أضواء على ثورة الحسين

أضواء على ثورة الحسين23%

أضواء على ثورة الحسين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 250

أضواء على ثورة الحسين
  • البداية
  • السابق
  • 250 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116148 / تحميل: 15249
الحجم الحجم الحجم
أضواء على ثورة الحسين

أضواء على ثورة الحسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

والايمان، والنذور، والعهود، والحجر، والشفعة، والحكم.ومعلوم أن الحجر للسفه والفلس وغيرهما ضرب من الحكم، وليس الاقرار من الايقاعات، لانه، أخبار، والمفهوم من الايقاعات كونها انشاآت.

اما البيع: فاقسامه باعتبار القد والنسيئة في الثمن والمثمن أربعة، وباعتبار وجوب مساواة الثمن للمثمن وعدمه قسمان، فهذه عشرة أقسام، بعد التأمل لها يعلم أن فيها تداخلا.وهذه هي النقد، والنسيئة، والسلف، وبيع الكالئ، وبيع المرابحة، والمواضعة والتولية، والمساومة، وبيع الربوي، وغيره، ومن ذلك الصرف.وينقسم البيع باعتبارات أخر إلى أقسام منها: بيع الغرر، ومنه بيع الملاقيح والمضامين، وبيع الحصاة، والمنابذة، والملامسة، وغير ذلك.والبيع المعلق على شرط أو صفة، وبيع الشرط، ومنه بيع خيار الشرط الذي منه: بيع المؤامرة، والبيع المشتمل على اشتراط رد الثمن أو مثله في مدة معلومة واسترجاع المبيع.وبيع البراء‌ة من عيب معين، أو عيوب معينة، أو سائر العيوب.وبيع الثمرة قبل ظهورها عاما أو أزيد مع الضميمة وبدونها، وبيعها بعد الظهور قبل بدو الصلاح، وبيع المزابنة، والمحاقلة، وبيع العربة، وبيع الرطبة، والتقبيل للشريك.واعلم أنه لابد في كل عقد لازم ولو من أحد الطرفين من وقوعه باللفظ الصحيح الشرعي العربي، فلا يقع بغيره، الا اذا لم يعلم المتعاقدان أو أحدهما ذلك، ويشق تعلمه عادة.ولابد من وقوع الايجاب والقول بلفظ الماضى، وتقديم الايجاب على أصح القولين، وفورية القبول بحيث لا يتخلل كلام أجنبي، ولا سكوت طويل في العادة.

١٢١

ولا يضر التنفس والسعال، ونحو ذلك، بخلاف العقود الجائزة.ويشترط ايقاعها بالالفاظ الصريحة في بابها، فلا يقع البيع بلفظ الاجاره، والنكاح، وبالعكس، فان صراحة كل من هذه الالفاظ في غير بابها منتفية.ويشترط في الايقاعات أيضا وقوعها باللفظ الصحيح العربي مع الامكان، ويشترط صراحته في بابه أيضا، فلو أوقع البيع بغير ما قلناه وعلم التراضي منهما كان معاطاة، لا يلزم الا بذهاب أحد العينين، وكذا القول في الاجارة ونحوها، بخلاف النكاح والطلاق ونحوهما فلا تقع أصلا.

فائدة:

تكفي اشارة الاخرس الدالة على ارادة صيغ العقود والايقاعات، ويترتب، عليها أثرها، وكذا العاجز عن النطق لمرض أو نحوه.

فصل النقد:

هو بيع الحال بالحال، سواء كان معه شرط أم لا، وسواء كان الشرط خيارا أو سقوط خيار.

وصيغته: بعتك، أو اشترينك، أو ملكنك هذا المتاع المعين الموصوف الفلاني بعشرة دراهم، أو بهذه العشرة الدراهم، أو بهذا الثوب، أو بثوب صفته كذا.فيقول: قبلت، أو ابتعت، أو شريت، أو اشتريت، أو تملكت، ونحو ذلك.ولابد في الموصوف ثمنا أو مثمنا من وصفه بصفات السلم، ولو كان عينا غائبة كالدابة الفلانية ولم يكن رآها الاخر، فلابد من ذكر أوصافها الموجبة لرفع الجهالة عنها.ومتى كان أحد المتعاقدين وكيلا جاز التصريح في الايجاب والقبول بذلك فيقول: بعتك بالوكالة عن فلان، ويقول الاخر في القبول لموكله: قبلت لموكلي فلان ولو لم يصرح أحدهما بالوكاله كفى القصد، لكن لا يعلم ظاهرا وقوعه

١٢٢

عن الموكل أوله الا باخبار القاصد، ولا يفيد ذلك تحمل الشاهد الاعلى اقرار المقر.ولو أراد شرط شئ كتأجيل دين حال، أو رهن بدين، أو ضمين قال: بعتك هذا بكذا وشرطت عليك تأجيل دينك الفلاني إلى سنة، أو شرطت رهن كذا بدين كذا، أو تضمين فلان كذا، أو شرطت سقوط خيار الغبن، أو خيار الرؤية كذلك، أو شرطت لنفسي الخيار مدة سنة، أو لك، أولي ولك، أو بعتك بشرط استئمان زيد إلى سنة مثلا، أو بشرط اني متى رددت الثمن أو مثله إلى سنة استرجع المبيع، ونحو ذلك.أو بشرط البراء‌ة من عيب كذا وكذا، أو بالبراء‌ة من جميع العيوب على أصح القولين، أو بعتك ثمرة البستان الفلاني، الموجودة بكذا، أو منضمة إلى ثمرة سنتين مثلا أو منضمة إلى الشئ الفلاني، أو بعتك بهذه الاشجار وثمرتها، فانه يصح في هذه وأن لم يكن قد ظهرت، كما لو باع حاملا وضم اليها الحمل.ولو خرص العرية بتغار مثلا قال: بعتك ثمرة هذه النخلة بتغار تمر موصوف بصفات كذا، وذكر صفات السلم وان كان الثمن مضموما، والا أشار إلى معين.

فصل بيع النسيئة:

هو بيع عين أو مضمون في الذمة حالا بثمن مؤجل، وصيغته: بعتك هذا المبيع بعشرة دراهم وأجلتك في الثمن إلى شهر وكل ما سبق من الشروط والاصالة والوكالة آت هنا، ولا ريب انه يشترط في الاجل هنا وفي كل موضع يذكر كونه محروسا عن احتمال الزيادة والنقصان، لكونه معين في حد ذاته.فلا يصح التأجيل بادراك الغلات، وقدوم المسافرين، ونحو ذلك.

فصل بيع السلف:

هو بيع موصوف في الذمة إلى أجل بثمن حال معين أو مضمون، وهو مقابل النسيئة ويشرط ذكر الصفات التي لها دخل في تفاوت القيمة بسبب تفاوت

١٢٣

الرغبات، وقد ذكر الفقهاء لكل نوع من الانواع التي يكثر دورانها ويجوز فيها السلم صفاتا مخصوصة على طريق التدريب للمكلف، ليستعلم منها ما يجب ذكره في العقد من صفات مالم يتعرضوا اليه.ويجب أيضا أن يذكر موضع التسليم ان كان المتعاقدان بصدد مفارقة موضوع العقد قبل الحلول كما لو كانا غريبين مجتازين، وكذا أحدهما، والاحوط ذكره مطلقا. ويعتبر في أجل السلم ما سبق من كونه محروسا عن الزيادة والنقصان، وتسليم الثمن قبل التفرق.والايجاب للسلم: سلفتك، أو أسلمت اليك من المشتري، وبعتك، وملكتك وما جرى مجراه من البائع، فلو كان المسلم فيه حنطة قال: أسلمت اليك كذا في تغار حنطة يوسفية عراقية حمراء كبيرة الحب جديدة جيدة ضربية إلى شهرين، مسلمة في موضع كذا، فيقول البائع: قبلت.ولو ابتدأ البائع بايجاب وقال: بعتك تغار ضطة يوسفية إلى آخرها، بكذا مؤجلة إلى كذا مسلمة في موضع كذا، قال المشتري: قبلت، صح.والمرجع في ذكر الاوصاف إلى العرف، فكل وصف تختلف الاغراض بسببه، وتزيد القيمة وتنقص باعتباره زيادة يعتد بها يجب التعرض اليه، وغيره لا يجب ذكره، وجميع ما سبق ذكره من الشروط والخيارات هنا. والظاهر أنه لا يجئ في المسلم فيه اشتراط البراء‌ة من العيوب، لانه لابد من اشتراط ذكر الاوصاف التي لها دخل في تفاوت القيمة والسلامة من العيوب في المسلم فيه، أو كونه معيبا مما تتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا.

فصل بيع الكالئ بالكالئ:

هو بيع الدين بالدين - يجوز بهمزة وترك الهمزة -، وقد ثبت في السنة

١٢٤

المطهرة النهي عنه، وكونه محرما.

وصيغته أن يقول: بعتك ديني الفلاني بدينك الفلاني، أو بعتك ديني الفلاني بعشرة دراهم مؤجلة إلى شهر.فيقول: قبلت.ومنه أن يسفله دينا له عليه في شئ مما يجوز السلم فيه على أصح القولين، كما لو أسلفه العشرة التي في ذمنه في تغار حنطة موصوف بصفاته، مؤجل إلى كذا، مسلم في موضع كذا.

ولو ادعت الحاجة إلى مثل ذلك أسلفه عشرة مضمومة غير مقيدة بكونها دينه، بعد تمام العقد، وثبوت العشرة في ذمة المشتري تقاصه بها ولو باع الدين بمضمون حال جاز، اذ لا يعد دينا، والظاهر انه يصح ذلك وان كان الدين مؤجلا لم يحل فصل: المرابحة، هي البيع برأس المال مع زيادة، فلابد فيه من الاخبار برأس المال ان لم يكن ثم المشتري عالما به.وتحقيقه: ان جرى على ما وقع به الشراء للبائع فصيغته أن يقول بعد الاخبار بالثمن: يعتك كذا بما اشتريته به وربح عشرة، أو بعتك كذا بما بذلت من الثمن فيه، إلى آخر صبغ البيع السالفة، وهي: شريتك، وملكتك.وللمرابحة صيغتان اخريان: أحدهما: أن يقول: بعتك بما قام علي وربح كذا.الثانية: بعتك برأس المال وربح كذا.والفرق بين هذه الصيغ الثلاث:

أن الاولى لا تتناول الا الثمن خاصة، فلو بذل مالا في عمل فيه، أو عمل بنفسه فيه ما يبذل في مقابله مال، أو لحقه مؤنة دلالة ونحوها لم يتناول شيئا من ذلك اللفظة وان اخبر به قبل الصيغة وكذا الثالثة على اظهر القولين.

