الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ٢

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 343

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 343
المشاهدات: 216702
تحميل: 7899


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216702 / تحميل: 7899
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المصالح ) )(١) .

فلا شك أنّ هذه الآية المباركة صريحة في جواز التقية ومشروعيّتها في الإسلام ، وأنّها من الإيمان ولا توجب كفر ونفاق صاحبها ، وقد فهم الجواز من هذه الآية الكريمة أكثر المفسّرين والفقهاء كما سيأتي ذكر ذلك في نقطة لاحقة .

ولا يخفى أنّ الاستثناء في الآية منقطع ؛ إذ التولّي ظاهري فقط من غير عقد القلب على الحب والولاية ، وهو ليس من التولّي الواقعي في شيء ؛ لأنّ الحب والتولّي أمران قلبيّان ، وهما لم يتحققا من المتقي الذي قلبه مطمئن بالإيمان .

٢ـ قوله تعالى :( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

تقدّم في استعراض الأقوال السابقة أنّ هذه الآية المباركة من موارد التقية ، وقد استدل بها المفسّرون والفقهاء على جواز التقية ومشروعيتها ، فالآية الكريمة صريحة في جواز إظهار كلمة الكفر كُرهاً ومجاراة للكافرين ، وأنّ مَن نطق بكلمة الكفر مكرهاً وقاية لنفسه من الهلاك وقلبه مطمئن بالإيمان ـ لا شارحاً بالكفر صدراً ـ لا يُعدّ كافراً ، بل يكون معذوراً ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار بن ياسر ، الذي هو مورد نزول الآية المباركة :( إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ) .

ثم إنّ هذه الآية المباركة مكّيّة نزلت قبل الهجرة باتفاق العلماء والمفسّرين ، ممّا يعني أنّ تشريع التقية كان في الصدر الأول للإسلام ، وليس ذلك إلاّ لكونها منسجمة مع مرونة وسماحة الدين الإسلامي الحنيف ، بل التقية كانت موجودة في الشرائع السابقة أيضاً ، كما سوف يتضح في بعض الآيات اللاحقة

ــــــــــــــ

(١) تفسير المراغي : ج١ ص ٤٨٦ .

(٢) النحل : ١٠٦ .

٢٠١

٣ـ قوله تعالى :

( وَقَالَ رَجُلٌ مؤْمِنٌ مِّنْ آل فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (١) .

وهذه الآية المباركة صريحة أيضاً في تقية ذلك الرجل المؤمن من آل فرعون ، حيث كان يكتم إيمانه عن فرعون وملئه ، ولم يصرّح لهم ذلك المؤمن ، كما في الآية المباركة بأنّه على دين موسى ، بل أوهم أنّه مع فرعون وعلى دينه ، إلاّ أنّه زعم أنّ المصلحة تقتضي ترك قتل موسى ؛ لأنّه لم يصدر عنه إلاّ الدعوة إلى الله مع إثبات ذلك عن طريق البينات والمعجزات ، وهذا لا يوجب القتل ، فيكون قتله مثلاً من القبائح التي لا تتناسب مع مقام فرعون ، وهذا تظاهر من ذلك المؤمن بمظهر الناصح الشفيق عليهم والحريص على مصالحهم ، وأنّه لا يهمّه أمر موسىعليه‌السلام بمقدار ما يهمّه مصلحة فرعون وقومه ، وأنّه إن كان كاذباً فعليه كذبه ، وإن كان صادقاً فيما يقول ستصيبهم الندامة ويحلّ بهم ما وعدهم من العذاب الأليم ؛ لتكذيبهم الأنبياء وقتلهم .

وقد مدح الله عزّ وجلّ ذلك المؤمن على تقيته ، حيث سمّاه مؤمناً ، مستحسناً منه ما قام به من دور مهم لإنقاذ موسىعليه‌السلام .

ــــــــــــــ

(١) غافر : ٢٨ .

٢٠٢

قال القرطبي في تفسير هذه الآية المباركة : ( إنّ الرجل إذا نوى الكفر بقلبه كان كافراً وإن لم يتلفّظ بلسانه ، وأمّا إذا نوى الإيمان بقلبه فلا يكون مؤمناً بحال حتى يتلفّظ بلسانه ، ولا تمنعه التقية والخوف من أن يتلفظ بلسانه فيما بينه وبين الله تعالى ، إنّما تمنعه [ التقية ] من أن يسمعه غيره ، وليس من شرط الإيمان أن يسمعه الغير في صحته من التكليف ، وإنّما يشترط سماع الغير له ليكف عن نفسه وماله )(١) .

