الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ٢

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 343

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 343
المشاهدات: 216782
تحميل: 7899


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216782 / تحميل: 7899
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والحاصل : إنّ تقية المداراة عبارة عن إنشاء علاقات ودّية فرديّة واجتماعيّة ودوليّة ، وفتح لغة الحوار وملاحظة الرأي والرأي الآخر ، ودعوة إلى الوحدة الإسلامية وإنشاء مجتمع واحد متماسك كالبنيان المرصوص ، يدعو إلى السلام ويحترم الأعراف الدوليّة والرسومات الاجتماعيّة .

٥ ـ حفظ الأقليّات الدينية

لا شك أنّ مبدأ التقية مع ثبوت مشروعيته يكون سلاحاً فطرياً ناجعاً لكل أقلية دينيّة تكون السلطة الحاكمة قاهرة لها ، تمنعها من إبداء رأيها بطلاقة وحرّية .

٢٨١

الفصل السادس : إبطال دعوى أنّ جواز المتعة عند الشيعة نحو من أنحاء الزنا

لعدم وجود الدليل على شرعيّتها وتحريمها من قِبل علماء السلف

جواز المتعة في الشريعة الإسلامية

الشبهة

إنّ دعوى جواز المتعة عند الشيعة ، نحو من أنحاء الزنا ، ولا يوجد دليل على حلّيّة هذا النوع من المقاربة الذي تسمّيه الشيعة بالزواج المنقطع ، وهو من الأمور التي حرّمها السلف

الجواب :

لا ريب أنّ المتعة من أقسام الزواج التي أثبتتها الشريعة الإسلامية بنص الكتاب والسنّة الشريفة ، بل لم نجد أحداً من المسلمين يختلف في تشريعها في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكل ما حصل بشأنها هو أنّ عمر بن الخطاب قد منعها وعاقب عليها ، ولأجل تصحيح موقف عمر من المتعة ؛ ظهرت عدّة ادعاءات لتبرير موقفه ، منها أنّ التحريم والمنع بدأ من عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ القرآن قد نسخ آية المتعة ونحوها .

ولأجل بيان الحقيقة وإيضاحها سوف نلج في البحث من الزوايا التالية :

الأُولى : الزواج المؤقّت في الكتاب والسنّة .

الثانية : هل نُسخ حكم الزواج المؤقّت ؟

الثالثة : موقف الصحابة والتابعين من الزواج المؤقّت .

٢٨٢

الزواج المؤقّت في القرآن الكريم

لقد أجمع العلماء بالاتفاق على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم وتفاوت عصورهم من الصدر الأوّل حتى عصرنا الحاضر على أنّ الله تعالى قد أنزل في كتابه العظيم آية تشريع نكاح المتعة في سورة النساء وهي قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) فهذه الآية صريحة في الدلالة على تشريع الزواج المؤقّت ، إلاّ أنّ البعض شذّ عن ذلك وأخذ يؤوّلها ويصرف تفسيرها عن الحقيقة التي نزلت من أجلها .

والشيء الملفت في تأويلهم للآية هو اضطرابهم في التأويل ، فتارة يؤوّلونها بأنّها محمولة على الزواج الدائم ، وأخرى يدعون بأنّها في خصوص الزواج المؤقّت ، وهم مع ذلك يدّعون نسخها ، ثم إنّ الذين يدّعون نسخها ينقسمون على أنفسهم ، فمنهم مَن يقول إنّها نسخت قرآنياً ، ومنهم من يقول إنّ السنّة النبوية هي الناسخة لها ، وكل فريق يضطرب في أدلّته التي يستعرضها لإثبات مدّعاه .

ولأجل إيضاح هذه الحقيقة من زاويتها الشرعية وإقامة الدليل الشرعي على إثباتها ، فسوف نسوق عدداً من الحجج الثابتة من نفس كتب المانعين ؛ لأنّه أقوى للبرهان وأبلغ في الحجّة والإقناع .

١ـ أخرج البخاري عن عمران بن حصين الصحابي المشهور ، قال : (عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل قرآن يحرّمها ولم ينه عنها ، حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء ، قال محمد يقال : إنّه عمر )(٢)

٢ـ وأخرج أحمد في مسنده من طريق عمران القصير عن أبي رجاء عن

ــــــــــــــ

(١) النساء : ٢٤ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٥ ص ١٥٨ ؛ كتاب تفسير القرآن ، باب قوله : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة .) .