وأما الثانية فانه يندرج فيها جميع ما لحق من المؤن التي يقصد بالتزامها

١٢٥

الاسترباح، مثل اجرة الدلال والكيال والحمال والحارس والقصار والخياط، وقيمة الصيغ، واجرة ختان للمملوك وتطيين الدار، ونحو ذلك، اذا بذل اجرة ذلك كله.ولابد أن يكون تطيين الدار لا لكونها قد تجدد فيها عندما يقتضي التطيين، وكذا اجرة الرفاء لو بدلها لو كان القماش مقطوعا ولم يتجدد عنده، ومن ذلك اجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع فانه من المؤن اللازمة للاسترباح، بخلاف المؤن التي بها بقاء الملك كنفقة العبد التي بها بقاؤه عادة، ومن جملتها اجرة مسكنه الذي لابد منه، وكذا كسوته الضرورية، ومثل علف الدابة واجرة الاصطبل وجل الدابة، ونحو ذلك.والفرق بين اجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع واجرة مسكن العبد واصطبل الدابة لا يكاد يتحقق، خصوصا اذا كان استيفاء العبد والدابة ليس الا للتجارة.ولو زاد في العلف على المعتاد للتسمين فهو مما يدخل، وكذا اجرة الطبيب اذا زال المرض ولم يكن حادثا في يده.ولو عمل شيئا من هذه الاعمال بنفسه، أو تبرع له بها متبرع، فأراد ادخالها في البيع قال: اشتريته بكذا وعملت فيه ما يساوي كذا، ثم يبيعه بذلك وربح كذا.واعلم أن بين الصبغ الثلاث السالفة فرقا آخرا وهو:

ان الاولى لا تصح الا حيث يكون المتاع قد انتقل اليه بالصلح، أو بالهبة المشروطة بالعوض، ونحو ذلك، فلا يصح البيع مرابحة بالصيغة الاولى، بخلاف الثانية.وينبه على ذلك أن المبذول عوض العمل أجرة مع ا نه يندرج في قوله: تقوم علي، ولا يبعد في الثالثة الجواز لو انتقل بالصلح، وفي القرض والهبة مشروطة بالعوض نظر.ولا يخفى انه لا يصدق رأس المال والثمن وما تقوم به المتاع الا فيما تقوبل به استقلالا فما أصاب المتاع بالتقسيط - اذا جرى البيع على عدة امتعة - لا يعد

١٢٦

واحدا منهما.والمعاطاة كالعقد في ذلك كله.

فصل التولية:

هي البيع برأس المال من غير زيادة ولا نقصان، فلابد من الاخبار برأس المال، الا مع العلم به.

والصيغة: بعتك بما اشتريت، أو وليتك.واذا اشترى شيئا ثم قال: وليتك هذا العقد جاز.قال في الدروس: وليتك السلعة احتمل الجواز(١) .والقبول: أن يقول: قبلت، أو توليت.ويلزمه مثل الثمن الاول جنسا وقدرا ووصفا.ويشترط في التولية كون الثمن مثليا، ليأخذ المولى مثل ما يدل، فلو اشتراه بعوض لم تجر التولية، واستثني من ذلك قبض ما انتقل العرض من البائع إلى انسان، فولاه المشتري العقد، وحكاه في التذكرة عن بعض الشافعية.وحكى أيضا ما لو اشترى بعرض وقال: قام علي بكذا، أو قد وليتك العقد بما قام علي، أو أرادة المرأة عقد التولية على صداقها بلفظ القيام، أو أراد الرجل التولية على ما أخذ عن عوض الخلع، ثم قال: ان في ذلك وجهين للشافعية، وعندنا تجوز التولية في مثل هذه الاشياء(٢) .ويجوز البيع لبعض المبيع تولية بلفظ: بعت ووليت، بشرط تعيين البعض، ويلزم قسطه في الثمن.

فصل المواضعة:

وهي المحاطاة، مأخوذة من الوضع، والمراد هنا: أن يبيع برأس المال

____________________

(١) الدروس: ٣٤٥.

(٢) التذكرة ١: ٥٤٥.

(*)

١٢٧

ووضعية معلومة.وهي كالمرابحة في الاحكام والصيغة، الا أنه يضيف: وضيعة كذا، فيقول: بعتك هذا بما اشتريته ووضيعة كذا.ويكره في المرابحة والمواضعة نسبة الربح والوضيعه إلى المال، بان يقول: بعتك برأس المال وربح كل عشرة درهما، أو وضيعة درهم من كل عشرة.

فرع:

لو قال: الثمن مائة، بعتك برأس المال ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون ولو قال: ووضيعة درهم لكل عشرة، فالحط دراهم وجزء من أحد عشر جزء‌ا من درهم، (فيكون الثمن تسعين وعشرة اجزاء من أحد عشر جزء من درهم)(١) ولو قال: بوضيعة العشرة درهما، احتمل كلا من الامرين، لاحتمال أن تكون الاضافة بمعنى من أو بمعنى اللام، على أن يكون المراد: بوضيعة من العشرة درهما، أو للعشرة درهما.وتخيل أن الاحتمال الثاني لا يأتي، لان العباره لا تحتمله حيث أن وضيعة العشرة درهما لا يكون الا في العشرة الدراهم دون ما سواها من أجزاء الدرهم، مدفوع بأن اللفظ لابد فيه من تقدير هو: اما بوضيعة كل عشرة درهما، أو بقياس وضيعة العشرة درهما، أو ما جرى هذا المجرى، وكل من التقديرين محتمل، ولا ارجحية لاحدهما على الاخر.

فصل: بيع المساومة:

هو البيع من غير تعرض إلى ذكر رأس المال، وصيغته معلومة مما سبق، وهو أجود من باقي الاقسام، لما فيه من السلامة من وقوع الكذب تعمدا أو غلطا.وأما بيع الربوا فلا ينفرد بصيغة، انما يجب فيه التحرز من الزيادة مع اتحاد الجنس، وانتفاء ما تجوز معه الزيادة كالابوة والزوجية.وكذا القول في الصرف فانه لا يختص بصيغة عن باقي أقسام البيع، نعم يشترط

____________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في نسخة " ش ".

(*)

١٢٨

التقابض قبل التفرق، والسلامة من الربوا أن اتحد الجنس من الجانبين.وكذا بيع الثمار والحيوان.

وبيع المزابنة: وهو بيع ثمرة النخل بعد خرصها بقدر خرصها تمرا، وان لم يشترط كون الثمن منها، ويلحق بها في ذلك ثمرة باقي الاشجار المثمرة.

وبيع المحافظة: بيع الزرع بحب من جنسه وان خرص وبيع بقدر خرصه، سواء شرط الثمن من الزرع، أو باع بحب آخر على الاصح.

فصل:

تصح القبالة بين الشريكين في الثمرة والزروع، بأن يخرص حصة أحدهما خاصة ثم يقبلها شريكه بخرصها فتقبل، وهي عقد صحيح، لورود النص عليها، ولازم، لان الاصل في العقود اللزوم الا ما اخرجه دليل، وذلك قضية كلام الاصحاب.وصيغتها: قبلتك نصيبي في هذه الثمرة بكذا، فيقول: قبلت أو تقبلت.وحكمها وجوب العوض مع سلامتها من الافة، ولو تلفت فلا شئ، ولو تلف البعض: فان وفي الباقي بمال القبالة، والا سقط عنه قدر ما نقص.ومتى زاد المخروص عن قدر مال القبالة فالزائد للمتقبل اباحة ولو نقص أكلمه.وهل هذه عقد برأسه، أم ضرب من الصلح؟ قال في الدروس بالثاني، فيصح بلفظ الصلح(١) .وللنظر في ذلك مجال، لان الربوا يعم الصلح على الاصح، ولانه لا يبطل بتلف المعوض بعد القبض، وليس بعيد أن يكون ذلك عقدا برأسه.

فصل: بيع الغرر فاسد كبيع الملاقحة:

وهو بيع ما في بطون الامهات.

وبيع المضامين: وهو بيع ما في أصلاب الفحول.

____________________

(١) الدروس: ٣٨٠.

(*)

١٢٩

وبيع الحصاة: وهو أن يقول، ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهي لك بكذا.

وبيع الملامسة: وهو أن يبيع غير مشاهد على انه متى لمسه وقع البيع.

وبيع المنايذة: وهو أن يقول: ان نبذته الي فقد اشتريته بكذا.والبيع المعلق على شرط وهو ممكن الحصول عادة، مثل: بعتك ان دخل زيد الدار.وعلى صفته وهو معلوم الحصول عادة، مثل: بعتك ان طلعت الشمس.

تنبيهات:

الاول: المقبوض بالبيع الفاسد لا يجوز التصرف فيه للقابض، وهو مضمون عليه، بمعنى أنه لو تلف أو نقص بحال من الاحوال كان عليه ضمانه.ولا يضمن القيمي بقيمته حين التلف، وكذا زوائده.

الثاني: الشرط الواقع في العقد اللازم يجب أن يكون لازما، فلو امتنع المشترط من فعل الشرط كان للاخر رفع الامر إلى الحاكم ليجبره عليه بعموم قوله تعالى: " أوفوا بالعقود "(١) ، والشرط من جملة المعقود عليه، ولقولهعليه‌السلام : " المؤمنون عند شروطهم، الا من عصى الله "(٢) ، والاكثر على العدم، وفائدة الشرط عندهم تسلط الاخر على الفسخ.

الثالث: لا يصح اشتراط شئ من الثمن على غير المشتري، فلو قال: بع عبدك من فلان على أن علي خمسمائة مثلا، فباعه على ذلك لم يصح، لانه خلاف مقتضى البيع، بخلاف مالو قال: اعتق عبدك وعلي كذا، وطلق زوجتك وعلي كذا، فانه اذا اعتق وطلق لزمه العوض، فان ذلك لما كان فكا ولم يكن معاوضة كان المبذول ضربا من الجعالة.

____________________

(١) المائدة: ١.

(٢) عوالى اللالى ١: ٢١٨ حديث ٨٤.

(*)

١٣٠

ولو قال في الصورة الاولى ما قاله على طريق الضمان، فباع البائع العبد لزيد بشرط أن يضمن عمرو المقدر المذكور من ثمنه صح البيع والشرط، وكان بيعا بشرط.

فصل:

الافالة فسخ وليست بيعا في حق المتبايعين وغيرهما، فلا يثبت بها خيار المجلس، ولا شفعة لو كان المبيع شخصا مشفوعا، ويصح في المبيع والبعض مع بقاء السلعة وتلفها، فيجب المثل أو القيمة، ولا تصح بزيادة، بالثمن ولا المثمن ولا نقص في أحدهما.وصيغتها أن يقول: تقايلنا في بيع كذا، أو تفاسخنا، أو أقلتك.فيقبل الاخر.ولو التمس أحدهما الاقالة، فقال الاخر: أقلتك، ففي الاكتفاء بالاستدعاء عن قبول الملتمس تردد، ولا ريب أن القبول أولى.

القرض:

عقد جائز من الطرفين، ثمرته تمليك العين مع رد العوض، ففي المثلي المثل، وفي القيمي القيمة، ولابد فيه من ايجاب وقبول.