وقال تاج الدين الحنفي أيضاً تحت ذيل هذه الآية المباركة : ( وهذا استدراج إلى الاعتراف بالبينات بالدلائل على التوحيد وأبدى ذلك في صورة احتمال ونصيحة ، وبدأ في التقسيم بقوله :( وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ) مداراة منه وسلوكاً لطريق الإنصاف في القول ، وخوفاً إذا أنكر عليهم قتله أنّه ممّن يعاضده وينصره ، فأوهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره ، ويكون ذلك أدنى إلى تسليمهم )(٢) .

وقال الآلوسي في تفسيره : ( ثم إنّ الرجل احتاط لنفسه خشية أن يعرف اللعين حقيقة أمره فيبطش به ، فتلطّف في الاحتجاج ، فقال :

 ( وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ) لا يتخطّاه وبال كذبه )(٣) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير القرطبي : ج ١٥ ص ٢٧٠ .

(٢) الدرّ اللقيط ، تاج الدين الحنفي : ج٧ ص ٤٥٨ .

(٣) روح المعاني ، الآلوسي : ج٢٤ ص ٦٤ .

٢٠٣

وقال المراغي أيضاً في تفسيره : ( وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه منهم خوفاً على نفسه : أينبغي لكم أن تقتلوا رجلاً ما زاد على أن قال : ربّي الله ، قد جاءكم بشواهد دالّة على صدقه ؟ ومثل هذه المقالة لا تستدعي قتلاً ولا تستحق عقوبة فاستمع فرعون لكلامه ، وأصغى لمقاله وتوقّف عن قتله )(١)

والحاصل : إنّ الآية صريحة في انطباق ماهية التقية على مؤمن آل فرعون ؛ لأنّه ابتلي بالكتمان والحذر في مورد الخوف من أكبر جبار على وجه الأرض في زمانه وهو فرعون ، وهذا هو مفهوم التقية ، وهو ما فهمه جملة المفسّرين .

وهذا يكشف عن سبق تشريع التقية عن الإسلام ، خصوصاً وأنّ مؤمن آل فرعون كان مؤمناً بشريعة موسىعليه‌السلام كما نصّ على ذلك المحدّثون والمفسّرون ، فلا يمكن أن تكون تقيته مخالفة لشريعة موسى وقد وصفه الله تعالى بالإيمان .

٤ـ قوله تعالى حكاية عن أصحاب الكهف :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ منْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ) (٢) .

فقد صرّح المفسّرون بأنّ المراد من التلطّف في الآية الكريمة هو التقية ، والإيصاء بها .

قال القرطبي في تفسيره : ( في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أنّ الوكالة إنّما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم )(٣) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير المراغي : ج٨ ص٣٠٩ – ٣١٠ .

(٢) الكهف : ١٩ـ ٢٠ .

(٣) تفسير القرطبي : ج١٠ ص٣٧٦ .

٢٠٤

وقال الفخر الرازي : ( وقوله :( وَلْيَتَلَطَّفْ ) أي يكون ذلك في سر وكتمان )(١) .

أضف إلى ذلك تقيّتهم وكتمان إيمانهم عن ملكهم الكافر دقيانوس ، ولهذا ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام قوله :( ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف ، إن كانوا ليشهدون الأعياد ويشدون الزنانير ، فأعطاهم الله أجرهم مرّتين ) (٢) .

وهذه الآية دالة أيضاً على مشروعية التقية في الشرائع السابقة على الإسلام

جواز التقية ومشروعيتها في السنّة النبوية

لقد تواترت الروايات النبوية الدالة على مشروعية التقية ، وإليك نبذة ممّا ورد في الكتب الحديثية السنّيّة :

١ـ أخرج الطبري في تفسيره ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، قال : ( أخذ المشركون عمار بن ياسر ، فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئناً بالإيمان ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :فإن عادوا فعد )(٣) .

وفي لفظ آخر أنّه قيل بشأن عمّار : ( يا رسول الله ، إنّ عماراً كفر ، فقال :كلاّ ، إنّ عماراً مليء إيماناً من فرقه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه ،

ــــــــــــــ

(١) التفسير الكبير : ج٢١ ص١٠٤ .

(٢) أصول الكافي : ج٢ ص٢١٨ .

(٣) تفسير الطبري ، جامع البيان الطبري : ج ١٤ ص٢٣٧ .

٢٠٥

فأتى عمار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي ، فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه ويقول :مالك ! إن عادوا لك فعد لهم لما قلت )(١) .

وهذه الروايات التي هي سبب نزول قوله تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) صريحة في جواز التقية .

