ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان الجزء ١

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان25%

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 233

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149576 / تحميل: 6676
الحجم الحجم الحجم
ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان

ارشاد الاذهان إلى أحكام الايمان الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ولا يقع في رمضان غيره، فلو نوى غيره لم يجز عن أحدهما على رأي.

ولا يجوز صوم الشك بنية رمضان، ولا بنية الوجوب على تقديره والندب إن لم يكن، ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا ظهر أنه منه، ولو ظهر في أثناء النهار جدد نيه الوجوب ولو كان قبل الغروب.

ولو أصبح بنية الافطار وظهر(١) أنه من الشهر ولم يكن تناول جدد نية الصوم وأجزأ، ولو زالت الشمس أمسك واجبا وقضى.

ولابد من استمرار النية حكما، فلو جدد في أثناء النهار نية الافساد(٢) بطل صومه على رأي، ولو نوى الافساد ثم جدد نية الصوم قبل الزوال لم يجزئه على رأي، ولو ارتد في أثناء النهار بعد عقد النية بطل وإن عاد فيه.

النظر الثاني في أقسامه

وفيه مطالب: الاول الصوم أربعة:

واجب، وهو: رمضان، والكفارات، وبدل الهدي، والنذر، وشبهه، والاعتكاف الواجب، وقضاء الواجب.

ومندوب، وهو: أيام السنة إلا ما يستثنى - ولا يجب بالشروع - وآكده: أول خميس من كل شهر، وآخر خميس منه، أول أربعاء في العشر الثاني، وأيام البيض، ويوم الغدير، والمباهلة، ومولد النبي عليه السلام، ومبعثه، ودحو الارض،وعرفه لمن لا

_______________________

(١) في(س) و(م): " فظهر ".

(٢) في(م): " الفطار ".

٨١

يضعف عن الدعاء مع تحقق الهلال، وعاشوراء حزنا، وكل خميس وجمعة، وأول ذي الحجة، ورجب، وشعبان(١) .

ومكروه، وهو: النافلة سفرا، والمدعو إلى طعام، وعرفة مع ضعفه عن الدعاء أو شك الهلال.

ومحرم، وهو: العيدان، وأيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا، ويوم الشك من رمضان، ونذر المعصية، والصمت، والوصال وهو: تأخير العشاء إلى السحر، والواجب في السفر - إلا النذر المقيد به، وبدل الهدي والبدنة للمفيض عمدا قبل غروب عرفة، ومن هو بحكم الحاضر - والواجب في المرض مع التضرر به.

ولا ينعقد صوم العبد تطوعا بدون إذن مولاه، والولد بدون إذن والده، والزوجة بدون إذن الزوج، والضيف بدون إذن المضيف، والنافلة في السفر، إلا أيام الحاجة بالمدينة.

ويستحب: الامساك تأديبا للمسافر إذا قدم بعد إفطاره أو بعد الزوال، وكذا المريض إذا برأ، وللحائل(٢) والنفساء إذا طهرتا في الاثناء، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، والمغمى عليه.

والواجب إما مضيق: كرمضان، وقضائه، والنذر، والاعتكاف.

وإما مخير كجزاء الصيد، وكفارة أذى الحلق، وكفارة رمضان.

وإما مرتب، وهو: كفارة اليمين، وقتل الخطأ، والظهار، ودم الهدي، وقضاء رمضان.

المطلب الثاني: في شرائط الوجوب

إنما يجب: على المكلف، السليم من التضرر به، الطاهر من الحيض والنفاس.

فلا يجب الصوم: على الصبي، ولا المجنون، والا المغمى عليه وإن سبقت منه

_______________________

(١) أى: " ورجب كله وشعبان كله، ذكره في الذخيرة: ٥٢١.

(٢) في(س) و(م): " والحائض ".

٨٢

النية، ولا امريض المتضرر به ولا الحائض، ولا النفساء.

ويشترط في رمضان: الاقامة، فلا يصح صومه سفرا يجب فيه القصر، ولو صام عالما بالقصر لم يجزئه، ولو جهل أجزأه، ولو قدم قبل الزوال ولم يتناول أتم واجبا وأجزأه، وحكم المريض حكمه(١) .

وشرط القضاء: التكليف، والاسلام، فلا يجب قضاء مافات: الصبي، والمجنون، والمغمى عليه وإن لم تسبق منه النية، والكافر الاصلي.

ويجب القضاء على: المرتد، والحائض، والنفساء والنائم، والساهي.ولو أسلم، أو أفاق المجنون، أو بلغ الصبي قبل الفجر وجب ذلك اليوم، ولو كان بعده لم يجب.

ولو فاته رمضان أو بعضه بمرض ومات في مرضه سقط واستحب(٢) لوليه القضاء، ولو استمر مرضه إلى آخر سقط الاول وكفر عن كل يوم منه بمد، ولو برأ بينهما وترك القضاء تهاونا قضى الاول وكفر، وإن لم يتهاون قضى بغير كفارة، ولو مات بعد استقراره وجب على وليه القضاء، وهو أكبر أولاده الذكور، ولو تعددوا قضوا بالتقسيط وإن أتحد الزمان(٣) .

ويوم الكسر واجب على الكفاية، ولو تبرع أحد(٤) سقط، ولو كان الاكبر

_______________________

(١) قال المحقق السبزوارى: " وحكم المريض حكمه، أى: حكم المسافر أنه اذا برأ قبل الزوال ولم يفطر وجب عليه الاتمام ويعتد به، واذا برأ بعد الزوال أو قبله وأفطر لم يجب عليه صومه " ذخيرة المعاد: ٥٢٦.

(٢) في(م): " ويستحب ".

(٣) قال المحقق السبزوارى: " ومعنى قوله: وان اتحد الزمان، انه لا يشترط تقدم فعل البعض على البعض الاخر، وذلك مبنى على عدم وجوب الترتيب في قضاء الصوم " ذخيرة المعاد: ٥٢٩.

(٤) قال المقدس الاردبيلى في مجمعه: " أى أحد الاولياء لا الاجنبى، لعدم تكليفه به، والاصل عدم سقوط تكليف الولى بفعل غيره ".

٨٣

انثى لم يجب عليها(وتتصدق)(١) عن كل يوم بمد من تركته(٢) .

ولو كان عليه شهر ان متتابعان صام الولي شهرا وتصدق من تركة الميت عن آخر، ويستحب تتابع القضاء

المطلب الثالث: في شهر رمضان

وهو واجب بأصل الشرع على جامع الشرائط.

ويصح: من المميز والنائم مع سبق النية، ولو استمر نومه من الليل قبل النية إلى الزوال قضى.

ومن المستحاضة إذا فعلت الاغسال إن وجبت، فان أخلت حينئذ قضت، وكذا البحث في غير رمضان، ولو أصبح جنبا فيه أو في المعين تمم صومه، وفي غيره لا ينعقد.

ومن المريض إذا لم يتضرر به.

ويعلم رمضان: برؤية الهلال، وبشياعه، وبمضي ثلاثين من شعبان، وبشهادة عدلين مطلقا على رأي.

والمتقاربة كبغداد والكوفة(٣) متحدة، بخلاف المتباعدة، فلو سافر بعد الرؤية ولم ير ليلة أحد وثلاثين صام معهم، وبالعكس يفطر التاسع والعشرين.

ولو اشتبه شعبان عد رجب ثلاثين، ولو غمت الشهور أجمع فالاولى العمل بالعدد(٤) .

_______________________

(١) في(الاصل): " وتصدق " وفى(س)، " ويصدق " وما أثبتناه من(م) وهو الانسب.

(٢) في(س): " من تركة الميت ".

(٣) في(م): " وكوفة ".

(٤) قال المقدس الاردبيلى في مجمعه: " أى: العمل بالحساب بعد غيم الشهور كلها، بأن يعد خمسة أيام من السنة الماضية، مثلا لو كان أول شهر رمضان السنة الماضية يوم الاثنين، يكون الجمعة أوله في هذه السنة ".

وقال المحقق السبزوارى: " يعنى عد كل شهر ثلاثين، وهو قول جماعة من الاصحاب منهم الشيخ في المبسوط، وقيل: ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة، وقيل: يعمل برواية الخمسة، واختاره المصنف في عدة من كتبه " ذخيرة المعاد: ٥٣٤.

٨٤

والمحبوس يتوخى(١) ، فإن وافق أو تأخر أجزأ، وإلا أعاد.

النظر الثالث في اللواحق

وفيه مطلبان: الاول: في أحكام متفرقة

كل الصوم يجب فيه التتابع، إلا النذر المجرد عنه وشبهه، والقضاء، وجزاء الصيد، وسبعة الهدي.

