الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ٢

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 343

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 343
المشاهدات: 216706
تحميل: 7899


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216706 / تحميل: 7899
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فهو خالق كل شيء ، وهو الذي يدير الأمور وفق حسابات دقيقة ومنظّمة ، لكن مع ذلك نجد أنّ للشمس والأرض والرياح والماء دوراً في عملية الإنبات واستخراج بركات الأرض ، فلو لا تلك الأمور لما أمكنت الحياة على هذه الأرض ، فهل يمكن أن يقال إن الشمس أو الأرض أو الماء شركاء لله تعالى ، بحيث لا يكون قادراً على ذلك من دون وساطتها ؟! .وحقيقة ذلك هو أن سير الحياة على هذه الأرض من الإنبات وتوليد المثل تستوجب وساطة تلك الأمور ، حتى تستمد المخلوقات الأرضية من فيض الله تبارك وتعالى .

إذن السبب في جعل هذه الوسائط ليس منشأه العجز في القدرة الإلهية ، وإنّما سببه عدم قابلية واستعداد بعض المخلوقات لتقبّل الفيض الإلهي مباشرةً .

لا تخلو الأرض من واسطة

بناءً على ما تقدم يتضح أنّ جعل الواسطة في الأرض ضرورة لابد منها ، وهذا المضمون يلتقي مع ما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تخلو الأرض من قائمٍ بحجّة ) (١) ، فالحجّة هو الواسطة بين الله تعالى وبين خلقه ، وهو الذي يتلقّى الفيض الإلهي ليمدّ به حياة الكائنات على هذه الأرض .

قال تعالى :( إِنّا أنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مِن كُلّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتّى‏ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (٢) فالملائكة والروح عندما تنزل ليلة القدر لابد من وجود مَن يستقبل ويأخذ ما تأتي به الملائكة من الباري عزّ وجلّ ؛ ولذلك لابد أن يكون أشرف الكائنات في الوجود وهو حجّة الله في الأرض ، فالحجّة هو الواسطة والوسيلة بين الله تعالى وبين خلقه ، كما ورد عن فاطمةعليها‌السلام أنّها قالت :( وأحمد الله الذي بعظمته ونوره يبتغي مَن في السموات والأرض إليه الوسيلة ونحن وسيلته في خلقه ) (٣) .

ومن الجدير بالالتفات أنّ الواسطة والوسيلة ليست على إطلاقها حجّة ومرضية عند الله تعالى ، فلابد أن تكون ممّا أنزل الله بها سلطاناً لا باقتراح من العبيد أنفسهم .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ؛ ونحوه تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦ ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج ١ ص ٨٩ ؛ المناقب ، الخوارزمي : ص ٣٦٦ .

(٢) سورة القدر : ١ ـ ٥ .

(٣) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ٢١١ .

٨١

الكلمات والأسماء الإلهية

لا يخفى أنّ معنى الاسم هو من السمو والسمة للدلالة على الشيء ، قال الراغب الأصفهاني : ( الاسم : ما يعرف به ذات الشيء ، وأصله من السمو ، وهو الذي به رفع ذكر المسمّى فيعرف به )(١) .

وقال الزبيدي في تاج العروس : ( عن أبي العباس : الاسم وسم سمة توضع على الشيء يعرف به )(٢) .

وقال ابن منظور : ( قال الزجاج : معنى قولنا اسم هو مشتق من السمو وهو الرفعة )(٣) .

وبذلك يكون الاسم بمعنى العلامة والآية وما يستفاد منه الدلالة على الشيء ، وبنفس المعنى ما جاء في الكلمة ، ففي قوله تعالى :( أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلّمُهُمْ ) (٤) قال ابن منظور : ( تكلّمهم تجرحهم وتسمهم ، وقيل : تسمهم في وجوههم ، تسم المؤمن بنقطة بيضاء فيبيضّ وجهه ، وتسم الكافر بنقطة سوداء فيسودّ وجهه )(٥) ، فالكلمة أيضاً من الوسم والسمة ، وفي مجمع البحرين إنّ الكلمات التامات : قيل ( هي أسماؤه الحسنى وكتبه المنزلة )(٦) ، وقد استعملت الكلمة في القرآن الكريم في الأسماء والآيات والحجج الإلهية ، قال تعالى :( وَتَمّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِهِ

ــــــــــــــ

(١) مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الأصفهاني : ص ٢٤٤ .

(٢) تاج العروس ، الزبيدي : ج ١٠ ص ١٨٣ .

(٣) لسان العرب ، ابن منظور : ج ١٤ ص ٤٠١ .

(٤) النمل : ٨٢ .

(٥) لسان العرب ، ابن منظور : ج ١٢ ص ٥٢٥ .

(٦) مجمع البحرين ، الطريحي : ج ٤ ص ٦٨ .

