ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان الجزء ١

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان25%

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 233

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149579 / تحميل: 6676
الحجم الحجم الحجم
ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

وإذا أذن لعبده في الاستدانة لزم المولى أداؤه وإن أعتقه على رأي، ويستوي غرماؤه وغرماء المولى في تقسيط التركة، ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة فاستدان وتلف المال لزم ذمة العبد، ولو لم يأذن له فيهما فكذلك ولا يتعدى العبد المأذون.

والاطلاق ينصرف إلى الابتياع بالنقد، ولو أذن في النسيئة فالثمن على المولى، ولو أخذ ما اقترضه مملوكه تخير المالك في الرجوع على المولى والاتباع.

المقصد الثانى في الرهن

وفيه مطلبان: الاول عقد الرهن الايجاب: كرهنت أو هو وثيقة عندك وشبهه، والقبول: كقبلت، وتكفي الاشارة الدالة على الرضا مع العجز عن النطق، ولا يفتقر إلى القبض على رأي، وهو لازم من طرف الراهن خاصة.

ويشترط كونه عينا مملوكة يمكن قبضه ويصح بيعه، فلا ينعقد رهن الدين، ولا المنفعة، ولا ما لا يصح تملكه وإن وضع المسلم الخمر على يد ذمي، ولا الطير في الهواء ولا الوقت.ورهن المدبر إبطال لتدبيره، ويمضي رهن ملكه لو ضمه إلى ملك غيره، ويقف الاخر على الاجازة.

ويصح رهن المسلم والمصحف عند الذمي إذا وضعا على يد مسلم، والمرتد وإن كان عن فطرة، والجاني عمدا وخطأ.وإنما يصح على دين ثابت في الذمة، لا على ما لم يثبت وإن وجد سببه، كالدية قبل استقرار الجناية.

ويصح على مال الكتابة، فإن فسخ المشروطة للعجز بطل.ولا ينعقد على ما لم يمكن(١) استيفاؤه منه، كالاجارة المتعلقة بعين المؤجر كخدمته.ويصح في العمل المطلق، وأن يجعل الرهن على دين رهنا على آخر.

ويشترط في المتعاقدين جواز التصرف، ولولي الطفل الرهن وقبوله مع المصلحة، دون إسلاف ماله أو إقراضه، إلا مع الغبطة والحاجة(٢) فيأخذ الرهن، ولو تعذر أقرض من الثقة.

ويجوز للمرتهن اشتراط الوكالة له ولغيره ويلزم، وضع الرهن على يد أجنبي، فلو مات بطلت وكالته(٣) دون الرهن، ولو مات المرتهن لم تنتقل الوكالة إلى وارثه، إلا مع الشرط.

_______________________

(١) في(س) و(م): " ما لا يمكن ".

(٢) في(م): " او الحاجة ".

(٣) في(س) و(م): " الوكالة ".

١٦١

ويسلمه العدل إليهما أو إلى من يتفقان عليه، ولو غابا سلمه إلى الحاكم مع الحاجة لا بدونها، ولو دفعه مع الحاجة إلى غير الحاكم من دون إذنهما أو إذن الحاكم مع القدرة عليه ضمن، ولو وضعاه على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما.

المطلب الثانى: في الاحكام

يقدم استيفاء دين الرهن منه، وإن كان المديون وقصرت أمواله، فإن فضل شئ صرف في الديون ودين المرتهن على غير الرهن كغيره ولو اعوز ضرب مع الغرماء بالباقي.

والمرتهن أمين لا يضمن إلا بالتعدي، ولا يسقط بتلفه شئ من الحق، ولو تصرف ضمن العين إن تلفت بالمثل في المثلي، والقيمة يوم التلف في غيره والاجرة، وله المقاصة لو أنفق، وللمرتهن الاستيفاء لو خاف الجحود من غير إذن من الراهن ووارثه.

ولو ظهر للمشتري من المرتهن أو وكيله عيب رجع على الراهن، ولو كان الرهن مستحقا رجع المالك(١) على المرتهن القابض.

والراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن، ولو أذن أحدهما للاخر صح، وإلا وقف على الاجازة، إلا أن يعتق المرتهن.

ولو باع الراهن فطلب(٢) المرتهن الشفعة، ففي كونه إجازة للبيع نظر.

ولو أحبلها الراهن فهي ام ولد ولا يبطل الرهن، وفي جواز بيعها قولان(٣) .

ولو أذن المرتهن في البيع فباع بطل الرهن ولم تجب رهنية الثمن، ولو أذن الراهن في البيع قبل الاجل لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن إلا بعده، وإذا حل الاجل باع المرتهن إن كان وكيلا وإلا الحاكم.

_______________________

(١) لفظ " المالك " لم يرد في(س) و(م).

(٢) في(س) و(م): " وطلب ".

(٣) ذهب إلى عدم جواز البيع المحقق في الشرائع ٢ / ٨٢، وغيره.

وذهب إلى جواز البيع مطلقا الشيخ في المبسوط ٢ / ٢٠٦، وابن ادريس في السرائر: ٢٥٩.وهنا قول ثالث، فقد ذهب ابن زهرة في الغنية: ٥٣٠ وغيره إلى أنه ان كان موسرا وجب عليه قيمتما تكون رهنا مكانها لحرمة الولد، وان كان معسرا بقيت رهنا بحالها وجاز بيعها في الدين.