٢٨٣

عمران بن الحصين قال : ( نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات )(١) .

٣- قرأ جماعة من الصحابة منهم أُبي بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود :

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمبِهِ منْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، وفي هذه القراءة صراحة واضحة بأنّ المقصود هو المتعة ، وممّا يشهد على ذلك ما ذكره الطبري في تفسيره عن حبيب ابن أبي ثابت ، قال : ( أعطاني ابن عباس مصحفاً ، فقال : هذا على قراءة ( أُبي ) قال أبو كريب ، قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير فيه :( فمَا اسْتَمْتَعْتُم به مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مسَمّىً ) (٢) .

وبإسناده عن أبي نضرة قال : ( سألت ابن عباس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء ، قال : قلت : بلى ، قال : فما تقرأ فيها :( فمَا اسْتَمْتَعْتُم به مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً ) ؟ قلت : لا ، لو قرأتها هكذا ما سألتك ، قال : فإنّها كذا )(٣) .

٤- ذكر ابن حزم الأندلسي إمام أهل الظاهر : ( إنّ نكاح المتعة كان حلالاً في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم نسخ على لسان رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٤) ، فقوله : كان حلالاً على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدل على وجود نص قرآني بذلك ، وغيرها من الشواهد .

المتعة في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عندما نرجع إلى عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنرى متى شُرّعت المتعة وكيفية تقبّل وتعاطي المسلمين مع هذا النوع من الزواج ، سوف نجد أنّ كبار الصحابة ، بل المسلمين قاطبة آنذاك استقبلوا هذا الحكم والتشريع لهذا الصنف من الزواج من دون أن ينتابهم التردد أو التوقّف أو الاستغراب ، وقد اخترنا طائفة من الروايات التي يرويها أغلب كبار القائلين بحرمة المتعة :

ــــــــــــــ

(١) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٤ ص٤٣٦ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج٥ ص١٨ .

(٣) جامع البيان ، الطبري : ج٥ ص١٨ .

(٤) انظر : المحلى ، ابن حزم الاندلسي : ج٩ ص ٥١٩ .

٢٨٤

ومن هذه الروايات

أوّلاً : أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : ( كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لنا شيء ، فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ، ثم قرأ علينا( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) )(١) ولا يخفى أنّ استشهادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية يتضمّن إنكاره للقول بالتحريم ، مع الالتفات أيضاً إلى أنّ هذه الآية محكمة ومطلقة وشاملة للاستمتاع بكل الطيبات بما في ذلك متعة النساء .

ثانياً : أخرج البخاري أيضا عن عمران بن حصين قال : ( نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها ، حتى ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رجل برأيه ما شاء )(٢) ، قال الرازي في تفسيره : ( قال رجل برأيه ما شاء يريد أنّ عمر نهى عنها )(٣) ، وأخرج أحمد في مسنده نفس ما

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج٦ ص١١٩ ، كتاب النكاح ، باب ما يكره من التبتل والخصاء ؛ صحيح مسلم : ج٤ ص١٣٠ .

(٢) صحيح البخاري : ج٥ ص١٥٨ ؛ كتاب تفسير القرآن ، باب وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم ) .

(٣) تفسير الخفر الرازي ، الرازي : ج١٠ ص٥٥ .

٢٨٥

أخرجه البخاري عن عمران بن حصين ولكن من طريق عمران القصير(١) .

وهذه الرواية واضحة في أنّ تشريع وحلّيّة المتعة متعارف بين المسلمين إلى أن حرّمها عمر بن الخطاب .

ثالثاً : جاء في مسند أحمد : ( عن عبد الرحمان بن نعم أو نعيم الأعرجي ـ شك أبو الوليد ـ قال : سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده متعة النساء ، فقال : والله ما كنّا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين )(٢) .

رابعاً : أخرج مسلم في باب نكاح المتعة في صحيحه عن عطاء قال : ( قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثم ذكروا المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر الخ )(٣) .

وكذا أخرج مسلم عن أبي نضرة قال : ( كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم نهانا عنها عمر فلم نعد لهما )(٤) .

