ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان الجزء ١

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان25%

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 233

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149638 / تحميل: 6682
الحجم الحجم الحجم
ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ في الحقيقة تقف على نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّا أنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان.

في البدء يقول تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . سنشير في نهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.

ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موّجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين :( فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ) .

إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى( فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً ) .

وفي بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرون تفسيرين ، فالبعض قالوا : إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى ، تقول بأنّ فرعون وقومه اتّهموا موسى بالساحر ، ومثل هذا الاستخدام وارد وله نظائر في اللغة العربية ، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل ، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتي بمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».

ولكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة «مسحور» بمعناها المفعولي والتي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر ، كما يستفاد من الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه ، والجنون أيضا ،( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

على أي حال ، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس

١٦١

ويفرّقوهم عن الأنبياء.

ولكن موسىعليه‌السلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له :( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ ) .

لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. وعند ما سيسلكون طريق السعادة. وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا :( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) .

(مثبور) من (ثبور) وتعني الهلاك.

ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافة الأعصار ، وذاك قوله تعالى:( فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ) .

«يستفز» من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.

ومن بعد هذا النصر العظيم :( وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) . فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب.

«لفيف» من مادة «لفّ» وهنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص ، ولا من أي قبيلة هم!

* * *

بحوث

1 ـ المقصود من الآيات التسع

لقد ذكر القرآن الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسىعليه‌السلام منها ما يلي :

1 ـ تحوّل العصا إلى ثعبان عظيم يلقف أدوات الساحرين ، كما في الآية

١٦٢

(20) من سورة طه :( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) .

2 ـ اليد البيضاء لموسىعليه‌السلام والتي تشع نورا :( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى ) (1) .

3 ـ الطوفان :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ) (2) .

4 ـ الجراد الذي أباد زراعتهم وأشجارهم( وَالْجَرادَ ) (3) .

5 ـ والقمل الذي هو نوع من الأمراض والآفات التي تصيب النبات : و( الْقُمَّلَ ) (4) .

6 ـ (الضفادع) التي جاءت من النيل وتكاثرت وأصبحت وبالا على حياتهم:( وَالضَّفادِعَ ) (5) .

7 ـ الدم ، أو الابتلاء العام بالرعاف ، أو تبدّل نهر النيل إلى لون الدم ، بحيث أصبح ماؤه غير صالح لا للشرب ولا للزراعة :( وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ) (6) .

8 ـ فتح طريق في البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل العبور منه :( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (7) .

9 ـ نزول ال (منّ) و (السلوى) من السماء ، وقد شرحنا ذلك في نهاية الآية (57) من سورة البقرة( وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (8) .

10 ـ انفجار العيون من الأحجار :( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) (9) .

11 ـ انفصال جزء من الجبل ليظلّلهم :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ

__________________

(1) طه ، 22.

(2) و (3) و (4) و (5) و (6) ـ الأعراف ، 133.

(7) البقرة ، 50.

(8) البقرة ، 57.

(9) البقرة ، 60.

١٦٣

ظُلَّةٌ ) (1) .

12 ـ الجفاف ونقص الثمرات :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ) (2) .

13 ـ عودة الحياة إلى المقتول والذي أصبح قتله سببا للاختلاف بين بني إسرائيل:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (3) .

14 ـ الاستفادة من ظل الغمام في الاحتماء من حرارة الصحراء بشكل إعجازي :( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ) (4) .

ولكن الكلام هنا هو : ما هو المقصود من (الآيات التسع) المذكورة في الآيات التي نبحثها؟

يظهر من خلال التعابير المستخدمة في هذه الآيات أنّ المقصود هو المعاجز المرتبطة بفرعون وأصحابه ، وليست تلك المتعلقة ببني إسرائيل من قبيل نزول المنّ والسلوى وتفجّر العيون من الصخور وأمثال ذلك.

لذا يمكن القول أنّ الآية (133) من سورة الأعراف تتعرض إلى خمسة مواضيع من الآيات التسع وهي : (الطوفان ، القمّل ، الجراد ، الضفادع ، والدم).

كذلك اليد البيضاء والعصا تدخل في الآيات التسع ، يؤيد ذلك ورود تعبير (الآيات التسع) في الآيات (10 ـ 12) من سورة النمل بعد ذكر هاتين المعجزتين الكبيرتين.

وبذلك يصبح مجموع هذه المعاجز ـ الآيات ـ سبعا ، فما هي الآيتان الأخيرتان؟

بلا شك إنّنا لا نستطيع اعتبار غرق فرعون وقومه في عداد الآيات التسع ،

__________________

(1) الأعراف ، 171.

(2) الأعراف ، 130.

(3) البقرة ، 73.

(4) البقرة ، 57.

١٦٤

لأنّ الهدف من الآيات أن تكون دافعا لهدايتهم وسببا لقبولهم بنبوة موسىعليه‌السلام ، لا أن تقوم بهلاك فرعون وقومه.

عند التدقيق في آيات سورة الأعراف التي جاء فيها ذكر العديد من هذه الآيات يظهر أنّ الآيتين الأخريتين هما : (الجفاف) و (نقص الثمرات) حيث أننا نقرأ بعد معجزة العصا واليد البيضاء وقبل تبيان الآيات الخمس (الجراد ، والقمل ...) قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .

وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ الجفاف لا يمكن فصله عن نقص الثمرات وبذا تعتبر الآيتان آية واحدة ، إلّا أنّ الجفاف المؤقت والمحدود ـ كما قلنا في تفسير الآية (130) من سورة الأعراف ـ لا يؤثّر تأثيرا كبيرا في الأشجار ، أمّا عند ما يكون جفافا طويلا فإنّه سيؤدي إلى إبادة الأشجار ، لذا فإنّ الجفاف لوحده لا يؤدي دائما إلى نقص الثمرات.

إضافة إلى ما سبق يمكن أن يكون السبب في نقص الثمرات هو الأمراض والآفات وليس الجفاف.

والنتيجة أنّ الآيات التسع التي وردت الإشارة إليها في الآيات التي نبحثها هي:العصا، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.

ومن نفس سورة الأعراف نعرف أنّ هؤلاء ـ برغم الآيات التسع هذه ـ لم يؤمنوا ، لذلك انتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم بسبب تكذيبهم(1) .

هناك روايات عديدة وردت في مصادرنا حول تفسير هذه الآية ، ولاختلافها فيما بينها لا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الحكم.

__________________

(1) الأعراف ، 136.

١٦٥

2 ـ هل أنّ السائل هو الرّسول نفسه؟

ظاهر الآيات أعلاه يدل على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بسؤال بني إسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت على موسى ، وكيف أنّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسىعليه‌السلام بمختلف الذرائع رغم الآيات.

ولكن بما أنّ لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والعقل بحيث أنّه لا يحتاج إلى السؤال ، لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهب الى أن المأمور بالسؤال هم المخاطبون الآخرون.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكن لنفسه ، بل للمشركين ، لذلك فما المانع من أن يكون شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يسأل حتى يعلم المشركون أنّه عند ما لم يوافق على اقتراحاتهم ، فذلك لأنّها اقتراحات باطلة قائمة على التعصّب والعناد ، كما قرأنا في قصّة موسى وفرعون ونظير ذلك.

3 ـ ما المراد ب (الأرض) المذكورة في الآيات؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ الله أمر بني إسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض ، فهل الغرض من الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية السابقة والتي بيّنت أنّ فرعون أراد أن يخرجهم من تلك الأرض.

وبنفس المعنى أشارت آيات أخرى إلى أنّ بني إسرائيل ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إشارة إلى الأرض المقدّسة فلسطين ، لأنّ بني إسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها.

بالنسبة لنا فإنّنا لا نستبعد أيّا من الاحتمالين ، لأنّ بني إسرائيل ـ بشهادة الآيات القرآنية ـ ورثوا أراضي فرعون وقومه ، وامتلكوا أرض فلسطين أيضا.