وكل مشروط بالتتابع لو أفطر في أثنائه لعذر يبني، ولغيره يستأنف، إلا من صام شهرا ويوما من المتتابعين، ومن صام خمسة عشر يوما من شهر، ومن أفطر بالعيد خاصة بعد يومين في بدل الهدي.

وكل من وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز عن الصوم أصلا استغفر الله.

ولا يجوز صيام ما لا يسلم فيه الشهر واليوم، كشعبان خاصة في المتتابعين.

والشيخ والشيخة إذا عجز، وذوالعطاش الذي لا يرجى زواله يفطرون ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام، ثم إن تمكنوا قضوا.

والحامل المقرب، والمرضعة القليلة اللبن، وذو العطاش الذي يرجو زواله يفطرون ويقضون مع الصدقة.

ويكره: التملي للمفطر، والجماع.

وحد المرض المبيح للرخصة: ما يخاف معه الزيادة بالصوم.

وشرائط قصر الصلاة والصوم واحدة، ولا يحل الافطار حتى بتوارى الجدار ويخفى الاذان، فيكفر لو أفطر قبله.

_______________________

(١) يقصد ويتحرى شهر رمضان، فيختار ما يغلب على ظنه أنه شهر رمضان فيصومه، انظر: مجمع البحرين ١ / ٤٣٢ وخا.

٨٥

المطلب الثاني: في الاعتكاف

وهو بأصل الشرع مندوب، ويجب بالنذر وشبهه - وقيل: لو اعتكف يومين وجب الثالث(١) - ولو اشترط(٢) في النذر الرجوع إذا شاء كان له ذلك ولا قضاء ولو لم يشترط(٣) وجب استئنافه مع قطعه.

وإنما يصح من مكلف مسلم يصح منه الصوم، في مسجد مكة والمدينة والكوفة والبصرة، ولا يصح في غيرها من المساجد على رأي.واللبث ثلاثة أيام فصاعدا لا أقل، صائما ناويا له على وجهه متقربا.

ولو أطلق النذر وجب ثلاثة أيام أين شاء في أي وقت شاء، ولو عينهما(٤) تعينا، ولو نذر أزيد وجب، فأن شرط التتابع لفظا أو معنى وجب، فإن أخل بالمشروط لفظا أستأنفه متتابعا وكفر، وبالمشروط معنى يبني ويكفر، وإن لم يشرطهما(٥) جاز التفريق ثلاثة ثلاثة.

ولو أطلق الاربعة جاز أن يعتكفها متوالية، وأن يفرق الثلاثة عن اليوم، لكن يضم إليه آخرين ينوي بهما الوجوب أيضا.

ولو نذر اعتكاف النهار وجب الليل أيضا، ولو شرط عدم اعتكافه(٦) أو اعتكاف يوم لا أزيد بطل النذر، ولو نذر اعتكاف يوم وجب وأضاف يومين.

ويشترط في المندوب إذن الزوج والمولى، ولو هاياه مولاه جاز أن يعتكف

_______________________

(١) ذهب إلى هذا القول الشيخ في النهاية: ٧١، وابن البراج في المهذب ١ / ٢٠٤، وأبوالصلاح في الكافى: ١٨٦، وغيرهم.

(٢) في(س) و(م): " شرط ".

(٣) في(م): " يشترط ".

(٤) أى: المكان والزمان.

(٥) أى: المتابعة اللفظية والمعنوية.

(٦) أى: الليل.

٨٦

في أيامه، ألا أن ينهاه المولى.

ولا يجوز الخروج من موضعه، فيبطل لوخرج وإن كان كرها لانسيانا، فإن مضت ثلاثة صح إلى وقت خروجه، وإلا فلا(١) .

إلا في الضرورية: كقضاء الحاجة، والاغتسال، وشهادة الجنازة، وعود المريض، وتشييع المؤمن، وإقامة الشهادة، فيحرم عليه حينئذ الجلوس، والمشي تحت الضلال، والصلاة خارجا إلا بمكة.

والمطلقة رجعيا تخرج إلى منزلها للعدة ثم تقضي مع وجوبه، وكذا الحائض والمريض.

ويحرم عليه(٢) ليلا ونهارا: النساء لمسا وتقبيلا وجماعا، وشم الطيب، واستدعاء المني، والبيع والشراء، والمماراة.

ويجوز: النظر في المعاش، والخوض في المباح.

ويفسده كل ما يفسد الصوم، فإن أفطر في المتعين نهارا، أو جامع فيه ليلا كفر، وفي غيره(٣) يقضي واجبا إن كان واجبا ولا كفارة على رأي.

ولو جامع في نهار رمضان فكفارتان، وعلى المطاوعة المعتكفة مثله، إلا أن يكرهها فتتضاعف عليه.

كتاب الحج

والنظر في امور أربعة الاول في أنواعه

وهو: واجب، وندب.

فالواجب بأصل الشرع مرة واحدة على الفور، هي: حجة الاسلام وغيرها يجب: بالنذر وشبهه، وبالاستئجار، والافساد.

والندب: ما عداه.

وكل من هذه إما تمتع، أو قران، أو إفراد.

_______________________

(١) قال المقدس الاردبيلى في مجمعه." أى: لو خرج فيما لايجوز له الخروج قبل مضى الثلاثة يبطل الاعتكاف بالكلية، فلا يصح شئ منه، وان خرج بعده يصح ما فعله ان كان بالشرائط ".

(٢) أى: المعتكف.

(٣) أى: غير المتعين.

٨٧

فالتمتع: أن يحرم من الميقات للعمرة ألمتمتع بها، ثم يمضي(إلى)(١) مكة فيطوف سبعا ويصلي ركعتيه ويسعى للعمرة ويقصر، ثم يحرم من مكة يوم التروية ويخرج إلى عرفات فيقف بها إلى غروب الشمس يوم عرفة، ثم يفيض إلى المشعر فيقف به من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثم يأتي منى فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم يذبح هديه، ثم يحلق رأسه، ثم يمضي إلى مكة فيطوف للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى للحج، ثم يطوف للنساء ويصلي، ثم يرجع إلى منى فيبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر ويرمي في اليومين الجمار الثلاث، ثم ينفر إن شاء أو يقيم إلى الثالث فيرميه.

والمفرد: يحرم من الميقات، ثم يمضي إلى عرفة والمشعر فيقف بهما، ثم يأتي منى فيقضي مناسكه، ثم يطوف بالبيت للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى، ثم يطوف للنساء، ثم يرجع إلى منى فيرمي اليومين أو الثلاثة، ثم يأتي بعمرة مفردة.

والقارن: كذلك، إلا أنه يقرن بإحرامه هديا.

والتمتع فرض من نأى منزله عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب، والباقيان فرض أهل مكة وحاضريها، ولو عدل كل منهم إلى فرض الاخر اضطرارا جاز لا اختيارا.

ويجوز للمفرد لا للقارن إذا دخل مكة العدول إلى التمتع، ولو دخل القارن والمفرد مكة جاز لهما الطواف، ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف(ولا يجب)(٢) ولا يحلان إلا بالنية على رأي.

وذو المنزلين يلزم(٣) فرض اغلبهما إقامة، فإن تساويا تخير.

ولو حج المكي على ميقات أحرم منه وجوبا.

وينتقل فرض المقيم ثلاث سنين إلى المكي، ودونها يتمتع(٤) ، فيخرج إلى الميقات إن تمكن، وإلا فخارج الحرم، ولو تعذر أحرم من موضعه.

ولا يجوز الجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة، ولا إدخال أحدهما على الاخر، ولا نية حجتين، ولا عمرتين.

_______________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في(الاصل) و(س) و(م) واثبتناه من(ع) ومجمع الفائدة والذخيرة: ٥٤٩.

(٢) زيادة من(س) و(م)

(٣) في(م): " يلزمه ".

(٤) في(م): " تمتع ".

٨٨

النظر الثانى في الشرائط

يشترط في حجة الاسلام: التكليف، والحرية، والاستطاعة وهي: الزاد والراحلة ومؤونة عياله(١) ، وإمكان المسير وهو: الصحة وتخلية السرب والقدرة على الركوب، وسعة الوقت.

فلا يجب على الصبي والمجنون، ولو حجا أو حج عنهما لم يجزء عن حجة الاسلام، ولو حجا ندبا ثم كملا قبل المشعر أجزأ، ويحرم المميز، والولي عن غير المميز والمجنون.