وأخرج مسلم أيضاً عن أبي الزبير قال : ( سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث )(٥) .

ــــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج٤ ص٤٣٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ٢ ص ٩٥ ؛ مسند أبي يعلى الموصلي : ج١٠ ص٦٨ ؛ مجمع الزوائد : ج٧ ص٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، قال فيه : ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال ثقات ) .

(٣) صحيح مسلم : ج٤ ص١٣١ .

(٤) صحيح مسلم : ج٤ ص٥٩ ، ج٤ ص١٣١ ؛ وكذا جاء في السنن الكبرى : ج٧ ص٢٠٦ .

(٥) صحيح مسلم : ج٤ ص١٣١ ؛ السنن الكبرى : ج٧ ص٣٣٧ ـ ٣٣٨ ؛ سنن أبي داود ، السجستاني : ج١ ص٤٦٨ ؛ شرح مسلم ، النووي : ج٩ ص١٨٣ ؛ فتح الباري ، ابن حجر : ج٩ ص١٧٣ ؛ عون المعبود : ج٦ ص١٠٠ ـ ١٠١ ؛ ج١٠ ص٣٤٩ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج٧ ص٥٠٠ .

٢٨٦

خامساً : ما رواه مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير : ( إنّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت إنّ ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعاً يجر رداءه فقال : هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت )(١) ولا يخفى أنّ الظاهر من استمتاع ربيعة بن أمية ، ومن قول عمر يتضح أنّ المتعة كانت حلالاً حتى وقعة عمرو بن حريث ؛ لهذا لم يقم عمر بإقامة الحد على ربيعة بن أمية ، كما يعرب كلام أبي حفصة بعدم وقوعه عنه ؛ ولذا ذكر عمر كلمة الرجم للتشديد في التهديد لأنّه يعلم بعدم جواز إيقاعه بمَن نكح بالعقد المنقطع .

سادساً : ما نقله ابن رشد في كتابه ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) عن ابن عباس أنّه قال : ( ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله عزّ وجل رحم بها أُمّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولولا نهي عمر عنها ما اضطرّ إلى الزنا إلاّ شقيّ )(٢) .

وقد وردت هذه الرواية عن ابن جريح وعمرو بن دينار(٣) .

وأخرج الصنعاني عن عطاء قال : ( قدم جابر ابن عبد الله ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثم ذكروا له المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها ، فقالت : نعم ، قال : مَن أشهد ؟ قال عطاء : لا أدري ،

ــــــــــــــ

(١) الموطأ : ج٢ ص٥٤٢ .

(٢) بداية المجتهد والمقتصد : ج٢ ص٤٧ .

(٣) المصدر نفسه : ج٢ ص٤٧ .

٢٨٧

قالت : أمي ، أم وليّها ، قال : فهلا غيرهما ، قال : خشي أن يكون دغلاً الآخر ، قال عطاء : وسمعت ابن عباس يقول : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عزّ وجلّ ، رحم بها أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شقي ، قال : كأنّي والله أسمع قوله : إلاّ شقي ـ عطاء القائل ـ قال عطاء : فهي التي في سورة النساء( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) إلى كذا وكذا من الأجل ، على كذا وكذا ، ليس بتشاور ، قال : بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل ، وأن يفرقا فنعم ، وليس بنكاح )(١)

وورد عن عطاء قال : ( سمعت جابر بن عبد الله يقول : تمتعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ، ثم نهى عنها عمر الناس )(٢) .

سابعاً : ذكر ابن حزم الأندلسي في كتابه المحلى أسماء الأشخاص الذين أصرّوا على تحليل نكاح المتعة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم من الصحابة : ( أسماء بنت أبي بكر ، وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد أبناء أمية بن خلف ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر )(٣)

والملاحظة الجديرة بالالتفات أنّ ابن حزم مع نقله ذلك في كتابه المحلى من أسماء الصحابة القائلين بشرعية الزواج المؤقّت ، إلاّ أنّه ذهب إلى حرمتها مستدلاً بإجماع المتأخّرين ، ولعلّه عمل بالتقية ارتكازاً ؛ خشية مخالفة الرأي العام الذي يتمتع بقوّة وسلطان مؤثّر في قلب الحقائق مهما كان حجمها ودورها في الشريعة الإسلامية .