فأما الايجاب: فلابد أن يكون بالقول، فلا يكفي الدفع على وجه القرض من غير لفظ في حصول الملك، نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع فيثمر اباحة التصرف، فاذا تلف العين وجب العوض.

والذي ينساق اليه النظر أن المعاطاة في البيع تثمر ملكا متزلزلا، ويستقر بذهاب أحد العينين أو بعضها.ومقتضى هذا أن النماء الحاصل من المبيع قبل التلف شئ من العينين يجب أن يكون للمشتري، بخلاف الرفع للقرض هنا فانه لا يثمر الامحض الاذن في التصرف واباحة الاتلاف، فيجب أن يكرن نماء العين للمقرض، لبقائها على الملك، اذ لا معاوضة هنا ولا تمليك، بخلاف الاول.

١٣١

وصيغة الايجاب: أقرضتك كذا، او ملتك كذا وعليك رد عوضه.ولابد من هذا القيد في الثاني دون الاول، لان رد العوض جزء ومفهوم القرض، بخلاف التمليك.

ومثله: اسلفتك كذا، أو خذه واصرفه ورد عوضه، أو تصرف فيه ورد عوضه، أو انتفع به ورد عوضه، ونحو ذلك.ولابد من قبول: اما قولا كقبلت، أو اقترضت، ونحوهما.أو فعلا كالاخذ.على وجه الرضى ولو بوكيله.ويصح في عقد القرض اشتراط ما لا ينافي مقتضاه، كما لو شرط رهنا، أو ضمينا به، أو بمال آخر على الاصح في الثاني، بخلاف ما لو شرط زيادة في العين أو الصفة.وزيادة الصفة مثل ما لو شرط الدراهم الصحيحة عوض المكسرة ولو عكس فشرط المكسرة عوض الصحيحة لغا الشرط وصح القرض.

أما الاول، فلان الزيادة في القرض والنقيصة على حد سواء.

وأما الثاني، فلان الرضى بالمكسرة يقتضي الرضى بالصحيح بطريق أولى.ويصح اشتراط قرض آخر في عقد القرض للمقرض أو للمقترض، ولا يعد ذلك زيادة، لانحصار الزيادة في زيادة العين والصفة.

ويصح اشتراط ايفاء القرض في بلد آخر، واذا طالب المقرض في غير بلد الشرط، أو في غير بلد القرض مع عدم الشرط وجب على المقترض الوفاء مع عدم الضرر، بأن تكون قيمة المثلي في موضع المطالبة أزيد.وصيغة الشرط مع ما سبق من صيغة القرض ظاهرة.

الرهن:

عقد لازم من طرف الراهن خاصة، فائدته التوتق للدين ليستوفى منه.

والايجاب فيه: رهنتك هذا على الدين الفلاني وعلى كل جزء منه، وشرطت لك أن ما يتجدد من نمائه يكون رهنا، وأن يوضع على يد العدل الفلاني أو يكون

١٣٢

بيدك، وأن يكون وكيلا في بيعه بعد شهر ونحو ذلك.والقبول: قبلت، وأرهنت، وما جرى مجراه.

ويجزئ في الايجاب: هذا وثيقة عندك، أو هذا رهن عندك، وكل ما ادى هذا المعنى.ويشترط وقوعه باللفظ العربي الصحيح الصريح مع القدرة، والتطابق بين الايجاب والقبول، وعدم تأخر القبول بما يعتد به في العادة، وكونهما بلفظ الماضي الذي هو صريح في الانشاء ولا يقدح في ذلك صحته بهذا وثقية عندك، لان اسم الاشارة مع ما بعده مفيد لهذا المعنى، وقد اطبقوا على الاكتفاء به هنا.ولا يكفي شرط الرهن في عقد البيع عن القبول لو أوجب الراهن الرهن عقيبه بغير فصل، ولو شرط فيه أن لا يباع الا باذن فلان مثلا، أو أن لا يباع الا بكذا ففيه تردد، وفي البطلان قوة.ولو شرط عليه الرهن في بيع فاسد فظن لزومه فرهن فله الفسخ، ومثله ما لو أبرئت ذمة الزوج فظن صحة الطلاق فتبين الفساد، أو وهب من واهبه بظن صحة الهبة الاولى ونحو ذلك.وعقد الرهن قابل للشرط اذا لم تكن منافية لمقصود العقد، ولم يثبت في الكتاب والسنة ما يقتضي معها، فلو شرط أن لا يباع أصلا لم يصح، لمنافاته مقصود الرهن، وكذا لو شرط بيع العبد المسلم من كافر.ولو شرط دخول النماء المتجدد في الرهن، صح، ولا يدخل بدونه على الاصح، كما لا يدخل الموجود.ولو رهنه إلى مدة معينة على أنه ان لم يقضه في الاجل كان مبيعا، فكل من الرهن والبيع فاسد، وليس مضمونا في المدة، لانه رهن فاسد فيها، بخلاف ما بعدها فانه حينئذ مبيع فاسد.ومن الاصول المقررة أن كل عقد يترتب على صححيه ضمان العين المقبوضة

١٣٣

به على القابض، على معنى أنها لو تلفت كان تلفها منه يضمن بفاسده، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وينبغي اذا رهن على الدين أن يرهن على كل جزء منه، حذرا من تطرق احتمال الانفكاك بأداء شئ منه، ولا يشترط لصحة الرهن قبض المرتهن العين المرهونة على أصح القولين.

الصلح:

عقد لازم من الطرفين، شرع لقطع تنازع المختلفين، وهو على أنواع: صلح بين المسلمين وأهل الحرب على ترك الحرب إلى أمد تقتضيه المصلحة، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين اذا خيف الشقاق بينهما يتولاه الحكمان من أهلهما، وصلح بين المختلفين في المال وقد يجري بين المتعاملين لنقل عين أو منفعة، من غير أن تسبق خصومة.والصيغة في الجميع متقاربة، فالايجاب: صالحتك على ما استحقه في ذمتك من جميع الحقوق الشرعية بكذا، ولو قال الاخر: صالحتك على ما تستحقه في ذمتي من جميع الحقوق الشرعية بكذا صح.ولو أراد الصلح لقطع المنازعة ظاهرا خاصة قال: صالحتك على قطع المنازعة بيني وبينك من جهة كذا بكذا.ويجوز الصلح على الاقرار والانكار.

والصلح أصل في نفسه، وليس فرعا على شئ من العقود على الاصح، الا انه يفيد فائدة عقود خمسة: الاول: البيع: وذلك فيما اذا كان بيد الانسان عين فادعاها آخر، أو ادعى دينا في ذمته فأقر فصالحه على العين أو الدين بما يتفقان عليه، فان الصلح هنا بمنزلة البيع في نقل الملك.ومثله ما اذا صالحه على عين أو دين ابتداء، من غير سبق خصومة بما يتفقان عليه عندنا.

١٣٤

الثانى: الاجارة: وذلك في ما اذا كان المصالح عليه منفعة، كما لو كان لاحدهما عند الاخر دين أو عين أو منفعة فصالحه على منفعة، فان الصلح هنا يفيد فائدة الاجارة.

الثالث: الابراء والحطيطة: وذلك في ما اذا كان له في ذمته دين فيقربه ثم يصالحه على اسقاط بعضه واعطاء بعض، وهو هنا يفيد فائدة الابراء.

الرابع: الهبة: وذلك في ما اذا ادعى عليه عبدين أو دارين مثلا، فأقر له بهما وصالحه منهما على أحدهما، فانه هنا يفيد فائدة الهبة.

الخامس: العارية: وذلك في ما اذا ادعى عليه دارا مثلا، فأقر له بها فصالحة على سكناها سنة، فان الصلح هنا يفيد فائدة العارية، وأصح القولين اللزوم، فليس لصاحب الدار الرجوع خلافا للشيخ.

ويجب في الصلح التخلص من الربوا، كما يجب التخلص منه في البيع على الاصح فلو أتلف ثوبا قيمته دينار، ثم صالح مالكه على دينارين لم يصح ان كان النقد الغالب هو جنس ما صالح به، بخلاف ما اذا تعدد الجنس واستويا بان كان دراهم ودنانير.ويصح الصلح على مثل حق الشفعة لاسقاطه، وعلى حق التحجر، وأولية سكن المدرسة، ونحوها، وعلى اسقاط اليمين، والخيار، وعلى اجراء الماء المعين على سطوح الغير مدة معلومة ويجوز الاشتراط في عقد الصلح كما يجوز في البيع.

الضمان: عقد ثمرته نقل المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

١٣٥

وصيغته: ضمنت لك ما تستحقه في ذمة زيد، أو تحملت لك، أو تكفلت، أو التزمت، أو أنا ضامن، أو ضمين، أو زعيم، وما أدى هذا المعنى.والقبول: قبلت، أو ضمنت، أو كفلت، ونحو ذلك.ولو قال: أؤدي، أو أحضر لم يكن ضامنا.ولا؟ كفي الكتابة، ولا الاشارة مع القدرة على النطق، ولا التلفظ بالصيغة بغير العربية مع القدرة عليها، إلى آخر ما سبق بيانه مما يعتبر في العقود اللازمة.ويجوز الضمان حالا ومؤجلا، فان شرط أجلا وجب كونه مضبوطا لا كنحو ادراك الغلات وقدوم الحاج ولو شرط ما لا ينافي مقتضى العقل ولم يمنع منه شرعا صح ولزم، كاشتراط الخيار مع تعيين المدة، وكاشتراط الاداء من مال بعينه، فيبطل لو تلف بغير تفريط في وجه.وصيغة الضمان المؤجل والمشروط فيه الخيار ما سبق، مع اضافة التأجيل واشتراط الخيار، كقوله: ضمنت لك إلى كذا وشرطت لنفسي الخيار شهرا مثلا، أو لك وشرطت الاداء من المال الفلاني، ونحو ذلك.وضمان عهدته قد يكون للبائع عن المشتري، بأن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، وضمان عهدته ان ظهر عيب بالنسبة إلى الارش، أو استحق، أو نقص الصنجة فيه.وقد يكون للمشتري عن البائع، بأن يضمن الثمن بعد قبضه متى خرج المبيع مستحقا، وكذا أرش بيع المبيع ونقص الصنجة فيه.

الحوالة: عقد ثمرته تحويل المال من ذمة إلى اخرى.وصيغة العقد: كل لفظ يدل على النقل والتحويل، مثل أحلتك على فلان بكذا، فيقول: قبلت واحتلت، ومثله: قبلتك وذكر في التذكرة: اتبعتك إلى آخر

١٣٦

الصيغة(١) .ويشترط فيها كل ما يشترط في العقود اللازمة من الايجاب والقبول، وكونهما بالعربية، وغير ذلك مما يشترط في باقي العقود.

الكفالة: عقد ثمرته التعهد بنفس من عليه حق وان كان ذلك الحق الحضور إلى مجلس الحكم.

