الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ0%

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 148

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف: السيد عدنان الحسيني
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

الصفحات: 148
المشاهدات: 53878
تحميل: 5918

توضيحات:

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 148 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53878 / تحميل: 5918
الحجم الحجم الحجم
الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

مشتقة من رسول الله نبعتُهُ

طابت مغارسُهُ والخيمُ والشِّيمُ

وأما ما انفرد به ابن الصباغ من أن صفته أبيض معتدل ، ووافقه بعض من كتب في سيرة الاِمام الجوادعليه‌السلام ، ورجّح قوله ، استثقالاً منه أن يقول بسمرة الاِمام ، فهو خلاف المشهور من صفتهعليه‌السلام (١) .

ألقابه الشريفة :

تميّز إمامنا الجوادعليه‌السلام بألقاب عديدة من أخصّها به قديماً لقب (التقي)(٢) ثمّ بعد ذلك (الجواد)(٣) قال ابن شهر آشوب :

فديت إمامي أبا جعفر

جواداً يلقّب بالتاسعِ

وبين هذين اللقبين عدّدوا له ألقاباً اُخرى منها : المنتجب والمرتضى والزكي والقانع والرضي والمتوكل وغيرها(٤) .

أولاده :

ذكر الشيخ المفيد رحمه الله أن الجوادعليه‌السلام (خلّف بعده من الولد عليّاً ابنه الإمام من بعده ، وموسى ، وفاطمة ، وأُمامة ابنتيه ، ولم يخلّف ذكراً غير من

____________

١) حياة الاِمام محمد الجوادعليه‌السلام / باقر شريف القرشي : ٢٤.

٢) عيون المعجزات : ١٢١. ودلائل الاِمامة : ٣٩٦. واعلام الورى ٢ : ٩١. وتاج المواليد / الطبرسي : ٥٢. والدعوات / الراوندي : ٨٩ / ٢٢٤ و ١٠٦ / ٢٣٤. ومناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٣٧٩ و ٤١٠ ـ ٤١١.

٣) دلائل الاِمامة : ٣٩٦. ومناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٣٧٩ و ٤١٠ ـ ٤١١. وكشف الغمة ٣ : ١٣٧. والنجوم الزاهرة ٢ : ٣٢١ حوادث سنة ٢١٩.

٤) راجع : الاِرشاد ٢ : ٢٩٥. ودلائل الاِمامة : ٣٩٦. وإعلام الورى ٢ : ٩١.

٢١

سمّيناه)(١) .

ونقل ابن شهرآشوب عن الشيخ الصدوق إنهنَّ : حكيمة وخديجة وأم كلثوم(٢) . وزاد عليهن السيد ضامن بن شدقم في (تحفة الاَزهار) : فاطمة.

وفي (الشجرة الطيبة) للمدرس الرضوي المشهدي أن بنات الاِمام الجوادعليه‌السلام : زينب ، وأم محمد ، وميمونة ، وخديجة ، وحكيمة ، وأم كلثوم. وقال آخر : ولد الجوادعليه‌السلام عليّاً ، وموسى ، والحسن ، وحكيمة ، وبريهة ، وأُمامة ، وفاطمة(٣) .

إذن ، المشهور أنّ للاِمام الجوادعليه‌السلام ابنة يقال لها (حكيمة) كانت جليلة القدر ، رفيعة المقام ، عالية الشأن. أوكل إليها أخوها الاِمام الهاديعليه‌السلام جاريته (نرجس) كي تعلمها معالم الدين ، وأحكام الشريعة ، وتؤدّبها بالآداب الاِلهية.

وزوّج الاِمام الهاديعليه‌السلام نرجس من ولده الاِمام العسكريعليه‌السلام فانجبت له الاِمام المهديعليه‌السلام وقامت حكيمة بمهمّة القابلة لاُمّه ليلة ولادته(٤) ، وصرّحت بمشاهدة الاِمام المهديعليه‌السلام بعد مولده(٥) .

وكان لحكيمة دور مهم بعد استشهاد الاِمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، حيث كانت تقوم بدور السفارة بين الشيعة وبين الاِمام محمد المهديعليه‌السلام

____________

١) الاِرشاد ٢ : ٢٩٥. وإعلام الورى ٢ : ١٠٦.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٠.

٣) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : هامش ص ١٩٩.

٤) كمال الدين ٢ : ٤٢٤ / ١ ط٢. والغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٣٤ / ٢٠٤.