ــــــــــــــ

(١) المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني ج ٧ ص ٤٩٧ ، وذكرها مسلم في صحيحه : ج٤ ص١٣١؛ مسند أحمد : ج٣ ص٣٨ ؛ وغيرها .

(٢) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ابن رشد الحفيد : ج٢ ص٤٧ .

(٣) المحلى ، ابن حزم الأندلسي : ج٩ ص٥١٩ .

٢٨٨

ثامناً : من الأخبار المقطوع بها أيضاً ما رواه الراغب الأصفهاني في كتابه ( الموسوم بالمحاضرات ) ، حيث ذكر العبارة التالية : ( إنّ عبد الله بن الزبير عيّر ابن عباس بتحليله المتعة ، فقال له ابن عباس : سل أمّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك ، فسألها ، فقالت : ما ولدتك إلاّ بالمتعة )(١) .

هل نُسخت المتعة أم لا ؟

تضاربت آراء الذين تشددوا في حرمة الزواج المؤقّت ، وتباينت في كيفية النسخ وطرقه ، وفي تعيين الناسخ الأصلي للمتعة إلاّ أنّ هذه الآراء لم ترسوا على يقين واطمئنان ، وكل هذه الجهود التي بذلت لأجل تصحيح موقف عمر بن الخطاب ، لم تكن موفّقة ، فالبعض قال : إنّها منسوخة بالقرآن ، وانقسم هؤلاء على أقوال :

القول الأوّل :

إنّها منسوخة بقوله تعالى :

( إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) (٢) .

القول الثاني :

إنّها منسوخة بقوله تعالى :( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (٣) فإنّ الأمر بالعدّة في هذه الآية ينسخ حكم المتعة التي لا طلاق فيها ولا عدّة .

القول الثالث :

إنّما نسخت بقوله تعالى :( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) الراغب الأصفهاني : محاضرات الأدباء ج٢ ص٢١٤ ؛ وكذا في العقد الفريد : ج٢ ص١٣٩ .

(٢) المؤمنون : ٦ ـ ٧ .

(٣) الطلاق : ١ .

(٤) النساء : ١٢ .

٢٨٩

القول الرابع : إنها منسوخة بقوله تعالى :( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم منَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) حيث قالوا إن الآية اقتصرت في تشريع الزواج على الدائم وملك اليمن.

مناقشة الأقوال

١ـ مناقشة الاستدلال بآية المؤمنين وهي قوله تعالى :( إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) (١) وحاصل استدلالهم هو أنّ الحلية منحصرة في الزوجات وما ملكت أيمانهم ، فتبقى الزوجة المؤقّتة في دائرة الحرمة .

والمناقشة في ذلك واضحة لأنّه :

أوّلاً : المتعة زواج والمتمتع بها زوجة حقيقة والآية شاملة لها ، فلا تعارض بين هاتين الآيتين وبين آية المتعة .

ثانياً : إنّ هاتين الآيتين مكّيّتان ، أمّا آية المتعة فهي مدنيّة ، ولا يمكن نسخ المتقدّم للمتأخّر .

٢ـ مناقشة الاستدلال بآية الطلاق

حيث استدل القائل بالنسخ بأن آية المتعة نسخت بآية الطلاق ، وهي قوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مبَيِّنَةٍ وَتِلْكَحُدُودُ اللهِ وَمَن

ــــــــــــــ

(١) المؤمنون : ٦ـ٧ .

٢٩٠

يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (١) وإنّ المتعة لا طلاق فيها ولا عدّة ويلاحظ عليه :

أوّلاً * : إنّ الزوجة المؤقّتة ليست مستثناة من العدّة ، غاية الأمر أنّ الاختلاف في مدّة العدة ، ومرد هذا إلى التخصيص لا إلى النسخ كما هو الحال في عدة السرية فإنّ عدتها أقل من عدة المطلقة عند جميع الإمامية وجمهور أهل السنّة عدا أبو داود(٢) ، وأُلغيت العدة تماماً من غير المدخول بها وعن اليائس وإن دخل بها ، وعدة الوفاة وعدة الحامل متماثلة في كلا القسمين من الزواج .

