الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ0%

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 148

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف: السيد عدنان الحسيني
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

الصفحات: 148
المشاهدات: 53874
تحميل: 5918

توضيحات:

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 148 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53874 / تحميل: 5918
الحجم الحجم الحجم
الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

كثرة الملق تهجم على الظنّة ، وإذا حللت من أخيك في الثقة فاعدل عن الملق إلى حسن النية »(١) .

وقالعليه‌السلام :« الحسد ماحق للحسنات ، والزهو جالب للمقت ، والعُجب صادن عن طلب العلم داعٍ إلى التخمّط في الجهل ، والبخل أذم الاَخلاق ، والطمع سجية سيئة » (٢) .

ونقل ابن حمدون ـ أيضاً ـ في تذكرته عن ربيع الاَبرار ، قولهعليه‌السلام :« إيّاك والحسد فإنّه يَبين فيك ولا يَبين في عدوّك » (٣) .

وقالعليه‌السلام :« عليكم بطلب العلم ، فإنّ طلبه فريضة ، والبحث عنه نافلة ، وهو صلة بين الاِخوان ، ودليل على المروءة ، وتحفة في المجالس ، وصاحب في السفر ، وأُنس في الغربة » (٤) .

____________

١) المصدر السابق ٤ : ٣٦٣ / رقم ٩٢٧.

٢) المصدر السابق ٢ : ١٨٢ / رقم ٤٢٥.

٣) المصدر السابق ٢ : ١٨٣ / رقم ٤٢٧.

٣) راجع في مصادر هذه الأقوال : تحف العقول : ٣٣٩ ـ ٣٤٠. وكشف الغمة ٣ : ١٣٧ ـ ١٤٢. والفصول المهمة : ٢٦٩ وقد أخذها عن كتاب « معالم العترة النبوية » لعبد العزيز من الأخضر الجنابذي. وبحار الأنوار ٧٨ : ٣٥٨ ـ ٣٦٥.

١٢١

١٢٢

الفصل الرابع

شهادتهعليه‌السلام وما قيل فيه

استدعاء المعتصم :

برحيل المأمون في ١٣ رجب سنة« ٢١٨ هـ » بويع لاَخيه أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون في شعبان من نفس ذلك العام. ويبدو أن الاَشهر الاَخيرة من تلك السنة كانت حافلة بحدث البيعة للخليفة الجديد ، حيث إنّه لم يكن يومها في بغداد عاصمة الخلافة ، إذ كان خرج مع جيش المأمون لحرب الروم وكان قائداً لاَحد فصائل الجيش.

ولما رجع إلى بغداد في رمضان شغلته الاَشهر الثلاثة الاَخيرة في ترتيب القواد والوزراء وعمّال الولايات ، وبعض الثورات والتحركات المضادة. وما أن استتب له أمر الملك وانقادت البلاد له شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الاِمام الجوادعليه‌السلام ، واستقطابه لجماهير الاُمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً. وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الاِمام أبي جعفرعليه‌السلام وسط الاُمّة الاِسلامية.

عليه ، يقرر المعتصم العباسي وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم ابن أبي دؤاد الاِيادي ، قاضي القضاة المعروف حاله الشخصي ، المبغض لاَهل البيت النبويعليهم‌السلام الذي كان يسيطر على المعتصم وقراراته وسياسته ، يقرر

١٢٣

المعتصم بكتاب يبعثه إلى واليه على المدينة محمد بن عبدالملك الزيّات(١) في عام« ٩١٢ هـ » بحمل الاِمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام وزوجته أم الفضل بكل إكرام وإجلال وعلى أحسن مركب إلى بغداد.