٥) اُصول الكافي ١ : ٣٣٠ / ٣. وكمال الدين ٢ : ٤٣٣ / ١٤.

٢٢

في غيبته الصغرى ، فكانت تقوم باستلام الكتب والمسائل وتوصلها إلى الاِمامعليه‌السلام ثم تستلم منه توقيعاته الشريفة وتوصلها إلى الناس(١) .

أضف إلى ذلك أنّها تروي حرز الاِمام الجوادعليه‌السلام ، وقد توفيت هذه السيدة الجليلة في مدينة سامراء ، ودفنت عند رجلي الاِمامين العسكريينعليهما‌السلام ، وقبرها مشهور معروف.

وغريب من مثل الشيخ المفيد أن يفوته التعرض لذكر اسمها ضمن تعداده لاَبناء الاِمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، مع أنّه ـ عليه الرحمة ـ ذكرها في« الاِرشاد » في ثاني خبر له في باب ذكر من رأى الاِمام الثاني عشرعليه‌السلام ، فقال : أخبرني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ـ وهو الكليني ـ ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن رزق الله ، قال : حدثني موسى بن محمد ابن القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي ـ وهي عمة الحسنعليه‌السلام ـ أنّها رأت القائمعليه‌السلام ليلة مولده وبعد ذلك(٢) .

وأما ولده موسى المعروف بالمبرقع ، وإليه ينتهي نسب السادة الرضويين ، فقد عاش في المدينة ، وبعد شهادة أبيه انتقل إلى الكوفة فسكنها مدة ، ثم هاجر إلى قم فوردها سنة (٢٥٦ هـ) قاصداً استيطانها ، فكان أول سيد رضوي تطأ أقدامه هذه المدينة ، وكان من أهل الحديث والدراية. توفي في ربيع الآخر سنة (٢٩٦ هـ) ودفن في بيته.

النصّ على إمامته :

من نافلة القول معرفة أن منصب الاِمامة نص إلهي ، أبلغه تعالى نبيه

____________

١) بحار الاَنوار ١٠٢ : ٧٩ ، وعنه رجال بحر العلوم ٢ : ٣١٧.

٢) الاِرشاد ٢ : ٣٥١.

٢٣

الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم نصّ على خلافة الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منصب إمامة المسلمين؛ ثم كانت للرسول الاَعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مواقف وكلمات ـ في روايات وردتنا ـ صرّح في بعضها بأسماء الاَئمة خلفائه واحداً واحداً حتى اثني عشر إماماً ، كما أن الاَئمةعليهم‌السلام ـ باعتبار عصمتهم ـ نصوا على من يليهم بهذا المنصب ، ولم يكن الاَمر باختيارهم.

أخرج إبراهيم بن محمد الحمّوئي الشافعي في فرائده بسنده ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس رفعه :« إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاِثنا عشر ، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي » . قيل : يا رسول الله ومن أخوك؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« عليّ » . قيل : فمن ولدك؟ قال :« المهدي الذي يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً » الحديث(١) .

وفيه : عن الاَصبغ بن نباتة ، عن ابن عباس رفعه :« أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون » (٢) .

وإمامنا الجوادعليه‌السلام وردت النصوص بإمامته عن جدّه النبيّ الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن آبائهعليهم‌السلام وإليك جملة من هذه النصوص :

نص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبدالله الاَنصاري يقول :

قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي

____________

١) فرائد السمطين ٢ : ٣١٢ / ٥٦٢. وراجع : ينابيع المودة / القندوزي الحنفي ٣ : ٣٨٣ الباب ٩٤ الطبعة الاُولى ١٤١٦ هـ ، تحقيق علي جمال أشرف الحسيني ، نشر دار الاُسوة ـ طهران.

٢) فرائد السمطين ٢ : ٣١٣ / ٥٦٣ ، ٥٦٤. وراجع : ينابيع المودة ٣ : ٣٨٤.

٢٤

أوّلهم عليّ ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي ابن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي » (١) .

ونقل صاحب الفرائد خبراً آخر يرويه ابن عباس عن يهودي يدعى نعثلاً حاجج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفات الله ، ثم في أوصيائه وطلب من النبي تسميتهم ، فسماهم له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إثنا عشر وصيّاً(٢) .