وصيغته قريبة من صيغة الضمان، فانه تعهد بالمال، والكفالة بالنفس فيقول: ضمنت لك احضاره، اما مطلقا، أو إلى شهر، أو في الوقت الفلاني.أو تكفلت أو التزمت باحضاره، أو أنا كفيل حالا، أو مؤجلا لكن مع ضبط الاجل.واطبق الاصحاب على أنه اذا قال: أنا كفيل به على اني ان لم احضره كان علي كذا لزمه الاحضار خاصة، ولو قال: أنا كفيل به على أن علي كذا إلى كذا ان لم احضره لزمه المال خاصة ولا يخفى انه لابد من القبول، والشروط الواقعة في هذا العقد تلزم اذا كانت جائزة كغيره من العقود اللازمة.

الوديعة: من العقود الجائزة من الطرفين، ثمهرته: الاستنابة في الحفظ.

ويكفي في الايجاب كل لفظ دل على الاستنابة في ذلك، ولا يتعين له لفظ ولا عبارة مخصوصة ويكفي في القبول ما دل على الرضى من قول وفعل.ولا يشترط فوريته، ومتى شرط الحفظ على وجه مخصوص فقبل لم يكن له الحفظ الا على ذلك الوجه.

العارية: عقد جائز من الطرفين، ثمرته تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها، اما مطلقا، أو مدة معينة.

ولا يتعين له لفظ، بل كل لفظ ما دل على هذا المعنى كاف في ذلك.

____________________

(١) التذكرة ٢: ١٠٥.

(*)

١٣٧

ويكفي القبول الفعلي به، وكل ما يشترط فيها من الشروط الجائزة نافذ، ومنها اشتراط الزمان على المستعير.

الجعالة: عقد جائز من الطرفين، ثمرته استحقاق المال المجعول أو المقدر شرعا أو عرفا في مقابل عمل مقصود محلل، ولابد من صيغة، ويكفي في ايجابها مادل على العمل المخصوص بعوض، مثل: من رد عبدي، أو دخل داري، أو بنى جداري، أو من رد عبدي من بلد كذا وفي يوم كذا فله كذا، أو فله عوض.والقبول يكفي فيه الفعل، ولكل منهما الفسخ قبل الشروع في العمل، وكذا بعده، الا بالنسبة إلى ما مضى من العمل فان فسخ الجاعل لا يسقط استحقاقه من الجعل.

الاجارة: عقد ثمرته نقل المنفعة خاصة بعوض معلوم متمول، والايجاب: آجرتك، أو اكريتك الدار الفلانية شهرا بكذا، أو ملكتك سكنى هذا الدار شهرا بكذا.ولا ينعقد بلفظ العارية ولا البيع، بل يكون اجارة فاسدة.ولابد من القبول، وهو اللفظ الدال على الرضى، كفبلت واستأجرت ونحوه.ولما كان هذا من العقود اللازمة من الطرفين اعتبر فيه ما اشتركت فيه العقود اللازمة، مثل فورية القبول، وكونهما بالعربية.ويصلع اشتراط مالا ينافي مقتضى العقد من الشروط السائغة المعلومة حتى الخيار، ويلزم الشرط.

المزارعة: معاملة على الارض بحصة من نماء زرعها.

والايجاب: زارعتك وعاملتك على هذه الارض، أو سلمتها اليك للزرع، وما اشبه ذلك، مدة نصف سنة، على أن لكل منا نصف حاصلها مثلا.

١٣٨

والقبول: قبلت، ونحوه.وهو عقد لازم من الطرفين، يبطل بالتقايل، ويعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة.ويصح اشتراط السائغ الذي لا ينافي مقتضي العقد، ولا يقتضي جهالة، ولو شرط مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة جاز على كراهة.

المساقاة: معاملة على أصول أشجار نابتة بحصة من ثمرها، وما جرى مجرى الثمر.

وهي عقد لازم من الطرفين، تبطل بالتقايل.

والايجاب: ساقيتك أو عاملتك، أو سلمت اليك هذا البستان لتعمل فيه مدة كذا، على أن لك نصف ثمرته مثلا، وما جرى هذا المجرى، ولابد من القبول لفظا، ويصح الاشتراط فيه كما سبق.

الشركة: عقد جائز من الطرفين، ثمرته جواز الاذن في التصرف لمن امتزج مالهما بحيث لا يتميز.

والصيغة: قولهما: اشتركنا، وما جرى مجراه.

فيجوز لكل منهما التصرف بما فيه الغبطة، ولو اختض أحدهما بالاذن جاز له التصرف خاصة، ومع طلاق الاذن يتصرف مع الغبطة كيف شاء متى شاء، ولو قيد بوقت، أو موضع، أو وجه لم يجز تجاوزه، ويجوز اشتراط السائغ، ولو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين أو التساوي فيه مع تفاوتهما فالاصح البطلان، الا أن تختص ذو الزيادة بالعمل أو بالزيادة فيه.

القراض: عقد جائز من الطرفين، ثمرته جواز التجارة بالنقد بحصة من ربحه.

والايجاب: قارضتك، أو ضاربتك، أو عاملتك على هذا المال، أو المال

١٣٩

الفلاني على أن الربح بيننا نصفين مثلا.

والقبول: ما دل على الرضى منهما.ولو شرط فيه من الشروط الجائزة من البيع على وجه مخصوص، أو في جهة معينة، أو على شخص معبن، أو إلى أمد معين لم يجز للعامل تجاوزه.الوكالة: عقد جائز من الطرفين، ثمرته الاستنابة في التصرف.

والايجاب: كل لفظ دل على الاستنابة، مثل: استنبتك، أو وكلتك، أو فوضت اليك، أوبع، أو اشتر كذا بكذا مثلا، أو اعتق عبدي، أو زوجني من فلانة، أو طلقها، ونحو ذلك.

ولو قال الوكيل: وكلتني أن أفعل كذا؟ فقال: نعم، أو أشار بما يدل على ذلك كفى في الايجاب، والظاهر أن سائر العقود الجائزة كذلك.ويكفي في القبول كل ما يدل على الرضى من قول أو فعل، ولا تشترط فوريته وينفسخ بفسخ كل منهما، فاذا فسخ الموكل اشترط على الوكيل، وكذا يشترط علم الموكل لو رد الوكيل، وبدونه يبقى جواز التصرف بالاذن بحاله وان لم يكن وكيلا.ويجب اتباع ما يشترط الموكل من الشروط الجائزة دون غيرها، ويلزم الجعل لو شرطه، فانه وكيل بالعمل الذي بذل الجعل في مقابله.

السبق والرمى: عقد لازم من الطرفين على أصح القولين، ويشترط فيه ما اشتركت فيه، العقود اللازمة.

والايجاب: آملتك على المسابقة على هذين الفرسين، ويعين ما يركبه كل منهما في مسافة كذا - فيعين ابتداؤها وانتهاؤها - على أن من سبق منا كان له هذه

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ومن المعلوم أنّ السيطرة على الكوفة تحتاج إلى قتال، وهو ممّا لم يأذن به الحسينعليه‌السلام .

فإنّ نصّ جواب الحسينعليه‌السلام يقول:(أمّا بعد، فقد فهمتُ كلّ الذي اقتصَصتم وذَكرتم، ومقالة جُلّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبِل لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ، وأنا باعثٌ لكم بأخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، وأمرتهُ أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتبَ إليّ أنّه قد اجتمعَ رأي مَلأكم وذوي الحِجى منكم على مثل ما قدّمت به رُسلكم وتواترت به كتبكم، أقدِم إليكم وشيكاً إن شاء الله) (١) إلى آخر ما قال، وهو خالٍ من التخويل بالحرب، كما هو واضح.

الأمر الثاني: إنّ استلام حكم الكوفة من قِبل مسلم بن عقيل إن كان بدون حرب - كما يُشعر به كتاب أهلها الذي سمعناه حين يقولون عن حاكمها: (أخرجناهُ وألحقناه بالشام) هكذا بكلّ سهولة - لهانَ الأمر، بل أمكنَ القول شرعاً، بأنّه تجب السيطرة على الكوفة عندئذٍ، إلاّ أنّ الأمر لم يكن كذلك جزماً، لعدّة أمور منها:

أوّلاً: وجود المنافين والمعاندين في الكوفة بمقدار معتدٍّ به، وهم بلا شكّ مستعدّون للوقوف ضدّ هذا الاتّجاه، سواء بالحرب لمنعه أو بالتآمر لإفشاله وإسقاطه لو تمّ، ومن هنا يصعب حصول الأمر بالنجاح التام والمستمر.

ثانياً: إنّ حاكم الكوفة يومئذٍ(النعمان بن بشير) ، وإن كان حسب ما وردَ في التاريخ: أنّه كان رجلاً متخاذلاً مشكّكاً يحبّ العافية، ويُفضّل الراحة والسلامة(١) ، ولكنّه مع ذلك ورد أنّه خَطبَ وهدّد الكوفيين بأنّ استعمالهم للسلاح ضدّه،

____________________

(١) تاريخ الطبري: ج٦، ص١٩٨، مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٢٤٢، مقتل الخوارزمي: ج١، ص١٩٥.

(٢) إعلام الورى للطبرسي: ص٢٢٤، الفتوح لابن أعثم: ج٥، ص٧٥.

٢٠١

يعني استعماله ضدّهم، ولن يستطيعوا أن يزيلوه بسهولة؛ وإنّما لابدّ من أن تنشب الحرب بينهم، وسيستعين في نفس الوقت بالمعاندين والمنافقين والفسقة الذين هم على استعداد لمعونته جزماً.

ونسمعهُ يقول في خطبته:(إنّي لا أقاتل مَن لم يقاتلني، ولا أثب على مَن لا يثِب عليّ..... ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم (يعني الحاكم الأموي)، فو الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبتَ قائمه بيدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر ولا مُعين، أمّا إنّي أرجو أن يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يُرديه الباطل) (١) ، إلى آخر ما قاله، وهذا يعني عدّة أمور:

أوّلاً: مناجزتهم الحرب إذا هم حاربوا.

ثانياً: إعطاء الحريّة لهم في أن يفعلوا ما يشاءون ضمن التصرّف السلمي غير القائم على السلاح، وأعتقدُ أنّ هذا من النِعم الإلهيّة على مسلم بن عقيل وأنصاره استطاعوا فيه أن يُثبتوا وجودهم تامّاً.

ويكفينا تقييماً للحالة، لو استطعنا المقايسة بينها وبين ما أصبحَ عليه الحال عند حُكم عُبيد الله بن زياد، الذي عيّنه الحاكم الأموي بعد النعمان بن بشير.

ثالثاً: المسؤوليّة الأخلاقيّة تجاه النعمان بن بشير هذا، من حيث إنّه كفّ عنهم شرّه، فاللازم أن يكفّوا عنه شرّهم، وإذا لم يحاربوه، لم يمكنهم عزلهُ والسيطرة على الحكم، وعلى أيّ حالٍ فقد استطاع النعمان بن بشير بذلك أن يبقى هو الحاكم ما دام غير معزول من قِبل سيّده الأصلي الحاكم الأموي.

