلام )(٤) .

٩ ـ ما قاله ابن قدامة وغيره : ( الجمعة من أعظم شعائر الإسلام )(٥) .

١٠ ـ ( رفع الصوت بالتكبير من شعائر الإسلام وأعلام الدين )(٦) .

١١ ـ ( صلاة الجماعة من شعائر الإسلام )(٧) .

١٢ ـ ( السلام من شعائر الإسلام )(٨) .

ــــــــــــــ

(١) فتح العزيز ، الرافعي : ج ٥ ص ٦٣؛ مغني المحتاج ، الشربيني : ج ١ ص ٣١٠ ؛ بدائع الصنائع : ج ١ ص ٢٧٥ .

(٢) المجموع ، النووي : ج ١ ص ٢٤ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٥ ص ٢ .

(٤) مغني المحتاج ، الشربيني : ج ٤ ص ٢١٢ .

(٥) بدائع الصنائع ، أبو بكر الكاشاني : ج ١ ص ٢٦٩ ؛ الشرح الكبير ، ابن قدامة : ج ٢ ص ٢٢٤ .

(٦) المغني ، ابن قدامة : ج ٢ ص ٢٢٦ ؛ بدائع الصنائع ، أبو بكر الكاشاني : ج ١ ص ١٩٨ .

(٧) بدائع الصنائع ، أبو بكر الكاشاني : ج ١ ص ٢٩٨ .

(٨) المصدر نفسه : ج ٧ ص ١١٣ .

١٣

١٣ ـ ( لأنّ النفل الزيادة وهو زائد على الفرض مع أنّه من شعائر الدين العامة )(١) .

١٤ ـ ( إنّ الختان سنّة وهو من شعائر الإسلام وخصائصه )(٢) .

١٦* ـ ( اللعان شعيرة من شعائر الإسلام )(٣) .

وهذا فضلاً عن أقوال علماء مذهب الإمامية الذين ذهبوا إلى تعميم الشعائر لجميع معالم الدين .

وخلاصة ما تقدّم من الآيات القرآنية والروايات وأقوال العلماء : إنّ الشعائر بمفهومها الشرعي لا تختص بمناسك الحج ، أو بخصوص العبادات ، وإنّما تشمل كلّ ما له دور في إظهار المعالم الأساسية والرئيسة في الشريعة ، ونشر أحكام الدين ، فلم يتصرّف الشارع في كيفية تطبيقها وتحقيقها خارجاً إلاّ في بعض الموارد ، إذن تبقى بعض المصاديق التطبيقية لمفهوم الشعائر على ما هي عليه في العرف ، كما هو الحال في البيع في قوله تعالى :( وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا ) ، حيث ترك الشارع المقدّس تعيين أفراد ومصاديق حقيقة وماهيّة البيع إلى ما عليه العرف .

إيكال الشعائر إلى العرف هل يستلزم البدعة ؟

لأجل اتضاح المطلوب ينبغي الإشارة إلى حقيقة مهمة يذكرها علماء الأصول ، ويمكن تقريبها بمثال ، كما في الاحترام ، فإنّ الاحترام حكم أوّلي يحكم به العقل والشرع ، إلاّ أنّ مصاديقه وطرق التعبير عنه متغيّرة ومستجدة ، تتخذ أشكالاً مختلفة ومتنوعة ، فالبعض يستخدم القيام وسيلة وعلامة لإبداء الاحترام والتعظيم ، والبعض يجعل المصافحة باليد أو بالإيماء بالرأس أو السجود وسيلة لذلك ، إلاّ أنّ علم القانون ـ سواء الوضعي أم الشرعي ـ لا يعد هذه التغيرات في الأفراد والمصاديق تغيّراً في الحكم الأوّلي للاحترام .

ــــــــــــــ

(١) حاشية رد المحتار ، ابن عابدين : ج ١ ص ١١١ .

(٢) البحر الرائق : ج ٩ ص ٣٥٩ ؛ الدر المختار ، الحصكفي : ج ٧ ص ٣٤٢ .

* يبدو أنّ الرقم ١٦ في التسلسل غير صحيح وقد اكتفينا بالإشارة إلى ذلك [ الشبكة ] .

(٣) حاشية الدسوقي : ج ٢ ص ٤٦٤ .