٢ـ أخرج السيوطي وغيره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( بئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم بالتقية والكتمان ) (٢) ، وهذه الرواية أخذت التقية والكتمان وجوازهما مفروغاً عنه ، ثم ذمّت القوم الذين يُلجئون صاحب التقية على الكتمان والتقية معهم .

وقال المناوي في ذيل هذه الرواية في شرحه للجامع الصغير : ( أي يتقي شرّهم ويكتم عنهم حاله ؛ لما علمه منهم أنّهم بالمرصاد للأذى والإضرار ، إذا رأوا سيئة أفشوها وإذا رأوا حسنة كتموها وستروها ، ومن ثمّ استعاذ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّن هذا حاله كما تقدم في أدعيته ، فيظهرون الصلح والأخوة والاتفاق وباطنهم بخلافه )(٣) .

وجاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً :( إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ويل للذين يختلون الدنيا بالدين وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية ، إيّاي يغرون أم عليّ يجترئون ، فإنّي حلفت لأتيحنّهم فتنة تترك الحليم منهم حيران ) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي : ج٢٠ ص ١٢٤ .

(٢) الجامع الصغير ، السيوطي : ج١ ص ٤٩١ ح٣١٨٦ ؛ لسان الميزان : ج٣ ص ١٢٨ ؛ تفسير القرطبي : ج٤ ص٤٦ .

(٣) فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج٣ ص ٢٧٩ .

(٤) تاريخ اليعقوبي : ج٢ ص ١٠١ .

٢٠٦

٣ـ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا إيمانَ لمَن لا تقيّة له ) (١) ، وفي كنز العمال نقل عن عليعليه‌السلام أنّه قال :( لا دين لمَن لا تقية له ) (٢) وسيأتي بيان مضمون هذه الرواية في الأبحاث اللاحقة .

٤ـ كذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا جاءه جبرائيلعليه‌السلام فأخبره بما يكون في أُمّته من الفرقة والاختلاف فشقّ ذلك عليه ، ثم دعا فقال :( اللّهمّ أظهر عليهم أفضلهم تقية ) (٣) ، وهذه الرواية شاملة للتقية من الله تعالى ، بمعنى الخوف والحذر من قهره وبطشه نتيجة عصيان وتمرّد العبد على ربّه ، وكذلك شاملة للتقية باصطلاحها اللغوي والشرعي ، بمعنى اتقاء الغير للخوف من ضرره .

٥ـ ما أخرجه البخاري وغيره ، عن عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّه استأذن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ، أو بئس أخو العشيرة ، فلمّا دخل ألان له الكلام ، فقلت : يا رسول الله ! قلت : ما قلت ، ثم ألنت له في القول ؟! فقال : أي عائشة إنّ شرّ الناس منزلة عند الله مَن تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه )(٤) . وهذه من التقية الجائزة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ ليس فيها إخلال في الوصول إلى الحق ، وإلاّ فإنّه لا تقية فيما يتعلّق بأصل الدعوة والدين والوحي الذي لا يُعلم إلاّ بتبليغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ إنّ التقية في هذا المقدار يوجب الإغراء بالقبيح ، وهو لا يمكن صدوره من المعصوم .

والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتقي في هذا الحديث أحد رعيته اتقاء فحشه .

ــــــــــــــ

(١) المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ج٧ ص ٦٤٣ ؛ كنز العمال : ج٣ ص ٩٦ ح٥٦٦٥ .

(٢) كنز العمال : ج٣ ص٩٦ ح٥٦٦٥ .

(٣) تفسير الطبري : ج٧ ص ٢٩٣ ح١٠٤٢٠ .

(٤) صحيح البخاري ج٧ ص١٠٢ ، كتاب الأدب ، باب المداراة مع الناس .

٢٠٧

٦ـ أخرج البخاري أيضاً ، عن عبد الله بن عمر ، عن عائشة قالت : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : ( ألم تري أنّ قومك لمّا بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم ؟ فقلت : يا رسول الله ، ألا تردّها على قواعد إبراهيم ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت )(١) .

وفي لفظ آخر : ( سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحجر ، فقال : هو من البيت ، قلت : ما منعهم أن يدخلوه فيه ؟ قال : عجزت بهم النفقة ، قلت : فما شأن بابه مرتفعاً لا يُصعد إليه إلاّ بسلّم ؟ قال : ذلك فعل قومك ، ليدخلوه مَن شاؤوا ويمنعوه مَن شاؤوا ، ولولا أنّ قومك حديث عهد بكفر مخافة أن تنفر قلوبهم ، لنظرت هل أُغيره فأدخل فيه ما انتقص منه وجعلت بابه بالأرض )(٢) .