٨٢

وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (١) ، قال الراغب في معنى الكلمة في قوله تعالى :( وَتَمّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ ) : ( الكلمة هاهنا القضية ، فكل قضية تسمّى كلمة سواء كان ذلك مقالاً أو فعالاً ، ووصفها بالصدق ؛ لأنّه يقال قول صدق وفعل صدق ) ثم قال : ( وقوله تعالى :( وَيُحِقّ اللهُ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ ) أي : بحججه التي جعلها الله تعالى لكم عليهم سلطاناً مبيناً ، أي : حجّة قوية )(٢) .

فالكلمات الإلهية آيات وحجج وسمات وعلامات نصبها الله عزّ وجلّ ورفعها لخلقه لكي يهتدوا بها .

وفي تفسير القرطبي في قوله تعالى :( وَيُحِقّ اللهُ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ ) قال : ( أي بكلامه وحججه وبراهينه )(٣) .

إذن أطلقت كلمات الله عزّ وجلّ على آياته وحججه الشاملة لأنبيائه ورسله وكتبه ؛ ولذلك أطلق القرآن الكريم الكلمة على نبيّه عيسى في قوله تعالى :( إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى‏ ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى‏ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (٤) ، وقوله لنبيّه زكريا :( أَنّ اللهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَى‏ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصّالِحِينَ ) (٥) .

إذن فالكلمة والآية والاسم هي العلامة والدلالة على ذيها ، فعيسى كلمة وآية وعلامة على عظمة الله عزّ وجلّ ، قال تعالى :( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ

ــــــــــــــ

(١) الأنعام : ١١٥ .

(٢) مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : ص ٤٤٠ .

(٣) تفسير القرطبي : ج ٨ ص ٣٦٩ .

(٤) النساء : ١٧١ .

(٥) آل عمران : ٣٩ .

٨٣

وَأُمّهُ آيَةً ) (١) .

فالأنبياء والرسل كلمات الله تعالى ، وعلامات وحجج للاهتداء بها إلى الله تبارك وتعالى ، وأعظم الآيات هو الرسول الأعظم وأهل بيتهعليهم‌السلام ـ كما سيأتي ـ لذا نجد أنّ آدم توسّل بمحمد وآل محمد عندما اقترف خطيئته بتركه الأولى وهبوطه من الجنّة ، كما نقل ذلك جملة من مفسّري أهل السنّة في تفسير قوله تعالى :( فَتَلَقّى‏ آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) (٢) ، كما ورد عن ابن عباس ، حيث قال : ( سُئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين )(٣) .

وهذا المعنى يلتقي مع أمره تعالى عباده بدعائه بأسمائه ، حيث قال تعالى :( وَللهِ‏ِ الأَسْماءُ الْحُسْنَى‏ فَادْعُوهُ بِهَا ) (٤) ، فعندما يريد أحد دعاء الله تعالى وطلب الحاجة منه فلابد من توسيط كلماته وأسمائه الحسنى ، لكنّ النظرة للأسماء والكلمات والآيات الإلهية لابد أن تكون نظرة آلية لا نظرة استقلالية ؛ لأنّها تعني الشرك .

ولذلك ورد في الأدعية الصحيحة المأثورة :( أسألك بكل اسم لك ، وأسألك بأسمائك الحسنى ، وأسألك بأنّك أنت الله وأعوذ برضاك من

ــــــــــــــ

(١) المؤمنون : ٥٠ .

(٢) البقرة : ٣٧ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج ١ ص ٦٠ ـ ٦١ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ١٠٢ ؛ المناقب ، ابن المغازلي : ص ٦٣ ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج ١ ص ٢٨٨ .

(٤) الأعراف : ١٨٠ .

٨٤

سخطك ) (١) .

وقد ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ عليّاً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور مَن أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ) (٢) .

الله تعالى يخطئ الوسائط المخترعة

على ضوء ما سبق يتضح السبب في تخطئة الله تعالى للوسائط التي يقترحها الوثنيون ، كما في قوله تعالى :( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزّلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) (٣) ، فالله تعالى لا يخطئ أصل الواسطة ، بل التخطئة للواسطة المقترحة التي لم ينزل بها الله تعالى سلطاناً .

وبذلك يتبيّن أنّ الواسطة المرفوضة من قِبل الله تعالى ، هي الواسطة المقترحة من قِبل الناس من دون الخضوع لإرادة الله تعالى ، بخلاف ما لو كانت الواسطة بإرادة الله ومشيئته ، كما هو الحال في الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم ، فسجود الملائكة في الحقيقة ليس لآدم بالخصوص ، وإنّما هو امتثال لإرادة الله وطاعة لأمره ؛ لأنّه تعالى هو الذي أمر بذلك ، فالسجود يكون له عزّ وجلّ كما ورد ذلك في روايات الفريقين ، إذاً فالطاعة لله تعالى تتحقّق إذا كانت بإرادة الله تعالى وأمره وإن كان عن طرق الوسائط ، بخلاف أولئك الذين يعبدون من الوسائط ما لم ينزل به سلطاناً .