١٦٦

4 ـ هل تعني كلمة (وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟

ظاهرا إنّ الإجابة بالإيجاب ، حيث أنّ جملة( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) قرينة على هذا الموضوع ، ومؤيّدة لهذا الرأي. إلّا أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ (وعد الآخرة) إشارة إلى ما أشرنا إليه في بداية هذه السورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى قد توعّد بني إسرائيل بالنصر والهزيمة مرّتين ، وقد سمى الأولى بـ «وعد الأولى» والثّانية بـ «وعد الآخرة» ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى :( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) (فدقق في ذلك).

* * *

١٦٧

الآيات

( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) )

التّفسير

عشاق الحق

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) ، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) .

ثمّ تقول :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) إذ ليس لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

١٦٨

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) والجملة الثّانية :( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) منها :

1 ـ المراد من الجملة الأولى : إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق ، لذا فإنّ التعبير الأوّل يشير إلى التقدير ، بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل والتحقق(1) .

2 ـ الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق ، أمّا التعبير الثّاني فانّه يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضا(2) .

3 ـ الرأي الثّالث يرى أنّ الجملة الأولى تقول : إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول : إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتدخل في الحق ولم يتصرف به ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير ، وهو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما ، ولكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب من ضعفه ، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء ، فإنّه يبدأ بداية صحيحة ، وينهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماء صافيا من أحد العيون ، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعه من التلوث ، فيصل الماء في هذه الحالة إلى الآخرين وهو ملوّث. إلّا أنّ الشخص القادر والمحيط بالأمور ، يحافظ على بقاء الماء صافيا وبعيدا عن عوامل التلوث حتى يصل إلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحق من قبل الخالق ، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين ، أو المرحلة التي كان

__________________

(1) يراجع تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 3955.

(2) في ظلال القرآن ، أننا تفسير الآية.

١٦٩

الرّسول فيها هو المتلقي ، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إليه بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل منذ عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة من ذرائع المعارضين وحججهم ، إذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولماذا كان نزوله تدريجيا؟ كما تشير إلى ذلك الآية (32) من سورة الفرقان التي تقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فيقول الله في جواب هؤلاء:( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) (1) حتى يدخل القلوب والأفكار ويترجم عمليا بشكل كامل.

ومن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحن:( وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

إنّ القرآن كتاب السماء إلى الأرض ، وهو أساس الإسلام ودليل لجميع البشر ، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين ، لذلك فإنّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دفعة واحدة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاب عليها من خلال النقاط الآتية :

أوّلا : بالرغم من أنّ القرآن هو كتاب ، إلّا أنّه ليس ككتب الإنسان المؤلّفة حيث يجلس المؤلّف ويفكّر ويكتب موضوعا ، ثمّ ينظّم فصول الكتاب وأبوابه لينتهي من تحرير الكتاب ، بل القرآن له ارتباط دقيق بعصره ، أي ارتباط ب (23) سنة ، هي عصر نبوة نبي الإسلام بكل ما كانت تتمخض به من حوادث وقضايا.

__________________

(1) مجيء كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يفسّره المفسّرين بأنّه مفعول لفعل مقدّر تقديره (فرقناه) ، وبذلك تصبح الجملة هكذا : (وفرقناه قرآنا).

١٧٠

لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد ، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إنّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية ، وآيات تختص بالمنافقين ، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأوّل؟

ثانيا : ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب ، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفّذ بعد نزولها ، فإذا كان القرآن قد نزل مرّة واحدة ، فينبغي أن يتمّ العمل به مرّة واحدة أيضا ، ونعلم بأنّ هذا محال ، لأنّ إصلاح مجتمع مليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد ، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأوّل إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.

ثالثا : بدون شك ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عند ما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا ، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنّه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل ، إلّا أنّه برغم ذلك فإنّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعا : النّزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مصدر الوحي ، إلّا أنّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرّة واحدة.

آخر الآية (32) من سورة الفرقان تقول :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

١٧١

تَرْتِيلاً ) وهي إشارة إلى السبب الثّالث ، بينما الآية التي نبحثها تشير إلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنّ مجموع هذه العوامل تكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول :( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

* * *

ملاحظات

في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية :

أوّلا : يعتقد المفسّرون أنّ جملة( آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة ، إذ قال بعضهم : إن المعنى هو : سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق.

بينما قال البعض : إنّ التقدير يكون : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها ، وهي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. وبعبارة أخرى : يكون المعنى : إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون به.

ثانيا : إنّ المقصود من( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) هم مجموعة من علماء اليهود والنصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن ، وشاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة والإنجيل ، والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ، وأصبحوا من علماء الإسلام.

وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما في قوله

١٧٢

تعالى في الآية (113) من سورة آل عمران :( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) .

ثالثا : «يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم ، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة ، هي أنّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالقعزوجل ينجذبون إليه ويولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار(1) .

رابعا : (أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أن تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.

بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض ، ولكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون)(2) .

الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون :( وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ) (3) . هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمعاد. والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.

وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي

__________________

(1) يقول الراغب في (المفردات) : «يخرون» من مادة «خرير» ويقال لصوت الماء والريح وغير ذلك ممّا يسقط من علّو. وقوله تعالى :( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر. ودليله قوله تعالى فيما بعد:( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) .

(2) تفسير المعاني ، ج 15 ، ص 175.

(3) (إنّ) في قوله :( إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا ) غير شرطية ، بل هي تأكيدية ، وهي مخففة من الثقيلة.

١٧٣

يسجدونها تقول الآية التي بعدها :( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) .

إنّ تكرار جملة( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ) دليل على التأكيد ، وعلى الاستمرار أيضا.

الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.

واستخدام الفعل المضارع في جملة( يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة ، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل ، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).

* * *

بحثان :

1 ـ التخطيط للتربية والتعلم

من الدروس المهمّة التي نستفيدها من الآيات أعلاه ، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية ، فإذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إنّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة بالرغم من أنّه كان موجودا في مخزون علم الله كاملا ، وقد تمّ عرضه في ليلة القدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة واحدة ، إلّا أنّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة ، وضمن مراحل زمنية مختلفة وفي إطار برنامج عملي دقيق.

وعند ما يقوم الخالق جلّ وعلا بهذا العمل بالرغم من عمله وقدرته المطلقة وغير المتناهية عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحن إزاء هذا المبدأ. وعادة ما يكون هذا قانونا وتكليفا إلهيا ، حيث أنّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع

١٧٤

وحسب ، بل في عالم التكوين أيضا. إنّه من غير المتوقع أن تنصلح أمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وهذا الكلام يعني أنّنا إذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المثابرة. وينبغي أن نلتفت إلى أنّ الانتصارات النهائية والكاملة تكون عادة لأصحاب النفس الطويل.

2 ـ علاقة العلم بالإيمان

الموضوع الآخر الذي يمكن أن نستفيده من الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإيمان، إذ تقول الآيات : إنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإنّ العلماء سيؤمنون بالله إلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضا ساجدين من شدّة الوله والحبّ ، وتجري الدّموع من أعينهم، وإنّ هذا الخشوع والتأدّب يتصف بالاستمرار في كل عصر وزمان.

إنّ الجهلة ـ فقط ـ هم الذين لا يعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالاستهزاء والسخرية ، وإذا أثّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإنّه سيكون تأثيرا ضعيفا خاليا من الحبّ والحرارة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف من المجهول. أمّا القرآن فإنّه يؤكّد على عكس ذلك تماما ، إذ يقول في مواقع متعدّدة : إنّ العلم والإيمان توأمان ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إيمان عميق ثابت من دون علم ، والعلم في مراحلة المتقدمة يحتاج إلى الإيمان. (فدقق في ذلك).

* * *

١٧٥

الآيتان

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) )

سبب النّزول

وردت آراء متعدّدة في سبب نزول هاتين الآيتين منها ما نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجدا ذات ليلة بمكّة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون متهمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يدعونا إلى إله واحد ، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(1) .

__________________

(1) يراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.

١٧٦

التّفسير

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالق بأسماء متعدّدة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك ، هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم ، وهو وحدهعزوجل الذي يدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساسا ، فانّ الله تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبّر عن ذاته ، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له ، وإنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه ، نراه يقول : «ما عرفناك حق معرفتك».

إنّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة ، بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته ، وذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم ، ومن خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنّ كل هذه أسماء الله ، وأحد معاني الأسماء العلّامة ، لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطاهرة ، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة

١٧٧

واحدة ، وهي لا تقلّل من شأن توحيد الذات والصفات.

وهناك قسم من هذه الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر ، حيث تعطينا معرفة ووعيا أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية ، بالأسماء الحسنى ، وهناك رواية معروفة عن رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضمونها : «إن الله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مفصل للأسماء الحسنى ، والأسماء التسعة والتسعين بالذات ، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) من سورة الأعراف ، في قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

لكن علينا أن نفهم أنّ الغرض من عد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب ، حتى يصبح الإنسان من أهل الجنّة ومستجاب الدعوة ، بل إنّ الهدف هو التخلّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات من هذه الأسماء ، مثل (العالم ، والرحمن ، والرحيم ، والجواد،والكريم) في وجودنا حتى نصبح من أهل الجنّة ومستجابي الدعوة.

وهناك كلام ينقله الشيخ الصدوقرحمه‌الله في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاء فيه :

يقول هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره واشتقاقها فقلت : الله ممّا هو مشتق؟

قالعليه‌السلام : «يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد.

أفهمت يا هشام؟».

قال هشام : قلت : زدني.

قالعليه‌السلام : «للهعزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان

١٧٨

كلّ اسم منها هو إلها ، ولكن اللهعزوجل معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره.

يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق»(1) .

والآن لنعد إلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : إنّه يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته ، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

لذلك فإنّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إنّ المقصود منها يتعلق بالإفراط والتفريط في الجهر والإخفات ، فهي تقول : لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ ، ولا أقل من الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيّد هذا المعنى.(2)

وهناك آيات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام وتؤيد هذا المعنى وتشير إليه(3) .

لذا فإنا نستبعد التفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الاعتدال ، وما هو الجهر والإخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنّ الجهر هو بمعنى (الصراخ) ، و (الإخفات) هو من السكون بحيث لا يسمعه حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآية :

__________________

(1) توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

(2) ـ يمكن مراجعة نور الثقلين ، ج 3 ، ص 233 فما بعد.

١٧٩

«الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت بها ما لم تسع نفسك ، واقرأ بين ذلك»(1) .

أمّا الإخفات والجهر في الصلوات اليومية ، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ له حكم آخر، أو مفهوم آخر ، أي له أدلة منفصلة ، حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

* * *

ملاحظة

هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين :

الأولى : لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء ، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم ، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب ، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت ، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين ، هم على خطأ ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات ، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية : يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط ، إذ الأساس هو :( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

أخيرا نصل إلى الآية الأخيرة من سورة الإسراء ، هذه الآية تنهي السورة المباركة بحمد الله ، كما افتتحت بتسبيحه وتنزيه ذاتهعزوجل . إنّ هذه الآية ـ في

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 234.

١٨٠

كانت وديعة لم يقبل.

ولو قال: له قفيز حنطة بل قفيز شعير لزمه القفيزان، ولو قال: قفيز حنطة قفيزان لزمه اثنان، ولو قال: له هذا الدرهم بل هذا الدرهم لزمه اثنان، ولو قال: له درهم بل درهم لزمه درهم.

ولو قال: كان له علي ألف لزمه، ولم تقبل دعوى السقوط.

ولو أقر بما في يده لزيد ثم قال: بل لعمرو لم يقبل رجوعه ويغرم(١) لعمرو، وكذا لو قال: غصبته من فلان بل من فلان.

ولو قال: غصبته من فلان وهو لفلان دفع إلى المغصوب منه ولا غرم، وكذا لو قال: هذا لزيد غصبته من عمرو يسلم إلى زيد ولا غرم.

ولو قال: له عندي وديعة وقد هلكت لم يقبل ولو أتى ب‍ " كان " قبل، ولو قال: له عشرة لابل تسعة لزمه عشرة.

ولو ادعى المواطأة في الاشهاد، فإن شهدت البينة بالقبض لم يلتفت إليه، وإلا كان له الاحلاف.

ولو قال: له عشرة إلا درهما لزمه تسعة، ولو رفع فعشرة.

ولو قال: ماله عندي عشرة إلا درهم لزمه درهم، ولو نصب لم يكن مقرا.

ولو كرر الاستثناء، فإن كان بحرف العطف أن كان الثاني مساويا للاول أو زائدا رجعا إلى المستثنى منه وحكم عليه بما بعدها، وإلا عاد الثاني إلى الاول ودخل تحت الاقرار.

فلو قال: له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية، وهكذا إلى الواحد لزمه خمسة.

ولو قال: له هذه الدار والبيت لي، أو إلا البيت قبل.والاستثناء من الجنس حقيقة ومن غير مجاز.

فلو قال: له ألف إلا درهما فالجميع دراهم، ويصدق لو قال: لم أرد المتصل،

_______________________

(١) في(م): " وغرم ".

١٨١

فيطالب بتفسير الالف، ويقبل لو بقي بعد الاسثناء شئ.

ولو قال: ألفدرهم إلا ثوبا طولب بالتفسير القيمة واسقطت، ولو استوعبت لم يسمع وطولب بالمحتمل.

ولو قال: ألف إلا شيئا طولب بتفسيرهما، ويقبل مع عدم الاستغراق.

ولو عقب الجملتين بالاستثناء رجع إلى الاخيرة، إلا أن يقصد عوده إليهما.

ولو قال: له درهم ودرهم إلا درهما بطل الاستثناء وإجن رده إليهما، ويبطل الاستثناء المستوعب.

المقصد(السابع)(١) في الوكالة

وفيه مطلبان:الاول: في أركانها

وهي أربعة:

الاول: الموكل وشرطه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية، فلا يصح توكيل الصبي والمجنون والمحجور عليه في المال والعبد، ولو وكل العبد في الطلاق والمحجور عليه للفلس والسفه فيما لهما فعله صح.

وللاب والجد له أن يوكلا عن الصبي، وكذا للوصي وليس للوكيل أن يوكل إلا بالاذن الصريح أو القرينة، ولو وكله في شراء نفسه من مولاه صح وللحاضر أن يوكل في الطلاق كالغائب على رأي، وللحاكم أن يوكل عن السفهاء.

ويكره لذوي المروات مباشرة الخصومة، بل يوكلون من ينازع.

_______________________

(١) في(س): " السادس " والمثبت من(م) وهو الصحيح.

١٨٢

الثاني: الوكيل ويعتبر فيه: البلوغ، والعقل، والاسلام إن كان الغريم مسلما، ولا يشترط الاسلام إن كان الغريم كافرا(١) .وينبغي أن يكون فاهما عارفا باللغة.ولا تبطل بارتداد الوكيل، ولا تصح نيابة المحرم في المحرم عليه كعقد النكاح وشراء الصيد.وللمرأة أن تتوكل حتى في نكاح نفسها وطلاقها، وللعبد أن يتوكل بإذن المولى وإن كان(٢) في عتق نفسه، والمحجور عليه للسفه والفلس في المال وغيره.

الثالث: فيما فيه الوكالة وله شرطان: أن يكون مملوكا للموكل، وقبوله للنيابة.فلو وكله في طلاق زوجة سينكحها أو عتق عبد سيشتريه لم يصح، ولو وكله فيما تعلق(٣) غرض الشارع بايقاعه مباشرة كالنكاح والقسمة والعبادات مع القدرة إلا في الحج المندوب وأداء الزكاة لم يصح، ولو وكله فيما لا يتعلق غرض الشارع بالمباشرة صح، كالبيع وعقد النكاح والطلاق وإن كان الزوج حاضرا.على رأي، أو كان الوكيل فيه الزوجة على رأي والمطالبة بالحقوق واستيفائها.ولا يجوز في المعاصي، كالسرقة والغضب والقتل، بل أحكامها تلزم المباشر.وفي صحة التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالاصطياد إشكال، وكذا الاشكال في التوكيل في الاقرار، ولا يقتضي ذلك إقرارا، ولا يشترط في توكيل الخصومة رضا الغريم.