١٦٢

ويبطل الرهن بالاقباض، والابراء، وإسقاط حق الرهانة، ولو شرط إن لم يؤد في المدة كان مبيعا بعدها بطل وضمن بعده المدة لا فيها، ولو رهن المغصوب عند الغاصب صح ولم يزل الضمان.وفوائد الرهن للراهن، فلا يدخل الحمل في الرهن وإن تجدد على رأي.وإذا قضى دين الرهن لم يجز إمساكه على الاخر، ولو رهن غير المملوك بإذن مالكه صح وضمن قيمته، ولو بيع بأزيد طالبه المالك بالزيادة، ولو غرس الراهن اجبر على الازالة.ولو رهن ما يمتزج بغيره كاللقطة من الخيار صح وكان شريكا إن لم يتميز.وحق الجناية مقدم، فإن افتك المولى في الخطأ بقي رهنا، وإن سلمه كان فاضل الارش رهنا، ولو استوعب بطل الرهن، ولو جنى على مولاه عمدا اقتص منه وبقي رهنا، ولو كانت خطأ لم يخرج عن الرهن ولو كانت نفسا قتل في العمد، ولو جنى على من يرثه المولى اقتص في العمد وافتك في الخطأ، وقيمة الرهن المأخوذة من المتلف والارش رهنان.ولو صار العصير خمرا(خرج)(١) عن الرهن، ولو عاد خلا عاد.ولو وزع المرتهن الحب فالزرع للراهن رهن، والرهانة موروثه دون الوكالة والاستيمان.

والقول قول المرتهن في عدم التفريط، وفي القيمة معه، وفي ادعاء تقدم رجوعه في إذن البيع للراهن عليه، وقول الراهن في قدر الدين، وفي ادعاء الايداع لو ادعى الاخر الرهن، وفي تعيين القضاء لاحد الدينين، وفي عدم الرد.

ولو قال: رهنتك العبد، فقال: بل الامة تحالفا وخرجا عن الرهن.

المقصد الثالث في الحجر

وفيه مطلبان:الاول: في أسبابه

وأسبابه ستة:

الاول: الصغر ويحجر على الصغير في تصرفاته أجمع إلا(٢) أن يبلغ ويرشد.

ويعلم بلوغ الذكر: بالمني، وإنبات الشعر الخشن على العانة، وبلوغ الخمس عشرة(٣) سنة.

_______________________

(١) في(الاصل): " اخرج " والمثبت من(س) و(م) وهو الانسب.

(٢) في(س) و(م): " إلى ".

(٣) في(س) و(م): " خمسة عشر ".

١٦٣

والانثى: بالاولين، وبلوغ تسع، والحمل والحيض دليلان.

والخنثى المشكل: بخمس عشرة، أو المني من الفرجين، أو من فرج الذكر مع الحيض من فرج الانثى.

ويعلم الرشد: باصلاح ماله بحيث يتحفظ من الانخداع والتغابن في المعاملات.

وتقبل فيه شهادة عدلين، وشهادة أربع نساء في الانثى.وصرف المال في صنوف الخير ليس بتبذير مع بلوغه في الخير، وصرفه في الاغذية النفيسة غير الملائمة لحاله(١) تبذير، ولو طعن في السن غير رشيد لم يزل الحجر.

الثاني: الجنون ويمنع من التصرفات أجمع إلا أن يكمل عقله، ولو كان يعتوره أدوارا صح

تصرفه وقت إفاقته، ولو ادعى وقوع البيع مثلا حالة(٢) جنونه فالقول قوله مع اليمين.

الثالث: السفه ويمنع السفيه وهو: المبذر لامواله في غير الاغراض الصحيحة عن التصرف في ماله، فلو باع، أو وهب، أو أقر بمال، أو أقرض لم يصح مع حجر الحاكم عليه.ويصح تصرفه في غير المال، كالطلاق، والظهار، والخلع، والاقرار بالحد، والقصاص، والنسب، ولا يسلم إليه عوض الخلع.ويجوز أن يتوكل لغيره في بيع وهبة وغيرهما، ولو أجاز الولي بيعه صح.

الرابع: الملك فالعبد والامة محجور عليهما لايملكان شيئا ولو ملكهما مولاهما ولو تصرفا لم يمض إلا بإذن المولى.

الخامس: المرض ويمنع المريض من الوصية بأكثر من الثلث ما لم يجز الورثة، وفي التبرعات المنجزة قولان(٣) .

_______________________

(١) في(س): " بحاله ".

(٢)(س) و(م): " حال ".

(٣) ذهب إلى أنها تخرج من الاصل المفيد في المقنعة: ١٠١، والشيخ في النهاية: ٦٢٠.

وابن البراج كما عنه في المختلف: ٥١٤، وابن ادريس الحلى في السرائر: ٣٩٢.

وذهب إلى أنها تخرج من الثلث الصدوق وابن الجنيد كما عنهما في المختلف: ٥١٤.

والمحقق في الشرائع ٢ / ٢٣٢.

١٦٤

السادس: الفلس ويحجر عليه بشروط أربعة: ثبوت الديون عند الحاكم، وحلولها، وقصور أمواله عنها، وسؤال أربابها الحجر.فلو سأل هو، أو تبرع به الحاكم، أو كانت أمواله مساوية، أو كانت مؤجلة فلا حجر. ويثبت حجره بحكم الحاكم به، ويزول بالاداء ولا يشترط الحكم.