نعم ، اختص الطلاق بالقسم الأول من الزواج وهو الدائم دون المنقطع ، والسبب وراء ؛ ذلك واضح لأنّ العلاقة الدائمة هي التي تحتاج إلى إعلان عن إنهاء العلاقة عند حصول سبب طارئ معيّن ، أمّا الزواج المؤقّت فلا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنّه ينقضي بانقضاء وقته .

٣ـ مناقشة الاستدلال بآية المواريث

حيث استدلوا بآية الإرث على نسخ الزواج المؤقّت ، باعتبار أنّ الزواج المؤقّت لا ميراث فيه ويلاحظ عليه :

أوّلاً : إنّ الإرث لا يلازم الزوجية ، فهنالك مواضع لا ترث فيها الزوجة رغم كونها زوجة ، كالزوجة القاتلة والزوجة الكافرة ، بينما هنالك من خرجن عن رابطة الزوجية ومع ذلك يرثن كما هو الحال في المطلقة في حال المرض الذي مات فيه زوجها بعد خروج العدة وقبل انقضاء الحول .

ــــــــــــــ

(١) الطلاق : ١ .

* لا يوجد ( ثانياً ) لسبب فني أو سهو علمي ! [ الشبكة ] .

(٢) أصل الشيعة وأصولها : كاشف الغطاء ص٢٥٥ .

٢٩١

ثانياً : إنّ الزوجة المؤقتة ترث إذا شرطت ذلك .

ثالثاً : من موارد النقض على مدعي النسخ ، إن جمهور أهل السنة يجيزون نكاح الكتابية لكنهم يُجمعون بأن لا توارث بينها وبين زوجها المسلم وهذا تخصيص منهم لحكم الإرث ، فما المانع من تخصيص الزوجة المؤقتة من آية الإرث ولا يثبت لها إلاّ بالشرط .

٤ـ مناقشة الاستدلال بآية العدد

( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) (١) .

ويلاحظ عليه

بأنّها متقدمة زماناً بالنزول على آية المتعة ولا يعقل أن ينسخ المتقدّم المتأخّر عنه زمناً .

وخلاصة القول إنّ الزواج المؤقّت زواج اختارته الشريعة الإسلامية ، واختلافه عن الزواج الدائم في بعض الأحكام نتيجة ورود أدلة مخصصة للعمومات الواردة في أحكام الزوجة الدائمة ، وهذا لا يخرجه من كونه زواجاً شرعياً أحلّه الله في كتابه وسنّة نبيّه

روايات مناهضة لزعم النسخ القرآني

وهنالك ثمّة روايات متضافرة يسطّرها العامة أنفسهم تفنّد وتدحض مزاعم وادعاءات النسخ لآية المتعة ومن هذه الروايات .

ــــــــــــــ

(١) النساء : ٣ .

٢٩٢

١ـ ما تقدّم من قول عمران بن حصين الصحابي المشهور ، حيث قال : ( نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينهى عنها ، حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء قال محمد يقال إنّه عمر )(١) .

٢ـ وأخرج الإمام أحمد في مسنده من طريق عمران القصير عن أبي رجاء عن عمران الحصين قال : ( نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) .

٣ـ روى جماعة من الصحابة الكرام منهم أبي بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود أنهم قرأوا آية المتعة هكذا : (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن أجورهن)(٣) وفي هذه القراءة صراحة واضحة بأنّ المقصود وهو المتعة ، وممّا يشهد على ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسيره عن حبيب أبي ثابت قال : ( أعطاني ابن عباس مصحفاً ، فقال : هذا على قراءة ( أبي ) ، قال أبو كريب ، قال يحيى فرأيت المصحف عند نصير فيه : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى الخ )(٤) .

وبإسناده عن أبي نضرة قال : ( سألت ابن عباس عن المتعة ، فقال أما تقرأ

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج٥ ص١٥٨ ، كتاب تفسير القرآن ، باب وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة .

(٢) مسند أحمد : ج٤ ص٤٣٦ .

(٣) جامع البيان ، الطبري : ج٥ ص١٨ .

(٤) المصدر نفسه : ج٥ ص١٨ .