لم يكن بد من قبل الاِمامعليه‌السلام من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشم منه الاِجبار والاِكراه ، وقد أحسّ الاِمامعليه‌السلام بأن رحلته هذه هي الاَخيرة التي لا عودة بعدها؛ لذلك فقد خلّف ابنه أبا الحسن الثالث في المدينة بعد أن اصطحبه معه إلى مكة لاَداء موسم الحجّ ، وأوصى له بوصاياه وسلّمه مواريث الاِمامة ، وأشهد أصحابه بأنه إمامهم من بعده(٢) وتستمر الاستعدادات لترحيل الاِمام إلى بغداد ، ويستمهلهم الاِمامعليه‌السلام لحين أداء الموسم ، وفعلاً يؤدي الاِمام الجوادعليه‌السلام الموسم ، ويترك مكّة فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخلّف فيها ابنه الوصي الوريث ، ولكن يبدو أنهعليه‌السلام خرج من المدينة متجهاً إلى بغداد ولم يزر جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنه أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جده إنّما هو مكره عليه.

ويواصل الاِمامعليه‌السلام رحلته إلى المصير المحتوم وقد أخبر أحد أصحابه بأنّه غير عائد من رحلته هذه مرة اُخرى(٣) . كما روى محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وروى غيره أيضاً ، قال : لمّا خرج ـ الاِمام الجوادعليه‌السلام ـ من المدينة في

____________

١) راجع : مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٤ : ٣٨٤.

٢) راجع : إثبات الوصية / المسعودي : ١٩٢. وعيون المعجزات : ١٣١. وعنه في بحار الأنوار ٥٠ : ١٦ واُصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١.

٣) اُصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١ باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالثعليه‌السلام .

١٢٤

المرة الاَخيرة ، قال :« ما أطيبك يا طيبة! فلست بعائد إليك » (١) ، وبُعيد هذا فقد أخبر الاِمامعليه‌السلام أصحابه في السنة التي توفي فيها بأنّه راحل عنهم هذا العام. فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : (كتب إليَّ أبو جعفرعليه‌السلام :« احملوا إليَّ الخمس فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا » . فقُبض في تلك السنة)(٢) .

وأخيراً ينتهي به المسير إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية ، مقرّه ومثواه الاَخير الاَبدي ، ويدخلها لليلتين بقيتا من المحرم من سنة« ٢٢٠ هـ » (٣) . وما أن وصل إليها وحطّ فيها رحاله حتى أخذ المعتصم يدبّر ويعمل الحيلة في قتل الاِمامعليه‌السلام بشكل سرّي؛ ولذلك فقد شكّل مثلثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء ..

مثلث الاغتيال :

على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الاِمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، فإنّ أغلبها يجمع على أن الاِمام اغتيل مسموماً ـ ولو أن البعض توقف في أن يشهد بذلك؛ لعدم ثبوت خبر لديه(٤) ـ وأنّ مثلث الاغتيال قد تمثّل في زوجته أم الفضل زينب بنت المأمون ، وهي المباشر الاَول التي قدّمت للاِمام عنباً مسموماً ، ثم في أخيها جعفر ، يدبّرهم ويساعدهم على هذا الاَمر المعتصم بن هارون.

____________

١) الثاقب في المناقب / ابن حمزة الطوسي : ٥١٦.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٩.

٣) الإرشاد ٢ : ٢٩٥. وروضة الواعظين ١ : ٢٤٣.

٤) راجع الإرشاد ٢ : ٢٩٥ ، والسبب في ذلك أن الشيخ المفيد لا يعمل ولا يأخذ إلاّ بالأخبار المتواترة.

١٢٥

فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي فقال : (فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون الحيلة في قتله ، فقال جعفر لاُخته أم الفضل ـ وكانت لاُمّه وأبيه ـ في ذلك؛ لاَنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أُم أبي الحسن ابنه عليها ، مع شدّة محبتها له؛ ولاَنّها لم ترزق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً)(١) .

وقال غيره : (ثم إنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفرعليه‌السلام وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه؛ لاَنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفرعليه‌السلام وشدة غيرتها عليه؛ لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها؛ ولاَنّه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك)(٢) .

أما ابن شهر آشوب فقد نقل في مناقبه أنّه : (لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله ، فكتب إلى عبدالملك الزيّات أن ينفذ إليه التقي وأم الفضل)(٣) .