١٤

كذلك من الأمثلة قوله تعالى :( وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعْتُم مِن قُوّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ ) (١) .

فالقوّة سواء كانت ضمن أساليب القتال القديمة ، كالسيف والجواد والسهم ونحوها ، أو الحديثة كالطائرات والمدافع والدروع ونحوها ، فإنّ جميع ذلك يعد من القوّة التي يجب إعدادها ، فالقوّة ذات مصاديق متعددة ، لكن وجوب إعداد القوّة ثابت في الشريعة ولم يتغيّر .

وعلى ضوء ذلك ، يتضح أنّ أصل حكم الشعائر ووجوب تعظيمها ثابت في الشريعة ، لأجل دورها الإعلامي الفاعل في إحياء الدين ، إلاّ أنّ مصاديقها متغيّرة وموكولة إلى العرف .

وعلى هذا الأساس نفهم الفرق بين مؤدّى( مَن سنّ سنّة حسنة ) وبين موارد حرمة البدعة ، حيث إنّه في موارد البدعة لم يكن هناك أي دليل ، أو مستند يُعتمد عليه ، بينما في موارد السُنّة الحسنة إنشاء عادات وتطبيقات للشعائر الدينية في المجتمع ذات طابع اجتماعي يكون لها الدور الأساس في إبراز معالم الدين ، فهي تستند إلى الدليل الشرعي ، ومقنّنة ضمن الشروط الشرعية .

ــــــــــــــ

(١) الأنفال : ٦٠ .

١٥

نعم لابد في الشيء المستجد من مصاديق الشعيرة أن يكون حلالاً مباحاً في نفسه ، بخلاف البدعة ، حيث تكون سبباً لنشر الرذائل بين الناس بشكل تتحول إلى ظاهرة اجتماعية ثابتة من دون أن يكون لها أي غطاء شرعي ؛ وبذلك يتحمّل محدثها الوزر المضاعف كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن سنّ سنّة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً )(١) .

أدلّة إقامة المآتم والحزن والبكاء

في مقام ذكر الأدلة التي تساق لإثبات مشروعية هذه الشعائر نواجه نوعين من الأدلة :

النوع الأوّل : الأدلة العامة

وهي التي دلّت على رجحان التعظيم وإقامة الشعائر التي لها دور الإعلام الديني ، فبعد أن أثبتنا أنّ الشعائر والشعار يستخدم في مورد الإعلام للمعاني الدينية بأدوات حسّيّة – كل ما أعلم وذكّر بالله تعالى ، أو بفكرة وعقيدة منتسبة له عزّ وجلّ كأمره ونهيه ، فهو شعار وشعيرة دينية – يتضح الأمر في المآتم والشعائر الحسينية من البكاء والحزن وإقامة المجالس وغيرها ، حيث إنّها تنهض بدور عظيم في التذكير والإعلام بالأهداف التي خرج من أجلها الإمام الحسينعليه‌السلام سبط النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ــــــــــــــ

(١) سنن ابن ماجة ، ابن ماجه : ج ١ ص ٧٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢ ص ٣١٥ .

١٦

وخامس أصحاب أهل الكساء ، والتي يقع في مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرحعليه‌السلام بذلك مراراً ، حيث قالعليه‌السلام :( بأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ومفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١)

وقال أيضاًعليه‌السلام :( إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض وأبطلوا الحدود وشربوا الخمور ، واستأثروا بأموال الفقراء والمساكين ، وأنا أولى مَن قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا ) (٢) ، وقالعليه‌السلام :( مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل بعباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ) (٣) .

حيث يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الدينية التي أكّدت عليها الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى :( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٤) .

وقوله تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) الفتوح ، ابن أعثم : ج ٥ ص ٢١ .

(٢) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : ج ٢ ص ١٤٠ ؛ وقريب منه تاريخ الطبري: ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٣) تاريخ الطبري ، الطبري : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) آل عمران : ١٠٤ .

(٥) آل عمران : ١١٠ .

١٧

وقوله تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللهُ إِنّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) .

وقوله تعالى :( الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (٢) .

وقوله تعالى :( الّذِينَ إِن مَكّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللّهِ‏ِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) (٣) .