الأمر الثالث: إنّ مسلم بن عقيلعليه‌السلام شعرَ أنّ قيام حرب واسعة في داخل المجتمع الإسلامي الجديد، الذي لم يكن قد تجاوز قَرنهُ الأوّل، سوف يكون كارثة على الإسلام كلّه،

____________________

(١) الكامل لابن الأثير: ج٣، ص٢٦٧، الإرشاد للمفيد: ص٢٥٠، الأخبار الطوال: ص٢١١.

٢٠٢

وسيُقتل من المسلمين عامّة ومن المخلِصين خاصّة العدد الكثير، وسيفتح ثغرة وفرصة لأعداء الإسلام من الخارج والداخل للسيطرة على المجتمع سيطرة كاملة ومحكمة.

إذاً، فقد اقتنعَ مسلم بكلا الأمرين وهما:تعذّر السيطرة سلميّاً على الكوفة، والآخر: عدم المصلحة في السيطرة عليها عسكريّاً ، إذاً فلا ضرورة إلى تلك السيطرة حتّى لو كان مسموحاً له من قِبل الحسينعليه‌السلام بها ما لم يكن مأموراً بها، وهو جَزماً لم يكن كذلك.

الأمر الرابع: إنّ هناك أمراً قلّما يأخذهُ عامّة الناس بنظر الاعتبار، وهو:التناسل البشري ، يعني احتمال ولادة مؤمن من مؤمن، أو من كافر، أو منافق، غير أنّ هذا ممّا يؤخذ في الحكمة الإلهيّة جَزماً، فيكون من الحكمة المحافظة على بعض النفوس، لكي يوجد من ذراريها ولو بعد جيلٍ أو أجيال، جماعة من المؤمنين الذين يعبدون الله وينصرون دين الله بإخلاص، وإذا كانت أيّ حربٍ مانعة عن ذلك - والحرب بطبيعتها مانعة عن ذلك - إذاً فمن الضروري عدم وقوعها.

وهناك وجهٌ آخر مهم ذكرنا أُسسه في كتابنا(اليوم الموعود) ، إلاّ أنّ إيضاحه الكامل يتوقّف على ذِكر تلك الأسس فيطول المقام بنا، ومن هنا يكون الأحجى الإعراض عن ذلك مؤقّتاً.

٢٠٣

اغتيالُ ابن زياد

يقول لنا المؤرّخون ما مضمونهُ باختصار: إنّ شُريك بن عبد الله الحارثي ومسلم بن عقيل، كانا معاً نازلين في دار هانئ بن عروة المذحجي(١) ، فتمرّض شريك واشتدّ به المرض، فعلم بذلك عُبيد الله بن زياد حاكم الكوفة يومئذٍ، وكان له معهُ رفاقة، فأرسلَ إليه أنّه سيعوده في دار هانئ، وقبل مجيء ابن زياد تواطأ شريك مع مسلم على أن يغتال ابن زياد عند مجيئه، فلمّا كان من العشي أقبلَ ابن زياد وتخفّى مسلم في إحدى الغُرف كأنّه يستعدّ لاغتياله، ولكنّ هانئ اعترضهُ قائلاً:(إنّي لا أُحبّ أن يُقتل في داري) .

والمهمّ: أنّ مسلماً لم يقبل لقتل ابن زياد وخرجَ ابن زياد سالماً، فخرج مسلم من مكانه.

فقال له شريك: ما مَنعك من قتله؟ قال:خصلتان: أمّا إحداهما: فكراهة هانئ أن يُقتل في داره، وأمّا الأخرى: فحديث حدّثنيه الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ الإيمان قيّد الفتك، ولا يَفتك مؤمن) (٢) .

فقال هانئ: أمَا والله، لو قتلتهُ لقتلتَ فاسقاً فاجراً كافراً غادراً، ولكن كرهتُ أن يُقتل في داري(٣) .

____________________

(١) هانئ بن عروة المرادي المِذحجي: لقد ذَكر المؤرّخون أنّه كان شديد التشيّع، ومن أشراف الكوفة وقرّائها، ومن خواصّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، حضرَ حروبهُ الثلاث، وأدركَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتشرّف بصحبته ،وكان له يوم قتله بضع وتسعون سنة، وكان شيخ مراد وزعيمها إذا ركبَ ركبَ معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، فإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع (واقعة الطف لبحر العلوم: ص٢٨٦).

(٢) الفَتك: (فَتك فلان بفلان) أي: قتلهُ على غفلة، أو انتهزَ منه فرصة فقتلهُ (أقرب الموارد: ج٢، ص٩٠١، مجمع البحرين: ج٥، ص٢٨٣ بتصرّف).

(٣) هذا ما وردَ في تاريخ الطبري: ج٦، ص٢٠٤، وكذلك في مقاتل الطالبيين، والدمعة الساكبة: م١، ص٣٠٩ نقلاً عن البحار.

وقد ذكرَ هذه الرواية ابن الأثير في الكامل في التاريخ: ج٣، ص٢٧٠ إلاّ أنّه ذَكر أنّ مسلماً عندما سُئل عن عدم خروجه قال: (… وأمّا الأخرى، فحديث حدّثه عليّ عليه‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الإيمان... إلخ) ، وهذا ما أوردهُ الخوارزمي أيضاً في مقتله: ج١، ص٢٠٢.

أمّا ابن نما الحلّي: فقد ذَكر في مُثير الأحزان: ص٢٠ أنّ زوجة هانئ هي التي مَنعت مسلم من قَتل عبيد الله بن زياد، ولم يَذكر الحديث.

٢٠٤

فمن هنا قد يخطر في البال: السؤال عن السبب الذي حَدا بمسلم بن عقيل على أن لا يقتل عبيد الله بن زياد، بعد أن أصبحَ كاللقمة السائغة بيده، وهو يَعلم أنّه عدوّه وعدوّ الحسينعليه‌السلام وعدوّ الله عزّ وجل، وإنّ قتلهُ مهمّ جدّاً في إمكان السيطرة على المجتمع في الكوفة، وتفريق القيادة من المنافقين الذين جَمعهم ابن زياد وتركيزها بيد أهل الحقّ.

والجواب على ذلك يكون من وجوه:

الوجه الأوّل: كراهة هانئ بن عروة أن يُقتل عبيد الله بن زياد في داره، ومسلم بن عقيل كان ضيفاً لدى هانئ، وكان ولا يزال يخدمه بالسمع والبصر ويؤدّي لمسلم أيّ مصلحة عامّة أو خاصّة، فإذا فعلَ في داره ما يكرهه حَصلت عدّة مضاعفات:

أوّلاً: الإحراج أمام هانئ نفسه أخلاقيّاً؛ فإنّ مقتضى المسؤوليّة الأخلاقيّة أن لا يفعل في داره ما لا يُحب، وخاصّة وهو بهذه الصفة العظيمة في الانتصار له.

ثانياً: تحريم تصرّفه في الدار بعد ذلك، لو كان قد فعلَ ما يكرههُ صاحبها، ممّا يضطرّه للانتقال إلى دار شخص آخر، وقد لا يجد شخصاً جامعاً للشرائط المتوفرة في هانئ، أو قل: لا يجد له مثيلاً في سكّان الكوفة.

ثالثاً: إحراج موقف هانئ من حصول هذا القتل في داره، الأمر الذي أثار في نفسه هذه الكراهة؛ فإنّه كان رئيساً لقبيلة مذحج، ولهُ اتصالات ومجاملات ومصالح في مختلف أوساط المجتمع، فإذا قُتل ابن زياد في داره كان ذلك إحراجاً لهُ أمام شريحة مهمّة في المجتمع، وهذا ما يكرهه، ولا يريد مسلم بن عقيل إثارة هذا الإحراج أمامه، وتفكير هانئ بهذا الشكل، تفكيرٌ على المستوى الدنيوي، ولكنّه قائم على أيّ حال.

وهو بطبيعة الحال، لا يَدرك ما ندركه أو نحتمله نحن الآن بعد ألف سنة وحوالي النصف من ذلك التاريخ، من وجود مصلحة عامّة في قتله، بحيث تجب عليه التضحية في سبيلها بكلّ غالٍ وعزيز، وإذا كان غافلاً عن ذلك - وهو غير معصوم على أيّ حال - فالله سبحانه يعذر الغافل.

٢٠٥

الوجه الثاني: لعدم اغتيال ابن زياد: ما ذكرهُ مسلم نفسه حسب الرواية(إنّ الإيمان قيّد الفتك، ولا يفتك مؤمن) .

إلاّ أنّ هذا بمجرّده لا يتمّ، إلاّ أن يرجع معناه إلى الوجه الآتي؛ وذلك لأنّ هذا الخبر يحتاج إلى الصحّة سَنداً ودلالة، أمّا السند، فيظهر حصول مسلم عليه مرسلاً غير موثوق؛ لأنّه عبّر عن أنّه حديث حدّثنيه الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الأمر الذي يدلّ على أن يجهل راويه، أو لا يوثّقه على أقلّ تقدير.

وأمّا من ناحية الدلالة، فهذا الأمر الذي كان عازماً عليه هو الغيلة أو الاغتيال، وليس الفتك فإنّه وإن كان قد يَرد في اللغة بهذا المعنى أيضاً، إلاّ أنّ لهُ معانٍ أخرى كالشجاعة بحيث لا يهاب أحداً، والاستقلال بالرأي عن الآخرين وغير ذلك(١) ، فلا يتعيّن أن يكون المراد من الخبر ذلك.

مضافاً إلى أنّ الاعتماد على خبرٍ من هذا القبيل، بل حتّى ولو كان صحيحاً، في دفع مصلحة عامّة في قتله، أو جلب مفسدة عامّة في حياته، كما قد حصلَ فعلاً، غير صحيح جزماً وغير مرضيّ لله عزّ وجل، ما لم يعِد الأمر إلى وجوه أخرى، أو إلى الوجه الآتي الذي سنذكره الآن.

الوجه الثالث: الأخلاقيّة في العلاقات مع الآخرين، الأصدقاء منهم والأعداء سِلماً كانت العلاقة أم حرباً أم قتلاً، ومن جملة الأسس الأخلاقيّة التي التزمَ بها المسلمون ونَصحت بها تعاليم الإسلام عدم البدء بالحرب والضرب، وإنّما يكون أهل الحقّ هم ثاني الضاربين لو صحّ التعبير، ليكون موقفهم أمام الله والناس هو الدفاع فقط، وكان ولازال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو نبيّ الرحمة، وليس من مقتضى الرحمة البدء بالهجوم، حتّى أنّ الحسينعليه‌السلام في ساحة كربلاء العسكرية التزمَ بذلك، وهذه مصلحة أخلاقيّة جليلة في الحرب والقتل والقتال،

____________________

(١) ومثله قولهم الفاتك: أي الجريء الشجاع، وقال ابن دريد: هو الذي إذا همّ بشيء فَعل (أقرب الموارد: ج٢١،ص٩٠١).