ــــــــــــــ

(١) شفاء السقام ، تقي الدين السبكي : ص ٢٩٨ .

(٢) حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصبهاني : ج ١ : ص ٦٧ ؛ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص ١١٤ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٧٠ ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج ١ ص ٤٠١ .

(٣) الأعراف : ٧١ .

٨٥

حقيقة العبادة

عند التأمّل في حقيقة العبادة نجد أنّ المقوّم الأساسي لها ليس هو مطلق التذلّل والخضوع .

وبعبارة أخرى : إنّ المعنى الاصطلاحي للعبادة أخص من المعنى اللغوي ؛ إذ إنّها على المعنى الاصطلاحي تعنى الخضوع والتذلّل مع الاعتقاد بألوهية المعبود والمخضوع له وأنّ له حق التصرّف والتأثير المباشر في شؤون المخلوق بنحو الاستقلال ، بينما على المعنى اللغوي يكفي في تحقق وصدق مفهوم العبودية مجرّد تحقق الخضوع والخنوع والتذلّل للغير ، أو أنّه نهاية الخضوع والتذلّل ، وفرق بين المعنيين ، والشاهد على ما ذكرناه من المعنى الاصطلاحي ما ورد في القرآن الكريم ، حيث قال :( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) (١) ، وقال تعالى :( وَاتّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ) (٢) ، وقال تعالى :( وَاتّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لّعَلّهُمْ يُنصَرُونَ ) (٣) ، وقال تعالى :( وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبّكُمْ ) (٤) ، وقال تعالى :( إِنّ هذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (٥) ، وغيرها من الآيات التي تبيّن معنى العبودية ، أنّها بمعنى الاعتقاد يكون المعبود إلهاً وله مقام الربوبية ، فله حقّ التصرّف والتدبير في جميع شؤون العابد بنحو الاستقلال ، ومن أظهر مصاديق تحقق العبودية هو السجود

ــــــــــــــ

(١) الأعراف : ٥٩ .

(٢) مريم : ٨١ .

(٣) يس : ٧٤ .

(٤) المائدة : ٧٢ .

(٥) الأنبياء : ٩٢ .

٨٦

للمعبود ، فإنّه يمثّل غاية الخضوع والتذلّل للمسجود له ، ومع ذلك لا نجد أنّ القرآن الكريم يحرّم ذلك بشكل مطلق ، بل هناك شرائط خاصة إذا توفّرت في الساجد كان فعله وسجوده محرّماً وشركاً بالله تعالى ، وكان سجوده عبادة للمسجود له ، وهي كما ذكرنا من كون السجود والمسجود له اقتراحاً من العبد مع الاعتقاد بألوهيته وتأثيره المستقل والمباشر ، وإلاّ لكان سجود الملائكة لآدم عبادة له ! أو السجود باتجاه الكعبة عبادة لها ، أو سجود يعقوب وبنيه ليوسف عبادة له ، قال تعالى :( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرّوا لَهُ سُجّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّي حَقّاً ) (١) ، ولم يذهب أحد من المسلمين إلى أنّ سجود أولاد يعقوب ليوسف ، أو سجود الملائكة لآدم ، أو السجود باتجاه الكعبة عبادة للمسجود له .

بل نجد أنّ الله تعالى قد مدح الخضوع والتذلّل بين المؤمنين في القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى :( أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ ) (٢) ، وكذا أمره تعالى للأبناء بخفض الجناح ذلاً وخضوعاً لآبائهم ، بقوله تعالى :( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ ) (٣) .

ونرى أيضاً أنّ كثيراً من الأعمال العبادية تشابه عمل الوثنيين ، ومع ذلك لا تعد شركاً ، فإذا لاحظت أعمال الحج من أوّلها إلى آخرها تجدها تشبه عمل الوثنيين في ظاهرها ، ومع ذلك لا يعد الطواف بالبيت واستلام الحجر الأسود والسعي بين الصفا والمروة ، أعمالاً شركية ، مع أنّها لا تختلف كثيراً بحسب الصورة والظاهر عن ممارسات المشركين وأعمالهم ، ولهذا لابد أن نقف على المقوّم الحقيقي للعبادة .

ولا ريب ـ كما تقدم ـ أنّ جوهر وكنه العبادة متقوّم بالأمر الإلهي ، والاعتقاد بألوهية المعبود وربوبيته ، وأنّه المسؤول المستقل في الإجابة ، فلو خضع الإنسان لأحد أو شيء أو طلب منه شيئاً ، باعتقاد أنّه إله أو رب مستقل في التأثير والإجابة ، يكون قد عبده ، ومن ثمّ لا يعد طلب الإنسان وسؤاله من إنسان آخر أو مخلوق من المخلوقات عبادة للمسؤول ، إلاّ إذا اعتقد أنّه يضر وينفع ، وينقض ويبرم باستقلاله ومن دون استيذان من الله سبحانه وخارجاً عن سلطانه .

ــــــــــــــ

(١) يوسف : ١٠٠ .