وحان الرحيل :

كما تضاربت الآراء واختلفت في تعيين تاريخ مولده ، كذلك وقع الاختلاف في تعيين يوم شهادتهعليه‌السلام . ولا يمكن الترجيح على نحو الجزم بأحد تلك الاَقوال سواء في المولد أو الوفاة ، لكننا نستطيع أن نستقرب أحد التواريخ المنقولة في المصادر من خلال الاستئناس ببعض القرائن أو

____________

١) إثبات الوصية : ١٩٢. وراجع : دلائل الإمامة : ٣٩٥.

٢) عيون المعجزات : ١٣٢.

٣) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٤.

١٢٦

الدلائل التي تساعد على ذلك.

وبناءً على كون عمر الاِمام الجوادعليه‌السلام عند وفاته قد ضبط في بعض المصادر بخمس وعشرين سنة ، وشهرين ، وثمانية عشر يوماً(١) ، ولو رجّح تاريخ مولده في ١٧ رمضان سنة (١٩٥ هـ)(٢) ، فإنّ وفاتهعليه‌السلام ستكون وفق ذلك البناء يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة (٢٢٠ هـ)(٣) .

ومما يعضد هذا الرأي وجود رواية في الكافي في باب الاِشارة والنصّ على أبي الحسن الثالثعليه‌السلام :« شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أنّ أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أشهده أنه أوصى إلى عليّ ابنه بنفسه وأخواته إلى أن ينتهي من بعض وصاياه ويؤرخ الوصية بقوله : وذلك يوم الاَحد لثلاث ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومئتين » (٤) .

من هذا يتبيّن أن الاِمامعليه‌السلام حي يرزق في يوم الاَحد ، حيث كتب وصيته وأشهد عليها ثلاثة من أصحابه المقربين إليه : خادمه ، ومولاه ، وأحد أبناء عمومته ، ثم كانت بعد ذلك شهادتهعليه‌السلام يوم الثلاثاء.

وقيل : يوم الثلاثاء لست ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين(٥) .

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٤٩٢.

٢) إعلام الورى ٢ : ٩١.

٣) إثبات الوصية : ١٩٢.

٤) اُصول الكافي ١ : ٣٢٥ / ٣.

٥) تاريخ أهل البيتعليه‌السلام : ٨٥ ، بتحقيق السيد محمد رضا الجلالي ، نشر مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام

١٢٧

أما كيفية وفاتهعليه‌السلام فإنّه اختُلف فيها أيضاً ، فمن قائل بشهادته مسموماً بعنب رازقي ، ومن قائل بمسموميته في منديل ، وهناك من قال إنّه سُمَّ بشراب ، أو من قال إنّ المعتصم أشار إلى أعوانه بدعوته إلى مأدبة فقُدِّم له طعام مسموم فأكل منه ، ومنهم من صرّح بعدم ثبوت خبر موته بالسم ، وسكت البعض الآخر عن كيفية موته واكتفى بكلمة (قُبض).

ولعلَّ أقدم نصٍّ توفّرنا عليه الخبر الذي أورده العياشي المتوفّى سنة« ٣٢٠ هـ » في تفسيره.

قال العياشي : ( قال زرقان : إنّ ابن أبي دؤاد قال : صرت إلى المعتصم بعد ثلاثة ، فقلت : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة ، وأنا أكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النار.

قال : وما هو؟

قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لاَمر واقع من اُمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الاُمّة بإمامته ، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء!!

قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً ، قال : فأمر (المعتصم) يوم الرابع فلاناً من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله ،

____________

١٤١٠ هـ ـ قم.

١٢٨

فدعاه. فأبى أن يجيبه وقال :« قد علمت أني لا أحضر مجالسكم » . فقال : إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ، فقد أحب فلان بن فلان (من وزراء الخليفة) لقاءك.

فصار إليه ، فلما أُطعم منها أحسَّ السم ، فدعا بدابته ، فسأله ربّ المنزل أن يُقيم ، قال :« خروجي من دارك خير لك » .

فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قُبضعليه‌السلام )(١) .