٢٠٦

ذات تأثير عام في إحسان الظنّ بالمعسكر المحقّ وجلب القلوب نحوه، وهي مصلحة عامّة تعدل الكثير من المصالح العام الأخرى التي قد ندركها ممّا تكون مصالح وقتيّة وإن كانت صحيحة، في حين أنّ هذه القاعدة الأخلاقية دائمة الصحّة جيلاً بعد جيل.

فإذا عرفنا ذلك، استطعنا تقييم وتمييز موقف ابن عقيل من ابن زياد، من حيث إنّ ابن زياد لم يكن محارباً في ذلك الحين ولا ناوياً لقتل أحد، إذاً، فهو لم يبدأ بالقتال ولم ينوِ السوء، فلا يجوز بَدؤه به أو نية السوء ضدّه؛ لأنّه خلاف القاعدة الأخلاقية المشار إليها.

الوجه الرابع: ما ذكرناه فيما سبق: من كون مسلم بن عقيلعليه‌السلام مُسدّداً مُلهماً، ولا أقلّ من احتمال ذلك، إذاً فيمكن أن يكون قد واجه نهياً عن قتل عُبيد الله بن زياد، كما يُحتمل أن يكون هذا النهي مأخوذاً عنده من الحسينعليه‌السلام ، أو من جدّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بخصوص هذه الواقعة أو ما يشملها، فيجب عليه الامتثال، وقد سبقَ أن قلنا في أمثال ذلك: إنّ مجرّد الاحتمال يكفينا؛ لأنّه إذا دخلَ الاحتمال بطل الاستدلال، يعني يفسد السؤال عن إعراضهعليه‌السلام عن اغتيال ابن زياد، وإنّ ذلك كان على خلاف المصلحة أو السياسة العامّة.

الوجه الخامس: ما أشرنا إليه أو إلى مثله، من أحد الوجوه التي قلناها في نفي سيطرة مسلم بن عقيل على الكوفة، وهو اقتضاء الحكمة الإلهيّة الإبقاء على بعض الفاسقين والكافرين، من أجل ميلاد بعض المؤمنين من ذراريهم ولو في جيلٍ متأخّر، ولو عدّة مئات من السنين أو أكثر، فليكن ابن زياد كذلك.

وهذا لا يتوقف على علم مسلم بن عقيل أو التفاته إلى ذلك، بل إمّا أن يكون ملتفتاً، وإمّا أنّ الله سبحانه صَرَفه عن قتله لهذه الجهة، والاحتمال في ذلك يكفينا لقطع الاستدلال المعاكس، كما كرّرنا في أمثاله.

الوجه السادس: ما ذكرناه أيضاً هناك من الأمر المربوط بكتابنا(اليوم الموعود) ، فإنّه أيضاً من الأمور المربوطة بتلك الأسس، فراجع.

٢٠٧

السيطرةُ على الكوفة مؤخّراً

إذ قد يخطر على البال: أنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه)، ما دام لم يسيطر على الكوفة في زمن النعمان بن بشير ولم يقتل عبيد الله بن زياد، فلا أقلّ من أن يحاول السيطرة على الكوفة عندما أصبح ابن زياد حاكماً عليها، إذ كان الشرّ قليلاً وغير واضح في زمن ابن بشير، في حين أصبحَ واضحاً في زمن عبيد الله بن زياد، ومن هنا كانت السيطرة على الكوفة أرجح جدّاً من ذلك الزمن السابق، فلماذا لم يفعل ذلك مسلم؟

وجوابُ ذلك: إنّه يمكن القول بورود جميع الأجوبة التي قلناها فيما سبق عن سيطرة مسلم بن عقيل في الماضي (يعني في عهد النعمان بن بشير)، كلّها تأتي عن سيطرته الآن، مع زيادات معتدّ بها كما سنذكر، ويكفينا أن نلتفت إلى أنّ زيادة الشرّ تقتضي زيادة الصعوبة في السيطرة، الأمر الذي يجرّ إلى أمورٍ غير محمودة كما سنرى، وهذه الصعوبة تتمثّل في أمور:

الأمرُ الأوّل: الزيادة في الضيق لجانب مسلم بن عقيل أعني في الحرّية العامّة، وإعطاء الجانب الأفضل والتحرّك الأشمل لأعدائه.

الأمرُ الثاني: وجود تجسّس دقيق وكامل على كلّ أقوال وأفعال ابن عقيل وأصحابه، ويمكن أن تكون العيون كثيرة، غير أنّ التاريخ ينصّ على واحدٍ بعينه يسمّى(معقل) ، استطاع الوصول بدهاء إلى الدار التي يرتادها مسلم وأصحابه، فكان أوّل داخل وآخر خارج بعنوان كونه مؤيِّداً لهم، وينقل كلّ ما سمعه ورآه إلى عبيد الله بن زياد.

٢٠٨

الأمرُ الثالث: السرّية والتكتّم التي تعمّدها جانب مسلم بن عقيل وأصحابه، بغضّ النظر عن التجسّس المشار إليه، ومع التكتّم المتعمّد يصعب جدّاً وضع برنامج واضح وواسع لأجل السيطرة على المجتمع، كما يتوقّع السائل أن يكون.

الأمرُ الرابع: إمكان التشكيك في العدّة والعدد اللذَين يمكن لابن عقيل أن يجمعهما في ذلك المجتمع؛ فإنّ أفراد الناس هناك لم يكونوا معتادين على الحرب ومصاعبها وويلاتها، وإنّما استطاع عبيد الله بن زياد أن يجمع منهم جيشاً ضخماً بعد التفكير بعدّة خطط ماكرة، اكتسبها بصفته مُمثّلاً للدولة الحاكمة لا أكثر، وهذا ما لا يستطيع طبعاً مسلم بن عقيل توفيره للناس بصفته معارِضاً للدولة، فيكون احتمال حصوله على الجيش الكافي في العدّة والعدد احتمالاً غير قوي، وحسبُنا أن ننظر إلى أهمّ الأفكار التي حاولَ عبيد الله بن زياد بثّها في المجتمع صدقاً أو كذباً ليستقطب الناس إلى جانبه:

أوّلاً: التهديد العسكري، حيث زعمَ لهم أنّ هناك جيشاً مُقبلاً عليهم من الشام ضخم جدّاً، يريد استئصالهم إن هم عصوا الدولة.

ثانياً: التهديد الشخصي بالسجن والضرب، بل والقتل أيضاً.

ثالثاً: التهديد الاقتصادي بالمقاطعة مع كلّ معارِض.

رابعاً: الطمع، بإضافة مبلغ من المال إلى راتب كلّ واحد يكون إلى جانبه، ويخرج في حرب الحسينعليه‌السلام ،

٢٠٩

ويُنقل ذلك تاريخيّاً على شكلين: أشهرهما:إضافة عشرة دنانير ذهبية إلى أيّ فرد ، والآخر:مضاعفة الراتب الذي يصله .

خامساً: الإحراج الاجتماعي عن طريق العلاقات والصداقات المبثوثة في تلك المدينة المنكوبة.

وكلّ هذه الأمور قائمة ضدّ مسلم بن عقيل، ومن المتعذّر أن يكون مثلها إلى جانبه، سوى التضحية في الرضوخ للحقّ لا أكثر، وهو ممّا يقلّ العاملون به في أيّ مجتمع، وخاصّة تحت ظروف من ذلك القبيل.

وقد بادرَ عبيد الله بن زياد إلى تغيير كفّة المجتمع إلى جانبه بمجرّد وروده، وألقى في الناس خطبة تتكفّل بيان تلك التهديدات والأطماع، مع بثّ شرطته وأنصاره بين الناس، لأجل الطمع والتخويف والإحراج، ممّا أنتجَ ما ينقلهُ بعض الخطباء الحسينيّين من أنّ الأم أصبحت تأتي إلى ابنها، والزوجة إلى زوجها، والبنت إلى أبيها، والأخ إلى أخيه، فيحذرّونهم مغبّة مناصرة مسلم ويقال لهم:

(مالَكَ والدخول بين السلاطين) ، ويأخذون بيده ويُرجعونهُ إلى بيته، ومهما يكن في هذا النقل التاريخي من المبالغة إن أخذناه على سعته، كما سبقَ أن قلنا: إنّ الكوفة والمجتمع الكوفي لا يمكن أن ينقلب تماماً من الولاء إلى العداء بين عشيّة وضحاها، وقد أقمنا على ذلك ما يكفي من القرائن والدلائل، إلاّ أنّه من الممكن أن يكون قد حدثَ مثل هذا التخذيل فعلاً على نطاق ضيّق قلّ أو كثُر؛ فإنّه على أيّ حال مُضر بجانب مسلم بن عقيل، ويُضاعف عليه الصعوبة والبلاء.

٢١٠

مَعقل

يقول المؤرّخون: إنّ مَعقلاً حين أراد التجسّس لابن زياد، أقبلَ إلى المسجد، فرأى مسلم بن عوسجة يُصلّي فيه فسألَ عنه؟ فقيل له: هذا يبايع للحسين بن علي، فجاءه وجلس إلى جانبه، حتّى إذا فرغَ من صلاته سلّم عليه وأظهرَ لهُ أنّه رجل من أهل الشام، وأنّه مولى لذي الكلاع الحميري، وممّن أنعمَ الله عليه بحبّ أهل البيت وحُبّ مَن أحبّهم وتباكى له، وقال له: إنّ عنده ثلاثة آلاف درهم يريد بها لقاء رجل من أهل البيت، بَلَغه أنّه قدمَ إلى الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقبلَ منهُ مسلم بن عوسجة وأخذ منه البيعة على يده فوراً.

ثمّ أخذهُ إلى مسلم بن عقيل، فأخذَ عليه البيعة والمواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ، فأعطاهُ(مَعقل) من ذلك ما رضي به، ثمّ أمرَ مسلم أبا ثمامة الصائدي(١) بقبض المال منه، وكان قد عيّنه مسلم لقبض الأموال من الناس وتجهيزهم بما يحتاجونه من السلاح والعتاد، وظلّ معقل يختلف إلى دار هانئ كلّ صباحٍ ومساء، فهو أوّل داخل وآخر خارج، فينطلق بجميع الأخبار والأسرار، فيقرؤها في أُذن ابن زياد(٢) ، ممّا أدى في النتيجة إلى فشل مهمّة هذه الجماعة المحقّة وتفرّقها عن مسلم بن عقيل.

فهنا قد يرد السؤال عن السبب في انخداع مسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل وأصحابهما، بهذا الرجل المعيّن ضدّهم،

____________________

(١) أبو تمّام الصادئدي: هو عمرو بن عبد الله بن كعب الصائدي، من شهداء الطف، كان من فرسان العرب ووجوه الشيعة، وكان بصيراً بالأسلحة، ولهذا لما جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قامَ معه وصار يقبض الأموال، ويشتري بها الأسلحة بأمر مسلم بن عقيل.