(٢) المائدة : ٥٤ .

(٣) الإسراء : ٢٤ .

٨٧

فكثير من الأعمال التي يقوم بها أتباع الأنبياء ومحبّوهم من الخضوع والتكريم والاحترام ، ليست عبادة لهم ، وإن بلغت غاية التذلّل والخشوع ، ومن جملة تلك الأفعال ، التوسّل والاستغاثة والتبرّك والشفاعة ؛ لعدم وجود ملاك العبادة فيها ، وهو الاعتقاد باستقلالية التأثير في العطاء .

وممّا يشهد على ذلك ، هو أنّه لو كان مطلق الخضوع والتذلل عبادة ، فمعنى ذلك أنّ الله تعالى يأمر بعبادة غيره ، كما في أمره بالخضوع والتذلّل للوالدين وبين المؤمنين وهذا ممّا لا يتصوّره عاقل .

ثم إنّنا لا نجد أحداً من المتوسّلين بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام يعتقد أنّهم خالقوه أو مدبّرون لأمره بالاستقلال ، أو يتظاهر المتوسّل بالعبودية لهم ، ولم نسمع أنّ أحداً خاطب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام بقوله : ( يا خالقي ويا رازقي ويا معبودي ) ، بل لا يمكن لأحد مهما كان عليه من الجهل أن يعتقد بالنبي وأهل بيتهعليهم‌السلام بشيء من تلك المعاني ، كيف وهو يعتقد أنّهم بشر اصطفاهم الله بعلمه وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه .

نعم نحن نعتقد ـ كما سيأتي ـ أنّ أرواحهم المباركة باقية عند الله تعالى ، فهم أحياء يرون مقامنا ويسمعون كلامنا ويردّون سلامنا ويتوسّطون بيننا وبين الله تعالى لقضاء الحوائج واستجابة الدعاء ، ونظراً إلى هذه الحياة الطيبة يخاطبهم السائل ويسلّم عليهم ، ويتوسّل بهم إلى الله تعالى ، ويطلب منهم الشفاعة ؛ لأنّهم ممّن ارتضاهم الله سبحانه وتعالى ، وقبل منهم أعمالهم بأحسن القبول ، مع سابق الحسنى لهم من قبله تبارك وتعالى :( إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنّا الْحُسْنَى ) (١) ، وأي حسنى أعظم من التطهير والعلم والعصمة والإمامة .

والحاصل : إنّ اتخاذ الواسطة ليس على إطلاقه من العبادة والشرك بالله تعالى ؛ لأنّ العبادة خضوع وتذلّل مع اعتقاد أنّ للمخضوع له مقام الألوهية والاستقلال في التأثير ، لا مجرد الخضوع والتذلّل ، وقد ورد في القرآن الكريم نماذج كثيرة من الوسائط التي نسبت لها آثار غير طبيعية وخارقة للعادة :

منها : قميص يوسف ، حيث وصف القرآن الكريم كيفية برء يعقوب ممّا أصاب عينه من العمى ، ويقول حاكياً عن يوسف ، أنّه قال :( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) (٢) ( فَلَمّا أَن

ــــــــــــــ

(١) الأنبياء : ١٠١ .

(٢) يوسف : ٩٣ .

٨٨

جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى‏ وَجهِهِ فَارْتَدّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) .

ومنها : التراب الذي قد قبضه السامري من أثر الرسول ، وقد وصف لنا القرآن الكريم ذلك بقوله تعالى :( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسَى‏ فَنَسِىَ ) (٢) ، فبعدما رجع موسى من الميقات ورأى الحال الذي عليه قومه ، سأل السامري عن كيفية ما أتى به من عمل ، فأجاب بقوله :( قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوّلَتْ لِي نَفْسِي ) (٣) ، حيث علل السامري عمله بأنه أخذ قبضة من أثر الرسول فعالج بها مطلوبه ، فأخرج لهم جسداً عجلاً له خوار ، وهذا يكشف عن أن التراب المأخوذ من أثر الرسول كان له أثره الخاص الذي توسل به السامري .

ومنها : عصا موسى قد جعلها الله سبحانه وتعالى واسطة ووسيلة لإجراء المعاجز على يد نبيّه موسى ، قال تعالى :( فَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ مُوسَى‏ أَنِ اضْرِب بِعصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْقٍ كَالطّوْدِ الْعَظِيمِ ) (٤) ، وقال تعالى :( وَإِذِ اسْتَسْقَى‏ مُوسَى‏ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) يوسف : ٩٦ .

(٢) طه : ٨٨ .

(٣) طه : ٩٦ .

(٤) الشعراء : ٦٣ .

(٥) البقرة : ٦٠ .

٨٩

ومنها : ما توسّل به سليمان للإتيان بعرش بلقيس ، فقد استعان بمَن عنده علم من الكتاب ، قال تعالى :( قَالَ يَا أَيّهَا الْمَلَؤُا أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مّنَ الْجِنّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مقَامِكَ وَإِنّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أَمِينٌ * قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ ) (١) .