وفي لفظ ثالث لأحمد بن حنبل أخرجه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لولا أنّ قومك حديث عهد بشرك أو بجاهلية لهدّمت الكعبة فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين ، باباً شرقياً وباباً غربياً ، وزدت فيها من الحجر ستة أذرع ، فإنّ قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة )(٣) ، وهذه الرواية على اختلاف ألفاظها تكشف عن تقية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش مخافة أن تنفر قلوبهم لحداثة عهدهم بالكفر والشرك والجاهلية .

٧ـ عن ابن عمر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج٢ ص١٥٦ ، كتاب الحج ، باب فضل مكة وبنيانها .

(٢) سنن بن ماجة ، محمد يزيد القزويني : ج٢ ص ٩٨٥ .

(٣) مسند أحمد : ج٦ ص ١٧٩ – ١٨٠ .

٢٠٨

على أذاهم ) (١) .

٨ـ أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي ذر ، قال : ( قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا أبا ذر ، كيف أنت إذا كنت في حثالة ، وشبك بين أصابعه ، قلت : يا رسول الله ، ما تأمرني ، قال :اصبر اصبر اصبر ، خالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم ) .

قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )(٢) .

وهذه الروايات ونظائرها صريحة في التقية ، إذ لا يمكن مخالقة حثالة الناس بأخلاقهم من غير تقية.

٩ـ عن ابن عمر أيضاً ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : (لا ينبغي لمؤمن أن يُذل نفسه ، قيل : يا رسول الله ، وكيف يذل نفسه ؟ قال :أن يتعرّض من البلاء لما لا يطيق )(٣) ، ولا شك أنّ موارد التقية تشتمل على فنون الإذلال والإهانة التي لا تنبغي للمؤمن ، وسيأتي أنّ ابن عمر فهم من هذه الرواية التقية ؛ ولذا اتقى الحجّاج في بعض خطبه على المنبر .

١٠ـ أخرج أحمد بن حنبل عن عكرمة قوله : ( مكث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة خمس عشرة ، منها أربع أو خمس يدعو إلى الإسلام سرّاً وهو خائف )(٤) .

ــــــــــــــ

(١) سنن ابن ماجة : ج٢ ص١٣٣٨ ح٤٠٣٢ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص٣٤٣ .

(٣) المعجم الكبير ، الطبراني : ج١٢ ص٣١٢ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج٧ ص٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، وقال فيه : (رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، وإسناد الطبراني في الكبير جيد ، ورجاله رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير ، ذكره الخطيب روى عنه جماعة ولم يتكلم فيه أحد .

(٤) كتاب العلل ، أحمد بن حنبل : ج٢ ص٥٩٠ ح٣٨٠١ ؛ وكذا في الدر المنثور ، السيوطي : ج٤ ص١٠٨ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج٥ ص ٣٦١ .

٢٠٩

وليس ذلك إلاّ إشفاقاً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الدين الإسلامي وأتباعه ، فالدعوة إلى الدين الإسلامي بدأت من دائرة التقية والسرّ والكتمان خوفاً من ضرر قريش ومكرها ، فدعوة الإصلاح إذاً وتغيير المجتمع تلازمها التقية إذا كانت تلك الدعوة وأتباعها في حالة من الاستضعاف والاضطهاد والقتل والتشريد .

١١ـ الحديث المتواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الله تجاوز عن أُمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ) (١) .

وقد صحّح هذا الحديث الحاكم في المستدرك(٢) والنووي في المجموع(٣) وابن حجر في فتح الباري(٤) والهيثمي في مجمع الزوائد ، حيث قال : ( رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن مصفى ، وثقه أبو حاتم وغيره وفيه كلام لا يضر ، وبقية رجاله رجال الصحيح )(٥) .

وهذا الحديث الشريف صريح في جواز التقية والإتيان بما أكره عليه الشخص ؛ لأنّه تقدم سابقاً أنّ الإكراه من أوضح موارد التقية .

وبهذا نخلص إلى أنّ الآيات القرآنية والروايات النبوية ناصّة على جواز التقية ومشروعيتها في الإسلام .

وقد تابع العلماء في أقوالهم ، والمسلمون في سيرتهم الجو القرآني والروائي الناصّ على جواز التقية كما سيأتي لاحقاً .