أما الشيخ المفيد رحمه الله فقد نقل في إرشاده بأنّهعليه‌السلام : (قُبض ببغداد ، وكان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم له من المدينة ، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم من سنة عشرين ومئتين ، وتوفي بها في ذي القعدة من هذه السنة.

وقيل : إنّه مضى مسموماً ، ولم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به)(٢) .

في حين نجد أن المؤرخ علي بن الحسين المسعودي المتوفّى سنة« ٤٣٦ هـ » يقول : (وقيل : إنّ أُم الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة إلى المعتصم سمّته)(٣) .

وفي موضع آخر ذكر أن مثلث الاغتيال (المعتصم ـ جعفر ـ أم الفضل) كانوا قد تشاوروا وتعاونوا على قتل الاِمام والتخلّص منه بعد قدومه إلى بغداد ، بل ما استدعي إلاّ للغرض ذاته. فقال : ( وجعلوا ـ المعتصم بن

____________

١) تفسير العياشي ١ : ٣٢٠ / ١٠٩ وعنه بحار الأنوار ٥٠ : ٥ / ٧.

والخلفة : ذهاب شهوة الطعام من المرض ، أو الإسهال والتقيؤ نتيجة التسمم.

٢) الإرشاد ٢ : ٢٩٥.

٣) مروج الذهب ٤ : ٦٠ الطبعة الاُولى ١٤١١ هـ ، تحقيق عبد الأمير علي مهنا.

١٢٩

هارون وجعفر بن المأمون وأخته أم الفضل ـ سمّاً في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي ، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها :« ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر ، وبلاء لا ينستر » ، فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت. فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس. وتردّى جعفر في بئر فأُخرج ميتاً ، وكان سكراناً ..

ولما حضرت الاِمامعليه‌السلام الوفاة نصّ على أبي الحسن وأوصى إليه ، وكان قد سلّم المواريث والسلاح إليه بالمدينة)(١) .

وأضاف ابن شهرآشوب السروي المازندراني (ت / ٥٨٨ هـ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري الاِمامي (من أعلام القرن الخامس الهجري) ،« إنّ امرأته أم الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل ، فلمّا أحس بذلك قال لها : « أبلاك الله بداء لا دواء له » ، فوقعت الاَكلة في فرجها ، وكانت تنصب للطبيب فينظرون إليها ويسرون ـ أو يشيرون ـ بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علّتها)(٢) .

وقال ابن شهرآشوب قبل ذلك أن الاِمامعليه‌السلام لمّا تجهّز (وخرج إلى بغداد فأكرمه ـ أي المعتصم ـ وعظّمه ، وأنفذ أشناس(٣) بالتحف إليه وإلى أم

____________

١) دلائل الإمامة : ٣٩٥. وعيون المعجزات : ١٣١ وعنه بحار الأنوار ٥٠ : ١٦ / ٢٦.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٩١. ودلائل الإمامة : ٣٩٥.

٣) أشناس : من كبار قواد جيش المعتصم ، تركي الأصل. اشترك في فتح عمورية سنة « ٢٢٣ هـ ». عهد إليه المعتصم بناء مدينة سامراء لتكون ثكنة للجيش التركي الذي ضاقت به بغداد. تولى إمرة دمشق في عهد الواثق. مات سنة « ٢٣٠ هـ » ، وقيل سنة « ٢٥٢ هـ ».

١٣٠

الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حُمّاض الاَُترُجّ(١) تحت ختمه على يدي أشناس ، وقال : إنّ أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دؤاد ، وسعد بن الخضيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج ، وصُنع في الحال. فقال ـ أي الاِمامعليه‌السلام ـ :« أشربها بالليل » . قال : إنّها تنفع بارداً ، وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك ، فشربها عالماً بفعلهم)(٢) .