ولم يعدّ الله سبحانه وتعالى جميع تلك الموارد شركاً ، فما هو الفرق بينها وبين التوسّل بالأرواح المقدّسة والطاهرة للأنبياء والأولياء والأوصياء ؟ وكيف يعد التوسّل بها شركاً وقد أمرنا الله تعالى باتخاذ الوسيلة إليه :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (٢) .

وسوف يتضح لنا لاحقاً مصداق الوسيلة العظمى إلى الله تعالى ، وأنّها رسول الله الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام .

التوسّل وعناوين أُخرى

التوسّل والاستغاثة والشفاعة والاستعانة عناوين يجمعها قاسم مشترك واحد وهو الواسطة ، وقد ورد في البخاري في حديث الشفاعة يوم القيامة إطلاق لفظ الاستغاثة على الشفاعة ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ، ثم بموسى ، ثم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٣) .

ــــــــــــــ

(١) النمل : ٣٨ ـ ٤٠ .

(٢) المائدة : ٣٥ .

(٣) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٣٠ ؛ ونحوه مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ٣٧١ ؛ فتح الباري ، ابن حجر : ج ١١ ص ٣٨٠ ؛ تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٥٩ .

٩٠

التوسّل في الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين

التوسّل في القرآن الكريم

إنّ مبدأ التوسّل وجعل الواسطة بين العبد وبين ربّه من المبادئ القرآنية التي أكدت عليها الآيات المباركة ، وأمرت باتخاذها وتوسيطها ، فللّه تعالى وسائل ووسائط ذكرها القرآن الكريم ، وأمر بالرجوع إليها والتوسّل بها ، وجعلها حبلاً ممدوداً من السماء إلى الأرض ، يستجاب لمَن تمسّك به ، وتُقضى حوائج مَن استمسك بعروته الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع ، وإليك بعض تلك الآيات التي تعرضت للوسيلة والواسطة ونصّت على وجوب الرجوع إليها والتمسّك بها :

منها : قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

وهذه دعوة عامة من الله تعالى للتقرّب إليه بالوسائل ، وغير مختصة بسبب دون سبب آخر ، فهذه الآية المباركة تحث على التمسّك بكل واسطة ووسيلة موجبة للتقرّب إلى الله تعالى كالتوسل بالأسماء الإلهية ، والأعمال الصالحة ، ودعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشخصه المبارك وحقه وجاهه وقبره وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وغير ذلك من الوسائل والوسائط التي نصّت عليها الآيات والسنّة النبوية كما سيأتي لاحقاً .

فالآية المباركة تحثّ المسلمين على ابتغاء الوسيلة والتوجّه بها إلى الله ، حيث إنّ الجار والمجرور ( إليه ) متعلّق بالوسيلة ، والابتغاء لم يأخذ إلاّ مفعولاً واحداً وهو الوسيلة ، فالمسلمون والمؤمنون مأمورون بابتغاء الوسيلة والفزع إليها وتوسيطها بينهم وبين الله تعالى ، ولا يمكن ابتغاء الله تعالى من دون الواسطة والوسيلة ، ولذا لم يكن الابتغاء في الآية إلاّ للوسيلة ؛ لكونها موصلة إلى الله سبحانه وتعالى ، فلا توحيد ولا عبادة صحيحة لله تبارك وتعالى إلاّ إذا كانت عن طريق الوسائل والوسائط بينه وبين خلقه ؛ ولذا كفر الشيطان عندما استكبر على وسيلة الله وخليفته آدم .

ــــــــــــــ

(١) المائدة : ٣٥ .

٩١

ومنها : قوله تعالى :( وَلَوْ أَنّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (١) .

وهذه الآية المباركة تحث أيضاً على الرجوع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله واسطة في غفران الذنوب بواسطة استغفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والآية كما ترى مطلقة تشمل حال الحياة وبعد الممات ، وهذا ما فهمه بعض أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم ، كما في قصة الأعرابي وغيرها على ما سيأتي لاحقاً .

ومنها : قوله تعالى :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رُسُولُ اللهِ لَوّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدّونَ وَهُم مُسْتَكْبِرُونَ ) (٢) ، وهذا الاستكبار الذي نصّت عليه الآية المباركة بنفسه حصل من إبليس عندما أمره الله تعالى بالسجود إلى آدم وجعله واسطة في تعليم الأسماء والوقوف على حقائق الخلق ، قال تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ

ــــــــــــــ

(١) النساء : ٦٤ .

(٢) المنافقون : ٥ .

٩٢

الْكَافِرِينَ ) (١) .

وهذا ما وقع من المنافقين عندما أمرهم الله تعالى بالرجوع إلى النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله واسطة في المغفرة والاستغفار ، فحصل لهم ما حصل لإبليس من الاستكبار على أوامر الله تعالى ، وهذا هو سبيل كل مَن يسلك صراط الاستنكار على مبدأ الوسائل والوسائط الإلهية .