ولو وكله على كل قليل وكثير صح، وتعتبر المصلحة في فعل الوكيل، ولو وكله في شراء عبد صح وإن لم يعينه.

الرابع: الصيغة ولابد من إيجاب مثل: وكلتك واستتنبتك وبع واعتق، وقبول إما لفظا أو فعلا، وبجوز تأخره(٤) عن الايجاب، ويشترط التنجيز، فلو علقه بشرط بطل، ولو نجزه وشرط تأخير التصرف جاز.

_______________________

(١) لفظ " ان كان الغريم كافرا " لم يرد في(م).

(٢) في(م): " كانت ".

(٣) في(م): " يتعلق ".

(٤) في(م): " بأخيره ".

١٨٣

المطلب الثانى: في الاحكام

الوكالة جائزة من الطرفين، فلو عزله انعزل إن علم بالعزل، وإلا فلا، ولو عزل نفسه بطلت.

وتبطل بموت أحدهما، وخروجه عن التكليف ولو بالاغماء، وبفعل الموكل متعلق الوكالة، وبتلفه لا بالنوم المتطاول، والتعدي، وعتق العبد وبيعه، وطلاق الزوجه.أما لو أذن لعبده ثم باعه أو أعتقه بطل الاذن.

والاطلاق يقتضي البيع بثمن المثل بنقد البلد حالا، تسويغ البيع على ولده أو زوجته لا على نفسه إلا مع الاذن، فيجوز حينئذ أن يتولى طرفي العقد على رأي.ولو قدر له أجل النسيئة لم يتخطاه، وإن أطلق تقيد بالمصلحة عرفا.

ووكيل البيع لا يملك تسليم المبيع قبل توفية الثمن، وبعده لا يجوز له المنع، ولا يملك قبض الثمن، ووكيل الشراء يملك تسليم الثمن، وقبض المبيع كقبض الثمن، ولا يملك وكيل الحكومة والاثبات الاستيفاء وبالعكس.

ولو اشترى معيبا بثمن مثله جاهلا بالعيب وقع عن الموكل، ولو علم افتقر إلى الاجازة، ولو كان بغبن فكذلك عالما كان أو جاهلا، ثم إن ذكر الموكل في العقد لم يقع عنه ولا عن الموكل ولا بالاجازة، وإلا وقع عن الوكيل، وللوكيل الرد بالعيب مع حضور الموكل وغيبته، ولو رضي الموكل بطل رده.

وإذا قال له: افعل ما شئت، أو وكله في مقدار يعجز عنه اقتضى الاذن في التوكيل للامين.

ولو قال له: بع من زيد في زمان، أو في سوق له فيه غرض، أو صرح فيه بالنهي عن غيره أو بحال لم يجز العدول.

ولو باع بأزيد، أو باع حالا بمثل ما أذن في النسيئة، أو اشترى نسيئة بمثل ما أذن نقدا صح، إلا أن يصرح بالمنع.

ولو قال: اشتر شاة بدينار، فاشترى شاتين به ثم باع إحداهما بالدينار، صح، لكن يفتقر في البيع إلى إجازته.

١٨٤

وليس لوكيل الخصومة الاقرار ولا الصلح ولا الابراء.

ولو قال: صالح عن الدم الذي استحقه بخمر ففعل حصل العفو، بخلاف ما لو صالح على خنزير.

ولو وكله في شئ لم ينطلق في غيره، فلو وكله في شراء فاسد لم يملك الصحيح، ولو وكله في الشراء بالعين فاشترى في الذمة أو بالعكس لم يقع عن الموكل، فإن اشترى في الذمة ولم يصرح بالاضافة وقع عنه.

والوكيل أمين وإن كان بجعل، ويقع الشراء للموكل لا له، وكل موضع يبطل الشراء للموكل فإن أضاف(١) في العقد لم يقع عن أحدهما، وإلا قضى على الوكيل.وكذا لو أنكر الوكالة ولا بينة، فإن كان الوكيل كاذبا فالملك له باطنا وظاهرا، وإلا ظاهرا، فيقول الموكل: إن كان لي فقد بعته منه، ولو امتنع استوفى الوكيل ما غرم، ويرد الفاضل أو يرجع.وليس له التصرف بغير ذلك من وطء وانتفاع.

ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق لم يكن لاحدهما الانفراد ولا القسمة، ولو مات أحدهما بطلت، وليس للحاكم أن يضم إليه، ولو شرط الانفراد جاز.

ولو قال: اقبض حقي من فلان فمات بطلت، بخلاف اقبض حقي الذي عليه.

ولو وكل المديون في الشراء بالدين صح، ويبرأ بالتسليم إلى البائع.

ولا تثبت إلا بعدلين اتفقا، لا بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، ولا موافقة(٢) الغريم.

ولو اختلفا في تاريخ الايقاع، أو في اللغة، أو في العبارة لم يقبل، ولو كان ذلك في الاقرار قبل.ويجب التسليم مع المطالبة والقدرة، فإن أخر ضمن، ولو وكله في القضاء ولم يشهد به ضمن، بخلاف الايداع.

وللبائع مطالبة الوكيل مع جهل الوكالة والموكل مع علمه، وتقبل شهادة الوكيل لموكله فيما لاولاية له.

ولو عزل قبلت في الجيمع، ما لم يكن أقام بها أو شرع في المنازعة.

_______________________

(١) في(م): " أضافه ".

(٢) في(م): " بموافقة ".

١٨٥

مسائل النزاع

لو أنكر المالك الاذن في البيع بذلك الثمن وادعى الازيد، فالقول قوله مع اليمين، ثم تستعاد العين إن أمكن، وإلا المثل أو القيمة، فإن صدق المشتري الوكيل وتلفت السلعة في يده رجع المالك على من شاء، فإن رجع على المشتري لم يرجع المشتري على الوكيل، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل على المشتري بالاقل من ثمنه وما غرمه.

ولو قال: ما أذنت إلا في الشراء بعشرة وكان الشراء بأزيد حلف ويغرم الوكيل الزائد إن انكر البائع الوكالة، وإلا اندفع الشراء.

ولو أنكر الغريم وكالة الغائب له فلا يمين، ولو صدقه لم يؤمر بالتسليم إليه.والقول قول منكر الوكالة، وقول الوكيل في التلف وعدم التفريط، والقيمة معه، وإيقاع الفعل والابتياع له أو للموكل، وقول الموكل في الرد وإن لم يكن بجعل على رأي، وفي قدر الثمن المشترى به على رأى.

ولو أنكر وكالة التزويج حلف وألزم الوكيل بالمهر، وقيل بالنصف،(١) وقيل بالبطلان ويجب على الموكل الطلاق مع كذبه ودفع نصف المهر،(٢) وهو جيد.

ولو قال: قبضت الثمن وتلف في يدي وكان ذلك بعد التسليم قدم قوله، إذ الموكل يطلب جعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء، ولو كان قبل التسليم قدم قول الموكل، لان الاصل بقاء حقه.

وكل من عليه حق فله الامتناع من التسليم إلى المستحقق ووكيله، إلا بالاشهاد.

ولو ادعى على الوكيل قبض الثمن فجحد، فاقيم بينة القبض، فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود لم يقبل قوله لخيانته، ولا بينته لعدم سماع دعواه، ولو ادعى بعد الجحود ردا سمعت دعواه ولا يصدق لخيانته وتسمع بينته، ولو ادعى التلف صدق ليبرأ من العين، ولكنه خائن فيلزمه الضمان.

_______________________

(١) قاله ابن ادريس في السرائر: ١٧٧، وابن سعيد في الجامع: ٣٢١، غيرهما.

(٢) قاله المحقق في الشرائغ ٢ / ٢٠٦.

١٨٦

كتاب الاجارة وتوابعها

وفيه مقاصد:الاول في الاجارة

وفيه مطلبان:الاول: في الشرائط

وهي ستة:

الاول: الصيغة فالايجاب: آجرتك أو أكريتك، والقبول وهو: قبلت، لا يكفي ملكتك إلا أن يقول: سكناها سنة مثلا أو أعرتك، ولا تنعقد بلفظ البيع.