وبعد ، فهذا إجمال لما ورد في شأن وفاته وكيفيتها ، والذي يبدو راجحاً هو أن الاِمامعليه‌السلام قُضي عليه بالسم ، وأن المشاركين في عملية الاغتيال قد عرفتهم ، وعرفت تدبيرهم. مع العلم أن محاولات سبقت كانت تدّبر لاغتيال الاِمام؛ لكنّهعليه‌السلام كان يعلم بها ، وكان حذراً وقد أخذ بالاحتياط في التعامل سواء مع زوجته أو مع أعوان السلطان في مأكله ومشربه. ولقد كان متوقعاً هذا الاَمر قبل وقت غير قليل ، فيوم دخل عليه محمد بن علي الهاشمي صبيحة عرسه في بغداد كان يتوقع هذا أن يأتوا للاِمام بماء مسموم حين طلب ماءً للشرب.

كما أفلتعليه‌السلام من محاولة استهدفت سمّه في طعام قدّم له ، فقد نقل أبو جعفر المشهدي باسناده : (عن محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وعن غير واحد من أصحابنا أنّه قد سمع عمر بن الفرج أنّه قال : سمعتُ من أبي جعفرعليه‌السلام شيئاً لو رآه محمداً أخي لكفر.

فقلت : وما هو أصلحك الله؟

____________

١) الأتروج أو الأترنج : ثمر من جنس الحمضيات ويقال له (الترنج) أيضاً والحماض : ما في جوف الأترج من اللب.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٤.

١٣١

قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام ، فقال :« أمسكوا » .

فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب!

فقال :« عليَّ بالخباز » . فجيء به ، فعاتبه وقال :« من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام؟ » . فقال له : جُعلت فداك (فلان) ، ثم أمر بالطعام فرُفع وأُتي بغيره)(١) .

وعلى أي حال فقد نجح مثلث الاغتيال في تدبيرهم الاَخير ، وأطفأوا نور الاِمام ، وحرموا أنفسهم والاُمّة من بركاته ، وما أطفأوا إلاّ نوراً من أنوار النبوّة ، لو كانوا رعوه حق رعايته لسُقوا ماءً غدقاً ، ولاَكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنّهم :

عجبتُ لقوم أضلّوا السبيل

ولم يبتغوا اتّباع الهدى

فما عرفوا الحق حين استنار

ولا أبصروا الفجر لمّا بدا

وسرعان ما يلتحق الاِمامعليه‌السلام إلى بارئه فينال هناك كأسه الاَوفى ، وهو لم يخسر الدنيا؛ لاَنّه لم يكن يملك منها شيئاً ، ولا رجا وأمّل يوماً من حطامها شيئاً ، لكنّ الاُمّة خسرته ابناً من أبناء الرسالة ، وعلماً من أعلام النبوّة ، وطوداً شامخاً كان يفيض على هذا الوجود كلّ أسباب العلم والمعرفة ، والتقى والصلاح ، ولو قدروه حقّ قدره؛ لاَكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولوجدوا به خيراً كثيراً.

وروي أن ابنه علي الهاديعليه‌السلام قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه ، فغسّله وحنّطه وأدرجه في أكفانه وصلّى عليه في جماعة

____________

١) الثاقب في المناقب : ٥١٧ / ٤٤٦.

١٣٢

من شيعته ومواليه(١) .

وجاء في الاَخبار أن الواثق صلّى عليه بحضور جماهير غفيرة من الناس ، ثم حُمل جثمانه في موكب مهيب تشيعه عشرات الآلاف من الناس إلى مقابر قريش حيث مثوى جدّه الاِمام الكاظم موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فأُقبر إلى جواره في ملحودة أصبحت اليوم عمارة شامخة تناطح السماء بمآذنها الذهبية ، وقبلة يؤمها آلاف المسلمين يومياً للتبرك بأعتابها ، وطلب الحوائج من ساكنيها. ولطالما انقلب الملمّون والمستغيثون إلى أهلهم فرحين بما وجدوا من إنجاز طلباتهم التي تعسّر حلّ مشكلها ، بل وإن البعض منها كان في حكم المحال حلّ معضله.