ولو حج المملوك بإذن مولاه لم يجزء عن حجة الاسلام، إلا أن يدرك المشعر معتقا، ويتم لو أفسده ويقضيه، ويجزئه القضاء إن كان عتقه قبل المشعر، وإلا فلا.

ومن وجد الزاد والراحلة على نسبة حاله وما يمون عياله ذاهبا وعائدا فهو مستطيع وإن لم يرجع إلى كفاية على رأي.

ولا تباع ثيابه ولا داره ولا خادمه، ولو وجد(٢) بالثمن وجب الشراء وإن كان بأكثر من ثمن المثل على رأي.

والمديون لا يجب عليه(شئ)(٣) إلا أن يفضل عن دينه قدر الاستطاعة، ولا يجوز صرف المال في النكاح وإن شق.

ولو بذل له زاد وراحلة ومؤونة عياله وجب، ولو وهب مالا يستطيع به لم يجب القبول(٤) .

ولو استؤجر لعمل في السفر بقدر الكفاية وجب، ولا يجب القبول(٥) .

_______________________

(١) في(س): " وقوته وقوت عياله ".

(٢) أى: الزاد، والراحلة.

(٣) زيادة من(س).

(٤) في(م) " لم يجب الا مع القبول " وقال المحقق السبزوارى في ذخيرتة: ٥٦١ " وعلل بأن الهبة نوع اكتساب، فلا يجب للحج لكون وجوبه مشروطا، وربما يعلل باشتماله على المنة، وفى التعليلين تأمل سيما الثانى، الثانى، لانتقاضه بالبذل ".

(٥) المراد: أنه اذا حصل القبول وجب عليه، لثبوت الاستطاعة، لكن لا يجب عليه القبول كما في الهبة.

وقال المحقق السبزوارى: " أما الاول - وهو وجوب الحج - فلحصول الاستطاعة، لكن لا يجب عليه القبول كما في الهبة.

وقال المحقق السبزوارى: " أما الاول - وهو وجوب الحج - فلحصول الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج، وأما الثانى فلان تحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب " ذخيرة المعاد: ٥٦١.

٨٩

ولو حج الفقير متسكعا(١) لم يجزء عن حجة الاسلام - إلا مع إهمال المستقرة(٢) - ولو تسكع الغني أجزأه.

ولو كان النائب معسرا أجزأت عن المنوب لا عنه لو استطاع، ولو حج عن المستطيع الحي غيره لم يجزء.

ولا يجب الاقتراض للحج، ولا بذل الولد ماله لوالده فيه.

والمريض إن قدر على الركوب وجب عليه، وإلا فلا.

ولو افتقر إلى الرفيق مع عدمه، أو إلى الاوعية والالات مع العدم، أو إلى الحركة القوية مع ضعفه، أو إلى مال للعدو في الطريق مع تمكنه على رأي سقط.

لو منعه عدو، أو كان معضوبا(٣) لايستمسك على الراحلة سقط، ولا يجب على الممنوع بمرض أو عدو الاستنابة على رأي.

ولو مات بعد الاستقرار قضي من الاصل من أقرب الاماكن، وإلا فلا، ولو اختص أحد الطريقين بالسلامة وجب سلوكه وإن بعد، ولو تساويا فيه(٤) تخير، ولو اشتركا في العطب سقط، ولو مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأ.

ومع حصول الشرائط يجب، فإن أهمل استقر في ذمته.

ويجب على الكافر، ولا يصح منه إلا بالاسلام، فإن أحرم حال كفره لم يجزء عنه، فإن أسلم أعاده من الميقات إن تمكن، وإلا خارج الحرم، وإلا في موضعه،

_______________________

(١) حج متسكعا أى: بغير زاد ولا راحلة كما في مجمع البحرين ٤ / ٣٤٦ سكع، وفى مجمع الفائدة للمقدس: " يعنى: لو حج غير المستطيع.وقيل: المراد بالتسكع هنا تكلف الفعل مع تحمل مشقة ".

(٢) أى: الا اذا كانت حجة الاسلام مستقرة في ذمته من قبل فاهمل حتى فقد الزاد والراحلة.

(٣) المعضوب: الضعيف، والعضب: الشلل والعرج، قاله ابن منظور في اللسان ١ / ٦٠٩ عضب.

٩٠

ولو ارتد بعد إحرامه لم يبطل لو تاب، والمخالف يعيد مع إخلال ركن.

(وليس للمرأة ولا العبد الحج تطوعا بدون إذن الزوج والموالى)(١) .ولا يشترط المحرم إلا مع الحاجة، ولا إذن الزوج في الواجب.

ويشترط في النذر: البلوغ، والعقل، والحرية، ولو أذن المولى انعقد نذر العبد، وكذا الزوجة.

ولو مات بعد استقراره(٢) قضى من الاصل، وتقسط التركة عليها(٣) ، وعلى حجة الاسلام، وعلى الدين بالحصص.

وإن عينه بوقت تعين، فإن عجز فيه سقط، وإن أطلق توقع المكنة لو عجز، ولا تجزئ عن حجة الاسلام، وبالعكس.

ولو نذره ما شيا وجب، فإن ركب متمكنا أعاد، وعاجزا يتوقع المكنة مع الاطلاق(٤) ، ومع التقييد يسقط.

ويشترط في النائب: كمال العقل، والاسلام، وأن لا يكون عليه حج واجب،(وتعيين)(٥) المنوب عنه قصدا.

ولا تصح عن المخالف إلا أن يكون أبا للنائب ولا نيابة المميز على رأي، ولا العبد بدون إذن المولى، ولا في الطواف عن الصحيح الحاضر.وتصح نيابة الصرورة مع عدم الوجوب، وإن كان امرأة عن رجل أو امرأة(٦) .

ولو مات النائب بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأ عن المنوب، وإلا استعيد

_______________________

(١) زيادة من(س) و(م)، وفى(م): " وليس للمرأة ولا للعبد ".

(٢) أى: الحج، وهو حجة الاسلام.

(٣) أى: وتقسط التركة عند قصورها عن الوفاء على الحجة المنذورة.

(٤) أى: بأن لايكون النذر مقيدا بزمان معين.

(٥) في(الاصل) و(س): " وتعين " والمثبت من(م) وهو الانسب.

(٦) في(س): " وامرأة ".

٩١

من الاجرة بما قابل المتخلف ذاهبا وعائدا، وكذا لو صد قبل الاحرام.

ويجب أن يأتي بالمشترط، إلا في الطريق، والعدول إلى التمتع مع قصد الافضل.

ولو استأجره(١) اثنان للايقاع في عام صح السابق، وإلا بطلا، ولو كان في عامين صحا.

ولو أفسد(٢) ، حج من قابل واستعيدت الاجرة.

والاطلاق يقتضي التعجيل، وعليه ما يلزمه(٣) من الكفارات والهدي، ولو احصر تحلل بالهدي ولا قضاء عليه.

ولو أحرم عن المنوب، ثم نقل النية لم يجزء عن أحدهما على رأي، وتستعاد الاجرة مع التقييد(٤) .

ولو أوصى بقدر أخرج اجرة المثل للواجب من الاصل والزائد من الثلث، وفي الندب يخرج الجميع من الثلث.

وتكفي المرة مع الاطلاق، ومع التكرار بالثلاث، ولو كرر ولم يف القدر جمع نصيب أكثر من سنة لها.

والمستودع يقتطع اجرة المثل في الواجب، مع علم(٥) عدم الاداء.

ويشترط في حج التطوع: الاسلام، وان لايكون عليه حج واجب، واذن المولى والزوج، ولا يشترط البلوغ.

ويشترط في حج التمتع: النية، ووقوعه في أشهر الحج وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة والاتيان به وبالعمرة في عام واحد، والاحرام بالحج من مكه، فلو(٦) أحرم من غيرها رجع، فإن تعذر أحرم حيث قدر.

شرط القارن والمفرد: النية، ووقوعه في أشهر الحج، وعقد إحرامه من الميقات أو منزله إن كان أقرب.

_______________________

(١) أى: النائب.

(٢) أى: النائب.

(٣) في(س ٩: " مايلزم ".

(٤) أى: تقييد الحج في كونه في تلك السنة.

(٥) في(س): " علمه ".

(٦) في(م): " ولو ".

٩٢

النظر الثالث في الافعال

وفيه(المقاصد:)(١) الاول: في الاحرام

ومطالبه(٢) أربعة: الاول في المواقيت:

ويجب الاحرام منها على كل من دخل مكة إلا من دخلها بعد إحرام قبل الشهر(٣) ، والمتكرر فلو أحرم قبلها لم يصح، إلا للناذر، ومن يعتمر في رجب إذا خاف خروجه قبل الوصول.