ــــــــــــــ

(١) صحيح ابن حبان : ج١٦ ص ٢٠٢ ؛ سنن ابن ماجة : ج١ ص٦٥٩ ، وأخرجه في حديث ابن عباس إلاّ أنّه بلفظ وضع بدل رفع ؛ سنن البيهقي ج٧ ص٣٥٦ ، باب مَن لا يجوز إقراره ؛ الأم ، الشافعي : ج ٧ ص ٣٤٧ .

(٢) المستدرك : ج٢ ص ١٩٨ .

(٣) المجموع : ج٢ ص ٢٦٧ .

(٤) فتح الباري : ج٥ ص ١١٦ ، وأخرجه بلفظ : ( رفع الله عن أمتي ) وقال : رجاله ثقات وهو حديث جليل قال بعض العلماء : ( ينبغي أن يعد نصف الإسلام ) .

(٥) مجمع الزوائد : ج٦ ص٢٥٠ .

٢١٠

مشروعية التقية في أقوال الصحابة والتابعين وأعلام السنّة

لم يشكك أحد من علماء السنّة وفقهائهم في جواز التقية في الإسلام واستمرار حكمها وجوازها إلى يومنا هذا ، ونقدم على أقوالهم ذكر بعض أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم :

أقوال الصحابة في التقية

١ـ أخرج ابن حزم وغيره عن الحارث بن سويد قال : ( سمعت عبد الله بن مسعود يقول : ما من ذي سلطان يريد أن يكلّفني كلاماً يدرأ عنّي سوطاً أو سوطين إلاّ كنت متكلّماً به ) .

وقال ابن حزم عقيب كلام بن مسعود : ( ولا يعرف له من الصحابة مخالف )(١) ، وقوله هذا صريح في اتفاق جميع الصحابة على جواز التقية ولو في حال الخوف من سوط واحد من سياط السلطان الجائر .

٢ـ أخرج ابن عساكر وغيره عن أبي الدرداء قوله : ( ألا أنبئكم بعلامة العاقل ؟ يتواضع لمَن فوقه ولا يزري بمَن دونه ويمسك الفضل من منطقه ، يخالق الناس بأخلاقهم ويحتجز الإيمان فيما بينه وبين ربّه جلّ وعز وهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان )(٢) .

ــــــــــــــ

(١) المحلّى ، ابن الحزم : ج٨ ص ٣٣٦ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٧ ص ١٧٥ .

٢١١

٤ـ أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة قوله : ( حفظت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاءين ، فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم )(١) ، وهذه تقية واضحة من أبي هريرة ، وذلك لأجل الفتن والاختلافات التي وقعت بعد وفات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ـ قال السرخسي في المبسوط : ( وقد كان حذيفة ممّن يستعمل التقية ، على ما روي أنّه يداري رجلاً ، فقيل له : إنّك منافق ! فقال : لا ، ولكنّي أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه ، وقد ابتلى ببعض ذلك في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على ما روي أنّ المشركين أخذوه واستحلفوه على أن لا ينصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة ، فلمّا تخلّص منهم جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بذلك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أوف لهم بعهدهم ونحن نستعين بالله عليهم )(٢) .

٦ـ أخرج الهيثمي وغيره عن مجاهد بن جبر ، عن ابن عمر ، قال : ( سمعت الحجّاج يخطب ، فذكر كلاماً أنكرته ، فأردت أن أغيّر ، فذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ، قيل : يا رسول الله ، وكيف يذل نفسه ؟ قال :أن يتعرض من البلاء لما لا يطيق )(٣) .

٧ـ ما جاء عن ابن عباس قوله : ( التقية باللسان(٤) ، مَن حُمل على أمر يتكلّم

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج٧ ص١٠٢ ، كتاب الأدبـ باب المدارة مع الناس .

(٢) صحيح البخاري : ج١ ص ٣٨ ، كتاب العلم باب ما يستحب للعالم إذا سئل .

(٣) المبسوط : ج٢٤ ص ٤٦ .

(٤) المعجم الكبير ، الطبراني : ج١٢ ص٣١٢ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج٧ ص٢٧٤ ـ ٢٧٥ .

٢١٢

به وهو لله معصية ، فتكلّم مخافة على نفسه ، وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه )(١) .

٨ـ أخرج أبو حيان الأندلسي في تفسيره عن ابن عباس أيضاً أنّه قال في التقية :

( [إنّها] مداراة ظاهرة ، [أي] يكون [المؤمن] مع الكفّار وبين أظهرهم فيتقيهم بلسانه ، ولا موّدة لهم في قلبه )(٢) .