ومنها : قوله تعالى حاكياً عن ولد يعقوب :( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ ) (٢) .

ومنها : قوله تعالى :( أُولئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى‏ رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) (٣) .

ومنها : قوله تعالى حكاية عن نبي الله سليمان :( قَالَ يَا أَيّهَا الْمَلَؤُا أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) (٤) ، فهذا سليمان وهو نبي من أنبياء الله تعالى يتوسّل في قضاء الأمور المهمّة والخارقة للعادة بمَن عنده علم من الكتاب ، حيث طلب الإتيان بالعرش من ذلك المكان البعيد قبل أن يرتد إليه طرفه ، وهو من الأمور التي لا تتحقق إلاّ بالإعجاز وقوّة إلهية وقد جعل الله تعالى واسطة ذلك مَن كان عنده علم من الكتاب ، وهذا لا يعني أنّ سليمان في جعله الواسطة للإتيان بالعرش كان عاجزاً عن ذلك ، بل لأجل أن يبيّن للناس أنّ في أُمّته وحكومته مَن هو واسطة في قضاء مهمّات الأمور .

ــــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٤ .

(٢) يوسف : ٩٧ ـ ٩٨ .

(٣) الإسراء : ٥٧ .

(٤) النمل : ٣٨ .

٩٣

ومنها : قوله تعالى :( مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيّئَةً يَكُن لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ مُقِيتاً ) (١) ، فالشفاعة في هذه الآية المباركة ظاهرة في الشفاعة الدنيوية ؛ إذ إنّها تتحدث عن دار العمل والاكتساب لا دار الجزاء والحساب ، وقد نصّت هذه الآية الكريمة على مشروعية الشفاعة والواسطة الحسنة المجعولة من الله تعالى والمرضية لديه .

ومنها : قوله تعالى :( إِنّ الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ حَتّى‏ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) (٢) ، فالذين يكذبون بالآيات الإلهية ويستكبرون ويصدون عنها ولا يتوجّهون إليها ولا يوسّطونها بينهم وبين الله تعالى لا تفتح لهم أبواب السماء ، فلا يقبل لهم دعاء ، ولا يرتفع لهم عمل ، بل ولا يقبل منهم توحيدهم الذي يزعمون ، ولذا لا يدخلون الجنّة كما هو حال إبليس عندما استكبر وأبى أن يسجد لآدم .

نكتفي بهذا المقدار من البحث القرآني .

التوسّل في السنّة النبوية وسيرة المسلمين

أولاً : التوسّل بعموم الأنبياء والصالحين

لقد ورد في الروايات المعتبرة والصريحة التأكيد على صحّة التوسّل بذوات وحق الأنبياء والصالحين:

١ ـ عن ابن عباس ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( مَن سرّه أن يوعيه الله عزّ وجلّ حفظ القرآن ، وحفظ أصناف العلم ، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحفة قوارير ، بعسل وزعفران وماء مطر ، ويشربه على الريق ، وليصم ثلاثة أيام ، وليكن إفطاره عليه فإنه يحفظها إنشاء الله عزّ وجلّ ، ويدعو به في أدبار صلواته المكتوبة اللّهمّ إنّي أسألك بأنّك مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل ، وأسألك بحق محمد رسولك ونبيّك ، وإبراهيم خليلك وصفيك ، وموسى كليمك ونجيّك ، وعيسى كلمتك ووجيهك وروحك ، وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وفرقان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسألك بكل وحي أوحيته ، وبكل حق قضيته ، وبكل سائل أعطيته ، وأسألك بأسمائك التي دعاك بها أنبياؤك فاستجيب لهم ، وأسألك

ــــــــــــــ

(١) النساء : ٨٥ .

(٢) الأعراف : ٤٠ .

٩٤

باسمك المخزون المكنون الطهر الطاهر المطهّر المبارك المقدّس الحي القيّوم ذي الجلال والإكرام ، وأسألك باسمك الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر الذي ملأ الأركان كلها والذي من أركانك كلها ، وأسألك باسمك الذي وضعته على السماوات فقامت ، وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرضين فاستقرّت ، وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست ، وأسألك باسمك الذي وضعته على الليل فأظلم ، وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار ، وأسألك باسمك الذي تحيي به العظام وهي رميم ، وأسألك بكتابك المنزل بالحق ونورك التام أن ترزقني حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم وتثبتها في قلبي ، وأن تستعمل بها بدني في ليلي ونهاري أبداً ما أبقيتني يا أرحم الراحمين ) (١) .