المطلب الثانى: في الاحكام

والكلام فيه يقع في مقامين: الاول في أحكام السفيه:

ويثبت حجر السفيه بحكم الحاكم لا بمجرد سفهه على إشكال، ولا يزول إلا بحكمه وإذا بايعه انسان بعد الحجر كان باطلا ويستعيد العين، ولو تلفت وكان القبض بإذن المالك فلا رجوع وإن زال الحجر، وإن كان بغير إذنه رجع عليه ولو أتلف ما اودع فالوجه عدم الضمان(١) ، ولو فك حجره فعاد تبذيره عاد الحجر.

والولاية في ماله إلى الحاكم، وفي مال الطفل والمجنون إلى الاب أو الجد له، فإن فقدا فالوصي، فإن فقد فالحاكم.

ولا يمنع من الحج الواجب ويدفع إليه كفايته ولا من المندوب إن استوت نفقته في الحالين أو تمكن من التكسب، وإلا حلله الولي.

وينعقد يمينه ويكفر بالصوم، وله العفو عن القصاص بغير شئ واستيفاؤه لا عن الدية، ويختبر الصبي قبل بلوغه ولا يصح بيعه.

_______________________

(١) قال الشهيد في غاية المراد: " يريد اودع السفيه شيئا فأتلفه فالوجه أنه لايضمن، لتفريط المودع لاعطائه ".

١٦٥

المقام الثانى في أحكام المفلس:

وهي أربعة:

الاول: منع التصرف(ويمنع)(١) من كل تصرف مبتدأ يصادف(٢) المال الموجود عند ضرب الحجر: كالعتق، والرهن، والبيع، والكتابة، والهبة، ولا يمنع مما لا يصادف(٣) المال: كالنكاح، والخلع، واستيفاء القصاص، وعفوه، وإلحاق النسب، ونفيه باللعان، والاحتطاب، والاتهاب، وقبول الوصية(٤) .ولو أقر بمال فالوجه اتباعه بعد الفك، ولو أقر بعين فالوجه عدم السماع. ولا يتعدى الحجر إلى المال(٥) المتجدد على إشكال، وله إجازة بيع الخيار وفسخه من غير اعتبار الغبطة، والرد بالعيب مع اعتبارها، وليس له قبض دون حقه.

ولو اقترض أو اشترى في الذمة لم يشارك المقرض والبائع الغرماء، ولو أتلف مالا بعده ضرب المالك به، ولو باعه بعد الحجر احتمل تعلق البائع بعين المال إن جهل إفلاسه، والصبر بالثمن إلى الفك، والضرب به مع الغرماء.

ولا يحل المؤجل بالحجر، وتقدم على الديون اجرة الكيال والحمال وما يتعلق بمصلحة الحجر.ولو أقام شاهدا بدين حلف ويأخذ الغرماء، فإن نكل فليس للغرماء الحلف.

الثانى: اختصاص الغريم بعين ماله وإنما يرجع البائع في العين مع تعذر استيفاء الثمن بالافلاس، فلو وفى

_______________________

(١) في(الاصل): " ويمتنع " والانسب ما أثبتناه، وهو من(س) و(م).

(٢) في مجمع الفائدة والبرهان: " يضر في ".

(٣) في(س) و(م): " لا يضر ".

(٤) من قوله: " الوصية " إلى قوله: " التلف والقيمة " قبل المقصد التاسع من كتاب الاجارة، كل هذا لم يرد في(الاصل) فالاعتماد يكون على نسختى(س) و(م) ونسخة(س) هى الاصل.

(٥) في(م): " مال ".

١٦٦

المال به فلا رجوع، ولو قدمه الغرماء فله الرجوع، لاشتماله على المنة، وتجويز ظهور غريم آخر.

ولا رجوع لو تعذر بامتناعه، بل يحبسه الحاكم أو يبيع عليه، وإنما يرجع إذا كان الثمن حالا، ويرجع وإن لم يكن سواها مع الحياة.

وله الضرب بالثمن مع الغرماء، ولا اختصاص مع الموت إلا مع الوفاء، ولو وجد البعض أخذه وضرب بثمن الباقي، وكذا لو تعيب بعيب استحق أرشه ضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لا بأرش الجناية، ولو كان من قبله تعالى أو بجناية المفلس أخذ العين بالثمن أو ضرب.والنماء المنفصل للمفلس، ولو كان متصلا فالوجه سقوط حقه من العين.ويقدم حق الشفيع، ويضرب البائع بالثمن، ويفسخ المؤجر وإن بذل الغرماء الاجرة، ولو أخذ بعد الغرس بيعت الغروس وليس له الازالة بالارش.ولا يبطل حقه بالخلط بالمساوي والاردأ، ويضرب بالثمن لو خلط بالاجود.

ولو نسج الغزل فله العين وللغرماء الزائد بالعمل، وكذا لو صبغه أو عمل فيه بنفسه.ويتخير المشتري سلما في الضرب بالقيمة أو الثمن(١) ، وللبائع أخذ المستولدة وله بيعها دون الولد، ويتعلق حق الغرماء بدية الخطأ والعمد إن قبل ديته، ولا يثبت الفسخ إلا في المعاوضة المحضة كالبيع والاجارة، ولو كانت الدابة في بادية نقلت إلى مأمن باجرة المثل مقدمة على الغرماء.

ولو زرع ترك بعد الفسخ باجرة المثل مقدمة على الغرماء، ولو أفلس المؤجر بعد تعيين ما أجره فلا فسخ، بل يقدم المستأجر بالمنفعة لتعلق حقه بعين الدار، ولو كانت الاجارة(٢) واردة على ما في الذمة فله الرجوع إلى الاجرة مع بقائها.

_______________________

(١) في(م): " أو بالثمن ".

(٢) في(م) ومجمع الفائدة: " الاجرة ".