٩ـ وأخرج الطبري عن ابن عباس أيضاً قوله : ( فأمّا مَن أكره ، فتكلّم به لسانه وخالفه قلبه لينجو بذلك من عدوّه ، فلا حرج عليه ؛ لأنّ الله سبحانه إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم )(٣)

١٠ـ قول ابن عباس : ( التقية باللسان مَن حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله ، فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإنّ ذلك لا يضره )(٤) .

١١ـ وروى القرّافي المالكي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يقول : ( إنّا لنكشّر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم ) ، ثم علّق عليه قائلاً : ( يريد : الظلمة والفسقة الذين يتقي شرّهم ، ويتبسّم في وجوههم )(٥) .

وأقوال الصحابة في هذا المجال كثيرة جدّاً اقتصرنا على ذلك رعاية للاختصار .

ــــــــــــــ

(١) جامع البيان ، الطبري : ج٣ ص٣١٠ .

(٢) البحر المحيط ، أبو حيان الأندلسي : ج٢ ص ٤٤١ .

(٣) جامع البيان : ج ١٤ ص ٢٣٨ .

(٤) فتح القدير ، الشوكاني : ج١ ص٣٣٢ .

(٥) الفروق : ج٤ ص ٢٣٦ .

٢١٣

أقوال التابعين في التقية

١ـ عن علي بن حوشب ، عن مكحول ، قال : ( ذلّ مَن لا تقيّة له )(١) ، ولعلّه أراد الإشارة إلى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ) .

٢ـ ونقل البخاري في صحيحه عن الحسن [البصري] أنّه قال : ( التقيّة إلى يوم القيامة )(٢) وفي لفظ آخر عن عوف عن الحسن البصري أنّه قال : ( التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة )(٣) .

٣ـ عن سوار بن عبد الله ، قال : إنّ ميموناً ـ ميمون بن مهران ـ كان جالساً وعنده رجل من قرّاء الشام ، فقال : ( إنّ الكذب في بعض المواطن خير من الصدق ، فقال الشامي : لا ، الصدق في كل المواطن خير ، فقال ميمون : أرأيت لو رأيت رجلاً يسعى وآخر يتبعه بالسيف ، فدخل الدار فانتهى إليك ، فقال : أرأيت الرجل ؟ ما كنت قائلاً ؟ قال : كنت أقول : لا ! قال : فذاك )(٤) .

٤ـ أخرج الطبري وغيره عن عيسى وابن أبي نجيح ، عن مجاهد :( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) قال : ( إلاّ مصانعة في الدنيا ومخالقة )(٥) .

ــــــــــــــ

(١) طبقات المحدّثين بأصبهان ، عبد الله بن حيان : ج٤ ص ١٧٦ .

(٢) صحيح البخاري : ج٨ ص٥٥ ، كتاب الإكراه .

(٣) المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ج٧ ص٦٤٣ ؛ تفسير القرطبي ، القرطبي : ج١٠ ص١٩٠ ؛ فتح الباري ، ابن حجر : ج١٢ ص٢٧٩ ؛ انظر : فتح القدير ، الشوكاني : ج١ ص٣٣٢ ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج٢ ص١٦ ؛ معاني القرآن ، النحاس : ج١ ص٣٨٣ ؛ المبسوط ، السرخسي : ج٢٤ ص٤٥ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج٦١ ص٣٦٦ ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج٢٩ ص٢٢٣ ؛ كتاب الصمت وأدب اللسان ، ابن أبي الدنيا : ص٢٥١ .

(٥) جامع البيان ، الطبري : ج٣ ص٣١٠ .

٢١٤

أقوال أعلام السنّة في التقيّة

اتفقت كلمة أعلام السنّة على جواز التقية وقد تقدم ذكر بعضها ، ونذكر بعضها الآخر على سبيل المثال :

١ـ قال النووي : ( لا مبالاة بإثبات التقية وجوازها ، وإنّما تكره عامة الناس لفظها ؛ لكونها من معتقدات الشيعة ، وإلاّ فالعالم مجبول على استعمالها ، وبعضهم يسمّيها مداراة ، وبعضهم مصانعة ، وبعضهم عقلاً معاشياً ، ودلّ عليها دليل الشرع ) .

٢ـ استدلّ النووي على جواز التقية بما استدلّ به القرطبي على جوازها ، حيث قال القرطبي في تفسيره مستدلاً على جواز التقية : ( قال تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ) وقال :( إلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) وقال :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ ) وقال :( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ) فعذر الله المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر الله به ، والمكره لا يكون إلاّ مستضعفاً غير ممتنع من فعل ما أمر به ؛ قاله البخاري )(١) ، فعقّب النووي على هذا قائلاً : ( فلمّا سمح الله عزّ وجل بالكفر به لمَن أكره وهو أصل الشريعة ولم يؤاخذ به ، حمل عليه أهل العلم فروع الشريعة كلّها ، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم ، وبه جاء الأثر المشهور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) )(٢) .