٢ ـ ما ورد من توسّل يوسف بيعقوب ، حيث جاء ذلك عن أبي بصير سأل الإمام الصادق : ( ما كان دعاء يوسف في الجب فإنّا قد اختلفنا فيه ؟ قال :إنّ يوسف لمّا صار في الجب وآيس من الحياة قال : اللّهمّ إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك صوتاً ، ولن تستجيب لي دعوة فإنّي أسألك بحق الشيخ يعقوب ، فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه ، فقد علمت رقّته علي وشوقي إليه ، قال : ثم بكى أبو عبد اللهعليه‌السلام ، ثم قال :وأنا أقول : اللّهمّ إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع إليك صوتاً ولن تستجيب دعوة فإنّي أسألك بك فليس كمثلك شيء ، وأتوجّه إليك بمحمد نبيّك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله ، قال : ثم قال أبو عبد الله :قولوا هذا وأكثروا منه )(٢) .

٣ ـ وقد توسّل داودعليه‌السلام بحق آبائهعليهم‌السلام ، فقد ورد عن ابن عباس ، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قال داود : أسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) (٣) .

ــــــــــــــ

(١) كتاب الدعاء ، الطبراني : ص ٣٩٧ .

(٢) روضة الواعظين ، الفتّال النيسابوري : ص ٣٢٧ .

(٣) تفسير القرطبي : ج ٩ ص ١٥٩ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٨ ص ٢٠٢ .

٩٥

ثانياً : التوسّل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخصوص

١ ـ قبل خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

حيث إنّ النبي آدمعليه‌السلام عندما اقترف خطيئته وهي تركه للأولى ، وتاب إلى الله تعالى ممّا صدر منه ، تلقّى من ربّه كلمات فتاب عليه ، كما أشار القرآن الكريم لذلك :( فَتَلَقّى‏ آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ ) (١) .

وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أنّ تلك الكلمات هي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي أحاديث أخرى هي محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

روى الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب ، أنّه قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب ، أسألك بحق محمد لمّا غفرت لي .

فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنّك لما خلقتني بيدك أو نفخت فيّ من روحك رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، فعرفت أنّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم ، إنّه لأحب الخلق إليّ ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك ولو لا محمد ما خلقتك ) ، وقال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد )(٢) .

ــــــــــــــ

(١) البقرة: ٣٧ .

(٢) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٢ ص ٦١٥ ؛ ونحوه الدر المنثور ، السيوطي : ج ١ ص ٦٠ ؛ ونحوه المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٣١٣ ؛ ونحوه المعجم الصغير ، الطبراني : ج ٢ ص ٨٢ .

٩٦

وكذلك أخرجها السيوطي في تفسيره بلفظ آخر يشتمل على ذكر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وهي : ( اللّهمّ إنّي أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلاّ أنت ، عملت سوءً ، وظلمت نفسي فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم ، اللّهمّ إنّي أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلاّ أنت ، عملت سوءً ، وظلمت نفسي فتب علي إنّك أنت التواب الرحيم ، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم )(١) .

وفي لفظ ثالث للرواية : ( الكلمات التي تلقى آدم فتاب عليه سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم إلاّ تبت علي ، فتاب عليه )(٢) .

٢ ـ التوسّل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة

تواترت الأخبار حسب تعبير السبكي(٣) في توسّل المسلمين بالنبي ، حيث كانوا يفزعون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستغيثون به من كل ما يصيبهم وينيبهم ، ولم تقتصر هذه الاستغاثات بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمن بعثته ، وإنّما كانت ممتدة منذ أن كان رضيعاً ولم تقتصر الاستغاثة على المسلمين خاصة ، بل اليهود الذين هم أقل عقيدة بمثل هذه الأمور( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ ) كانوا يتوسّلون بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليك عدة من تلك الوقائع التاريخية في هذا المضمار :

ــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ١ ص ٦٠ .

(٢) الدر المنثور : ج ١ ص ٦١ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ١٠١ ؛ ينابيع المودة : ج ١ ص ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، ج ٢ ص ٢٤٨ ؛ روضة الواعظين ، النيسابوري ص ١٥٧ ؛ العمدة ، ابن البطريق : ص ٣٧٩ ؛ خصائص الوحي ، ابن البطريق ص ١٣٠ ؛ تفسير غريب القرآن ، الطريحي : ص ٦٦ .

(٣) شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، تقي الدين السبكي : ص ٣٠٥ .

٩٧

ألف) توسّل اليهود بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ذكر المفسّرون في تفسير الآية المباركة :( وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (١) ، حيث إنّ اليهود من أهل المدينة وخيبر إذا قاتلوا مَن يليهم من مشركي العرب من الأوس والخزرج وغيرهما قبل بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يستنصرون به عليهم ويستفتحون لما يجدون ذكره في التوراة فيدعون ويتوسّلون بحقّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنصرة عليهم فيقولون : ( اللّهمّ إنّا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا عليهم ) ، وعن ابن عباس قال : ( كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء : اللّهمّ إنّا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلاّ نصرتنا عليهم ، قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان ، فلمّا بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفروا به ، فأنزل الله( كَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا ) (٢) .