١٦٧

الثالث: قسمة أمواله ويبادر الحاكم إلى بيع المخشي تلفه أولا وبعده بالرهن وينبغي إحضار كل متاع في سوقه، وإحضار الغرماء، والتعويل على مناد أمين، وتقدم اجرته.

وتجري عليه نفقته ونفقة أهله وكسوتهم على عادة أمثاله(١) إلى يوم القسمة، فيعطى هو وعياله نفقة ذلك اليوم، ويقدم كفنه الواجب لو مات قبل القسمة، ثم يقسم(٢) الحاكم وعلى الاموال الحالة الثابتة شرعا دون المؤجلة.

ولو ظهر غريم بعد القسمة نقضت وشارك، ولو حل المؤجل قبل القسمة شارك، ولو جنى عبده قدم حق المجنى عليه وليس له فكه، ولو اقتضت المصلحة تأخر(٣) القسمة جعل المال في ذمة ملئ، فإن تعذر اودع من الثقة.

الرابع: حبسه ويحرم مع إعساره الثابت باعتراف الغريم أو البينة، ولو ماطل مع القدرة فللحاكم حبسه والبيع عليه.

ولو ادعى الاعسار وكان له أصل مال، أو كان أصل الدعوى مالا افتقر إلى بينة(٤) ، فإن شهدت بتلف أمواله فلا يمين، ولو شهدت بالاعسار افتقر إلى اطلاعها على باطن أمره واحلف.وإن لم يكن له أصل مال، ولا كانت الدعوى مالا، قبلت يمينه بغير بينة، ومع القسمة يطلق.ولا يجوز مؤاجرته ولا استعماله، ولو كان له دار غلة أودابة وجب أن يؤاجرها وكذا المملوكة وإن كانت ام ولد.ولا تباع دار سكناه، ولا عبد خدمته، ولا فرس ركوبه إذا كان من أهلها، ولا ثياب تجمله.

_______________________

(١) في(م): " أمثالهم ".

(٢) في(م): " يقسمه ".

(٣) في حاشية(س): " تأخير خ ل ".

(٤) في(م): " البينة "

١٦٨

المقصد الرابع في الضمان

ومطالبه ثلاثة: الاول يشترط في الضامن: جواز التصرف

والملاء‌ة أو علم المضمون له بالاعسار.

فلا يصح: ضمان الصبي، ولا المجنون، ولا المملوك بدون إذن المولى، ومعه يثبت في ذمته لا كسبه، إلا أن يشترط، كما لو شرط الضمان من مال بعينه.ولا يشترط علمه بالمضمون له، ويشترط رضاه لا رضا المضمون عنه، والضمان ناقل.ولو أبرأ المالك المضمون عنه لم يبرأ الضامن، ولو أبرأ الضامن برئا معا، ولو ظهر إعساره تخير في الفسخ، ولو تجدد بعد الضمان فلا فسخ.

ويجوز حالا ومؤجلا عن حال ومؤجل، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أدى إن ضمن بإذنه وإلا فلا، ولو دفع عرضا رجع بأقل الامرين، ولو أبرأ من بعض لم يرجع به.

وإنما يصح إذا كان الحق ثابتا في الذمة وقت الضمان، مستقرا كان كالثمن بعد الخيار أو غيره كالثمن فيه، ولا يصح قبل الثبوت وإن آل إليه.

ويصح ضمان مال الكتابة، والنفقة الماضية والحاضرة لا المستقبلة، وضمان الاعيان المضمونة كالغصب، والمقبوض بالسوم والعقد الفاسد لا الامانة كالوديعة وترامي الضمان. ولا يفتقر إلى العلم بالكمية، فلو ضمن ما في ذمته صح، ويلزم ما تقوم به البينة لا ما يقر به المضمون عنه، أو يحلف المضمون له برد المضمون عنه.

ولا يصح ضمان ما يشهد به عليه، ويلزم(١) ضامن عهدة الثمن الدرك في كل موضع يبطل(٢) أصل البيع كالمستحق، لا ما تجدد بطلانه بفسخ لعيب وغيره، وتلف مبيع(٣) قبل قبضه.

ولو طالب بأرش عيب سابق يرجع(٤) على الضامن، ولو خرج بعضه مستحقا رجع على الضامن به وعلى البائع بالباقي.

_______________________

(١) في(م): " ويلزم على ".

(٢) في(م): " بطل ".

(٣) في(م): " المبيع ".

(٤) في(م): " رجع ".

١٦٩

والقول قول المضمون له في عدم تقبيض الضامن، ولو شهد للضامن المضمون عنه قبلت مع عدم التهمة، ولو كان فاسقا وحلف المضمون له أخذ من الضامن ما حلف عليه ورجع الضامن بما أداه أولا، ولو لم يشهد رجع بما أداه ثانيا إن لم يزد(على الاول)(١) ويخرج ضمان المريض من الثلث.

المطلب الثانى: في الحوالة ويشترط: رضا الثلاثة، وملاء‌ة المحال عليه أو علم المحتال بالاعسار، والعلم بالمال، وثبوته في ذمة المحيل.

ولا يجب قبولها على الملئ، وهي ناقلة، ويبرأ بها المحيل وإن لم يبرئه المحتال، ولا يشترط سبق شغل ذمة المحال عليه.

ولو أحاله على فقير ورضي به(٢) عالما لزم، وكذا على ملئ ثم افتقر، ويصح ترامي الحوالات ودورها.

ولو أدى المحال عليه ثم طالب المحيل فادعى شغل ذمته، فالقول قول المحال عليه.