ونقل أخطب خوارزم الموفق بن أحمد في كتابه« مقتل الحسين » عن ابن شاذان قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالله الحافظ حدثني علي بن علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سلمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن سلامة عن أبي سلمى راعي أبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :« ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا : (آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه) ، قلت : والمؤمنون ، قال : صدقت يا محمد من خلفت في أمتك ، قلت : خيرها ، قال : علي بن أبي طالب ، قلت : نعم يا رب ، قال : يا محمد إنّي اطّلعت إلى الاَرض اطلاّعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من اسمائي فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطّلعت الثانية ، فاخترت عليّاً ، وشققت له اسماً من اسمائي ، فأنا الاَعلى وهو علي؛ يا محمد

____________

١) راجع : ينابيع المودة ٣ : ٣٩٨ الباب ٩٤. وكشف الغمة / الاِربلي ٣ : ٣١٤.

٢) فرائد السمطين ٢ : ١٣٢ / ٤٣١ ، وعنه أورده القندوزي في ينابيع المودة ٣ : ٢٨١ الباب ٧٦.

٢٥

اني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والاَئمة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السموات وأهل الاَرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد لو ان عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم ، يا محمد أتحب أن تراهم ، قلت : نعم يارب ، فقال : لي التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكب دري. قال : يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك ، وعزتي وجلالي انه الحجة الواجبة لاوليائي والمنتقم من أعدائي » (١) .

روى الشيخ المفيد رحمه الله بالاِسناد عن زكريا بن يحيى بن النعمان ، قال : سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ، فقال في حديثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضاعليه‌السلام لما بغى عليه إخوته وعمومته وذكر حديثاً طويلاً حتى انتهى إلى قوله : فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام ، وقلت له : أشهد أنك إمام عند الله. فبكى الرضاعليه‌السلام ثم قال :« يا عم ، ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأبي ابن خيرة الاِماء النوبية الطيبة ، يكون من ولده الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، صاحب الغيبة » (٢) .

____________

١) مقتل الحسين / الخوارزمي : ٩٥ ـ ٩٦. وعنه رواه الجويني الشافعي في فرائد السمطين ٢ : ٣١٩ / ٥٧١.

٢) الاِرشاد ٢ : ٢٧٥. وراجع : اصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١٤. وإعلام الورى ٢ : ٩٢. وبحار الاَنوار ٥٠ :

٢٦

وروى الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا) بسنده عن محمد بن علي بن عبدالصمد الكوفي ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي ابن موسى ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال :« دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أُبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مرحباً أبا عبدالله ، يازين السموات والاَرض ثم ذكر حواراً طويلاً مفصّلاً بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أُبي ابن كعب ذكر له النبي أسماء الاَئمة ودعاء كل واحد منهم حتى وصل إلى إمامنا أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، فقال في صفته : وإنّ الله عزَّ وجلّ ركّب في صلبه ـ أي في صلب الاِمام الرضا عليه‌السلام ـ نطفة مباركة طيبة رضية مرضية ، وسمّاها محمد بن علي ، فهو شفيع شيعته ، ووارث علم جدّه. له علامة بيّنة ، وحجة ظاهرة ، إذا ولد يقول : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله » الخبر(١) .

نصّ الاِمام الكاظمعليه‌السلام :

جاء في كتاب الغيبة لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله خبر رُفع إلى محمد بن سنان ، قال : دخلت على أبي الحسن موسىعليه‌السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعلي ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ وقال :« يا محمد ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك إلى أن قال عليه‌السلام : من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام إمامته وجحده حقّه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : قلت : والله لئن مدّ الله لي في العمر لاُسلّمنّ له حقّه ،

____________

٢١ / ٧.

١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٦٢ / ٢٩.

٢٧

ولاَقرنّ بإمامته. قال : صدقت يا محمد يمدُّ الله في عمرك وتسلّم له حقّه ، وتقرّ له بإمامته وإمامة من يكون بعده ، قال : قلت : ومن ذاك؟ قال : ابنه محمد » . قال : قلت : له الرضا والتسليم(١) .

وهذا نصٌّ صريح بإمامته من جدّه الاِمام الكاظمعليه‌السلام . وهناك نصّ آخر في رواية طويلة ننقل منها موضع الحاجة ، يرويها يزيد بن سليط الزيدي في لقائه مع الاِمام موسى بن جعفرعليه‌السلام في طريق مكة ، وهم يريدون العمرة ـ إلى أن قال : ـ ثم قال أبو إبراهيمعليه‌السلام :« إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ ، فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأما عليّ الآخر فعليّ بن الحسين ، أُعطي فهم الاَول وحكمته ، وبصره وودّه ودينه ، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره ، وليس له أن يتكلم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين ، ثم قال : يا يزيد فإذا مررت بهذا الموضع ، ولقيته وستلقاه ، فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنّك لقيتني فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من بيت مارية القبطية جارية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك » .

ثم يرحل الاِمام الكاظمعليه‌السلام ، ويلتقي يزيد بالاِمام الرضا في نفس ذلك الموضع ويخبره ، ويقصّ عليه الخبر. فيجيبه الاِمامعليه‌السلام :« أما الجارية فلم تجيء بعد ، فإذا دخلت أبلغتها منك السلام » . قال يزيد : فانطلقنا إلى مكة ، واشتراها في تلك السنة ، فلم تلبث إلاّ قليلاً حتى حملت ، فولدت ذلك الغلام(٢) .

____________

١) راجع : أُصول الكافي ١ : ٣١٩ / ١٦. والغيبة / الشيخ الطوسي : ٣٢ / ٨. وبحار الاَنوار ٥٠ : ١٩ / ٤.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣١٣ ـ ٣١٩ / ١٤. وإعلام الورى ٢ : ٥٠ وعنه بحار الاَنوار ٥٠ : ٢٥ ـ ٢٨ / ١٧.

٢٨

نصّ الاِمام الرضاعليه‌السلام :

نصوص كثيرة رويت عن الاِمام الرضاعليه‌السلام بشأن إمامة أبي جعفر الجوادعليه‌السلام والنصّ عليه جمع شتاتها العلاّمة المجلسي واستوفاها في الجزء الخمسين من بحاره(١) فكانت ستة وعشرين نصّاً ، اخترنا منها النصوص التالية :

روى الكليني بسنده عن معمر بن خلاّد قوله : ذكرنا عند أبي الحسنعليه‌السلام شيئاً بعد ما ولد له أبو جعفرعليه‌السلام ، فقال :« ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته في مكاني » (٢) .

وعنه بسنده ، عن الخيراني ، عن أبيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسنعليه‌السلام بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال :« إلى أبي جعفر ابني » . فكأن القائل استصغر سنّ أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام :« إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً ، صاحب شريعة مبتداة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه‌السلام » (٣) .

ونقل ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة عن الشيخ المفيدقدس‌سره بإسناده عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضاعليه‌السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول :« يهب الله لي غلاماً » . فقد وهبه الله لك ، وقرَّ عيوننا به ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى مَن؟ فأشار بيده إلى أبي

____________

١) بحار الأنوار ٥٠ : ١٨ ـ ٣٦.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ٦. ونحوه في ١ : ٣٢٠ / ٢. والإرشاد ٢ : ٢٧٦. وإعلام الورى ٢ : ٩٣. والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٦١.

٣) اُصول الكافي ١ : ٣٢٢ / ١٣.

٢٩

جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جُعلت فداك ، وهذا ابن ثلاث سنين؟ قال :« وما يضرُّ من ذلك! قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين » (١) .

كما نقل القندوزي الحنفي في ينابيعه ، عن فرائد السمطين للمحدث الجويني الخراساني الشافعي باسناده ، عن دعبل الخزاعي ، عن علي الرضا ابن موسى الكاظمعليهما‌السلام قال :« يا دعبل الاِمام من بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره » (٢) .

شهادات اُخرى :

وممن شهد بإمامة الجوادعليه‌السلام وأذعن لها عم أبيه : علي بن الاِمام جعفر الصادقعليه‌السلام المعروف بالعُريضي ، فقد روى الكليني رحمه الله بسنده ، عن محمد ابن الحسن بن عمار قال : كنت عند علي بن جعفر الصادق جالساً بالمدينة ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن موسى الكاظمعليه‌السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوثب علي بن جعفر؛ بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام :« يا عم إجلس رحمك الله » ، فقال : يا سيدي! كيف أجلس وأنت قائم؟

____________

١) الفصول المهمة : ٢٦١. وراجع : الإرشاد ٢ : ٢٧٦. وإثبات الوصية / المسعودي : ١٨٥. واُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ١٠ باختلاف يسير جداً. وذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر : ٢٧٩.