ــــــــــــــ

(١) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي : ج١٠ ص١٨٢ .

(٢) المجموع ، النووي : ج١٨ ص٩ .

٢١٥

٣ـ قول السرخسي في المبسوط واستدلاله على جواز التقية ، وقد تقدّم سابقاً .

٤ـ قال الشوكاني في تفسيره تعقيباً على آية التقية : ( وفي ذلك دليل على جواز المولاة لهم مع الخوف منهم ، ولكنّها تكون ظاهراً لا باطناً )(١) ، وقال أيضاً تعقيباً على آية الإكراه المتقدمة ، بعد نقل قول القرطبي المتقدم وارتضائه : ( وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أنّ هذه الرخصة المذكورة في هذه الآية إنما جاءت في القول ، وأمّا في الفعل فلا رخصة مثل أن يكره على السجود لغير الله ، ويدفعه ظاهر الآية ، فإنّها عامة فيمَن أكره من غير فرق بين القول والفعل ، ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول ، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ كما تقرر في علم الأصول )(٢) .

٥ـ قال ابن الجوزي في تفسيره عقيب آية الإكراه : ( الإكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها )(٣) .

٦ـ وقال الزمخشري في تفسيره حول آية التقية : ( رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة مخالقة ومعاشرة ظاهرة ، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء ، وانتظار زوال المانع من قشر العصا ، كقول عيسى صلوات الله عليه :( كن وسطاً وامش جانباً ) )(٤) .

ــــــــــــــ

(١) فتح القدير ، الشوكاني : ج١ ص٣٣١ .

(٢) فتح القدير ، الشوكاني : ج٣ ص١٩٧ .

(٣) زاد المسير ، ابن الجوزي : ج٤ ص٣٦٢ .

(٤) الكشاف ، الزمخشري : ج١ ص٤٢٢ .

٢١٦

٧ـ وذكر البيضاوي أيضاً كلاماً قريباً من قول الزمخشري ، حيث قال : ( منع في موالاتهم ظاهراً وباطناً في الأوقات كلّها إلاّ وقت المخافة ، فإن إظهار الموالاة حينئذٍ جائز ، كما قال عيسىعليه‌السلام : كن وسطاً وامش جانباً )(١) .

٨ـ وقال ابن كثير في تفسيره : ( وقوله :( إلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً) أي : إلاّ مَن خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيّته ، كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنّه قال : إنّا لنكشّر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم )(٢) .

٩ـ قول أبي بكر الحداد في تفسيره تحت ذيل آية التقية : ( أي : إلاّ أن يحصل المؤمن في أيدي الكفّار يخاف على نفسه فيداهنهم فيرضيهم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ، فهو مرخص له في ذلك ، كما روي أنّ مسيلمة الكذاب لعنه الله أخذ رجلين من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لأحدهما : أتشهد أنّ محمداً رسول الله ؟ قال : نعم قال : أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : نعم قال للآخر : أتشهد أنّ محمداً رسول الله ؟ قال : نعم قال أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : إنّي أصم فأعاد عليه السؤال ثلاثاً ، فأجاب في كل مرة بهذا الجواب ، فضرب مسيلمة عنقه ، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال :( أمّا المقتول فمضى على صدقه ويقينه فهنيئاً له ، وأمّا الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه ) )(٣) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير البيضاوي ، البيضاوي : ج٢ ص٢٥ .

(٢) تفسير ابن كثير : ج١ ص٣٦٥ .

(٣) تفسير الحداد : ج٢ ص٣٩ .

٢١٧

١٠ـ وأمّا الفخر الرازي فقد ذكر أحكاماً كثيرة حول التقية ، منها قوله : ( الحكم الخامس : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( حرمة مال المسلم كحرمة دمه ) ولقوله :صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن قتل دون ماله فهو شهيد ) ولأنّ الحاجة إلى المال شديدة ـ إلى أن قال : ـ الحكم السادس : وروى عوف عن الحسن : أنّه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان )(١) .

١١ـ قال الأندلسي في تفسيره البحر المحيط : (( إلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) : هذا استثناء مفرّغ من المفعول له ، والمعنى : لا يتخذوا كافراً وليّاً لشيء من الأشياء إلاّ لسبب التقية ، فيجوز إظهار الموالاة باللفظ والفعل دون ما ينعقد عليه القلب والضمير )(٢) .