وتصح الحوالة بمال الكتابة بعد الحلول وقبله كالمؤجل، ولو أحال المشتري البائع بالثمن ثم رد بالعيب بطلت على إشكال، فإن كان قبض استعاده المشتري

من البائع وبرئ المحال عليه، ولو أحال البائع بالثمن ثم فسخ المشتري لم يبطل، ولو بطل أصل العقد بطلت فيهما.

المطلب الثالث: في الكفالة وهي: التعهد بالنفس ممن له حق، ويشترط رضا الكفيل والمكفول له، وتعيين المكفول، فلو كفل أحدهما، أو واحدا(معينا)(٣) منهما فإن لم يحضره فالاخر بطلت، والتعيين في الكفالة بما يدل على الجملة: كالرأس والبدن والوجه دون اليد والرجل.وتصح حالة ومؤجلة وترامي الكفالات، والاطلاق يقتضي التعجيل.

ويشترط ضبط الاجل، فإن سلمه الكفيل بعده تاما برئ، وإلا حبسه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه.

ولو قال: إن لم احضره كان علي كذا لزمه الاحضار خاصة، ولو قال: علي كذا إلى كذا إن لم احضره وجب المال.

_______________________

(١) زيادة من(م).

(٢) لفظ " به " لم يرد في(م).

(٣) زيادة من(م).

١٧٠

ولو أطلق غريما من يد صاحبه قهرا لزمه احضاره أو أداء ما عليه، ولو كان قاتلا لزمه الاحضار أو الدية.

ولا يجب(تسلم)(١) الخصم قبل الاجل، ولا الممنوع من تسلمه بيد القهر، ويجب بعد الاجل، والمحبوس شرعا(٢) .

ويبرأ الكفيل: بموت المكفول، وتسليم نفسه، وباحضار الكفيل الاخر له، ولو كفله من اثنين لم يبرأ بالتسليم إلى أحدهما.

وينظر الكفيل بعد الحلول بقدر الذهاب إلى بلد المكفول وإحضاره، وينصرف الاطلاق إلى التسليم في بلد الكفالة، ولو عين غيره لزم.

والقول قول المكفول له لو ادعى الكفيل انتفاء الحق، ولو ادعى الابراء احلف(٣) المكفول له، فإن رد برئ من الكفالة دون المكفول من الحق.

المقصد الخامس في الصلح

ويصح على الاقرار والانكار ما لم يغير المشروع، ومع علم المصطلحين وجهلهما بقدر المال المتنازع عليه دينا كان أو عينا، لا ما وقع عليه الصلح.وتكفي المشاهدة في الموزون، ويصح على عين بعين ومنفعة، وعلى منفعة بعين ومنفعة.

ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بالعكس صح وإن لم يتقابضا، وهو لازم من الطرفين لا يبطل إلا بالتراضي.

ولو اصطلح الشريكان على اختصاص أحدهما بالربح والخسران والاخر برأس ماله صح.

ويعطى مدعي الدرهمين بيدهما أحدهما ونصف الاخر، ومدعي أحدهما نصف الاخر، وكذا لو أودعه أحدهما اثنين والاخر ثالثا وذهب أحدهما من غير تفريط، ويقسم ثمن الثوبين المشتبهين على نسبة رأس المال.

_______________________

(١) في(س): " تسليم " والمثبت من(م) وهو الانسب.

(٢) أى: ويجب تسليم المحبوس شرعا.

(٣) في(م): " حلف ".

١٧١

ولو صدق أحد المدعيين(المدعى عليه)(١) لعين بسبب يقتضي الشركة كالميراث وصالحه على نصفه صح إن كان بإذن شريكه، والعوض لهما، وإلا ففي الربع، وإن لم يقتض الشركة لم يشتركا في المقربه.

وليس طلب الصلح إقرارا، بخلاف بعني أو ملكني أو أجلني أو قضيت أو أبرأت.

ولو بان استحقاق أحد العوضين بطل الصلح، ولو صالحه على درهمين عما أتلفه وقيمته درهم صح، ولو صالح المنكر مدعي الدار على سكنى سنة صح ولا رجوع، وكذا لو أقر.

ويقضى للراكب دون قابض اللجام على رأي، ولصاحب الجمل لو تداعيا الجمل الحامل، ولصاحب البيت لو تداعيا الغرفة المفتوحة إلى الاخر، ولصاحب البيت بجدرانه لو نازعه الاعلى، ولصاحب الغرفة بجدرانها لو نازعه الاسفل وكذا في سقفها على رأي، ولمن اتصل بناء الجدار به لو تداعياه، ولصاحب السقف عليه، ولمن إليه معاقد القمط(٢) في الخص، ولصاحب العلو بالدرجة، والخارج(٣) عن المسلك إلى العلو لصاحب السفل.

ويتساويان في المسلك، والخزانة تحت الدرجة، والثوب الذي في يد أحدهما أكثره، والعبد الذي لاحدهما عليه ثياب، والجدار غير المتصل، والحامل.

ولا ترجيح بالخوارج والروازن، فيحكم في هذه الصور مع عدم البينة لمن حلف، ولو حلفا أو نكلا فهو لهما.

ولا يجب على الجار وضع خشب جاره على حائطه بل يستحب، فإن رجع بعده لم يصح إلا بالارش، ولو انهدم لم يعد الطرج إلا بإذن مستأنف.

ويصح الصلح على الموضع(٤) بعد تعيين الخشب ووزنه وطوله، وليس للشريك التصرف في المشترك إلا بإذن شريكه، ولو انهدم لم يجبر الشريك على العمارة إلا أن يهدمه بغير إذن شريكه، أو بإذنه بشرط الاعادة.