٢) ينابيع المودة ٣ : ٣٤٨ الباب ٨٦. وفرائد السمطين ٢ : ٣٣٧ / ٥٩١. نقله عن عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٩٦ / ٣٥ من الباب ٦٦.

٣٠

فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عم أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال : (اسكتوا ، إذا كان الله عزَّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة ، وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أُنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد)(١) .

وروى الكشي بسنده عن علي بن جعفر خبراً له مع واقفي حاججه في أمر الاِمامة ، فأجابه علي بن جعفر جواباً قاطعاً بأن أبا جعفر الجوادعليه‌السلام هو الاِمام الناطق بعد أبيه علي بن موسى الرضا(٢) .

كما روى الكشي في رجاله باسناده عن أبي عبدالله الحسين بن موسى ابن جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام بالمدينة وعنده علي بن جعفر ، وأعرابي من أهل المدينة جالس ، فقال لي الاَعرابي : من هذا الفتى؟ وأشار بيده إلى أبي جعفرعليه‌السلام . قلت : هذا وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : يا سبحان الله! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة وكذا وكذا سنة ، وهذا حدث ، كيف يكون؟!

قلت : هذا وصي علي بن موسى ، وعلي وصيّ موسى بن جعفر ، وموسى وصيّ جعفر بن محمد ، وجعفر وصيّ محمد بن علي الخبر(٣) .

وهذا الخبر من جملة الاَحاديث والمرويات المستفيضة في مظانها ، الدالة على أنّه كان معروفاً آنذاك أن الاَئمة من أهل البيتعليهم‌السلام هم أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنص عليهم واحداً بعد واحد.

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٣٢٢ / ١٢.

٢) رجال الكشي : ٤٢٩ / ٨٠٣.

٣) رجال الكشي : ٤٢٩ / ٨٠٤.

٣١

العمر ومنصب الاِمامة :

ليس غريباً إذا قلنا : إنّه لا مدخلية للعمر في تسنّم منصب الاِمامة ، ولو أن ظاهرة الاِمام الجوادعليه‌السلام كانت الاُولى من نوعها في الاِسلام على ما هو معهود ومعروف! إلاّ أنها لم تكن الاُولى في العالم على مستوى حركة الاَنبياء والرسل وأوصيائهم السابقين ، فذاك عيسى بن مريم آتاه الله الحكمة والنبوة وكان في المهد صبياً ، وقبله كان يحيى ، فقد آتاه الله الحكم والكتاب وهو صبي (وآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً)(١) .

(فإنّ الظاهرة التي وجدت مع هذا الاِمام وهي ظاهرة تولّي شخص للاِمامة وهو بعد في سن الطفولة ، على أساس أن التاريخ يتّفق ويُجمع على أنّ الاِمام الجواد توفي أبوه وعمره لا يزيد عن سبع سنين. ومعنى هذا أنّه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحياً وفكرياً وعلمياً ودينياً وهو لا يزيد عن سبع سنين ، هذه الظاهرة التي ظهرت لاَول مرة في حياة الاَئمة في الاِمام الجوادعليه‌السلام )(٢) .

وقد قدّمنا في الفصل الاَول الروايات التي تنصّ على أنّ الاِمام الرضاعليه‌السلام وهو الاِمام المعصوم قد شهد بأن مولوده الصغير ـ وكان يشير إليه ـ سيكون الاِمام من بعده بالرغم من صغر سنِّه(٣) ، وبذلك فقد حلَّ الاِمام الرضاعليه‌السلام إشكالية المسألة في حياته وأرجع أصحابه وشيعته وجميع

____________

١) سورة مريم : ١٩ / ١٢.

٢) من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدرقدس‌سره في ٢٩ ذي القعدة الحرام سنة ١٣٨٨ هـ لم تنشر توجد ضمن مستندات ووثائق موسوعة الشهيد الصدر.

٣) راجع النصوص المتقدمة آنفاً عن اُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ١٠ و ٣٢٢ / ١٣ و ٣٨٣ / ٢. وإثبات الوصية : ١٨٥.

٣٢

المسلمين إلى ابنه الجوادعليه‌السلام .