ويشترط فيه جواز تصرف المتعاقدين، فلا تمضي إجارة المجنون والصبي(١) المميز وغيره وإن أجازه الولي، ولا المحجور عليه للسفه والفلس، ولا العبد إلا بإذن المولى.

الثانى: ملكية المنفعة إما بانفرادها أو بالتبعية للاصل، ولو شرط استيفاء المنفعة بنفسه لم يكن له أن يؤجر، ولو أجر غير المالك وقف على الاجازة.

الثالث: العلم بها إما بتقدير العمل كخياطة الثوب، أو بالمدة كالخياطة يوما، ولو جمعهما بطل.

وليس للاجير الخاص العمل للغير إلا بالاذن، ويجوز للمشترك، فإن عين مبدأ المدة صح وإن تأخر عن العقد، وإلا اقتضى الاتصال، وتملك المنفعة بالعقد كما تملك الاجرة به.وإذا سلم العين ومضت مدة يمكنه الاستيفاء لزمت الاجرة وإن لم ينتفع، وكذا لو مضت مدة يمكنه فيها قلع الضرس، ولو زال الالم عقيب العقد بطلت.ولو تلف العين قبل التسليم أو عقيبه بطلت، ولوكان بعد مدة بطل(٢) في الباقى.

ولو استأجر للزراعة ما لا ينحسر عنه الماء لم يجز لعدم الانتفاع، ولو كان على التدريج لم يجز لجهالة وقت الانتفاع.

_______________________

(١) في(م): " ولا الصبى ".

(٢) في(م): " بطلت ".

١٨٧

ويشترط تعيين المحمول بالمشاهدة أو الكيل والوزن، والراكب، والمحمل، وقدر الزاد وليس له البدل مع الفناء إلا بالشرط والمشاهدة للدابة(١) المركوبة أو وصفها.

ويلزم المؤجر: آلات الركوب كالقتب(٢) والحزام، ورفع المحمل وشده وإعانة الراكب للركوب، والنزول في المهمات المتكررة، ومشاهدة الدولاب والارض المطلوب حرثها، وتعيين وقت السير مع عدم العادة، ومشاهدة العقار أو وصفه بما يرفع الجهالة، وتعيين أرض البئر وقدر نزولها وسعتها فلو انهارت لم يلزم الاجير إزالته، ولو حفر البعض يرجع(٣) بالنسبة من اجرة المثل ومشاهدة الصبي المرتضع لا إذن الزوج إلا مع منع حقه.ولا يجب تقسيط المسمى على أجزاء المدة، ويجوز استئجار الارض ليعمل مسجدا والدراهم والدنانير.ولو زاد المحمول، فإن كان المعتبر المؤجر فلا ضمان وعليه الرد، وإن كان المستأجر ضمن الاجرة ونصف الدابة، ويحتمل الجميع، وكذا الاجنبي.

ولو قال: آجرتك كل شهر بكذا بطل على رأي، وصح في شهر على رأي.

ولو قال: إن خطته فارسيا فدرهم وروميا فدرهمان، أو إن عملته اليوم فدرهم وغدا درهمان صح على إشكال.

الرابع: العلم بالاجرة إما بالكيل أو الوزن، وتكفي المشاهدة فيهما على إشكال وفي غيرهما، ومع الاطلاق أو اشتراط التعجيل فهي معجلة.

وإلا بحسب الشرط إما في نجم أو أزيد بشرط العلم، ولو وجد بها عيبا تخير بين الفسخ والعوض إن كانت مطلقة، وبين الفسخ والارش إن كانت معينة.ويجوز أن يؤجر ما استأجره أو بعضه بأكثر مال الاجارة، ولا يجوز بأكثر منه مع التساوي جنسا، إلا أن يحدث حدثا أو يقبل غيره بأنقص مما تقبل بعمله، إلا مع الحدث على رأي.

_______________________

(١) في(م): " ومشاهدة الدابة ".

(٢) بالتحريك: رحل البعير صغير على قدر السنام، انظر: مجمع البحرين ٢ / ١٣٩ قتب.

(٣) في(م): " رجع ".

١٨٨

ولو شرط إسقاط البعض إن لم يحمله إلى الموضع المعين في الوقت المعين صح، ولو شرط إسقاط الجميع بطل.

ويستحق الاجير الاجرة بالعمل وإن كان في ملكه، ولا يتوقف على التسليم.

وكل موضع يبطل فيه العقد تثبت فيه اجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها، زادت عن المسمى أو نقصت، ويكره الاستعمال قبل المقاطعة.

الخامس: اباحة المنفعة فلو استأجر المسكن لاحراز الخمر والدابة لحمله(١) والدكان لبيعه(٢) بطل.

الساس: القدرة على تسليمها فلو آجره الابق لم يصح، ولو منعه المؤجر سقطت، والاقرب جواز المطالبة بالتفاوت، ولو منعه ظالم قبل القبض تخير في الفسخ والرجوع على الظالم، ولو كان بعده لم يبطل وله الرجوع على الظالم خاصة.

ولو انهدم المسكن فله الفسخ، فيرجع بنسبة المتخلف إلا أن يعيده المالك(٣) ، وليس له الالزام بالعمارة ولا الانتزاع(٤) من الغاصب وإن تمكن.

المطلب الثانى: في الاحكام

الاجارة عقد لازم من الطرفين لا تبطل إلا بالتقايل أو أحد أسباب الفسخ، لا بالبيع والعذر مع إمكان الانتفاع، ولا بالموت من المؤجر والمستأجر على رأي، ولا بالعتق.ولا يرجع العبد بما بعد العتق، ونفقته على مولاه على إشكال، وتبطل بالبلوغ، وتصح إجارة كل ما تصح إعارته، والمشاع.والمستأجر أمين لا يضمن إلا بالتفريط، أو التعدي، أو تسليم العين بغير إذن، لا بالتضمين.ويصح خيار الشرط فيها، ولو وجد بالعين عيبا فسخ أو رضي بالاجرة بكمالها وإن فاتت به بعض المنفعة.ويجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها، فلو أهمل ضمن، والقول قوله في القيمة مع التفريط.

_______________________

(١) في حاشية(س): " احملها خ ل ".

٢) في حاشية(س): " لبيعها ".

(٣) في حاشية: " بسرعة خ ل ".

(٤) في(م): " والانتزاع ".

١٨٩

ويضمن الصانع كالقصار بحرق الثوب أو بخرقه، والطبيب والختان والحجام وغيرهم وإن كان حاذقا واحتاط واجتهد، ولو تلف في يده من غير سببه فلا ضمان، ولا يضمن الملاح والمكاري إلا بالتفريط، وضمان ما يفسده المملوك على مولاه المؤجر، ولا يضمن صاحب الحمام إلا ما يودع ويفرط فيه.

ونفقة الاجير المنفذ في الحوائج على المستأجر إلا مع الشرط، ولا يضمن الاجير لو تسلمه صغيرا وكبيرا حرا وعبدا، ولو أمره بعمل له اجرة بالعادة فعليه الاجرة، وإلا فلا.والقول قول منكر الاجارة، وزيادة المدة، والمستأجر(١) ، والرد، ومنكر زيادة الاجرة، والتفريط، وقول المالك لو ادعى قطعه قباء وادعى الخياط قميصا.وكل ما يتوقف استيفاء المنفعة عليه فعلى المؤجر، كالخيوط على الخياط، والمداد على الكاتب.وعلى المؤجر تسليم المفتاح، فإن ضاع فلا ضمان وليس على المؤجر إبداله.

ولو عدل من الزرع إلى الغرس تعين اجرة المثل، ولو عدل من حمل خمسين رطلا إلى مائة تعين المسمى وطلب اجرة المثل للزيادة، ولو عدل من الاثقل ضررا إلى الاخف لم يكن له الرجوع بالتفاوت.

ولو استأجر دابة معينة للركوب فتلفت انفسخت، ولو استأجر للركوب مطلقا لم تبطل، وله أن يركب ويركب مثله إلا مع التخصيص.ويجوز للمستأجر أن يؤجر المالك، ولو باع على المستأجر صح، والاقرب بطلان الاجارة على إشكال.