_______________________

(١) زيادة من(م).

(٢) بالكسر فالسكون: حبل يشد به الاختصاص وقوائم الشاة للذبح، انظر: مجمع البحرين ٤ / ٢٧٠ قمط.

(٣) في(م): " وبالخارج ".

(٤) في(م): " الوضع ".

١٧٢

وللجار عطف أغصان شجرة جاره الداخلة إليه، فإن تعذر(١) قطعت.

ويجوز اخراج الرواشن والاجنحة والميازيب إلى النافذة مع انتفاء الضرر وإن عارض مسلم، وفتح الابواب فيها، ويمنع مقابله من معارضته وإن استوعب الدرب.

ولو سقط فسبق مقابله لم يكن للاول منعه، ولا يجوز جميع ذلك في المرفوعة إلا بإذن أربابها وإن لم يكن مضرا، ولو أحدث جاز لكل أحد إزالته.

ويمنع من فتح باب لغير الاستطراق أيضا دفعا للشبهة، ولا يمنع من الروازن والشبابيك وفتح باب بين داريه المتلاصقتين، إذا كان باب كل واحدة من زقاق منقطع.

وذو الباب الادخل يشارك الاقدم إلى بابه، والفاضل من الصدر إن وجد، وينفرد بما بين البابين، ولكل من الداخل والخارج تقديم بابه لا إدخالها.

المقصد السادس في الاقرار

ومطالبه اثنان: الاول: في أركانه

وهي أربعة:

الاول: المقر

ويشترط: بلوغه، ورشده، وحريته، واختياره، وجواز تصرفه، لاعدالته.

ولو أقر الصبي بالوصية بالمعروف صح على رأى، ولو أقر السفيه بماله فعله صح دون اقراره بالمال، ولو أقر بسرقة قبل في القطع خاصة، ولو أقر المملوك تبع به إن عتق.وكل من يملك التصرف في شئ ينفذ اقراره فيه، كالعبد المأذون له في التجارة إذا أقر بما يتعلق بها، ويؤخذ مما في يده، وإن كان أكثر لم يضمنه المولى.

ويقبل اقرار المفلس وفي مشاركة الغرماء نظر واقرار المريض مع انتفاء التهمة ومعها يكون وصية، واقرار الصبي بالبلوغ إن بلغ الحد الذي يحتمله.

_______________________

(١) في(م): " تعذرت ".

١٧٣

الثانى: المقر له: وله شرطان:

(الاول)(١) أن تكون له أهلية التملك.

فلو أقر للحمار لم يصح، ولو قال: بسببه فهو لمالكه على إشكال، ولو أقر للعبد فهو لمولاه، ولو أقر للحمل صح إن أطلق أو ذكر المحتمل كالارث والوصية، ولو ذكر غيره كالجناية عليه فالاقرب الصحة، ولا تؤثر الضميمة، فإن سقط حيا لاقصى مدة الحمل ملكه، وإن سقط ميتا وأسنده إلى الميراث رجع(٢) إلى الورثة وإلى الوصية يرجع إلى ورثة الموصي، ولو أجمل طولب بالبيان، ولو ولد لاكثر من عشرة لم يملك، ولو كانا اثنين تساويا، ولو سقط أحدهما ميتا فهو للاخر.

ولو أقر لميت وقال: لا وارث له سوى هذا الزم التسليم، ولو أقر لمسجد أو لمقبرة قبل إن أضاف إلى الوفق أو أطلق أو ذكر سببا محالا على إشكال.

الثاني: أن لا يكذب المقر به.فلو كذب لم يسلم إليه، ويحفظه(٣) الحاكم أو يبقيه في يد المقر أمانة.

ولو رجع المقر له عن الانكار سلم إليه، ولو رجع المقر في حال انكار المقر له فالوجه عدم القبول، لانه أثبت الحق لغيره، بخلاف المقر له، فإنه اقتصر على الانكار.

ولو قال: هذا لاحدهما الزم البيان، فإن عين قبل وللاخر إحلافه، ولو أقر للاخر غرم، ولو قال: لا أعلم حلف لهما وكانا خصمين.

_______________________

(١) زيادة من(م).

(٢) في(م): " يرجع ".

(٣) في(م): " ويحفظ ".

١٧٤

ولو أنكر اقرار العبد، قال الشيخ(١) : عتق(٢) ، وليس بجيد.

الثالث: الصيغة وهي اللفظ الدال على الاخبار عن حق سابق مثل: له علي، أو عندي، أو في ذمتي - بالعربية وغيرها.

وشرطها التنجيز، فلو قال: لك علي كذا إن شئت، أو إن قدم زيد، أو إن شاء الله، أو إن شهد لم يلزم، ولو قال: إن شهد فهو صادق لزمه في الحال وإن لم يشهد.

ولو قال: علي ألف إذا جاء رأس الشهر أو بالعكس صح إن قصد الاجل لا التعليق.

ولو قال المدعي: لي عليك ألف، فقال: رددتها، أو قضيتها، أو نعم، أو أجل، أو بلى، أو صدقت، أو لست منكرا له، أو أنا مقر به الزم.

ولو قال: زنها، أو خذها، أو أنا مقر ولم يقل: به أو أنا اقر بها لم يكن اقرارا.

_______________________

(١) قال النجاشى في رجاله: ٤٠٣ " محمد بن الحسن بن على الطوسى أبوجعفر، جليل في أصحابنا، ثقة عين تلامذه شيخنا أبى عبدالله ".وقال المصنف في رجاله: ١٤٨ ".