ولا يكفي مرور المحرم قبلها عليها، بل يحب تجديده عندها، فإن تعذر خرج إلى الحل، فإن تعذر أحرم من موضعه، وكذا الناسي، وغير القاصد للنسك، والمتمتع المقيم بمكة.

ولو أخره عامدا وجب الرجوع، فإن تعذر بطل، ولو نسي الاحرام أصلا وقضى المناسك أجزأ على رأي.

والمواقيت ستة: لاهل العراق: العقيق، وأفضله المسلخ(٤) ، وأوسطه غمره، وآخره ذات عرق ولاهل المدينة اختيارا: بمسجد الشجرة، واضطرارا: الجحفة، وهي ميقات أهل الشام.

ولاهل اليمن: يلملم.

ولاهل الطائف: قرن المنازل.

ومن كان منزله أقرب: فمنزله.

وهذه مواقيت لاهلها والمجتاز عليهم، ولو سلك مالا يفضي إلى أحدها أحرم عند ظن المحاذاة لاحدها.

_______________________

(١) في(الاصل): " مطالب " وما أثبتناه من(س) و(م) وهو الصحيح، بقرينة ما بعده ".

(٢) في(س): " ومقاصده ".

(٣) في(س) و(م): " شهر ".

(٤) قال الطريحى في مجمعه ٢ / ٢٣٧ سلح: " وفى الحديث: أول العقيق بريد البعث.

٩٣

وهو مكان دون المسلح بستة أميال مما يلى العراق، وبينه وبين غمرة على ما قيل اربعة وعشرون ميلا بريدان، وفسر المسلح بالسين والحاء المهملتين: اسم مكان أخذ السلاح ولبس لامة الحرب، وهذا يناسب تفسير البعث بالجيش، وضبطه العلماء بأنه واحد المسالح، وهى المواضع العالية، وضبطه البعض بالخاء المعجمة، لنزع الثياب به ".

المطلب الثانى في كيفيته:

ويجب فيه: النية المشتملة على قصد حجة الاسلام أو غيرها(١) ، تمتعا أو قرانا أو إفراد أو عمرة مفردة، لوجوبه أو ندبه، متقربا به إلى الله تعالى، واستدامتها حكما.

والتلبيات الاربع وصورتها: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لا شريك لك لبيك للمتمع والمفرد، ويتخير القارن بين عقده بها، وبالاشعار المختص بالبدن، أو التقليد المشترك.

ولبس الثوبين مما تصح فيه الصلاة.

_______________________

(١) في(م): " وغيرها ".

٩٤

ويبطل الاحرام: بإخلال النية عمدا وسهوا، وبأن ينوي النسكين معا، والاخرس يحرك لسانه بالتلبية ويعقد قلبه، ولو فعل المحرم قبلها فلا كفارة.

ويجوز: الحرير للنساء، والمخيط لهن، وتعديد الثياب، والابدال، ولبس القبا مقلوبا للفاقد.

ويحرم إنشاء إحرام(١) قبل إكمال أفعال الاول، ولو أحرم بحج التمتع قبل التقصير ناسيا فلا شئ، وعامدا يبطل تمتعه ويصير حجه مفردا على رأي.

ويجرد الصبيان من فخ(٢) ، ويجنب ما يجتنبه المحرم، فإن فعل ما يوجب الكفارة لزم الولي، وكذا ما يعجز عنه، والهدي أو الصيام.

ويستحب: تكرار التلبية للحاج إلى الزوال يوم عرفة وإذا شاهد بيوت مكة للمعتمر تمتعا(٣) ، وإذا دخل الحرم للمعتمر إفرادا إن أحرم بها من خارج، وإذا شاهد الكعبة إن أحرم بها من مكة ورفع الصوت بها للرجال، والاشتراط(٤) ، والاحرام في القطن، وتوفير شعر الرأس من أول ذي القعدة للمتمتع ويتأكد عنه هلال ذي الحجة وتنظيف الجسد، وقص الاظفار، وأخذ الشارب، وإزالة الشعر، والاطلاء، والغسل، والاحرام عقيب فريضة الظهر، أو غيرها، أو ست ركعات وأقله ركعتان.

والمرأة كالرجل، إلا في تحريم المخيط، ولا يمنعها الحيض منه(٥) ، فإن تركته ظنا بالمنع رجعت مع المكنة، وإلا خارج الحرم، وإلا في موضعها.

_______________________

(١) في(س) و(م): " الاحرام ".

(٢) فخ: بئر قريبة من مكة على نحو من فرسخ، انظر: مجمع البحرين ٢ / ٤٣٨ فخخ.

(٣) أى: ووقت قطع التلبية للمعتمر تمتعا اذا شاهد بيوت مكة.

(٤) قال المحقق السبزوارى: " وهو: أن يشترط على ربه عند عقد احرامه أن يحله حيث حبسه " ذخيرة المعاد: ٥٨٤.

(٥) أى: من الاحرام.

٩٥

المطلب الثالث في تروكه:

يجب على المحرم اجتناب: صيدالبر وهو: كل حيوان ممتنع يبيض ويفرخ في البر أكلا، وذبحا، اصطيادا وإشارة، ودلالة، وإغلاقا، وإمساكا.

والنساء وطئا، وعقدا له ولغيره، وشهادة عليه، وإقامة، وتقبيلا، ونظرا بشهوة.

والاستمناء، والطيب مطلقا على رأي وإن كان في الطعام، إلا خلوق الكعبة.

والاكتحال بالسواد، والنظر في المرآة، والجدال وهو قول: لا والله وبلى والله والكذب، وقتل هوام(١) الجسد، ولبس الخاتم للزينة لا للسنة، ولبس ما يستر ظهر القدم اختيارا، والادهان اختيارا، وإزالة الشعر وإن قل، وإخراج الدم من غير ضرورة، وقص الاظفار، وقطع الشجر والحشيش النابت في غير ملكه عدا شجر الفواكه والاذخر والنخل ولبس المخيط للرجال، والحلي غير المعتاد للنساء، وإظهار المعتاد للزوج، والتظليل للرجل(٢) الصحيح سائرا ولو زامل عليلا أو امرأة اختصا بالتظليل دونه وتغطية الرجل راسه وإن كان في الارتماس.

وفرخ الصيد وبيضه والجراد كالصيد، وإذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة، وكذا لو ذبحه المحل في الحرم، فلو ذبحه المحل في الحل جاز للمحل أكله في الحرم.

ويقدم قول مدعي إيقاع العقد في الاحلال، لكن ليس للمرأة المطالبة بالمهر لو أنكرته، ولو أوقعه الوكيل المحل حال إحرام الموكل بطل، ويجوز مراجعة الرجعية، وشراء الامة(٣) .

_______________________

(١) أى: الذى يقصد أكله ويؤذيه، قاله المقدس في مجمعه.

(٢) في(س) و(م): " وتظليل الرجل ".

(٣) في(س) و(م): " الاماء ".

٩٦

ويقبض على أنفه لو اضطر إلى طعام فيه طيب أو لمسه.

ولو فقد غير السراويل لبسه، ولا يزر الطيلسان لو اضطر إليه، ويحول القملة إلى موضع آخر من بدنه، ويلقي الحلم والقراد.والمرأة تسفر عن وجهها، ويجوز أن تلقي القناع من رأسها إلى طرف أنفها.

ويكره: لبس السلاح اختيارا والاحرام في السواد(١) ، والمعصفر، والوسخة، والمعلمة، والحناء للزينة، والنقاب للمرأة، والحمام، واستعمال الرياحين، وتلبية المنادي.

المطلب الرابع في الكفارات:

وفيه مقامان: الاول في كفارة الصيد:

في النعامة: بدنة، أو يفض ثمن البدنة على البر ويطعم ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع، والفاضل له، ولا يلزم التمام لو اعوز أو يصوم عن كل مسكين يوما، فإن عجز صام ثمانية عشر.

وفي فرخها: من صغار الابل.

وفي بقرة الوحش و حماره: بقرة، أو يفض الثمن على البر ويطعم لكل مسكين نصف صاع، والفاضل عن ثلاثين له، ولا يلزمه لو اعوز أو يصوم عن كل مسكين يوما، فإن عجز صام تسعة أيام.

وفي الظبي: شاة، أو يفض ثمنها على البر ويطعم لكل مسكين مدين، والفاضل عن عشرة له، ولا يلزمه(٢) الاكمال أو يصوم لكل مسكين يوما، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

_______________________

(١) في(س) و(م): " في السود ".

(٢) في(س): " ولايلزم ".