١٢ـ وقال ابن حجر العسقلاني حول آية التقية : ( ومعنى الآية : لا يتخذ المؤمن الكافر وليّاً في الباطن ولا في الظاهر ، إلاّ للتقية في الظاهر ويجوز أن يواليه إذا خافه ، ويعاديه باطناً )(٣) .

١٣ـ وقال الجصاص في أحكام القرآن : ( قوله تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) روى معمر عن عبد الكريم عن أبي عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر قال : أخذ المشركون عماراً وجماعة معه ، فعذبوهم حتى قاربوهم في بعض ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : كيف كان قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان ، قال : فإن عادوا فعد ، قال أبو بكر : هذا أصل في جواز

ــــــــــــــ

(١) تفسير الفخر الرازي ، الرازي : ج٨ ص١٥ .

(٢) تفسير البحر المحيط : ج٢ ص٤٤١ – ٤٤٢ .

(٣) فتح الباري : ج١٢ ص٢٧٨ .

٢١٨

إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه ، والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمره به ، فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر ويعارض بها غيره إذا خطر ذلك بباله ، فإن لم يفعل ذلك مع خطوره بباله كان كافراً ، قال محمد بن الحسن : إذا أكرهه الكفار على أن يشتم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخطر بباله يشتم محمداً آخر غيره فلم يفعل وقد شتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كافراً وقال : ما أكره عليه أو فعل لم يكن كافراً إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان )(١) .

ثم قال : ( وقال أصحابنا فيمن أكره بالقتل وتلف بعض الأعضاء على شرب الخمر أو أكل الميتة لم يسعه أن لا يأكل ولا يشرب ، وإن لم يفعل حتى قتل كان آثم ؛ لأنّ الله تعالى قد أباح ذلك في حال الضرورة عند الخوف على النفس ، فقال : ( ما اضطررتم إليه ) )(٢) .

نكتفي بهذا المقدار من الأقوال ؛ لأنّ هذه المسألة ـ وهي جواز التقية ـ لم تقتصر على أقوال متناثرة من هنا وهناك ، بل صرّح الكثير من العلماء بالإجماع على ذلك ، وإليك أقوال بعض مَن صرّح بالإجماع :

قال الشوكاني : ( أجمع أهل العلم على أنّ مَن أُكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر )(٣) .

وقال القرطبي : ( أجمع أهل العلم على أنّ مَن أكره على الكفر حتى

ــــــــــــــ

(١) أحكام القرآن : ج٣ ص٢٤٩ .

(٢) أحكام القرآن : ج٣ ص٢٥١ .

(٣) فتح القدير ، الشوكاني : ج٣ ص ١٩٧ .

٢١٩

خشي على نفسه القتل ، أنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان )(١) .

وقال ابن كثير في تفسيره : ( اتفق العلماء على أنّ المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته ، ويجوز له أن يأبى )(٢) .

وقال جمال الدين القاسمي الشامي في محاسن التأويل : ( ومن هذه الآية( إلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) استنبط الأئمّة مشروعية التقية عند الخوف ، وقد نقل الإجماع على جوازها )(٣) .

وقد تقدّم قول المراغي : ( وقد استنبط العلماء من هذا الآية [ آية التقية ] جواز التقية )(٤) .

وتقدّم أيضاً التصريح بالإجماع في كلمات الجصاص وغيره فراجع .

التقيّة في سيرة المسلمين

لقد تعاطى المسلمون مع مبدأ التقية منذ الصدر الأول في الإسلام ، ومارسوها كأيّ مفردة من المفردات الإسلامية المشرّعة في الدين الإسلامي ، بل الذي يتصفح سيرة المسلمين في التاريخ الإسلامي يجد أنّ التقية من المبادئ المتجذّرة لديهم على جميع مستوياتهم ، فقد مارس التقية الصحابة والتابعين والعلماء وعامة الناس ، ونستعرض فيما يلي بعض تلك المواقف تجاه مبدأ التقية الذي أمضاه القرآن والسنّة النبوية بعد أن كان مشرّعاً في الديانات السابقة :

ــــــــــــــ

(١) تفسير القرطبي : ج١٠ ص١٨٢ .

(٢) تفسير ابن كثير : ج٢ ص ٦٠٩ .

(٣) محاسن التأويل : ج٤ ص ١٩٧ .

(٤) تفسير المراغي : ج١ ص٤٨٦ .

٢٢٠