المقصد الثانى في المزارعة والمساقاة

وفيه مطلبان:الاول المزارعة

عقد لازم من الطرفين، والايجاب: زارعتك أو ازرع هذه أو سلمتها إليك وما شابهه مدة معينة بحصة معلومة من حاصلها، والقبول: قبلت.

ولا تبطل إلا بالتفاسخ لا بالموت والبيع، وشرطها شياع النماء، وتعيين(٢) المدة، وإمكان زرع الارض.

_______________________

(١) أى: والقول قبل نكر زيادة المستأجر، كقرل الؤجر: آجرتك، وقول المستأجر: بل عبدين.

(٢) في(م): " وتعين ".

١٩٠

فلو شرط أحدهما النماء لنفسه أو نوعا من الزرع أو قدرا من الحاصل والباقي بينهما بطل، ولو شرط أحدهما شيئا من غير الحاصل جاز.

ولا يجوز إجازة الارض للزراعة بالحنطة والشعير مما يخرج منها.ولو مضت المدة المشترطة والزرع باق فللمالك إزالته، سواء كان بتفريط من الزارع، أو بسببه تعالى كتغير(١) الاهوية وتأخر(٢) المياه.ويجوز التبقية مدة معلومة بالعوض، ولو شرطا في العقد تأخيره إن بقي بعدها بطل.

ولو أهمل الزراعة حتى خرجت المدة لزمه اجرة المثل، ولو زارع على ما لا ماء له بطل إلا مع علمه، ولو انقطع في الاثناء تخير العامل، فإن فسخ فعليه اجرة ما سلف.

وله زرع ماشاء مع الاطلاق، ولو عين فزرع الاضر(٣) تخير المالك في الفسخ فيأخذ اجرة المثل، أو الامضاء فيأخذ المسى مع الارش.

ولو شرط الزرع والغرس افتقر إلى تعيين كل منهما، وكذا الزرعين متفاوتي الضرر، وللعامل المشاركة وأن يعامل من غير إذن، ولو شرط التخصيص لم يجز التعدي والقول قول منكر زيادة المدة، وقول صاحب البذر في الحصة، وقول المالك في عدم العارية، فتثبت الاجرة مع يمين الزراع على انتفاء الحصة والوجه الاقل، وللزارع التبقية.

ولو ادعى المالك الغصب طالب بالاجرة، والارش، وطم الحفر، والازالة.والخراج على المالك إلا مع الشرط، وللمالك اجرة المثل في كل موضع تبطل المزارعة.

ويجوز الخرص ويستقر بالسلامة، ولو كان الغرس يبقى بعد المدة فعلى المالك الابقاء، والارش(٤) لو أزاله.

_______________________

(١) في(م): " كتغيير ".

(٢) في(م): " وتأخير ".

(٣) كأن عين البطخ قزرع القطن، فان القطن أضر بالارض من البطيخ كما قيل.

(٤) في(م): " او الارش ".

١٩١

ولو كان من أحدهما الارض ومن الاخر البذر والعمل والعوامل، أو من أحدهما الارض والبذر ومن الاخر العمل، أو من أحدهما الارض والعمل ومن الاخر البذر صح بلفظ المزارعة، ولو أجره بالحصة بطل.

المطلب الثانى: المساقاة

وفيه مقامان:الاول في الاركان:

وهي أربعة: العقد، ولمحل، والمدة، والفائدة.

وصيغة الايجاب: ساقيتك، أو عاملتك، أو سلمت إليك وشبهه.

وهي لازمة لا تبطل بالموت ولا البيع بل بالتقايل، وتصح قبل ظهور الثمرة وبعدها إن ظهر للعمل زيادة.

وأما المحل فهو: كل أصل ثابت(١) له ثمرة ينتفع بها مع بقائه كالنخل والشجر، وفي التوت ولحناء نظر، وإنما تصح إذا كانت الاشجار مرئية.

ولو ساقاه على ودي(٢) غير مغروس ففاسد، ولو كان مغروسا وقدر العمل بمدة لا يثمر فيها قطعا أو ظنا أو تساوى الاحتمالان بطل.وتصح إلى مدة تحمل فيها غالبا وإن لم تحمل، ولو كانت الثمرة لا تتوقع إلا في آخر في المدة صح، ويشترط في المدة تقديرها بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، وأن تحصل الثمرة فيها غالبا.ويشترط شياع الفائدة، فلو اختص بها أحدهما، أو شرط مقدارا معينا لا بالجزء المشاع والباقي للاخرأو لهما، أو شرط ثمرة نخلات بعينها والباقي للاخر لم يصح.ويجوز اختلاف الحصة من الانواع إذا علم العامل مقدار الانواع.ويكره اشتراط رب الارض مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة، ويجب الوفاء مع السلامة.ولو شرط فيما سقت السماء النصف وفيما سقي بالناضح الثلث، أو شرط مع الحصة جزء من الاصل بطل.

_______________________

(١) في(م): " نابت ".

(٢) وهو: صغار النخل قبل أن يحمل، انظر: مجمع البحرين ١ / ٤٣٣ ودا.

١٩٢

المقام الثانى في الاحكام:

وإطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل عمل يتكرر في كل سنة وتحتاج الثمرة إليه: من السقى، والتقليب، وتنقية الاجاجين والانهار، وإزالة الحشيش المضر، وتهذيب(الجريد)(١) والتلقيح، والتعديل، واللقاط، وإصلاح موضع التشميس، ونقل الثمرة إليه وحفظها.

وما لا يتكرر في كل السنة ويعد من الاصول فهو على المالك: كحفر الابار والانهار، وبناء الحائط، ونصب الدولاب والدالية والكش، ولو شرط على العامل لزم.

ولو شرط العامل كله على المالك بطل، ولو شرط البعض لزم، ولو شرط أن يعمل غلام المالك معه جاز وإن شرط عمله لخاصته، ويصح لو شرط عليه اجرة الاجراء أو خروج اجرتهم منهما(٢) ، وكل موضع تفسد فيه المساقاة فللعامل الاجرة والثمن للمالك.ولو ساقاه الاثنان واختلفا في النصيب صح إن علم حصته كل منهما، وإلا فلا، ولو ساقاه على بستان على أن يساقيه على الاخر صح، ولو هرب العامل ولا باذل جاز له الفسخ والاستيجار عنه بإذن الحاكم، وإن تعذر فبغير إذنه مع الاشهاد لا بدونه.

والقول قول العامل في عدم الخيانة وعدم التفريط، ولو ظهر استحقاق الاصل فللعامل الاجرة على الامر ويرجع المالك على كل منهما بنصيبه، وليس للعامل أن يساقي غيره، والخراج على المالك إلا مع الشرط، والفائدة تملك بالظهور.والمغارسة باطلة، والغرس لصاحبه، وعليه اجرة الارض، ولصاحبه أرش نقص القلع، ولو بذل أحدهما للاخر القيمة لم يجب القبول.

_______________________

(١) في(س): " الجرائد " والمثبت من(م) وهو الانسب.

(٢) أى: العامل والمالك.

١٩٣

المقصد الثالث في الجعالة

وهي تصح على كل عمل مقصود محلل، معلوما كان أو مجهولا.ويجب العلم بالعوض بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو العدد، ولو جهله مثل: من رد عبدي فله ثوب أو دابة، فاجرة المثل.

وكون الجاعل جائز التصرف، وإمكان العامل من العمل(١) ، ويلزم المتبرع ما جعله على(٢) غيره، ولا يستحق المتبرع بالعمل وإن جعل لغيره، ويستحق الجعل بالتسليم.

وهي جائزة قبل التلبس، ومعه ليس للجاعل الفسخ إلا مع بذل اجرة ما عمل، ويعمل بالمتأخر من الجعالتين.

ولو حصلت الضالة في يده قبل الجعل فلا شئ ووجب الرد، وإذا عين سلم مع الرد، وإن لم يعين فاجرة المثل، إلا في البعير أو الابق بردهما من غير المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما، ومن المصر دينار وإن نقست القيمة، ولو استدعى الرد ولم يبذل اجرة فلا شئ.