٩٧

وفي الثعلب والارنب شاة.

وفي كسر بيض النعام: لكل بيضة بكرة من الابل إن تحرك الفرخ، وإلا أرسل فحولة الابل في إناث بعدده(١) فالناتج هدي، فإن عجز فعن كل بيضة شاة، فإن عجز أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

وفي كسر بيض القطا والقبج: لكل بيضة مخاض من الغنم إن تحرك، وإلا أرسل فحولة الغنم في إناث بعدده فالناتج هدي، فإن عجز فكبيض النعام.

وفي الحمام: وهو: كل مطوق لكل حمامة شاة على المحرم في الحل، ولكل فرخ حمل، وكذا لكل بيضة إن تحرك الفرخ، وإلا فدرهم، وعلى المحل في الحرم: لكل حمامة درهم، ولكل فرخ نصف، ولكل بيضة ربع، ويجتمعان على المحرم في الحرم، ويشتري بقيمة حمام الحرم علفا لحمامه.

وفي كل من القطا والحجل والدراج: حمل فطيم(٢) .

وفي كل من القنفذ، والضب، واليربوع: جدي.

وفي كل من العصفور، والقنبرة، والصعوة: مد طعام.

وفي قتل الجرادة: كف، وكذا القملة يلقيها عن جسده، وقتل الزنبور عمدا لاخطأ.

وفي كثير الجراد: شاة، ولو عجز عن التحرز فلا شئ.

وكل ما لا تقدير لفديته ففي قتله: قيمته، وكذا البيوض.

والافضل أن يفدي المعيب بصحيح، والمماثل في الانوثة و الذكورة ويجوز بغيره ويفدي الماخض بمثله، فإن تعذر قوم الجزاء ما خضا، ولاضمان لو شك في كونه صيدا، ويقوم الجزاء وقت الاخراج وما لا تقدير لفديته وقت الاتلاف.

ويجوز صيد البحر وهو: ما يبيض ويفرخ فيه وأكله، والدجاج الحبشي

_______________________

(١) أى: بعدد البيض المكسور.

(٢) في(م): " فطم ".

٩٨

والنعم إذا توحشت.ولا كفارة في السباع، ولا المتولد بين وحشي وإنسي، أو بين المحرم والمحلل إذا لم يصدق الاسم.

ويجوز: قتل الافعى و الفأرة والعقرب والبرغوث، ورمي الحدأة والغراب، وإخراج القماري والدباسي من مكة لا قتلها وأكلها، ولو أكل مقتوله فدى القتل(١) وضمن قيمة ما أكل.

ولو لم يؤثر الرمي فلا شئ، ولو جرحه ثم رآه سويا فربع القيمة، ولو جحل حاله فالجميع، وكذا لو جهل التأثير.

وفي كسر قرني الغزال: نصف قيمته، وفي عينيه: الجميع، وكذا في يديه أو رجليه.

ويضمن كل من المشتركين فداء كملا(٢) ، وشارب لبن الظبية دما وقيمة اللبن، ولو ضرب بطير على الارض فدم وقيمتان.ويزول بالاحرام ما يملكه من الصيود معه، فلو لم يرسله ضمن.

ولو أمسك المحرم فذبحه آخر فعلى كل فداء، ولو أمسكه محرم في الحل فذبحه محل ضمن المحرم خاصة.

ولو أغلق على حمام الحرم وفراخ وبيض ضمن بالهلاك: الحمامة بشاة، والفرخ بحمل، والبيضة بدرهم إن كان محرما.ولو نفر حمام الحرم فشاة، وإن لم يرجع فعن كل واحد شاة.

ولو أوقد جماعة(نارا)(٣) فوقع طائر، فعلى كل واحد فداء كامل إن قصدوا، وإلا فالجميع فداء(٤) .

_______________________

(١) في(س) و(م): " القتيل ".

(٢) في(م): " كاملا ".

(٣) زيادة من(س) و(م).

(٤) في(م): " والا فعلى الكل فداء ".

٩٩

والدال، والمخلص مع الاتلاف، ومغري الكلب، وممسك الام حتى يهلك الطفل، والقاتل خطأ، والسائق، والراكب مع وقوفه ضمناء، ولو كان سائرا ضمن ما تجنيه بيديها خاصة.ولو اضطرب المرمي فقتل آخر ضمن الجميع.

والمحل في الحرم عليه القيمة، والمحرم في الحل الفداء، ويجتمعان على المحرم في الحرم.

وتتكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا وعمدا على رأي، ولا يدخل الصيد في ملك المحرم بوجه، ويجوز للمضطر الاكل ويفدي، وإن كان عنده ميتة، فإن تمكن من الفداء أكل الصيد، وإلا الميتة.وفداء المملوك لصاحبه، وغيره يتصدق به.

ويذبح الحاج ما يلزمه بمنى، والمعتمر بمكة.

وحد الحرم بريد في مثله(١) ، من أصاب فيه صيدا ضمن، ويكره ما يؤم الحرم(٢) .

ولو رمى من(٣) الحل فقتل في الحرم ضمن، وكذا لو كان بعضه فيه، أو كان على شجرة أصلها في الحل، أو كان على ما فرعها في الحل وأصلها في الحرم.

ومن نتف ريشة من حمام الحرم تصدق بالجانية، ولو أخر من الحرم صيدا وجب إعادته، فإن تلف ضمنه، ولو كان مقصوصا وجب حفظه ثم يرسله بعد عود ريشه

المقام الثانى في باقي المحظورات:

من جامع زوجته أو أمته، قبلا أو دبرا، محرما بحج(٤) أو عمرة، واجب

_______________________

(١) يعنى: أن مكسر مجموع طوله وعرضه بريدان - ثمانية فراسخ - لا أن طوله بريد وعرضه بريد، اذ طوله أكثر من عرضه، قاله المقدس في مجمعه.

(٢) قال المقدس الاردبيلى في مجمعه: " لعل مراده: كراهة الرمى للمحل الصيد الذى يقصد دخول الحرم من خارج الحرم ".

(٣) في(س) و(م): " في ".

(٤) في(س): " بحجة ".

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بكل شيء ، لهذا فإن العبارة السابعة والأخيرة في هذا البحث تقول :( وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ) .

إذن فلا حاجة حتى للشهود ، لأنّ الله هو أعلم من كلّ أولئك الشهود ، ولكن لطفه وعدله يقتضيان إحضار الشهود ، نعم فهذا هو مشهد يوم القيامة ، فليستعد الجميع لذلك اليوم.

* * *

١٦١

الآيتان

( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) )

التّفسير

الذين يدخلون جهنم زمرا :

تواصل الآيات هنا بحث المعاد ، وتستعرض بالتفصيل ثواب وجزاء المؤمنين والكافرين الذي استعرض بصورة مختصرة في الآيات السابقة. وتبدأ بأهل جهنم ، إذ تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ) .

فمن الذي يسوقهم إلى جهنم؟

كما هو معروف فإن ملائكة العذاب هي التي تسوقهم حتى أبواب جهنم ، ونظير هذه العبارة ورد في الآية (٢١) من سورة (ق) ، إذ تقول :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

١٦٢

عبارة «زمر» تعني الجماعة الصغيرة من الناس ، وتوضح أن الكافرين يساقون إلى جهنم على شكل مجموعات مجموعات صغيرة ومتفرقة.

و «سيق» من مادة (سوق) وتعني (الحث على أسير).

ثم تضيف( حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ) (١) .

يتّضح بصورة جيدة من خلال هذه العبارة ، أن أبواب جهنم كانت مغلقة قبل سوق أولئك الكفرة ، وهي كأبواب السجون المغلقة التي تفتح أمام المتهمين الذين يراد سجنهم ، وهذا الحدث المفاجئ يوجد رعبا ووحشة كبيرة في قلوب الكافرين ، وقبل دخولهم يتلقاهم خزنة جهنم باللوم والتوبيخ ، الذين يقولون استهجانا وتوبيخا لهم : لم كفرتم وقد هيئت لكم كافة أسباب الهداية ، ألم يرسل إليكم أنبياء منكم يتلون آيات الله عليكم باستمرار ، ومعهم معجزات من خالقكم ، وإنذار وإعلام بالأخطار التي ستصيبكم إن كفرتم بالله(٢) ؟ فكيف وصل بكم الحال إلى هذه الدرجة رغم إرسال الأنبياء إليكم؟

حقّا إنّ كلام خزنة جهنم يعد من أشد أنواع العذاب على الكافرين الذين يواجهون بمثل هذا اللوم فور دخولهم جهنم.