ب) استسقاء عبد المطّلب بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو رضيع

حيث استسقى عبد المطلب بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صغير ، ولذا قال ابن حجر :

( إن أبا طالب أشار بقوله :

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأراملِ

ــــــــــــــ

(١) البقرة : ٦٤ .

(٢) تفسير القرطبي : ج ٢ ص ٢٧ ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج ١ ص ٨٨ ؛ أسباب النزول ، الواحدي : ج ١ ص ١٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٢ ص ٢٧٨ ؛ السيرة النبوية ، ابن كثير : ج ١ ص٢٩٢ ؛ المستدركى الحاكم النيسابوري : ج ٢ ص ٢٦٣ .

٩٨

إلى ما وقع في زمن عبد المطلب ، حيث استسقى لقريش والنبي معه غلام )(١) .

ج) استسقاء أبي طالب بالنبي وهو غلام

أخرج القسطلاني عن ابن عساكر ، عن جلهمة بن عرفطة ، قال : ( قدمت مكّة وهم في قحط ، فقالت قريش : يا أبا طالب ! أقحط الوادي ، وأجدب العيال ، فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام ـ يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كأنّه شمس دجن تجلّت عن سحابة قتماء ، وحوله أغيلمة ، فأخذه أبو طالب ، فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ إلى الغلام ، وما في السماء قزعة ، فأقبل لسحاب من ها هنا ، وأغدق واغدودق ، وانفجر له الوادي وأخصب النادي لباديء ، وفي ذلك يقول أبو طالب .

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأراملِ

وجاء في الملل والنحل للشهرستاني : ( وممّا يدلل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوّة أنّ أهل مكّة لمّا أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين ، أمر أبو طالب ابنه يحضر المصطفى محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأحضره وهو رضيع في قماط، فوضعه على يديه، واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال: يا رب، بحق هذا الغلام ورماه ثانياً وثالثاً، وكان يقول: بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً، فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد. وأنشد أبوطالب ذلك الشعر اللامي الذي منه :

وَأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ

ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ

يَلوذُ بِهِ الهُلاّكُ مِن آلِ هاشِمٍ

فَهُم عِندَهُ في رَحمَةٍ وَفَواضِلِ

كَذَبتُم وَبَيتِ اللهِ نبزى مُحَمَّداً

وَلَمّا نُطاعِن دونَهُ وَنُناضِلِ

وَنُسلِمهُ حَتّى نُصَرَّعَ حَولَهُ

وَنذهلَ عَن أَبنائِنا وَالحَلائِلِ

وقد كانت هذه الوقائع من الاستسقاء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غلام ، وكذا استسقاء عبد المطلب بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صغير معروفة بين العرب .

ــــــــــــــ

(١) فتح الباري ، ابن حجر : ج ٢ ص ٤١٢ .

(٢) مسند أحمد: ج٢ ص٩٣؛ صحيح البخاري: ج٢ ص١٥٠؛ سنن ابن ماجه: ج١ ص٤٠٥؛ تاريخ بغداد: ج١٤ ص٢٨٨؛ السنن الكبرى، البيهقي: ج٣ ص٣٥٢؛ فتح الباري، ابن حجر: ج٢ ص٤١٢؛ كتاب الدعاء، الراني: ص٥٩٧.

٩٩

٣ـ التوسّل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد البعثة

ألف) أعرابي يستسقي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وقد كان استسقاء أبي طالب بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غلام موضع رضا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو صريح بعض الروايات ، فعن أنس بن مالك قال : ( جاء أعرابي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، لقد أتيناك وما لنا صبي يغط ولا بعير يئط ، وأنشد :

أتيناك والعـذراء تدمـي لبانهــا

وقد شغلت أُمّ الصبي عـن الطفـلِ

وألقى بكفّيـه وخرّ استــكانـةً

من الجوع موتاً ما يمر وما يحلي

ولا شيء ممّا يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي والعلهز الغسلِ

ولـيس لنـا إلاّ إلــيك فــرارنـا

وأين فـرار النـاس إلاّ إلى الـرسـلِ

فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر ، ثم رفع يديه إلى السماء ، فقال : اللّهمّ اسقنا غيثاً ، مغيثاً ، غدقاً ، طبقاً ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً ، غير رايث ، وكذلك تخرجون ، قال : فما ردّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يديه حتى التقت السماء بأبراقها وجاء أهل البطحاء يضجّون الغرق ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهمّ حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب حتى أحدق بالمدينة كالإكليل ، فضحك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : لله در أبي طالب لو كان حيّاً قرّت عيناه ، من ينشدنا قوله ؟ فقال علي : أنا يا رسول الله ، لعلك تريد :

وَأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ

ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ

يَلوذُ بِهِ الهُلاّكُ مِن آلِ هاشِمٍ

فَهُم عِندَهُ في رَحمَةٍ وَفَواضِلِ

ــــــــــــــ

(١) الملل والنحل ، الشهرستاني : ص ٢٣٧ ـ ٢٣٨ .

١٠٠