وفي كتاب (نَفَس المهموم) أنّ أبا تمّام قال للحسين عليه‌السلام : يا أبا عبد الله، نفسي لك الفدى، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل إنشاء الله، وأحبُ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنى وقتها، قال: فرفعَ الحسين رأسه ثمّ قال: (ذكرتَ الصلاة جَعلكَ الله من المصلّين الذاكرين، نعم، هذا أوّل وقتها) (الكُنى والألقاب: ج١، ص٣٣).

(٢) الإرشاد للمفيد: ص٢٠، مُثير الأحزان لابن نما: ص٢١، مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٢٤٢.

٢١١

ولئن كان مسلم بن عوسجة رجلاً اعتيادياً، مهما كان عالي الإيمان، فإنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه)، قد أثبتنا له أنّه مؤيّد ومُسدّد بالإلهام، فكيف لم يلتفت إلى ذلك؟!

وجواب ذلك يكون على عدّة مستويات:

المستوى الأوّل: إنّ هذا موجود في قضاء الله وقدره، وكلّما كان ذلك، فلابدّ من حدوثه، ومطابق للحكمة الإلهيّة، سواء عَلمنا بسببه أو جهلنا.

المستوى الثاني: مستوى مَن نعلم أو نحتمل عدم تسديده وتأييده بالإلهام المباشر - لو صحّ التعبير - وهم أصحاب مسلم بن عقيل سواه، فمن الواضح أنّ العادة في تلك الأجيال، وهي عادة استمرّت مئات وآلاف السنين، حتّى لم تكن كتابة وأوراق تدلّ على الشخصيّة، كما في الدول الحاليّة، فكان الناس يسألون الفرد عن اسمه وانتسابه، ويُصدّقون منه ذلك على السجيّة والعادة المتّبعة، وواضحٌ أنّه لو كذَبَ أيّ شخص في اسمه أو نَسبه، فسوف يقع في أنواع من المصاعب اجتماعياً واقتصادياً، أو يُحتمل وقوعه في ذلك على بعض التقادير، فكان الناس يُصَدَّقون في أقوالهم تلك، وكانوا يُصدِّقون أقوال الآخرين في ذلك، وليس أصحاب مسلم بن عقيل سلام الله عليه وعليهم إلاّ جماعة من ذلك المجتمع المعتاد على ذلك.

فإذا انضمّ إلى ذلك حُسن الظاهر والملاينة والمسايسة، فقط أصبحَ الفرد ناجحاً في الامتحان أو الاختبار الاجتماعي، وانتهى الأمر.

المستوى الثالث: مستوى النظر إلى المواثيق المغلّظة التي أخذها مسلم بن عقيل وأصحابه على(معقل) ، وقد أعطاهم من نفسه ما يريدون، ولم يكونوا يتصوّرون أنّ شخصاً ما من المسلمين يمكن أن يحيف بالعهد، أو يحيف باليمين،

٢١٢

وإنّما قيام العلاقات بين الأفراد والمجتمعات كانت ولا زالت على شرف الالتزام بالعهود، وإلاّ كان الفرد ساقطاً بالمرّة أمام الله والناس، ولم يكن يخطر على البال أنّ هذا الإنسان من الساقطين وبهذه الدرجة.

وهنا ينبغي أن نلتفت إلى ما وردَ في تفسير قوله تعالى عن قول إبليس:

( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) (١) ، من أنّ آدم وزوجته لم يتصوّرا شخصاً يُقسم بالله كذباً، يعني أنهّما حين سمعا إبليس يُقسم بالله سبحانه صدّقاه وأكلا من الشجرة.

أقول: فكذلك الحال في مسلم وأصحابه من حيث إنّ العهد مُلزم في الدنيا، واليمين مُلزم في الآخرة، فماذا بقيَ ممّا يكون أن يفعلوه أمامه؟

المستوى الرابع: إنّ مُسلماً وأضرابه من خاصّة أصحاب المعصومينعليهم‌السلام ، وإن قلنا بأنّهم مؤيّدون ومسدّدون بالإلهام، إلاّ أنّ ذلك ممّا لا ينبغي أن يؤخذ على أوسع نطاق:

أوّلاً: لأنّهم ليسوا معصومين بالعصمة الواجبة، كما يُعبّر عنها في (علم الكلام)، والمعصوم بالعصمة الواجبة يكون معصوماً من الخطأ والنسيان، مضافاً إلى عصمته من الذنوب والمحرّمات، بخلاف المعصوم بالعصمة غير الواجبة، فإنّه يكون معصوماً من الذنوب لا من الخطأ والنسيان.

ثانياً: إنّ الإلهام والتسديد إلى أمثال هؤلاء يختلف في السعة والضيق أو القلّة والكثرة، ينالُ منه كلّ منهم بمقدار قابليّته واستحقاقه وعمله وغير ذلك من الأسباب، وليس بالضرورة أن يناله بشكلٍ مطلق ومستمرّ، إذاً فمن الجائز أن يُحجب الإلهام والتسديد عن الفرد حيناً أو أحياناً، بمقدار ما تقتضي الحكمة الإلهيّة ذلك.

وهناك مستويات أخرى للجواب لا حاجة إلى الدخول في تفاصيلها.

____________________

(١) سورة الأعراف: آية (٢٠ ـ٢١).

٢١٣

تفرّقُ الناس عنه

ولعلّ السؤال الأخير الذي يمكن عَرضهُ في هذا الصدد: ما قالهُ بعض الأذكياء لبعض العلماء عمّا رويَ في التاريخ، من أنّ مسلم بن عقيل تفرّق عنه أصحابه كلّهم في يومٍ واحد أو عشيّة واحدة، حتّى أصبحَ يتلدّد في أزقّة الكوفة في ظلام الليل لا يجد مَن يؤويه(١) ، مع العلم أنّ من الكوفيين مَن هم على درجة عالية من الإخلاص للحقّ المتمثّل في مسلم بن عقيل والحسينعليهما‌السلام أمثال:حبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، وآخرين، بدليل أنّ هذين المذكورَين قد استشهدا مع الحسين في كربلاء، إذاً فإخلاصهم مُحرز فلماذا تفرّقوا عن مسلم في تلك الليلة وتركوه وحيداً حائراً؟

وقد أجاب ذلك العالِم: بأنّهم أعدّوا أنفسهم للشهادة بين يدي الحسينعليه‌السلام ، أقول: وهذا وحدهُ لا يكفي للإقناع؛ لأنّ حادثة الحسينعليه‌السلام كانت في ضمير المستقبل بالنسبة إليهم، ولم يكونوا يعلمون من حصولها شيئاً، فكيف نتعقّل كونهم استهدفوها بصراحة؟

ولكنّ تفصيل الجواب أن يقال: إنّ المخلِصين الكاملين كانوا قلّة لا يستطيعون وحدهم الدفاع عن مسلم بن عقيل، ولا حفظ حياته وحياتهم.

فلمّا رأوا فشل الحركة وتفرّق الجيش عنه، لم يشعروا بوجوب المحافظة على حياته شرعاً، لليقين بكونه مقتولاً لا محالة، حتّى ولو كانوا هم إلى جنبه بل سيقتلون معه أيضاً، إذاً فمسؤوليّة الدفاع عنه والحفاظ عليه ساقطة عنهم يقيناً، إذاً فخيرٌ لهم أن يحافظوا على حياتهم، وهم كوفيون يَعرفون المدينة وطبيعة سكّانها، وهو غريب جديد العهد بهذا المجتمع.

____________________

(١) اللهوف لابن طاووس: ص٢٣، تاريخ الطبري: ج٦، ص٢٠٩، مقاتل الطالبيين: ص١٠٢.

٢١٤

وأمّا سببُ محافظتهم على أنفسهم، فلا ينبغي الإشكال فيه في الدنيا والآخرة.

أمّا في الدنيا فواضح؛ لصعوبة تعريض النفس للقتل، وخاصّةً إذا كان بلا موجب وبشكل غير مُنتج كما عَرفنا.

وأمّا في الآخرة (أعني في التكليف الشرعي في الدين)؛ فلأنّ بقاءهم خيرٌ من موتهم، لاحتمال أن يُفيدوا المجتمع بقليلٍ أو بكثير، وأن لا يُخلو الساحة بالمرّة لعُبيد الله بن زياد وجماعته يفعلون ما يشاءون، دون وازعٍ من دين، أو ضمير، أو رقيب، أو حسيب.

مضافاً إلى احتمال تأييدهم للحسينعليه‌السلام ؛ فإنّهم كانوا عالِمين بأنّه مُقبل عليهم وقريب الوصول إليهم، بالرغم من طول السفر وبُعد الشقّة، إذاً فلعلّهم يستطيعون رؤيته، أو معونته، أو نصرته، أو امتثال أوامره، صحيحٌ أنّهم لم يكونوا يعلمون بحادثة كربلاء كما وقعت؛ لأنّها لم تكن قد وقعت، إلاّ أنّ نصرتهم للإمام الحسينعليه‌السلام إجمالاً - ولقاءه وامتثال أوامره أيّاً كانت - هذا ممّا كان هؤلاء الخاصّة يستهدفونهُ بصراحة ووضوح، فإن بقيَ الحسين وانتصرَ بقوا معه، وإن قُتل قُتلوا معه، وعلى أيّ حال فينبغي لهم في التكليف الشرعي الذي يعرفونه، أن يحافظوا على حياتهم الآن ليطبّقوا مثل هذا التكليف في المستقبل عند لقاء الحسينعليه‌السلام .

بقيَ السؤال الذي يخطر في الذهن: وهو أنّ مسلم بن عقيلعليه‌السلام لماذا بقيَ مُتلدِّداً في أزقّة الكوفة، وقد كان من الأفضل له أن يلتجئ إلى بيت أحد الثقاة من أصحابه، أو أن يخرج إلى البرّ ويلتحق بالأعراب فلا يعرفهُ أحد.

والجواب عن ذلك يكون على مستويات:

المستوى الأوّل: إنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) رجلٌ غريب في الكوفة، لا يعرف بيوتها ولا طُرقاتها، وقد كان أصحابه يقصدونه من منازلهم وهو لا يعلم أين تقع منازلهم، ولم يكن خلال هذه المدّة التي عاشَ فيها في الكوفة متيّسراً لهُ المشي في الطُرقات والتعرّف على البيوت؛ لأنّه كان بمنزلة القائد، فلابدّ لهُ من البقاء في مركزه، وإنّما يشتغل له الأتباع فقط.

٢١٥

المستوى الثاني: إنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) أدركَ لا محالة ما التفتنا إليه قبل قليل، من تفرّق خاصّته عنه، وأدركَ سبب ذلك، وهذا السبب ممّا ينبغي أن يحترمه تجاههم، مضافاً إلى إدراكه كراهتهم البقاء معه في ذلك الحين، وكان إذا أراد متابعتهم فسوف يعمل ما يكرهونه ويدخل بيوتهم عنوة عنهم، ويبقى فيها فيكون حراماً عليه.