على أية حال ، فإنّ الكافرين يجيبون خزنة جهنم بعبارة قصيرة ملؤها الحسرات ، قائلين :( قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

مجموعة من المفسّرين الكبار اعتبروا( كَلِمَةُ الْعَذابِ ) إشارة إلى قوله تعالى حين هبط آدم على الأرض ، أو حينما قرر الشيطان إغواء بني آدم ، كما ورد في الآية (٣٩) من سورة البقرة( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

__________________

(١) «خزنة» جمع (خازن) من مادة (خزن) على وزن (جزم) وتعني حافظ الشيء ، و (خازن) تطلق على المحافظ والحارس.

(٢) «يتلون» و «ينذرون» : كليهما فعل مضارع ودليل على الاستمرارية.

١٦٣

وحينما قال الشيطان : لأغوينهم جميع إلّا عبادك المخلصين ، فأجابه البارئعزوجل ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١) .

وبهذا الشكل اعترفوا بأنّهم كذبوا الأنبياء وأنكروا آيات الله ، وبالطبع فإن مصيرهم لن يكون أفضل من هذا.

كما يوجد احتمال في أنّ المراد من( حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ ) هو ما تعنيه الآية السابعة في سورة (يس)( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

وهو إشارة إلى أن الإنسان يصل أحيانا ـ بسبب كثرة ذنوبه وعدائه ولجاجته وتعصبه أمام الحق ـ إلى درجة يختم معها على قلبه ولا يبقى أمامه أيّ طريق للعودة ، وفي هذه الحالة يصبح مستحقا تماما للعذاب.

وعلى أيّة حال ، فإن مصدر كلّ هذه الأمور هو عمل الإنسان ذاته ، وليس من الصحيح الاستدلال على معنى الجبر وفقدان حرية الإرادة.

هذا النقاش القصير ينتهي مع اقترابهم من عتبة جهنم( قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) .

فأبواب جهنم ـ كما أشرنا إليها من قبل ـ يمكن أن تكون قد نظمت حسب أعمال الإنسان ، وإن كلّ مجموعة كافرة تدخل جهنم من الباب الذي يتناسب مع أعمالها ، وذلك مثل أبواب الجنّة التي يطلق على أحد أبوابها اسم «باب المجاهدين» وقد جاء في كلام لأمير المؤمنين «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة»(٢) .

والذي يلفت النظر هو أن ملائكة العذاب تؤّكد على مسألة التكبر من بين بقية الصفات الرذيلة التي تؤدي بالإنسان إلى السقوط في نار جهنم ، وذلك إشارة إلى أن التكبر والغرور وعدم الانصياع والاستسلام أمام الحق هو المصدر الرئيسي

__________________

(١) الم السجدة ، ١٣.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة (٢٧).

١٦٤

للكفر والانحراف وارتكاب الذنب.

نعم ، فالتكبر ستار سميك يغطي عيني الإنسان ويحول دون رؤيته للحقائق الساطعة المضيئة ، ولهذا نقرأ في رواية عن الإمامين المعصومين الباقر والصادقعليهما‌السلام «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ، المجلد الثّاني ، باب الكبر الحديث. ٦.

١٦٥

الآيات

( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥) )

التّفسير

المتقون يدخلون الجنّة أفواجا!!

هذه الآيات ـ التي هي آخر آيات سورة (الزمر) ـ تواصل بحثها حول موضوع المعاد ، حيث تتحدث عن كيفية دخول المؤمنين المتقين الجنّة ، بعد أن كانت الآيات السابقة قد استعرضت كيفية دخول الكافرين جهنم ، لتتوضح الأمور أكثر من خلال هذه المقارنة.

في البداية تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ) .

استعمال عبارة (سيق) (والتي هي من مادة (سوق) على وزن (شوق) وتعني الحث على السير). أثار التساؤل ، كما لفت أنظار الكثير من المفسّرين ، لأنّ هذا

١٦٦

التعبير يستخدم في موارد يكون تنفيذ العمل فيها من دون أي اشتياق ورغبة في تنفيذه ، ولذلك فإنّ هذه العبارة صحيحة بالنسبة لأهل جهنم ، ولكن لم استعملت بشأن أهل الجنّة الذين يتوجهون إلى الجنّة بتلهف واشتياق؟

قال البعض : إنّ هذه العبارة استعملت هنا لأنّ الكثير من أهل الجنّة ينتظرون أصدقاءهم.

والبعض الآخر قال : إنّ تلهف وشوق المتقين للقاء البارئعزوجل يجعلهم يتحينون الفرصة لذلك اللقاء بحيث لا يقبلون حتّى بالجنّة.

فيما قال البعض : إنّ هناك وسيلة تنقلهم بسرعة إلى الجنّة.

مع أنّ هذه التّفسيرات جيدة ولا يوجد أي تعارض فيما بينهما ، إلّا أنّ هناك نقطة اخرى يمكن أن تكون هي التّفسير الأصح لهذه العبارة ، وهي مهما كان حجم عشق المتقين للجنّة ، فإن الجنّة وملائكة الرحمة مشتاقة أكثر لوفود أولئك عليهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى المستضيف المشتاق لضيف والمتلهف لوفوده عليه إذ أنّه لا يجلس لانتظاره وإنّما يذهب لجلبه بسرعة قبل أن يأتي هو بنفسه إلى بيت المستضيف ، فملائكة الرحمة هي كذلك مشتاقة لوفود أهل الجنّة.

والملاحظة أن (زمر) تعني هنا المجموعات الصغيرة ، وتبيّن أن أهل الجنّة يساقون إلى الجنّة على شكل مجموعات مجموعات كلّ حسب مقامه.

ثم تضيف الآية( حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملفت للنظر أن القرآن الكريم يقول بشأن أهل جهنم : إنّهم حينما يصلون إلى قرب جهنم تفتح لهم الأبواب ، ويقول بشأن أهل الجنّة ، إن أبواب الجنّة مفتحة لهم

__________________

(١) ما هو جواب الجملة الشرطية (إذا جاؤها)؟ ذكر المفسّرون آراء متعددة ، أنسبها الذي يقول : إن عبارة (قال لهم خزنتها) جوابها والواو زائدة. كما احتملوا أن جواب الجملة محذوف ، والتقدير (سلام من الله عليكم) ، أو أن حذف الجواب إشارة إلى أن سعة الموضوع وعلوه لا يمكن وصفها ، والبعض قال : (فتمت) هي الجواب و (الواو) زائدة.

١٦٧

من قبل ، وهذه إشارة إلى الاحترام والتبجيل الذي يستقبلون به من قبل ملائكة الرحمة ، كالمستضيف المحب الذي يفتح أبواب بيته للضيوف قبل وصولهم ، ويقف عند الباب بانتظارهم.

وقد قرأنا في الآيات السابقة أن ملائكة العذاب يستقبلون أهل جهنم باللوم والتوبيخ الشديدين ، عند ما يقولون لهم : قد هيئت لكم أسباب الهداية ، فلم تركتموها وانتهيتم إلى هذا المصير المشؤوم؟

أمّا ملائكة الرحمة فإنّها تبادر أهل الجنّة بالسلام المرافق للاحترام والتبجيل ، ومن ثمّ تدعوهم إلى دخول الجنّة.

عبارة «طبتم» من مادة (طيب) على وزن (صيد) وتعني الطهارة ، ولأنّها جاءت بعد السلام والتحية ، فمن الأرجح القول بأن لها مفهوما إنشائيا ، وتعني : لتكونوا طاهرين مطهرين ونتمنى لكم السعادة والسرور.

وبعبارة اخرى : طابت لكم هذه النعم الطاهرة ، يا أصحاب القلوب الطاهرة.

ولكن الكثير من المفسّرين ذكروا لهذه الجملة معنى خبريا عند تفسيرها ، وقالوا : إنّ الملائكة تخاطبهم بأنّكم تطهرتم من كلّ لوث وخبث ، وقد طهرتم بإيمانكم وبعملكم الصالح قلوبكم وأرواحكم ، وتطهرتم من الذنوب والمعاصي ، ونقل البعض رواية تقول : إنّ هناك شجرة عند باب الجنّة ، تفيض من تحتها عينا ماء صافيتان ، يشرب المؤمنون من إحداهما فيتطهر باطنهم ، ويغتسلون بماء العين الأخرى فيتطهر ظاهرهم ، و، هنا يقول خزنة الجنّة لهم :( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملاحظ أن «الخلود» استخدم بشأن كلّ من أهل الجنّة وأهل النّار ، وذلك لكي لا يخشى أهل الجنّة من زوال النعم الإلهية ، ولكي يعلم أهل النّار بأنّه لا سبيل لهم للنجاة من النّار.