ولو جعل للرد شيئا فرده جماعة استحقوه(و)(٣) يقسم بينهم، ولو جعل للدخول فدخل جماعة فلكل واحد ذلك الشئ، ولو جعل لكل من الثلاثة جعلا مخالفا للاخر فردوه فلكل ثلث ما عينه.وكذا لو اتفقوا، ولو جعل للبعض معينا وللاخر مجهولا فلكل من المعين الثلث وللمجهول ثلث اجرة المثل.ولو تبرع واحد مع المجعول له فلا شئ له وللمجعول النصف، ولو رد من البعض فله بالنسبة.والقول قول المالك في عدم الاشتراط، وفي حصول الضال(٤) في يد العامل قبل الجعل، وفي كون المأتي به غير المقصود، وفي قدر الجعل وجنسه، لكن يحلف على ماادعاه العامل، وحينئذ يثبت أقل الامرين من اجرة المثل وما ادعاه العامل، إلا أن يزيد ما ادعاه الجاعل على الاجرة فيثبت عليه ما ادعاه.

_______________________

(١) في(م): " وامكان العمل من العامل ".

(٢) في(م): " عن ".

(٣) زيادة من(م) تقتضيها العبارة.

(٤) في(م): " الضالة ".

١٩٤

المقصد الرابع في السبق والرماية

وإنما يصحان في السهم، والنشاب، والحراب، والسيف، والابل، والفيلة، والفرس، والحمار،: والبغل، دون الطيور والقدم والسفن والمصارعة وشبهها.فإن اكتفينا بالا يجاب فهو جائز، وإلا فلازم.

وتفتقر المسابقة: إلى تقدير المسافة وتقدير العوض دينا كان أو عينا من أحدهما أو أجنبي، وتعيين ما يسابق عليه، واحتماله السبق، وجعل العوض لهما أو للمحلل أو الاجنبي على إشكال، والرمي إلى عدده، وعدد الاصباة وصفتها، وقدر المسافة، والعوض، والغرض، وتماثل جنس الالة.ولا يشترط تعيين القوس، ولا السهم، ولا المبادرة والمحاطة، ولا تساوي الموقف.وكما يصح الرهن على الاصابة يصح على التباعد، وأن يبذل(١) العوض أجنبي أو من بيت المال، وجعله للسابق أو للمحلل، ولو جعل للسابق خمسة فتساووا فلا شئ، ولو سبق من واحد أو اثنان فلهما أوله.وجعل السبق للسابق وإن تعدد، وجعل المصلى لمن صلى وإن تكثر، ولا شئ للاخير.

ولو أخرجا(٢) وقالا من سبق فهما له، فإن سبق أحدهما أو المحلل فهما له، وإن سبقا فلكل ماله، وإن سبق أحدهما والمحلل فللسابق مال نفسه ونصف الاخر وللمحلل الباقي.

ولو شرطا المبادرة والرشق عشرين والاصابة خمسة فأصابا خمسة من عشرة لم يجب الاكمال، ولو أصاب أحدهما خمسة منهما والاخر أربعة نضل(٣) صاحب الخمسة.

ولو شرطا المحاطة فأصابا خمسة منها تحاطا وأكملا، ولو أصاب أحدهما تسعة منها والاخر خمسة تحاطا وأكملا، ولو بادر أحدهما بعد المحاطة إلى إكمال العدد مع انتهاء الرشق فقد نضل صاحبه، وإن كان قبله وطلب المسبوق الاكمال اجيب مع الفائدة كرجاء الرجحان أو المساواة أو اقصور عن العدد، وإن لم تكن فائدة لم يجب كما لو رميا خمسة عشر فأصابها أحدهما والاخر خمسة.ويملك العوض بتمام النضال، ولو فسد العقد فلا عوض، ولو خرج مستحقا فعلى باذله المثل أو القيمة.

_______________________

(١) أى: ويصح أن يبذل.

(٢) أى: مالا.

(٣) أى: غلب، انظر: مجمع البحرين ٥ / ٤٨٤ نضل.

١٩٥

المقصد الخامس في الشركة

وفيه بحثان:

الاول: الشركة عقد جائز من الطرفين، ولا يصح شرط الاجل لكن يثمر المنع

من التصرف(١) إلا بإذن جديد.

وتتحقق: بمزج المتساويين، وباستحقاق الاثنين الشئ إما بالارث أو الحيازة، وبابتياع جزء من أحد المختلفين بجزء من الاخر.

وإنما تصح بالاموال دون الابدان والوجوه والمفاوضة، والربح والخسران على قدر رأس المالين، ما لم يشترطا الضد على رأي.ولا يصح لاحدهما التصرف إلا بإذن شريكه، ويقتصر على المأذون فيضمن لو خالف، وله الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة متى شاء، وليس له المطالبة بالانضاض.والشريك أمين لا يضمن بدون التعدي، ويقبل قوله في عدمه وعدم الخيانة واختصاص الشراء واشتراكه، ويبطل الذن بالجنون والموت.

ولو دفع إليه اثنان دابة ورواية على الشركة لم يصح، والحامل للسقاء وعليه اجرتهما، وقيل: يقسم أثلاثا ويرجع كل منهم على صاحبه بثلث اجرته(٢) .ويكره مشاركة الكفار، ولو باعا سلعة صفقة وقبض أحدهما نصيبه شاركه الاخر.

البحث الثانى: في القسمة وكل من طلب القسمة مع انتفاء الضرر اجبر الممتنع، ولو أنفق الشركاء مع الضرر لم يجز، ويحصل الضرر بنقص القيمة، وقيل: بعدم الانتفاع(٣) .

ولا تصح قسمة الوقف، وتصح قسمته مع الطلق، ولا يشترط إيمان(٤) القاسم ولا إسلامه لو تراضا الخصمان به، وتكفي القرعة في المتعين(٥) بعد التعديل.

_______________________

(١) في(م): " لتصرفات ".

(٢) حكاه الشيخ في المبسوط ٣ / ٣٤٦ وجعله قريبا.

(٣) ذهب اليه الشيخ في المبسوط ٨ / ١٣٥.

(٤) لفظ " ايمان " لم يرد في(م).

(٥) في(م): " في التعيين ".

١٩٦

ويستحب للامام نصب قاسم، ويشترط عدالته، ومعرفته بالحساب، ولا يكفي الواحد في قسمة الرد إلا مع الرضا، والاجرة من بيت المال، فإن ضاق فمنهما بالحصص.

ومتساوي الاجزاء يقسم قسمة إجبار، وغيره إن التمس المتضرر بالقسمة اجبر غيره عليها، ويقسم ما اشتمل على الرد قسمة تراض.ويقسم الثياب والعبيد بعد التعديل، والعلو والسفل معا لا بأن ينفرد أحدهما بواحد منهما، ولا يقسم كل واحد على حدة والارض المزروعة والزرع الظاهر والقرحان المتعددة كل واحد بانفراده لا قسمتها بعضا في بعض، والقراح(١) الواحد وإن اختلفت أشجار أقطاعه بعد التعديل، والدكاكين المتجاورة بعضا في بعض، قسمة إجبار.

ثم تخرج السهام على الاسماء: بأن يكتب كل سهم في رقعة ويؤمر الجاهل بإخراج بعضها على اسم أحدهما، أو على السهام: بأن يكتب اسم كل واحد في رقعة ويؤمر الجاهل بإخراج بعضها على سهم منها.وتعدل السهام قيمة لا قدرا، فلو كانا متساويين وكان الثلث بإزاء الثلثين جعل الثلث محاذيا للثلثين، ولو تساوت قيمة لا قدرا بأن كان لاحدهما النصف من متساوي الاجزاء وللاخر الثلث وللثالث السدس سويت على أقلهم وتخرج على الاسماء.

ويجعل للساهم أول وثان إلى آخرها، فإن خرج صاحب النصف فله الثلاثة الاول، وإن خرج صاحب الثلث فله الاولان، وكذا في المرتبة الثانية، ولو اختلفت قدرا وقيمة ميزت(٢) على الاقل.