٢٩٣

سورة النساء ؟ قال : قلت : بلى ، قال : فما تقرأ : ( فما استمتعتم منهن إلى أجل مسمّى الخ ) قلت : لا ، لو قرأتها هكذا ما سألتك ! قال : إنّها كذا )(١)

٤ـ ذكر الإمام ابن حزم الأندلسي إمام أهل الظاهر : ( إنّ نكاح المتعة كان حلالاً في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نسخ على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) فقوله كان حلالاً على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يدل على وجود نص قرآني بذلك وغيرها من الشواهد .

ومنها ما ورد عن الزمخشري عن ابن عباس قال : ( إنّ آية المتعة هي محكمة ـ أي آية المتعة ـ يعني لم تنسخ )(٣) .

٥ـ وكذا روى القرطبي عن ابن عباس أيضاً إنّ آية المتعة لم تنسخ وكان يقرأ الآية ( إلى أجل مسمى ) وكان يقول : ( ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي )(٤) .

٦ـ وفي الدر المنثور قال : ( أخرج عبد الحميد وابن جرير بن الأنباري والحاكم وصحيحة من طرق عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عباس ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) قال ابن عباس : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فقلت : نقرؤها كذلك فقال ابن عباس : والله ، لأنزلها الله كذلك )(٥) .

ــــــــــــــ

(١) المصدر نفسه : ج٥ ص١٨ .

(٢) انظر : المحلى ، ابن حزم الأندلسي : ج٩ ص٥١٩ .

(٣) الكشاف : الزمخشري : ج ١ ص٢٤٨ .

(٤) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي : ج٥ ص١٣٠ .

(٥) الدر المنثور : ج٢ ص١٤٠ .

٢٩٤

٧ـ وروى الثعلبي عن شعبة عن الحاكم قال : ( سألته عن هذه الآية ( فما استمتعتم به منهن ) أمنسوخة هي ؟ قال : لا ، قال : الحاكم : قال علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) :لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي )(١) ومثله في الدر المنثور(٢) وتفسير الرازي(٣) ، والبحر المحيط لأبي حيان(٤) ، وجامع البيان لابن جرير الطبري(٥) .

ادعاء نسخ آية المتعة بأحاديث السنّة

وذكروا في ذلك عدّة روايات وهي :

١ـ عن علي أنّه قال لابن عباس : ( إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر )(٦) .

٢ـ عن الياس بن سلمة ، عن أبيه قال : ( خص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ، ثم نهى عنها )(٧) .

٣ـ عن الربيع بن سيرة الجهني أنّ أباه حدثه أنه كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ( يا أيّها الناس ، إنّي قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإنّ الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، فمَن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله

ــــــــــــــ

(١) تفسير الثعلبي : ج٣ ص٢٨٦ .

(٢) الدر المنثور : ج ٢ص١٤٠ .

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ، الفخر الرازي : ج١٠ ص٥٠ .

(٤) البحر المحيط ، أبو حيان الأندلسي : ج ٣ ص٢٦ .

(٥) جامع البيان ، ابن جرير الطبري : ج٥ ص١٩ .

(٦) صحيح البخاري : ج٦ ص١٢٩ ، كتاب النكاح ، باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة .

(٧) صحيح مسلم : ج٤ ص١٣١ .

٢٩٥

ولا تأخذوا ممّا آتيتموهن شيئاً )(١) .

٤ـ وعن عبد الملك بن الربيع بن سيرة الجهني عن أبيه عن جده قال : ( أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها )(٢) .

مناقشة هذه الدعوى

الملاحظة الأُولى : إنّ أخبار التحريم آحاد ، والنسخ لا يثبت بأخبار الآحاد في قبال صريح القرآن الكريم .

الملاحظة الثانية : إنّ روايات التحريم معارضة بروايات أخرى مستفيضة ومصحّحة ومعتمدة من قِبل أهل السنّة ، كصحيح البخاري ومسلم وسنن البيهقي ومسند أحمد بن حنبل وغيرها .

الملاحظة الثالثة : غلبة الاضطراب والتناقض في روايات التحريم فبعضها يقول : إنّ التحريم صدر يوم خيبر وأخرى في يوم أوطاس أو يوم الفتح وثالثة في تبوك ، ورابعة في عمرة القضاء ، وخامسة في حجّة الوداع ، بحيث وصل الأمر بمسلم أن يعقد باباً بعنوان : ( باب نكاح المتعة وبيان أنّه أُبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم أبيح ثم نسخ ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة )(٣) وهذا يكشف عن التناقض والاضطراب بين القائلين بالنسخ .

ــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ج٤ ص١٣٢ .

(٢) صحيح مسلم : ج٤ ص١٣٣ .

(٣) صحيح مسلم : ج٢ ص١٠٢١ ، كتاب النكاح ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، نشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

٢٩٦

الملاحظة الرابعة : إنّ روايات التحريم تتنافى وتصطدم بجملة من الروايات الكثيرة المعتبرة عند العامة ، وفي مصادر عديدة في التفسير والحديث والتاريخ ، من أنّ النهي عن المتعة إنّما صدر في عهد خلافة عمر بن الخطاب واليك جملة من الروايات المثبتة لذلك .

١ـ اخرج مسلم في صحيحه بالإسناد إلى أبي نضرة قال : ( كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرتُ ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحج والعمرة كما أمركم الله ، وأبتّوا نكاح هذه النساء ، فلن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة )(١) .

٢ـ وروى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير قال : ( سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث )(٢) .

ولا يسعنا ذكر جميع الروايات الواردة في هذا المقام ، ولا أظن أحداً يتردد في أنّ النهي عن المتعة حصل في زمن خلافة عمر ، وقد نقلنا لك بعض المصادر في الهامش(٣) .

ــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ج٤ ص٣٨ .

(٢) صحيح مسلم ج٤ ص١٣١ .

(٣) صحيح مسلم : ج٤ ص١٣١ ؛ التفسير الكبير ، الرازي : ج١٠ ص٥٢ ؛ مسند أحمد بن حنبل : ج٣ ص٣٢٥ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج١ ص١١٢؛ تفسير القرطبي ، القرطبي : ج٢ ص٣٩٢ ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج٢ ص١٤١ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج٧ ص٥٠٦ ؛ المحلى ، ابن حزم : ج٧ ص١٠٧ ؛ المبسوط ، السرخسي : ج٤ ص٢٧ ؛ أحكام القرآن ، الجصاص : ج١ ص٣٥٤ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج١٦ ص٥١٩ ؛ مسند الطيالسي : ص٢٤٨ ؛ المغني ، ابن قدامة : ج٧ ص٥٧٢ ؛ زاد المعاد ، ابن القيم : ج٤ ص٣٥٨ ؛ جامع الأحكام ، الطبري : ج٨ ص١٧٨ .

٢٩٧

إذن القرائن القطعية تفيد عدم النسخ ، لاسيّما مع ملاحظة أنّ هذه القرائن فيها اضطراب ، مضافاً إلى تعدّد ادعاءات النسخ كما مرّ ذكره سابقاً .

وقد أورد القرطبي في تفسيره ما قاله ابن العربي من أنّ النسخ تناول هذا الحكم مرتين ، ثم علّق عليه بقوله : ( وقال غيره ممّن جمع طرق الأحاديث فيها : إنّها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات ) ثم عدّد ادعاءات النسخ وقال : ( هذه سبعة مواطن أُحلّت فيها المتعة وحرّمت )(١) .

وقال ابن قيم الجوزية : ( وهذا [النسخ] لا عهد بمثله في الشريعة البتّه ولا يقع مثله فيها )(٢) ، ثم إنّ الملفت للنظر هو أنّ ادعاءات النسخ ظهرت بعد انقراض عصر الصحابة ، ولو كان واحدة منها في ذلك العصر لاستشهد بها عمر بن الخطاب نفسه في تحريمه ، مع أنّه كان بأمسّ الحاجة إليه ؛ لأنّ المسلمين وعلى رأسهم الصحابة لم يتلقّوا موقف عمر بالقبول وإنّما ردّوا عليه بأنّهم قد مارسوا هذا العمل في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد أبي بكر ، فلو كان هناك نسخ لظهر وبان .

ادعاءات النسخ معارضة لكلام عمر

إنّ الملاحظة الأخرى التي تسجّل على النسخ ، إنّ ادعاءات النسخ معارضة لكلام عمر نفسه الذي قال : ( متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج )(٣) فلو كان هناك شيء من النسخ لاحتجّ به ولم ينسب ذلك إلى نفسه .