__________________

(١) تفسير القرطبي المجلد (٨) الصفحة. ٥٧٣.

١٦٨

الآية التّالية تتكون من أربع عبارات قصار غزيرة المعاني تنقل عن لسان أهل الجنّة السعادة والفرح اللذين غمراهم ، حيث تقول :( وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ) .

وتضيف في العبارة التالية( وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) .

المراد من الأرض هنا أرض الجنّة. واستخدام عبارة (الإرث) هنا ، إنّما جاء لكونهم حصلوا على كلّ هذه النعم في مقابل جهد قليل بذلوه ، إذ ـ كما هو معروف ـ فإنّ الميراث هو الشيء الذي يحصل عليه الإنسان من دون أي عناء مبذول.

أو أنّها تعني أن لكل إنسان مكان في الجنّة وآخر في جهنم ، فإن ارتكب عملا استحق به جهنم فإن مكانه في الجنّة سوف يمنح لغيره ، وإن عمل عملا صالحا استحق به الجنّة ، فيمنح مكانا في الجنّة ويترك مكانه في جهنم لغيره.

أو تعني أنّهم يتمتعون بكامل الحرية في الاستفادة من ذلك الإرث ، كالميراث الذي يحصل عليه الإنسان إذ يكون حرا في استخدامه.

هذه العبارة ـ في الواقع ـ تحقق عيني للوعد الإلهي الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة مريم( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا ) .

العبارة الثّالثة تكشف عن الحرية الكاملة التي تمنح لأهل الجنّة في الاستفادة من كافة ما هو موجود في الجنّة الواسعة ، إذ تقول :( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) .

يستشف من الآيات القرآنية أن في الجنّة الكثير من البساتين والحدائق وقد أطلقت عليها في الآية (٧٢) من سورة التوبة عبارة( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) وأهل الجنّة وفقا لدرجاتهم المعنوية يسكنون فيها ، وأن لهم كامل الحرية في التحرك في تلك الحدائق والبساتين في الجنّة.

أمّا العبارة الأخيرة فتقول :( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) .

وهذه إشارة إلى أن هذه النعم الواسعة إنّما تعطى في مقابل العمل الصالح (المتولد من الايمان طبعا) ليكون صاحبه لائقا ومستحقا لنيل مثل هذه النعم.

١٦٩

وهنا يطرح هذه السؤال وهو : هل أنّ هذا القول صادر عن أهل الجنّة ، أم أنّه كلام الله جاء بعد كلام أهل الجنّة؟

المفسّرون وافقوا الرأيين ، ولكنّهم رجحوا المعنى الأوّل الذي يقول : إنّه كلام أهل الجنّة ويرتبط بالعبارات الأخرى في الآية.

وفي النهاية تخاطب الآية ـ مورد بحثنا وهي آخر آية من سورة الزمر ـ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) يسبحون الله ويقدّسونه ويحمدونه.

إذ تشير إلى وضع الملائكة الحافين حول عرش الله ، أو أنّها تعبر عن استعداد أولئك الملائكة لتنفيذ الأوامر الإلهية ، أو أنّها إشارة إلى خفايا قيمة تمنح في ذلك اليوم للخواص والمقرّبين من العرش الإلهي ، مع أنّه لا يوجد أي تعارض بين المعاني الثلاثة ، إلا أن المعنى الأوّل أنسب.

ولهذا تقول العبارة التالية( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ ) .

وباعتبار هذه الأمور هي دلائل على ربوبية البارئعزوجل واستحقاق ذاته المقدسة والمنزّهة لكل أشكال الحمد والثناء ، فإنّ الجملة الأخيرة تقول :( وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهنا يطرح هذا السؤال : هل أن هذا الخطاب صادر عن الملائكة ، أم عن أهل الجنّة المتقين ، أم أنّه صادر عن الاثنين؟

المعنى الأخير أنسب من غيره ، لأنّ الحمد والثناء على الله هو منهاج كلّ أولي الألباب ، ومنهاج كلّ الخواص والمقربين ، واستعمال كلمة (قيل) وهي فعل مبني للمجهول يؤيد ذلك.

نهاية سورة الزّمر

* * *

١٧٠
١٧١

سورة

المؤمن

مكيّة

وعدد آياتها خمس وثمانون آية

١٧٢

«سورة المؤمن»

نظرة مختصرة في محتوى السورة :

سورة المؤمن هي طليعة الحواميم ، والحواميم في القرآن الكريم سبع سور متتالية يلي بعضها بعضا ، نزلت جميعا في مكّة ، وهي تبدأ بـ «حم».

هذه السورة كسائر السور المكّية ، تثير في محتواها قضايا العقيدة و، تتحدث عن أصول الدين الإسلامي ومبانيه وفي ذلك تلبي حاجة المسلمين في تلك المرحلة إلى تشييد وإقامة قواعد الدين الجديد.

ومحتوى هذه السورة يضم بين دفتيه الشدة واللطف ، ويجمع في نسيجه بين الإنذار والبشارة السورة ـ إذا ـ مواجهة منطقية حادّة مع الطواغيت والمستكبرين ، كما هي نداء لطف ورحمة ومحبة بالمؤمنين وأهل الحق.

وتمتاز هذه السورة أيضا بخصوصية تنفرد بها دون سور القرآن الأخرى ، إذ تتحدّث عن «مؤمن آل فرعون» وهو مقطع من قصة موسىعليه‌السلام ، وقصد مؤمن آل فرعون لم ترد في كتاب الله سوى في سورة «المؤمن».

إنّ قصة «مؤمن آل فرعون» هي قصة ذلك الرجل المؤمن المخلص الذي كان يتحلى بالذكاء والمعرفة في الوقت الذي هو من بطانة فرعون ، ومحسوب ـ ظاهرا ـ من حاشيته ـ لقد كان هذا الرجل مؤمنا بما جاء به موسىعليه‌السلام ، وقد احتل وهو يعمل في حاشية فرعون ـ موقعا حساسا مميزا في الدفاع عن موسىعليه‌السلام وعن دينه ، حتى أنّه ـ في الوقت الذي تعرضت فيه حياة موسىعليه‌السلام

١٧٣

للخطر ـ تحرّك من موقعه بسلوك فطن وذكي وحكيم لكي يخلّص موسى من الموت المحقق الذي كان قد أحاط به.

إنّ اختصاص السورة باسم «المؤمن» يعود إلى قصة هذا الرجل الذي تحدّثت عشرون آية منها عن جهاده ، أي ما يقارب ربع السورة.

يكشف الأفق العام أنّ حديث السورة عن «مؤمن آل فرعون» ينطوي على أبعاد تربوية لمجتمع المسلمين في مكّة ، فقد كان بعض المسلمين ممّن آمن بالإسلام يحافظ على علاقات طيبة مع بعض المشركين والمعاندين ، وفي نفس الوقت فإن إسلامه وانقياده لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس عليهما غبار.

لقد كان الهدف من هذه العلاقة مع المشركين هو توظيفها في أيّام الخطر لحماية الرسالة الجديدة ودفع الضر عن أتباعها ، وفي هذا الإطار يذكر التاريخ أنّ أبا طالبعليه‌السلام عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من جملة هؤلاء ، كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات الإسلامية المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

وبشكل عام يمكن النظر إلى محتوى السورة في إطار ما تثيره النقاط والأقسام الآتية :

القسم الأوّل : وهو يضم طليعة آيات السورة التي تتحدث عن بعض من أسماء الله الحسنى ، خصوصا تلك التي ترتبط ببعث معاني الخوف والرجاء في القلوب ، مثل قوله تعالى:( غافِرِ الذَّنْبِ ) و( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

القسم الثّاني : تهديد الكفّار والطواغيت بعذاب هذه الدنيا الذي سبق وأن نال أقواما اخرى في ماضي التأريخ ، بالإضافة إلى التعرّض لعذاب الآخرة ، وتتناول بعض الصور والمشاهد التفصيلية فيه.

القسم الثّالث : بعد أن وقفت السورة على قصة موسى وفرعون ، بدأت بالحديث ـ بشكل واسع ـ عن قصة ذلك الرجل المؤمن الواعي الشجاع الذي

__________________

(١) الغدير ، المجلد الثامن ، ص ٣٨٨.

١٧٤

اصطلح عليه بـ «مؤمن آل فرعون» وكيف واجه البطانة الفرعونية وخلّص موسىعليه‌السلام من كيدها.

القسم الرّابع : تعود السورة مرّة اخرى للحديث عن مشاهد القيامة ، لتبعث في القلوب الغافلة الروح واليقظة.