ثم إنّ الاِمام الجوادعليه‌السلام نفسه قد أدرك الشك والحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الاَمر؛ لاَنّهم لم يألفوا ذلك من قبل فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة ، وإلفات نظر المتردّدين إلى الحقيقة التي غابت عن أذهانهم ، فقد روى الكليني بالاِسناد عن علي بن اسباط ، قال : خرجعليه‌السلام عليَّ فنظرت إلى رأسه ورجليه؛ لاَصف قامته لاَصحابنا بمصر ، فبينا أنا كذلك حتى قعد ، فقال :« يا عليّ ، إن الله احتجّ في الاِمام بمثل ما احتجّ في النبوّة ، فقال : ( وآتينَاهُ الحُكمَ صَبيّاً ) (١) ، قال : ( ولمَّا بَلَغ أشُدَّهُ ) (٢) ، ( وبَلَغَ أربعينَ سَنَةً ) (٣) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة صبيّاً (٤) ، ويجوز أن يُعطاها وهو ابن أربعين سنة » (٥) .

وعندما يُسأل عن هذا الموضوع وهو ابن سبع سنين أو نحوها ، يجيب سائله إجابة قاطعة ليس فيها ترديد ولا تورية جواب واثق مطمئن من إمامته على الناس ، وهو ما رواه الكليني بالاِسناد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : سألته ـ يعني أبا جعفرعليه‌السلام ـ عن شيء من أمر الاِمام ، فقلت : يكون الاِمام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال :« نعم ، وأقلّ من خمس سنين » .

فقال سهل : فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين

____________

١) سورة مريم : ١٩ / ١٢.

٢) سورة يوسف : ١٢ / ٢٢. وسورة القصص. ٢٨ / ١٤.

٣) سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٥.

٤) في الرواية الاُخرى : الحكمة وهو صبي.

٥) اُصول الكافي ١ : ٤٩٤ / ٣ ، ومثله أيضاً ١ : ٣٨٤ / ٧ باب حالات الأئمة في السن.

٣٣

ومائتين(١) .

كما أنّهعليه‌السلام يردّ على المنكرين عليه صغر سنه بشواهد قرآنية لها مصاديق من سيرة الرسول الاَعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ما نقرأه في رواية الكليني الاُخرى عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : قال علي بن حسان لاَبي جعفرعليه‌السلام : يا سيدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال :« وما ينكرون من ذلك ، قول الله عزَّ وجلَّ؟ لقد قال الله عزَّ وجلَّ لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أدعُو إلى اللهِ على بَصيرَةٍ أنا وَمَن اتَّبعَني ) (٢) فوالله ما تبعه إلاّ علي عليه‌السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين » (٣) .

من خلال التأمل في الروايات التي مرَّ ذكرها يتبيّن لنا تركيز الاَئمةعليهم‌السلام على دور الاِمامة في حياة الاُمّة ، ومقارنتها بالنبوّة. وطبيعي أن تُقرن الاِمامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة ، فالاِمامعليه‌السلام إنّما يلفت نظر الناس إلى أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوّة والاِمامة؛ لاَنّهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه وتعالى ، والله تعالى لا يختار لرسالاته إلاّ المعصوم المتحصل لجميع الكمالات ، وعليه فهو تبارك وتعالى لايتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة والاُمّة ، ومدى الحاجة إلى الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة إليه هناك ماسة وضرورية.

نعم ، فالاِمام يريد أن يقول للناس : عليكم أن تنظروا للاِمام أن تتعاملوا

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٣٨٤ / ٥.

٢) سورة يوسف : ١٢ / ١٠٨.

٣) اُصول الكافي ١ : ٣٨٤ / ٨.

٣٤

مع منصب الاِمامة ، كما تنظرون إلى مقام النبوّة وتتعاملوا معها. فالاِمامة امتداد طبيعي للنبوّة ، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لاَنّهما ـ كما قلنا ـ من مختصات السماء ، وما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة ، وأنها ـ أي الاِمامة ـ « أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلى مكاناً ، وأمنع جانباً ، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالونها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم »(١) .

ولما كان هذا حال الاِمامة والاِمام ، يجريان مجرى النبوة والاَنبياء ، فإنّه يجوز على الاِمام أن يتولى الاِمامة وهو ابن سنتين ـ مثلاً ـ أو أقل من ذلك أو أكثر ، كما جاز ذلك في النبوّة وهو ما عرفناه من قبل في مثال يحيى بن زكريا ، وعيسى بن مريمعليهما‌السلام .

والشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدرقدس‌سره في محاضرته التي أشرنا إليها قبل قليل يلفت النظر إلى أنّه لو تم دراسة ظاهرة إمامة الجوادعليه‌السلام بقانون حساب الاحتمالات لتبيّن : (أنّها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثله الاِمام الجوادعليه‌السلام ). وهو طريق عقلي آخر يضاف إلى طرق إثبات الاِمامة وحصرها بأهل البيتعليهم‌السلام ، ثم يفترض السيد الشهيدقدس‌سره عدة افتراضات يمكن أن تُثار حول إمامة الاِمام الجوادعليه‌السلام ويجيب عنها منطقياً وتاريخياً ، لكنهقدس‌سره يجيب قبل طرح الافتراضات فيقول : (إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الاِمامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويتولّى زعامة هذه الطائفة في كلِّ المجالات الروحية والفكرية والفقهية والدينية).

____________

١) اُصول الكافي ١ : ١٩٩ / ١.

٣٥

٣٦

الفصل الثاني

الحالة السياسية في عصر الإمامعليه‌السلام

تميّزت الفترة الزمنية التي عاشها الاِمام الجوادعليه‌السلام بعد استشهاد والده الاِمام الرضاعليه‌السلام ؛ بهدوء سياسي نسبي ، بعد أن تمّ تصفية الحساب في وقت سابق بين الاَخوين العباسيين الاَمين والمأمون بمقتل الاَول (٢٥ محرم ١٩٨ هـ) ، وتفرّد الثاني بالسلطة السياسية ، وقد خلا له الجو من المنافس السياسي سوى الاِمام الرضاعليه‌السلام ، الذي كان يتصدّر الزعامة الروحية والاجتماعية للمجتمع الاِسلامي ، وسوى بعض الثورات والانتفاضات العلوية هنا وهناك ، والتي سرعان ما قُضي عليها بحنكة سياسية ، ودهاء ماكر ، وقوة عسكرية حاسمة ، ثم دُبّر أمر تصفية الاِمام الرضاعليه‌السلام في آخر صفر(١) سنة ٣٠٢ هـ ، بمكيدة ودهاء تامّين ، الاَمر الذي جنّب المأمون أيّ مشكلة سياسية ذات بال تواجه استقرار الحكومة.

أما اضطرابات بغداد وانفصالها عن سلطة المأمون ، ومبايعة عمّه إبراهيم

____________

١) تاريخ الطبري ٧ : ١٥٠. والشذرات الذهبية / ابن طولون : ٩٨ وفيه : آخر صفر سنة اثنتين ومئتين. وفي التنبيه والاِشراف / المسعودي : ٣٠٣ : في أول صفر؛ لكنه في إثبات الوصية : ١٨٢ ، قال : مضى ـ صلّى الله عليه ـ في سنة اثنين ومئتين من الهجرة في آخر ذي الحجة. وروي أنّه مضى في صفر ، والخبر الاَول أصح.

٣٧

ابن المهدي العباسي في (٥ محرم سنة ٢٠٢ هـ) بالخلافة ، ثم مناوشاتهم وحروبهم مع ولاة دولة المأمون ، فسرعان ما أُخمدت وعادت بغداد إلى أحضان دولة الخلافة المأمونية ، بدخول المأمون مدينة السلام على رأس جيش خراساني لجب في ١٨ صفر سنة ٢٠٤ هـ(١) .

وبعد استتباب الاَوضاع السياسية في بغداد ، واستقرار شؤون الدولة في العاصمة الجديدة (بغداد) ، من بناء القصور الملكية والدواوين (الوزارات) ، والمراكز الاَمنية وغيرها ، تتناهى إلى سمع المأمون أخبار أبي جعفر ابن الرضاعليه‌السلام واحتفاء الناس به ، وظهور كراماته ومعجزاته ..

فيتأمل المأمون ـ وهو السياسي المحنّك والخبير ـ في الاَمر ملياً ، ويرسل خلف الاِمام ابن الرضاعليه‌السلام يستدعيه من المدينة إلى بغداد في تلك السنة. وفي تقديرنا أن التحرك السياسي للاِمام الجوادعليه‌السلام يبتدئ من السنة التالية (٢٠٥ هـ) التي وصل فيها إلى بغداد بعد أن أدّى نسك الحج ، وعاد إلى المدينة ليجمع أهل بيته وعمومته من الهاشميين وخدمه؛ لمرافقته إلى عاصمة الدولة لاِجابة (المأمون) طلبه ، وكان لهعليه‌السلام أول لقاء مع المأمون العباسي في التاريخ المذكور ، ومن ذلك الوقت يبدأ المسلسل التاريخي الحافل السياسي ، والاجتماعي ، والعلمي لحياة جواد الاَئمةعليهم‌السلام .