وقوله تعالى :( يَا بُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى‏ مَا أَصَابَكَ إِنّ ذلِكَ مِنْ عَزِمِ الأُمُورِ ) (٤) .

إذن هذه الشعائر والمجالس والمواكب الحسينية وما تتخذ من أشكال مختلفة والمعبّرة عن الأسى والحزن ، ليست سلوكاً سلبياً خالياً من الأهداف والنتائج التي تُسهم في الرقي الديني للمجتمع ، ولا هي مجرد تقاليد اجتماعية فارغة من الأفكار والمفاهيم الرسالية ، وإنّما هذه الشعائر تعبر عن البعد الرسالي في الشخصية الإسلامية بما تحمل من رؤى وأفكار ومتبنيات رسالية ، فهي تشكّل جزءاً أساسياً في شخصية الفرد ، ولما تقوم به من دور مؤثر في ربط الفرد المسلم بالأهداف الرسالية التي نهض من أجلها الإمام الحسينعليه‌السلام ، فتكون هذه المآتم والبكاء والحزن وإقامة

ــــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

(٢) الأعراف : ١٥٧ .

(٣) الحج : ٤١ .

(٤) لقمان : ١٧ .

١٨

المجالس من أفراد ومصاديق شعائر الله ، التي حثّ عليها القرآن الكريم ؛ وذلك لدخولها تحت قوله تعالى :( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) .

النوع الثاني : الأدلة الخاصة

وهي الأدلّة الواردة في خصوص مشروعية إقامة مآتم الحزن والبكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام ، نشير إلى بعضها ضمن النقاط التالية :

الدليل الأوّل : الحزن والبكاء سنّة تكوينية

إنّ البكاء الذي هو تعبير عن الحزن سنّة إلهية تكوينية ، كما في قوله تعالى :( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) (٢) ، فالآية المباركة تنفي بكاء السماء والأرض على هلاك قوم فرعون الظالمين المفسدين في الأرض ، وهذا يعني أنّ السماء والأرض لها القابلية على البكاء والحزن ، وإلاّ فلا معنى للنفي ، بل إنّ الذي يفهم من الآية المباركة هو أنّ السماء والأرض تبكيان على مَن يستحق البكاء ؛ ولذا ورد في كثير من الروايات ذكر بكاء السماء والأرض على المؤمن ، وإليك بعضها :

١ ـ ما أخرجه الطبري في تفسيره عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله تعالى :( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ، قال : ( بقاع المؤمن التي كان يصلّي فيها من الأرض تبكي عليه إذا مات ، وبقاعه من السماء التي يرفع

ــــــــــــــ

(١) الحج : ٣٢ .

(٢) الدخان : ٢٩ .

١٩

فيها عمله )(١) .

٢ ـ وفي الدّر المنثور عن مجاهد وابن عباس : ( الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً )(٢) .

٣ ـ وفي تفسير القرطبي : ( ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلاّ شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت )(٣) .

٤ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، ألا لا غربة على مؤمن ، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلاّ بكت عليه السماء والأرض ) ، ثم قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ثم قال :( إنّهما لا يبكيان على كافر ) (٤) .

٥ ـ وأخرج ابن المبارك ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر من طريق المسيب بن رافع ، عن عليعليه‌السلام ، قال :إنّ المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاّه من الأرض ومصعد عمله من السماء ، ثم تلا :( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) (٥) .

٦ ـ ( ما من ميت يموت إلاّ تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً )(٦) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير القرآن ، الصنعاني : ج ٣ ص ٢٠٨ ؛ جامع البيان ، الطبري : ج ٢٥ ص ١٦٢ .

(٢) المستدرك ، الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٩ [وقال فيه] صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ؛ شعب الإيمان ، البيهقي : ج ٣ ص ١٨٣ ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج ٤ ص ٥٧٧ ؛ الدّر المنثور ، السيوطي : ج ٧ ، ص ٤١٢ ؛ المصنف في الأحاديث والآثار ، ابن شيبة : ج ٧ ص ١٣٦ .

(٣) تفسير القرطبي : ج ١٦ ص ١٤١ .

(٤) تفسير الطبري ، الطبري : ج ١١ ص ١٣٧ .

(٥) مسند ابن الجعد ، علي بن الجعد : ص ٣٣٥ .

(٦) الدّر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٣١ .

٢٠