القسم الخامس : تتعرض السورة المباركة فيه إلى قضيتي التوحيد والشرك ، بوصفهما دعامتين لوجود الإنسان وحياته ، وفي ذلك تتناول جانبا من دلائل التوحيد ، بالإضافة إلى ما تقف عليه من مناقشة لبعض شبهات المشركين.

القسم السّادس : تنتهي السورة ـ في محتويات القسم الأخير هذا ـ بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتحمل والصبر ، ثمّ تختم بالتعرض إلى خلاصات سريعة ممّا تناولته مفصلا من قضايا ترتبط بالمبدأ والمعاد ، وكسب العبرة من هلاك الأقوام الماضية ، وما تعرضت له من أنواع العذاب الإلهي في هذه الدنيا ، ليكون ذلك تهديدا للمشركين. ثمّ تخلص السورة في خاتمتها إلى ذكر بعض النعم الإلهية.

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنّ تسمية السورة بـ «المؤمن» يعود إلى اختصاص قسم منها بالحديث عن «مؤمن آل فرعون». أما تسميتها بـ «غافر» فيعود إلى كون هذه الكلمة هي بداية الآية الثّالثة من آيات السورة المباركة.

فضيلة تلاوة السورة :

في سلسلة الرّوايات الإسلامية المروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نرى كلاما واسعا من فضل تلاوة سور «الحواميم» وبالأخص سورة «غافر» منها.

ففي بعض هذه الأحاديث نقرأ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «الحواميم تاج

١٧٥

القرآن»(١) .

وعن ابن عباس ممّا يحتمل نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : «لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم»(٢) .

وفي حديث عن الإمام الصادق نقرأ قولهعليه‌السلام : «الحواميم ريحان القرآن ، فحمدوا الله واشكروه بحفظها وتلاوتها ، وإنّ العبد ليقوم يقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر ، وإنّ الله ليرحم تاليها وقارئها ، ويرحم جيرانه وأصدقاءه ومعارفه وكلّ حميم أو قريب له ، وإنّه في القيامة يستغفر له العرش والكرسي وملائكة الله المقربون»(٣) .

وفي حديث آخر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحواميم سبع ، وأبواب جهنّم سبع ، تجيء كلّ «حاميم» منها فتقف على باب من هذه الأبواب تقول : الّلهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني»(٤) .

وفي قسم من حديث مروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ «حاميم المؤمن» لم يبق روح نبيّ ولا صديق ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له»(٥) .

ومن الواضح أنّ هذه الفضائل الجزيلة ترتبط بالمحتوى الثمين للحواميم ، هذا المحتوى الذي إذا واظب الإنسان على تطبيقه في حياته والعمل به ، والالتزام بما يستلزمه من مواقف وسلوك ، فإنّه سيكون مستحقا للثواب العظيم والفضائل الكريمة التي قرأناها.

وإذا كانت الرّوايات تتحدث عن فضل التلاوة ، فإنّ التلاوة المعنية هي التي

__________________

(١) هذه الأحاديث في مجمع البيان في بداية تفسير سورة المؤمن.

(٢) المصدر السابق

(٣) مجمع البيان أثناء تفسير السورة

(٤) البيهقي طبقا لما نقله عنه الآلوسي في روح المعاني ، المجلد ٢٤ ، صفحة ٣٦.

(٥) مجمع البيان في مقدمة تفسير السورة.

١٧٦

تكون مقدمة للاعتقاد الصحيح ، فيما يكون الإعتقاد الصحيح مقدمة للعمل الصحيح. إذا التلاوة المعنية هي تلاوة الإيمان والعمل ، وقد رأينا في واحد من الأحاديث ـ الآنفة الذكر – المنقولة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعبير «من كان يؤمن بي ويقرأني».

* * *

١٧٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) )

التّفسير

صفات تبعث الأمل في النفوس :

تواجهنا في مطلع السورة الحروف المقطعة وهي هنا من نوع جديد لم نعهده في السور السابقة ، حيث افتتحت السورة بـ «جاء» و «ميم».

وبالنسبة للحروف المقطعة في مطلع السور كانت لنا بحوث كثيرة في معانيها ودلالاتها ، تعرضنا إليها أثناء الحديث عن بداية سورة «البقرة» ، وسورة «آل عمران» و «الأعراف» وسور اخرى.

الشيء الذي تضيفه هنا ، هو أنّ الحروف التي تبدأ به سورة المؤمن التي نحن الآن بصددها ، تشير ـ كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات ومن آراء المفسّرين ـ إلى أسماء الله التي تبدأ بحروف هذه السورة ، أي «حميد» و «مجيد» كما ورد ذلك

١٧٨

عن الامام الصادقعليه‌السلام (١) .

البعض الآخر ذهب إلى أنّ «ح» إشارة إلى أسمائه تعالى مثل «حميد» و «حليم» و «حنان» ، بينما «م» إشارة إلى «ملك» و «مالك» و «مجيد».

وهناك احتمال في أن حرف «الحاء» يشير إلى الحاكمية ، فيما يشير حرف «الميم» إلى المالكية الإلهية.

عن ابن عباس ، نقل القرطبي «في تفسيره» أن «حم» من أسماء الله العظمى(٢) .

ويتّضح في نهاية الفقرة أنّ ليس ثمّة من تناقض بين الآراء والتفاسير الآنفة الذكر ، بل هي تعمد جميعا إلى تفسير الحروف المقطعة بمعنى واحد.

في الآية الثّانية ـ كما جرى على ذلك الأسلوب القرآني ـ حديث عن عظمة القرآن ، وإشارة إلى أنّ هذا القرآن بكل ما ينطوي عليه من عظمة وإعجاز وتحدّ ، إنّما يتشكّل في مادته الخام من حروف الألف باء وهنا يمكن معنى الإعجاز.

يقول تعالى :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

إنّ قدرته تعالى تعجز الأشياء الأخرى عن الوقوف إزاءه ، فقدرته ماضية في كل شيء ، وعزته مبسوطة ، أمّا علمه تعالى فهو في أعلى درجات الكمال ، بحيث يستوعب كلّ احتياجات الإنسان ويدفعه نحو التكامل.

والآية التي بعدها تعدّد خمسا من صفاته تعالى ، يبعث بعضها الأمل والرجاء ، بينما يبعث البعض الآخر منها على الخوف والحذر.

ويقول تعالى :( غافِرِ الذَّنْبِ ) .

( قابِلِ التَّوْبِ ) (٣) .

__________________

(١) يلاحظ «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ، صفحة ٢٢ ، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور.

(٢) تفسير القرطبي أثناء تفسير الآية.

(٣) «توب» يمكن أن تكون جمع «توبة» وأن تكون مصدرا (يلاحظ مجمع البيان).

١٧٩

( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

( ذِي الطَّوْلِ ) (١) .

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) .

أجل إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب.

* * *

ملاحظات

تنطوي الآيات الثلاث الآنفة الذكر على مجموعة من الملاحظات ، نقف عليها من خلال النقاط الآتية :

أولا : في الآيات أعلاه (آية ٢ و ٣) بعد ذكر الله وقبل ذكر المعاد( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) اشتملت الآيتان على ذكر سبع صفات للذات الإلهية ، بعضها من «صفات الذات» والبعض الآخر منها من «صفات الفعل» التي انطوت على إشارات للتوحيد والقدرة والرحمة والغضب ، ثمّ ذكرت «عزيز» و «عليم» وجعلتهما بمثابة القاعدة التي نزل الكتاب الإلهي (القرآن) على أساسهما.

أمّا صفات «غافر الذنب» و «قابل التوب» و «شديد العقاب» و «ذي الطول» فهي بمثابة المقدمات اللازمة لتربية النفوس وتطويعها لعبادة الواحدة الأحد.

ثانيا : ابتدأت الصفات الآنفة الذكر بصفة «غافر الذنب» أوّلا و «ذي الطول» أخيرا ، أي صاحب النعمة والفضل كصفة أخيرة. وفي موقع وسط جاءت صفة «شديد العقاب» وهكذا ذكرت الآية الغضب الإلهي بين رحمتين. ثمّ إنّنا نلاحظ أنّ

__________________

(١) «طول» على وزن «قول» بمعنى النعمة والفضل ، وبمعنى القدرة والقوة والمكنة وما يشبه ذلك. بعض المفسّرين يقول : إنّ «ذي الطول» هو الذي يبذل النعم الطويلة والجزيلة للآخرين ، ولذلك فإن معناها أخص من معنى «المنعم» كما يقول صاحب مجمع البيان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233