ــــــــــــــ

(١) تفسير القرطبي : ج٥ ص١٣١

(٢) زاد المعاد : ج٣ ص٤٠٣ .

(٣) شرح معاني الآثار : ج٢ ص١٤٦ .

٢٩٨

اعتراف عمر بنفسه

وقد أدلى بهذا الاعتراف أمام مجموعة من الصحابة ، فقد روى الطبري في تاريخه في حوادث سنة (٢٣ هـ) إنّ عمران بن سوادة دخل على عمر بن الخطاب وذكر له ما يتحدث به الناس من الأمور التي أحدثها فيهم ولم يرضوها منه ، منها تحريمه المتعة قال : ( ذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث قال ـ عمر بن الخطاب في جوابه ـ : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحلّها في زمان ضرورة ، ثم رجع الناس إلى السعة ، ثم لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالآن مَن شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت )(١) .

وفي هذه المحاورة يؤكّد عمر مرة أخرى إقراره واعترافه بأنّ تحريمه للمتعة موقف شخصي خاص به ، ورأي أرتاه ولم يؤثر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي شيء في شأن التحريم ، ثم إنّ اجتهاد عمر في تحريمه في هذه المحاورة واضح البطلان فهو يدعي أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أحلّها في حال الضرورة ، وهذا يعني أنّها مباحة عند الضرورات ، فلماذا حرمها عمر مطلقاً ولم يقيد ذلك بالضرورة مضافاً إلى ما سبق من الأدلة ، نجد أنّ الروايات الصحيحة الواردة من طريق أهل البيتعليهم‌السلام طافحة في مصادر الشيعة ، وكلّها تشهد وتؤكّد على مشروعية المتعة بنص الكتاب والسنّة .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري : ج٣ ص٢٩٠ - ٢٩١ .

٢٩٩

الحل الأمثل للمشكلة الجنسيّة

لا زالت المشكلة الجنسية تتصدّر قائمة المشاكل المعقّدة والمؤثّرة في المجتمعات الإنسانية المعاصرة ؛ نتيجة ما تكتنزه من مضاعفات خطيرة في حياة الإنسان ، من أبرزها :

١ـ الانحرافات الأخلاقية : نتيجة توظيف الغريزة بشكل غير مشروع .

٢ـ الانعكاسات النفسية : كالقلق والاكتئاب والانطوائية ، وسائر التوتّرات والاضطرابات التي قد تنتج حالات الجنون أو حالات النزوع إلى الانتحار

٣ـ الأمراض الجنسية الفتّاكة : التي تنتج بسبب استعمال طرق غير مشروعة لإشباع الغريزة الجنسية .

٤ـ تفشّي الجريمة : بنحو يشكّل باباً مغلقاً على كلِّ التربويين والمعنيّين بهذا الجانب .

عوامل تصاعد المشكلة الجنسية

من أبرز العوامل والأسباب التي تقف وراء تصاعد المشكلة الجنسية هي :

(١) الجنس حاجة متأهلة في خلقة وتكوين الإنسان .

(٢) الصيغ الإغرائية المثيرة للحالة الجنسية .

(٣) غياب التربية الأخلاقية الأصيلة التي ترشّد وتهذّب غرائز الإنسان .

الحلول المطروحة في معالجة الحالة الجنسية

الحل الأوّل : كبح الغريزة الجنسية

ويتم ذلك من خلال أُسلوبين :

أ : أسلوب الوعظ والإرشاد المشفوع بالتخويف والتحذير إلاّ أنّ هذه الوسيلة نجدها عاجزة عن معالجة المشكلة من جذورها وأعماقها ؛ وذلك لأنّ نداء الجنس أقوى من كل المحاولات التي تتخذ سلاح الوعظ والتحذير كأداة علاجية فقط .

ب : سلاح القوّة ، وهذا الحل لا يمكن اتخاذه كعلاج لهذه الظاهرة لما ينطوي عليه من أضرار نفسية واجتماعية خطيرة ، وهذا ما يؤكّده علماء النفس والاجتماع القائلين بأنّ مثل هذه الأساليب ربّما تؤدّي بصاحبها إلى الانتحار أو الجنون .

٣٠٠