شيخ الامامية قدس الله روحه رئيس الطائفة جليل القدر عظيم المنزلة ثقة عين صدوق عارف بالاخبار والرجال والفقه والاصول والكلام والارب وجميع الفضائل تنسب اليه، صيف في كل فنون الاسلام، وهو المهذب للعقائد في الاصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل، وكان تلميذ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ولد قدس الله روحه في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.

وتوفى رضى الله عنه ليلة الاثنين الثانى والعشرين من المحرم سنة ستين واربعمائة بالمشهد المقدس الغروى على ساكنه السلام، ودفن بداره ".

(٢) قاله في المبسوط ٣ / ٢٣.

١٧٥

ولو قال: أليس عليك؟ فقال: بلى، فهو اقرار، وكذا نعم على إشكال.

ولو قال: اشتريت مني أو استوهبت فقال: نعم، أو ملكت هذه الدار من فلان أو غصبتها منه فهو اقرار، بخلاف تملكتها على يده، فلو(١) قال: بعتك أباك فاذا حلف الولد عتق المملوك ولا ثمن(٢) .

الرابع المقربه، وفيه بحثان:

الاول: في الاقرار بالمال ولا يشترط كونه معلوما فلو أقر بالمجهول صح ولا أن يكون مملوكا للمقر، بل لو كان مملوكا له بطل، كما لو قال: داري لفلان أو مالي.

ولو شهد الشاهد بأنه أقر له بدار كانت ملكه إلى حين الاقرار بطلت الشهادة، ولو قال: هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الاقرار اخذ بأول كلامه.

ويشترط كون المقر به تحت يده، فلو أقر بحرية عبد غيره لم يقبل، فلو اشتراه كان فداء من جهته وبيعا من جهة والبائع ولا يثبت فيه خيار الشرط والمجلس ثم يحكم بالعتق على المشتري، فإن مات العبد ولا وارث له وله كسب أخذ المشتري الثمن.

ولو قال: له في ميراث أبي، أو من ميراث أبي، أو في هذه الدار مائة فهو اقرار، بخلاف له في ميراثي من أبي، أو من ميراثي من أبي، أو في داري هذه، أو في مالي.

ولو قال: في هذه المسائل بحق واجب أو سبب صحيح ونحوه صح.

ولو قال: لفلان علي شئ أو مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول(٣) ، ولا يقبل بالحبة من الحنطة، ولا بكلب الهراش، ولا السرجين وجلد الميتة والخمر والخنزير،

_______________________

(١) في(م): " ولو ".

(٢) في حاشية(س): " قيل: ولا ثمن ".

(٣) في(م): " ما يتمول به ".

١٧٦

ولا رد السلام والعيادة، ولو لم يفسر حبس حتى يفسر، فلو(١) فسر بدرهم، فقال المدعي: أردت عشرة لم تقبل دعوى الارادة، بل له أن يدعي العشرة فيقدم قول المقر(٢) ، ولو فسر(٣) بالمستولدة قبل.

ولو قال: مال عظيم، أو نفيس، أو جليل، أو كثير(٤) ، أو خطير، أو مال أي مال قبل تفسيره بالاقل.

ولو قال: أكثر مما لفلان الزم بقدره وزيادة ويرجع فيها إليه، ويصدق لو ادعى ظن القلة، أو ادعى ارادة أن الدين أكثر بقاء من العين، أو أن الحلال أكثر بقاء من الحرام.

ولو قال: كذا درهما فعشرون، ولو جر فمائة، ولو رفع فدرهم.

ولو قال: كذا كذا درهما فأحد عشر، وكذا وكذا درهما أحد وعشرون إن عرف.ويرجع الاطلاق إلى نقد البلد ووزنه وكيله، ومع التعدد إلى ما يفسره ويقبل تفسيره بغيره، ويحتمل الجمع على أقله وهو الثلاثة وإن كان جمع كثرة.

ولو قال: من واحد إلى عشرة فتسعة، ولو قال: درهم في عشرة ولم يرد الحساب فواحد.

والاقرار بالظرف ليس اقرارا بالمظروف، وبالعكس.

ولو قال: له هذه الجارية، فجاء بها حاملا، فالحمل له على إشكال.

ولو قال: له درهم درهم، أو درهم فوق درهم، أو مع درهم، أو تحت درهم، أو درهم فدرهم فواحد.

_______________________

(١) في(م): " ولو ".

(٢) في متن(م): " المفسر " وفى الحاشية: " المقر ".

(٣) في متن(م): " أقر " وفى الحاشية: " فسر خ ل ".

(٤) في(م): " أو كثير أو قليل ".

١٧٧

ولو قال: درهم ودرهم، أو ثم درهم فاثنان.

ولو قال: درهم ودرهم ودرهم فثلاثة، ولو قال: أردت بالثلاث تأكيد الثاني قبل، ولو قال: أردت تأكيد الاول لم يقبل.

ولو كرر الاقرار في وقتين فهما واحد، إلا أن يضيف إلى سببين مختلفين، ولو أضاف أحدهما حمل المطلق عليه، فيدخل(١) الاقل تحت الاكثر.

ولو قال: له عبد عليه عمامة فهو اقرار بهما، بخلاف دابة عليها سرج.

ولو قال: الف ودرهم رجع في تفسير الالف إليه.

ولو قال: خمسة عشر درهما، أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما، أو ألف ومائة درهم، أو ألف وثلاثة دراهم فالجميع دراهم.