الاِشادة بشخصية الاِمامعليه‌السلام :

الاِمام الجوادعليه‌السلام ما رآه أحد إلاّ أُعجب به ودُهش ، وما سمع به أحد إلاّ أشاد به وأطراه ، فقد ملكت هيبة الاِمام ومواهبه ونبوغه المبكر عقول وعواطف العلماء والمؤرخين ، فراحوا يسجلون إعظامهم وإكبارهم عبر كلمات المديح والاِطراء عندما يصلون إلى ساحة قدس الاِمام الجوادعليه‌السلام ليكتبوا عن حياته الشريفة. وقد انتخبنا هذه المجموعة من الانطباعات لعدد من العلماء وكبار المؤرخين ـ من غير الاِمامية غالباً ـ عن شخصية الاِمام الجوادعليه‌السلام ومواهبه الخلاّقة ، وعبقريته المنقطعة النظير ، وما اتصف به من نزعات وأخلاق كانت تحكي خلق وصفات جده الرسول الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآبائه الميامين الاَطهار ، نردفها وفق تسلسل سني وفيات أصحابها ، وهي كما يلي :

____________

١) مجموعة وفيات الأئمة : ٣٤٢.

١٣٣

١ ـ ابن طلحة الشافعي (ت / ٦٥٢ هـ) ، قال في كتابه« مطالب السؤول في مناقب آل الرسول » عند تعرّضه لترجمة الاِمام الجوادعليه‌السلام :

(وأما) مناقب أبي جعفر محمد الجواد فما اتسعت له حلبات مجالها ، ولا امتدت له أوقات آجاله ، بل قضت عليه الاَقدار الاِلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها ، فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل عليه فيها حمامه ، فلم تطل لياليه ، ولا امتدت أيامه ..

فإنّه قد تقدّم في آبائهعليهم‌السلام أبو جعفر محمد الباقر بن علي ، فجاء هذا باسمه وكنيته واسم أبيه ، فعُرف بأبي جعفر الثاني. وإن كان صغير السن فهو كبير القدر ، رفيع الذكر ، ومناقبهرضي‌الله‌عنه كثيرة(١) .

٢ ـ سبط ابن الجوزي (ت / ٦٥٤ هـ) ، قال في « تذكرة الخواص » :

محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود. ولما مات أبوه قدم على المأمون فأكرمه وأعطاه ما كان يعطي أباه وكان يلقّب بالمرتضى والقانع ، وكانت وفاته خامس ذي الحجة وقبره يُزار ، وكان له أولاد المشهور منهم علي الاِمام(٢) .

٣ ـ علي بن عيسى الاِربلي (ت / ٦٩٣ هـ) ، قال في « كشف الغمة » :

الجوادعليه‌السلام في كلِّ أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد ، فاق الناس بطهارة العنصر ، وزكاء الميلاد ، فما قاربه

____________

١) مطالب السؤول ٢ : ٧٤.

٢) تذكرة الخواص : ٣٥٢.

١٣٤

أحد ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرق على المناصب. له إلى المعالي سموّ ، وإلى الشرف رواح وغدوّ ، وفي السيادة إغراق وعلوّ. تتأرّج المكارم من أعطافه ، ويقطر المجد من أطرافه. إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها ، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها. يباري الغيث جوداً وعطية ، ويجاري الليث نجدة وحمية. فمن له أب كأبيه أو جدّ كجدّه؟ فهو شريكهم في مجدهم وهم شركاؤه في مجده ، وكما ملأوا أيدي العفاة برفدهم ، ملأ أيديهم برفده(١) .

٤ ـ أبو الفداء (ت / ٧٣٢ هـ) ، في تاريخه المسمّى« المختصر في أخبار البشر » أو« تأريخ أبي الفداء » :

محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية ومحمد الجواد المذكور ، هو تاسع الاَئمة الاثني عشر ، وقد تقدم ذكر أبيه علي الرضا(٢) .

٥ ـ الحافظ الذهبي (ت / ٧٤٨ هـ) ، قال في« تاريخ الاِسلام » :

محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر بن الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الشهيد الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، أبو جعفر الهاشمي الحسيني.

____________

١) كشف الغمة ٣ : ١٦٢.

٢) تأريخ أبي الفداء ١ : ٣٤٣.