المستوى الثالث: إنّه لا يوجد في ذلك الحين من أصحابه مَن يستطيع حمايته على الإطلاق؛ لأنّ بعضهم كان قد سُجن:كهاني بن عروة، والمختار بن عبيدة الثقفي، وآخرون، إذاً فدُورُهم مُغلقة في وجهه، وهم منكوبون قبل نكبته، وبعضهم مراقَب ومطارَد، وليس أسهل على الحكّام من أن يجدوا مسلماً في بيت أحد أصحابه، فإنّها أرجح الاحتمالات لوجوده، بخلاف ما إذا تخفّى في محلّ غير مُلفت للنظر كما فعل.

المستوى الرابع: إنّ خروجه بالبرّ لم يكن مُنجياً له؛ لأنّه لم يكن يملك فرساً، أو أيّة دابة في ذلك الحين، وإنّما كان يمشي راجلاً في الطُرقات ومتعباً بعد يومٍ حافل بالنشاط والحركة.

إذاً، فحتّى لو خرجَ إلى البرّ فسوف لن يستطيع أن يبتعد كثيراً، حتّى يطلع الصبح وسوف يَدركه أعداؤه لا محالة، بل سوف يُقبض عليه عاجلاً؛ لأنّ ابن زياد جَعلَ في المدينة وأطرافها عيوناً ساهرة تراقب الحال باستمرار، فما أسهل ما يقع مسلم بن عقيل بيد أحد هؤلاء أو جماعة منهم، إذاً فما فعلهُ (سلام الله عليه) كان أفضل الاحتمالات وهو: الالتجاء إلى محلّ غير مُلفت للنظر على الإطلاق، عسى الله أن يكتب لهُ فيه الخير.

المستوى الخامس: إنّه قد يقع السؤال عن إمكانه النجاة بالمعجزة، أو طيّ الأرض ونحو ذلك، وقد ناقشنا ذلك فيما سبق، والتفتنا إلى أنّه لم يكن في الحكمة الإلهيّة حصول المعجزات لنصرة أهل الحق، بل يبقى الأمر مطابقاً للقانون الطبيعي باستمرار، وإلاّ لم تكن أيّة حاجة إلى أيّ حربٍ خاضها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أمير المؤمنين، أو الحسينعليهم‌السلام ، أو أيّ شخصٍ آخر.

٢١٦

تألّبُ الناس ضدّه

وكما نفينا فيما سبق إمكان المبالغة في تألّب الناس ضدّ الحسينعليه‌السلام ، كذلك ننفي هنا المبالغة في تألّب الناس ضدّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه)؛ وذلك أنّ مقتضى كلام الخطباء الحسينيين عنه: أنّهعليه‌السلام جَمع الناس في أحد الأيّام كجيش محارِب وزوّدهم بالأسلحة، وأمّر عليهم الأمراء والقوّاد، ونادى بشعار المسلمين يوم بدر:(يا منصور، أمِت أمت) (١) .

واجتمعت إليه الكوفة برمّتها، حتّى إذا كان المساء نفسه تفرّقوا عنه، حتّى بقيَ وحده يتلدّد في أزقّة الكوفة، فلمّا كان الصباح نفسه تألّبوا جميعاً ضدّه وقاتلوه، حتّى النساء والأطفال كانوا يرمونه من السطوح بالحجارة، ويشعلون النار في أطناب القصب ويرمونها عليه.

وهذه (خريطة) ذهنية غير معقولة، ولئن كان يمكن حصولها في مدّة طويلة، فلا يمكن حصولها في مدّة قصيرة في عشيّة واحدة، فلئن كان يمكن تفرّق الناس عنه لمدى الضغط والمكر الذي مارسه ابن زياد وأصحابه، غير أنّه لا يمكن تألّبهم ضدّه إلى هذه الدرجة، فإذا عَلمنا أنّه كان يحارب وحده حين هجموا عليه في الدار، بقصد إلقاء القبض عليه،

____________________

(١) تاريخ الطبري: ج٦، ص٢٠٧، الكامل لابن الأثير: ج٣، ص٢٧١، ط مصر.

٢١٧

إذاً لم يكن الحاكم في حاجة إلى جيش عَرمرم ضدّه مهما كان شجاعاً ومقاتلاً بارعاً، ويكفي أن يجد ابن زياد من أصحابه عدّة مئات يكفونه المؤونة، بدون حاجة إلى أن نتصوّر إلى أنّ الكوفة كلّها قد انقلبت ضدّه في عشيّة واحدة.

وقد نظرتُ في المصادر التاريخيّة فوجدتُ أنّ الرمي من سطوح المنازل ضدّ مسلم بن عقيل، مذكورٌ فعلاً(١) ، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ الشعب كلّه فعل ذلك؛ وذلك:

أوّلاً: إنّه لا وجود لذكر النساء والأطفال الفاعلين لذلك.

ثانياً: إنّنا لو سلّمنا ذلك، فإنّما هم شَرذِمة من عوائل أعدائه.

ثالثاً: إنّ أصحاب بعض البيوت من أعدائه من الرجال فعلوا ذلك.

رابعاً: إنّ الجيش المعادي له الذي أرسلهُ ابن زياد للقبض عليه، وجدَ من الحيَل للسيطرة عليه أن يدخل البيوت عَنوة ويرميه البعض من السطوح بالحجارة والنار، فإذا كان ذلك محتملاً، والاحتمال مبطل للاستدلال، فلماذا نفترض ما هو مُستبعد في نفسه، وهو انقلاب الشعب كلّه ضدّه في عشيّة وضُحاها.

____________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب: ج٢، ص٢١٢، مقتل الخوارزمي: ج١، ص٢٠٩.

٢١٨

تأسيسهُ للجيش

سَمعنا قبل قليل ما نقلهُ التاريخ من تأسيسه (سلام الله عليه) - في أيّامه الأخيرة من حياته، ومن وجوده في الكوفة - جيشاً مهمّاً أمّر عليه القادة ونادى بشعار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأصبحَ هو القائد العام له، ولكنّهم تفرّقوا عنه بسبب مكر أعدائه.

والمهمّ الآن أنّه قد يخطر في الذهن سؤالان:

الأوّل: إنّه لماذا أراد تأسيس الجيش مع أنّنا عرفنا فيما سبق أنّه غير مخوّل بذلك، وإنّ نصّ الرسالة التي أرسلها الإمام الحسينعليه‌السلام معه لا تساعد على ذلك؟

الثاني: إنّه لماذا لم يحتل بهذا الجيش قصر الإمارة في نفس اليوم ويقضي على عبيد الله بن زياد ويستلم الحكم، ولقد كان ذلك أفضل بكلّ تأكيد له وللحسينعليه‌السلام وللدين عموماً، من هذا التأخير الذي حَصل والذي أدّى إلى فشل تلك المهمّة؟

أمّا السؤال الأوّل، فيمكن أن يجاب عنه بعدّة مستويات:

المستوى الأوّل: إنّ تأسيس هذا الجيش لمجرّد الدفاع عن الوضع الذي كان فيه مسلم بن عقيلعليه‌السلام وأصحابه - أو قل: إنّه محاولة لإرجاع الوضع المرتبك الذي استطاع ابن زياد زرعهُ ضدّه، إلى أوّل حالة من حرّية التحرّك والكلام - لم يكن فيه بأس على الإطلاق؛ لأنّه لا يستلزم إهراق أيّ دم.

المستوى الثاني: إنّ تأسيس الجيش والسيطرة على الحكم في الكوفة وإن لم يكن مذكوراً في كتاب الحسينعليه‌السلام ، غير أنّ مسلم بن عقيل ضمناً مخوّل لا محالة بأن يفعل في الكوفة كلّ ما يرى فيه المصلحة والإصلاح، فإن وجدَ في حال الكوفة ومن حال أصحابه إمكان أو وجوب تأسيس مثل هذا الجيش، لم يكن فيه بأس، حتّى لو استلزمَ الحرب وإراقة الدماء، لكنّنا سبقَ أن قلنا: إنّ مسلماً (سلام الله عليه) كان يتجنّب ذلك جهد الإمكان، لكي لا يكون مسؤولاً أمام الله سبحانه في التسبيب لضرب المجتمع بعضه بعضاً وهو جديد عهد بالإسلام، وقد فعل ذلك إلى آخر لحظات حياته.

مضافاً إلى أنّنا يحسن أن نلتفت إلى أنّه إذا كان قاصداً للسيطرة على الحكم، فالمظنون جدّاً أنّها سوف تتمّ بدون إراقة دماء على الإطلاق، أو بدماء قليلة جدّاً، لإمكان السيطرة على قصر الإمارة بسهولة وسرعة مع نجاح الجيش العقيلي وانضباطه.

٢١٩

المستوى الثالث: إنّ تأسيس هذا الجيش، ليس لكلّ ما ذكرناه، بل لاستقبال الحسينعليه‌السلام به حين يرِد الكوفة، فَيرِد على جيش منظّم ومن نقطة قوّة عالية وكافية، وهذا سبب محترم جدّاً لانتصاره وسيطرته على العراق كلّه لو شاء الله لهُ الاستمرار.

ومسلمعليه‌السلام وإن لم يصرِّح بذلك لأحدٍ، لكنّه من الأرجح جدّاً أن يكون قد احتملَ ذلك، وإذا تمّ لهُ الجيش لم يكن في الإدارة المعادية له في الكوفة أيّة أهميّة عملية وهي ضعيفة عندئذٍ، بل يمكن السيطرة عليها لحظة ورود الحسينعليه‌السلام ، أو قبل ذلك لو اقتضت المصلحة ذلك.

وأمّا الجواب على السؤال الثاني:

فلعلّ نفس إثارة السؤال يُعتبر هَذراً وسُخفاً، وإن كان طالما خطرَ في عددٍ من الأذهان، لوضوح أنّ العمل الجادّ والحقيقي يكاد أن يكون مستحيلاً في اليوم الأوّل، حين لم يكن الجيش مرتّباً ولا مضبوطاً لحد الآن، وإنّما يُعتبر اليوم الأوّل جَمعاً للأفراد وتسجيلاً لهم في هذا الجيش.

وينصّ التاريخ أنّ الكوفة بقيت خلال ذلك اليوم في حركة ولغط طيلة ذلك اليوم(١) ، وليس هناك من هدفٍ لهم إلاّ التجمّع وتطبيق الشعار الذي قاله مسلم بن عقيل (سلام الله عليه)، وأمّا مسلم نفسه فمعَ استمرار هذا الارتباك واللغط وكثرة الحركة، فمن المتعذّر عليه إصدار الأمر باحتلال قصر الإمارة بهذه السرعة والسهولة، ولعلّ فيه أو في خارجه مَن يحارب إلى جانبه فيصل الأمر إلى ما لا تُحمد عُقباه.

ونحن لو التفتنا إلى تفرّق الناس عن مسلمعليه‌السلام لمجرّد التهديد والخديعة،

____________________

(١) مقتل الخوارزمي: ج١، ص٢٠٧، مُروج الذهب للمسعودي: ج٣، ص٦٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250