وقسمة الرد تفتقر إلى الرضا، ولو اتفقا عليه وعدلت السهام افتقر بعد القرعة إلى الرضا ثانيا، ولو ادعى الغلط كان عليه البينة فتبطل أو الاحلاف، ولو ظهر استحقاق البعض بطلت إن كان معينا مع أحدهما أو معهما لا بالسوية أو مشاعا، ولو كان معينا بالسوية لم يبطل، ولو ظهر دين بعد قسمة الوارث فإن دفعوه وإلا بطلت.

_______________________

(١) القراح: لمزرعة التى ليس عليها بناء ولا فيها شجر، انظر: مجمع البحرين ٢ / ٣٠٤ قرح.

(٢) في(م): " سويت ".

١٩٧

المقصد السادس في المضاربة

وهي جائزة من الطرفين لكل منهما فسخه وإن كان بالمال عروض، ولا يلزم الاجل، وتثمر المنع.

ولا يتعدى العامل المأذون، فيضمن لو خالف، أو أخذ ما يعجر عنه، أو مزج المال بغيره بغير إذن، ولا يؤثر في الاستحقاق.

وإذا أطلق تولى ما يتولاه المالك، من عرض القماش ونشره وطيه وإحرازه، وقبض الثمن واستيجار ماجرت العادة له، ولو عمله بنفسه لم يستحق اجرة، كما أنه يضمن الاجرة لو أستأجر للاول، ويبتاع المعيب ويرد به ويأخذ الارش مع الغبطة.والاطلاق يقتضي البيع نقدا بثمن المثل من نقد البلد والشراء بالعين، فيقف على الاجازة لو خالف، ولو اشترى في الذمة ولم يضف وقع له.وتبطل بالموت منهما والخروج عن أهلية التصرف، وينفق في السفر كمال النفقة من الاصل، ويقسط لوضم.

ولا تصح إلا بالاثمان الموجودة المعلومة القدر المعينة، ولو كانت مشاعة، فلو قارضه بأحد الالفين، أو بالعروض، أو بالمشاهد المجهول، أو بالفلوس، أو بالنقرة على إشكال، أو بالمغشوشة، أو بالدين وإن كان على العامل، أو بثمن ما يبيعه لم يصح، وتصح بالمغصوب.ويبرأ بالتسليم إلى البائع، والعامل، ويقدم قوله في التلف وعدم التفريط والخسارة وقدر رأس المال والربح ولا يضمن إلا مع التفريط وقول المالك في عدم الرد والحصة.ويشترط في الربح الشياع فلو شرط إخراج معين من الربح والباقي للشركة

بطل وتعيين حصة العامل.

ولو قال: الربح بيننا فهو تنصيف، ولو شرط حصة لغلامه صح وإن لم يعمل، ويشترط في الاجنبي العمل.

ولو قال: لكما نصف الربح تساويا، ويملك العامل حصته بالظهور، ولو شرط المريض للعامل ربحا صح، ولو أنكر القراض وادعى التلف بعد البينة أو ادعى الغلط في الاخبار بالربح أو بقدره ضمن، أما لو قال: ثم خسرت أو تلف المال بعد الربح قبل.

١٩٨

ولو اشترى بالعين أبا لالمالك بإذنه فله الاجرة وعتق وإلا فلا، ولو اشترى زوج المالكة بإذنها بطل النكاح وإلا بطل البيع، ولو اشترى أبا نفسه عتق ما يصيبه(١) من الربح ويستعسى العبد في الباقي، ولو اشترى جارية جاز له وطؤها.مع إذن المالك بعده لا قبله على رأى، والتالف بعد دورانه في التجارة من الربح.

ولو خسر من المائة عشرة، ثم أخذ المالك عشرة، ثم ربح(٢) فرأس المال تسعة وثمانون إلا تسعا.

ولو اشترى بالعين فتلف الثمن قبل الدفع بطل، وإن(٣) اشترى في الذمة بالاذن الزم صاحب المال عوض التالف، وهكذا دائما، فيكون الجميع رأس المال، وإن كان بغير الاذن بطل مع الاضافة.

ولو فسخ المالك فللعامل اجرته إلى وقت الفسخ، وعليه جباية السلف لا الانضاض.

ولو ضارب العامل بإذنه صح والربح بين الثاني والمالك، وبغير إذنه لا يصح والربح بين المالك والاول وعلى الاول اجرة الثاني. ولو خسر بعد قسمة الربح رد العامل أقل الامرين، وكل موضع تفسد فيه المضاربة يكون الربح للمالك وعليه الاجرة.

المقصد السابع في الوديعة

وهي عقد جائز من الطرفين يبطل بالموت والجنون.ولا بد من إيجاب، وهو: كل لفظ يدل على الاستنابة في الحفظ، ولا يشترط القبول لفظا.

ويجب حفظها مع القبول بما جرت عادتها بالحفظ، ويختلف الحفظ(٤) ، كالصندوق للثوب والنقد، والاصطبل للدابة، والمراح للشاة، ولا يجب الحفظ لو طرحها عنده من غير قبول أو اكره على القبض.

ويجب سقي الدابة وعلفها بنفسه وبغلامه، ولا يخرجها من منزله للسقي إلا مع الحاجة، ولو أهمل ضمن إلا أن ينهاه المالك فيزول الضمان لا التحريم.ويقتصر على ما يعينه المالك من الحرز، فإن نقل ضمن إلا مع الخوف أو إلى أحرز.

_______________________

(١) في(م): " ما نصيبه ".

(٢) في(م): " ثم عمل الساعى فربح ".

(٣) في(م): " ولو ".

(٤) في حاشية(س): " الحرز خ ل ".

١٩٩

ولو قال: لا تنقلها ضمن كيف كان إلا مع الخوف وإن قال: وإن تلفت.والمستودع أمين لا يضمن بدون التفريط ولا بأخذها منه قهرا، ويجوز الحلف للظالم ويوري.

ولا تصح وديعة غير العاقل فيضمن القابض، ولا يبرأ بالرد إليه وإن كان مميزا، ولو اودع لم يضمن بالتفريط.

ويجوز السفر بها مع خوف الاقامة، ولو ظهرت أمارة الخوف في السفر لم يجز.

ولو أنكر الوديعة، أؤ ادعى التلف، أو الرد على إشكال، أو عدم التفريط، أو قدر القيمة فالقول قوله مع اليمين.

ولا يبرأ لو فرط بالرد إلى الحرز، ويبرأ بالرد إلى المالك، أو وكيله، أو الحاكم مع الحاجة، أو إلى ثقة معها إذا فقد الحاكم، ولو دفعها إلى الثقة مع قدرته عليه أو على المالك ضمن، ولو أراد السفر فدفنها ضمن إلا مع خوف المسارعة.

ولو ادعى الاذن في الدفع إلى غير المالك، أو أنكرها فقامت عليه البينة فادعى التلف، أو أخر الاحراز مع المكنة، أو سلم إلى زوجته، أو أخر دفعها مع الطلب والامكان، أو فرط بطرحها في غير الحرز، أو ترك سقي الدابة أو نشر الثوب، أو سافر مع الامن والخوف(١) ، أو لبس الثوب، أو ركب الدابة، أو خلطها بماله بحيث لا يتميز، أو مزج الكيسين، أو حملها أثقل من المأذون أو أشق، أو فتح قفل المالك وأخذ بعضها أولا ضمن.

ولو أخذ البعض من تحت قفله ضمن المأخوذ خاصة، ولو أعاده ومزجه بحيث لا يتميز لم يبرأ ولا يضمن الباقي، ولو أعاد بدله ومزجه بحيث لا يتميز ضمن الجميع.ويجب أن يشهد لو خاف الموت، ولو مات ولم توجد اخذت من التركة على إشكال.

ويجب ردها على المالك وإن كان كافرا لا غاصبا، بل يرد على المغصوب منه، ولو جهله تصدق وضمن، أو أبقاها أمانة ولا ضمان، ويحلف لو طلبها، ولو مزجها الغاصب بماله بحيث لا يتميز رد الجميع إليه.

ولو مات المال سلمت إلى وارثه، فإن تعدد سلم إلى الجميع أو وكيلهم، ولو دفع إلى البعض ضمن حصص الباقين.

ولو ادعاها اثنان صدق في التخصيص، ولو ادعى الاخر علمه أو ادعياه مع الاشتباه حلف.

_______________________

(١) في(م): " أو الخوف ".

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233