١٣٥

كان يلقّب بالجواد ، وبالقانع ، وبالمرتضى. كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي ببغداد في آخر سنة عشرين شاباً طريّاً وكان أحد الموصوفين بالسخاء؛ ولذلك لقّب بالجواد رحمه الله ورضي عنه(١) .

٦ ـ ابن تيميّة الحنبلي (ت / ٧٥٨ هـ) ، قال في كتابه « منهاج السُنّة » مانصّه :

محمد بن علي الجواد ، كان من أعيان بني هاشم ، وهو معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سمّي (الجواد). ومات وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة(٢) .

٧ ـ اليافعي (ت / ٧٦٨ هـ) ، قال في كتابه « مرآة الجنان » :

أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ، أحد الاثني عشر إماماً الذين يدّعي الرافضة فيهم العصمة. وكان المأمون قد نوّه بذكره ..

وكان الجواد يروي مسنداً عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وكان يقول : « من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة »(٣) .

٨ ـ الغزّي (ت / ١١٦٧ هـ) ، ذكر ترجمة مقتضبة للاِمام الجوادعليه‌السلام في كتابه « ديوان الاِسلام » ، فقال :

الجواد : محمد بن علي بن موسى ، السيد الشريف أبو جعفر الهاشمي

____________

١) تاريخ الإسلام ١٥ : ٣٨٥ رقم ٣٧٢ وفيات سنة (٢١١ ـ ٢٢٠ هـ).

٢) منهاج السنّة ٢ : ١٢٧.

٣) مرآة الجنان ٢ : ٨٠.

١٣٦

الحسيني ، أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية(١) .

٩ ـ الزِرِكلي (ت / ١٣٩٦ هـ) ، قال في« الاَعلام » :

محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الطالبي الهاشمي القُرشي ، أبو جعفر الملقّب بالجواد (١٩٥ ـ ٢٢٠ هـ / ٨١١ ـ ٨٣٥ م) : تاسع الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية. كان رفيع القدر كأسلافه ، ذكياً ، طلق اللسان ، قوي البديهة(٢) .

ما قيل في رثائه

وقبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الاَدب ، ومن الاَدب ننتخب ملف الشعر الذي هو أحد أقوى مفردات الاَدب العربي شيوعاً ، وأبرز الوسائل الاِعلامية وأكثرها فاعلية وانتشاراً يومذاك ، وحتى في عصرنا الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر ، وقلّ الاهتمام بالشعر والشعراء إلى حدٍّ كبير جداً ، حيث أصبح الشعر في البرامج والمهرجانات والاحتفالات مادة لملء الفراغ ، فإنّه ـ مع ذلك ـ ما تزال له رنّة وتأثير على السامعين يفوق أي وسيلة إعلامية اُخرى.

وللاَثر البالغ للشعر على مسامع الناس ، ولشدة تعاطفهم مع ايقاعاته الموسيقية ، وميل النفوس إليه ، فقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ من الشعر

____________

١) ديوان الإسلام ٢ : ٦٧ رقم ٦٥١.

٢) الأعلام ٦ : ٢٧١.

١٣٧

لحِكَماً ، وإنّ من البيان لسحراً »(١) .

كما أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام قد اقتفوا أثر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستنشدوا الشعر ، وبعضهم أنشد. وقربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق والعدل وأهله ، وحثوهم على قول الشعر وأجزلوا لهم العطاء ووعدوهم الجنة. قال الاِمام الصادقعليه‌السلام :« من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة » (٢) .

وعليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحقّ ، ولم تأخذهم في الله لومة لائم ، ونافحوا عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ومدحوهم ورثوهم بأحسن ما يكون المدح والرثاء ، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي ، والكميت الاَسدي ، ومهيار ، وكوكبة لا تحصى عداً منذ الصدر الاَول وإلى يومنا هذا. فملاَوا بمديحهم ورثائهم عشرات الدواوين ، وطبيعي أن يكون لاِمامنا أبي جعفر الثانيعليه‌السلام نصيب من ذلك المديح والرثاء ، باعتباره حلقة من حلقات سلسلة الذهب. وقد وقفنا على الكثير من شعر المدح والرثاء بشأن الاِمامين الهمامين الجواد وجده موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وما يختص بالجوادعليه‌السلام وحده. انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه ، فإلى المراثي والمديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني وفاة ناظميها :

١ ـ فأقدم نصٍّ وقفنا عليه في مديح الاِمام الجوادعليه‌السلام وآبائه الطاهرينعليهم‌السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفّى سنة« ٢٣٠ هـ » ، المعاصر للاِمام الجوادعليه‌السلام . والقصيدة تتألف من« ٥٩ » بيتاً ، وهي

____________

١) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٩٠.