بعد هذه التقدمة الموجزة ندخل إلى رحاب الحياة السياسية للاِمام الجوادعليه‌السلام ، باستشفاف بعض ملامح موقف السلطة العباسية تجاه الاِمامعليه‌السلام من جهة ، وتجاه الشيعة عموماً من جهة اُخرى.

____________

١) راجع : التنبيه والإشراف / المسعودي : ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

٣٨

الموقف السياسي بعد شهادة الاِمام الرضاعليه‌السلام :

كانت الفترة بين (رمضان ٢٠١ ـ صفر ٢٠٣ هـ)(١) التي تقلّد فيها الاِمام الرضاعليه‌السلام ولاية العهد سنيّ هدوء نسبي إلاّ ما كان من اضطراب الاَمور في بغداد حنقاً على المأمون ؛ لمقتل محمد الاَمين أولاً؛ ولتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ظناً منهم أن الخلافة ستخرج من بني العباس إلى آل أبي طالب ، لكن تبيّن بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ماكانوا يستعجلون تفكيره.

وأما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الاِمام الرضاعليه‌السلام فكانت هي الاُخرى مشحونة بالحذر والترقب من قبل الشيعة عموماً والبيت الهاشمي خصوصاً؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الاِمام الجوادعليه‌السلام وإنزاله تلك المنزلة منه ، وهذا الترقب والحذر راجع إلى عدة أمور لعلّ من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية :

١ ـ شغف المأمون بأبي جعفرعليه‌السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد؛ لما رأى من غزارة علمه وهو لم يبلغ الحلم بعد ، ولم يحضر عند أحد للتلمّذ والدراسة ، ثم إنّ صغر السن وامتلاك علوم جمة والجلوس للمناظرة والحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة وغريبة في دنيا الاِسلام

____________

١) هناك نصّ نقله النجاشي في رجاله : ٢٧٧ رقم ٧٢٧. وشيخ الطائفة الطوسي في أماليه : ٣٥٩ / ٧٤٩ يشير إلى أنّ الاِمام الرضاعليه‌السلام كان في خراسان سنة (١٩٨ هـ) ، حيث يروي أبو الحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنّه ودعبل رحلا إلى الاِمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام والتقياه في تلك السنة ، وحدّثهما إملاءً في رجب من ذلك العام ، وأقاما عنده إلى آخر سنة (٢٠٠ هـ). ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الاِمامعليه‌السلام إليهما أن يصيرا إليها وهما في طريق عودتهما إلى واسط ، بعد أن خلع عليهما وزودهما وأعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما.

٣٩

يومذاك ، تجلب الانتباه وتأخذ بالعقول وتستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة.

٢ ـ المأمون ، ولاَجل رفع أصابع الاتّهام عنه باغتيال الاِمام الرضاعليه‌السلام ، أراد أن يثبت ظاهرياً للعوام والخواص حبه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من خلال بقائه على ولاء وحب البيت العلوي؛ لذلك أظهر اهتماماً زائداً ، وتكريماً متميزاً للاِمام الجوادعليه‌السلام ، بل وأقرّ له ما كان يعطي أباه الرضاعليه‌السلام من عطاء وزيادة ، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهمٍ سنوياً(١) .

٣ ـ تزويجه إياه من ابنته (زينب) المكناة بأم الفضل ، واسكانه قصور السلطنة.

٤ ـ توليته بعد وروده بغداد عام (٢٠٤ هـ) عبيدالله بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام مكة والمدينة. وبقي على ولايتهما حتى أواخر عام (٢٠٦ هـ).

٥ ـ أمره ولاة الاَقاليم والخطباء بإظهار فضائل الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنابر في جميع المناسبات.

٦ ـ تبنّيه مذهب الاعتزال وإظهار القول بخلق القرآن في ربيع الاَول سنة (٢١٢ هـ) ، وكان الدافع من وراء ذلك ـ على ما يظهر لنا ـ سياسياً ، لاَجل تصفية بعض الخصوم وإبعاد البعض الآخر ، وإجبار بعض الفقهاء ، خارج المدار السلطاني ، الدخول في فلك البلاط؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة. ثم لعلّه أراد من إظهار هذا الحق باطلاً كان يختبئ في

____________

١) مرآة الجنان / اليافعي ٢ : ٨٠.

٤٠