ولو قال: درهم ونصف، رجع في تفسير النصف إليه.

ولو قال: له هذا الثوب أو العبد، فإن عين قبل، ولو أنكر المقر له حلف وانتزع الحاكم ما أقر به أو جعله أمانة.

ولو قال: له في هذه الدار مائة رجع في تفسير المائة إليه، والاقرار بالولد ليس إقرارا بزوجية الام.

البحث الثاني: في الاقرار بالنسب ويشرط فيه:

أهلية المقر، وتصديق المقر له إن كان غير الابن أو كان ابنا بالغا، وأن لا يكذبه الحس ولا الشرع، ولا منازع في الاقرار بالولد.فلو أقر بمن هو أكبر سنا، أو بمشهور النسب، أو لم يصدقه البالغ، أو نازعه آخر لم يقبل.

ولو استلحق مجهولا بالغا وصدقه قبل، ولو كان صغيرا الحق في الحال، ولا يقبل إنكاره بعد بلوغه.

_______________________

(١) في(م): " ويدخل ".

١٧٨

ولو أقر ببنوة الميت قبل صغيرا كان أو كبيرا، ولا يعتبر التصديق، وكذا لا يعتبر لو أقر ببنوة المجنون.

ولو أقر بغير الولد افتقر إلى البينة أو التصديق، وإذا صدقه توارثا، ولا يتعدى التوارث، ولو كان له ورثة مشهورون لم يقبل في النسب، ولو أقر ولد الميت بآخر ثم أقرا بثالث فأنكر الثالث الثاني فللثالث النصف وللثاني السدس وللاول الثلث، ولو مات الثالث عن ابن مقر دفع السدس إلى الثاني، ولو كان الاولان معلومي النسب لم يلتفت إلى إنكار الثالث وكان المال أثلاثا.

ولو أقرت الزوجة بابن، فإن صدقها الاخوة فللولد سبعة الاثمان، وإلا الثمن.

وكل وارث أقر بأولى منه دفع ما في يده إليه(١) ، وإن كان مثله دفع بنسبة نصيبه، ولا يثبت النسب إلا بشاهدة عدلين.

ولو شهد الاخوان بابن للميت وكانا عدلين ثبت النسب والميراث ولا دور(٢) ، ولو كانا فاسقين أخذ الميراث ولم يثبت النسب.ولو أقر باثنين أو لى منه دفعة، فصدقه كل عن نفسه، لم يثبت النسب.ويثبت الميراث وإن تناكرا بينهما.

ولو أقر بوارث أولى منه، ثم بأولى منهما، فإن صدقه الاول دفع المال إلى الثاني، وإلا إلى الاول وغرم للثاني.

ولو أقر بمساو للاول، فإن صدقه تشاركا، وإلا غرم للثاني نصف التركة.

ولو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع نصيبه، وإلا النصف، فإن أقر بآخر

_______________________

(١) لفظ " اليه " لم يرد في(م).

(٢) في حاشية(م): " خلافا لابى حنيفة، قال: شهادة الوارث لمورثه باطلة، فلا يثبت أنهما غير وارثين الا بعد ثبوت نسب الولد، ولا يثبت نسبه الابعد كونهما غير وارثين ".

وفى حاشية(س): " ووجه عدم لزوم الدور: لانهما اذا كانا عدلين لايتوقف قبول الشهادة منهما على كونهما وارثين حتى يلزم الدور به ".

١٧٩

لم يقبل، ولو أكذب إقراره الاول اغرم للثاني.

ولو اقر بزوجة لذي الولد أعطاها الثمن، وإلا الربع، فإن أقر بثانية كذبته الاولى غرم نصف السهم، فإن أقر بثالثة غرم لها ثلث السهم، فإن أقر برابعة غرم الربع، ولو أقر بهن دفعة أو صدقنه كانالسهم بينهن أرباعا ولا غرم، ولو أقر بخامسة لم يقبل، ولو أنكر إحدى من أقربها لم يلتفت وغرم لها ربع الحصة.

ولو ولدت أمته فأقر ببنوته لحق(١) به إن لم يكن لها زوج، ولو أقر بابن إحدى أمتيه وعينه لحق(٢) به، فإن ادعت الاخرى أن ولدها المقر به حلف لها، ولو مات قبل التعيين أو بعده واشتبه فالوجه القرعة.

ولو أقر لشخص فأنكر المقر له نسب المقر استحق الجميع وافتقر المقر إلى البينة.وإذا تعارف اثنان بما يوجب التوارث توارثا مع الجهل بنسبهما ولم يكلفا البينة.

المطلب الثاني: في تعقيب الاقرار بالمنافى

إذا قال: له علي ألف من ثمن خمر، أو مبيع هلك قبل قبضه، أو ثمن مبيع لم أقبضه أو لا يلزمني، أو قضيته لزمه.

ولو قال: مؤجلة، أو ابتعت بخيار، أو ضمنت بخيار افتقر في الوصف إلى البينة.

ولو قال: ألف ناقصة رجع(٣) إليه في تفسير النقيصة، وكذا لو قال: معيبة.

ولو قال: له علي ألف، ثم أحضرها وقال: هي وديعة قبل، لان التعدي يصير الوديعة مضمونة، وكذا لو قال: لك في ذمتي ألف وأحضرها وقال: هي وديعة وهذه بدلها، أما لو قال: لك في ذمتي ألف وأحضرها وقال: هذه التي أقررت بها

_______________________

(١) و(٢) في(م): " الحق ".

(٣) في(م): " يرجع ".

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233