٢) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٩١ / ٩ ، نقلاً عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ١٥ / ١.

١٣٨

ليست في ديوانه المطبوع ، عثر عليها الشيخ حسين علي آلسليمان البحراني فأثبتها كاملة في رياضه ، ومطلعها :

حصحص الحق فاسهري أو فنامي

عن ملامي ستحتوين ملامي

ثم يصل بعد عدة أبيات إلى غرضه فيقول :

ربّي الله والاَمين نبييِّ

صفوة الله والوصي إمامي

ثم سبطا محمد تالياه

وعليّ وباقر العلم حامي

والتقي الزكيّ جعفر الطيّب

مأوى المعتوِّ والمعتامِ

ثم موسى ثم الرضا علم الفص

ـل الذي طال سائر الاَعلامِ

والمصفّى محمد بن عليّ

والمعرّى من كلِّ سوء وذامِ

أبرزت منه رأفة الله بالناس

لترك الظلام بدر التمامِ

فرع صدق نمى إلى الرتبة العليا

وفرع النبيّ لا شك نامي

فهو ماضٍ على البديهةِ بالفيصل

من رأي هبرِزيٍّ همامِ

عالم بالاُمور غارت فلم

تنجم وهذا يكون بالاِنجلآمِ

بالاُمور التي تبيت تقاسيها

على حين سكرة النوّامِ

هؤلاء الاُولى أقام بهم

حجته ذو الجلال والاِكرامِ

عصبة لست منكراً أنني

يفنى قعودي بحبّهم وقيامي(١)

 ____________

١) رياض المدح والرثاء / الشيخ حسين البحراني : ٧٢٣ طبعة المكتبة الحيدرية ـ قم ١٤١٠ ، تحقيق حسن عبد الأمير.

١٣٩

٢ ـ وفي المقتضب روى ابن عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي ، قال : حدثني المغيرة بن محمد المهلبي ، قال أنشدني عبدالله بن أيوب الخريبي(١) ع الشاعر ، وكان انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، ولما توفيعليه‌السلام وقف يؤبنه ويمتدح أبا جعفر محمداً ابنه بقصيدة طويلة يقول فيها :

يابن الذبيح ويابن أعراق الثرى

طابت أرومته وطاب عروقا

يابن الوصيّ وصيّ أفضل مرسلٍ

أعني النبيّ الصادق المصدوقا

ما لُفّ في خرق القوابل مثله

أسد يلف مع الخريق خريقا

يا أيُّها الحبل المتين متى أعذ

يوماً بعقوته أجده وثيقا

أنا عائذ بك في القيامة لائذ

أبغي لديك من النجاة طريقا

لا يسبقني في شفاعتكم غداً

أحد فلست بحبكم مسبوقا

يابن الثمانية الاَئمة غرّبوا

وأبا الثلاثة شرّقوا تشريقا

إن المشارق والمغارب أنتم

جاء الكتاب بذلكم تصديقا(٢)

____________

١) عبدالله بن أيوب ، أبو محمد الخريبي البصري : نسبة إلى الخريبة وهو موضع مشهور بالبصرة. أديب ، فاضل. لزم الإمام الرضاعليه‌السلام ، ولعلّه كان شاهره. ذكره ابن شهر آشوب في المعالم : ١٥٢ ضمن الشعراء المتّقين. وترجم له سيد الأعيان في موسوعة الرجالية أعيان الشيعة ٨ : ٤٦.

٢) أعيان الشيعة ٢ : ٣٦.

١٤٠